روايات

رواية في قبضة الأقدار الفصل الرابع عشر 14 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الفصل الرابع عشر 14 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الجزء الرابع عشر

رواية في قبضة الأقدار البارت الرابع عشر

في قبضة الأقدار
في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة الرابعة عشر

كُل تِلك الدموع التي بللت وسائِدنا ليلًا و تِلك الجروح التي أغتالت براءتنا يومًا و تِلك الندبات التي شوهت قلوبنا أبدا ستُسألون عنها في يوم لا ريب فيه ..
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
” عيزاك تتجوز سما يا سليم !”
للحظة لم يستوعب جُملتها التي كان كُل شئ به يستنكِرها بداية من عقله الذي ظن للحظه بأنه يتخيل إلي جسده الذي تراجع خطوة للخلف بينما ملامح وجهه إنقبضت و تجعدت بصورة كانت كفيله بإيصال رفضه القاطع لهذا الهُراء الذي تفوهت به و لكنها لم تتقبل ردة فعله تلك فإزدادت نبرة صوتها قوة و هي تقول بغضب
” سليييم !”
تجاوز صدمته و خرج الكلام من فمه مُحملًا بأطنان من شُحنات الغضب الذي ملئ صدره حين سمع حديثها
” ماما أنتي سامعه نفسك بتقولي إيه ؟ سما مين دي إلي أتجوزها ! ”
«أمينة» بحدة
” سما بنت عمتك !”
«سليم» بصرامة
” قصدك سما أختي يا ماما ! أختي إلي كُنت بشيلها علي إيدي و هي صغيرة . إلي كُنت بقولها لو جوزك زعلك هكسرلك دماغه . إلي كانت مفروض هتبقي مرات أخويا ! دا مُستحيل يحصل !”
وصلت إلي مُبتغاها فاقتربت منه خُطوة بينما لوَن المكر ملامِحها و أختلط بنبرة صوتِها الهادِئه حين قالت
” طبعًا أنا مقدرة أنت كنت بتحب حازم الله يرحمه قد إيه و إنك تتجوز مراته..! أو إلي كان مفروض تبقي مراته دا شئ مُستحيل بالنسبالك .”
وصلت بحديثها إلي منطقة ألغام أوشكت علي الإنفجار بقلبه حين وصل إلي عقله الأسباب الخفيه لحديث والدته و التي لابُد و أنها قد شعرت بشئ ما خاطئ يحدُث حولها و لهذا حاولت إرجاع الأمور إلي نصابِها الصحيح و هو أكثر من شاكر لفعلتها تِلك لذا أخذ نفسًا قويًا عله يُطفئ نيران ضارية إشتعلت بقلبه قبل أن يرتدي قناع القوة و الصرامه التي تجلت في صوته حين قال
” بالظبط . مستحيل! مستحيل أتجوز واحده كانت في يوم من الأيام ملك لحد غيري سواء بقلبها أو عقلها أو جسمها . فما بالك بقي لو الحد دا يبقي أخويا !”
«امينة» بمراوغة
” بس يا سليم ..”
قاطعها بحدة
” مبسش يا ماما قفلي عالموضوع دا و متفتحيهوش تاني أنا كلمتي واحدة فيه ”
لا أحد يُدرٓك حجم الألم عِندما تختار بإرادتك الإبتِعاد عن أشخاص لا تعلم كيف و متي أصبحوا الأقرب إلى قلبك ..
نورهان العشري ✍️
**************
” مُتأكِدة يا «جنة» أنك هتقدري تقعدي اليومين دول لوحدك ؟ صدقيني أنا مش مُجبرة أبدًا علي السفرية دي و ممكن أعتذر عنها لو ..”
كان هذا حديث «فرح» التي كانت تشعر بالقلق من ترك شقيقتها بمُفردها وسط هؤلاء البشر الذين لا يعرفون أي شئ عن الإنسانية و اللُطف و لكن جاءت كلمات «جنة» المُطمئِنة حين قاطعتها قائلة
” دي تالت مرة يا فرح تقولي الكلام دا . صدقيني أنا هبقي كويسه . والله ما تخافي عليا أبدًا بعد إلي سالم بيه عمله النهاردة عمر ما حد هيقدر يبصلي بصه متعجبنيش. و بعدين أنا أساسًا مش هختلط بحد منهم يدوب وقت الأكل و هطلع الاوضه إلي جهزوهالي أقرأ شويه وأذاكر شويه لحد ما الكام يوم دول يعدوا و تيجي بالسلامة ”
أخرجت شُحنات قلقها في زفرة قويه قبل أن تمتد ذراعيها تُعانِق شقيقتها بقوة و حنان تجلوا في نبرتها حين قالت
” تاخدي أدويتك في معادها و تهتمي بأكلك و أوعي تسمحي لحد يضايقك و لو حصل فورًا تتصلي عليا هاجي أكسرلك دماغه . شرم مش بعيدة هحجز علي أول طيارة و أجيلك علي طول و يغور سالم الوزان هو و شغله إلي بلانا بين دا ..”
أبتسمت «جنة» علي حديث شقيقتها التي لم تمل من تكرار نصائِحها و بين كُل كلمة والآخري تُشدِد من عِناقها لها فأخذت تحمِد ربها كثيرًا علي شقيقة بنكهة الأم التي حُرِمت منها و لكنها كانت عوضًا لها عن كل شئ .
انتهت من جمع حقائِبها و التي كانت عبارة عن واحدة مُتوسطة بها ملابسها و مُتعلقاتها الشخصية و أخرى كانت صغيرة بها حاسوبها الشخصي و مُتعلقات خاصة بعملها و توجهت لتخرُج من باب المُلحق و ما أن أصبحت أمامه حتي إلتفتت تنظُر إلي «جنة» بعينان دافِئتان ثم فردت ذراعيها تُعانِقها بكُل ما تملك من حُب و حنان نابع من قلب يتمني أن يجد من يُعانٓقه و يربُت عليه بلُطف و يُخبره بأن كل شئ سيكون علي ما يُرام . و لكن كعادتها أكتفت بالعطاء دون أن تجروء علي الأخذ و كان هذا أحد أكبر أسباب مُعاناتها في هذه الحياة .
مسحت دمعة يتيمة فرت من طرف عيناها قبل أن تلحظها «جنة» التي لامست الحُزن بين طيات نظرات شقيقتها فقامت بإمساك كفها و وضعت بينهما قُبلة رقيقة إهتز لها قلب «فرح» التي زادت دقات قلبها بعُنف فلم تكن تتخيل فعلة شقيقتها تلك و خرج الكلام مُتقطِعًا من بين شفتيها
” جنة .. أنتي . بتعملي.. إيه؟”
«جنة» بحنو انبعث من عيناها قبل شفتيها
” أنتي أغلي إنسانه عندي في الدنيا يا فرح . أمي و أختي و صاحبتي و كل حاجه في حياتي . أنا محظوظة بيكي جدًا . أي حد أنتي موجودة في حياته يبقي محظوظ بيكي . أرجعيلي بألف سلامة عشان ماليش غيرك .”
كان كل هذا يدور أمام عيناه الصقرية التي لا تغفل عن شئ أبدًا و بالرغم من كون الغضب يأكُله من الداخل بسبب تِلك الرسالة اللعينة التي جعلته لأول مرة يختبر ذلك الشعور القاسي حين شعر بضلوعه التي إنقبضت بقوة مُعتصرة قلبه بين شقيها لينتج عن ذلك ألم حاد سري كالنيران بين أوردته فأصبح كل إنش في جسده يأن ألمًا و غضبًا
” أسبقيني عالعربية ”
خرجت تلك الكلِمات المُقتضبة من بين شفتيه فلم يعُد يتحمل الإنتظار أكثر و أقترب موجهًا حديثه إليها بينما عيناه إستقرت علي «جنة» التي طالعته برهبة حين قال
” أوضتك فوق جهزت هتقعدي فيها لحد ما فرح ترجع . و الكلام إلي قولته جوا تحُطيه حلقة في ودنك . ”
ألقي بأوامره و ألتفت مُغادرًا بشموخ كما أتي تاركًا خلفه «جنة» التي كانت ترتعِد من فكرة البقاء معهم بمفردها و لكن ما باليد حيلة و عليها التحلي بالشجاعة في مواجهتهم حتي يأتي طفلها سالمًا و بعدها يحدُث ما يحدُث .
بعد مرور نصف ساعة دلفت «جنة» الي داخل القصر و خلفها إحدي الخادمات التي كانت تحمل أشياءها و ما أن خطت أول خطوتان إلي الداخل حتي تفاجئت به يقف أمامها وجهًا لوجه فتجمد للإثنان للحظة و تبدلت النظرات المُشتعِلة التي لطالما كانت تُحيط بهما ما أن يجتمعا إلي أُخري مُمتنة خجِلة من جانبها و غامضة مُتحفظة من جانبه جعلتها تشعر بوجود خطب ما و لكنها تجاهلت حدثها حين رأته علي وشك تجاوزها فقالت بنرة رقيقة
” سليم بيه . ”
تجمد للحظه حين سمع ندائها المُتلهِف له و نبرتها الرقيقة التي جعلت نبضاته تتعثر بداخله و لكنه أتقن رسم قِناع الجمود علي ملامحه حين إلتفت إليها فتابعت بخجل و توتر
” كنت عايزة أشكرك علي إنقاذك ليا النهاردة.”
كان لحديثها وقع خاص علي قلبه الذي لأول مرة لا يعرِف كيف يُسيطر عليه فأكتفي بإيماءة بسيطة من رأسه أصابتها بخيبة أمل عندما لم يتكلف عناء الرد عليها فأومات هي الأُخرى و همت بالإلتفات تنوي الدلوف إلى داخِل القصر فأوقفها حديثه حين قال بخشونة
” خلي بالك . المرة الجاية ممكن مكونش موجود عشان ألحقك .”
صدمتها كلماته التي كانت تحمل معاني أُخرى لم تفهمها فجعدت ما بين عيناها بحركة طفولية لامست شئ ما داخله و قالت بإستفهام
” يعني إيه ؟”
زفر الهواء المكبوت في صدره دفعة واحدة بينما إصطبغت حدقتاه باللون الأحمر قبل أن يقول بنبرة قاسية
” يعني يبقي عندك شئ من المسئولية تجاه الطفل إلي شيلاه جواكي دا و تبطلي تعرضيه و تعرضي نفسك للخطر كل شوية.”
غامت عيناها بتأثر قبل أن تقول بنبرة مُرتجِفة
” أنا والله مكنتش اقصد. إلي حصل ؟”
قاطعها بحدة
” مش عايز أعرف إيه إلي حصل بالنسبالي النتيجة واحدة أن إبن أخويا كان هيتأذي .”
قال جملته الأخيرة بتمهُل و كأنه قاصدًا أن يُقحِمها إلي داخِل عقله الغبي الذي كان هو الآخر يُعانده و ينساق خلف أحاسيس لعينة لا يعلم من أين هاجمته . و بينما هو يتفنن في إظهار قسوتة شاهد طبقة كريستالية من الدموع تتشكل في حدقتاها و كان من الواضح أنها تُقاوم بشدة حتي لا تسمح لها بالفِرار و قد تجلي ذلك في نبرتها المُختنقة حين قالت
” عندك حق . مرة تانيه شكرًا . تعبتك معايا ”
بصعوبة كمم صُراخ قلبه الذي كان ينتفض غضبًا و ألمًا علي مظهرها و قال بقسوة نابعة من قهر يأكُل داخله
” أنتي فعلاً مُتعبة. الأصح أنك كارثة ماشية علي الأرض. و مش بس خطر علي نفسك لا دانتي خطر علي كل إلي حواليكي. ”
إنقبض قلبها جزعًا حتي آلمها و شعرت بشئ حاد يخترق صدرها الذي شعرت بنزيفه جراء تلك الإتهامات الشنعاء التي ألقاها بها و ما زاد من ألمها أن شئ ما بداخلها أخبرها بأنه علي حق فهي كارثة و حلت علي حياتهم و قد مزقها ذلك الشعور إربًا و لكنها حاولت التمسُك بخيط رفيع من الثبات حين قالت بنبرة أشبة بالهسيس
” عندك حق .. أوعدك دي آخر مرة هتسببلك في أي متاعب. عن إذنك ”
هرولت الي الخارج تسبقها عبراتها التي فرشت الطريق أمامها و كلما ترددت كلماته المُؤلمة في عقلها يزداد تدفُق عبراتها أكثر حتي غامت الرؤية أمامها و سقطت جالسة علي رُكبتيها تبكي كما لم تفعل من قبل كانت تبكي قهرها و ظُلمها و ألمها الذي كان كسِرب حمام يمتد من بغداد إلي الصين . و بينما هي في حالتها الكارثية تلك تفاجئت بذلك الظِل الذي أقترب واضعًا كفه علي كتفيها فرفعت رأسها لتشتبك عيناها مع آخري زيتونية صُدِمت حين رأتها ..
***************
” كذِب الرجال و لو صدفوا ! “هذا هو شِعار كُل أُنثي طال قلبها الوجع و بُتِرت أجنحتها بيد ذلك الذي خلقها بصدرها يومًا …
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
كان الجو مشحونًا بالتوتر منذ أن وطأت أقدامها السيارة و كان الصمت حليفهُما فحتي التحيه لم يتكبد عناء ردها بل أكتفي بإيماءة بسيطه من رأسه و كأن هذا الرجل مُصاب بداء إنفصام في الشخصيه . فتارة يكُن ظريفًا متجاوبًا و تارة يكن فظًا مُتغطرِسًا و الأدهى أنه دائمًا ما يُفاجئِها بردات فعله فعندما تنوي أن تتعامل معه برسميه كرب عمل تأتي شخصيته الظريفه لتجعلها تتجاوب معه دون إرادتها و حين تتعامل معه ببساطة يُفاجئِها بشخصيته المُتعجرِفه . لا تعلم أي شخصيه هو؟ و لا كيف تتعامل معه و مع شخصياته؟ فيكفيها ما تمُر به من إنفعالات و أحداث صاخبة تجعلها لا تحتمل أي شئ آخر قد يُزيد من مُعاناتها .
توقفت السيارة أمام ممر الطائرات و قام بالترجل منها دون التفوه بحرف بينما قام السائق بالإلتفات و وفتح بابها بإحترام فترجلت هي الآخري لتجده يتوجه إلي طائرة بدت و كأنها خاصة فتبعته بينما قام أحدهم بجلب حقيبتها و وضعها في أحد الأماكن بالطائرة التي كانت بالفعل خاصة فكان بها أريكتين مُتقابلتين بينهما طاوله و قد كان هو يجلس علي إحداهما فإختارت هي الجلوس علي الآخري المقابله له بهدوء كي لا تفسد ذلك الصمت المطبق المحيط بهما و لكن حين جاء وقت الإنطلاق تعاظم الخوف بداخلها فحاولت التحدث حتي تتناسي الأمر عل ذلك يهدئ من أدرينالينها الذي ارتفع عن معدله الطبيعي لذا قالت بنبرة متوترة قليلا
” هي الطيارة دي بتاعتك ؟”
” لا سالفها !”
كانت إجابته مقتضبه مختصرة ساخرة بطريقه أثارت حنقها فأخذت جرعه كبيرة من الهواء تحبسه بداخلها عله يهدئ من نيران الغضب الممزوج بخوف ظهرت ملامحه في عيناها و علي تقاسيمها و لكنها أبدًا لن تفصح عنه و لم تكن بحاجه لذلك فقد إلتقمته عيناه الخبيرة فتحدث بخشونه
” أول مرة تركبي طيارة ؟”
اتبعت نفس منهجه في التعامل فأختارت أن تكون إجابتها مختصرة و بإقتضاب تماما كما فعل معها
” أه .”
كانت تنظر إلي جهة النافذة بينما تعتصر كفوفها ببعضهم البعض لتتفاجئ بظل ثقيل يخيم فوقها فإلتفت لتصطدم بعيناه الصقريه التي كانت قريبة جدا منها تناظرها بطريقه جعلت الدماء تتجمد بعروقها و أنفاسه التي كانت ساخنة ملتهبة أشعلت حرارة جسدها و تجلي ذلك في خديها المُحمران بشدة و ضربات قلبها التي كانت تدق بعنف تردد صداها بأذنيها التي إلتقطت صوت إغلاق و الذي لم يكن سوي لحزام الأمان الذي قام بغلقه لها ثم عاد إلي مقعده بكل هدوء و ثبات تجلي في نبرته حين قال
“لازم تربطي حزام الأمان قبل الإقلاع !”
مازال الإرتباك و الخجل يلونا تقاسيمها مما جعل نبرتها مهتزة حين قالت
” أنا كنت هقفله !”
كانت عيناه تتابع شي ما علي حاسوبه بينما أجابها بلامباله
” لقيتك سرحانه في الشباك قولت أسيبك لاحلام اليقظه بتاعتك !”
فرح بصدمه ممزوجه بإستنكار
” أحلام اليقظة !”
سالم بفظاظة
” هو مش بردو السرحان بالنهار بيسموه أحلام يقظة ؟”
انقشعت الصدمة و حل محلها غضب حارق تجلي في نبرتها حين قالت
” مكنتش سرحانه علي فكرة و جو المراهقات و الأحلام دا مش بتاعي . و أفضل بعد كدا لو في حاجه مفروض اعملها حضرتك تنبهني و أنا اعملها . مش عايزة اتعبك ”
هز رأسه و لم يُجيبها مما جعل أسنانها تصطق من الغضب الذي حاولت ابتلاعه و لم تفلح فأخذت تُخرجه مع زفيرها علها تهدأ قليلًا بينما كان هو مُنشغِل بمُتابعة أعماله و لم يُعطيها أي إنتباه فقامت بإخراج حاسوبها و دفتر مُلاحظاتها و نظرت إليه قائله بعملية
“هنقعد هناك قد إيه ؟”
” معرفش ”
أجابها بإختصار فقالت بحنق
“يعني إيه . هو مش المفروض تكون عارف هتقعد هناك قد إيه ؟”
” و إيه إلي فرضوا ؟”
” يعني . كل أصحاب الشركات لما يروحوا مؤتمرات بيبقوا عارفين هيقعدوا قد إيه عشان وقتهم بيكون ضيق ”
” أنا غير كل أصحاب الشركات إلي تعرفيهم !”
ذلك الرجل يستطيع أن يُنافس علي لقب بطل العالم في الأستفزاز و التعجرف . كم تتمني لو أنها تستطيع أن تُمسِك بحاسوبها و تهوي به فوق رأسه اليابس هذا و تُحطِمه . فهذا هو الشئ الوحيد الذي سيجعلها تتنفس براحة
هسهست بغضب
” اللهم طولك يا روح ”
سالم بتهكم
” شاطرة قولي الدعاء دا علي طول . عشان أنتي محتاجه فعلًا !”
حاولت ألا تندرج تحت طائله إستفزازه و قالت بنبرة هادئه بعض الشئ
” في حاجه مُعينه هتبقي محتاجها مني ؟”
إلتفت ناظرًا إليها بعينان صقريه تُخفي داخلها أكثر مما تُفصِح فسارعت بتفسير معني حديثها قائله بنبرة متزنه
” أقصد في الترتيبات و كدا . ”
تحولت عيناه إلي الحاسوب أمامه و قال بإختصار
” لا ..”
” أول ما نوصل هيكون في أي اجتماعات أو..”
قاطعها قائلًا بخشونه
” لما نوصل هتعرفي !”
أبتلعت حنقها من رده المستفز و قالت بنفاذ صبر
” تمام برنامجنا هيكون إيه عشان أقدر أنظم وقت حضرتك هناك .”
كرر جملته السابقه بنفاذ صبر
” لما نوصل هتعرفي !”
جعلها رده تحترق كمدًا من ذلك المُتعجرِف المغرور و الذي لسوء حظها مُجبرة علي التعامُل معه و التحلي بالصبر لكونه رب عملها بل أسوء رب عمل قد يُقابله المرء في حياته و قد قررت بداخلها أن تتركه يذهب إلي الجحيم فقامت بغلق حاسوبها و إدخال دفتر مُلاحظاتها إلي الحقيبه و هي تقول بنفاذ صبر
” أوك . لو في شئ أقدر أساعدك بيه ياريت تبقي تعرفني !”
” في !!”
أجابها بإختصار بينما عيناه تُناظِرها بحنق لا تعرف كنهه فقامت بإمساك قلمها و دفتر مُلاحظاتها و قالت بعمليه
” اتفضل أقدر أساعدك بأيه ؟”
” تسكُتي !”
برقت عيناها من صدمة كلمته و التي أتبعها بصدمه أُخرى جعلت الدماء تفور في أوردتها غضبًا
” ياريت تسكتي عشان أعرف اركز في إلي بعمله ! ”
وغد. وقح.متغطرس.بارد.مغرور. كان لسان حالها يُردد تلك الكلمات التي تُحاول بأعجوبة أن لا تقذفها بوجه ذلك الوغد الذي يستحق صفعة قوية علي وجهه حتي تشفي غليلها و لو قليلًا و لكن للأسف كانت تلك أمنيه صعبة المنال كثيرا لذا حاولت تهدئه نفسها و إبتلاع غضبها قبل أن تتمتم بخفوت من بين أسنانها
” تمام .. هسكت ”
أطلقت جأشة مكبوته من أعماق صدرها و هي تنظر إلي النافذة تُحاوِل تناسي ذلك البغيض الذي يجلس أمامها كتمثال حجري لا يمُت إلي البشر بصله بل كان أسوأهم علي الإطلاق و هي الغبية التي كانت تنجرف نحو مُخططاته بكل سهولة و في اللحظة التي تتخذ قرارها بالإبتعاد عنه حتي تجد نفسها تنغرز معه أكثر و قد كان هذا ثاني شئ يُغضِبها في هذا الحياة بعد وجوده فيها .
قاطع تفكيرها صوت أنثوي رقيق لفتاة جميلة ترتدي زي المُضيفات
“سالم بيه ازي حضرتك ؟”
أومأ برأسه قبل أن يقول بتحفُظ
” أهلًا ”
الفتاة بلُطف
” أنا مي صاحبة حلا . حضرتك مش فاكرني و لا إيه ؟”
لم يتذكرها علي الفور و لكن عيناه ألتقمت تلك التي كانت تُتابِع الموقف بعينان يأكُلهما الفضول لذا إرتخت ملامحه قليلًا قبل أن يقول بإبتسامة جميلة
” لا طبعًا فاكرك ”
تهللت أسارير الفتاة التي قالت بود
” أنا كنت حابة أشكُر حضرتك جدًا أنك أدتني فرصة للشغل هنا . أنا كنت محتجاها فعلًا .تقريبًا حلا قالتلك علي مشكلتي وو ”
هُنا تذكر تلك الفتاة التي ظلت «حلا» تستعطفه و تتوسل إليه لأسبوع أن يجد لها وظيفة بعد أن أهاننها زوجها و سرق جميع متعلقاتها لذا تحدث مُستفهمًا
” آه أنتي إلي كُنتي متجوزة واحد زميلك و تقريبًا أطلقتي ؟”
الفتاة بحزن طفيف
” فعلًا . هو مطلعش قد المسؤوليه و كان عايزني أنا إلي اصرف عليه و أستغل حبي ليه كتير و لما رفضت الوضع دا بهدلني و أخد حاجتي كلها و ”
قاطع إسترسالها في الحديث فلم يكُن يهتم لقصتها بل كان يُجاريها في الحديث لسبب خاص بداخله لذا قال بإعجاب
” بس أنا شايفك دلوقتي أحسن”
عادت الإشراقة الي وجهها لدي سماعها كلِماته و قالت بلهفة
” آه الحمد لله أنا كُنت فين و بقيت فين ؟ بس صدقني يا فندم والله بصعوبة قدرت أتغلب عالي شفته !”
سالم بتخابُث
” الحقيقة يا مي أنتي من الشخصيات الجديرة بالإحترام يعني إلي مرتي بيه مكنش قُليل و أنك تقدري تتخطيه في وقت قياسي كدا . بحييكي بصراحه ”
انشرح صدرها لحديثه فقالت بعدم تصديق
” دا بجد يا فندم؟ ”
“طبعًا ”
كانت تُراقِب ما يحدث بأعين جاحظه من فرط ذهولها فهل هذا الكائِن المُتحضِر هو الوقح الذي كان يُحادِثها مُنذ قليل؟ بل و يُطلِق كلِمات الغزل و الإطراء التي ظنت أنها لا وجود لها في قاموسه ؟
كانت غاضبه بشدة لا تعلم السبب و لم تبحث وراءه كثيرًا أو فضلت عدم البحث تعلم بأن النتائج سوف تكون غير مُرضيه لها و لكن ما يعتريها كان رُغمًا عنها لا تمتلك القدرة لردعه أو قمعه !
قاطع شرودها لهفه الفتاة التي إرتسم الهيام علي ملامحها قبل أن تقول بنبرة رقيقه خجلة
” والله دا شرف كبير ليا يا سالم بيه أن حضرتك تقول في حقي الكلام الجميل دا ”
تابع لُعبته التي من وجهة نظره أتت بنتائجها و قال بإطراء
” أنتي تستحقي كل خير و لازم تبقي فخورة بنفسك . ”
الفتاة بإندهاش
“والله يا فندم كلام حضرتك دا شهادة أعتز بيها ‘
كانت عيناه الماكرة ترصُد حركات فمها المُرتعِشة و يدها التي كانت تشتد علي مقبض المقعد الخاص بها لذا قرر أن يضرب في أكثر الأماكن حساسية فتابع بتخابُث و هو يضغط علي كل حرف يتفوه بها
” تستحقي كدا و أكتر يعني بعد كل إلي أتعرضتيله من واحد كان جوزك و قدرتي تتجاوزيه في فترة قليلة. و ترجعي للحياة من جديد.و كمان أثبتيلي نظرية أن الست بتحلو جدًا بعد الإنفصال ”
“يا فندم مش عارفه أقول لحضرتك إيه دا حضرتك إلي عنيك جميلة والله .”
تجاهل إطرائها و تابع بقسوة يعلم بأنها ستُلاقي صداها لدي تلك التي كانت الكلمات تخترق أعماقها من الداخل
” أنا أعرف ناس تانيه غيرك خرجوا من علاقات فاشله و يمكن متعرضوش لربع إلي أتعرضتيله و مع ذلك أثرت عليهم بشكل كبير داخليًا و خارجيًا بقوا تشوفيهم تقولي دول عندهم سبعين سنه !”
تمتمت بصدمه
” سبعين سنة !!”
تظاهر بأنه لم يسمع كلمتها و تابع بتهكم
” حتي بعد ما مرت سنين مقدروش يتخطوها و لسه بيحتفظوا بذكريات منها !”
قال جُملته الأخيرة بنبرة يشوبها الحنق لتُجيبه مي بإندفاع
” دول يبقوا أغبيه يا فندم ! ”
قاطعها بتسليه
” تصدقي هي أغبيه دي أدق وصف ليهم !”
تابعت «مي» تؤكد علي حديثه
” فعلًا إلي يحبس نفسه في علاقة مُشوهة أخدت منه أكتر ما ادته . و يسمح ليها كمان أنها تأثر عليه بعد كدا يبقي شخص غبي ”
سالم بتسلية و عينان يُغلفهما المكر
” حصل . غبي و ستين غبي مفهاش كلام ”
نفذت قُدرتها علي التحمُل فانطلقت الكلمات من بين شفتيها غاضبة جريحة
” عايزة أروح التويلت !”
إلتفت اليها يُناظِرها ببراءة تجلت في نبرته حين قال
” إيه دا أنتي صاحيه ؟ فكرتك نمتي لما مشتركتيش معانا في الحديث ؟ ”
ألقت عليه نظرات الخِسة قبل أن تقول بتقريع خفي
” معلش أصلي اتعلمت إني متدخلش في إلي ميخُصنيش و خصوصًا لو كان عن حياة الناس و مشاعرهم ”
لم تتأثر ملامحه بل تابع بتسلية
“شئ جميل . زي بردو ما اتعلمتي إلي يعمل حاجه كويسه تُشكريه عليها ! الحقيقه قيم جميلة مُفتقدينها في حياتنا اليومين دول!”
كانت السُخرية تقطُر من عيناه قبل شفتيه و لكنها أرادت أن ترُد الصاع صاعين لذا قالت ساخرة
” فعلًا إحنا مُفتقدين حاجات كتير في حياتنا اليومين دول و أولها الذوق و إحترام مشاعر الناس و خصوصياتهم بالإضافة للوقاحة و قلة الذوق إلي بقوا موضة .”
«سالم» بوعيد
” وقاحة و قله ذوق !”
«فرح» بتحدي
” و ضيف عليهم كمان التكبُر والغرور و ياريت علي حاجة تستاهل . دا كله علي مفيش . ”
ثم زفرت بقلة حيلة قبل أن تُتابِع ببراءة مُصطنعة
” ربنا يعافينا من الناس دي . و الله يكون في عون إلى معاشرينهم بصراحة .”
بعد مرور بضع ساعات حطت الطائرة علي أرض المطار لتنهي تلك الرحلة المشؤمة و التي كانت تلعن نفسها لقبولها بها و لكن لا فائدة من البُكاء علي اللبن المسكوب لذا ارتدت قناعها المُعتاد و عدلت نظاراتها و هي تسير بجانبه في الرواق المؤدي إلي الفندي الذي سيمكثون به و قد كان هو الآخر يُساعدها حيث لم يلتفت إليها بل أخذ يتحدث مع أُناس لا تعرفهم و من الواضح أنهم أصدقاء قُدامي له لذا فصلت أن تجلس علي أحد المقاعد تنتظر أوامر ذلك السيد المغرور المُتغطرِس و الذي بعد نصف ساعة التفت ناظرًا إليها بلامُبالاه قائلًا بغطرسة
” أطلعي إرتاحي شويه عشان معزومين علي حفلة بالليل ”
اصطكت أسنانها غضبًا و لكنها أبتلعت جمراته و قالت بإختصار و هي تتناول منه الكارت الخاص بغُرفتها
” تمام ”
لم تنظُر إليه بل توجهت إلي المِصعد و هي تشعُر بأنها خرقاء لا تعلم في أي طابق غرفتها و لكنها أرادت الإبتعاد عن ذلك البغيض باقصي سرعة .
توقف المِصعد بها عند أحد الطوابق فخرجت منه بينما أخذت تبحث بعيناها عن غرفتها و حين كانت مُنشغِله لم تلحظ ذلك الشاب الذي ما أن شاهدها حتي اقترب متوجهًا إليها كالمُنوم مغناطيسيًا لا يُصدِق بأنها هُنا أمامه تلك التي لم تُفارِق أحلامه مُنذ أن تركها بغباءة و سافر بل و الأدهى أنه أقحم نفسه بزواج أحمق كان فاشلًا بكُل المقاييس حتي يُثبِت لنفسه و لها بأن غيابها لن يوقفه عن مُتابعة حياته .
بينما هي مُنشغِلة بالبحث فجأة اصطدمت بأحدهم فكانت علي وشك الوقوع و لكن يد قوية أمسكت بمرفقيها لتمنعها من الاصطدام بالأرض فاغمضت عيناها للحظة حين لفحها ذلك العطر الذي لن تُخطئ أبدًا في معرفة صاحبة ذلك الذي جعلها غيابه تتحول من فتاة جميلة مُفعمة بالحياة إلي عجوز شمطاء في الثامن والعشرون في عُمرِها .
رفعت رأسها تُطالعه بصدمه ارتسمت بعيناها و علي ملامحها بينما انقشعت صدمته لتتحول لفرحة عارمة بينما رسمت ملامحه خريطة من المشاعر أولها الندم و آخرها الأسف و كان الحب هو الطاغي بينهم .
مرت قُرابة دقيقة و هي علي مقربة منه حتي تمالكت نفسها و تجاوزت صدمتها حين سمعت صوته المشتاق يردد اسمها بعشق
” فرح .”
إرتدت بعُنف خطوتان إلي الخلف و حاولت السيطرة علي دقاتها الهادرة و تصنعت اللامُبالاة حين قالت بنبرة ثابتة تُحسد عليها
” أهلا يا حسام . ”
لامس تحفُظها و رأي مقدار التغيير الذي طرأ عليها مُنذ ذلك اليوم المشؤوم حين غادرها و قد شعر بألم حاد ينخِر عظامه لكونه السبب في بهوت ملامحها و إنطفاء وهج عيناها بهذا الشكل لذا حاول التحدُث برقه حين قال
” عاملة إيه يا فرح ؟’
«فرح» بإقتضاب
” الحمد لله ”
” بتعملي إيه هنا ؟”
” جاية في شغل ”
لاحظ ردودها المقتضبة و المختصرة فحاول تجاهل ذلك و قال بلطف
” ياه عالصُدفة الجميلة إلي خلتنا نتقابل بعد كل السنين دي ”
رفعت إحدي حاجبيها بتهكم قبل أن تقول ساخرة
” هي صدفة جميلة فعلًا !”
حسام بغزل
” متغيرتيش يا فرح لسه جميلة زي مانتي ”
إحتد صوتها قليلًا و هي تقول بمرارة
” لا اتغيرت يا حسام و اتغيرت أوي و لو مشوفتش دا يبقي محتاج نضارة. عن إذنك ”
تركته و تحركت في طريقها الي المِصعد مرة أُخرى و لكنها توقفت للحظة حين سمعت تلك الفتاة التي نادته بحبيبي و قد تركت الكلمة بصماتها في زاوية ما بصدرها و واصلت هروبها و لكن تلك المرة حتي تهرب من ذلك الرجل الذي كان تسبب غدره بها في تشويهها داخليًا و حفر ندبة قوية في مُنتصف قلبها جعلته غير قادر علي الحب طوال حياته .
أخيرًا إستطاعت أن تصل إلي غرفتها فأغلقت الباب خلفها و وقفت تستند عليه تتنفس بحدة علها تُخرِج كل تلك المشاعر المكبوته بداخلها و التي تُشعرها بنغزة قوية في مُنتصف قلبها و ما أن خطت خطوتان حتي وجدت ذلك الفستان الذي اختارته منذ بضعة ساعات
عودة لوقت لاحق
كانت تتذكر حديثه مع تلك الفتاة «مي» و داخلها يحترق كمدًا هل فعلًا يراها كعجوز تخطت السبعين من عُمرها !
ذلك الوغد ستُريه من هي العجوز .!
اخذت تبحث علي مواقع التواصل حتي وجدت تلك السلسلة من المحلات و التي تُقدِم أفخم الثياب و بالفعل وقعت انظارها علي ثوب بلون الكريمه الناعمة و قد كان مُحتشِم كما أرادت يرسم تفاصيل الجسد بصورة غير مُبتذله و كانت أكمامه قصيرة بعض الشئ و به خيوط ذهبية تظهر بصورة خاطفه لتُعطيه طله براقه لامعة .
كان هذا الثوب هو تحديداً ما تبحث عنه فقامت بحجزه و لحُسن حظها كانت تعرف إسم الفُندق الذي سيمكثون به و رقم غرفتها فاعطتهم التفاصيل و حالفها حظها و وصل الثوب في المعاد المُحدد
عودة إلى الوقت الحالي
كانت تنوي إرتدائه في المؤتمر و لكنها سترتديه الليلة في الحفل و ستجعل هؤلاء الأوغاد يروا من هي العجوز !!
جاء الليل سريعًا و أقترب ميعاد الحفلة و كانت هي علي أتم الإستعداد للمواجهة بهذا الزي الرائع الذي بدا و كأنه صُنِع خصيصًا لها مع تلك الزينة الجميلة التي أبرزت بياض بشرتها و هذا الكُحل الرائع الذي حاوط عيناها بإتقان فجعل منهما كغابات الزيتون البراقة و تلك الحُمرة القانية التي حددت شفاهها فجعلتها مُثيرة لحد كبير .
كانت أكثر من راضية علي مظهرها فقد بدت فاتنة بصورة كبيرة أعطتها جُرعة من الثقة و هي تتوجه إلي الأسفل تُحاوِل مُهاتفة ذلك المُتغطرِس الذي لم يكن يُجيب علي أتصالاتها و جاء حظها العاثر حين شاهدت «حسام» يقف مع زوجته في البهو و التي ما أن رأتها حتي تعلقت بعنقه بدلال تجلي في نبرتها حين قالت مُتصنِعة الإندهاش
” إيه دا يا حسام مش دي فرح ؟ يافرح يا فرح ”
أوقفها نداء تلك الغبية فقد كانت تنوي المرور دون أن تلتفت إليهم و لكنها اضطرت إلي رسم إبتسامة مُجامله و هي تتوجه إلي مكانهم و داخلها يتمني لو يحترقا في الجحيم
” أهلاً يا مها اذيك ”
” أذيك يا فرح عامله إيه ؟”
فرح بتحفظ
” الحمد لله”
مها بتخابث
” إيه مش هتسلمي علي حسام ؟”
فرح بثبات يتخلله المكر و قد أدركت ما ترمي إليه تلك المرأة
” لا مانا سلمت عليه الصبح هو مقالكيش أننا أتقابلنا و لا إيه ”
تبدلت الأدوار و نجحت في زعزعة غرور و ثبات غريمتها التي التفتت تُناظر حسام بغضب و لكنه كان في مكان آخر فقد كانت كل أنظاره متوجهه إلي تلك التي لم ينساها و لو للحظه بل كانت تحتل جزء كبير من تفكيره طوال تلك السنوات و اليوم ظهرت أمامه بكل هذا الجمال و كأنها أقسمت الإنتقام من قلبه بأقسى الطُرق لذا لم يكن ينتبه لما يحدث حوله فقط عيناها و وجهها و عطرها و حضورها الطاغي.
كانت تعلم ما وراء نظراته و لامست خيبته و ندمه الواضح في عيناه وةملامح وجهه و قد كان هذا أكثر من مُرضي لها و لكن ما لم تكن تحسب حسابه أن يظهر هو من العدم لتتفاجئ بعطره الذي طغي علي الجو حولهم. حضوره الذي أضفي هيبة قوية تجلت في نبرته حين ناداها
” فرح ”
التفتت تُناظره بغرور لاق بها كثيرًا و لكنها وجدت عيناه قاتمة بشكل لفت انتباهها و خطواته التي كانت تقترب منهما و كأنها تتوعد لهم علي جُرم لا تعلم عنه شئ و ما اذهلها هي عندما وجدته يقف بجانبها مُلاصقًا لها بينما عيناه تُرسِل شرارات جحيميه لذلك الذي استنكر حضور «سالم » الطاغي و قربه منها بهذا الشكل فلم يكد يتحدث حتي تفاجئ منه يوجه أنظاره إلي «فرح» قائلًا بخشونة
” أتأخرتي ليه ؟”
أجابته بهدوء
” أبدًا أنا كنت جاية بس قابلت ناس أصحابي و وقفت اسلم عليهم ”
ثم ألتفتت تنظُر إلي حسام بعينان يحملا الكثير من التحدي و قالت بلباقة
” بشمهندس حسام الصاوي كان زميلي في الشركة و دي مدام مها مراته”
عندما ذكرت اسمها أرفقت نبرتها ببعض السخرية التي تجلت بوضوح في عيناها مما أغضب «مها» كثيرًا و لكن كان هناك حوار آخر يدور بين الرجال و بقدر صمته كان يحمل الكثير من الشُحنات المُحملة بالغضب و التحدي و الوعيد الصامت الذي قطعه حين أومأ برأسه بلامُبالاة تجلت في نبرته حين قال
” أهلًا.”
ثم وجه أنظاره أليها قائلًا بفظاظة
” يالا عشان منتأخرش .”
لم تكد تُجيبه حتي شعرت بذراعه التي أقتربت من خصرها فحاولت قمع أنتفاضة جسدها و إلتفتت مُتوجِهه إلي حيث أشار بيده الآُخري حتي لا تسمح له بمُلامستها و قد كان شعور عارم بالإنتصار يملئ داخلها مما جعل دقاتها تتقاذف بين جنبات صدرها و أنفاسها تتسارع غافلة عن عينان كان الحجيم يُلونهُما فقد كان يتحكم بأعصابة بقوة حتي لا يعود أدراجه و يقوم بتلقين ذلك الوغد درسًا لن ينساه طيلة حياته . و الحقيقة أنه يمنع نفسه بأعجوبة من فعل ذلك مُنذ ساعات مضت. فهو ما أن رآها تذهب و تستقل المصعد حتي شعر بشئ ما داخله جعله يسير خلفها و استقل المصعد الآخر مُتوجِهًا إلي الطابق الذي توقف به مِصعدها و ما أن وصل إلي طابقها حتي قام بفتح الباب ليتفاجئ بها تقف أمام ذلك الرجل الذي كان يلتصق بها و عيناه تأكُلانِها بشكل جعل الدِماء تندفع إلي رأسه و غلي صدره من شدة الغضب و ما أن هم بالذهاب خلفها و لكّم هذا الغبي حتي تفاجئ بها تنطِق إسمه . إذن هذا هو الرجل صاحب تلك الورقة اللعينة التي وجدها البارحة بمكتبه ! يعني هذا بأنه ذلك الخطيب المزعوم الذي تركته و فضلت شقيقتها عليه .
كان يطحن أسنانه ببعضِهما البعض و هو ينظر إليها تقف معه ومع كل ثانية تمُر عليه و هو يشاهدها يشعر بأن هُناك شئ يخنق أنفاسه و ينزع قلبه من بين ضلوعه.
كان شعوراً قاسً لا يرحم و قد تجرعه مرتان في يوم واحد فهاهو رآها تقف معه للمرة الثانيه فإجتاح أوردته تيارًا جارفًا بالغضب الجحيمي مما إلتقمته عيناه قبل دقائق رافقه شعورًا مقيتا بالغيرة الذي لا يعرف كيف وجدت طريقها إلي قلبه ! و التي كانت كنيران مُلتهِبة تحرِق أحشاؤه مِن الداخل و تبِعها صدمة قويه إجتاحت عقله حين وصل إلي تفسير كل ذلك الألم المُميت الذي يملئ صدره و هو أن تِلك المرأة أصبحت تعني له الكثير !
كان هذا المثلث المرعب من الأحاسيس جديد كُليًا علي رجل مثله أعتاد علي الصمود و المقاومة لم يُدرِك معني الألم و هوان العُشاق لا يليق به أبدًا و يعرف طريق الإنتصار عن ظهر قلب و لكنه الآن علي شفير الهزيمة النكراء أمام تلك الضربات المُتلاحقة في قلبه .
كانت عيناه تستقر علي ملامِحها بطريقه توحي بأن الناظر إليها قاتل مُحترف و هي ضحيته التاليه! فقد كان يُراقِب تخبُطها و ثباتها الواهي بعينان قاسيه تشتعل بنيران حارقة لن ترأف أبدًا بوجعها الذي كان ينخر بداخلها بلا رحمة و لسوء حظها فقد تضاعفت تِلك النيران و تعاظم الغضب إلي أن أصبح بنكهه الجحيم حين وجد ذلك الشخص القادم من الخارج و الذي من فِرط تأثُره بها كانت عيناه تلتهِمها إلتهامًا خاصة و هي في هذا الثوب البديع و لأول مرة يراها تستخدم أسلحتها الفتاكة في حرب غير عادلة لا يعرف كيف أقحم نفسه بها و لكنه حتمًا سيخرُج منها رابِحًا رُغمًا عن كل شئ و أي شئ .
بينما كانت تُحاوِل إعادة تنظيم أنفاسها و دقات قلبها الهادِرة تفاجئت بيد غليظة تمتد لتُمسِك بمرفقيها تجذبها بعُنف لم تعتاده أبدًا و لم تستطِع فهم ما يحدُث إلا عِندما وجدت نفسها في حلبة الرقص مُحاطة بأصفاد فولاذية طوقت خصرها و آُخري أحكمت الإمساك بيدها حتي ظنت أنها سوف تتحطم بضغطه آُخري .
” سا . سالم بيه ؟ هو في إيه ؟”
هكذا خرج الحديث مُقطِعًا من بين أنفاسها المقطوعة و التي لم يغفل عنها
” أنتي شايفه إيه ؟”
قساوة نظراتة و حدة نبرتة و خشونة لمساته كُلها أشياء تُنذِر بحلول عاصفة هوجاء قد تكون هي أول ضحاياها
” هو حصل حاجه ؟”
” حاجه زي إيه ؟”
أجابها بحدة لم يُحاوِل إخفاءها بينما أشتدت قبضته حول مِعصمها فقامت بلعق شفتيها الجافتين قبل أن تقول بنبرة ثابتة
” حضرتك شكلك متضايق . يعني أنا عملت حاجه ضايقتك..”
قاطع حديثها بصرامه أخافتها
” محدش يقدر يضايقني . و خصوصًا أنتي ”
شهقت لصراحته الفجة و أشتعل فتيل غضبها من رده الوقح و لكنها لم تستطع إجابته إذ تفاجئت به يقوم بلفها كالأميرات و من ثم أعادها إلي وضعها السابق و التي لم تكُن مُنتبِهه له في ظل صدمتها و قد أغضبها ذلك فقالت بصوت حاد قليلًا
” لو سمحت عايزة أرجع عالترابيزة .”
” لا ..”
كانت إجابه قاطعة صارمة متبوعة بنظرات مُخيفه صدمتها و لكنها حاولت تجاهُلها و قالت بحنق
” بس أنا مش عايزة أرقص”
” مسألتكيش عن رأيك . سالم الوزان لما بيعوز يعمل حاجه مبيسألش !’
الآن ظهر ما يُخفيه خلف لباقته ! هكذا أخبرها عقلها و برقت عيناها للحظة من رده و ظُلمة عيناه التي أشتدت بلا هوادة و لكن فاض بها الغضب و بقوة لم تعرف من أين أتتها قامت بإنتزاع نفسها من بين براثنه و دفعته ببسالة أُنثي إعتادت ترميم حُطامها من جديد هتفت صائحة بصوت حاولت أن يبدو غليظًا
” و أنا متخلقش إلي يمشيني علي مزاجه أو يخليني أعمل حاجه غصب عني …”

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى