روايات

رواية فطنة القلب الفصل العاشر 10 بقلم سلمى خالد

رواية فطنة القلب الفصل العاشر 10 بقلم سلمى خالد

رواية فطنة القلب الجزء العاشر

رواية فطنة القلب البارت العاشر

رواية فطنة القلب الحلقة العاشرة

(إِنَّ بُعْدَ اَلظَّنِّ إِثْم )
صعد نحو غرفتها كي يروي لها الحقيقة، يعلم جيدًا أنه ليس من السهل أن تصدقه، ولكن سيحاول معاها، طرق باب الغرفة بهدوءٍ، ينتظر خروجها وبالفعل فُتح الباب ولكن كانت تقف أمامه بأعين حمراء، عينان متورمتان بشدة من أثر بكاءٍ عنيف، شعر مازن بالذنب نحوها فأسرع بالحديث يتمتم:
_ يا قطوف الروچ دا من بنوتة صغيرة اسمها قمر كانت بتعيط عشان صحبتها ضحكت عليها وقالتلها أن شكلها وحش وأنها تستعمل روچ مامتها وهي عملت كده ولما ساعدتها واقنعتها إنه دا غلط وأنها جميلة راحت حضنتني… أكيد مش هروح بالشكل دا لوحده.. لو عايزة نقابل الطفلة دي وتسأليها بنفسك وأكيد..
:_ ميهمنيش!
قالتها ببرودٍ قاتل، في حين نظر لها مازن بنصف عين، ثم قال بهدوءٍ:
_ وبتعيطي ليه أما مش همك؟!
استدارت توليه ظهرها، تجيب بصوتٍ ساخط:
_ بعيط لأن طلعت عايشة مع رئيس عصابة…
ثم عادت تنظر له بأعين مشتعلة من الغضب، تكمل حديثها بنفورٍ:
_ عايشة مع بني آدم غدار بيعرف يخلي اللي حوليه يصدقوه.. حقيقي أنت وأمك بقيتوا تخنقوا.. كل ما بشوفكم ببقى عايزة ارجع من كمية القرف اللي بشوفه منكم.. هو في ناس زيكم كده.. أنت بجد بقيت أكتر راجل اقرف منه ومش طايقة أشوفه تاني.. وطلقني.. وأنا مش عايزة الورث بتاعي!
كان يستمع لكلماتها، كانت كالحجارة التي تُلقى فوق رأسه، بقى يعلق نظراته بخاصتها، يحاول أن يتأكد من كل كلمة قالتها، حتى أردف بصوتٍ هادئ يرفق حدثه ببسمة صغيرة متألمة:
_ حقك مش هنكره.. وهنطلق زي ما أنتِ عايزة بس لما السنة تخلص هي يعتبر عدى منها شهور وهانت هترتاحي من قرفي كله ومش هتضطري ترجعي لما تشوفيني.. بمجرد ما السنة دي تخلص هطلقك وتاخدي ورثك كله..
كاد أن يغادر ولكنه اضاف بنبرة تحمل مرارة حديثها:
_ وعلى فكرة أنا مفكرتش نهائي اكسرك بوقت ضعفك يا بنت خالي.. زي دلوقتي بظبط أنتِ في أضعف حالتك وأنا سهل عليا ارمي يمين الطلاق واكسرك واخد ورثك، عن إذنك.
استدار مغادرًا المنزل بأكمله، كلماتها القاسية جلعت من مقلتيه يصرخان ألمًا، كبرياؤه يمنعه من أن تهبط دمعته في حين يصرخ قلبه بأن ينفث عنه، هبطت دمعة واحدة فقط من عينيه ولكنه ازالها سريعًا، وقرر أن يشغل عقله بالعمل.
***
ارتدت ملابسها بحماسٍ لم يسبق لها تجربته، فقد قررت الذهاب إلى صديقتها كي تقضي معها بعض الوقت، خرجت من غرفتها تذهب نحو والدتها مرددة بنبرة متحمسة:
_ ماما هروح لقطوف شوية بما اني اجازة النهاردة!
ابتسمت لها بحبٍ ثم قالت وهي تخيط بعض الملابس:
_ ماشي يا حبيبتي متتأخريش بس أهم حاجة.
حركت مريم رأسها بإيجابية، ثم سارت نحو الباب وما أن فتحته حتى وجدت رسالة صغيرة على الأرض، هبطت تمسكها ثم فتحتها لتجد
( 010**** دا رقمي خدي معاد مع مامتك عشان اجي اتقدملك وابعتلي يا بومة)
صكت مريم على اسنانها بغيظٍ، تهمس:
_ آه يا خرتيت ماشي.
وضعت هذه الرسالة بحقيبتها وانطلقت نحو صديقتها لتجلس معاها قليلًا.
*****
بالإسكندرية..
هبطت ياسمين بحماسٍ شديد كي تذهب لعملها، ولكن قبل أن تغادر من باب العمارة وجدت جمال أمامها، تعجبت من اعتراضه طريقها ونظراته المخيفة، في حين أردف جمال بصوتٍ غريب:
_ رايحة فين؟!
رمشت بعينيها بدهشة، لتردف بصوتٍ جامد:
_ وأنت مالك!
رفع جمال حاجبه، ثم علت بسمة مخيفة ثغره يردد:
_ لما اسألك بعد كده تردي عدل… المرة دي هعديها لكن المرة الجاية مش هعديها فاهمة!
تراجعت ياسمين بخوفٍ منه، في حين عاد جمال لطبيعته يردد بهدوء:
_ لو رايحة الشغل روحي ومتكلميش راجل هناك مفهوم؟!
صمتت ياسمين ولم ترغب بالإجابة، في حين أعاد جمال كلمته بحدة قائلًا:
_ مفهـــــــــوم!
حركت ياسمين رأسها بإيجابية، ولكن عينيها يقفزان منهما الرعب، فأفسح لها جمال الطريق كي تغادر، وبالفعل هرولت من امامه، تشعر بالدهشة ممزوجة برعبٍ منه.
****
ظلت ترن بالجرس عدة مرات وكأنها طفلة، في حين فتحت قطوف الباب تصرخ بها قائلة:
_ في ايه يا مريم… أنتِ قلبتي على ابن اختي ليه؟!
ضحكت مريم بعبثٍ، ثم اردفت بنبرة مستمتعة:
_ كان نفسي اجرب أوي الحركة دي.. المهم اوعي كده عايزة ادخل.
دلفت مريم للداخل دون أن تنتظر، في حين اغلقت قطوف الباب بنفذ صبر من افعال صديقتها، ارتفع صوت مريم مرددة:
_ صحيح يا قطوف هو مين جابلك زهرة الأوركيدا؟!
تجمدت قطوف عدة دقائق، ثم رددت بهدوءٍ:
_ تشربي إيه؟!
رفعت مريم حاجبها بغيظٍ، ثم اردفت بنوعٍ من المكر:
_ مازن اللي جابه… بتكبري ليه؟ ما تقولي ان جوزك جبلك وردة بتدوري عليها بقالك كتير!
نظرت لها بحدة، في حين وضعت مريم يدها بخصرها تردد بحدة:
_ بقولك ايه لو ضحكتي على نفسك فمش هتضحكي عليا فاهمة.. هو فين صحيح؟ ومال وشك ولا كأنك معيطة؟
صمتت قطوف ولم تتحدث، في حين شهقت مريم تردد بصدمة:
_ ضربك.. كلك علقة بجد!
حدقت بها قطوف في ذهول، في حين صفقت مريم بيدها في سعادة مرددة:
_ طب والله برڤو عليه عمل اللي مقدرناش نعمل.. وأنتِ تستاهلي عشان تعدلي نفسك شوية.
أمسكت قطوف احدى وسادات الأريكة وألقتها على مريم، ثم قالت بغيظٍ:
_ ما تتلمي بقى جاية وبلعتي راديو!
جلست على الأريكة مرة اخرى، ولكن ترمق قطوف بنظراتٍ غاضبة، مرددة:
_ اديني اتخرست انطقي يا بشمهندسة ايه اللي حصل؟!
جلست جوارها قطوف تردد بصوتٍ مختنق:
_ اتخنقنا وقولت ليه كلام جامد!
مسحت مريم على وجهها بنفذ صبر، ثم قالت بهدوء مزيف:
_ قولت إيه للولا! عملتي ايه انطقي؟
عبست ملامح قطوف تغمغم بغيظٍ:
_ هو ابنك خايفة عليه.. اذا كان أمه بذات نفسها جت واتفقت معها ياخدوا ورثي وهو يطلقني بس قبلها لزمًا يكسرني..
حدقت بها مريم ببعض الصدمة، ثم اعتدلت بجلستها تركز انتباهها معها قائلة:
_ لا اهدي كده واحكيلي حصل ايه بظبط يا قطوف بظبط!
سردت لها قطوف ما حدث، في حين جحظت عين مريم بحدة تردد بصوتٍ مذهول:
_ ومازن معملش حاجة ليكي؟!
حركت رأسها بالنفي، تردد بصوتٍ مغتاظ:
_ ناقص يعمل كمان دا حقي اللي عملته فيه.
:_ كسر حُقك يا شيخة.. احمدي ربنا إنه مكلكيش قلمين فوقك بيهم… دا أنا سمعت منك وصحبتك وعايزة ارنك علقة ما بالك هو!
قالتها مريم بغضبٍ، في حين هدرت قطوف بصوتٍ عالي لتخرج غيظها:
_ أنتِ المفروض تقفي معايا.. دا كان عايز يسرقني ويكسرني هو وأمه.. واقفة في صفه ليه ضدي هو الجاني مش المجني عليه.
نهضت مريم من مكانها تنظر نحو قطوف بقوة، تهدر هي الأخرى بحدة:
_ في الحقيقة بقى هو المجني عليه مش أنتِ.. أنتِ مبتفكريش يا قطوف واحد راح جبلك وردة نادرة.. بيسمع منك كلام زي السم ومكمل معاكي.. أكبر دليل أنه عمره ما فكر يأذيكي أنه قال الكلام دا في البيت هنا.. بالعقل كده واحد عايز يكسر واحدة ما يروح عند أمه يتفق معاها مش يقول الكلام دا في البيت عندك.. أنا هسألك سؤال وتردي مازن خد أمه ودخلها المكتب أو اي اوضة فاضية يتكلموا ولا اتكلم في الصالة؟!
صمتت قطوف ولم ترد، في حين استرسلت مريم حديثها بسخرية:
_ لا واضح أنه بيخطط يكسرك مش بيخطط إزاي يبعد أمه عنك.. طب سؤال تاني بقى.. مامته ردت قالت ايه؟ مش قالت هسبلك الموضوع.. يعني باين أوي أنه بيبعد مامته عنك شوية ولو بشكل مؤقت.. مازن مش وحش يا قطوف.. مازن انضف راجل ممكن تشوفيه.. كفاية أنه مستحمل طريقتك الهمجية دي..
كادت أن ترد عليها، ولكن اوقفتها مريم قائلة وهي تحمل حقيبتها مغادرة:
_ فكري بعقلك قبل ما تحكمي عليه.. وصدقي مازن شوية واسمعيه.. أنتِ بتصديه ولا كأنه عدوك وهو في النهاية مش بيعمل حاجة لمصلحته.. اتجوزك عشان ينقذ سمعت عيلتك.. مطلقكيش عشان ينقذ ورثك.. قال لأمه الكلام دا عشان يلحقك.. جاب ورد وقعد ياكل معاكي عشان يرضيكي.. وأنتِ مفيش.. أنتِ مش ملاحظة أي حاجة من دي وشايفة إنه وحش!
حركت مريم رأسها بيأسٍ، ثم اغلقت الباب خلفها، في حين بقيت قطوف تبكي بقوة دون توقف، واضعة وجهها بين راحتي يدها، ولا تعلم ماذا تفعل!
****
بالأجانس…
طرقات عديدة على الباب دون توقف، بينما يجلس هو شاردًا بحياته، ما الذي يجب فعله مع قطوف! يشعر بألمٍ عنيفٍ من حديثها، لا يريد العودة للمنزل مجددًا يكفي إلى هذا الحد.
:_ مــــــــازن!
قالها محمود بدهشة شديدة، في حين افاق مازن من شروده، يتطلع نحو محمود ببعض التعجب، أردف محمود بحيرة:
_ مالك يا مازن دا أنا خبطت وانادي عليك وأنت مفيش خالص… البرج فاصل!
رسم ابتسامة باهتة على شفتيه، يحدثه بصوتٍ مجهد:
_ لا مفيش يا محمود.. كنت عايز إيه؟!
قطب محمود جبينه بتعجب، ثم قال بقلق:
_ أنت كويس؟ اخدت حقنة بتاعتك؟!
حرك مازن رأسه بالنفي، في حين هرول محمود نحو الخزانة يحضر منها هذه الحقنة كي يعطيها إياه قائلًا بعتابٍ:
_ ليه ماخدتهاش يابني؟ أنت غاوي اغماءات ولا ايه؟!
ضحك مازن بخفة على حديثه، في حين دلف ياسين عليهم يطرق الباب قائلًا بابتسامة هادئة:
_ ممكن ادخل.. ملقتش حد برة عشان اقوله ادخل؟
ابتسم مازن ينهض له، يرحب به بحبورٍ، متمتمًا:
_ منور يا عم.. اجانسك ومطرحك.
ضحك ياسين على حديثه مرددًا:
_ بنورك يا غالي.. كنت قريب منك وقولت اعدي اقعد معاك شوية.. متعرفناش كويس آخر مرة.
حرك مازن رأسها وذهب به نحو الأريكة، في حين غادر محمود كي يحضر مشروبًا لهما.
:_ مالك يا عم وشك بيقول حد منكد عليك؟!
قالها ياسين وهو يدقق النظر به، في حين ابتسم مازن بحزنٍ يجيب:
_ عادي.. دا العادي بتاعنا!
حرك ياسين رأسه في ايجابية، ثم نهض فجأة يردد بحماسة:
_ تعالى اعزمك على أكل!
نظر له بدهشة، يردد بتعجب:
_ اكل ايه! ثم أنا مليش نفس.
أمسك ياسين تلابيب ملابسه مرددًا بتهديد:
_ ولا بقولك ايه أنا مش قولت هنتغدى يبقى اخلص كده ومتفرهدنيش أنا مش خطيبتك عشان تقولي البوقين دول.
ابتسم مازن بسخريةٍ، ثم قال:
_ خطبيتي.. يارتني حتى اتخطبت جوزوني علطول!
شهق ياسين، يلطم على صدره قائلًا بنبرة كانت مثل النساء الشعبية:
_ يا حبيبتي ياختي.. طب وجوزك بيضربك!
:_ هراني ضرب ياختي.. بس اقولك على حاجة كل ما يضربني احِبش غيره.
قالها مازن بنفس نبرة ياسين، في حين رفع ياسين شفته العلوية متمتمًا بصوتٍ خشن:
_ أ..إيه ياخويا؟!
:_ أحِــــــــــــــــبش غيره.
قالها بميوعٍ شديد، وقع ياسين ضاحكًا عليه، في حين اندمج مازن معه بضحك، توقف الأثنان عن الضحك تدريجيًا، ثم أردف ياسين بصوتٍ هادئ:
_برضو مش هتقول مالك؟!
حرك مازن رأسه بالنفي، يربت على قدم ياسين قائلًا:
_ مفيش العادي بتاعي أنا قطوف خناقة وزعيق وخلاص… سبحان الله رغم لا أنا ولا هي متفقين في التفكير ولا طباع وتجوزنا.
عوج ياسين فمه، قائلًا بنبرة ساخطة:
_ تحمد ربنا إنك اتجوزت غيرك موصلش لمرحلة الرؤية الشرعية.
نظر له مازن بتعجبٍ، في حين بقى ياسين مع مازن يسرد له ما حدث منذ مقابلته لمريم حتى اللحظة التي بها الآن.
****
غادرت ياسمين الشركة، تبتسم بسعادة من كونها استطاعت أن تثبت ذاتها بأول يوم عمل لها، قررت شراء طعامًا من الخارج وبالفعل اشترت بيتزا، ابتسمت شاكرة له ثم عادت للمنزل، ولكن قبل أن تصعد السُلم وجدت من يشدها من ذراعيها بعنفٍ لتقع الحقيبة والطعام من يدها، شهقت بخوفٍ من تلك النظرات الحادة، في حين همس جمال بصوتٍ حاد مخيف:
_ أنا مش قولت ممنوع تتكلمي مع أي راجل خارج نطاق الشغل.. بتبتسمي للراجل اللي في المحل ليـــــــــه!
حاولت بلع لعابه الذي جف من الرعب، يرتجف جسدها بشدة، اغرورقت عينيها بالدموع، في حين ألقاها جمال بعنفٍ شديد على الأرض قائلًا بصوتٍ حاد قاسي:
_ لو شوفتك بتضحكي ولا حتى بتقربي من شاب تاني هقتلك.. فاهمة!
تركها مختفيًا من أمامها، في حين بقيت ياسمين على الأرض تنكمش على نفسها برعبٍ، تبكي بشدة، حاولت تجميع شتات نفسها، ثم حاولت النهوض من مكانها، تجمع اغراضها، تهمس بصوتٍ متألم:
_ أنت فين يا بابا!
****
مرت هذه الليلة، بقيت فيها قطوف تنتظر عودة مازن، فين حين قرر مازن المبيت بالمكتب، فلم يرد أن يراها بعد حديثها القاسي عليه، بينما بقى ياسين ينتظر رسالة مريم له ولكنه لم يجد منها أي شيء وقرر أن يعطيها يومين، وبقت ياسمين تبكي بليل خوفًا من المدعو جمال، في حين كانت مرفت تركز على البحث عن ياسمين.
***
:_ أنت متأكد من اللي بتقوله؟!
قالتها مرفت بسعادةٍ شديد، في حين أكدت لها الجهة الأخرى ما قاله، أغلقت مرفت معه وهي تردد بجشعٍ:
_ لا دا كده ننسى ياسمين وابوها خالص… ونركز مع مهران العطار.. أخويا الكبير.
****
بالبحيرة..
وضعت الشاي لزوجها بهدوءٍ، تجلس جواره وهي تشعر بقلقٍ من صمته، في حين بقى مهران يحتسي الشاي ساخنًا، ثم أردف بنبرةٍ قوية:
_ سأُسافر لابنك.. قد اخطأت عندما قررت الاعتماد عليه.
كادت أن تنطق والدة ياسين، ولكن قام مهران بضرب العصا على الأرض بغضبٍ، لتصمت دون أن تتفوه بكلمة واحدة خاشية منه.
***
صباح يومٍ جديد..
قررت قطوف أن تتمشى قليلًا، علها تهدأ هذه النيران المتأجج بصدرها، تسير بين الشوارع حتى نظرت اصطدمت بأحدهم، كادت أن تعتذر ولكن اتسعت ملقتيها وهي تردف بسعادة:
_ ميسون.. عاملة إيه!
احتضنتها ميسون بحبٍ قائلة:
_ الحمدلله.
نظرت لها قطوف ثم نظرت لهذه الطفلة الموجودة جوارها لتردد قطوف متسائلة:
_ بنوتك صح!
حركت رأسها في ايجابية، لتهبط نحوها قطوف قائلة بنبرة طفولية:
_ اسمك ايه يا قمر!
نظرت لها الصغيرة مرددة:
_ حضرتك قولتي اسمي.
صمتت قطوف قليلًا ثم ضحكت بشدة على حديث هذه الصغيرة، قائلة:
_ اسمك قمر بقى!
حركت الطفلة رأسها، في حين عادت قطوف لمستوى ميسون قائلة:
_ ربنا يحفظهالك يارب.. شكلها هادية.
ابتسمت ميسون ساخرة تجيب:
_ هادية.. دي ماسكة كل ادوات الميك اب بتاعتي مبوظاها.. عارفة آخر مرة صحبتها قالتلها أنتِ شكلك وحش حطي روچ مامتك راحت حطت وبوظت الروچ كله ولما زعقت فيها فضلت في الشارع تعيط لحد ما جه واحد ابن حلال اقناعها إن اللي عملته غلط… واعتذرت.
صممت قطوف لدقيقتين، تحاول استيعاب ما قالته صديقتها، لتهبط نحو الصغيرة وهي تفتح الهاتف على صورة مازن قائلة:
_ حبيبتي بصي كده على الصورة دي هو دا عمو اللي اقنعك تطلعي تعتذري.
نظرت له الصغيرة ثم حركت رأسها بإيجابية، في حين صمتت قطوف وهي تشعر بالذنب نحو مازن، كان حديثه صادقًا إذًا، ابتسمت لهما قطوف ببعض الارهاق ثم قالت بصوتٍ مجهد:
_ معلش يا ميسون هروح عشان تعبانة شوية… عايزة حاجة؟!
حركت ميسون رأسها بنفيٍ، في حين غادرت قطوف المكان ولكن كانت دموعها تنهمر بشدة، وقد وضحت لها هذه النقطة أيضًا، فقد أراد الله أن يظهر براءته من كل التُهم التي وقعت عليه دون أن يفعلها.
****
وقفت أمام الأجانس بتوترٍ شديد، تعلم خطأها وتريد اصلاحه، ولكن لا تعلم النتيجة، سارت نحو الداخل، تقدم خطوة وتتراجع اثنتان، فيال العجب اتي اليوم الذي باتت فيه قطوف تخشى من ردة فعل مازن.
وجدت محمود جالسًا بمكتبه، فأشارت له بأن يصمت وأنها ستدلف بهدوءٍ، وبالفعل تقدمت حتى وصلت وما أن فتحت الباب حتى وجدت مازن ينام على الأريكة واضعًا ذراعه فوق وجهها كي يحجب هذا النور، سمعته يتمتم بصوتٍ مجهد:
_ لو في حد عايز يقابلني حدد معاه معاد غير النهاردة يا محمود لحسن ضهري وجعني من نوم الكنبة دي.
لم يجد مازن ردًا، ففتح عينيه ليرى من دلف فوجد قطوف تقف أمامه بوجهٍ منهمرًا من البكاء، انتفض من مكانه ظنًا منه أن والدته قد فعلت شيء، ذهب نحوها يردد بصوتٍ قلق:
_ أنتِ كويسة؟ حد عملك حاجة!
زاد بكاؤها أكثر ولم تستطع الإجابة، في حين شعر مازن بحيرةٍ من أمرها ولم يعد يعلم ماذا يفعل؟، هتفت قطوف بنبرة متقطعة:
_ متعملش كده!
تعجب مازن من كلماتها، يتمتم بحيرة:
_ معملش ايه؟ قوليلي عايزة إيه طيب وأنا اساعدك!
زاد بكاؤها للضعف، وازدادت حيرة مازن أكثر حتى أصبح العاملين بالمكان يتطلعون للمكتب ولمصدر الصوت، فقد كان المكتب مصنوع حائطه من زجاج بالدور الثاني، ابتلع مازن لعابه وهمس لقطوف بحنو:
_ طب ممكن بس تهدي واللي عايزاه هنعمله وهحللك كل حاجة!
لم يعلم بأنه زاد من عذاب ضميرها، فارتفع صوت بكاؤها، أمسك مازن رأسه قطوف وضمها لصدره بقوة بعد سماعه لهمهمات الناس، واردف من بين أسنانه:
_ هشششش اهدي يا ماما .. اهدي يا حبيبتي فضحتني وسط العمال.
كانت شهقاتها عليا، ولكنها هدأت قليلًا، في حين زفر مازن براحةٍ ما أن هدأ بكاؤها، لتردف قطوف من بين شهقاتها:
_ يعني سامحتني بعد اللي قولته!
حدق بها بذهولٍ، هل كانت تبكي لهذا السبب أمامه، رفع مازن يده يقبضها وكأنه سـ يلكم أحد، في حين تراجعت قطوف ببعض الخوف من نظراته الشرسة، قائلة ببعض التوتر:
_ أنت هتتحول ولا إيه؟!
ضرب مازن الحائط من خلفها بقوة، يردد من بين اسنانه، يتطلع لقطوف المحاصر من جسده قائلًا:
_ عارفة أنا هاين عليا احدفك من فوق الدور دا.. يمكن تتهدي شوية.
:_ استغفر الله العظيم.
قالتها بصوتٍ مغتاظ، في حين تمتم مازن بسخطٍ:
_ جاية تتوبي عندي.. عارفة يا قطوف لو ما بعدتي عني هعمل ايه!
نظرت له بقوة قائلة:
_ ايه؟!
بقي دقيقة يتأمل حدقتيها اللتان يتطلعان له، فوجد بها تحدي ولكن بجنبه جزءًا يخشى عليه، فأردف بصوتٍ هامس:
_ هقطع شريين بعد جوز العيون دول.
توردت وجنتي قطوف بشدة، في حين ضحك مازن على وجهها الخجول، فتمتم:
_ الله طلعنا بنحلو لما بنتكسف!
دفعته قطوف بقوة كي يبتعد عنها، تشعر بحرارة تسير بجسدها، تردد بصوتٍ حاد متوتر:
_ بقولك ايه اتلم… ثم ايه جوز عيون دي.. أنت بتشقط من على الدائري! احترم نفسك بقى شوية! إنسان منحرف.
تركته وغادرت المكتب، في حين بقي مازن ينظر لموضع اختفاؤها يبتسم بسعادة من هذه اللحظة البسيطة التي اصبحت زهرة صغيرة ستنبُت لهما.
******
نهضت من الفراش كي ترتدي ملابسها مغادرة للعمل ولكن كانت مرهقة بشدة، لا تعلم ما الذي فعلته كي ترى هذا المدعو جمال، هبطت من أعلى الدرج تتمنى عدم ملقاته، ولكن بالنهاية وجدته يعترض طريقها، ترجعت هي بخوفٍ في حين نظر لها جمال بقوة قائلًا بصوتٍ فحيح:
_ متضحكيش لراجل فاهمة!
حركت رأسها بالنفي، تردد بصوتٍ مرتجف:
_ أنت عايز مني إيه؟!
ابتسم جمال بهدوء، يردد بنبرة غريبة:
_ تسمعي الكلام كده.. لحد ما نتجوز!
نظرت له ياسمين بتعجبٍ، مرددة بصوتٍ مختنق:
_ أنا مش هتجوز!
نظر لها بحدة، يهمس بصوتٍ مخيف:
_ بتقولي إيه!
اعادت ياسمين جملتها:
_ مش هتجـ…آآه.
أمسك جمال ياسمين من حجابها بقوة، يردد بصوتٍ حاد:
_ لو فكرتي في حد غيري هقتلك!
صرخت ياسمين من قبضته التي تزداد عنفًا، ولكن لم يلحق بها أحد، حاولت ازالة قبضته، ولكنها لم تُفلح، لتصرخ به قائلة:
_ ابعد عني بقى.. أنا مش هتجوزك نهائي!
جن جنون جمال اكثر ولم ير بها سوى زوجته الخائنة، امسك بهذا المفك الموجود على إحدى المواسير ثم طعنها به بقوة، اعد الكرة مرتين حتى وقعت ياسمين على الأرض بعد هذا العدد من الطعنات..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فطنة القلب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى