روايات

رواية فطنة القلب الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم سلمى خالد

رواية فطنة القلب الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم سلمى خالد

رواية فطنة القلب الجزء التاسع والعشرون

رواية فطنة القلب البارت التاسع والعشرون

رواية فطنة القلب الحلقة التاسعة والعشرون

( عَوْدَتِي )
حالة من الذهول احتلت كيانهم، يتطلعان لوالدهما بنظرةٍ صادمة، قاطع هذا الصمت صوت ياسين يردد بذهول:
_ يعني ايه يفضل في السجن!!
منحه نظرة باردة، ثم أمسك بالعصا كي يغادر مجيبًا بثبات:
_ كما سمعت لن أكرر حديثي.
كاد أن يغادر مهران ولكن اوقفه زين مرددًا بهدوءٍ:
_ اتمنى فعلًا حديثك دا ميضيعش واحد من عيلة العطار للأبد.. خلي بالك يا شيخ مهران.
استدار مهران ينظر نحو زين بقوة، ثم منحه بسمة تحمل ثقة يردف بنبرة ثابته:
_ بكل مرة سأخبرك أنك لم تعرف الشيخ مهران.
تركهما تضارب افكارهما بشدة، في حين نظر ياسين بصدمة إلى زين يردد بقلق:
_ زين هنعمل ايه! متخيلتش إن بابا هيرفض يساعد مازن!!
تنهد زين قليلًا يتطلع لطيف والده المختفي، ثم قال:
_ ابوك بيفكر في حاجة مش عارفينها.. بس خايفة الأمور تفلت من ايده.
منحه نظرة تحمل القلق، ثم قال بصوتٍ مختنق:
_ طب بنسبة لمازن اللي بقى واحد تاني خالص.
اجاب زين بضيق:
_ مازن وصل لذروة تعبه.. ومش هيرجع غير لما يواجه نفسه وقطوف والحقيقة توضح قدامه.
قطب ياسين جبينه بدهشة، ثم تمتم:
_ مش فاهم!
بدأ زين بتوضيح حالة مازن متمتمًا:
_ مازن اتعرض للرفض من عيلته وهو صغير سواء من مقدم الراعية أو من غيره.. والده لما اتحايل عليه عشان يفضل ومقعدش ورفض وجود مازن بحياته، والتاني أمه اللي رفضت تعيش معاه وسايبة عمك محمد يربي مازن ولما كبر وبقى يقعد معاها بقت ترفضه وتزرع افكار جواه أن عمره ما هيتحب وإن أمه رفضته فأكيد الكل هيرفضه.. ودا كان واضح جدًا من طريقتها معاه..
ذهل ياسين من تحليل زين للأمور، ليسترسل زين بشرود:
_ بس الحاجة الوحيدة اللي معرفتهاش قطوف رفضت مازن إزاي عشان هو ينفجر ويبقى عدائي بالشكل دا!
:_ لحظة واحدة وأنت عرفت كل دا إزاي؟!
تسأل ياسين بتعجب منه، في حين ابتسم زين بمكرٍ مرددًا:
_ عيب عليك.. اعتزالت المهنة آه بس لسه في امجادي بكبرها.
اغتاظ ياسين من غروره، ليردف بغيظ:
_ ياعم اخلص أنت محسسني انك السادات.. قولي عرفت إزاي؟!
ضحك زين بخفة ثم اجاب بهدوءٍ بعدما تخلص من ضحكه:
_ سمعت مازن وهو بيحكي كذا مرة عن والدته بنفور.. وكمان خوفه أن يتعرف أنه مريض سكر.. زائد شكيت في طريقة مازن وتعامله مع الكل.. دا غير لما بيتعصب بيضرب ايده ودا من العلامات اللي فيها
كاد ياسين أن يسأل ولكن قاطعه زين مرددًا:
_وعرفت منين عشان متسألش .. منه لما سألته قبل كده .. الباقي من ماضيه عرفته من قطوف وياسمين لما سألتهم بشكل غير مباشر عن والد مازن وليه متعلق بخاله أوي كده .
انهى زين حديثه مع ياسين الذي جلس على أحد المقاعد، يتطلع نحوه بحيرة، ثم أردف بقلق:
_ طب ومازن هيتعالج ازاي؟!
اجابه زين بهدوءٍ:
_ لزمًا يخرج الأول ونعرف حياة مازن وقطوف كانت عاملة إزاي وبعدها نعرف هل قطوف عملت كده ولا لاء واعتقد لاء لأن قطوف حبة مازن ولو قطوف بريئة نثبت دا لمازن.. وبعدها نرجع نزرع جوا مازن أنه مقبول مننا وأنه مش مرفوض زي ما أمه فهمته.
*************
:_ متحولش الفلوس دلوقتي استنى شوية وبعدها حولها على حسابي.
أغلقت الهاتف تلقيه بعيدًا، تبتسم بسعادة وهي تتطلع للأعلى، بهمس بجنون وكأنها ترى الجميع:
_ انتقمت منكم كلكم وخلتكم زي كلكم مرضى… أنا مش هبقى لوحدي اللي مريضة وبعاني سنين.
بدأت بضحك هستيري لا يوجد له سبب، أُصيبت بالجنون وأصبح جميع من حولها يسير بطريقها!!
**********
اغلق الباب بهدوءٍ يسير نحو الداخل كي يرى ابنة شقيقه، يحمحم بصوته كي تعلم بوجوده ولكن اتسعت مقلتيه ما أن رأها ملقاه أرضًا، لا حول لها ولا قوة، أسرع نحوها يحملها سريعًا واضعًا ايها على الفراش، ثم حاول الاتصال على طبيب فلم يكن متاحًا، ليسرع إلى الخارج يهرول نحو الصيدلية كي يسأل على الطبيب وبالفعل وجد احدهم صعد معاه كي يرى ما بها قطوف فما كان سوى هبوط بالدورة الدموية لسوء الغذاء، غادر الطبيب وبقى مهران جوار قطوف يمسح على خصلات شعرها بحنونٍ، يردف بحزنٍ انفطر قلبه منه:
_ آه يا صغيرتي لم اتمنى يوم أن أرى به وجهك يذبل مثل القطف الزهور.
سالت دمعة من عين قطوف نعم يعلم أنها مستيقظة ولكن لا ترغب بالتحدث، زحفت بسمة مهترئ على شفتي مهران ثم قال بنبرة دافئة:
_ أتعلمين أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام حاربه أهله! وأنه كان يقف دائمًا بمواجهتهم أثناء الدعوة الاسلامية، تخيلي يا صغيرتي أن هناك شيء تريدين أن تخبرينا به وأن ترشدينا للصواب ونحن ليس منا سوى اهانتكِ وإلقاء القسوة عليكي مثل الجمرات الحارقة، ما أنتِ به مثل قطرة صغيرة مقارنة بما مر به الرسول..
فتحت قطوف عينيها تنظر نحو مهران الذي اتسعت ابتسامته يكمل بحبٍ:
_ ولكن أعلم أيضًا أنه ضاق صدرك مما يحدث، جددي ثقتك بالله وأعلمي أن ما أنتِ به ليس سوى اختبار ستُبنى حياة بعده.. انهضي وجددي حياتك بصفحة جديدة مع الله عز وجل.
نظرت له بألمٍ أغرق وجهها، ثم همست بصوتٍ مبحوح:
_ طب ممكن حضرتك تساعدني اتوضا.
حرك رأسه بإيجابية يساعدها على النهوض، اتكأت قطوف على ذراع مهران حتى وصلت إلى الحمام دلفت إليه تتوضأ ببطءٍ، ثم غادرت الحمام وعادت إلى غرفتها بمساعدة مهران ارتدت ملابسها وقبل أن تقف أمام الله كي تناجيه استمعت لمهران يردف:
_ سأتركك كي تكوني في راحة ولكن أعلمي بعد خروج من تلك الغرفة يجب أن تعود طاقتك من جديد كي تواجهي الجميع.
نظرت له بأعينٍ زائغة، ثم تركها مهران لتبدأ قطوف بقول:
_ الله أكبر..
بدأت بقرأت سورة الفاتحة تسيل دموعها تدريجيًا، حتى سجدت على الأرض لتبدأ بالبكاء بقوة، تردد بألمٍ:
_ اللهم أنتَ أعلم بما تكنه نفسي.. وتعلم ضعفي وقلة حيلتي.. يارب اللهم أنقلني من حولي وقوتي لحولك وقوتك.
تناجي الله وتروي له ما حدث.. ما تشعر.. تخرج ما لم تستطع أن تخبر به الجميع، انتهت من الصلاة ولكن شعرت برغبة قوية في النوم، ذهبت إلى السرير كي تغفو لعلها تستيقظ بشكلٍ أخر.
*************
بدأ كلًا من زين وياسين ومحمود بالبحث عن قطوف، يحاولون أن يجدوها، ولكن لم يدع لهم مهران فرصة كي يجدوها، في حين بدأت ياسمين تشعر بالقلق من اختفاء شقيقتها واعتقل مازن بالسجن، وعادت رسائل جمال مجددًا لها، ولكن ازداد خوفها بعد سفر زينة وملك إلى البلدة مجددًا لقضاء بعض الأغراض ثم العودة بعد عدة أيام، في حين بقت ميرڤت تتابع تلك الأخبار ببسمة تحمل السعادة نعم تشعر بالقلق من اختفاء قطوف ولكن ليس مهم بالنهاية هي الآن تتحكم بها.
**********
عاد زين إلى المنزل فوجد ياسمين تجلس على مقعد وإلى جوارها ورد التي تنام على قدمها، تقدم منهما يهمس بهدوء:
_ هاتيها انيمها في الأوضة.
حركت ياسمين رأسها وبالفعل حملها زين بهدوءٍ يسير نحو الداخل ولكن اوقفته ياسمين مرددة:
_ ممكن بعد ما تحطها تيجي اتكلم معاك في موضوع.
تجمد جسده لدقائق يستدير لها بصدمة، في حين تلون وجهها بحرجٍ تفرك يديها بتوترٍ، ابتسم زين بسعادة يردد بحبٍ:
_ ممكن طبعًا.
صعد زين إلى المنزل، في حين بقت ياسمين تتطلع للأمام بشرود تتذكر كلمة زينة لها..
****
( بصي يا بنتي كلمة حطيها حلقة في ودنك ولو والدتك الله يرحمها موجودة كانت قالتهم.. محدش هيشيلك غير نفسك.. زعلك جرحك خنقتك كل حاجة محدش هيعرف يعالجها غير نفسك)
نظرت لها ياسمين باختناق، تحبس دموعها بصعوبةٍ، تردد بصوتٍ مختنق:
_ واللي مش عارف يساعد نفسه يعمل إيه؟!
ابتسمت زينة لها، تجيبها بنبرة ذات مغزى:
_ وقتها بتروحي للي قادر يساعد.. حد بيحبك وخايف عليكي.. حد بيعرف يساعد.. في الأخر ربنا خلقنا سوا عشان نساعد بعض ويبقى بينا خير بس منعتمدش على بعض يا ياسمين دا قصدي من الكلام… فكري كده واختاري شخص يساعدك صح.
*****
عادت من تلك الذكرى على صوت زين، ينادي اسمها، انتفضت من مكانها تردد بتوترٍ:
_ آسفة كنت سرحانة.
ابتسم زين بهدوءٍ ثم قال:
_ ولا يهمك.. قوليلي بقى ايه اللي عايزة تتكلمي فيه!
تنهدت بتوترٍ تنظر إلى يديها اللتان تفركهما سريعًا، في حين ردد زين بحنوٍ:
_ اتكلمي يا ياسمين متخافيش لا حد يعرف باللي هتقوليه.. ولا اللي هتقوليه هيغير من نظرتي ليكِ.. هتفضلي زي القمر اللي مميز السماء بوجوده.
تلون وجهها بخجلٍ، ثم قالت بصوتٍ أصبح مختنق تدريجيًا:
_ مخنوقة أوي.. مخنوقة من كل حاجة حوليا.. من بعد قطوف واللي حصل لمازن وحياتي اللي مش بعرف اخد فيها قرار.. نفسي اقدر اتكلم واعيش.. اخد قرار ومندمش عليه.. مبقاش مستنية زي العيلة الصغيرة حد يجي يجبلي حاجتي.
:_ متأكدة أن دا خنقك ولا مخنوقة من أنك بقيتي لوحدك وحياتك وقفت لما قطوف ومازن اختفوا؟!
قالها زين بهدوءٍ، في حين شعر ياسمين بغصة أليمة بصدرها، تردد بصوتٍ مبحوح:
_ آه.. عشان حياتي وقفت بسبب بُعد قطوف.. خايفة في يوم يحصل حاجة تخليني أكره أختي.. عايزة اعتمد على نفسي أشوف حياتي وابقى سند للكل مبقاش حمل عليهم.
تمتم زين بعملية عالية:
_ طب إيه اللي مش مخليكي تاخدي قرار.. بمعنى إيه اللي مخوفك من إنك تاخدي قرار!
نظرت ياسمين بشرودٍ، تردف بصوتٍ وهن:
_ معرفش بس اتعودت على التردد وإن حد ياخد القرار مكاني.. ولما الموضوع اتغير بقت بتخنق.. حاسه إن حياتي بتدمر..
هوت دمعة من حدقتها تردف باختناق:
_ نفسي ابقى قوية ومحدش يدوس عليا ويستغل ضعفي زي عمتي ما استغلته ودمرت حياتي.
قطب زين جبينه بتعجب يردف بتوجس:
_ دمرت حياتك إزاي؟!
بدأت تسيل الدموع من حدقتيها، تتشنج عضلات جسدها، تجيب بألمٍ:
_ كانت كل ما تشوفني تعايرني اني ضعيفة ومبقدرش أعمل حاجة.. علطول تستغل إني مش برد أو أن قطوف مش موجودة وتفضل تهين فيا.. أوقات كانت توقعني على الأرض عشان تقلل من ثقتي بنفسي..
أخذت نفسًا تشهق بألمٍ من تلك الذكريات التي تهاجمها، تردف باختناق:
_ هي اللي خطفتني يوم كتب الكتاب عشان تدمر حياتي… مهمهاش أنا هعيش إزاي! كل اللي همها إنها تدمر حياة أخوها.. ولما قررت أبعد ظهر في حياتي واحد حاول يقتلني لما رفضت دخوله حياتي.. ولما بعدت بدأ يهددني كل يوم رسايل تهديد كل يوم عذاب وتفكير هو ممكن يعمل فيا إيه.. أنا تعبت من كل الناس.. كل اللي في حياتي أذوني!
وضعت وجهها بين راحتي يدها، تجهش بالبكاء، في حين اخرج زين منديل ورقي من جيبه واعطاه اياها، ثم قال بنبرة حنونة:
_ أنا عارف أن حياتك مكنتش ألطف حاجة.. ويمكن مريتي بصدمات كتير.. بس أنت بايدك تغير دا.. أنتِ مش ضعيفة يا ياسمين.. بالعكس جواكي قوة كبيرة.. كونك بتتعاملي بحب مع الكل على الرغم من اللي حصل دا يخليني أقولك إنك بس محتاجة وقت وأنك تبدأي تشتغلي على نفسك.. انزلي اشتغلي.. جربي ومتخفيش من حاجة.. ايه يعني اخدت قرار غلط مش مهم المهم انك اتعلمتي.. من بكرة دوري على شغل وابدأي يا ياسمين.. وبنسبة لموضوع الشخص اللي بيهددك سبيه عليا وأنا هعرف احله.. ثقي فيا.
مسحت وجهها بذاك المنديل، تردد من وسط شهقاتها:
_ يعني مخفش!
زحفت بسمة حنونة له، يجيب بحبٍ:
_ متخفيش.. أنتِ مش محتاجة غير إنك بس تثقي في نفسك شوية وشوفي حياتك هتتغير إزاي.
:_ طب لو قررت غلطت ؟!
قالتها وهي تمسح دموعها بظهر يدها، أجاب زين ببسمةٍ:
_ اتخلقنا عشان نغلط يا ياسمين ونتعلم من الغلط دا.
لا تزال تشعر بخوفٍ، تتذكر الماضي بأكمله، ترى هذا الشريط الأسود بحياتها، لا تعلم لِمَ فجوة الماضي لا تنتهي، كيف ستستطيع أن تتأخذ قرار فعلته من قبل وكانت حياتها ستُفنى، عادت مجددًا إلى تشنجاتها، تحرك رأسها بنفيٍ مرددة:
_ لا لا أنا حياتي كلها سودا وعمري ما شوفت غير الأسود فيها .
ردد زين بحنوٍ ممزوج بصبر:
_ الأسود موجود عشان الأبيض يبان.
لم تتوقف تشنجات ياسمين، في حين أسترسل زين بذات النبرة:
_ عمرنا ما كنا هنعرف قيمة الحلو إلا لو شوفنا وحش.. دي معادلة الدنيا.. خليها دايمًا براسك شوفت أسود والابيض هيبان بعده.. مش يمكن خلاص محطة اللون الاسود قربت تخلص وجه الدور على الأبيض.. افتكري إن المرة دي أنا هكون معاكي يا ياسمين.
بدأت هذه التشنجات بتوقف تدريجيًا، في حين أردف زين وهو ينهض كي يترك لها مساحة للتفكير:
_ اوعى تيأسي بسرعة.. فكري براحتك وبكرة هستنى تقوليلي هشتغل واغير مستقبلي وحياتي.
تركها مغادرًا الحديقة، في حين جلست ياسمين تفكر بحديثه ولكن تشتت عقلها في اتخاذ القرار!!
********
صعد ياسين إلى عيادة مريم، يحمل بعض الأكياس المليئة بالمأكولات الساخنة، دلف إلى السكرتيرة التي اخبرته برغبة مريم في الطعام، وردد بامتنان:
_ شكرًا على مساعدتك.
ابتسمت مساعدة مريم تردد بودٍ:
_ العفو.. دكتورة مريم قبل ما تكون صاحبة الشغل هي صديقتي واختي وأنا عايزة سعادتها… هروح ابلغها إن الاوردر وصل.
حرك رأسه بإيجابية ينتظر السكرتيرة بأن تخبره بالدلوف، وبالفعل أشارت له بأن يأتي ودلف ياسين إلى المكتب بسعادة قائلًا:
_ جبتلك شوية كباب وكفته هتبوسيني بعدها.
اتسعت عين مريم بصدمة، ثم ردد بغيظ:
_ احترم نفسك.
عوج فمه بحنقٍ، يردد واضعًا الأكيس على الطاولة:
_ اتنيلي دا حتى ما عارف ألبسك دبلة.
رمقته بنظرة نارية، تردد بغيظ:
_ أنت ايه اللي جابك؟!
:_ بس غبوة شوية ما جاي عشان اجبلك الأكل ونتطفح لقمة سوا ويبقى بينا طفح قصدي كباب وكفته.
قالها ياسين ببلاهة، في حين أغمضت مريم عينيها بنفذ صبر تردد بعصبية:
_ أنت كده يعني بتصالحني!
:_ لاء.. ويلا عشان أنا جعان.
قالها وهو يجلس أمام الطعام، في حين اشاحت مريم بوجهها بعيدًا مرددة باقتضاب:
_ مش عايزة منك حاجة.
رفع كتفيه في لامبالاة ثم قال وهو يهم بتناول الطعام:
_ براحتك.
عضت مريم على شفتيها، تنهر نفسها بسبب شعورها بالجوع الشديد ولم تتوقع رده البارد هكذا، بدأ ياسين يصدر بعض الأصوات التي ازداد جوع مريم بسببها، نظرت نحوه لتجده يأكل بنهم، في حين لم يتطلع لها ياسين بل اكمل تناول الطعام ببرودٍ، لتردف مريم بحنقٍ:
_ اطلع برة أنت جاي تاكل هنا.
رفع ياسين حاجبه، يردف ببرودٍ:
_ ما قولتلك كلي.. عملتي فيها ان اندبندت ومان ومرضتيش اشربي بقى.
امسكت مريم بالقلم ثم ألقته عليه، تردد بحنق:
_ وانت لو عندك بربع جنيه ذوق كنت عزمت تاني إنما أقول ايه عوض عليا عوض الصابرين.
مد ياسين يده بسندوتش صغير، ثم قال بهدوء:
_ خدي كلي طيب.
نظرت ليده الممدودة، ثم امسكت السندوتش ولم تستطع الرفض لجوعها، بدأت تتناوله بنهم شديد، ابتسم ياسين لها ونهض من مكانه بعدما أعد سندوتش أخر يردد بحبٍ:
_ أنا مش عايز أكتر من انك تفتحي قلبك زي ما فتحت بوقك للأكل كده وسبيني اوصل لقلبك تاني.
:_ ايه التشبيه دا! امشي يا ياسين من هنا.
قالتها مريم وهي تكمل باقي تناول طعامها، ابتسم وهو يستدير مغادرًا ولكن ألقى كلمته الأخيرة:
_ هتعبر انك وافقتي تديني الفرصة دي.
نظرت مريم لظله ثم ضحكت على طريقته، وعادت تتناول بنهم مرة أخرى.
***********
مر شهر لم يستطع أحد ايجاد قطوف، في حين تم تحديد موعد الحُكم على مازن أن لم تظهر قطوف، في حين بدأت ياسمين بالعمل وانشغل زين بمساعدتها واعطائها بعض التعليمات الخاصة بالإرشاد والتي بدأت تتحسن عليها، ولكن ما زاد تعجب ياسمين اختفاء جمال ورسائله عنها، في حين لم تخلو تلك الفترة من مشاكسة ياسين مع مريم.
*********
داخل المحكمة..
اقترب مهران نحو القفص الخاص بالمتهمين، يتطلع إلى مازن بأعينٍ ثابته، يردد بجدية:
_ أتمنى اليوم أن تتعلم درسًا على ما ستراه.
نظر له مازن بسخطٍ، ثم قال بعدائية:
_ ليه هو أنا مشوفتش ومتعلمتش.. أنا اللي شوفته محدش شافه ومش عايز حد معايا وياريت تمشوا لأن مش محتاج حد معايا تاني.. كفاية اللي كانوا في حياتي وضيعوها.
:_ محكمة.
قالها ذاك الرجل الذي يقف بالجوار، في حين أتى القُضاة يجلسون بأماكنهم، بدأ القضية الأولى بمازن العطار، الذي لم يتطلع نحو مهران بعدما عاد مكانه إلى جوار زين وياسين وياسمين ومحمود وبقى مازن يتطلع بجمودٍ إلى القاضي الذي كان يستمع للمحامي الخاص بمازن والذي اختتم حديثه قائلًا:
_ وهنا يا حضرة القاضي في المستند دا يثبت أن مدام قطوف العطار مضت على توكيل للمحامي تحت تأثير مادة مهلوسة ودا ثبت في التحاليل والتقرير اللي موجود في المستند مع حضرتك… وبكده يا حضرة القاضي نثبت أن التوكيل اللي معمول دا يحمل التزوير ولا يثبت صحته و في طرف تالت مختفي عمل كده عشان يوقع مازن العطار.
تطلع القاضي للأوراق الموجودة، ثم نهض مع الباقية كي يصدروا الحكم على مازن، استدار زين إلى والده يردف مضيقًا عينيه:
_ قطوف فين يا بابا؟ وليه مظهرتش الدليل مدام معاك من بدري؟!
تنهد مهران قليلًا، ثم قال بهدوء يتطلع لياسين وزين:
_ كي أُأكد إلى مازن أن قطوف لم تفعل شيء.. وأنها بالرغم مما فعله معاها لم تتخل عنه وتتركه كما تركها.. فقط أردت أن أُعيد مازن لطريق العودة.. وان يصبح سوي نفسيًا.
ابتسم زين إلى والده، في حين شعر ياسين أن والده بالرغم من مظهره القاسي إلا أنه يحمل قلبًا رحيم، عاد القضاة مجددًا يردد احدهم بالحكم:
_ حكمت المحكمة على المتهم مازن العطار في القضية *** بعد رؤية الادلة ببراءة المتهم من التهمة المنسوبة إليه.
طرق القاضي بالمطرقة وتهلل سرير الجميع، وغادر الجميع من قاعة الحُكم ينتظرون ان يمر الوقت بفارغ الصبر كي ينتهوا من اجراءات الحكم.
مر وقت وتعاقبت عقارب الساعة، وقف مازن على باب محكمة يهبط من السُلم بهدوءٍ، يتذكر ما قاله المحامي وأن قطوف كانت تحمل دليل براءته، إذًا لِمَ لم تعطيه له منذ البداية إلا إذا اردت الانتقام منه!!
توقف عن الحركة ما أن رأها تقف أمامه بكامل قوتها، نظر لحدقتيه اللتان تلتمعان بقوة غريبة، ملامحها التي اشتاق لها، قبض على يديه بقوة، يسُب قلبه الذي لا يزال ينبض لأجلها، في حين تقدمت قطوف منه حتى أصبحت بمواجهته لتنطق بنبرتها الساخرة:
_ تحب أقولك حمدلله على السلامة ولا كفارة..
ثم همست بصوتٍ يحمل السخط وهي تقترب من أذنه:
_ كفارة يا ابن العطار ولا يا ابن ميرڤت أحسن!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فطنة القلب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى