روايات

رواية فطنة القلب الفصل الثلاثون 30 بقلم سلمى خالد

رواية فطنة القلب الفصل الثلاثون 30 بقلم سلمى خالد

رواية فطنة القلب الجزء الثلاثون

رواية فطنة القلب البارت الثلاثون

رواية فطنة القلب الحلقة الثلاثون

( عَوْدَةٌ قَوِيَّةٌ )
نظرات الغضب تملأ عينيه، يديه اللتان يبسطهما ثم يقبض عليها بقوة كي يهدئ من ذاته المتهيجة، في حين نظرت له قطوف بسخطٍ منه ثم قالت بنبرة ساخرة تسترسل بها الحديث:
_ كنت فاكر إني هاجي جري واقولك إني مش عارفة اعيش من غيرك الأيام اللي فاتت.. وإن حياتي وقفت بعد ما اتهمتني بأبشع الاتهامات.. لا فوق أنا قطوف محمد العطار اللي محدش قدر يكسرها.
لحت بسمة مماثلة لبسمتها في بداية الحديث لديه، يردد بأعينٍ تحمل القسوة:
_ وأنا مازن العطار اللي جه كسر قاعدة قطوف وكسرها. وأكبر دليل أنك جيتي هنا عندي.. عشان تقنعي نفسك إنك فعلًا متكسرتيش و ترضي غرورك اللي كسرته…
اقترب منها حتى أصبح جوار اذنها يكمل بهمس قاسي جعلها تتألم:
_ تحب اقولك أنا سامع إيه دلوقتي.. سامع صوت نبضات قلبك وهي خايفة تواجهني.. خايفة تسمعي كلام يدمرك.. أنت مهما عملتي يا قطوف هفضل العقبة الوحيدة اللي مش هتقدري تتخطيها.. و لو فاكرة إني هرجع لواحدة غدارة بتبيع أي حد زيك فدا في أحلامك.
كبحت دموعها بصعوبة، ولكن وجهها تلون بحُمرة، دفعته بقوة كي يبتعد عنها، تشعر بألمٍ يعتصر قلبها مما يتفوه به، فهي حاولت أن تثبت لذاتها أنه لن يفرق معها ولكن أخطأت.. نظرت له بألمٍ ممزوج بغضب مرددة:
_ أنا فعلًا جاية أثبت أني متكسرتش.. مش جاية عشان ارجعلك يا مازن..
ثم استرسلت بصوتٍ مبحوح:
_ ولو في يوم جه عشان نرجع لبعض.. مش هرجعلك و عندي استعداد اقتل نفسي ولا ان قلبي يوجعني لحظة عشان ارجعلك… أنت قفلت كل الطرق يا مازن.
استدارت سريعًا قبل أن يرى دموعها التي انسابت على وجهها، تسير بعيدًا عنه، تشعر بغصة أليمة تقتلها، اقتربت من سيارة مهران ثم دلفت من الباب الخلفي كي تجلس جوار مهران، تأملها مهران بصمتٍ ثم فتح ذراعيه في حين بدالته نظراتٍ تحمل الألم ثم قالت وهي تلقي بذاتها داخل احضانه:
_ وجعني يا عمو.. وجعني أوي.. كل مرة بشوفه فيها ببقى نفسي أصرخ واقول لقلبي كفاية بقى دا اللي أذاكي وبيوجع فيكي عايزة ترجعيله ليه!
ربت مهران على ظهرها يحاول أن يهدئ من شهقاتها التي تزداد شيئًا فشيء، في حين دفنت قطوف وجهها بأحضان عمها بقوة قائلة بألم:
_ هو ليه قلبي اختار اللي بيأذيه.. ليه اختار اللي بيوجعه ويدوس عليه بشكل دا.
:_ أهدئ صغيرتي.. كله سيمر.. عليكي فقط أن تتحلي بالقوة.. وأنا إلى جوارك.
قالها مهران مربتًا عليها في حنو، في حين تمتمت قطوف بإرهاق ظاهر:
_ يمكن دي الحاجة اللي خلتني عايشة لحد دلوقتي.. وجود عم زيك.
غادرت سيارة مهران للشقة الخاصة به، في الجانب الأخر وقف مازن يتطلع لظلها، يتذكر ملامحها الباهتة، عينيه اللتان تصرخ شوقًا له، نعم يعشق النظر لها، ولكن يكفي ما حدث معه، لن يتعرض للرفض مجددًا، سيسحق من يحاول أن يقترب منه ثم يلقيه كالقمامة.
كاد أن يغادر ولكن اوقفه زين يردد بجدية:
_ ليه أذتها كده وأنت لسه بتحبها؟!
استدار مازن يتطلع له ثم قال بغضب:
_ أنت مش شايف إنها هي اللي أذت مش أنا.. أنا مجرد بس بدوقها من نفس الكاس اللي أنا دوقته منها.
نظر له زين بهدوء ثم قال:
_ مش هي اللي رفضتك يا مازن ولا أذتك.
انفعل مازن بقوة، يردد بعصبية:
_ لا هي.. هي اللي لما اتكتب كتابنا كانت عايزة تطلق.. هي اللي كانت بتكره وجودي من زمان.. حاولت معاها كتير لحد ما افتكرت إنها حبتني.. وعشان احميها من ميرڤت روحت عملت المستحيل ليها.. وفي النهاية تاخد فلوسي وضيعني وتسجني!!
تقدم زين منه ثم قال بنبرة تحمل الرزانة:
_ تعالى معايا يا مازن في حاجات لزمًا تعرفها.. يلا بينا على شقتك.
ضيق مازن عينيه من معرفته لمكان الشقة، ليكمل زين بفطنة من نظراته:
_ قولتلك في حاجات كتير محتاج تعرفها.
تحرك معه مازن وهو يشعر بوجود خطبًا ما، في حين تحرك زين نحو شقته التي اخبره بها ياسين، يزعم على بدأ في علاج مازن.
***********
دلف مهران مع قطوف إلى الشقة التي تختبئ بها، ثم ساعدها على الجلوس ووضع هذه الحقيبة التي تحوي طعامًا، يردف بهدوء:
_ هيا تناول شيء قبل أن يأتي الطبيب.
نظرت له قطوف بأعينٍ مرهقة، متورمة من البكاء، ثم قالت:
_ مليش نفس يا عمو.
أمسك بشطيرة وبدأ بتقطيعها ثم مد يده بها يردد بجدية:
_ أول شيء يجب أن تفعليه بتلك المعركة هو أن تمدي جسدك بالطاقة كي لا تقعي بالمنتصف.
نظرت له بتعبٍ ممزوج بتعجب، في حين ابتسم مهران يردف بصوتٍ حنون:
_ مازن مريض يا قطوف.. يظن أنكِ السبب فيما هو فيه.. هو مشتت الآن وزين سيبدأ العلاج معه.. وأنا هنا كي تعودي كما كنت.. ثم تقرري وقتها أن كنتي تريدين البقاء معه أم لاء.
بهتت ملامحها، وشعرت بألم يمسك قلبها يقبض عليه بعنفٍ، ثم همست وهي تمسك الشطيرة:
_ مش هتفرق.. سواء مريض ولا لاء.. أنا اللي دفعت تمن أي حاجة حصلتله من ماضيه.. وأنا اللي دلوقتي عايزة اتعالج من الخوف والضعف اللي أنا بقيت فيه.
بدأت تتناول الشطيرة بهدوء، في حين ابتسم مهران بمكرٍ وهو يرى طريق خطته يسير بنجاحٍ كما توقع، انهت قطوف تناول الطعام ونهضت تعد ذاتها كي يأتي جارها الطبيب هاني طبيب صحة وارشاد نفسي.
***********
:_ دي كل القصة.. قطوف معملتش حاجة يا مازن وأنا اضطريت لكده.
قالها محمود ينكس رأسه للأسفل في خذلان، في حين علت الصدمة وجه مازن، يحرك رأسه نافيًا، يردف بعدم تصديق:
_ لا لا أكيد بتقول كده عشان تنقذ قطوف.
أغمض محمود عينيه ثم اخرج هاتفه وقام بفتح تسجيل بينه وبين ميرڤت أثناء الاتفاق، لتتسع عين مازن بصدمة، يشعر أن ما يحدث ليس سوى قصة درامية قاسية تدور من حوله، انتفض مازن يهجم على محمود بقوة يردد بصوتٍ مختنق:
_ أنت تعمل فيا كده.. خلتني ادمر حياتي ومراتي عشان اتفق قذر بينك وبينها.
أدمعت عين محمود بألمٍ، يردف بصوتٍ شرس مدافعًا عن نفسه:
_ عشان بحب مراتي عملت المستحيل عشانها.. مفكرتش لحظة أأذيها.. أنت لو حبيت مراتك ربع الحب اللي حبيته لمراتي عمرك ما هتفكر تأذيها.. ممكن تأذي أي حد بس هي لاء.
لكمه مازن بقوة، تشتعل عينيه بغضبٍ جامح، في حين حاول زين أن يقف بينهما، ليهدر مازن بنبرة مخيفة:
_ أنت مين أنت عشان تقول بحبها ولا لاء.. أنت مش أنا عشان تتكلم ولا أنت في ظروفي.. وملكش أي حق تتكلم في حياتي الشخصية… كفاية دمرتها.. وابقى قول مراتك افرحي جوزك بقى خراب بيوت.
كاد محمود أن يتحدث ولكن ارتفع صوت زين يردد بحدة:
_ أنتم اللي اتنين أغبية لدرجة دي.. في إيه!! دا مفهومكم عن الحب.. واحد يأذي مراته عشان ينقذها.. والتاني يدمر حياة ناس تانية عشان ينقذها.. اللي أنتم فيه دا اعتقدكم أنتم.. أنما لو على الحب فهو لا تأذي ولا تتأذي..
نظر زين نحو مازن يردد بسخطٍ:
_ دلوقتي حياتك عاملة إزاي بمفهوم الحب بتاعك.. مراتك سبتك ومش عايزة ترجع.
ثم نظر إلى محمود يكمل بذات السخط:
_ وأنت تخيل لما مراتك تعرف إنها السبب في خراب بيت حد تاني.. وتفضل عايشة في ذنب إنها دمرت حياة ناس تانية.
عاد يتحدث بنبرة هادئة يزيل منها شوائب السخط:
_ انتم الاتنين غلطانين.. مازن كان المفروض تقول لمراتك وتتشاركوا سوا.. مهما كانت المشكلة تحلوها سوا.. لأن الجواز قايم على المشاركة سواء في الحلوة أو في الوحشة.. مش تتصرف من دماغك تحت مسمى إنك بتحميها.. والاستاذ محمود كان المفروض يروح لمازن صاحب المشكلة ويحلها.. مش يدمر حياته تحت مسمى إنه بيحمي مراته..
زفر محمود بضيق مما يحدث، في حين أكمل زين متطلعًا له:
_ روح أنت يا محمود وهرن عليك نتقابل.
حرك رأسه ثم غادر الشقة، في حين نظر زين إلى مازن يكمل بهدوءٍ:
_ الحب يا مازن مش إنك تتحمل كل حاجة لوحدك.. الحب إنك تدي وتاخد.. إنك تشارك.. إنك تسمع اللي قدامك بشغف.. إنك تحب لحظات وجوده.. إنك مهما لفيت عارف ان حضن الشخص دا هيعالج كتير فيك.. وإنك تتلهف لما تشوفها علطول وكأنك لسه بتتعرف عليه.. عمره ما كان بالأذى زي ما أنت فاهم.
أدمعت عين مازن يجلس على الاريكة بإهمال يردد بصوتٍ مبحوح:
_ بس أنا أتأذيت جامد من كل اللي بحبهم.. أمي قتلتني بدم بارد ومش عارف ازاي هقدر أبص في وشها.. ابويا رماني ونسي أنه مخلف طفل محتاجه.. حتى قطوف رفضتني وكانت بتعمل المستحيل عشان تطردني من حياتها.
جلس زين بمواجهته، يردد بنبرة ذات مغزى:
_ وفي النهاية قطوف الوحيدة اللي دفعت تمن كل حاجة حصلت في حياتك.. قطوف مش السبب في رفض والدك ولا كره والدتك ليك.. قطوف ظروف جوازها منك خلتها رفضة فكرة إنها تبقى مجبرة بالشكل دا.
أغمض مازن عينيه يضع يده على وجهه بحزنٍ، قد كشف له زين كل شيء، الآن يجب أن يعترف بحقيقة كان يخفيها عن نفسه، حاول كبح دموعه من الهبوط، ثم قال بصوتٍ متألم:
_ مكنتش عايز ادفعها التمن.. عملت المستحيل عشان نبقى سوى وانجح علاقة واحدة من كل العلاقات اللي في حياتي وباظت.. بس دمرتها.
:_ محدش يقدر يبني عمارة من غير ما يحط اساس سليم.. لو الاساس العمارة في غلطة العمارة كلها هتتهد.. وأنت مكنتش في حالة تسمح ليك تبني علاقة وحياة.. كنت لزم تتعالج يا مازن وتتأكد أنك مش مرفوض من الكل ولا تخاف من أن حد يرفضك ويسيبك.
تسارعت وتيرة انفاسه بقوة، كلمات زين أثارت بداخله هذا الهاجس، نظر إلى زين بأعين حمراء، ثم قال:
_ مخفش إزاي من الرفض وأمي اللي هي أكتر انسانة المفروض تحبني رفضت وجودي في حياتها.. دا حتى بابا رفض وجودي في حياته وسبني.. عايزني بعد دول مخفش.
ابتسم زين بهدوء ثم قال:
_ آه متخفش.. أنت ركزت وعملت focus على والدتك ووالدك.. ومعملتش focus على خالك محمد ولا ياسين ولا خالك مهران.. ولا ياسمين ولا أمي ولا جمال.. كل دول ناس متقبلينك.. ياسين فضل معاك وبيدور على قطوف عشان يجيب دليل براءتك.. أنا فضلت متابع القضية.. ياسمين كل يوم بتدعي ليك هي وورد بنتي.. كل دول متقبلين وجودك وعارفين انك اد إيه مهم في حياتهم زي ما احنا مهمين في حياتك.
نظر له مازن بغصة تقبض على قلبه، يردد بحزنٍ:
_ بس قطوف رفضت وجودي.
حرك زين رأسه نافيًا يكمل حديثه بتأكيد:
_ لو رفضتك كانت منعت دليل براءتك بعد ما وجعتها.. لو هي مبحتكش مكنتش جت عشان تشوفك.. قطوف مرفضتكش.. قطوف موجوعة منك يا مازن.. واعتقد من حقها إنك تعمل المستحيل عشان ترجع.
:_ أنا حاسس إني مش جاهز لأني اشوفها واتكلم.
قالها بتردد شديد، لينهض زين متمتمًا:
_ أول خطوة تيجي البيت وتشوف بعينك كده هل كل اللي هناك رافضين وجودك ولا لاء! هل دا هيكون نفس استقبال والدتك ليك ولا لاء! وبعدها هترجع حياتك واحدة واحدة وتقف على رجلك تاني.
شعر مازن بتردد غريب، يريد أن يتأكد من صحة حديثه، ولكن يخشى أن يجد رفض من أحدهم، هل ما يعتقد به خاطئ!!
تحرك مازن مع زين كي يذهبان إلى منزل محمد العطار حيث تجتمع الأسرة كما اخبرهم مهران.
**************
:_ أنا آسف يا مدام ميرڤت بس التوكيل بتاع مدام قطوف اتلغي بسبب المحكمة ولو روحت اعمل أي اجراء هيتهموني باني بحاول اسرقهم وأنا في غنى عن كده.. وبنسبة ليا هلغي توكيلك وممكن تشوفي محامي تاني لكن أنا سمعتي مش هتبوظ بسبب قضية خسرانة حاليًا.
قالها المحامي قبل أن يغلق معاها دون انتظر ردها، في حين نظرت ميرڤت إلى الهاتف، وبدقيقة كانت قد تهشم من ألقائها إياه، تصرخ بقوة في غيظ، تنظر للفراغ الموجود حولها بحقد دافين، تردد بنبرة تفح منها رائحة الشر:
_ مش هسيبكم تتهنوا لوحدكم.. لزمًا اخد حقي منكم.
نهضت تتجه نحو غرفتها، تستعد لتنفيذ خطتها التالية!!
**********
وصل مازن إلى المنزل ولكن وقف على اعتابه، يشعر بتوترٍ من أن يرى نظرات الاتهام بالجميع بعدما فعله مع قطوف، ولكن تفاجأ بياسين يصرخ بسعادة:
_ مازن وصل يا ماما.. تعالوا يلا.
اندفع ياسين نحو مازن يحتضنه بحب اخوي، يردد بسعادة:
_ أخيرًا يا مازن.. الواحد مشتاق للحظات اللي بنعمل فيها مصايب سوا.. ومجهز خطة نعوض فيها اللي فات.
ضحك مازن على حديثه وطريقته التي جعلته صديقه المفضل، ابتعد عنه ياسين ليتطلع له مازن بتدقيق فلم يجد سوى سعادة لوجوده، تقدمت زينة منه ورددت بحبٍ:
_ حمدلله على السلامة يا ضنايا.
ابتسم لها مازن ولمس قلبه هذا الخيط الحريري من الحنان، ليردد بسعادة بدأت تنبُت بداخله:
_ الله يسلمك.
ركضت ورد نحو مازن تندفع نحو احضانه، حتى تراجع مازن عدة خطوات للخلف من شدة اندفاعها، تصرخ بسعادة:
_ عمو مازن جيه أخيرًا.. وحشتني أوي يا عمو.
تجمد جسد مازن قليلًا، يملأ قلبه سعادة غريبة لم يلمسها من قبل، ضمها مازن بحبٍ، ثم قال بنبرة هادئة:
_ طب قوليلي بتحبي عمو مازن ليه!!
ابتعدت عنه ورد، تنظر له بسعادة مرددة:
_ عشان ماما ياسمين وبابا وعمو ياسين وجدو وتيتة و عمتو قطوف شوفتهم بيحبوك أوي.. فأنا بحبك زيهم..
استدارت الصغيرة يمينًا ويسارًا ثم تقدمت منه تهمس بأذنه:
_وكمان حضرتك عمو جميل وشكلك قمور وأنا بحب اللي شكلهم قمور… بس متقولش لعمتو قطوف لحسن بتزعل لما حد يعاكسك.
ضحك مازن بخفة على تعليقها الأخير، وشعر أنه بحاجة لتلك الصغيرة فهي من ستساعده كي يعيد الود بينه وبين زوجته، حمل مازن ورد على كتفه ثم قال بنبرة تحمل السعادة:
_ طب يلا ندخل جوا.
ابتسم الجميع ودلفوا سويًا وسط حديثهم الذي لم ينته، وسعادة مازن من كونه مقبولًا منهم وان ما اخبرته به والدته ليس إلا اوهام بداخله، ولكن لايزال هاجس الخوف بداخله.
*********
جلس مهران بالردهة ينتظر الطبيب أن ينتهي مع قطوف، فقد بدأت بجلسة من الصحة النفسية معه وهاهي تحاول أن تعود كما كانت، ثم تذكر ما الذي حدث بعد مقابلته لمحمود بأول مرة..
****
:_ هل من الممكن أن اطلب منك شيء!
قالها مهران بحنوٍ، في حين نظرت له قطوف بأعين متورمة من البكاء، ثم قالت بصوتٍ مبحوح:
_ اتفضل يا عمو طبعًا.
ابتسم لها بودٍ، ثم قال بصوتٍ رخيم:
_ أريد منك أن تأتي معي كي تأخذ عينة منكِ لأنها تحمل دليل براءة مازن وبراءتك.
قطبت قطوف جبينها بتعجب، تنظر لمهران بدهشة، مرددة:
_ أزاي عينة مني دليل براءة مازن وأنا!!
تنهد مهران بهدوءٍ ثم سرد لها ما قاله محمود، لتتسع عين قطوف بصدمة، تشعر بأن هناك من ألقى بصخرة حادة عليها، نظرت نحو مهران ثم رفعت لترى ذراعها لتجد تلك العلامة بعد الحقن، تجمعت الدموع في حدقتيها تشعر بألمٍ يزداد بقوة، تردف بصوتٍ يكسوه الانكسار:
_ هما بيعملوا فيا كده ليه! أنا حتى مأذتهمش ولا أعرفهم!
شعر بحزنٍ لها، ثم قال برزانة:
_ في بعض الأوقات لا يفعل الانسان شيء سوى أن يلقى من الأذى النصيب الأكبر.. حتى يعلو مكانته بالجنة.. احتسبي هذا عند الله يا صغيرتي لعل سعادتك تصبح قريبة.
مدت اناملها تزيل دموعها، ثم نهضت كي تقوم بما قاله مهران ويأخذوا العينة كي يعطيها إلى المحامي لتصبح براءة مازن مضمونة أكثر.
****
فاق من شروده، يتطلع نحو الغرفة، يردد ببسمة حنونة:
_ سأساعدك كي تتخطي ما أنتِ به.. وستعودين لزوجك هذا وعد مني.
**************
:_ تحبي تحكي إيه؟!
قالها الطبيب بهدوءٍ بعدما رأى رجفت يدها، سمعت قطوف جملته وأتى بذهنها مئات الأفكار، تسربت الدموع من عينيها وهي تتذكر كلمته لها أنه لن يعود لها مجددًا لتردف بصوتٍ مبحوح:
_ هو أنا وحشة أوي كده لدرجة أن جوزي رافض وجودي.. وأن كل الناس تأذيني!
استمع لها الطبيب، ثم رد بإجابة صغيرة:
_ بالعكس أنت شخصية فيكي قبول كبير.
ازدادت رعشة يدها تردد بصوتٍ مختنق:
_ طب ليه طلقني وسبني.. ليه لما بيقرب بيدوس عليا.. ليه صدق إني ممكن اخون ثقته واخد فلوسه وأنا معملتش كده ليه!
صمتت تشعر بحاجة للتنفس، في حين انتظر الطبيب أن تكمل باهتمام وبالفعل اكملت بصوتٍ اختنق من الدموع:
_ أنا عمري ما عيطت بالشكل دا قدام حد.. أنا ادمرت بسببه وحياتي وقفت بسببه.. نفسي ارجع قطوف بتاعت زمان اللي مش بيهمها حد.
:_ أنت شوفتيه قريب؟!
قالها الطبيب بهدوءٍ، لتجيب قطوف باختناق لاحظه:
_ آه النهاردة الصبح.
تأكد الطبيب من تحدثه له، وأن ما دار بينهما لم يكن بصالحها، ليردف بهدوءٍ:
_ طيب.. واتكلمتوا ولا اكتفيتي بنظرات؟
أغمضت عينيها تتمنى أن تُفنِي تلك الذكرى من رأسها، تحدثت بألمٍ:
_ آه اتكلمنا ووجعني بكلامه.. حسيت إني ضعيفة قدامه أوي.
:_ ضعيفة لأن شخصيتك ضعفت ولا ضعيفة قدام حُبك ليه؟!
تجمد جسد قطوف من سؤال الطبيب، تشعر ببرودة تسير في جسدها، تعلم الاجابة، ولكن عجز لسانها عن الجواب، طال الصمت بينهما حتى قالت بألمٍ:
_ ضعيفة قدام حبي ليه.
اكمل الطبيب بسؤالٍ أخر جعل قطوف تبكي بصمتٍ:
_ أنتِ عايزة تتعالجي من حبك ليه وتشليه خالص.. عايزة تلغي وجود جوزك بحياتك!
:_ آ..آ..آه.
قالتها بصعوبة بالغة من أثر دموعها، في حين أكمل الطبيب بهدوءٍ يوضح لها بعض الاسباب:
_ أنتِ شايفة أن حُبك لجوزك دا خلى شخصيتك ضعيفة.. وأنه السبب الرئيسي لحالتك دي.. طب ليه مقولتيش ان مفهومك عن الحب غلط.. وان الحب دا اخدتي منه الأسباب السلبية وسبتي الايجابي!
تشنج وجهها من كثرة الضغط عليها، تردد بكلماتٍ متألمة:
_ أنا من أول يوم حبيته فيه وانا بقيت ضعيفة.. حياتي ضاعت وبقى الكل بيدوس عليا بسبب حبه دا.. أنا عمر ما تخيلت إني اكون كده بسبب حبه.. وإن كان الحب فيه ايجابيات فأنا مشوفتش غير الوحش بس واكتفيت لحد كده.
توقفت عن التحدث بنبرة تهالكت من الألم، في حين رد الطبيب بنبرة جعلتها تركز بحواسها:
_ أنتِ من جواكي بتقولي عكس كده.. أنتِ عايزة تثبتي لنفسك إنك لسه بتحبيه وأنك عايزة تشيلي حبه عشان ترضي معتقدات غلط في دماغك.. الحب سلاح ذو حدين.. وأنتِ فهمتي الحُب غلط.. وترجمتي أن هو السبب في ضعف شخصيتك.. مش شخصيتك اللي تعبت من القوة المزيفة اللي بتظهريها ولما لقيتي حد ممكن تستخبي وراه.. القوة المزيفة دي راحت ومفضلش غير الضعف ولما الشخص دا اختفى والقوة المزيفة مرجعتش فهمتي إن حبك ليه هو السبب في ضعفك دلوقتي.. فهمت صح؟!
:_ صح.
قالتها وهي تشعر بدموعها الساخنة تسيل على وجنتها، تسترسل حديثها بألم:
_ وأنا صغيرة ماما توفت وبابا كان بيسافر وكنت الأم والأب واخت لأختي الصغيرة.. كنت لزمًا ابقى قوية عشان عمتي متكلناش وتدوس علينا.. مكنش عندي فرصة واحدة ارجع طفلة واعيش حياتي.. كان لزمًا اقتل الطفلة اللي جوايا عشان أقدر احمي اختي الصغيرة.. تعبت من حياتي.. وظهر مازن والظروف جمعتنا مع بعض على الرغم من اني أنا وهو مش بنطيق بعض.. بس حبيت حنيته عليا وقت ما بتعب.. ضحكه وهزاره.. حتى لما كان مريض سكر ومقلش ليا إنه مريض وعملت أكل غلط عليه اكل منه عشان يفرحني.. حبيته غصب عني ومن جوايا نفسي ارمي كل حاجة عشان لما اتعب هو اللي يقفلي.. لما حد يحاول يأذيني ياخد حقي مبقاش قاعدة متحفزة لأي شخص إنه ممكن يأذيني.. كان نفسي اعيش حياتي بس للأسف ادمرت قبل ما تبدأ.
انتهت من سرد حقيقة لم تخبر بها أحد، تضع يدها على وجهها تحاول ضبط انفعالاتها، في حين تحدث الطبيب بنبرة هادئة لمستها:
_ حياتك لسه مدمرتش.. طالما لسه بتتنفسي يبقى لسه في أمل.. كون حصل حاجات غيرت حياتك وجبرتك على حاجات مش صح دا مش معناه أن أنتِ كده خلاص حياتك ادمرت.. بالعكس قدامك فرصة تغيرها.. تعيشي اللي معشتهوش وأنتِ طفلة.. متستسلميش تاني يا قطوف.. وقومي فكري بأكتر حاجة بتحبيها وارجعي ليها تاني.. بس الأول خدي قرار إنك فعلًا عايزة ترجعي لحياتك.. ولما تاخدي القرار وتنفذيه هتيجي وتحكيلي اللي عملتيه ودا هيكون معاد جلستنا الجاية تابعي معايا بس بالتلفون في أي وقت وانا موجود.
استمعت لحديثه وشعرت بمدى اهميته، نعم تريد أن تعود.. تعود لحياتها، فليس مازن السبب ولكنه جزء من تلك الشبكة المعقدة، ويجب أن تواجهه.
**********
:_ مازن حبيبي حمدلله على سلامتك.
قالتها ميرڤت وهي تدلف للردهة بمنزل محمد بعدما وضعت حقيبتها جانبًا، تتقدم نحو مازن بلهفة كاذبة، في حين ضيق زين عينيه يشعر بوجود خطبًا ما بتلك السيدة.
تجمد جسد مازن قليلًا من وجودها، وشعر لأول مرة بنفورٍ منها، لتجلس إلى جواره مرددة بحنان كاذب:
_ قلبي كان هيقع من الخوف عليك يا حبيبي.. الحمدلله انك رجعت بالسلامة.
اجابها مازن بهدوء:
_ الله يسلمك.
ابتسم زين بمكرٍ ثم نهض يردد بهدوءٍ:
_ عن اذنكم بس في مكالمة شغل هعملها.
حرك مازن رأسه، في حين نظر لها ياسين باشمئزاز، يريد أن ينقض عليها ويكيلها من الضرب ما تيسر له، في حين أخذت ياسمين ورد وزينة وانطلقت بهما إلى غرفتهم.
*********
:_ ايوة يا بابا دا الوقت المناسب عشان نجمع قطوف ومازن.. الاتنين حصلهم تأهيل وأنا كلمت دكتور قطوف وعرفت حالة قطوف.. هيكون مناسب إنها ترجع بعد يومين.
قالها زين وهو يقف بعيدًا عن المنزل، في حين حدثه مهران بصوتٍ رزين:
_ حسنًا بعد يومين سأحاول مع قطوف كي تعود مجددًا.. وأخيرًا سأأخذ حق محمد والباقي منها.
حرك زين رأسه يحدث والده باشمئزاز منها:
_ أنا مش عارف دي إزاي قدرت تمثل الحنان واللهفة كده.. لولا عارف تاريخها الاسود كله كنت قولت إنها كده فعلًا واحنا ظلمناها.. دا حتى ياسين مرحمتهوش وخطفته يوم خطوبته.
:_ نـــــــــعم.. بنت ال*** هي اللي عملت فيا كده.
قالها ياسين بعدما جحظت عينيه، في حين اغلق زين مع والده يندفع نحو ياسين الذي تلون وجهه بغضبٍ جامح، يردف بصوتٍ مهدئ:
_ اهدى يلا واحنا هناخد حقك.
:_ حق مين يا ابو حق.. دا أنا اتشلفط بسببها ومذلول ولا الكلب الأجرب في الشوارع عشان البت توافق ترجعلي.. دا أنا هرنها علقة حق كل اللي جرالي منها.
قالها ياسين بغضبٍ يحاول نزع يد زين منه، ليضع زين يده على فمه سريعًا مرددًا:
_ ياسين أنت كده هدمر اللي أنا وابوك بنعمله.. اصبر واحنا هناخد حقك بس اصبر عشان مازن وقطوف حياتهم على شعره لو حصل حاجة ممكن تدمرهم.
هدأ جسد ياسين قليلًا، في حين ازال زين يديه مرددًا:
_ خلاص اهدي بقى.
:_ هديت يا عم خلاص.. بس لما خلاص الدنيا تتصلح سبوني اضربها اوقعلها طقم اسنانها ده.
قالها ياسين بغضبٍ منها، في حين هاوده زين مرددًا:
_ حاضر يا ياسين المهم دلوقتي جهز نفسك عشان قطوف هتيجي بعد يومين عشان هنعلن أهم خبر ميرڤت ممكن تتجلط بعده.
اتسعت عين ياسين بسعادة وصفق بيده، يشعر بالحماس لأجل تلك اللحظة.
**********
مر يومين أسفل حماس ياسين واستعداد مهران وزين له.
سارت بخطواتٍ ثابتة، حتى وقفت على اعتاب الباب، تتطلع لمهران الذي شجعها بعينيه، لتدلف إلى المنزل حتى وقفت بالردهة التي تجمع ياسمين وورد وزينة وميرڤت، صرخت ورد بسعادة قائلة:
_ عمتو قطوف.
ركضت لها تحضنها وبالفعل بادلتها الحضن، في حين اقتربت منها ياسمين بأعين مدمعة، ثم اندفعت لها قائلة:
_ وحشتني يا اختي.. وحشتني يا أحلى أخت.
ضمتها قطوف بحبٍ، تشعر بحاجة لهذا الحضن، تردد:
_ وأنتِ أوي يا ياسو.
تقدمت قطوف من زينة ثم قبلت جبينها تردد بحبٍ:
_ عاملة ايه يا ست الكل؟
ابتسمت زينة بسعادة مرددة:
_ الحمدلله يا نور عيني.
جلست قطوف معهم دون النظر إلى ميرڤت التي اشتعلت عينيها بحقدٍ، لتردف من بين اسنانها ببرودٍ:
_ مش هتسلمي على حماتك قصدي مامة طليقك.
شعرت زينة بقلقٍ على قطوف في حين كان ذلك نفس شعور ياسمين، ولكن ابتسامة قطوف الباردة جعلتهم يشعرون بتعجب، لتردف قطوف بهمس بارد:
_ لا أنتِ حماتي لسه.
ضيقت ميرڤت حدقتيها بشكٍ مما تقوله، في حين أدارت قطوف وجهها لترى مازن يدلف ثم تقدمت منه حتى أصبحت جواره تشبك أصابع يدها بيده، تضع رأسها على صدره مرددة بنبرة تحمل الرقة تسببت باحتراق ميرفت:
_ معلش يا حبيبي مامتك طلعت مش بتسمع كويس.. ممكن تقولها إحنا حالتنا الاجتماعية إيه!
:_ متجوزين.
قالها مازن بهدوءٍ، لتنتفض ميرڤت من مكانها تنظر نحو مازن بصدمة مرددة:
_ أنت بتقول إيه؟!!
ابتسمت قطوف بانتصار وسط سعادة الجميع بها، فحضر الجميع بتلك المواجهة النارية، لتتقدم بخطواتها نحو ميرڤت وهي لا تزال تشبك يدها بيد مازن، حتى أصبحت بمواجهتها، ثم همست ببسمة تحمل الانتصار:
_ ما تسمعي كويس يا عمتي.. قولها يا حبيبي معلش تاني واعلنها قدام الكل!
نظر مازن لوالدته يردد بنبرة باردة:
_ أنا رديتك يا قطوف!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فطنة القلب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى