روايات

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الخامس عشر 15 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الخامس عشر 15 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الخامس عشر

رواية غوى بعصيانه قلبي البارت الخامس عشر

رواية غوى بعصيانه قلبي الحلقة الخامسة عشر

“رسائل لن تصل لـ صاحبها ”
على سبيل التمني ، عندما قال درويش :
-“يَوماً مَا سَنلتَقي ونَحكِي، كَيْف سَارت بِنا السُّبُل حَتى اللّقِاء.”
ويردد قلبي خلفه بـ ” آميـن ” ويعترف :
-لا زلت أَرسِمُ بالخيالِ عوالِمي ، لعل عالم فيهم يطاوع قلبي ويكتب لنـا التلاقي ، فـلا يوجد حيلةُ للمضطر والعاشق غيرُ خيالِهِ؟
••••••••
كان عليها الانسحاب من البداية في كل لحظة أحست فيها بـ أنها ليست بالمكان المناسب عندما تحول الهواء الذي تتنفسه إلى خوف وقلق .. فارقت “حياة ” مبنى الفندق العملاق مُتجهة ناحية الملاهي وأماكن ترفيه الأشخاص بالفندق وهي تتلفت حولها كطفل تائه ضل طريقه للعثور على أمه .
أثناء سيرها العشوائي غير محدد الجهة أو المقصد اصطدمت برجل في أواخر الأربعين من عمره ذو ملامح جذابة يخالط لحيته وشعره اللون الأبيض ، شهقت بفزعٍ وهي تتراجع خطوة للوراء ، وتفوهت معتذرة :
-أسفة !
طالعها الرجُل بأعين قليلة الحياء :
-اسفة على أيه بس !
ثم مد يده ليُصافحها :
-أنا هاشم مدكور ، الحلوة اسمها أيه ؟!
تفقدت يده الممدودة بعيون حائرة يغمرها الذُعر ، فـ رفعت جفونها إلى أنظاره بتصغير متأهبة للرحيل بعد ما أعلنت بوضوح تجاهلها لترحيبه وسؤاله الفضولي .. انطلقت من جانبه بسرعة ويتراقص شعرها ورائها كـذيل فرس عربي أصيل لديها من الإمكانيات المُغرية لدفع كل ما يملك الرجل من كنوز كي ينال نظرة قُرب من عيونها التي صُبغت بلون السماء .
نظرات خلفها لـ تختلس منه آخر نظرة وكانت بمثابة رصاصة الخوف عندما رأت سوء النية بعينه خاصة لما اشار لأحد من رجاله كي يتبع خُطاها .
أسرعت ” حياة ” كي تتخفى من تلك الأعين التي تترصدها وهي تتخبط بالمارة تارة وتتعرقل خطواتها طورًا ، تكدست الحيرة في رأسها ، إلي أين ستذهب بعد مغادرتها؟ ومن أين خرج ذلك الرجل الذي يراقبها بخبثٍ ! ظلت تتحدث لنفسها بصوتٍ مسموع :
-طيب لو روحت حكيت للشرطة هيقولولي سيبي عنوانك ! يا ترى أنا هعمل أيه ! هرجع للبني آدم دا تاني ! وهو هيعديها كدا؟!
تشبثت برأسها التي أوشكت على الانفجار وهي تائهة بدون ملجأ او دليل يشرهدها ، التقطت نظرة خاطفة من ذاك الرجل الذي يتبعها ، فتمدد الرعب إلى أصولها ، وبدون أدراك شرعت في الركض كـ قطة خائفة من الوقوع بين أنياب صيادها ، ما لبثت أن خرجت من بوابة الفندق ، وأخذت تعبر الطريق بسرعة لا توصف ، فوجئت بسيارة أمامها تصدر صوتًا لا يقل عن صرخة صوتها ، من شدة الخضة سقطت مغشيًا عليها وإذًا بالسيارة يهبط منها ” عاصي دويدار ”
•••••••••
قد تأتي فترة مُؤلمة جدًا وقاسية لا تعلم ما سبب تلِك الضيقة التي تشتد على روحك دومًا ، والحُزن الذي سكن صدرك ، يلازمك الألم كُل يوم ، وشعورٌ بأن لا شيء ينتهي لم يفارق رأسك أبدًا !
ثنت ” عالية ” سجادة الصلاة بعد وقت طويل قضته بالدعاء والتوسل لرب العالمين أن يفك ضيقتها ، نهضت بتوجع وهي تستند على أحد المقاعد بجوارها مصدرة أنين الألم حتى جلست لتستريح من الجهد المبذول لمقاومة ما يصدح بـداخلها .
تناولت الأدوية وأخذت تطلع على مواعيدها ، نوع وراء الآخر ، عزلت ما ستتناوله صباحًا ثم وثبت قائمة ببطء وفارقت الغرفة متجهة نحو المطبخ لتُحضر زجاجة ماء ، أحضرت ما تريد ثم تأهبت عائدة إلى غرفتها وما لبثت أن تُغادر المكان فـ هلَّ هلاله أمامها في كامل أناقته ورائحة عطره التي ملئت جيوبها .. تبادل الثنائي النظرات حتى خطت خطوة لتفارقه بدون كلام فأوقفها بنبرته الأجشة :
-استني .
تحملت على بار المطبخ بدون التفاتة منها بل رجع مراد خطوتين للوراء كي يصبح مقابلًا لعيونها وقال :
-أنا سبتك للصُبح يمكن ترجعي في كلامك ، وتفكري فيه بعقلك ..
تأففت ممتعضة :
-معنديش كلام تاني غير اللي قُلته !
ألقى نظرة سريعة على ساعة يده ثم قال محذرًا :
-أنتِ لسه ما شوفتيش وشي التاني ، لو كُنتي مخدوعة في سكوتي على أنك ممكن تصعبي عليا واطلقك كده ، تبقي غلطانة ، أنا لما بخسر حاجة ببقى وحش أوي يا عالية !
‏يشعُر المرء احيانًا بضرورة المغادرة من كُل شيء ولكن إلى أين سيهرب وأن كان ما يرعبه بجوفه ! بلعت مرارة تهديده وقالت بهدوءٍ :
-اللي عندي قُلته .
بمجرد ما أردفت جُملتها أخفضت وجهها أرضًا و تأهبت بالرحيل ولكنه أوقفها ممسكًا بمرفقها بقوة وقال :
-لما أكون بكلمك تقفي وتسمعي لحد ما أنا انهي الكلام !
زفرت بضيق مبررة :
-مش مستحملة ريحة البرفيوم بتاعك وكمان الجرح بيتعبني !
تجاهل تملصها من قبضته القوية وأصر قائلًا :
-بلاش تتحديني يا عالية .
العَيش تحت الضغط يُكلِف الإنسان طِباعًا لا تُشبهه .. رفعت رأسها بشموخ ثم قالت :
-أوسع ما عندك أعمله !
رأى سِهام التحدي واقفه على قوس عينيها ، للحظة تراخى شيء ما بداخله ولكن سرعان ما تجاهله وقال بنبرة ارعبتها :
-تمام ، مادام دا قرارك ، اسمعي قراري بقى ، بما أنك قررتي تكملي في اللعبة دي ، جوازنا كمان مش هيبقى لعبة .
-مش فاهمة تُقصد أيه ؟!
شدها إليه حتى ارتطمت بسياج صدرته متأوهة وأكمل تهديده له بنبرة أقوى :
-يعني من اللحظة دي أنا جوزك ، وملزمة تقدم لي كل حقوقي ، وأولهم ارجع القاكِ في أوضتي و مستنياني .
تبادل الثنائي النظرات الطاهرة التي تتجرد من قبحة ما تنطق به الألسن ! رغم الرُعب الذي كسا جسدها إلا انها بادلته بابتسامة خفيفة وأجابت بصوت هدر مبطن بالخوف الذي نجحت أن تُخفيه عنه وقالت بثبات في أوج الألم :
-طبعًا حاجة زي دي مش هقدر أمنعك منها بس مفيش في أيدي حاجة اعملها ، يلا هتبقى بجُملة الكوارث الـ في حياتي .
ألقت جملتها كـ جمر حارق على مسامعه ، أحس بإهانة شديدة لـذكوريته ، قال جملته باحثًا عن نظرة الخوف التي تُرد له اعتباره ، ولكن بذكائها انتصرت عليه واثبتت له أنها ورقة غير رابحة ليستثمرها محققًا مطامعه الدنيوية .. شدت ذراعها بقوة وهى ترمقه بنظرات الخسة ثم رحلت من أمامه بسلام كأنها لم يمر في حياتها صراع معاكس من قبل !
•••••••
وضعت الحاجة فادية القهوة أمام تميـم ورحبت به مهللة :
-يالف أهلًا وسهلًا يابني !
تبسم تميم بخفوت ثم شكرها قائلًا :
-تسلم أيدك ، مكنش له لزوم والله !
-لا ازاي يا بني ! دانت نورتنا .
نطقت شمس مشيرة لجدتها :
-اتفضلي يا تيتا اقعدي معانا اعرفك على تميم أكتر .
-لا يا حبيبتي ، هسيبكم على راحتكم ، وأنا في المطبخ لو احتجتوا حاجة .
انصرفت الحاجة فادية تحت نظرات إعجاب تميم بها الذي افتتح حواره مع شمس قائلًا بشرودٍ :
-جدتك باين عليها ست طيبة وجميلة ، فكرتني بـ أمي الله يرحمه.. كان ليها طلة تحسسك بالأمان في ظل كل الخوف اللي محاصرك .
تأملته بعيون دامعة يبدو أن الحديث خدش ضماد جروحها فـ نزفت بقطرات الدمع قائلة :
-الله يرحمها ، كلامك فكرنى بماما ، من وقت ما مشيت وأنا حاسة بالخوف ، ناقصني حاجة مهمة بس مش عارفة ألقاها فين ، حضنها كان له ريحة دافية ، كنت احضنها وانسى الدنيا .
كان يستمع إليها باهتمام شديدٍ حتى أنهت كلامها ، فـ تنهد مُشفقًا على حالتهم :
-واضح أننا بنعاني من نفس الوجع كمان !
مسحت عبراتها المُترقرقة وتبسمت مُجاملة :
-مفيش إنسان خالي من الوجع يا تميـم ، كُلنا بلا استثناء بنعاني !
هز رأسه مؤيدًا كلامها ثم غير مجرى الحديث و ممازحًا :
-لينا نص ساعة بنحكي ، ومسألتيش أنا هنا ليه !
أحست بالخجل من صراحة سؤاله الذي يطاردها منذ رؤيتها ولكنها أحرجت أن تفصح عنه ، تبسمت بهدوء ثم أجابته :
-بصراحة …..
قاطعها بجدية :
-أيوه بصراحة ، بصراحة كده يا شمس أنا جاي هنا اطلب ايدك .
-نعم ! أنا سمعت صح ! أنت قُلت أيه !
كانت كلماتها مُتقطعة ، بين كل كلمة والآخرى صمت للحظات ثم ضحكة يتبعها شرود حتى أغلقت جفونها مكذبة مسامعها ، مُتمنية بداخلها أن يكن ما سمعته مجرد وهمًا ، ولكن جملته حسمت الأمر عندما أجابها باتزانٍ :
-سمعتي صح يا شمس ، تقبلي تتجوزيني على سُنة الله ورسوله !
سرت رجفة مُباغتة بجسدها ، واغتالت الصدمة الكلمات فوق شفتها وأخذت تفرك كفيها بتوتر متسائلة :
-أنا ! طيب اشمعنا أنا ؟! مش غريبة شوية دي ! قصدي يعني ليه !
استغرق وقتًا طويلًا يُفكر في قائمة الأسئلة التي ألقتها على مسامعه ثم قال بهدوء :
-بصي يا شمس أنا مش هنكر إعجابي بيكِ من أول يوم شوفتك فيه ، وفعلا ليكي حق تستغربي ! وليه أنتِ بالذات عشان أنت الشخص اللي بنلاقيه في العمر مرة واحدة ، أنتِ الدافع الوحيد اللي عايز أخف عشانه …
فكر قليلًا ولكن لا زالت عيناه تقتنصها ببراعة :
-طبعًا حقك تُرفضي ، وحقك تتجوزي شخص مُعافى واقف على رجله ، بس أنا عندي أمل أنك توافقي .
مسحت على وجهها من شدة الارتباك ثم حانت منها التفاتة سريعة إلى ساعة الحائط ، لم يمهلها فرصة للتحدث بل أكمل :
-وكمان عارف اللي عملتيه مع عبلة وعاصي ، مش عايزك تقلقي محدش هيقدر يقرب لك و أنتِ معايا ، عايزك تعرفي حاجة كمان ، أنت أملي الأخير في الحياة دي بعد ما كُنت فقدته مع غياب أمي .
اهتزت ساقيها ولُطخت وجهها بحُمرة الحياء وهي تقول باندفاع :
-بعيدًا عن كل دا ، تميم انا رافضه الحب والجواز والارتباط .
-وأنا كُنت زيك يا شمس ، لحد ما قابلتك .
وقد تَعتزل طرق الهوى بإرادتك وقد تَعتزل رغماً عنك ! قد تغلق قلبك امام الحُب لأنك لم تعد تحتاجه وقد تغلقه خوفاً من حطام آخر يصيبه .. تنهدت” شمس” بزفير التوتر وقلة الحيلة ونبرتها المُغلفة بالحيرة أردفت :
-بس ….!
قاطعها بحدة :
-مش جاي اسمع ردك دلوقتي ، فكري وخدي وقتك !
ثم أخرج هاتف من جيب سترته الفخمة ووضعه على الطاولة أمامها وأكمل :
-خليه معاكي عشان نعرف نتكلم واعرف واوصل لك بسهولة .. هتلاقي رقمي متسجل ، هستنى ردك ياريت متتأخريش عليـا .
•••••••
عاد الرجُل إلى سيده الذي كان يُراقب “حياة” وأخبره قائلًا :
-البنت طلعت تبع عاصي بيه دويدار !
وضع السيجارة البنية في فمه ثم قال هاشم متعجبًا :
-يعني كدا بقيت خط أحمر !
-بس واضح معاليك أنها تهمه بزيادة ، ولما سألت فـ الرسيبشن عرفت أنه معين عليها حراسة جامدة !
أخذ يُقلب الآخر الافكار برأسه ثم قال لمساعده :
-اسمعني ، عايزك تجيب لي تفاصيل البنت دي وأيه علاقتها بعاصي ، يمكن نلاقي له أيد توجعه ويبقى ضربنا عصفورين بحجر .
أما بالجناح العلوي الخاص بـ عاصي دويدار ..
بعد ما حملها لشدة ما كانت ساقها تؤلمها ووضعها برفق على الفراش ، وطلب لها أحد الأطباء ليفحصوها ، فـ كانت الإصابة مجرد جزع بساقها اليمنى .
أخذ يتجول بالغرفة صامتًا مُتجاهلًا وجودها تمامًا حتى كسر سكوته بحمامٍ دافئ أخذه وخرج مرتديًا شُرطًا يصل لرُكبته باللون الابيض ، وقميص خفيف بنفس الألون و شرع أن يمشط شعره أمام المرآة ثم ألقى نظرة خاطفة إليها :
-فطرتي قبل ما تهربي !
عصفت بها سلسلة احاسيس متتابعة ، و أنكرت :
-هروب أيه ! أنا بس زهقت قلت انزل اتمشى شوية !
مط شفته السفلية بعدم تصديق و توجه نحو الشُرفة وأخذ يزيح الستائر كي ينير الغُرفة ثم قال ساخرًا :
-تعرفي أن الهروب أخو الكذب !
اقتضب حاجبيها بغرابة حتى شد مقعده الخشبي وجلس بجوارها وأكمل موضحًا :
-اللي بيهرب دا مش بيقدر يواجه ، ولا يغير واقع مش عاجبه ، أحنا بنكذب لما نخاف من الحقيقة ، والاتنين مش بيعملهم غير الشخص الجبان !
رددت بتلقائية وتحدي :
-أنا مش جبانة ، و أيوه كنت عايزة أهرب ، عارف ليه لاني حاسة بالخوف ، مش مطمنه وانا حتى تحت حمايتك ، واظن دي أكبر إهانة في حق أي راجل أنه ميعرفش يحمي ست استأمنته على نفسها ! يعني المشكلة عندك مش عندي !
صمت مُفكرًا في كلامها حتى تفوه مُجادلًا :
-تفتكري الهروب حل ؟!
ساد الصمت بينهم للحظات حتى أوضح المغزى من سؤاله قائلًا :
-يعني لو كان هو الحل ، كُنت أنا كمان هربت ! هربت من خسارتي لأكبر مشروع بخطط له أكتر من ٧ سنين ! خسارتي للست الـ حبيتها ! خسارتي لنفسي برغم كل الجيش الـ بيشتغل معايا ألا أني لوحدي !
شرد للحظات في عيونها التي كانت تتأمله بيهم بفضول ساطع ، مما أثرت على نبرة صوته التي أصبحت شاردة كشرود خاطره :
-كُنت هربت من ساحة القتال اللي واقف فيها بطولي ومش عارف سهم الغدر ممكن يجي لي منين !
ختم جملته الأخيرة بضحكة ساخرة :
-متستغربيش ! حقيقة الشخص مش هي اللي بنشوفها بعيوننا ! الحقيقة هي اللي بتعريها القلوب ! قولتي لي كُنت هتهربي على فين ! يمكن أفكر اهرب معاكِ !
انتعلت خف الاتهام وارتدت الاستجواب :
-أحنا بنهرب لما نفشل في تغيير واقع اتفرض علينا ! لكن شخص زيك مين ممكن يجبره !
هز رأسه متفهمًا لحديثها ثم قال :
-قطر الأيام مش بيقف لحد ، والحياة زي السمكة في المية ، لا انت هتعرف تمسكها ولا ليها ماسكة ! عشان كدا بنلجأ للحيل والخدعة عشان نكسبها !
أخذت تقلب الكلام برأسها ، أحست أنها أمام رجل آخر غير الذي عرفته من قبل ، هدوئه وفلسفته كانت مثيرة للفضول للدرجة أغرت فيها عقلها بأن ينبش في أعماقه أكثر ، تبسمت مراوغة ثم سألته :
-عشان كدا سَمتني حياة !
أحس بأن مجده سينهزم أمام فطنة امرأة استخف بذكائها ، تبدلت ملامحه فجأة ثم قال بفظاظة :
-أنا عملت اتصالاتي في الغردقة ، والأقسام وغيره ، فكرت انزلك إعلان فـ الصُحف والجرايد بس مينفعش وآكيد عارفة ليه !
رمقته بطرف عينيها ثم قالت مُداعبة :
-تفتكر الهروب حل !
فهم ما تُشير إليه ولكنه تحمحم و تعمد إظهار الغباوة :
-مش فاهم ! قصدك أيه !
تنهدت بشرود وعيون ثابتة في مراقبته :
-مجاوبتش على سؤالي ، وغيرت الموضوع !
أحس انه في مأزق لسؤال لم يملك إجابته ، ولكن لحُسن حظه رن هاتفه وانقذه من براثن أمرأة تتلاعب على أوتار دواخله ، تحمحم بفخامة ثم قال :
-هـرد على التليفون .
طالعته من فوق عويناتها وهزت رأسها بالموافقة ، ثم أخذت تدلك ساقها برفق وتحاول أن تضمها ثم تعد بسطها مرة آخرى ، انهى عاصي مكالماته ثم عاد إليها قائلًا :
-مضطر امشي ، لو حبيتي تهربي ابقي عرفيني !
كانت جملته تحوي الكثير من التخابث ، المكر ، هتفت حياة بتلقائية :
-آكيد مش ههرب برجلي دي !
وضع هاتفه بجيبه ثم قال باتزان :
-عايزك تفهمي أنك هنا مش محبوسة ، ومش مجبرة تكملي في اللعبة دي ، أنا خلاص أخدت اللي عايزه ، يعني مختصر الكلام الاختيار ليكي !
أجابته بصوت متهدج :
-انا هنا بعمل أيه !
رأت منه نظرة عدم فهم لمعنى سؤالها ، فصلحته سريعًا :
-قصدي يعني ليه مرجعتش على القصر ، جينا هنا ليه !
أخذ مفاتيح سيارته وحافظة نقوده من فوق الكمود ثم أجابها قائلًا :
-عشان أنت مش أد انتقام عبلة المحلاوي ، يعني أنت هنا عشان احميكي ، مش عشان خاطــفٰك!
-يعني مش هرجع على هناك ؟!
أسبل عيونه متسائلًا :
-عايزة ترجعي !
اخفضت نبرة صوتها موضحة :
-هنا قاعدة لوحدي ، وبصراحة حبيت البنات ، كنت بقضي معاهم وقت حلو وو .
هز رأسه متفهمًا :
-مادام دي رغبتك هخلي السواق يوصل لك ، وهبلغهم بالتعليمات .
••••••••••••
•••••••••••
كُنت أخشى الغد ، ولا زلت ! ولا زال يؤكد حقيقة مخاوفي ، بدلًا من أن ينفيها ، كل يوم يأتي بقدر مُغاير عما رحل به البارحة ، باتت فجأة الأقدار تُرعبني ، أتذكر بالأمس نمت وأنا لا أحمل برأسي سوى هم رد الدين ! واليوم بات حمل الأمس بخفة فراشة عما جاءت به بقية أيامي .
على حين غُرة ؛ ألتقيت برجل لم يمر طيفه بأحلامي ، وأصبح مسئوليتي لـرد ديني ، واليوم جاء عارضًا نسبه عليّ ! لم يكن الحُب يومًا من ضمن أهدافي ! ولن أسعى إليه ! ولكن لِمَ لم يتوقف قلبي عن كل هذا الضجيج الآن ! ما شأني بسذاجة الحُب والرجال ؟!
فاقت ” شمس ” من شرودها على صوت نوران الفوضوي :
-أهي رجعت تسرح تاني أهو !
تنهدت شمس باختناق :
-عايزة أيه يا نوران بس !
غمزت له بطرف عينها مُداعبة :
-يعني الجدع الأمور أبو ريحة حلوة اللي شوفته نازل من هنا جاي يتجوزك !
أومأت رأسها بخفوت وهي تضع وجتنها فوق قبضة يدها بقلة حيلة :
-أيوة .
نوران بحماس :
-طيب ينفع يتجوزني أنا كمان !
وبختها جدتها بحدة :
-ما تبطلي دوشة أنتِ كمان ، خليني اعرف أختك بتفكر في أيه !
ربعت نوران ساقيها وقالت بنفاذ صبرٍ :
-أهو خرست خالص ، ارغوا في أي حاجة إلا أنكم هترفضوا القمر ده .
نهرتها شمس بحزم :
-نور روحي ذاكري ، أنتِ قاعدة معانا ليه أصلا .
نوران بغرابة وهي تتأهب للذهاب :
-أصلًا ! ماشي ماشي ، دي اخرتها يا ست شمس !
انصرفت نوران مرغمة ، فارقت فادية مقعدها وجلست على الأريكة بقُربها وربتت على كتفها بحنو :
-مالك يا حبيبتي ، افتحي لي قلبك .
-مش عارفة يا فُوفـا ! بجد دماغي دي حساها عطلت .
صمتت فادية للحظات ثم سألتها :
-قبل أي كلام ! هو في أمل أنه يخف ، ويرجع يقف على رجليه !
تجولت عيون شمس بحيرة حتى زفرت بيأس :
-آكيد مش ده اللي شاغلني ! ولا ده سبب رفضي .
كررت فادية سؤالها بتوسل :
-ريحي قلبي بس ، في أمل ولا هيقضي عمره كله كده .
شردت شمس تحت مظلة سؤالها وقالت بتنهيدة :
-كل تحاليله والتقارير الطبية بتقول أنه كويس ، بس مسألة وقت .
تنهدت فادية بارتياح :
-طيب طمنتي قلبي ، أنتِ بقا رافضة ليه ؟! هل هو شخص وحش !
-لا أبدًا يا تيتا ، بالعكس هو شخص مثقف وهادي جدًا ولو اتعاملتي معاه هتحبيه أوي ، المشكلة مش هنا !
جزعت فادية من تشتت أفكارها وقالت :
-أومال أيه بس !
-مش شبهنا ! المجتمع اللي عايش فيه تميم مُرعب ، ناس غامضة ، ممكن تعمل أي حاجة عشان توصل للي عايزاه ، عالم مفيهوش رحمة ولا قلب ، أنا الأيام اللي قضيتها هناك كنت مرعوبة ، مفيش مرة حسيت بالأمان !
رمقتها فادية بشفقة وهي تضمها إلى صدرها :
-أهم حاجة راحة قلبك ، مادام مش مرتاحة خلاص ، ارفضي ، أحنا هنعيش كام يوم عشان نعيشهم في خوف !
ارتمت شمس في حضن جدتها الدافئ وقالت بتوهة مغلفة بالشك :
-وكمان مش عايزه اظلم تميم ، ده حد وثق فيا !
ربتت فادية على ظهرها وقالت :
-الأهم راحتك أنتِ ، متفكريش في حاجة غير سعادتك ، ده مش زمن التضحيات يا حبيبتي !
••••••••
استيقظ فريد من نومه على صوت رنين هاتفه المُزعج ، أجاب على المتصل ثم أنهى مكالمته سريعًا إثر تململ سارة بجواره معترضة على ازعاجه ، ترك هاتفه وأخذ يُداعب شعرها القصير ثم تدلت أنامله على ظهرها العاري وقال في سره :
-حقك هيرجع يا رسيل !
تقلبت سارة على جانبها الأخر ورفعت جفونها متمتمة بهذيان :
-عاصي !
انكمشت ملامح فريد غاضبًا ، فأدركت سارة سريعًا ما أردفت بدون وعي منها ، اتسعت عيونها بصدمة وسألته :
-أنت مين !
تبسم فريد بخُبثٍ :
-أنتِ لحقتي تنسي ! لا فوقي كدا !
اعتدلت سارة بتثاقل وهي تلملم شعرها بعشوائية وقالت :
-اه فاكراك ! أيوه أنت !! أنت اللي كُنت في night club!
اعتدل هي الأخر من نومته وأخذ يكمل مسرحيته :
-ما تيجي ننسى كل ده ، ونتعرف من أول وجديد ! عشان شكلك ناسية كل حاجة !
ضحكت بخفوت وهي تفارق فراشها وترتشف كوب من المياه وقالت بترحيب :
-معنديش مانع !
جهر فريد بنبرة فضوله :
-ما قولتليش مين عاصي ده اللي طول الليل ترددي اسمه !
توجهت سارة إلى ركُن المشروبات الكحولية وأخذت زجاجة وكأسين وقالت بأسف :
-my eX ..
اشعل فريد سيجارته بحماس في استقبالها وقال :
-وراح فين !
رمت سارة ما بيدها في منتصف الفراش وقالت بعتب :
-أنت مش لسه قايل ننسى كل اللي فات ونتعرف من أول وجديد !
ثم تناولت الزجاجة لتفتحها وأكملت :
-انسى كمان إني كنت بقول اسمه وانا نايمة .
ادرك فريد مشقة المهمة في الوصول إلى ما يدعي بـ عاصٍ عن طريقها ولكنه لم ينكر أنها على جميع الأحوال ورقة رابحة له !
•••••••••
عدم قُدرتنا على الصراخ تحولنا إلى قتلى افتراضيين ، ذلك ما أحسته بمجاورته ، بمقدار الأسئلة التي تتكدس برأسها ولم تجد لها جوابًا ، أصر عاصي أن يوصلها بنفسه على رغم من اخبارها بأن السائق سيتولى تلك المهمة ، ولكنه لم يعلم لمَ فعل هذا ، لِمَ أجل اجتماعه لساعتين ومنحهم لها !
رفضت ” حياة ” بتاتًا الجلوس بجواره وصممت أن تجلس بالخلف ، ولكنها لم تنج من نظراته الحارقة بالمرآة ، ساد الصمت بينهم طويلًا حتى قطعته مترددة :
-أنت مش وراك شغل !
أجابها بجفاء :
-اتأجل .
أومات بعدم تصديق ولكنها لم تصمت بل سألته بنبرة استجواب :
-أنت طردت الدكتورة ليه ! ده جزاة اللي يقول الحق في الزمن دا !
رفع أنظاره بالمرآة متعلقًا بعيونها الزرقاء و رد بـ اختصارٍ :
-مالكيش فيه !
-يعني أيه مليش فيه ؟!
دار بمقود السيارة وأجابها بنفس النبرة :
-يعني مش شُغلك !
عارضته مبررة :
-بس دي اطردت بسببي !
-لا اطردت بسبب لسانها !
أحتلت الحيرة عيونها وهي تتأرجح فوق غرابة جُملته ، اتكأت للخلف وأخذت تأكل في أظافرها بتفكير حول هوية ذلك الرجل الذي يغمره الغموض ، صمتت طويلًا ولكن لم تصمت عيونهم عن التلاقي ، كل ما تتلاقى في نقطة بالمرآة تتعمد تجاهله والتمعن بالطريق ، شغلها الفكر في طريقة حديثه معها ، ماذا حدث بينه وبين الشخص الذي كانت تعهده منذ دقائق !
لم تتحمل السكوت أكثر ثم أردفت بدون تفكير :
-مفكرتش تروح لدكتور !
رفع عيونه إلى المرآة متعجبًا :
-دكتور أيه ؟!
-أمراض نفسية !
مثل ما كانت جملتها كالرصاصة التي انطلقت من فوهة سلاح ، كانت قدمه تضغط على فرامل السيارة بنفس السرعة التي جعلتها تقف فجاة محدثة صوتًا مرتفعًا جعلها تشهق بذعرٍ ، بمجرد ما توقفت السيارة أغمضت عيونها متنهدة بارتياح إثر الخضة التي تعرضت لها ووضعت كفها على صدرها واتكأت للخلف وهي تبتهل بشكر .
مرت قرابة دقيقتين ثم فتحت عيونها ببطء فوجدته يطالعها بأعين حارقة من شدة الغضب ، بللت حلقها متسائلة :
-هو حصل أيه ؟!
ثم تلفتت حولها لتستكشف سبب وقوفه المفاجئ ولم تجد شيء ، سألته بتجاهل :
-وقفت ليه !
-أنتِ قولتي أيه ؟!
انكمشت ملامحها بخوف وهي تتراجع للوراء مجيبة بصوت مبحوح :
-وقفت ليه !
هز رأسه نافيًا :
-مش دي ! اللي قبلها بقا ؟!
تأرجحت عيونها بحيرة ثم قالت بشكٍ :
-قلت حصل أيه ؟!!!
أغمض عيونه بنفاذ صبر ، فلحظت غضبه الذي لطخ وجهه بحُمرة التهجم ، ثم تذكرت سريعًا :
-ااه ! قصدك على موضوع الدكتور ؟! أنا مش قصدي حاجة على فكرة ، أنا قُلت اللي لاحظته من أول يوم شفتك في ! معقولة أنت مخدتش بالك ؟!
كظم غضبه الشديد من عفويتها وأخذ يعض على شفته السفلية بجزعٍ وعيون متسعة وقال :
-لحد دلوقتِ أنا مقدر مرضك وحالتك ! بلاش تختبري صبري عليكي أكتر من كدا .. تمام ؟!
مجرد ما أنهي جملته اعتدل في مقعده وعاد مرة أخرى لقيادة السيارة إثر صوت الصخب بالخارج معترضًا على وقوفه الخاطئ ، التصقت ” حياة ” بالباب متجاهلة النظر إليه وهي تهذي لنفسها :
-أنا قلت أيه يعني يعصب؟! كل دا عشان بقوله شوف لك دكتور ؟! وبعدين وانا مالي خليكي في حالك أنتِ كمان !
••••••••••••
نزلت ” عبلة ” إلى الطابق السفُلي فـالتقت بيسري خارجًا من غُرفة المكتب ، أقبلت نحوه مُختالة :
-أومال فين اللي مشغلك !
قفل يسري زر سترته ورسم ابتسامة مزيفة :
-بيخلص شغل ضروري عشان راجعين نشوف حل في المصيبة اللي حلت دي !
أسبلت عيونها بفضول :
-حصل أيه ؟!
-حضرتك متعرفيش ؟! مش مشروع العلمين الجديد حصل فيه ماس كهربي ، و تحول لرماد ! وانا جيت أخد ورق المشروع عشان نشوف حل قبل الميعاد .
اكفهر وجه عبلة وسألته :
-معرفتوش مين عمل كده !
-لسه مش عارفين ، الحادثة بفعل فاعل ولا قضاء وقدر !
هزت عبلة رأسها ، ثم غيرت مجرى الحديث :
-عايزاك تعرفني عنوان البنت الدكتورة دي ؟!
يسري بغباء مفتعل :
-ليه يا هانم !
نهرته بقوة :
-انت تنفذ وبس ، فاهم !
ثم انخفضت نبرتها متسائلة :
-والبنت اللي ما تتسمى التانية عاصي خدها وراح فين ؟!
أنكر يسري معرفته وأخبرها :
-معنديش علم سعادتك ! بس هحاول أعرف لك ، حضرتك عارفة عاصي بيه أكتر مني مش بيعرفنا غير اللي عايزه وبس !
كورت عبلة يدها وأخذت تضرب على مستند المقعد الذهبي وقالت متوعدة :
-ماشي يا عاصي ! أما نشوف أخرتها معاك !
في تلك اللحظة دخل تميم القصر بمساعدة أحد الرجال ، دارت نحوه وبنبرة ساخرة :
-أيه ده ؟! وكمان أنتَ كنت بره ؟! واضح أني آخر من يعلم في البيت دا ؟!
التوى ثغر تميم ببسمة ساخرة :
-نسيت آخد الأذن !
تقدمت نحوه بخطواتها المختالة ، متعمدة إثارة غضبه :
-المهم ، قريت الفاتحة للست مامتك ودعيت لها بالرحمة والمغفرة !! أصل ذنوبها كانت كتير يا تميم !
لقد إعتاد تميم الأمر ، وإعتاد على سخافتها الغير متناهية ، وغيرتها الشديدة من أمه ، ابتلع إهانتها بمرارة ثم قال بهدوء :
-اتجدعني أنتِ بقى والحقي اعملي شوية حسنات قبل ما تحصليها !
ثم أخفض صوته مُحذرًا :
-لاني للاسف لسه شايف لك رؤية مش مبشرة خالص يا لولي ، خلي بالك !
ألقى عود النار في حقل حقدها المُتقد ، وأشار إلى الرجل بأن يُعيده إلى غُرفته وتركها تحترق في نيران انتقامها ، أخذت ترمقه بأسهم الشر حتى وصل إلى غُرفته ولم تستطع بلع تلك الإهانة فـ ما استدارت للخلف وجدت عاصي يدخل من الباب حاملًا ” حياة ” بين يديه .
اشتعلت نيران غضبها أكثر وأكثر ، جهرت معارضة :
-وهي الهانم اتشلت مش قادرة تقف على رجلها ؟!
تجاهل عاصي توبيخ عبلة ثم أمضي دون أن يطالعها ، بل اكتفى بقوله :
-عبلة هانم ! استنيني في المكتب !
ثم انصرف متجهًا ناحية الحديقة الخاصة بالقصر ومنها إلى جناحه الخاص ، تعمدت ” حياة ” ألا تُطالعه وأن تتجنب حديثها معه نهائيًا حتى وضعها برفق على الفراش و أخبرها :
-التليفون جمبك ، متوصل بالمطبخ ، لو احتجتي أي حاجة هتاخديها من الشباك ! وكمان عندك التلاجة فيها أكل .. شغلي التلفزيون ، العبي في اللابتوب جمبك ، المهم متعمليش دوشة ! فاهمة ؟!
سألته باندفاعٍ :
-ليه أنت رايح فين ؟!
سؤال مثل هذا لم يسمعه منذ زمن طويل ، لم يكن متاحًا لمعرفة خط سيره والتحقيق معه بكل هذه الاسئلة سوى مها ، طالعها بنظرات حادة ثم ولى وجهه منصرفًا وتعمد قفل الباب بالمفتاح ووضعه بجيبه عائدًا إلى القصر ، وبالأخص مكتبه .
فتح باب المكتب فوجد أمه بانتظاره ، دخل بصمت ثم جلس على مقعده الجلدي وأخذ يقلب فـ الادراج باحثًا عن شيء ما ، خرجت عبلة عن صمتها متسائلة :
-أنت أيه حكايتك ؟! أنت فاكرني عيلة صغيرة يا عاصي عشان تستغفلها ؟!
ترك ما بيده مستمعًا لها ، ثم قال :
-قولي اللي عندك مادام لسه شيفاني عيل صغير مستني توجيهاتك !
ضربت على المكتب بحدة وقالت بنبرة مرتفعة على عكس المُعتاد :
-أيوه صغير وتصرفاتك كلها تصرفات عيل مراهق كمان ! لما تجيب لي بنت من الشارع وتقولي دي مراتي ! ولما تاخدني على أد عقلي وتتجوز بنت خالتك وتطلقها تاني يوم ! ولما تسمح لبنتين مالهمش أي تلاتين لازمة يعملوا كده في أمك ! واحدة مشيتها من القصر ومفكر إني مش هعرف أوصلها ؟! والتانية لسه بتحميها وداخل شايلها وكأنك بتقولها براڤو على اللي عملته فيا ؟! فوق يا عاصي ؟! فوق لنفسك وأعرف أنت مين ومركز بيفرض عليك أيه .
تلقى عتابها بملامح ثابتة ، لم تبد أي تعبير يوضح تأثيره عليه ، انتظرها حتى تنهي حديثها الطويل ، ثم سألها بهدوء :
-خلصتي ؟!
انفعلت أكثر من هدوئه القاتل ، وهتفت بحرقة :
-أنتَ أيه ؟! أيه غيرك كدا ؟! ما طول عمرنا هدفنا واحد و بنشتغل سوا وبتسمع كلامي ؟! جرالك أيه ؟! مايكونش البنت دي هي السبب.
بمجرد سماع سيرتها تلون وجهه بدماء الغضب ، وثار قائلًا :
-ينفع تطلعيها من دماغك خالص ! وافتكري أنك انت اللي بدأتِ ، والبنت خدت حقها مش أكتر ، لانها عارفة إني مش هقدر أعملك حاجة !
وثبت قائمة كعواصف أمشير وهبت في وجهه :
-الله الله ! دي طيرت دماغك خالص ! ونستك إني أمك !
ثم انخفضت نبرة صوتها المهددة :
-حل من الاتنين يا عاصي، يا تخلص من البنت دي ! ياما تشتري عداوتي ! قلت أيه ؟!
وثب قائمًا مُتحديًا لأمه وقال بنبرته الفخمة :
-قلت أنك لو فكرتي تقربي لها يبقى أنتِ اللي اشتريتي عداوتي !
•••••••••••
” مسـاءً ”
هربت شمس من صخب رأسها وأيامها بالنوم ، قضت قرابة العشر ساعات نائمة وغارقة في سبات عميق ، حتى جاءت فادية لتوقظها ، فتحت جفونها ببطء وسألتها :
-الساعة كام !
-المغرب بيأذن ، يلا قومي كُلي لك لقمة دانتِ على لحم بطنك من صباحية ربنا .
اعتدلت شمس من نومتها مستغربة :
-يا خبر ! أنت نمت كُل ده ؟!
ربتت جدتها على كتفها وقالت :
-قومي يلا كفاية نوم ، النوم مش حل .. وأنا هجيب لك لقمة تسندك .
مسكت شمس يد فادية وقالت لها بهدوء :
-استني يا تيتا .. أنا فكرت في كلامنا !
رمقتها فادية بفضول لتعرف ردها :
-ووصلتي لأيه !
بللت حلقها وقالت بتأكيد :
-معاكِ حق ، لازم أحب نفسي أكتر ، وأن دا مش زمن التضحيات ، عشان كده أنا هرفض عرض تميم .
••••••••••
عاد ” مُراد ” إلى شقته بعد يوم شاق من العمل ولكن الحماس كان يملأ قلبه إثر الحادث الشنيع الذي تعرض له عاصي مما أدى إلى تحول جميع العملاء إلى شركته ، وإيداع اموال استثماراتهم عنده في مشروعه الجديد الذي جاء لينافس به عاصي .
دخل شقته التي يعمها الهدوء ، وقفل الباب خلفها وتوجه إلى صالة المنزل فوجد كل شيء بمكانه ، انبهر من ترتيب المكان ونظافته ورائحة البخور التي تملأه ، انعقد حاجبيه بحيرة وهو يتساءل لنفسه :
-مين عمل كده ؟!
تقدم إلى المطبخ ليرتشف المياه ، ولكنه لم يقل ترتيبًا ونظافة عما كانت عليه الصالة ، فكل شيء بمكانه المناسب ، الحوض المكدس بالأطباق المتسخة دائمًا ، تحول إلى إناء متسع يلمع من كثرة النظام .. أغمض عيونه من هول ما رأي وهو يقنع نفسه باستحالة قيامها بكل هذا لعنادها أولًا ، وسبب جرحها ثانيًا .
فارق المكان متوجهًا نحو غرفته التي أعادت ترتبيها ، وتنظيف فراشه ، ورص ملابسه المبعثرة بمهارة في الخزانة ، وترتيب تسريحته وغيرها من اللمسات التي طبعت على الغرفة لون جديد لم يعهده من قبل .
نزع سترته وألقاها بعشوائية ، ثم انتعل حذائه وتركه مكانه وتراجع إلى غرفتها ، حاول فتح الباب ولكنه وجده مُغلق بالمفتاح من الداخل ، دب الرعب في جوف عالية وهي تقف وراء الباب متلصصة وبنبرة مرتعدة :
-نعم ! عايز ايه ؟!
حاول فتح الباب مجددًا ، و رد بعصبية :
-يعني فاكرة أني مش هعرف افتح الباب لما تقفليه !
وضعت كفها على قلبها المرتعش كي يهدأ ، ثم قالت :
-عايزة أنام ممكن تبطل دوشة !
ركل الباب بقدمه بغيظ :
-بتتحديني !
تعمدت ألا تجيبه ، وتتعامل معه بطريقة الصمت والتجاهل ، جُن من سكوتها ، فـ ثار مهددًا :
-طيب اسمعي يا بنت دويدار ، اللي عايزه هيتنفذ سواء برضاكِ أو غصب عنك !
انتظر ردها للحظات ولكن بدون جدوى ، أطلق ثاني آكسيد غضبه منها وهو يضـٰرب على الباب بقبضته الحديدية التي جعلتها تنتفض من مكانها وقال :
-مش حتة بنت زيك تتحداني ! فاهمة ؟!
لى يجد فائدة منها ومن صمتها الطويل حتى فرغ غضبه بالفازة الزجاجية وهو يهمشها على الأرض صارخًا بنبرة متعمدًا أن تصل لأذانها :
-هنشوف يا أنا يا أنتِ ؟!
••••••••••
أحست ” حياة ” بالملل الشديد من التقلب بالتلفاز تارة ، والتجول بعشوائية بين مواقع الإنترنت حتى تعثرت على أحد الكتب الالكترونية وقامت بتحميله وقراءته حتى مر نهارها ببطء شديد .
تركت الحاسوب ووقفت بصعوبة متحمله على ساقها التي تألمها ولكن فشلت في الوقوف عليها ، فعادت مُجبرة إلى الرقود بالفراش لشدة الألم ، وهى تتساءل لنفسها :
-راح فين دا كمان ؟! ومنين يقول لي مش محبوسة وهو قافل عليا زي المجرمين كده ؟!
نظرت يسارها فوجدت أحد الصور الفوتوغرافية له ، طالعته بضيق وهي تتساءل لنفسها : ‏وكيف أهرب منهُ إنهُ قدري
هل يملك النهر تغييرًا لمجراهُ؟
قلبت الصورة على وجهه كي لا تراه أمامها وقالت معترضة :
-حتى في الصور مكشر ! عليه بوز يقفل نفس الواحد من الحياة ، وقال أيه اتعصب لما قولتله يشوف دكتور؟!
ظلت تأكل في أظافرها بملل حتى تسربت إلى أنفها رائحة حريق ، تجولت عيونها في المكان باحثة عن مصدر الرائحة ولكنها لم تجد ، تجاهلت الأمر مفكرة بأن أحد الرجال يقومون بحرق نفيات القصر ، ولكن مع مرور اللحظات الرائحة تشتد أكثر وأكثر ، تحملت على ساقها السليمة وهي تسعل بقوة وفتحت أحد النوافذ ففوجئت بالنيران تحاصرها من كل الجهات !
كانت كـ زهرة جميلة يحاوطها جيش من الدبابير إيهما سيفتك بجمالها أولًا ؟!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوى بعصيانه قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى