روايات

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثاني 2 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثاني 2 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثاني

رواية غوى بعصيانه قلبي البارت الثاني

رواية غوى بعصيانه قلبي الحلقة الثانية

“رسائل لن تصل لـ صاحبها ” (2)
قال جورج أرويل :
-رُبمـا لا يرغب المرء في الحُب ،بقدر رغبته في أن يفهمه أحد .
-لا أعلم لماذا خفق قلبي بقوة و تذكرتك بعد ما قرأت هذا ؛ ربما لأنك الوحيد الذي كان يُغري قلبي ليفصح عن خباياه دون تردد ! الوحيد الذي كان يترجم كلماتي المبعثرة ! الوحيد القادر على ضماد أغور جرح بي بمجرد سماع اسمي من فمهِ وكأنك تُقبل روحي بدلًا من تقبيل حروف اسمي ، ربما لأنك أنت الوحيد الذي شق الطريق الصحيح لقلبي وروحي وفكري ، لذلك فمن ذا الذي يمكنه أن يُغري عقلي بعدك ! من يمكنه أن يتربع فوق عرشك بقلبي يا رجل !
#نهال_مصطفى ✨
••••••••••••••••
” كمن هرب من الــموت فـ وقع بـيد قباض الأرواح ”
فيضان عظيم لا يمكنه أن يطفئ بركانًا انفجر ، هكذا كانت حالة ” شمس ” التي فاض بها الصبر عن إذعانها لأحكام ذلك الرجل المتغطرس ، أكلت خطوات الدرج بسرعة فائقة وتحاول أن تلحق بها “سيدة” متوسلة إليها أن تهدأ وتتراجع عن جنونها ، ولكن غضب ” شمس” كان كسلطانًا لا يخضع إلا لأوامره .

 

اتجهت نحو الغرفة التي دخل بها قبل دقائق معدودة وما أن فتحت باباها اصطدمت ” بهدير ” كانت تفتش في أوراق “عاصي ” بارتباك ، حيث تحول ارتباكها لشهيقٍ عالٍ بمجرد اقتحام ” شمس ” المفاجئ ، تجولت أعينها الثاقبة وقالت متمالكة أعصابها :
-هو راح فين ؟!
هدأ قلب هدير قليلًا وتحولت ملامحها الخائفة إلى آخرى متجبرة الصوت وواثقة الخُطى :
-أنت ازاي تفتحي الباب بالطريقة دي !
ثم طالعتها من رأسها للكاحل واعقبت
-أنا مش عارفة عاصي حدفك علينـا من أي داهية !
فـ استقامت أعينها على ” سيدة ” الواقفة خلفها بخوف شديد ونظرات مرتعدة :
-أنتِ مش فهمتيها القوانين هنا يا سيدة !
ابتلعت ” شمس” شعور الإهانة الأشبه بالعلقم وكررت سؤالها بغضب دفين :
-هو فين ؟!
عقدت ” هدير ” ذراعيها أمام صدرها وقالت بسخرية :
-خرج ! أيه نسى يأخد الاذن منك !
تجاهلت احتقار “هدير” لها ،وتراجعت بسرعة يقودها غرور الصبا نحو الباب الرئيسي ، وما أن فُتح وجدت أحد رجاله كـ سد منيع بوجهها وهو يدلي أوامره :
-ممنوع يا فندم !
ألقت نظرة ذهول علي ذراعه الممتد أمامه وقالت بتمردٍ:
-هو أيه الممنوع !

 

أجابها الحارس بصرامة :
-عاصي بيه منبه علينا متخرجيش من البيت ، فـ لو سمحتي إحنا مش عايزين مشاكل .
تشعر بجبلٍ الكبرياء والتملك الذكوري قد تهاوى فوق رأسها ، بلعت ما تبقى من غضبٍ بحنجرتها ، وعادت مرة أخرى لدرجات السُلم التي كانت تخطوها بتثاقلٍ شديد حتى توقفت عند فتاة صغيرة تجلس كـ القرفصاء مستندة على سور الدرج وهي تبتكي الأيام حزنًا ، براءة روحها جعلتها تجلس بجانبها وانفجرت هي الأخرى في البكاء ، فـ الثنائي اجتما على قلة الحيلة والعجز التام .
فأخذت ذاكرتها تسترجع اتفاقهم الذي دار في السيارة أثناء عودتهم وهو يلقي عليها شروطه الغير قابلة للاعتراض :
-هتاخدي بالك من تميم ، تقاريره الطبية تتبعت لدكتوره أول بأول ، أدويته في مواعيدها ، ومش عايز مشاكل يا شمس عشان أنا لما بزعل ببقى حد وحش أوي ! وقبل أي لحظة تهور فكري في أختك وجدتك !
فاقت “شمس” من شرودها على صوت تاليا وهي تسألها
-أنتِ كمان بابي زعلك عشان كدا بتعيطي !
ضمت “شمس” ساقيها إلى صدرها وقالت
-أنا الدنيا كلها مزعلاني ، وأنتِ بقا بتعيطي ليه ؟!
مسحت الصغيرة عبراتها بأناملها البندقية وقالت :
-عشان بابي مش بيحبني أنا ولا أختي داليـا ، ولا حد بيحبنا في البيت دا !

 

حدجتها “شمس” بنظرة شفقة وأحست بأن هناك قلبٌ صغير يشاطرها الوجع الذي ظنت أنه يحرقها لوحدها ، لم تكد تجيبها حتى أتت الجليسة الخاصة بالفتيات وهي تنهرها بقوة :
-تاليا ! أنتِ سايبة أوضتك وقاعدة القعدة اللوكل دي ازاي كدا !
بدون أي اعتراض نهضت تاليا حاملة وجعها وانصرفت إلى غرفتها لتشارك أختها الصغيرة همومهم التي ترعرعا في كنفها ، أما عن شمس فنهضت مستسلمة متجهة نحو غُرفة ” تميـم ” ذلك القدر المجهول الذي جُرت إليه .
••••••
تحول يوم الفطار الذي لم يجمع شملهم لـشهور عديدة إلي كابوسِ ظلمته امتدت لـ أرواحهم فزادتها انطفاءًا ، خيم فطر الحزن على قلب تلك العجوز التي رأت من الحياة ما رأت ولكن لم تنساها الحياة حتى في أواخر أيامها .
تجلس ” فادية” على عتبة شقتها بين حلقة ملتفة من السيدات اللاتي يشاركونها همومها بغياب حفيدتها ، تقدم إليها إمام الجامع ليعطيها بعض النقود الورقية ويخبرها :
-أهل الحارة جمعولك دول يا حجة فادية .
امتدات اناملها المرتعشة ورضخ كبريائها تحت عرش حزنها تلك المرة وهي تأخذ منه النقود وتجيبه :
-يشكروا ، فيهم الخير .
ثم ناحت بقهرة:
-يا ترى عملوا فيكي إيه يا شمس يا بنتي ، استرها معاها يارب .

 

أتت “نوران” من الخارج وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة وتلقي بجسدها بجوار جدتها أرضًا ، فتلقتها ” فادية” بلهفة
-طمنيني ، طمنيني يا نورا ، وصلتي لحاجة !
طالعتها بنظرة اليأس وهي تخبرها
-لفيت كتير لحد ما وصلت لشركة الجدع اللي ما يتسمى دا ، بس محدش دلني على حاجة .
عادت فادية لحلقة الندب والنواح خاصتها وهي تبتكي حفيدها دمـًا وتقول :
-كان مستخبي لنا فين كل دا بس يا ربي ! يعني بنتي راحت في شربة مية خلاص .
ثم اقترحت عليها إحدى الجارات رأيها :
-ما تنزلوا تقدموا بلاغ في الجدع دا ! وإحنا كلنا شاهدين معاكي .
شهقت فادية كمن عثر على ضالته وقالت بحماسٍ :
-معاكي حق ، قومي قومي يانورا نروح نبلغ عنه ، بتي لازم تبات في أوضتها الليلة .
منعتها نوران متفهمة وقالت
-استني بس ، دا راجل واصل ومش سهل ، ومش بعيد لو عملنا كدا يلفق لشمس مصيبة ، أنا اخدت رقم حارس شركته وهو وعدني هيجيب لي عنوانه .
رفضت فادية اقتراح حفيدتها وصممت :
-ونسيب أختك ليلة كاملة مع الرجل اللي ما يعرفش ربنا دا !
لم تكد أن تجيبها نوران ، فنورت شاشة هاتفها القديم برقم مجهول ، فاستقبلته كالغارق الذي يبحث عن طوق النجاة و ردت بلهفة :
-ألو .. ايوه ايوه انا .
ثم ركضت كالفراشة وهى تترجاه أن ينتظر
-هجيب ورقة وقلم أهو ، لحظة خليك معايا متقفلش عشان خاطر ربنا !

 

بأيدي اعتادت الارتعاش سجلت ما يلقيه الحارس على اذانها حتى ختمت المكالمة وهي تأكد عليه :
-متأكد يعني هو دا العنوان ، تمام تمام أنا مش عارفة اشكرك أزاي .
ثم طوت الورقة وركضت بسرعة البرق وهي ترفع شعرها على هيئة ذيل حصان وتلقي جملتها دون انتظار رد جدتها :
-متقلقيش مش هرجع غير أنا وشمس يا فوفا .
•••••••
ذبلت أشواك تمردها معلنة الخضوع والاستسلام لمصيرٍ لم يدق بوابة حُلمها بتاتـًا ، قررت أن تسير مع الموج لأخره ربما تصحو فتجد نفسها رست على شط الأمان ، أدركت بأن قوتها تناطح الهواء وأي محاولة منها سيكون مصيرها الفشل كمن يحاول أن يكتب على الماء .
بخطوات مترددة دخلت غرفة تمـيم بعد ما طرقت بخوفت على الباب فأذن لها بالدخول بصوته الرخيـم :
-اتفضل !
تعمدت أن تترك باب غرفته مفتوحًا على مصرعيه كمصدرًا لأمانها ، أخذت تجوب بعيونها يمينًا ويسارًا متحاشية النظر لذلك الشخص الجالس على فراشه يقرأ كتابًا أجنبيًا ، فقطع حبال نظراتها العشوائية وسألها :
-هتفضلي واقفة كدا كتير ، تعالي اقعدي !
هبت زعابيب غضبها وخوفها بوجهه وهي تحذره :
-ينفع تخليك في حالك ومالكش دعوة بيا خالص لحد ما نشوف الورطة اللي أخوك حطي فيها دي !

 

قرأ الخوف بعيونها فتعمد ألا يُرعبها أكثر ، عادت أنظاره لتعانق الكلمات مرة أخرى ولكن تشتت تركيزه مع تلك التي تتوسط غرفته بحيرة وعجزًا ، طالعها بنظرة فضول إثر حركتها العشوائية حيث تناولت مقعدًا ووضعته في شرفة غرفته ، ثم تأكدت من ثبات حجابها وعادت إليه متسلحة بالغضب كـ درع لها ، اقتربت منه مجلجلة :
-فين التقارير والأدوية بتاعتك !
قفل كتابه مرة أخرى وأشار إلي مكانهم بهدوء :
-هتلاقي كل حاجة عندك هنا .
أتبعت مسار ما أشار إليها وأخذت تفش في الأوراق حتى فرغت محتوى الأدرج وأخذت تنقلهم لمجلسها الذي اعتدته بالغُرفة ، ظل تميـم يراقبها بتعجب شديد مع ابتسامة عشوائية كانت ترتسم على وجهه بين كل فترة والأخرى ، نقلت شمس كل الأوراق وشدت مقعدها وأخذت تتفحصهم بعناية شديدة .
وعلى المقابل ؛ خارج الغرفة تقف ” عبلة ” تتجسس عما يدور بالداخل حتى نادت على خادمتها وهى تجذبها لبعيدٍ عن الغرفة وتهمس لها :
-نوال ، مش عايزة عينك تغفل عن البنت اللي جوه دي ، أنتِ فاهمة !
•••••
انتصف النهار كما انتصفت قلـوب أصاحبه ، وزادت حرارة قلوبهم بزيادة حرارة الشمس ، حينها أدلفت ” نوران ” من أحد السيارات للنقل العام أمام أحد المنتجعات السكنية الراقية ، وأخذت تسير كـ من أضاع قلبه في زحمة الطرقات رغم خلاءها ، وقفها رجل الأمن معرضًا طريقها :
-رايحة فين ؟!
حاولت أن تظهر نوران بمظهر الثبات كي لا بث حولها الشكوك وقالت
-أنا موظفة في شركة دويدار ، ومعايا ورق مهم لازم أوصله لعاصي بيه !
أومأ الحارس بتفهم وتزحزح من أمامها وهو يقول بعجب :
-هتقدري كل دا ؟!
ثم أردف مقترحًا :
-تحبي أكلمه يبعتولك عربية ؟!

 

تلجلجت نوران وقالت بسرعة قبل أن تفارقه :
-ملوش لزوم ، أنا هتصرف .
أخذت تسير قرابة النصف ساعة تحت حرارة الشمس القاسية وتتصبب عرقًا وهى تتفتن أرقام القصور والمباني الفارهة حولها بذهول أوشك أن يجنن عقلها ، المنظر كان أشبه بلوحة فنية رسمها فنان عظيم ، تناسق الالوان ، المساحات الشاسعة ، النباتات التي تتسور المبنى ، السيارات الفارهة التي تمر من جانبيها ، كانت منتصف الشارع كـ اللاجئين ، لا يهمها المال والثروات بقدرٍ من فراش بسيط يحتوي ليلهم !
أخيرًا وصلت إلى بوابة قصر هاربًا من العصر الڤيكتوري ، يشبه قصور دينزي والملوك ، بوابة عملاقة بحجم بحجم محطة المترو التي كانت تظنها أكبر ما رأت عينها ، يبرز من وسطه كـ منارة مميزة تحمل حرف (D) توقفت أعينها للحظات وهى تتساءل ؛ كيف سيكون شكلها ليلًا والأضواء تعانقها من كل الاتجاهات ؟!
ظلت تجوب خلف البوابة بحيرة فلا تعلم أي باب عليها أن تطرقه ، وفي ظل تنقلها هنا وهناك توقف أمامها سائق عربة أجرة كان على وشك الارتطام بها ، تلقته بخضة قوية وهى توبخه معترضة :
-مش تفتح !
نزل منها شابًا في مقدمات العشرين ذو شعر ناعم يتدلى على جبينه ، وبشرة بيضاء ناصعة وعيون زيتونية ، وهو يضب حافظة نقوده ويضعها بجيبه ثم يصبب عرقه ويأمر السائق :
-معلش امشي أنت !
ثم اقترب من نوران بنظراته الاستكشافية وهو يمد لها منديلًا منقوش عليه حرف (D) باللون الأسود وسألها :
-أنتِ مين ؟! وبتعملي أيه هنا ؟!

 

شرعت في تجفيف عرقها وهي تأخذ أنفاسها بصعوبة وتستند على أحد الجدران خلفها ، وأمهلها رنين هاتف الشخص الذي ظهر فجاة أمامها القليل من الوقت ، حيث أجاب على هاتفه متأففًا :
-أيوه يا هدير ! لسه فاكرة تردي ؟! اوف ، اقفلي اقفلي دلوقتي .
ثم عادت أنظاره إلى نوران وسألها بحنو :
-بقيتي أحسن ؟!
أومأت بالموافقة ثم قالت بعرفان
-شكرًا .
نزع كريم نظارته الشمسية وسألها :
-أنت بتعملي أيه هنا !
-عايزه ادخل جوه ، أقابل عاصي دويدار !
انعقد حاجبيه بغرابة شديدة ثم قال:
-وأنت مفكرة عاصي دويدار بسهولة كدا أي حد يقابله !
أحست بأنها طرقت على أبواب الممنوع ، وجال اليأس بمعالمها يلمع :
-يعني أيه !
كريم بهدوء :
-أهدي بس وقوليلي يمكن أعرف اساعدك !
رمقته بشك مريب وهي تبتعد عنه خطوتين :
-أنت مين أصلًا !
أسبل عيونه بوميضٍ من المكر ، وكشف عن هويته كاذبًا :
-اسمي كريم ، السواق الخصوصي لعاصي دويدار نفسه !
عادت المياه الأمل تركض بحلقها من جديد ثم اقتربت منه خطوة بحماس :
-بجد ، يعني ممكن تساعدني !
-فهميني بس الحوار إيه وأنا مش هقصر معاكي !

 

أخرجت من حقيبتها البالية بعض النقود الورقية وأخبرته :
-جيه الصبح وأخد أختي بالقوى عشان اتأخرنا فـ دفع الإيجار ، أنا عايزه اديله فلوسه عشان أختي ترجع لنا ، أرجوك ساعدني أنا وهي ملناش غير بعض !
أشار إليها بكفه كي تهدأ وأخبرها :
-تمام ، ممكن تهدي .
ثم سحبها لمجلس مختصر تابع للقصر في مكان رطب وطلب منها :
-استنيني هنا ، هعرف لك في أيه واجيلك ، متمشيش ومتتكلميش مع حد ، تمام !
••••
هذه المرة أنا حقًا لا أعلم ما الذي يعنيه هذا الشعور ، ولا أعرف كيف سيستقر وماذا سيحمل معه ، أنا لا اثق بكل الذي أعيشه مطلقاً ، ولكن لا أملك من الأمر سوى الهدوء ومشاهدة مَغبة الأقدار .
فارقت ” شمس ” مقعدها وهي تحمل ملف ما بيدها وتقترب من مرقد ” تميـم” الذي لم يفارق حتى الآن ، كل شيء تركته عليه كان ثابتًا ما عدا اختلاف صفحات كتابه الذي أوشك أن يُنهيه .
صاحت بتلقائية غير مقصودة :
-هو أنت مالكش حد يسأل عنگ هنا ؟!
أحست من ملامحه الشاحبة بأنها لمست جرحت ما بجوفها فـ عابت على نفسها بندم شديد وقالت لنفسها :
-بتقولي أيه بس يا شمس !

 

وقفت بجوار سريره وهي تلقى نظرة أخيرة على التقارير متعمدة تجاهل ما اشعلته قبل قليل :
-أنا قرأت كل التقرير من بداية الحادث لـ دلوقت !
رفع حاجبه ثم تابعها بنظرة خيبة أمل سحيقة :
-جميل ! يا رب تكوني لقيتي حاجة جديدة !
قفلت الملف ووضعته بجواره وقالت بغرابة :
-أنا مستغربة أنت أزاي لحد دلوقتِ مش بتمشي على رجليك !
ترمد قنوطه في جمر كلماتها وقال بشكٍ:
-تقصدي أيه !
-أخر تقرير بتاريخ سبتمبر السنة اللي فاتت ، بيقول إنك كويس ، وكل حاجة كويسة ؟!
توارى خلف جدار الحجج المصطنعة كي لا يعلق نفسه بحبال أملٍ متهرية :
-سمعت من الكلام دا كتير !
ألتقمت عيونها معالم الحسرة على وجهه ، فقامت بدورها كطبيبـة وغيرت مجرى الحديث وهى تطالع نشرة أدويته وتقول:
-المفروض تتغدى دلوقتِ عشان تأخد أدويتك !
-لمـا يفتكروا هيجيبوا الغدا !
شعور مزمن من الذنب شحن قلبها دون ان تقترب أي ذنبٍ إثر جملته التى تُعلن راية العجز بتقبـل تام ، ولكن كتلقائية شمس المعتادة في عدم وقوفها على محطة الحزن للحظة قالت متحمسة:
-مفيش الكلام دا ، هنا في نظام وأدويتك لازم تتأخذ في ميعادها ، أنا هنزل أقولهم كدا بنفسي !
ظل يُرمقها بنظرات شخص أخرس محاولًا اكتشاف نوعية هذه الفتاة ، لأي فصيلة تنتمي ، تارة تثور ، تارة تهدأ ، تارة تضيء الأمل ، وتارة تخمده !

 

أطبقت جفونها وانطلقت اتجاه المغيب عن عالمه وهى تخطو بخفة أمام أعينه وتشد ذراعيها وراء ظهر كالفراشة رغم جمال ألوأن أجنحتها إلا أنها تحاول ألا ترى ذلك تكتفى بإسعاد كل من حولها فقط .
في الطابق السفلي يقف كريم بجوار أخته محاولًا جمع معلومات بأي قدر ممكن ، فأصدر إيماءة مفتش قانوني :
-يعني شمس دي اللي جابها عاصي الصبح !
زفرت هدير باختناق لكثرة اسئلته ، وقررت أن تغير مجرى الحوار :
-أنت رنيت عليا كل دا ليه !
-عربيتي عطلت قدام الكلية ، وكنت مفكرك هناك ترحميني من زحمة المواصلات .
رمقته بتفهم كي ترتاح من ثرثرته :
-ابقى فكرني أقول لعاصي يغيرهالك !
في تلك اللحظة أشرقت ” شمس ” على مجلسهم وسألتها بحدة :
-المطبخ منين !
أشاحت أنظارها عنها بعد ما رمقتها بسخرية شديدة وقالت بصوت رخيم متجاهلة صوتها :
-كريم ، أنا ماشية .
لم يلتفت كريم لأخته حيث استدار متغزلًا بـ شمس وقال متخابثًا :
-هو ينفع كدا !
-أفندم ؟!
حانت منه ألتفاتة سريعة حوله يترقب الحال ثم قال مغازلًا :
-شمس بتحرق بره ، وشمس بتنور جوه ، حرام كدا ، بشرة وقلب العبد لله هيتحرقوا !
-بس قول إن شاء الله !
بدا علي ملامحها الضيق من دعابة ” كريـم” السخيفة ، فكان ظهور ” سيدة ” لها حبل إنقاذ ” كريم ” من براثين جنونها ، حيث قالت جُملتها الأخيرة ساخرة وهي تبتعد عنه كي لا تفش غضبها من عائلتها كلهم بوجهه .. صاح كريم معترضًا وهو يضرب كف على الأخر متعمدًا أن يوصل الحديث لمسامعها :
-أيه جو عاكس القطة تخربشك دا ! الحق عليـا و أنا بلطف من معنوياتك يعني ؟!

 

تجاهلته ” شمس ” وذهبت إلى المطبخ مع ” سيدة ” وهى تلقي عليها أوامرها وتشدد على الالتزام بها وعلى الجهة الأخرى تلقى ” نوال ” أذانها لتجسس عليهم وتحفظ كل كلمة تدور بينهم .
عاد ” كريم ” إلى ” نوران” التي كادت أن ترحل لطيلة انتظارها ولكن أوقفها ندائه وهو يطلب منها راكضًا :
-استني !
دارت نحوه بلهفة قد بلغ منها التأمل مبلغها و تفوهت راجية :
-يا رب تكون وصلت لحاجة !
فرك كريم كفيه بارتباك مفتعل وقال بتمويه :
-أنا بصراحة مش عارف أقولك أيه ، أختك ملهاش أثر ، وعاصي كمان سافر الغردقة ..
بدا على وجهها الحزن الشديد الذي قاسمته وديان دموع حزنها وهى تطالع السماء بقلة حيلة ، ظلت تبتهل الي الله بأن يكون ذلك غير صحيح وتسأله باكية :
-يعني أيه ! يعني أختي مش هعرف أوصلها ؟!
تهجم وجهه وأسبل جفونه بمكرٍ :
-بصراحة ليكي حق تخافي ، عاصي شخص ملهوش أمان ، وبصراحة أكتر أنا خايفة يكون ……
صرخت بوجهه مرتعبة :
-يكون أيه انطق ! هو ممكن يعمل أيه في أختي .
تهاوت أصالها بألم شديد وهى تدفن أناملها بخصيلات رأسها مفكرة وسرعان ما اقترحت :
-هو حل واحد مفيش غيره ، أنا هروح أعمله محضر ، هبلغ عنه ، مفيش حل تاني .
أيدها ” كريم ” موافقًا وقال :
-وأنا معاكي في دا ، الصبح هاجي معاكي ونعمله محضر .

 

سألته بشكٍ :
-وليه مش دلوقت ؟!
-نستى لبكـرة لو أختك مظهرتش أو أنا معرفتش أوصل لحاجة ، هنروح نعمل محضر ، وكمان عشان يكون عدى ٢٤ ساعة على اختفائها .
اشاحت بوجهها في استهانة بعد ما فكرت بالأمر بعقلها ورتبت كلمات كريم المقنعة ، شعور العجز والضعف سيطر على نفسها وهي تأوم بالموافقة وتتسلل بدموعها المتقطرة ، والمجبرة على أمرها ، أوقفها نداء ” كريم ”
-الرقم طيب !
الزحمة التي احتشدت برأسها جعلت الرؤية أمامها غير واضحة لدرجة أنها لم تلتفت للهاتف الحديث الذي يحمله كريم من نوعية ” الأيفون ” وبمجرد ما كتبت له الرقم بدون تفكير انسحبت بهدوء شديد رغم الضجيج القوي بروحها .
•••••
عادت ” هدير ” إلى غرفتها وبدلت ملابسها ووضعت مساحيق التجميل على ملامحها الحادة ، ووقفت أمام الكاميرا لتشارك متابعينها “بڤيديو” جديد ، وعن ماركة جديدة من المنتجات التي تروج لها وتتقاضي مقابلها الآلاف من الجنيهات لمجرد أمتلاكها عدد ضخم من رواد التواصل الاجتماعي .
ما لبثت أن تندمج في تقديم محتواها ، اقتحمت ” جيهان ” غرفتها وهي تقول بضجرٍ :
-اقفلي الزفت دا !
استجابت ” هدير ” لأوامر والدتها ودارت إليها بفضول :
-خير يا مامي ، كنتِ فين !

 

جلست جيهـان بكلل على فراش ابنتها وقالت متنهدة :
-روحت عند أخوكي ، وكمان شقته كانت خرابة كلمت حد يجي ينضفهاله .. ولسه جايه .
انصاعت إليهـا على مضضٍ:
-آه مُراد ، هو عامل أيه !
-هتفضلي متكلميش أخوكي كدا كتير !
حسمت ” هدير” قرارها بخصوص هذا الوضع الذي طال أمره لأكثر من ثلاث سنوات ، تأففت بضجر :
-مامي لو جاية تفتحي نفس الموضوع هسيبك وامشي !
جذبتها جيهان من رسغها بقوة :
-اقعدي هنا ، في كلام أهم !
ألتفتت إليها بفضول منتظرة إلقاء ما جاءت لأجله ، فأتبعت جيهان قائلة :
-حفلة يوم الخميس ، تعرفي خالتك مهتمة بيها ليه !
باستخفاف أجابتها :
-طبيعي خالتو بتهتم بكل المناسبات اللي زي كدا .
أشاحت بوجهها ساخرة وهي تبوخها :
-عشان عمرك ما حاولتي تفهمي ، خالتك عاملة الحفلة مخصوص وعازمة فيها كبار العائلات وبناتهم عشان عاصي بيه يختار عروسته !
ضربت كف على الأخر وهي تتراجها برأسها ضاحكة بستهزاء حتى لمعت نجوم السخرية من سماء أعينها :
-أكيد بتهزري ! وعاصي طفل صغير هيقولها حاضر يا ماما .. ما تعقلوا الكلام بقا .
ثم فكرت للحظات وأتبعت ضاحكة :
-تصدقي يبقى موضوع حلقة تريند وهيفرقع الدنيا !
صبت جيهان جام غضبـها في نبرتها صوتها العالية :
-أفضلي اضحكي وهزري كدا لحد ما تلاقي واحدة تانية وخداه منك .

 

ثم مالت نحوها ناصحة :
-حبيبتي عاصي لازم يجيب الولد عشان خالتك تحافظ على إمبراطورية آل دويدار اللي الكل عينه عليها ، وأكيد مش هتسيب الجمل بمـا حمل لتمـيم ابن الخدامة !
بدأت ” هدير ” استيعاب حديث أمها والتأكد من صحته خاصة بعد إصرارها الرهيب على تواجد عاصي بالحفل ، وقالت مهتمة :
-بتفكري في أيه يا مامي !
-أركني حوار عاصي على جمب دلوقتِ هنفوق له ، وعايزاكي تركزي مع عاليـة !
••••••
إنني أكبر وتكبر معي أشياء كثيرة ، أولها الألم ، كلما كبرت أصبح الألم أكبر وأبطئ رحيلاً ، العبء ؛ كل يوم تُحملني الحياة بأثقال وتنحت مني القوه ، أدركت أن حزني ويا للأسى سيكون كبيرًا ودائمًا ، لأنني أضعف من تحمل كل هذا ، ودائمًا لأني وحيدة ، ولا يوجد من يشاطر معي جزءًا من همي .
أنهى ” تمـيم ” وجبة طعامه التي حرصت ” شمس ” أن تكون مليئة بالخضراوات والبروتينات ، وبمجرد ما رأته يزيح الطاولة ركضت نحوه لتساعده بهدوء وتجر الطاولة المتحركة بعيدًا ، ثم مدت له أدويته ومعهم كأس من المياه راسمة ابتسامة مزيفة :
-اتفضل .
أكتفى بهز رأسه بهدوء مع طوي نظراته لكلمات العرفان ، انتظرت أن يبتلع أقراصه ثم قالت :
-هتنام دلوقتِ لان الحبوب فيها نسبة منوم ، هقفل الأنوار وأسيبك ترتاح شوية .
طالعها بنظرات المقارنة بينها وبين من آتي قبلها ، لمس في أعنيها بريق الطهارة من دنث الأيام التي لم ينج منها أحد .. حرص تميـم أن يكون معها قليل الكلام كي لا يُقلقها أكثر يكفى درجة الذعر التي تبدو على بدنها .
أخذت تلملم في الأطباق بخفة متعمدة ألا تحدث أي صوت يزعجه ، حتى قطع مهمتها بسؤاله :
-على فكرة أنتِ مش مجبرة تعملي كدا ، في ناس هنا ودا شغلها !
-هو أنت في حد معبرك من الصبح !
تلجلجت معاتبة نفسها بصوت مسموع وهي تبرر موقفها وتعتذر عن تلقائيتها المبالغ فيها :

 

-معلش أنا اسفة ، أصلًا وأنا متعصبة بقول أي كلام ومش باخد بالي أنا بقول أيه ! يعني مش قصدي ، أنا مش عارفة مالي ، أسفة مرة تانية .
بتصالح تام مع الحياة أخبرها متفهمًا :
-وتتأسفي ليه ! هي دي الحقيقة فعلًا !
اتسع بؤبؤ عينيها بغرابة :
-يعني أيه ! يعني دا العادي ؟!
ثم أطلقت ضحكة ساخرة وهي تُكمل :
-وأنا مستغربة ليه ؟! اللي شفته من أخوك الصبح يخليني اتوقع أي حاجة في بيت الأشباح دا !
هنا دخلت ” عبلة ” بخطوات كعب حذائها المسموعة للغاية وهي تتفحص ” شمس ” من فوق لـ تحت وما زالت عيونها متعلقة بـ شمس حتى أردفت بثبات :
-أخبار صحتك أيه يا تميـم ! يا رب الدكتورة شمس تكون شايفة شغلـها كويس .
ارتبكت شمس إثر نظرات عبلة المخيفة والتي لا تعكس إلا بريق النوايا الخبيثة ، أردف تميـم بعرفان :
-بخير .
ثم شد الوسادة من تحت رأسه بمعاناة متخذًا وضع النوم ، لاحظته شمس فـ حرصت على اقترابها منه منتظرة مساعدة من جبل الجليـد الذي يقف أمامها ، تجمدها الذي أثار شكوك شمس حتى قالت بنبرة صارمة :
-موعد نوم تمـيم بيه دلوقت .
تفاقم غضب عبلة ناحيتها أكثر واكفهر وجهها كاظمة نيرانها بجوفها ودارت مغادرة بهدوء لا يحدث إلا صخبٍ كمثل الذي يحدثه حذائها .
••••
حل المساء ولا زالت ” شمس ” تجلس على أحد درجات السُلم بهدوء تراقب حركة القصر الصاخبة بأعينها الاستكشافية وترى ترتيبات الحفل الذي شبه يشير إلى حدث عظيم سيُقام بالقصر ، طاف الغم والقلق بوجهها وهي تتذكر حالة أختها وجدتها وعما سيكون وضعهم الآن !
تنهدت بحرارة وكفكفت دموعهـا السائلة وهى تناجي ربها :
-يارب ساعدني !

 

هنا خرجت ” عاليـة ” من غرفتها فـ وجدتها تتقوس حول نفسها فوق درجة السُلم ، فاقتربت منها بخطوات هادئة وجلست بجوارها متبسمة بابتسامة نقيـة وسألتها :
-قاعدة هنا ليه !
تحمحمت شمس بخفوت وهي تجفف وجهها سريعًا :
-مستنية عاصي بيه ..
ثم أطلقت زفيرًا قويًا وأتبعت بـ مرجٍ :
-وكمان ما ينفعش أقعد جوه ، فـ هنا أحسن !
اتسعت بسمة ” عالية” بتفهمها للأمر ثم نهضت على الفور ومدت لها يدها لتساعدها على الوقوف :
-آه فهمتك ، طيب قومي يلا .
طالعتها ” شمس” بنظرات يحيطها أسوار الحيرة :
-مش فاهمة .. أنتِ مين !
-أنا عالية ، اخت عاصي وتميم .
ثم أكملت بـ رقة قلب :
-قومي ادخلي أوضتي ، وآكيد محتاجة تتوضي وتصلي وترتاحي شوية !
أ يثمر من الرماد ورد ! تلك كانت نظرات شمس الطائشة لديها ، فكيف لـ بيتٍ يغمره رائحة الخمـر يمكن أن تفوح منه رائحة الطهارة ! همست لنفسها باندهاشٍ :
-واضح إنه قصر كله ألغاز فعلًا من أول البني آدم اللي شوفته الصبح لحد واحدة بتقولي قومي اتوضي عشان تصلي !
تابعتها شمس بـ صمت تام مستمعة فقدت لزحمة الاسئلة المتراكمة في رأسها ، والعالم المُختلف الذي صادفته منذ صباح اليوم لأخره ! يا ترى ماذا سترى آيضًا !
•••••

 

جميعنا تعلمنـا كيف نركض خلف الأشياء حتى تنقطع أنفاسنا لنحصل عليهـا ولكن لم يُعملنـا أحد ماذا نفعل عند فقدانها !
تلك الجُملة التي حاصرت عالمه منذ أن فارقته حبيبته من خمسة أعوام لهذه اللحظة ، كان حينها أول مرة يتذوق علقم الفقد والعجز ، كان شعوره حينها كـ من يترك سيفه لأول مرة ويضعه بجواره ويعلن تحرره من كل أثقال القوة والنضال ، أغمض عينيه وبسط ذراعيه ووقف في مهب الريح ليقوده إلى ما يشتهي رافعًا راية استسلامه ورضاه التام عن كل ما يأتي به القدر فليس من بعدها حياة يستحق أن يتعب المرء نفسه باحثًا عنها .
تذكر خريطه القدر من قبل ، قدره الذي جمعها بهِ وحارب لأجلها لتكون قدره .. ولكن عجبًا لهذه الحياة عندما تنوي أن تُذيق اثنين حلاوتها ومرارتها في آنٍ واحد تنصب لهما فخّ الحُب، وقد كان قدرًا جميلًا أن تصطاده عيناها ، وتحاوطه أسوارهم .. وعندما هوى في فخّ حبها ذاق الحريّة لأول مرّة ، ثم وقع آسيرًا لفراق أبدي لا يرممه أحد بعدها !
تنهد معاتبًا يشكوها للقدر :
“كانَ عليكِ أن تحتضنين ظلام أيامي أكثر من ذلك ، تُقلبين كُل بُقعة في قَلبي قد لوّثتها الأيام قبلك ، أن تُمررين يديك على كتفٍ قد أثقلتهُ السوداوية فباتَ عاجزًا أن يستند على حائط زمن خاليًا منكِ ، كنتِ تعلمين كل هذا ولكن وجودك كان قصيرًا كغيمة صيف ، لا تعلم متى ظهرت ، ومتى ذابت في حضن السماء !
“كانَ عليكِ إنقاذي لا إلقائي في الظلام مجددًا! ”
على أحد السفن الفارهة التى تتوسط البحر الأحمر بالغردقة ، يعلو منها صوت الغناء والأنوار اللامعة والصخب ، حيث سُكر أسماك البحر من رائحة خمورهم وتبغ دخانهم ، فاق إثر ملء فراغات أصابعه بأصابع فتاة ليلية وهي تضمه إليها مستندة برأسها على كتفه :
-مش هتصالحني وكفاية كدا !
ألقى زجاجة الخمـر بالماء وسحب يده بهدوء وعاد إلى مجلسه وهو يشير لأحد عاملينه برفع أصوات الموسيقى ، وتقديم عرض يتكون من ست فتيات بالرقص أمامه حتى يختم ليلته مع إحداهن .

 

زفرت” سارة” – التي ترتدي فستانًا أسود يفضح أكثر ما يغطي -باختناقٍ وهي تلقي سيجارة بفمها وتشعلها لتفش بها غضبها ، شرع عاصي في بدء ليلته والانسجام مع الفتيات حتى أشار ليسري أن يأتي إليه ؛ وبمجرد ما جلس بجواره سأله :
-سارة بتعمل أيه هنا ، مش قلت لك مش عايز أشوف وشها ؟!
تلجلج يسري موضحًا:
-أنا قلت يعني يمكن المية ترجع لمجاريها .
تجرع ” عاصي ” كأس النبيذ رشفة واحدة :
-متعملش حاجة من دماغك تاني !
-أوامر معاليك !
ثم تفحص العرض جيدًا وركزت أعينه القناصة على أحد الفتيات ومال على أذان يسري آمرًا :
-اللي لابسه فستان أحمر ، خليها تستناني تحت !
اتسعت ابتسامة يسري بمرح وهو يخترق صف الفتيات راقصًا حتى طوقت يده خصر الفتاة التى أشار إليها عاصي وتسلل معها نحو قفص سيدهُ ، حينها رن هاتف عاصي باسم ” عالية ” فـ عبث وجهه بوضوح ثم أغلق هاتفه وقال لنفسه
-مش طالبة وجع دماغ الشيخة عالية !
ألقى نظرة سريعة على سارة التي تجلس على البار تلتقط بعض الصور لنفسها بتفاخر ثم تقدم ليطالع السماء ونجومها ثم ألقى نظرة على البحر فـ ثار فضوله أقتراب شيء ما مثير للعين بالبحر .
ظلت أعينه تراقب الشيء بتمعن حتى بدت له الرؤية واضحة تدريجيًا ، وإذا بفتاة تطفو على سطح الماء .
بدون تردد ، عُقد لسانه عن إلقاء عريضة أوامره على أحد رجاله ورمي نفسه في البحر ببنطاله بدون تفكير ، احتشد الجميع حوله وحول فعلته المُريبة ، فلم يعرف عنه إنه من هواة نزول البحر ليلًا .
لحق به اثنين من رجاله ليعاونوه في رفع جسد الفتاة المُغيبة على ظهر السفينة وبعد دقائق مسروقة من الزمن انقلب فيها حال كل الموجودين والتفوا حول الفتاة التي قذفها البحر عليهم .

 

نجح عاصي بمساعدة رجاله ببسط جسد الفتاة ولكن لازال شعرها الطويل يداعبه موج البحر ، شرع عاصي في محاولات إفاقتها .. ضغط كثيرًا على بطنها وعلى صدرها محاولًا انعاشها ولكن بدون أي فائدة ، لم يتحرك إنش بجسد الفتاة .
خيمت نظرات اليأس والحزن على الجميع حتى تلفظت سارة قائلة :
-دي مـ يتة !
لا زال عاصي يتحسس نبضها ولم يتوقف عن المحاولات ، فتدخل يسري ناصحًا :
-معاليك دي قاطعة النفس ، وزي ما قالت سارة ، متورطش نفسك بيها !
التقط عاصي انفاسه بتعب وأومأ موافقًا ، ولازال صدره يعلو ويهبط إثر تكرار محاولات إنعاشها ، حتى قال مدركًا :
-فعلًا ، خلاص ارموها فـ البحر .

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوى بعصيانه قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى