روايات

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثاني والأربعون

رواية غوى بعصيانه قلبي البارت الثاني والأربعون

غوى بعصيانه قلبي 2
غوى بعصيانه قلبي 2

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثانية والأربعون

الفصل الثاني والأربعون
(12) ج 2
خُلق القلب عصيـًا :
-‏كيف لأحدهم أن يأتيك متأخرًا
ثُمّ يكون وحدهُ من تراه في المُقدمة 🤍🍃
•••••••
بعد معركة طاحنة في نفسها ، بعدت عنـه فأحس بُعدها ، تبسم براحة تامـة وهو يقول :
-نمتي كويس ؟
فاصطدم بردها الجافي :
-أنت ليه خبيت عليا اللي عملته هدير ….. ؟!
أخذ نفسًا طويلًا بارتياح وقال مستفهمـًا :
-يادي هدير وسنين هدير السودة .. أيه اللي عملته تاني ؟
عقد الغضب طفائره بملامحها وقالت بنبرة عاليـة :
-لو سمحت قوم وكلمني زي ما بكلمك ..
اعتدل في نومتـه متأففًا :
-ها ياستي ، طلقتها امبارح أيه حصل !! زعلانة ليه ؟
ثرثرت بوجهه :
-وانا مالي تطلقها ولا تتجوزها ..
-أومال ايه الاصطباحة دي .. !!
وبختـه بعتب :
-ليه ماقولتش انها حطت لي مخدر في العصير ؟
أصدر إيماءة خافتة وأسبل عينيـه مستفهمًا :
-سيدة اللي قالت لك !
نهضت من جواره وهبت معترضـة :
-ده كل اللي هامك يعني ؟! عرفت وخلاص ..
نهض خلفها وحاول إيضاح الصورة :
-الموضوع مش مستاهل كل العصبية دي ، اللي حصل حصل وهي خدت جزاءها ..
لوحت بكفها رافضـة كلامه ، مستخدمة شخصية رسيـل القوية :
-الكلام ده مش معايا .. لما ضربتني هي ومامتك وخالتك عملت أيه .. وأهو لتاني مرة حاولت تأذيني ، عملت ايه أنت في كل ده ؟!
ثم اقتربت منه متحديـة :
-أنا مبحش العوج ، وما دام اديتك ثقتي أعرف أنها حاجة كبيرة أوي ، وواضح أنك مش أدها من دلوقتِ ، أنا شايفة نفضها سيرة وو
كظم غضبه في نفسه ملتمسًا لها عذر حالتها الصحية وقال بضيق :
-بلاش تقولي كلام يزعل ، عشان أنا لحد دلوقتِ مقدر حالتك وظروفك وهعمل نفسي مسمعتش حاجة !
أمسكت رأسها المتصدعة وتحملت على عكاز كبريائها :
-والله ؟! مش مضطر خالص تستحمل جناني على فكرة، وأنا غلطانة إني وثقت فيك ، بس للاسف أنت مش أد الثقة دي ، وأنا رجعت في كلامي ومش عايزة مساعدة من حد .
تحاشى النظر عنها كي لا يخدشها بنظرته الحادة :
-ماهو مش لعب عيال وقت ما تقابلي حاجة مش عاجباكي تقولي هنسحب ..مش لاعبـة !
تنهدت بحرقـة ولمعت عينيها بدموع حزنهـا ، ارتدى حذائه على الفور عندما قطع شجارهم صوت طرق الباب ، جففت حياة دموعها بسرعة وتمتمت :
-تعالى يا سيدة !!
دخلت سيدة بتردد وخطوات متراجعـة وغمغمت :
-عيني باردة عليكم ، أنا لازم ابخر البيت أنتوا والله محسودين ..
تأهب عاصي للذهاب مُلقيـًا جملتـه الأخيرة
-عقليهـا يا سيدة عشان شكلها نسيت مين هو عاصي دويدار ..
غادر عاصي الغُرفة فركضت سيدة نحو حياة وقالت بلهفـة :
-حصل أيه بس ؟ ليه تزعليه كده ما كان حلو وهادي !!
تمتمت حياة بغيظ :
-أهو ظهر على حقيقته .. من بدايتها بيخبي ويكذب وفي الأخر يتعصب ويقلب الترابيزة ويمشي .. أنا ليا كلام تاني معاه ، أنا أصلا مش عايزة مساعدته ولا عايزة منه حاجة ..
رمقتها سيدة بذهول :
-ياست حياة أنت بتكلمي نفسك !! أنا مش فاهمة حاجة ..
زفرت حياة بضيق وجلست على المقعد تقضم في أظافرها بغـلٍ :
-هو ازاي يخبي عليا حاجة زي كده ؟!
ربتت سيدة على كتفها بقلة حيلة :
-هدي نفسك وروقي ، هروح أعمل لك حاجة تشربيها تهديكي ..
••••••••
( بعد مرور يومين )
“أتمنى لو كان بإمكاني حرق كل شئٍ حدثَ بيننا ، و نعودُ إلي الوراءِ ، إلى ما قبل اللقاءِ و لا نلتقي أبدًا .
تجلس عاليـة أمام مكتبها منغمسـة في الرسم الهندسي المُقترح لـ تقديمـه في المشروع الجديد التابع للكليـة تلهو عن مفاوضات قلبها الحزين‏ المنتقل من مرحلة كيفَ السّبيلُ الى وِصالِكَ دُلّنِي‏إلى كيف السبيل إلى نسيانك ؟! ، نزعت نوران نظارتها الطبيـة واقتربت منها متسائلة بزهق :
-سكوتك ده قالقني ؟
تركت عالية القلم الرُصاص من يدها :
-ليه بس ؟! أنا تمـام ..
-أشك !
ثم وضعت سبابتها على شفتها متسائلة :
-الجدع ده اختفى كده مرة واحدة ؟!
تنهدت عاليـة بنبرة فاقدة للأمل :
-حاسـة أني غلطت يا نوران ، واديت لنفسي أمل على الفاضي ..
-ليـه بتقولي كده ؟!
أكملت بمرارة :
-أنا كُنت معاه وفي عصمتـه ، لو كان عايـز كان هيخترع مليون حل ، أنما مراد حسم قراره خلاص ، وأي محاولة مني هتبقى تقليل من كرامتي ..
فكرت نوران في كلامها اليأس طويلًا وقالت بنبرة محاولة منهـا أن تخلق أملًا جديدًا :
-مش يمكن يطلع عاملنا مفاجأة في الأخر ويردك بس سايبك تاخدي وقتك وكده ..
ضحكت عالية باستهزاء ثم أكملت نوران بحماس:
-والله زي ما بقول لك ، حصلت كتير في المسلسلات العربي والتركي وأغلب الروايات الهابطـة اللي شمس كانت تقراها كان يحصل كده ..
ابتسمت عالية ابتسامة مزيجًا من القهر والسخريـة وقالت :
-ده ممكن يحصل لما يكون الزواج شرعي ومتكامل ، أما أنا ومراد كُنا في حُكم المخطوبين .. روحي ذاكري يا نوران ..
تصلبت تعابير وجه نوران للحظات تحاول فهم ما تشير إليـه عاليـة ، وفي تلك اللحظـة دخلت عبلة لتقطع حديثهم ، تحمحمت نوران بخفوت ثم عادت إلى كتابها مرة أخرى تحت ظل نظرات عبلة الانتقاميه وهي تغمغم :
-أنا مش عارفـة هنخلص من العك ده أمتى ..
ثم نظرت لعالية وقالت بصرامـة :
-عايزاكي ..
-خير يا ماما ..!!
تأففت عبلة على طريقـة ابنتها العداونيـة :
-أيه الأسلوب اللي بتكلميني بيه ده .. !!
ردت معترضـة :
-وأنا قلت أيه بس ؟؟
-أف ، قومي نروح النادي سوا ..
-مش فاضيـة ، عندي مذاكرة وشغل كتيـر .
غضبت عبلة برفض قاطع :
-مفيش الكلام ده ، قومي يلا عشان وليد هو كمان جاي مع مامته النادي وفرصة تتعرفوا على بعض ..
وقفت عاليـة كالملدوغـة من مكانها :
-ماما لو سمحتي ، بلاش الطريقة دي ولا الاسلوب ده ، سيبيني أركز في دراستي ..
انفجرت عبلة في وجهها :
-دراستي دراستي !! أيه وأنا أم ومن حقي اطمن عليكي مع شخص يستاهلك !!
وبختها عاليـة :
-يستاهلني ولا يمشي لكم مصالحكم وشغلكم ، وحضرتك لو خايفة عليا صحيح زي ما بتقولي كُنتِ وقفتي جمبي من وقت ما اجبرتوني اتجوز مراد ، وكانت ايه النتيجة !!
توترت الكلمات في عينيها قبل لسانها :
-ده كان موضوع وانتهى ، أحنا في دلوقتِ !!
-مفيش حاجة انتهت ، نفس الغلط بنفس الطريقـة بتتكرر ، وكله بيحط على دماغي أنا في الآخر .. خلاص يا عبلة هانم أنا مش هقبل أكون لعبة في أيديكم تحركوها زي ماانت عايزين !
جحظت عيني عبلة :
-أنتِ أزاي بتكلميني كده !! اااه ولا هي قعدتك مع بتاعت شُبرا بوظت دماغك ، فوقي يا عالية ..
-أنا أول مـرة أكون فايقـة فيها النهاردة ، واللي عندي قلته ، ومش هسمح لمخلوق تاني يظلمني ..
وُضعت عبلة في مأزق ما بين شخصية ابنتها الجديدة والشخصية التي اعتادت أن تقول سمعًا وطاعة .. حاولت تهدأ الأمر معها وقالت :
-طيب معلش النهاردة وبس ، عشان اديت مامته ميعاد ..بلاش تخلي شكلي وحش ..
أصرت عاليـة على موقفها :
-مشكلتك مش مشكلتي ، أنا ما اديتش لحد مواعيد ، من فضلك عايزة اذاكر ..
رمقتها عبلة بغل :
-طيب يا عاليـة هتشوفي كلام مين فينا اللي هيمشي …
••••••
دخل عاصي المكتب على مراد بدون سابق إنذار ، في اللحظة التي أخبره حمدي بالاسم كان عاصي واقفـًا خلفه كالشبح ، سمح مراد لمدير مكتبـه بالمغادرة وتعامل بلطف وهو يفارق مكتبه ويتجه نحوه ليُرحب به :
-عاصي بيه دويدار في مكتبي .. اتفضل !
رد بصرامـة :
-مش جاي اضايف يا مراد ، هما كلمتين وهمشي ..
أشار مراد ناحية الأريكة الجلدية وقال
-مش معقول هتقولهم وأنت واقف كده ، تعالى نقعد ..
تحرك عاصي بفظاظته وشموخه المعهود وجلس على المقعد الجلدي ، سأله مراد :
-تشرب أيه ؟
-قولت لك مش جاي اضايف ..
تفهم مراد الأمر وجلس مقابله قائلًا :
-سامعك ؟!
دخل عاصي بالموضوع بدون مقدمات :
-أنتَ وعاليـة انفصلتوا ، فين حقوق أختي كاملة وورقـة طلاقها ..
أحمر وجه مراد بدماء الضيق وقال مستسلمـًا :
-أنا عارف أني اتأخرت في الإجراءات لان المحامي مشغول الفترة دي ، مع انتهاء عدتها كُل حقوق عاليـة هتوصلها ..
ثم وضح :
-أنا مش ناسي ، وعارف أيه اللي ليـا وأيه اللي عليا ..
هز عاصي رأسه متفقًا وأكمل :
-جميـل ! الموضوع التاني ، أرض العلمين اللي جمب أرضي و عيني كانت عليها .. تروح تتنازل عنها ويبقى عربون صُلح على اللي عملته معانا ..وانا هفكر أذا كنت هقبله ولا لا..
عقد مراد بدهشـة :
-ارض أيه ؟! أنا مشترتش أي أرض جمبك في العلمين ، أنا أغلب شغلي في اسكندرية ..
بد الغضب يتراكض في صوته :
-الـ ١٥ فدان يا مراد ، مش عايز لف ودوران ؟!
أكد مراد موقفه :
-أنا بقولك أهو مشترتش أي أرض هناك ولا أعرف عنها حاجة ؟!
عقد عاصي جبينه مندهشـة :
-أومال مين اللي أخدها ؟!
•••••••
تجلس ” حيـاة ” على بار المطبخ بملل ، لم تتحمل الوحدة أكثر من ذلك ، أحضرت لها سيدة كوب من الحليب الدافئ :
-اشربي دي بس ، أنتِ ليكي يومين مفيش لقمة دخلت بطنك ..
تريد أن تبكي وبدون سبب واضح ، ردت بفتور :
-ابعديها عني ياسيدة ، ماليش نفس أكل أي حاجة ..
راقبتها سيدة بشفقة واقترحت :
-طيب ما تجربي تكلمي البيـه ، يمكن لما تسمعي صوته نفسك تتفتح ..
تأففت باختناق :
-البيه ده اللي مفكرش يسأل عليا يومين وقافل علينا بالمفتاح ، وموقف رجالته تحت العُمارة ؟! دا أنا زي اللي عايشـة في سجن ..
ربتت سيدة على كتفها :
-طيب روقي دمك ، دانتي شايلة في قلبك ومعبيـة من البيه ، والله طيب ومايستاهل ده كله .. طيب اشربي بس اللبن ..
يبدو أنها تفتقده بطريقة تجعلها تريد البكاء وتشعرها أن الكون كله غاضب مثلها .. والموسيقى حولها مزعجة .. والظلام متسلط على حياتها .. نسمات الهواءِ تجرح أكثر ما تُطيب ، تركت المقعد بفتور :
-يوه بقي يا سيدة قُلت لك مش عايـزة ..
ضربت سيدة كف على الأخر عندما دخلت حياة غرفتها ثم توارت بأحد جوانب المطبخ وأخرجت المفتاح الذي تركه لها عاصي وخبأته بأحد الأدراج متنهدة :
-ربنا يهدي سركم …
••••••
وصلت هدير إلى شركة ” هاشـم مدكور ” بعد تلقيها مكالمـة هاتفيـة منه ، عندما وصلت إلى شركته ، رحبت بها مديرة مكتبه وسمحت لها بالدخول إليه على الفور .. بدون تردد دخلت إليه وصافحته فسألها :
-تشربي ايه ؟!
-قهوة مظبوط ..
ابتسم هاشم وأشار لمديرة مكتبه :
-اتنين قهوة مظبوط ..
انتظر خروج الفتاة حتى قال مرحبـًا :
-أنا مش مصدق نفسي ؟! المدير الإعلامي لشركات دويدار قاعدة قُدامي !!
وضعت هدير ساق فوق الأخرى :
-أقدر أعرف حضرتك عايز أي من المدير الإعلامي لشركات دويدار !!
فارق مقعده وانتقل ليجلس بجوارها بعد ما قدم لها سيجارة وقالت :
-مابدخنش …
اشعل هاشم سيجارته وأكمل :
-شغل ومصلحة لينا كُلنا ؟
-افهم …؟!
-أنا عارف علاقتك بعاصي مش الطف حاجة ..
قاطعته بحدة :
-حاجة متخصكش ..
-اسمعيني للأخر ، أحنا الاتنين هدفنا عاصي دويدار .. وأنت هنا عشان تساعديني في ده ، عاصي لو كمل زي ما هو هيكون الولد اللي هيقُش السوق كله وأحنا نقضيها دومنة في بيوتنا ..
وثبت هدير قائمـة ومعارضـة :
-مهما كانت الخلافات بيني وبين عاصي ، الشغل بعيد كل البعد عن كل ده ، اسفـة يا هاشم بيـه ، بس مشكلتي مع عاصي ما تخصش حد غيري .. وحوار أن عاصي ياكل منك السوق ده يتوقف على مدى شطارتك .. بعد اذنك..
وقف أمامها ليعيق طريقها قائلًا :
-استني ، كلامنا مخلصش …..
•••••••
ركل باب غُرفة عبلة بقدمـه ودخل عليها كالعاصفـة ، قفلت عبلة مكالمتها مع فريد وهتفت معترضـة :
-أيه ده؟! أنت مالك وأي الطريقـة ؟
أشار بسبابته محذرًا :
-أنا المفروض أقول لك كام مرة شيلي عاليـة من دماغك ..!!
ارتخت ملامحها المشدوهـة إلى أخرى معترضـة :
-مالكش فيه ، بنتي وأجوزها على مزاجي ، زي ما أنت كمان بتعمل كل اللي يجي على مزاجك ..
كور قبضة يده بغضب حتى برزت عروقه وجهر :
-قولتلك شيلي عاليـة من دماغك ، كفاية اللي حصلها من ورا جوازها من مراد ؟!
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بتحدٍ :
-تمام ، فكنا من عاليـة ، تتجوز أنت وئام أخت وليد !! ونطلع من العيلة دي بأي مصلحة !!
-أنتِ مصنوعة من أيه ؟! قاعدة بس تقولي مين يتجوز مين والمهم المصلحة !! أنت مشبعتيش !!
كانت كلماته تنافس الرعد في قوتها ، فلم تكن كلماته مجرد غضب بل كل عبارة عن تراكمات .. لم يرعبها اندفاعه بقدر ما حرك بنفسها أسلحة الحرب ، وقفت أمامه متحدية :
-وأنت شبعت !! رد عليا أنت شبعت من الامبراطورية اللي عايش فيها !! طول عمرك ماشي بمبدأ البحر يحب الزيادة ، والدليل أهو أنك لسه واقف قُدامي بشخصية عاصي دويدار .. عاصي اللي أنا عملته ..
-انتِ عملتي نفسك قبل أي حاجة .. ومش وقتـه نقلب في دفاتر هتحرقك أنتِ أول واحدة ..
ثم أشار بسبابته متوعدًا :
-اللي عملتيه فيا مش هسمح لك تعمليه مع عالية .. ابعدي عن أختي وده أخر تحذير ليكي ..
غلت النيران بعروقها فقذفته قائلة بصدى كلمة وصلت إلى آذان كريم الذي يستمع إليهم من وراء الباب :
-مش أختك … ومتعشش الدور عليا ، هي بنت عبلة المحلاوي وشهاب دويدار بنت الحسب والنسب ، أما أنت ابن تحية الخياطة وعبدالعظيم الجنايني .. فوق ، فوق بدل ما افوقك بطريقتي .
تحولت نيرانه المشتعلة إلى جمر يحترق بداخله ، انخفضت نبرة صوته وقال بنبرة أخافتها :
-كنت متأكد أن اليوم ده هيجي ، خليكي فاكرة أنتِ اللي ابتديتي ..
كانت هذه آخر جُملة قالها عاصي قبل ما يُغادر غرفتها ، أحس كريم خطواته فتوارى خلف الجدار ، سار عاصي بشظايا غضبه مُناديـًا على أحد الخادمات وأمرها بتجهيـز بناته وضب حقائبهم على الفور …
•••••••
-في حاجة غريبـة بره ، عاصي متعصب وواضح أنه اتخانق مع مامتـه ، ده حتى هياخد بناتـه من البيت ويمشي ..
أردفت شمس جملتها الاخيـرة بعد ما قفلت الباب بحرصٍ شديد وبيدها مائدة العشاء ، وضعتها على الطاولة الصغيرة فقال تميم متعجبًا :
-ماله عاصي !! لو سمحتي يا شمس هاتي الموبايل أكلمه ..
تدخلت ناصحة :
-بلاش دلوقتِ لان واضح الحوار كبير ، استنى يهدى وافهم منه .
غمغم بشكٍ :
-دي أول مرة يعملها ، هياخد بناته ويروح فين طيب !!
أخرجت شمس ” بشكير ” من الخزانة وبسطته على رجليه وقالت :
-مش عارفـة ، شكله مكنش يطمن بالمرة ..
في تلك اللحظة جاء صوت رنين هاتفه ، ركضت شمس وأحضرته ، رد تميم بعجل :
-طمني أيه الأخبار ؟!
رد المتصل :
-تميم بيه ، سبب الوفاة جرعة أنسولين زيادة ..
-تمام .. شكرا لتعبك يا حضرة الظابط ..
رمقته شمس بتحير :
-خير يا تميـم ..
رد بحزن وخيـم :
-عم حسين ، اتوفى بسبب جرعـة أنسولين زيادة .. ده اللي اتكتب في التقرير الطبي .
تسربت براثين الشك إلى رأسها وقالت بشكٍ :
-مش عارفـة .. ممكن يكون صح ، بس قلبي مش مطمن معرفش ليه !!
أيد شعورها قائلًا :
-وأنا كمان ، حاسس بكدة ..
سبحت شمس في تفكيـرها وغمغمت :
-تفتكر يكون في علاقة بين الموضوعين ! خناقـة عاصي مع أمه .. ووفاة عم حسين !
-لا مظنش ، الموضوع كبير ومقلق !!
مرت دقائق من الصمت حتى قطعته شمس لتلطف الأجواء :
-طيب أيه مش هناكل !!
على حدى ؛ ركضت جيهان إلى أختها متسائلة :
-في أيه يا عبلة ؟! عاصي واخد بناته ورايح فين ؟
تحججت عبلة قائلة :
-مفيش ، شدينا بس عشان موضوع طلاقه من هدير ، أنتِ عارفة أنا مكنتش عايزة ده يحصل بس هنعمل أيه ؟!
ثم حدجتها بخبث :
-هي هديـر لسه حامل ولا دي مسرحيـة خايبـة منها ؟!
•••••••••
وصل عاصي برفقـة بناته إلى الشقة التي تعيش بها حياة ، ترك البواب الحقائب لسيدة لتدخلهم ، هتفت تاليـا بحماس :
-أنطي حياة فين ؟!
ردت سيدة :
-جوة في أوضتها .. ادخلولها يلا دي هتفرح أوي ..
هتف عاصي بكلل :
-دخلي الشنط يا سيدة .
سألته سيدة بفضول :
-هما البنات هيقعدوا معاكم هنا !
رمى جسده بتعب على الأريكة :
-ايوة يا سيدة ..
-خير والقصر ماله ؟! هو حصل أيه يا عاصي بيه ..؟
أغمض عينيـه بفتور وجهر :
-سيدة دماغي هتنفجر ، مش متحمل كلام زيادة ..
بلعت سيدة ما تبقى في حلقها من كلماتٍ فضوليـة ، ولكنها لم تتوقف عن الثرثرة بعد ، دنت منه قائلة بتخابث :
-الست حياة ليها يومين محطتش لُقمة في بؤها ، وحالها يصعب على الكافـر ..
التفت إليها باهتمام:
-ليـه مالها ؟!
-أنت لحقت تنسى يا بني؟! ما أنت سايب البنت تضرب أخماس فـ أسداس وتكلم نفسهـا حتى ما هان عليك تطيب خاطرها .
اعتدل في جلسته وأخذ يلوم نفسه بسبب انشغاله عنها الفترة الماضية وقال متعجبًا :
-هي لسـه زعلانـة من وقتها ! دا أنا نسيت !
غمزت سيدة بعينها :
-والعاشق ينسى ازاي .. شوف هتصالحها ازاي بقا لانها على أخرها ..
” بالغـرفـة ”
تناست حياة همومهـا قليلًا وهى تمازح الفتيات ويتبادلن الحديث ، دخل عاصي يحك ذقنه لا يعرف من أين سيبدأ ، تحمحم بخفوت وسألها بحاجبيه المنعقدة :
-عاملة أيـه !
حدجتـه بضيق :
-بخيـر ..
أخذ يلف في الغرفـة بدون مقصد يستمع لتحاورها مع صغاره حتى اقترح عليهم :
-أيه رأيكم تيجوا نتعشى بره ؟
هلل الصغار بمرح وهتفا بصوت واحد :
-yes ..
حدجها بعينيـه المُتلصصة ، فتحاشت النظر عنه .. جلس مقابلها وسألها :
-أيه رأيك ؟
هزت كتفيها مرتدية وشاح التجاهل :
-أنا !! وانا مالي .
-مالك أزاي ؟! أكيد مش هنخرج لوحدنا يعني .
تبادلت الثنائي النظرات حتى قطعتهم داليـا :
-أيه ده !! مش هينفع نخرج من غيرك يا أنطي ..
مال عاصي على أذان صغيرته طالبًا :
-استوني بره وأنا هقنعها ..
نفذت الصغيرة الأمر في الحال وهي تمسك بيد أختها التي هتفت :
-اقنعها بسرعة يابابي عشان أنا جعانة أوي ..
-دعواتك بالتساهيل … خدوا الباب وراكم ..
مُجرد ما انغلق عليهم الباب فارقت مكانها بسرعة معلنـة عليه الهرب ، أمسك بكفها قائلًا :
-على فين ؟
نهرته :
-مالكش فيه .
-أيه الوش ده بقا ؟!
ثم وثب قائمًا ليقف أمامها وأكمل :
-عارف أنك زعلانة مني .. وحقك ، قوليلي أيه يراضيكي وأعمله ..
سحب كفها من قبضتـه وقالت بحدة :
-مش عايزة حاجة ..
مسك ذقنها ورفع وجهه إليه برفق وقال :
-بس أنا عايـز .. عايز أشوف ضحكتك ، وحشتني أوي..
ثم عاد ليمسك كفيها مرة أخرى وقال :
-غيابي كان غصب عني والله ، بس مكنتش أعرف أن قلبك أسود كده ..
تحاشت النظر إليـه :
-وأنا مالي ..
دنى منها خطوة سُلحفيـة وقال :
-مش بتاكلي ليـه ؟
-أنت بتتعامل عادي كأن مفيش حاجة حصلت ؟!
خرجت حياة عن صمتها وسنت أنياب العتاب التي تلاقاها بلطفٍ :
-وكان أيه اللي حصل !
ابتعدت عنـه بضيق :
-كمـان !!
اتبع خُطاها بهدوء وقال :
-شوفي يا حياة ، يمكن لسه معرفتيش طبعي ، أنا ما بحبش العتاب ، واللي فات مات بالنسبة لي ، ولو هنقف لبعض على الواحدة يبقى حياتنا كلها هتبقى مشاكل ..
وبخته قائلة :
-وهروبك حل !!
-عشان لو بقيت أكتر كنا أحنا الاتنين هنزعل بعض ..
ردت ساخرة :
-ااه تختفي يومين ولا كأني في بني أدمة محبوسة بين أربع حيطان !
اقترب منها أكثر أخذ يداعب شعرها من الخلف الذي اشتاق له كثيرًا وقال بمزاحٍ :
-وأنت متعصبـة عشان وحشتك ولا سبتك ومشيت ..؟
كانت للجملة وقع أقوى من السيف على قلبها خاصـة عندما جاء ممزوجًا بلمساته الساحرة التي تعرف ما تفعله جيدًا .. حسمت أمرها الحائر معه في طوى صفحات الحديث :
-عايزة أنام ..
-وأنا مش عايز .
-حل مشكلتك بنفسك بقا ..
كادت أن تخطو خطوة فأوقفها مستخدمًا سلاحًا جديدًا :
-طيب أنا مزعلك وأستاهل كل اللي يجرالي ، أيه ذنب الأبرياء اللي بره ..
رمقته بتوجس تخفي وراءه ابتسامتها على طريقته التي يحاول إقناعها بها ، اقترب منها وقبل كفيها متأملًا أن تعفو عنه حتى قالت :
-تمام عشان خاطر البنات بس .. لكن مشكلتي معاك مخلصتش ..
عقد حاجبيه متعجبًا :
-قلبك أسود أوي .
شدت كفيها من يديه معترضة :
-تؤ
-تؤ ايه بس .. روحي البسي يلا ولما نرجع وعد مني هنكمل خناق للصبح ..
-بتاخدني على أد عقلي ؟
في تلك اللحظـة رن هاتفه فظهر اسم يسري ، رد عليه بلهفـة كمن ينتظر خبرًا يهمـه :
-عملت أيه ؟
خرج يسري من المستودع المُظلم وقال :
-قاسم صفوان تحت أيدي دلوقتِ .. تحب نخلص عليـه ..
هتف بحماس :
-لا يا يسـري ، أنا جايله ..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوى بعصيانه قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى