روايات

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثالث والأربعون

رواية غوى بعصيانه قلبي البارت الثالث والأربعون

غوى بعصيانه قلبي 2
غوى بعصيانه قلبي 2

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثالثة والأربعون

الفصل الثالث والأربعون
(13) ج 2
“كما تدين تُدان”
‏خبِّئ هذا النص في رفوف غفلتك للأيام القادمة ، وسيخبرك الزمن عنها حتماً ، إن لم يكن بنفس الموقف ، فسيكون بنفس الألم
‏فالشعور الذي تتركهُ في صدرِ أحدهم ، سيضعُ الله في صدرك شعوراً مثلهُ تماماً
‏فلا تمدَّ لغيرك سوى ما تحبُّ أن يُمدَّ إليك..
••••••••
في تلك اللحظـة رن هاتفه فظهر اسم يسري ، رد بلهفـة كمن ينتظر خبرًا يهمـه :
-عملت أيه ؟
خرج يسري من المستودع المُظلم وقال :
-قاسم صفوان تحت أيدي دلوقتِ .. تحب نخلص عليـه ..
هتف بحماس :
-لا يا يسـري ، أنا جايله ..
لاحظت تغيـر ملامح وجهه التي كانت تحاول إرضاءها إلى أخرى تكدس الغضب بداخلها ، نزع ساعته المعدنية متجاهلًا وجودها وفضولها ثم سترته السوداء التي وضعها على ظهر المقعد المُبطن ، خرجت عن صمتها متعجبـة :
-أنتَ بتعمل أيه ؟!
رد باختصار :
-واضح أنك مش حابة تخرجي مش هجبرك ، أغير هدومي بقى !
تكدس الغضب بوجهها وعارضته بحدة :
-تغير فين ؟! دي أوضتي .. تقدر تروح تشوف لك أوضـة تانية تغير فيها ..
انعقد حاجبيـه وهو يفحصها من رأسها للكاحل :
-الكلام ده ليـا ؟
ردت بعفوية :
-لسـه متجننتش عشان أكلم نفسي !!
دنا منها خطوة سُلحفيـة وهو يُجاريهـا :
-أيه الأسلوب ده بقا ؟!
تحدته :
-هو ده أسلوبي لو كان عاجبك ..
ارتدى ثوب دويدار الذي تعمد أن يتخلص منه أمامها :
-زفت .. أسلوبك زفت .. ولو متعدلش معايا هعدلك أنا يا حياة .
-وأنت كمان ليـك عين تبجح ، يعني غلطان وبتبجح !!
ضرب كف على الأخر بنفاذ صبر محاولًا تمالك أعصابه :
-شوفي أنا دماغي فيها اللي مكفيـها ، عدي الليلة .
وضعت يديها في خصرها بعناد :
-والله ! يعني أنا بقيت حمل تقيـل دلوقتي ؟ وايه اللي يجبـرك على كده !! أحنا نفضها سيرة خالص .
تأفف بضيق :
-حيـاة ، أنتِ عايـزة أيه دلوقتِ !! أيه يراضيكي يا ستي وأنا هعمله .
فكرت للحظات حائرة لا تدرك حالة المزاجيـة التي أصابتها ، ردت بقلة حيلة :
-مش عايـزة حاجة ..
وقف أمامها بعد ما استجمع نفسه وركن غضبـه جنبـا ، تفوه بنبرة حنونة :
-لو زعلانة من حاجة أجليها لبكرة ممكن .. أنا مش هربان من نكد أجي لنكد ..
ثم مرر أصابعه على وجنتها برفق :
-ممكن !
سكنت دواخلها فجأة بقربه ، بانتشاءها لعطره ، للمساته السـاحرة ، لنظراته الجريئـة التي تطالعها بـ حُرية .. ضم كفها الرقيق كفه المتدلل على وجنتها وقالت بخفـوت :
-تمـام ..
اتسعت ابتسامته المتعجبـة ببراءتها واكتفى بتقبيل يدهـا بقُبلة رقيقـة ثم ولى ظهره منسحبًا من أمامها ، استردت حالتها المزاجيـة مرة أخرى وصاحت :
-ممكن أعرف عملت ايه في اللي اسمها هدير بعد عملتها السـودة دي !
ثم قهقهت ساخرة :
-اااه طبعا ولا حاجة ، عشان أنا عندك مش مهم ، وايه يعني حبوب هلوسـة !!
عض على شفته بنفاذ صبر وهو يكور قبضته بغيظ :
-ومين قال لك إنها متحاسبتش على اللي عملته ..
وقفت أمامه عاقدة ذراعيـها باستهزاء :
-والله !! هاااه سمعني بقا عملت فيها أيه يا ترى ؟
رد باختصار :
-طلقتهـا ..
ردت ساخـرة :
-هااه .. وده عقـاب !! ده ربنا نجدها …
لم ينجح في إخفاء ابتسامتـه الخفيفـة عنها والمتعجبـة من تلقائيتها في الحديث معـه ، أخذ يدنو منها تدريجيـًا وهو يطالع عينيها المرتعـدة بجراءة وسألها بخُبث :
-للدرجـة دي شيفاني شخص وحش .. !!
يبدو أن الغرق هذهِ المرَّة سيكون مُلزمًا بموجـة قُربه العاتيـة ، تصلبت تعابيـر وجهها وهي ترمقـه بثغر مزموم ، دنى منها خطوته الأخيرة رافعـًا حاجبه متعمـدًا إرعابها وإرباكها :
-هاه ! مش سامع ..
بللت حلقهـا الذي جف من عواصفه التي هبت بكيانها ، فهزت رأسها يمينًا ويسارًا بتوجس وما زالت تحت سطو شرودها ، وضع يده على خصـرها بجراءة زائدة ومال على أذنهـا مكررًا سؤاله بصيغـة آخرى :
-مفهمتش !! ااه ولا لا !!
سرت بجسدها قشعريرة قـوية بسبب رائحته التي ملأت جيوب صدرها وقالت بخفوت :
-لاه ..
لا زال محافظًا على نبرته الحنونة وهو يصالح مزاجه بعبيرها :
-لا أيه !!
لم تجد سبيلًا للتخلص من جيوشه المنقضـة على مشاعرها سوى الهرب ، تملصت بخفـة فراشة من بين يده وولت وجهها عنه تاركة الغـرفة وهي تتحاشى النظـر إليه تمامًا محتميـة من فوهة أسلحتـه التي تعرف هدفها بدقـة ، اتسعت ابتسامته وهو يضـرب كف على كف ويقول لنفسه:
-ابتدينا في الجنـان !
••••••
” عـودة للقصـر ”
-أنت جايبني لحد هنـا في وقت زي ده عشان اتفرج عليـك وأنت ساكت وبتتأمل السمـا كده !!
صاحت نوران بنفاذ صبـر من صمت كريم المنغمس في فوضى أفكاره المزعجـة ، ثم زفـرت بضيق وهي تضـرب الأرض بقدمهـا :
-أنا غلطـانة أصلًا لاني سمعت كلامك ، أنا همشي ..
لم تجد منه أي رد أو اعتراض على ذهابهـا ، ما كادت أن تخطو خطوتين فتراجعت نادمـة وعادت إليـه برأس مُطأطأة :
-واضح أن الموضوع كبيـر !! ما تقول حصل أيه ..
تنهد كريم بحيـرة وهو يستند على جدار الشجرة التي يتوارى الثنائي خلفها وقال بكلل :
-مش لاقي حد اتكلـم معاه ، ولا عارف أوصل لحل لوحدي ..
أطرقت نوران بتوجس :
-قلقتني ؟ قول طيـب يمكن اساعدك ..
فكر للحظات ثم قال :
-كُنت معدى بالصـدفة من جمب أوضة خالتي ، سمعتها بتزعق هى وعاصي ، معرفش أي وقفني اسمعهم .. يمكن لما سمعت اسم عاليـة !!
قاطعتـه نوران بتخميـن :
-اكيد اتخانقـوا عشان موضوع العريس اللي متقدم لعاليـة ده .. تفتكر ده السبب اللي خلاه يمشي !
هز رأسه بثقـة :
-لا .. الموضوع أكبـر من كده بكتيـر .
-أزاي ؟!!
-لان خالتي قالتـله مش اختك ومتنساش نفسك ، وكلام كده مفهمتوش !!
ثم زفر باختناق :
-يا رب أكون سمعت غلط ..
تقاسمت الدهشـة معالم وجهها :
-مش أختـه !! طيب ازاي !! يعني أيه مش أختـه ؟
ثم هزت رأسها بالنفي :
-لا آكيد أنت سمعت غلط !! اومال تكون عاليـة بنت مين لما هي مش أختـه ؟
ثم طالعتـه لتختم حيرتها :
-كريم أنت متأكد من اللي سمعتـه ؟!
-زي ما أنا متأكد إني واقف قدامك !! بس يا ترى قصدهم أيه !!
لاحظت نوران اشعال نور الغـرفة التي بهـا شمس ، فقفز الخوف بقلبها وقالت بعجـل :
-أنا همشي دلوقتِ قبل ما حد يشوفنا ، بس كلامنا لسه مخلصش ..
أوقفها مُوكدًا :
-نوران مش محتاج آكد عليكِ ، ولا كأني قلت حاجة !!
طالعته باستخفاف :
-ليـه وانا هبلة !!
ابتسـم لعفويتها وقال ممازحًا :
-عندك شك !
اجابته بعجل :
-فكرني أحاسبك بعدين على كلامك ده ..
تركته وفرت كالأرنب الذي يتلفت حوله هنا وهناك خشيـة من أن يراه أحد ، أخذ يرمقها بنظراته الحائرة حتى تبسـم معترفًا لنفسه :
-ماهي هبلة فعلًا .
وصلت نوران المتسللة بخفـة إلى درجات السُلم فالتقت بأختها التي تحمل كوب الأعشـاب الساخن ، سألتها بحدة :
-كُنتِ فين ! وأيـه مصحيكي لحد دلوقتِ !
بد الارتباك على ملامحها وهي تلوح بعبث :
-ولا حاجة يا شمس ، اتخنقت نزلت اشم شوية هوا بس .. هروح انام أهو ..
حدجتها مُحذرة :
-خلي بالك من تصرفاتك يا نوران ، أحنا هنا مش في بيتنا والخطوة محسوبة عليكي ..
-وانا كنت عملت أيه لكل ده !! تصبحي على خير يا شمس ..
ركضت لأعلى مجرد ما انهت جملتها الأخيرة هاربة من استجواب أختها ، ما كادت أن تسللت لغرفتها فلاحظت شمس عودة كريم من نفس الباب الخلفي الذي أتت منه أختها ، تسرب وميض الشك إلى رأسها وهي ترمقه باستغراب حتى تمتمت متوعدة :
-أياكي يكون اللي في بالي صح يا نوران ، هقطع رقبتك ..
•••••••
انتهت سيدة من حمل الأطباق وإعادة ترتيب السفرة مرة ثانيـة بعدما فرغوا من تناول العشـاء الذي طلبه عاصي من الخارج ، تفوهت داليـا بسعادة :
-الأكل كان حلو أوي يا بابي …
-هنا وشفى يا حبيبتي ، يلا قوموا أغسلو أيدكم وسنانكم عشان الوقت اتاخر والجو برد ..
ثم نادى على سيـدة :
-سيـدة ، تعالى ساعديهم ..
تدخلت حياة في حوارهم كي لا تمنحه فرصـة جديدة للانفراد بها وقالت :
-أنا هنيمهم ، تعالوا يلا يا بنات ..
توقفت تاليـا عن السير وسألت أبيها :
-بابي ، أحنا خلاص هنعيش هنـا !
رد بثبات :
-أيوة يا حبيبتي ، شوفوا اللي ناقصكم ، وهيكون عندكم ..
تسمرت حيـاة في مكانها وهي تنصت لحوارهم والثقة التي يتحدث بها عاصي ، عادت تاليـا إليها وأمسكت بكفها ، ثم انحنت لمستواهم وقالت برفق :
-اسبقوني أنتوا ..
ثم عادت إليه وهو يتفحص أحد الملف على هاتفـه ، جذبت مقعد السفرة وجلست على طرفـه وسألته في تردد :
-هما البنات مش جايين أجازة ويرجعوا ..
قفل هاتفه وقال :
-لا ، البنات هيعيشـوا هنا ..
-ليــه !!
ثم بررت فضولها :
-أقصـد يعني ليـهم حياتهم في القصر وجدتهم ، حصل أيه لكدا ؟
-وجودهم مضايقك ؟
أجابت بسـرعة :
-لالا ، أنتَ عارف أني مقصدش كده ، أنا بسأل بس ..
رد بإيجاز :
-بحاول أحمي الناس اللي بحبهم بس ..
-من مين ؟!
-مش لازم تعرفي ..
ثم غير مجرى الحديث :
-استعدي ، مجرد ما يخلص ورقك هنسافر ..
-هنسافـر فين وليـه .. أنت بترمي ألغاز وأنا المفروض أحلها يعني !!
جاءت تاليـا من الخلف وقطعت حديثهـم :
-أنطى يلا تعالى بقى ..
رمقته بنظرة تخبره فيها أن كلامهم لم ينته بعد ثم نهضت بتردد واتبعت خطوات تاليـا وشرعت في أداء دور الأمومـة في حياتهم ، من حرصها على تنظيف أسنانهم جيدًا ، وتغير ملابسهم وتصفيف شعرهم استعداداً للنوم في أجواء يغمرها الضحك واللعب الذي تسلل لأذان عاصي فلم يملأ صدره إلا ارتياحًا لصواب قراره ..
جاءته سيـدة :
-تأمر بحاجة يابيـه ؟
-لا يا سيدة ، روحي نامي ..
ما كادت أن تخطو فأوقفها :
-البنات ناموا ؟! مش سامع صوتهم …!
-أيوة ، حتى ست حياة نامت معاهم ، تحب أصحيها تنام في أوضتها !
نهض هو الأخر مستعدًا للنـوم وقفل شاشة التلفاز :
-لا سيبيها على راحتها .. نامي عشان مدرسة البنات الصبح ..
••••••
-بتفكري في أيه ؟!
تفوه تميـم متسائلًا بفضول إثر تقلب شمس الكثير وقلقها الواضح بجانبه يبـدو أن هناك ما يعكر صفواها ، رفعت شمس جفونها ببطء وردت :
-أبدًا ، شويـة قلق بس ..
أصر على سؤاله :
-بتفكري في أيه يا شمس !
-نوران …
-مالها ؟!
فكرت طويلًا ثم قالت بتردد :
-تصرفاتها غريبة اليومين دول؟
رفع حاجبه يتساءل:
-غريبة إزاي ؟
-أقول لك ايه بس يا تميم ، يا رب اللي بفكر فيه يكون مش صح ..
-حصل أيه طيب ؟!
روت شمس ما حدث عندما دلفت كي تحضر له كوبًا من الأعشاب ، ورؤيتها لكريم التي زادت من الأمر سوءًا ،انتظـرها حتى فرغت من حيرتها وقال :
-أنت مصممة تقلقي نفسك وخلاص!!
-يعني ايه؟
-يعني كل اللي حصل ده طبيعي البنت زهقت من المذاكرة نزلت تشم هوا .. مكبرة الموضوع ليه ؟!
-طيب ووجود كريم في نفس الوقت؟!
-صدفة .. صدفة يا شمس عادي احنا عايشين في بيت واحد على فكرة !! فكل ده وارد ..
اطمئن لقلبها لحديثه قليلًا حتى غيرت مجرى الحديث :
-بقيت أحسن دلوقتِ ؟
مرر ظهر كفها على وجنتها الناعمـة وقال بحب :
-شكرا على وجودك جمبي ..
سطع التوتر من لمساته بعيونها وهي تبرر :
-مفيش شكر ولا حاجة أي حد مكاني كان هيعمل كدة ..
أطال النظر بعيونها وكأنه يقر معترفًا
” ‏بدونها لا يشعر بأنه في حال جيدة، عندما لم تعد موجودة لا عينيها ولا حيويتها ولا غموضها وخجلها الدائم منه .. كما لو أن الأنوار قد انطفأت..!”
بدون وعي منه فارقت يده وجنتها ليرسو بإبهامه فوق شفتيـها الكرزيـة ويقول مفصحًا :
-كل يوم بكتشف فيكي حاجة أجمل من اللي قبلهـا ..
ثم اقترب منها قليلًا وأكمل بنبرة فاضحة لنواياه :
-شمس !
ارتعدت من جواره كالملدوغة وابتعدت عنه لتحتمي بطرف السرير وهي تولى ظهرها وتنكمش تحت اللحاف وتقول بشفاه مرتعشـة :
-انا خلاص هنـام ، تصبح على خيـر ..
تصرفها صوب خيبـة جديدة إلى صدره عن تلك الخطوة التي اتخذها إليها ، برقت عيناها عندما وجدته يهمس بأذانها ويبرر تجاوزه :
-كنت هقول لك بلاش تكبري المواضيـع وتشيلي هم حاجات مش موجودة من أصله ..
ثم ربت على كتفها وأكمل :
-وأنتِ من أهله …
“‏أحياناً تملأُ الكلمات فم المرء كما لو أنها فتات زجاجٍ مكسور فإن صمت تؤلمه ، وإن تحدثَ تُدميه..!”
••••••••
“في الثالثـة فجرًا ”
قلقت حيـاة في نومها إثر رفس تاليـا الدائم لها ، وحركتهم الزائدة أثناء النـوم ، تركت مخدعهم وتوجهت نحو الأريكة ولكنها لم تتحمل البرد القارص الذي يحاوطها ، انتعلت حذائها القطني وخرجت من الغرفـة متوجهة الي الحمـام رغبـة في التقيـؤ ولكنه كان مجرد شعور وهمي ..
عندما خرجت تسمرت أمام غُرفته متحيـرة أتُقبل عليها أم تتراجع حتى حسمت رائحته القرار وفتحت الباب برفق ، تسللت إلى الغُرفـة بحذر شديد وجلست على الأريكة المبطنة بجوار السرير ، لم تجد إلا سترته السوداء لتتخذها كغطاء تحتمي به من صقيع الشتاء ولكنه فتح بابًا جديدًا من الصقيع بقلبها فأخذت تستنشق رائحته كالمدمنين ، حتى تسارعت ضربات قلبـها وارتخت أعصابها بوتيـرة من المشاعر المضطربـة ..
لم تشبع ملابسه رغبتها في استنشاق عطره الذي بات إدمانها ، تركت ما بيدها وخلعت حذائها بحذرٍ ، ثم اقتربت منه وانسدت تحت الغطاء بهدوء وهي تملأ رئتيها من رائحتـه أكثـر وأكثر ..
كان مظهرها لطيف جداً ؛ لم يبدو عليه العواصف التي تقام في صدرها ، لأول مرة اشتهت تأمل ملامحه النائمـة عن قُرب ، تلك الملامح التي انسدت بين ثناياها رجولتـه القاتلة لقلب كل أنثى يلقاها ألا قلبهـا الذي لا زال حيـًا يقاومـه ، تذكرت قُربه الساحر وهو يسألها ” عن كونـه سيئًا لهذا الحد ؟! ”
فاتسعت ابتسامتها عندما تذكرت ردها وارتباكها وخوفها منـه ، أخذت تتسائل كثيرًا لماذا تهابـه لهذه الدرجة ؟! ربما بسبب هيبته الشامخـة أم ثقته الزائدة بنفسـه ؟! فأقرت معترفه وهي تداعب جدائل شعره بحنو :
“حين تحاوطني يداك يلتَف عليّ شيء كالحرير..مُثير وناعم ”
أخذت تطرح الكثيـر من الاسئلة لـ نفسهـا :
-أنت مين وطلعت لي منين ؟! وليـه ببقى زي الطفلة الصغيـرة قُدامك ؟! بقيت تايهـه مش عارفة أنا عايـزة أيه ؟! عايزة ارجع لرسيـل ولا أكمل معاك بحياة “حيـاه” اللي أنت اخترعتها وأنا حبيتها ؟! يا ترى أيه نهاية حكايتي معاك ؟! وهتوديني على فين ؟! خايفـة اسيب لك قلبي اندم تاني ؟! بس اللي متأكدة منه إني حاسـة معاك بحاجات عمري ما حسيتها قبل كده ؟! ما بين كل الفوضى والمشاكل دي كلها حاسة روحي خفيفة وليها أجنحـة مش شايلة هموم ؟!
ثم تنهدت بحرقـة :
-قلبي عايزني أقرب وعقلي مش مقاومني ؟! حتى مش قادرة افتكر عيوبك عشان اخدها حجة وابعد !! أنت عملت فيـا أيه !!
غفت على ذراعها متنسايـة أناملها متغلغلة بين خصلات شعره في تلك اللحظة رفع عاصي جفونـه ليراها ويلحظ قُربها المُبهـم وتصرفاتها التي لا تصدر إلا من فتاة متيمـة بلهيب العشق ، لم يفعل شيء سوى ضمها إلى حضنـه ونومها معـًا على لحن ضربات قلبها المضرمة ..
انفلق الصباح وانفلقت عيناه اللامعـة ، لا زالت نائمة على ذراعها لا تتحرك وكأنها آخيرًا عادت إلى حيث تنتمي ، بعنَاقها كمن امتلك الدنيا في لحظة .. رن جرس منبهه فأيقظها ، كتم الصوت سريعـًا ثم عاد إلى عيونها المنفرجـة والحائرة عن أي ريح أتت بها إلى هنـا ؟!
اعتدلت في نومتها وفارقت ذراعها وسألته :
-أنا جيت هنـا أزاي ؟!
أغمض جفونه استعدادًا لجولة اضطراباتها الجنونيـة وقال بهدوء :
-افتكري كدا ؟!
عارضته بإصرار تخفي وراءه كبريائها :
-أنا كنت نايمة جمب البنات !! اااه تلاقيهـا حركة من حركاتك الرخيصـة !!
ما كادت أن تهرب بمسرحيتها من جواره فأمسك بها قائلًا بتساءل :
-فلنفترض إنك بتمشي وأنتِ نايمـة !! كمان بتلعبي في شعري وأنت نايمـة ؟!
رأي الخجل على ملامحها الطفولية وهي تنكر ما يقوله :
-أكيد حلم ، مفيش الكلام ده ..
ابتسم ابتسامته الماكرة وقال مجاريًا :
-ااه يا ستي انا اللي أخدتك من جمب البنات ..
ثم مال هامسًا إليها :
-أنتِ عارفـة اتعودت أنك تنامي جمبي ..
فارقها عندما القى قنبلته الموقوتـة في صدرها وهي تتساءل حائرة حتى سرب وميض الشك إليها :
-ده بيسرح بيا وبياخدني على أد عقلي !! لا منا أكيد متجننتش !!
ثم تأففت بندم :
-غبيـة !! ليـه جيت عنده أصلًا !!!!!
••••••••
••••••••
“”تبدل عالمي كلّه ، انحصرت أحلامي فيك، فتغيّرت أمنياتي ، لم يتبقى في ذاكرتي غيرك ولكن الطريق إليم فارغ للغاية لا يوجد ما يحتج به القلب للعودة ، حتّى التحيّة وقعت كزرّ الثوب فوق الرمل، لم تسمع صدًى .. كما وقعت أنت من بين يدي “”
رفعت عاليـة شعرها كذيل حصـان أمام المرآة فاقتربت منها نوران بحيـرة :
-أنتِ كويسـة ؟!
ردت بملل :
-ااه تمام ..
-مفيش اخبار عن مراد ؟!
أجابتها بحزن :
-لا ..
ثم ترددت :
-اااه ..
-اه ولا لا ؟! فزورة دي ؟
بلعت عاليـة مرارة شعورها :
-كان منزل بوست على الأكونت بتاعه الصبح ، اممم وده مش بعادته يعني ..
-بيقول أيه البوست ده ؟!
-عادي دعاء ديني .. وحمدي مدير أعماله كان كاتب له عمرة مقبولة ، شكله سافر السعوديـة ..
فكرت نوران ثم قالت لنفسها :
-شكلي طلعت ظالماه ولا أيه ..!!
ثم ارتفعت نبرة صوتها :
-طيب وأنتِ مضايقة ليه !
صدر الجواب في نفسها ورغبـة قلبها في الذهاب معه ، ارتدت وشاح التجاهل وقالت :
-ولا حاجة ، أنا هروح أقعد ما تميم شويـة !!
••••••
” في شـركة دويدار ”
اقتحمت عبلة الاجتماع بدون إذن مسبق وقالت بوقاحة :
-عاصي ، عايزاك ..
نظر عاصي إلى موظفي الشـركة وقال :
-زي ما اتفقنا ، كل واحد عارف هو هيعمل أيه .. أهم حاجة الدقـة والسرعة ..
سأله أحد الموظفين :
-المدير الإعلامي الاستاذة هدير مش المفروض كانت تبقى موجودة !!
ردت مديرة مكتبه :
-الاستاذة هدير في شغل بره ، يومين وهترجع تظبط الدعايا والاعلانات ، أهم حاجة كل واحد يلتزم بشغله ..
نظر لمديرة مكتبه مؤيدًا لكلامها ثم نهض قائلًا :
-على شغلكم ، الاجتماع انتهى …
ثم اتجه نحو مكتبه ، اتبعت عبلة خُطاه منتظرة مغادرة الموظفين حتى سألته :
-والله !! أنت بتهزر صح ؟! أيه حركات العيال دي ؟!
رد بصرامة :
-لو سمحتِ أنتِ هنا بتتكلمي مع صاحب شركات دويدار يعني الكلام يكون محسوب وألا هتصرف تصرف مش هيعجبك ..
-وأنك تاخد بناتك وتمشي من القصـر ده تسميه أيه ؟!
رد بجفاء :
-أنا حر ..
-فكرك مروة هتاخد بالها منهم ولا من ولادها ؟! عاصي رجع بناتك القصـر ..
-بناتي أنا ادرى بمصلحتهم ، ومعنديش كلام تاني أقوله ..
فارقت مقعدها واقتربت منه راجيـة :
-متزعلش مني ، والله مش قصدي ، أنت عارف أنا بحبك أد أيه وعمري ما فرقت بينك وبين عاليـة..
تجاهل توسلاتها وقال بحدة :
-عندي شغل ، ومش فاضي لأي كلام دلوقتي ..
رمقته بغلٍ :
-كده يا عاصي !! ماشي ، همشي بس كلامنا مخلصش ..
خرجت عبلة من مكتبها وأول شيء فعلتـه هاتفت محاميها الخاص :
-أيوة يا متر ، عايزاك تلغي جميع توكيلاتي لعاصي …
وعلى حدى تجلس هدير في سيارتها وتهاتف ” هاشم مدكور ” :
-أنا موافقـة ، والفترة الجاية السوق هيكون في أيدك ..
••••••••
” بعد مرور أسبـوع ”
مر أسبوع روتيني لم يحدث به شيئًا يذكر …
عاليـة لا زالت على حالها تنتظر مكالمـة منه وتراقبـه بلهفـة وقلب مراهق تعلق بأول حُب التقاه ..
ومراد الذي اختلى بقلبـه بأداءه لمراسيم العُمرة التي ردت إليه روحه من جديد …
ازدادت مقابلات نوران وكريم السـرية التي لن تخلو من الشجار والعناد ، ولم يتوقفا الاثنان عن البحث وراء حقيقة ما وقع على أذان كريـم ..
لم يتوقف تميـم عن محاولته لكسـر الجدار الفاصل بينه وبين شمس حتى اكتسب ثقتها ، وقربهم بسبب مشروع انشاء المشفى والمشاركة في جميع تفاصيله …
عاد عاصي ظهـرًا إلى شقته التي تحوى بساتين من الحب والدفء الذي كان يعيشهم بجوار أحبته ، والأجواء الأسرية التي عاشها لأول مرة نازعًا ثوب عاصي دويدار مرتديًا جلباب الزوج والأب ، فتح الباب بعد ما أخذ بناته من المدرسـة ونادى على سيدة :
-سيـدة ..
جاءت ركضًا إثر ندائه :
-أوامرك يا بيـه ؟!
قال آمرًا :
-جهزي شُنط البنات عشان مسافرين كمان ساعتين ..
سألته بفضول :
-والست حياه ؟!
-أكيد مش هسيبها وأسافر يا سيدة ، يلا استعجلي ..
تأهبت للذهاب فأوقفها :
-هي فين ؟!
-عملت الأكل بنفسـها ودخلت عشان تستريح شوية ..
كادت أن تنصرف ثم أخبرته :
-الهانم مش عاجباني يا ريت تاخدها لدكتور لانها لا بتاكل ولا بتشرب وأول ما تشم ريحـة الأكل تجري على الحمام ..
ثم وشوشته :
-أقطع دراعي أمـا كانت حامل ، بس هي مش مصدقـة وبتزعق معايا أول ما أقولها كده .. بس على ميين أنا نظرتي ما تخيبش أبدًا ، فاكر يوم الست مها ؟! مش أنا اللي جيت وقلت لك أول واحدة ..
شرد عاصي للحظات ليقارن ما لاحظه على حياة وما عاشته مها في أشهر الحمل الأولى ولكنه نفض غبار الوهم سريعًا :
-متحطيش في بالك يا سيدة مفيش الكلام ده، أصلا أحنا مأجلين الموضوع ده شـوية ، روحي شوفي البنات ..
رمقته بنظرة خزى :
-حتى أنت يابيـه !! طيب ..
لم يكترث لحديث سيدة واتجه نحو غرفته وجدتها تجلس وتقرأ كتابًا قفلته عندما رأته وقالت متأففة :
-أنا اتخنقت وزهقت من قعدة البيت دي ، مش بعمل حاجة غير أني بطبخ واتفرج على التلفزيون وارغي مع سيدة واذاكر للبنات ، أنا حاسة أني مش عايشـة وهطق ..
ترك حقيبته السوداء على الكومود وقال :
-طيب هيجرى أيه لو قولتي كل الكلام ده من غيـر عصبية !!
أغرورقت عينيها بالدموع التي لا تعرف سببهم وقالت بعجز :
-مش عارفـة ، أنا هتجنن ومش عارفة انا عايزة أيه .. بفكر في أخواتي وحياتي القديمة ، انا عايزة ارجع اشتغل واكتب وأعيش .. دي مش عيشـة ، وفي نفس الوقت مش عايزة ارجع الغردقة ولا حابة حاجة تفكرني بالماضي .. أنا تعبت ..
تلقى عبراتها المترقرقة على إبهامـه وقال :
-طيب أي رأيك في سفرية لباريس تغيري جو !!
-مش عارفة ، حاسـة أن مفيش حاجة هتسعدني الحياة كلها كئيبـة حوليـا …
-طيب روقي وسيدة هتيجي تساعدك في الشنط ، وعد هنقضي أحلى يومين هناك ..
ردت باستسلام :
-تمـام ..
ثم ابتعدت عنه سريعًا :
-متحطش من البرفيوم ده تاني مش طايقـة ريحته ..
وفع حاجبه مستنكرًا:
-نعم !! مش كنتي بتحبيـه وبتحبي ريحته ؟
ردت بضيق قبل أن تركض لتتقيء بالمرحاض:
-مش طايقاه بجد يا عاصي …
•••••••
” بالقصـر ”
دخلت هديـر الغرفة على خالتها وهي تحمل على عاتقيها دبابيـر الشر وقالت :
-جيت لك عشان مصلحتنـا واحدة !!
طالعتها عبلة بضيق :
-مصلحـة أيه ؟!
-زي ما أنا بخاف على ابني اللي جاي وعايزة أضمن حقـه أنتِ كمان أكيد خايفة على ابنك ..
ردت ساخرة:
-بصرف النظر عن موضوع ابنك اللي متكلمناش فيه ده .. بس هاتي اللي عندك يا هدير !!
سألتها بصرامة :
-عاصي له اكتر من اسبوع معتبش البيت يا ترى بيبات فين !!تعرفي ؟؟
-وأنا هعرف منين ؟! عاصي راجل ويعمل اللي عايزه ومصيره هيرجع النهاردة أو بكرة …
وضعت ساق فوق الأخرى وقالت :
-زي ما اتوقعت ..
انتبهت لها عبلة بفضول :
-اتوقعتي أيه ؟! ما تتكلمي على طول …
رد بثقـة :
-عاصي ابنك عايش مع حياة وبناته في شقـه واحدة ، هبعت لك لوكيشن الشقـة عشان تتأكدي ..
تبدلت ملامح عبلة ولُجم وجهها بجمر الغضب :
-أنتِ بتقولي أيه ؟! عاصي رجع لحياة !! طب ازاي .. لالا عاصي يعمل أي حاجة إلا كده …
ختمت هديـر الجولة بينهم بحزم :
-العنوان عندك وتقدري تتأكدي بنفسـك … حبيت أحذرك بس بدل ماانتى نايمـة في الخط كده …
شردت عبلة بحقد :
-يا ترى هتودينا على فين ياابن تحيـة !!
•••••••
وصل عاصي إلى المطار قبل موعد الطائرة بنصف ساعـة ولكن وقتها علم بحدوث عطل بطيارته الخاصة وعليهم الانتظار حتى إصلاحـه ، حينها حجز غرفـة بفندق تابع للمطار حين إنهاء العـُطل ، في تلك اللحظة وصلت عبلة إلى العنوان الذي أرسلته هديـر وقفت طويلًا أمام البناية حتى هبطت من سيارتها واتجهت نحو البواب وسألتـه :
-عاصي دويدار موجود فوق ؟!
هز رأسه نافيـًا :
-لا ياهانم ..
كررت سؤالها بصيغة أخرى :
-قصدي أمتى جيه هنا وكان معاه حد ولا لا ..؟
رد الحارس بثقـة زائدة ، خاصة بعد ما أكد عليه عاصي بإنكاره التام إذا سأل عليه أحد :
-عاصي بيه له أكتر من ست شهور مش بيجي هنا ..
شكرته عبلة بعرفان بعد ما وضعت بعض النقود بيده وانصـرفت متوعدة :
-بتشتغليني يا هديـر !! أما وريتك …
•••••••
“صباحـًا في مطار باريس ”
لمست قدمي حياة أرض المطار بعد رحلة طويلة قضتها بمفردها سارحة لا تتحدث معه إلا قليلًا ، وبناته الاتي اهلكهن التعب فناما ..
اتجهوا جميعًا إلى السيارة الفارهة التي تنتظرهم ويقف أمامها يسري الذي أمره بأخذ البنات إلى الفندق وسيلحق بهم ، وقفت حياة معترضة :
-ماينفعش يقعدوا لوحدهم فالفندق .. !!
-حياة يسري معاهم وبعدين هما هيناموا ..
رفضت قطعًا :
-ماينفعش .. يناموا في العربية، وبعدين أحنا هنروح فين ؟!
أغمض جفونه مُلبيًا لطلبهـا وصعدوا جميعًا السيارة واتجهوا نحو ما يقصده ، بعد مرور ساعـة صفت السيارة أمام السفارة المصـرية فطلب منها :
-انزلي ..
ثم وجهه كلامه ليسري :
-خلي بالك من البنات ، ولا أقولك روح فطرهم في أي مكان قريب من هنا ..
-اللي تأمر بيه معاليك ..
هبطت حياة من السيارة وانتظرته حتى وقف أمامها صامتًا للحظات ، فأشار برأسـه :
-يلا …
-يلا فين ؟! أحنا هنا ليه !!
-عشان اتجوز رسيـل المصـري ..
وقوع الخبر على آذانها ‏أشبهُ بإبتلاع كمية من الصخور على معدة فارِغة ، تفوهت بدهشـة :
-أنت بتحطني قُدام الأمر الواقع !! فاكر كده هتلوي دراعي !!
-حياة افهميني ، ده مش وقت لأي جدال ، أحنا داخلين حرب ، فلازم اضمن ربحها من كل الاتجاهات وأولهم أنك تبقي مراتي قانونًا ، لأنك شرعًا مراتي !
-وأن قُلت مش عايزة !
-هعارضك ، لأني شايف اللي أنتِ مش شايفاه .. وجوازنا باسم رسيل مش هيغير أي حاجة ما بينا، أحنا زي ما أحنا ومش مجبرة على حاجة ، ولما تُقفي على أرض صلبـة هيكون ليكي الاختيـار ، تكملي معايا أو لا .. هااه قُلتِ أيه ؟
•••••••
ركضت نوران كاللصوص مستغلة نوم أغلب الموجودين في القصر لتلقي بكريم وتنفذ ما اتفاقا عليـه الاثنين ، ما أن قابلته وهي تأخذ أنفاسها بصوت مرتفع ؛ قال كريم ممازحًا :
-اتجمدت بسببك ، لما أخد دور بردّ دلوقتي مين هياخده باله مني ..
رد بعفـوية :
-أمك ..
ضحك كريم بصوت مرتفع على تلقائيتها ولسانها الحاد :
-عنيـ.فة أوي أنتِ ..
أخرجت من جيبها منديلًا يحتوى على بقايا خصلات شعر عاليـة المتساقطـة ووضعته بيده وقالت :
-اللي اتفقنا عليـه أهو ..
-تمام ، وأنا هجيب عينـة من خالتي ..
تنهدت بمرارة :
-يارب يا كريم يطلع كل ده مش صح .. بجد عالية هتصعب عليا أوي ، هي مش مستحملة أي صدمات تانيـة ..
-ربنا يستر يا نوران ..
ثم غمز بطرف عينه ممازحًا :
-بس جو المفتش كرومبو ده هياخد منك حتة !!
ضحكت بسخرية :
-ومنك أنت كمان يا لذيذ ..
••••••
خرج عاصي بصُحبـة حياة بعد ما أتم زواجهم قانونيـًا ، كانت خطواتها هادئة ومترددة ، عكس خطواته السريعـة التي تعرف مقصـدها جيدًا ، وقف لينتظرها تقترب منه وسألها :
-أنتِ تعبانة !
-لالا ، أنا تمام ..
حاول أن يمازحها كي تخرج من دوامتها وشرودها :
-كده أقدر أقول لك مبروك عليكي أنا !!
رمقتـه بتعجب فأكمل :
-أومال !! بقيتِ مراة عاصي دويدار رسمي .. أنتِ كنتي تحلمي!!
ردت بخفوت :
-طيب !!
اقترب منها ورفع وجهها إليه حتى تلاقت أعينهم :
-بس لو جينـا للحق ، مبروك عليـا أنتِ ، أنا اللي عمري ما كنت افكر إني أطولك حتى في أحلامي ، أنتِ عندي حاجة كبيرة أوي يا حياة ..
احتفظت بمشاعرها المتضاربة بجوفها وقالت :
-يلا نروح للبنات ..
-في مشوار الأول هنروحه ، بس لو مش مستعدة خلاص ..
-مشوار أيه ؟
-هتعرفي لما نروح ..
ثم مد كفه إليها وسألها :
-واثقـة فيـا !!
منحته الموافقـة بعيونها وهي تضع يدها بيده ، سحبها برفق ثم صعد السيارة التي كانت في انتظارهم بالخارج وانصرف الثنائي …
وصلوا إلى ميناء للسفن فطلب منها أن تدلف من السيارة فسألتها بتوجس :
-أحنا هنا بنعمل أيه ؟!
ساعدها في الهبوط من السيارة وادناها منه قائلًا :
-متقلقيش ، مش جايين هنا نقضي شهر العسل ، لان وقتها هيكون مفاجأة تليق بيكي ..
ركض الخوف بعيونها :
-عاصي !!
قبض على كفها بقوة :
-مش وثقتي فيـا خلاص .. يلا تعالى ..
صعد الثنائي ” اللانش ” الصغير الذي شقت سرعته الماء حتى وصلا إلى مركبـة كبيرة ” ياخت ” ، قفز عاصي على ظهرها ثم أمسك بيدها ليساعدها :
-تعالى ..
وقفت بجواره :
-طيب فهمني .. أحنا هنـا بنعمل أيه ، وبعدين أنا قلقانة على البنات أوي ..
وقف أمامها ليبث بصدرها وميض الاطمئنان :
-أحنا هنا عشان أرجع لك حق يا حياة ، حقك اللي اتاخد منك غدر .. مش هينفع تكوني مراتي وأسيب اللي جرحك يتنفس على وش الأرض ..
أغرورقت عينيها بالدموع :
-أي حق !!
أشار عاصي لرجاله كي يأتون بقاسم المُكبل ، وما أن استدارت لتقف أمامه تفوهت بصـدمـة :
-أنتَ !!!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوى بعصيانه قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى