روايات

رواية غوثهم الفصل العاشر 10 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل العاشر 10 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الجزء العاشر

رواية غوثهم البارت العاشر

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة العاشرة

“الفصل العاشر”
“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“يــا صـبـر أيـوب”
_____________________
أسلمت وجهي للذي أحياني
فهو الذي من طينةٍ سواني
سبحانه الله العظيم لنوره
برسالة القرآن فهو هداني
فلذاته خشع الوجود جميعه
وإليه يرجع سائر الأكوانِ
_محمد عمران
_____________________
فُرضت عليَّ شتىٰ الحروب لكنني مرءٌ كريمٌ اتمتع بحسن الخصالِ، وقفت في ساحة المعارك لأجلكِ برغم كوني زاهدًا عفيفًا عن النزالِ، فلو كان الزمان صالحًا لأتيت حيث مكانكِ وأنفقتُ لأجلكِ دمي ومالي، لكن السُـبل بيننا تفرقت وكأن لقاءنا بقي فقط في خيالي، فـ آهِ لو طاب لنا الزمانِ ورفقت الدنيا بقلبي وحالي.
_توجه “يوسف” لسطح البيت المزود بالزروع والورود فوجدها تجلس في انتظاره على الأريكة المتوسطة للسطح وما إن رأته يقترب منها ابتسمت له ثم نطقت بفخرٍ:
_جيبتلك عصير أنا اللي عملاه بنفسي، أنا كدا بضحي رسمي علشانك أهو.
ابتسم لها ثم سحب مقعدًا يجلس عليه مقابلًا لها وهو يسألها بثباتٍ:
_أنتِ نسيتي أني مباكلش ولا أشرب هنا ؟؟
رد عليه بتأكيدٍ تُصحح له الأمور:
_بس من أيدهم هما مش أيدي أنا، متكبرش الموضوع.
مال بجسده للأمام يُشبك كفيه ببعضهما وهو يقول:
_لأ اكبره، لما يذلوني على حقي وبعدها حد منهم يقولي أنا صرفت عليك ولا اديتك حتى تعريفة، دي ممكن تقتلني، وأنا عِزة نفسي عندي بالدنيا كلها، بعدين من ساعة حوار السم بتاع الأكل دا وخلاص أنا بخاف.
لفت نظرها بحديثه فسألته باهتمامٍ:
_سم إيه ؟؟ مش ساعتها كنت صغير وقالوا إن دا مبيد الحشرات وصل لأكلك غصب عنهم؟؟ ساعتها “فيصل” قال كدا أنهم كانوا راشين اليوم دا، دا اللي عرفته يعني.
ابتسم بسخريةٍ وهو يُصحح ما تفوهت به:
_هما قالولوا يقول كدا، إنما الحقيقة غير كدا، “سامي” الكلب هو اللي حطهولي في الأكل بالقصد، بس خليه أنا بفوقله أهو.
حركت رأسها موافقةً فتبدلت ملامحه إلى الخبث وهو يسألها:
_بس إيه قلبك مات خلاص؟؟ بقيتي بتكلميني هنا عادي؟؟
حركت كتفيها وهي تقول بتعالٍ:
_عادي، إبن أخو جوزي وبتكلم معاه، فيها حاجة؟؟
حرك رأسه نفيًا وهو يوأد ضحكته وقد ظهرت التسلية على ملامحه لتضيف هي موضحةً:
_أنا لما جيت هنا من خمس سنين، كنت مستغربة معاملتهم ليك، وبصراحة كنت بكرهك زيي زيهم، بس لما ساعدتني في مشكلتي، عرفت إنك أصيل، وساعتها قولتلي أنا معنديش مشكلة معاكي، مشكلتي مع جوزك، ومش هاخد حقي من ست، أنا ساعتها احترمتك أوي وبقيت عاوزة أساعدك خصوصًا إنك مقولتش لحد على الموضوع دا، بعدها اللي حصل معاك و “شهد” وموضوعكم اللي باظ حسسني إنك اتظلمت أكتر، علشان كدا قولتهالك صراحةً خلينا صحاب أحسن، وأضمن ولائي ليك هنا، وأنا لا يمكن أبيعك أبدًا، علشان دا مش طبعي.
حرك رأسه موافقًا وهو يرى الصدق مُتقطرًا من حروفها، ثم أخرج سيجارةً يُشعلها وسألها باهتمامٍ:
_المهم عاملة إيه؟؟ لسه حد منهم بيضايقك؟؟
حركت رأسها نفيًا ثم جاوبته مبتسمة:
_لأ خلاص، بعد اللي عملته معاهم ساعتها و وقوفك ليهم، نسيوا كل حاجة، بس دا حقي والله ودي شقتي، هي أختي بس اللي مفيش في قلبها رحمة علشان كدا كانت عاوزة ترميني في الشارع عيني عينك كدا.
اعتدل واقفًا وهو يقول بسخريةٍ:
_الورث والفلوس جننوا الناس، بقى كل غرضهم يعضوا في بعض علشان الورث، أختك دي جبروت هي وجوزها، عارفة إن ملكيش مكان تاني وإن دا حقك وعاوزة تطردك منه، تقولك ماهي متجوزة.
قلد طريفة شقيقتها في الحديث بطريقةٍ مائعة جعلتها تضحك بصوتٍ عالٍ فيما استمر هو مقلدًا بقوله:
_وترجع تتمسكن وتقولك هو أنا يعني همنعها من بيتها ؟؟ ليه قلبي جاحد ؟؟ دي قلبها حجر مش عارف عيشتي معاها ازاي دي.؟؟.
تنهدت مُطولًا بحزنٍ ثم أضافت مُستطردة:
_زي ما أنتَ استحملت وعيشت معاهم هنا، مكانش ليا مكان تاني أروحه غير أني استحمل عمايلها هي وجوزها، بس لما عرفت أنها هتبيع البيت اللي باقيلي اتجننت علشان كدا طلبت المساعدة من أي حد، وعلى حظي كان أنتَ.
حرك رأسه موافقًا ثم اقترب يمسك كوب العصير يرتشف منها مما جعلها تبتسم وهي تسأله ممازحةً له:
_أهو شربت يعني في الأخر ؟؟
رد عليها بلطفٍ مُردفًا:
_أكيد مش هكسفك يعني وأنتِ عملاه علشاني، غير كدا أنا عطشان فعلًا وجعان ونازل آكل برة وألف شوية بالعجلة، عاوزة حاجة ؟؟
حركت رأسها نفيًا ثم نطقت بودٍ:
_لأ، بس خلي بالك من نفسك، وأنا لو عرفت أي حاجة جديدة هعرفك، خصوصًا عن حبيبك ابن الغالية.
كرر موضحًا حديثها بقوله:
_ابن الرقاصة ؟؟ أكيد هيقع تحت أيدي هو وابنه.
بعد حديثه ارتسم الخبث على وجهها وهي تسأله:
_ومرات ابنه ؟؟ هتسيبها !!
انبته لها فزوى ما بين حاجبيه لتضيف هي:
_”شهد” !! مش ناوي تاخد حقك على اللي عملته؟؟
ابتسم بسخريةٍ يستخف من حديثها، ثم أضاف بنبرةٍ رخيمة:
_هي مش في دماغي أصلًا، بعدين كفاية أوي أنها مرات “نادر” أظن دا عقاب كبير أوي مفيش حد يتحمله، بصراحة هي برة حسبتي من كل حاجة، هي افتكرتني فرصة ضايعة، بس نسيت أني فرصة العُمر.
ضحكت “مادلين” وهي تقول بحماسٍ:
_نفسي أشوف شكلها لما تدخل علينا كدا بحبيبتك، أصل بصراحة أنا مبحبهاش، بحسها طماعة وسلبية، مكانتش لايقة عليك خالص.
حرك رأسه موافقًا ثم قال بسخريةٍ:
_متحطيش أمل أوي في موضوع أني أحب تاني دا علشان قفلت الباب دا من زمان، اللي زيي ملهوش في الحوارات دي، بايخة ومملة، مظنش أني اتهطل و أعمل كدا تاني.
وضعت قدمًا فوق الأخرىٰ تنطق بثباتٍ:
_ أبقى فكرني اجيبلك هدية بمناسبة إنك اتهطلت، أصل أنا واثقة إنك مش هتاخد وقت لحد ما تلاقيها، وهتقول “مادلين” قالت.
_هنشوف، بس خليكِ فاكرة أني قاطع مع نفسي عهد، واتقل حاجة بتمر على القلوب هي الوفاء بالعهد.
التفت من أمامها بخطىٰ ثابتة بعدما رد عليها بذلك الحديث فيما نظرت في أثره هي بشفقةٍ حاولت قدر الإمكان التحكم فيها، ثم نطقت بقلة حيلة:
_ربنا يعوضك بالخير.
_________________________
في شقة “غالية” شقيقة “فضل”
دلفها بخطواتٍ واسعة بعد مقابلته مع ذلك الوغد الذي تجرأ على ابنة شقيقته وعلى الرغم من ثقته بها، إلا أن الشيطان عصف بذهنه وخيالاته، وظلت الأسئلة تتراوح في عقله روحةً وجيئة وفي كل مرةٍ يقف عقله عند نقطة جديدة من منعطف أفكاره تجعله عاجزًا عن استكمال التفكير، رفع صوته ما إن وطأت قدماه الشقة باسم “قمر” التي خرجت له من غرفتها بتعجبٍ فوجدته يقترب منها يحاول النطق بثباتٍ قبل أن ينهال لرجولته المهدورة على يد “علاء” بحديثه عن أخلاق “قمر”:
_إيه اللي بينك وبين ابن “عبدالقادر العطار” يخليكي تقابليه وتروحيله شارع المعز ؟؟ ومش عاوز كدب ولف ودوران.
خرجت “غالية” من غرفتها على صوت شقيقها تسأله بقلقٍ من فرط انفعاله الذي بدا واضحًا من خلال تنفسه وصدره الذي يعلو ويهبط وكأنه في سباقٍ، فيما ألجمت الصدمة لسان “قمر” ولم تقو على التحدث فيما اقتربت منه شقيقته تقف حائلًا بينهما وهي تقول:
_حصل إيه بس يا “فضل” ؟؟ خير يا أخويا ؟؟
ضغط على ذراع “قمر” يحركها في يده وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
_انطقي متسكتيش كدا !! فيه إيه بينك وبينه و”علاء” عرف منين باللي حصل ؟؟.
نزلت دموعها على الفور وهي تتحدث بنبرةٍ باكية بعدما صدمها الخوف كما الصفعة تنزل على صفحة وجهها بدون إنذار:
_والله مافيه بيني وبينه أي حاجة….ودي كانت أول مرة أروحله فيها لحد هناك والله.
سألها بغير تصديق بعد حديثها الذي أكد ما تفوه به الأخر ولأخر لحظةٍ تمنى أن تكون أوهام:
_يعني روحتيله لحد هناك ؟؟ يعني “علاء” مكدبش !!
دلفت “أسماء” في تلك اللحظة على الأصوات العالية وهي تسأله بلهفةٍ قلقة بعدما رأت وضع الفتاة وهو يمسكها بيده و “غالية” تقف بصدمةٍ لم تبدي أي رد فعل:
_فيه إيه يا “فضل” ؟؟ صوتك عالي ليه وماسك البت كدا ليه ؟؟ سيبها ورد عليا!!
التفت لها يقول منفعلًا بنبرةٍ عالية:
_الهانم راحت شارع المعز لابن “عبدالقادر العطار” ومش بس كدا، لأ كمان خليته يروح يهدد “علاء”، مخبية إيه تاني يا “قمر” ؟؟ ها ؟؟ فيه إيه تاني عنك معرفهوش؟؟
ازداد بكاؤها، فيما اندفعت “أسماء” بجم غضبها وهي تنطق من بين أسنانها:
_لو فاكر إنها عملت حاجة غلط تبقى غلطان، ولو كلام عيل خايب زي دا هيخليك تصدقه وتشك في بنتك اللي مربيها يبقى فوق لنفسك يا “فضل” علشان مش هسحملك.
صرخ في وجهها منفعلًا بغضبٍ عارمٍ سكن ثنايا الروح بأدق ذراتها الصغيرة:
_ أومـــال إيــــه ؟؟ عرف منين الزفت دا !! وهي بنفسها قالت إنها كانت أول مرة تروحله، راحـــت لــيه !!
صرخت “أسماء” هي الأخرى وقد ارتفع صوتها قائلةً:
_أنا اللي خليتها تروحله، ودي كانت أول مرة تتكلم معاه أصلًا ويحصل بينهم كلام في أي موضوع، لو مش مصدق روحله اسأله مش هو برضه ابن صاحبك ؟؟.
تهكمت في حديثها بينما هو ترك “قمر” ثم عاد لباب الشقة باندفاعٍ دون أن يتفوه بكلمةٍ واحدة، فيما ارتمت “قمر” على زوجة خالها تتشبث بها وهي تبكي بصوتٍ عالٍ وعلا صوت نحيبها، لتربت الأخرى عليها حتى تحدثت “غالية” بحيرةٍ وصوتٍ باكٍ:
_أنا مش فاهمة حاجة، “فضل” ماله بـ “قمر” ومين والحج “عبدالقادر” ماله هو وابنه بينا ؟؟ فهموني متسكتوش كدا!!
نظرت لها “أسماء” بقلة حيلة وكأنها غُلبت على أمرها وما في يدها حيلة لذا تبدلت نظرتها إلى الأسىٰ على تلك المسكينة التي عصفت بها الظروف كما تُدهس ورقة شجرة في الخريف الذي وأد روحها الخضراء وأحياها بأخرى ذابلة.
____________________
في منطقة نزلة السمان.
كان الأخير يجلس مرتعدًا على الأرض مُكبل الأطراف بحبالٍ خشنة تحديدًا تلك التي يُعقد بها الخيل القديم، فيما وقف “إيهاب” أمامه يرمقه بسهامٍ قاتلة اخترقت ثباته الكاذب ليزدرد لُعابه بخوفٍ، فجلس “إيهاب” على إحدى رُكبتيه يهدر من بين أسنانه بغضبٍ مشحونٍ بصدره لو أخرجه؛ لمات الأخر قتيلًا في الحال:
_مش هاين عليا أموتك كدا بالساهل، عاوزلك موتة تانية تشفي غليلي منك، عاوزك تتعذب شوية شوية وأنا اتكيف، أربع سنين من عمري ضاعوا بسببك ومرضيتش أجيب سيرتك علشان اعرف أخد حقي منك، كنت هموتها بسببك بايدي دي، ودي أكتر حاجة وجعاني، بس بشوقك يا “فتحي” برضه بقت مراتي في الأخر وكلها شهور وتبقى أم عيالي كمان، واللي عيشت عمرك كله هتموت عليه، أنا خدته بالرضا كمان، قلبها ليا أنا.
ظهر الغِل في نظرات الأخر فرفع قدميه بحركةٍ مُباغتة يضربه دون تحديد وجهةً مُعينة، فصدمه في عضلات صدره و تلطخ قميصه الأبيض بأثر قدميه، وبدلًا من أن يسقط “إيهاب” تماسك محله أكثر ثم سحب الأخر من تلابيبه يقول بنفاذ صبرٍ:
_طب وشرف أمي أنا هوريك مقامك كويس..”دوشــــة” !!
رفع صوته عاليًا ينادي ذاك الصبي الذي يعمل معهم ليركض له بلهفةٍ وهو يقول بأنفاسٍ لاهثة من فرط الحركة:
_اؤمرني يا عمهم.
هدر بصوتٍ عالٍ ولازالت عيناه مُثبتةً على الأخر:
_الواد دا ميتفكش خالص، يفضل مربوط كدا يتفك بس عند الأكل ولو عاوز يدخل يعمل زي الناس يبقى معاه اتنين ملازمينه ويرجعوه تاني ولو كَتر يترمي في أوضة الخيول الجامحة، أهو يعلموا بعض الأدب.
حرك الصبي رأسه موافقًا فيما ابتسم “إيهاب” وهو يقول بخبثٍ:
_لامؤاخذة بقى أنتَ ضيفنا وإكرام الضيف واجب عندنا.
اعتدل “إيهاب” واقفًا فتحدث “فتحي” بحقدٍ وغلٍ أظهرته عيناه:
_طب ولما أنا ضيفك وإكرامي واجب، مكرمتنيش ليه أول مرة جيت هنا أخد حقي فيها ؟؟ خدته أنتَ ليه ؟؟
أخفض “إيهاب” نفسه له يهمس في أذنه بقوله:
_علشان كنت ضيف لئيم، ملكش كرم ضيافة عندنا، جاي تتلاوع عليا، وبعدين ساعتها هي اللي اختارت قدام الكل، وقالت إن الحج “نَـعيم” بنفسه أبوها، يبقى برة عني بقى، من رأيي تلم نفسك قبل ما تتكل وخليك فاكر الجملة دي كويس.
توقف عن الحديث ثم رفع سبابته يشير على رأس الأخر متكئًا على أحرف كلماته:
_فانية وهتروح منها في ثانية.
ازدرد “فتحي” لُعابه فتحرك “إيهاب” للخارج ثم أوصد الباب عليه ورفع صوته من الخارج وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة مُتشفيًا به:
_اتحكم عليا بـ 15 سنة سجن، قضيت منهم 4 يبقى فاضل 11 سنة، هتقضيهم أنتَ هنا وكدا نبقى خالصين.
تحرك “إيهاب” للخارج تاركًا الأخر خلفه مُتحسرًا يفكر في الانتقام لنفسه وكرامته المهدورة لكنه ابتسم بخبثٍ حينما تذكر اقتراب الموعد الذي سبق وبلغ به رجاله.
وصل “إيهاب” للفناء المحاوط للبيت بضيقٍ من تلك المقابلة وتعجب من نفسه كيف تحمل كل هذا وتركه دون أن يفتك به ويثأر لنفسه قبلها هي، وعلى ذكرها يبدو أنها أبت الرحيل حتى من ذكرياته فوجدها تقف أمام أحد الخيول الصغيرة أبيض اللون وهي تُربت على خصلاته البيضاء اللامعة فتذكر هيئتها القديمة تحديدًا في ذلك اليوم الذي أعلن نفسه حاميًا لها.
(منذ عدة سنوات)
كانت تقف “سمارة” مع مُهرة صغيرة الحجم بدت لتوها في التحرك بحريةٍ لتعداد على الحركة هنا، وقد لاحظ “إيهاب” اندماجها معها وكأنها طفلة صغيرة تكتشف عالمًا جديدًا عليها كُليًا، وجدها تلمس على خصلات المُهرة وتحدثت بتلقائيةٍ تقول:
_هو بيسرح شعرك دا إزاي ؟؟ شوف الحظوظ !! لاقية اللي يسرحلك وأنا محدش عبرني من يومي وقالي شعرك حلو حتى، دنيا إيه دي ياختي اللي تخليني ابص لمهرة في رزقها؟؟
ابتسم “إيهاب” في الخلف بيأسٍ من طريقتها وحديثها فاقترب منه “إسماعيل” يقول بنبرةٍ خافتة:
_”إيهاب” قرايب “سمارة” برة عند الحج وعاوزين ياخدوها، عمها هنا مع الجدع اللي شوفناه معاها.
سقط قلبه من موضعه عند ذكر رحيلها من هنا دون أن يدري سببًا لهذا، لكنه فسر هذا بخوفه عليها، لذا تحرك نحو الداخل في غرفة الجلوس فقال “نَـعيم” بثباتٍ أمام الرجال:
_دا “إيهاب” يعتبر ابني الكبير و دا أخوه “إسماعيل” ابني الصغير هما دول الرجالة اللي قاصدينهم ؟؟
تحدث عمها بحيرةٍ:
_معرفهمش أنا، اللي عارفهم “فتحي”، بس يا حج أكيد أنتَ فاهم في الأصول، مينفعش بنتنا تبقى في مكان غريب فيه رجالة هنا، علشان كدا هترجع معانا و “فتحي” هيكتب عليها.
أظلمت نظرات “إيهاب” بشرٍ لاحظه “نَـعيم” عندما يخص الموضوع أحبته، لذا قال بنبرةٍ هادئة:
_هي بتشتغل هنا ويعلم ربنا إنها زي بنتي تمام، بقالها هنا شهرين أهو مشوفتش منها حاجة وحشة، بت بمية راجل في بعض، وهي هنا في الحفظ والصون.
تحدث “فتحي” بلهفةٍ مستغلًا إذعان “نَعـيم” لهما:
_يا حج الراجل المحترم دا ساعتها قالي على مكانك ولما ابقى جاهز أجي اخدها وأنا جهزت وجيت أهو أخدها.
تحدث “نَـعيم” بوقارٍ يقدر حديث الأخر:
_عين العقل يابني، روح يا “إيهاب” هاتها لأهلها.
نظر له “إيهاب” بنظراتٍ خاوية وكأن الحديث لم يمر على عقله، فتحدث “نَـعيم” من جديد بنبرةٍ جامدة:
_روح يا “إيهاب” هاتها بقولك.
لم يقو معارضته خاصةً أمام الرجال، مهما حدث منه يبقى احترامه لـ “نَـعيم” أمرًا محتومًا ولو وضِع السيف على عنقه، لذا التفت دون أن ينبس حتى بكلمةٍ لكن الوضع بأكمله آثار حفيظتها حنقه وأشعل غيظه بدون سببٍ ولا تفسيرٍ، اقترب من مكان وقوفها سابقًا فوجده خاويًا منها، لذا توجه نحو المطبخ على الفور ينطق بنبرةٍ جامدة:
_سلام عليكم، “سمارة” تعالي الحج عاوزك.
انتبهت “تحية” له لذا سألته بتعجبٍ:
_الحج عاوزها ؟؟ عاوزها ليه خير كفا الله الشر.
رد بمنتهى الثبات وكأنه يُجبر عقله على تقبل تلك الحقيقة:
_أهلها وصلوا برة وعاوزين ياخدوها.
اتسعت عيناها بهلعٍ وسقط قلبها من الخوف وتزايدت ضرباته عن السابق وبات الحديث مفقودًا من طرف لسانها فيما قالت “تحية” باستنكارٍ:
_أهلها !! وهو الحج هيديها ليهم بعد اللي قالته؟؟
زفر بضجرٍ ثم رفع صوته يقول بانفعالٍ:
_أنا مالي بقى ؟؟ هما هنا وهي لازم تمشي علشان قعدتها كدا متنفعش، مش هنكتر كتير في الكلام بقى !!
اقتربت منه “سمارة” ببكاءٍ تتوسله وهي تقول:
_ابوس رجلك لأ، أعمل أي حاجة بس مروحش معاهم، احبسني هنا وقولهم هربت، بس بلاش ترميني ليهم.
نظر لها بقلة حيلة وشفقةٍ فوجدها تحاول تقبيل كفه لكي يقبل بتواجدها هنا وحينما سحب كفها قالت بنفس البكاء تهزي بكلماتٍ غير مفهومة:
_أبوس إيدك، أقولك هفضل هنا خدامة طول عمري إن شاء الله حتى اكنس الصحرا دي كل يوم وانضف تحت الخيول بس متردنيش ليهم تاني، والله ما هزعل حد منكم تاني.
تحدثت “تحية” تشفق على تلك المسكينة:
_لا حول ولا قوة إلا بالله، يابنتي دول أهلك.
ردت عليها بنبرةٍ أقرب للصراخ:
_هيموتوني، عمي دا لو شرب سيجارة من زفت الطين هينساني أصلًا والتاني هيموتني علشان سيبته ومشيت، لو اتجوزني أمه هتموتني وهو كمان.
اقتربت “تحية” منها تحتضنها فيما انتفخت أوداج “إيهاب” وبات قراره محسومًا بدون رجعةْ أو جدالٍ لذا سحبها من كفها نحو الداخل وأظلمت نظراته ليصبح الشر مُتجسدًا في نظراته وهي تبكي خلفه كما تُساق البهائم، بينما هو قبل أن يلج للغرفةِ التفت لها يقول بنبرةٍ قوية غَلِظة:
_اللي هتسمعيه جوة لو عارضتي فيه أنا بنفسي هسلمك ليهم، مفهوم ؟؟ اللهم بلغت.
حركت رأسها موافقةً وهي تبكي، فدلف هو للداخل عند الرجال وهي معه فنطق هو بثباتٍ وكفه يقبض على رسغها:
_”سمارة” أهيه بس مش هتروح معاكم، بقت ملزومة مني وأنا طلبت ايدها من الحج وبقى بينا فاتحة، وانا عند قراية الفاتحة عهد، ميرجعش فيه غير العيل، وهي بنفسها قصادكم تأكد اللي قولته.
نظر لها لكي تتحدث فمسحت دموعها ثم قالت بصوتٍ مختنقٍ من فرط البكاء:
_حصل، وأنا موافقة ومش هرجع وأسيبه، والحج “نَـعيم” بقى زي أبويا تمام وأنا مش هقدر أسيبه غير لو هو طردني.
لاحظ “نَـعيم” توريطهما له ورمي الكُرة في ملعبه ليركلها هو في الهدف الصائب من وجهة نظره، لذا قال بثباتٍ بعدما رآى تمسك “إيهاب” بها و ثقتها بها وهي تشدد قبضتها على كفه:
_أنا قولت تسمعوا بنفسكم، هي خلاص بقت دلوقتي خطيبة “إيهاب” وهو اللي هيقرر لكن أنا معنديش حاجة أقولها تاني غير أنها بنتي وهتبقى مرات ابني.
اندفع “فتحي” يُهلل بصراخٍ وكلمات نابية سوقية تعبر عن سخطه حتى اندفع “إسماعيل” يهدده بقوله:
_احترم نفسك يا جدع أنتَ !! أعرف أنتَ بتتكلم مع مين في بيت مين بدل ما نربيك إحنا.
وقف عمها يقول بلامبالاةٍ:
_يعني يا حج كدا بقيت ملزوم منها ؟؟ مش هتجيبلي مشاكل تاني ؟؟ دي بت زي أبوها غاوية مشاكل و هم.
تحدث “عبدالقادر” مُقررًا بقوله:
_آه….بقت ملزومة مني، وأنا بطلبها منك رسمي أهو.
وافق عمها على الفور يُخلي مسئوليته وينزع يديه عنها ويزيح مسئوليتها عن كاهله فيما استشاط “فتحي” غضبًا وتقدم منها يحاول الإمساك بها فقبض “إيهاب” على عنقه ينطق من بين أسنانه:
_لتاني مرة هقولك فكر تقرب منها يا دكر!! متخليش شيطانك يوزك علشان مش هحِلك، فاهم يا حيلتها!!.
تقدم عمها يسحبه من أمام “إيهاب” متقهقرًا بعدما لاحظ قوتهم في أرضهم مما دلَّ على حتمية إخضاعهما لهم، لذا بذل مجهودًا وصل لذروته حتى سحب الأخر ورحل به وهو يرمقهما بغيظٍ، حتى زال أثرهما من الغُرفة فوقف “نَـعيم” ينطق بجمودٍ:
_لعب العيال اللي حصل دا مش هيتكرر تاني.
تحدث “إيهاب” بلهفةٍ يلحق ما يمكن إلحاقه بسبب تهوره:
_بس أنا قولت الحق، أنا بطلبها منك وهتبقى ملزومة مني وفي حمايتي ولحد أخر يوم في عمري، وكلامي دا يشهد عليه ربنا، “سمارة” ملزومة مني ولو حد فكر يقرب منها أنا هشيل روحه من جسمه وابعتها للي خلقها.
شخصت ببصرها نحوه ونزلت دموعها فترك هو يدها ثم التفت لها يقول بنبرةٍ جامدة:
_لو حد فكر بس يبصلك أنا هعمي عيونه، ومن الساعة دي أنتِ ملزومة من “إيهاب الموجي”.
(عودة لتلك اللحظة)
تنهد “إيهاب” مطولًا ثم سار بخطواتٍ ثابتة يقف خلفها وهي تمسد على ظهر المُهر وخصلاته فمرر بصره على خصلاتها السوداء المموجة كما الشعر الغجري فابتسم بحماسٍ ثم وقف خلفها مباشرةً ورفع كفيه يقوم بجمع خصلاتها للأعلى كما ذيل الحصان فابتسمت هي بسعادةٍ ليصلها صوته الرخيم قائلًا:
_بحبه مرفوع كدا زي ديل الحصان، بتبقي عاملة زي المُهرة الجامحة وعاوزة خيال يعرف يراوضك.
التفتت له برأسها وهي تقول بنبرةٍ ضاحكة:
_طب دي عيبة في حقك وأنتَ سيد الخيالين كلهم.
ضحك رغمًا عنه لها فسألته هي باهتمامٍ:
_مالك يا سي “إيهاب” حد زعلك ؟؟
حرك رأسه نفيًا وهتف بنبرةٍ هادئة على غير عادته:
_حد يقدر برضه يزعلني وأنتَ موجود يا عمنا ؟؟ المهم محدش يكون مزعلك أنتِ.
حركت رأسها نفيًا فقال هو بعدما فكر قليلًا:
_ادخلي غيري العباية دي علشان هنركب خيل سوا..
شهقت بفرحةٍ والتفتت تقول بعفويةٍ:
_بجد والنبي ؟؟ هتركب معايا خيل؟؟
حرك رأسه موافقًا وهو يبتسم لها فيما قبلت هي وجنته ثم تحركت من أمامه ركضًا نحو شقتها حتى تفعل كما طلب هو فيما وقف “إيهاب” ينظر في أثرها مُبتسم الوجه.
____________________
“في حارة العطار”
وصلها “فضل” وتحديدًا محل “أيوب” الذي وقف يسجل في دفتره الأدوات الموجودة والمنقوصة والشاغر محلها، فوصله صوتٌ خرجت نبرته جامدة:
_ممكن كلمتين على انفراد لو سمحت ؟؟
التفت “أيوب” بتعجبٍ وما إن أبصره تعرف عليه في الحال لذا نطق مُرحبًا بقوله:
_آه طبعًا، دا شرف ليا يا أستاذ “فضل”.
جلس “فضل” ومازال يرمقه بسخطٍ ونظرة ازدراءٍ لاحظها “أيوب” لكنه آثر تجاهلها حتى لا يُسيء الظنون بالأخر الذي نطق بنبرةٍ جامدة على عكس عادته:
_شوف يابني، أنتَ راجل محترم وطوب الأرض كله يشهد بأخلاقك ومحدش ممكن يصدق عليك كلمة وحشة تتقال في حقك، وسبحانه اللي مخليني أمسك نفسي بعد اللي عرفته، بس هسألك وتجاوبني بصراحة، إيه اللي بينك وبين “قمر” ؟؟ ومن غير لف ودوران ريحني بدل ما تخلي الشيطان يلعب في دماغي كدا.
تحدث “أيوب” بنبرةٍ هادئة بعدما استطاع رسم الثبات على ملامح وجهه:
_وحد الله و استعيذ بالله من الشيطان و وسوسته، وقبل أي حاجة بنت أخت حضرتك أشرف من الشرف نفسه، وأنا اللي فرضت نفسي عليها في محل مشكلتها، وهي من خوفها عليك وعلى إبنك كانت هتضيع نفسها، يعني تتشال فوق الراس ومن غير شك فيها.
لاحظ “فضل” تبدل محور حديثه لأخرٍ لم يفهم هويته أو جهاته لذا سأله مستنكرًا بقوله:
_مشكلتها !! مشكلة إيه ؟؟ وأنا وابني دخلنا إيه ؟؟
قرر “أيوب” العدول عن ذلك الطريق واتخاذ الصراحة سبيلًا للتحدث معه لعل المشاكل تخمد كما إخماد النيران بدلًا من تفاقم الأمور عن حدها الأقصى وتصبح حلولها مستحيلة، لذا قام بسرد الموقف منذ رؤيته لـ “علاء” وهو يهددها حتى اركبها وسيلة المواصلات بنفسه لتعود إلى البيت وعند هذه النقطة توقف عن السرد لسببٍ غير معلومٍ، لكنه تدراك الموقف سريعًا فأضاف متابعًا:
_أنا ساعتها طلبت منها تجيلي هناك علشان محدش يشوفها هنا ويتكلم خصوصًا أنهم عارفينك وعارفينا، وأكدلتها إنها لو مجاتش ممكن هو يتهور وفعلًا التاني قل أدبه جامد اوي، وممكن تروح تسأل الحج بنفسك هو عمل إيه و “بيشوي” كمان اتصرف ازاي في تليفونه، رغم إنها معملتش حاجة غلط بس هو شيطانه عرف إزاي يلعب عليه.
تنهد “فضل” مُطولًا بخزيٍ بسبب ما آل إليه تفكيره لذا بدت نظراته متأسفة للأخر على شكه به، فابتسم “أيوب” بتفهمٍ ونطق بنبرةٍ ودودة:
_بلاش النظرات دي وروح لبنت أختك هي أولى مني، وصدقني والله ربنا نجدها من واحد زي دا معدوم الأخلاق، بدليل إن بعد خروجه من هنا راحلك علشان يشوه صورتها.
تنهد “فضل” مطولًا بعمقٍ ثم نطق بقلة حيلة:
_دا أنا لسه كنت هروح أفرحها واقولها إن فيه عريس متقدملها وابن حلال يعتبر تربيتي، ألاقي الحيوان دا يقفل يومي كدا !!
انتبه “أيوب” لما تفوه به الأخر وكأن أذناه فقط التقتط هذه الكلمة تحديدًا فكررها مستنكرًا بتعجبٍ:
_عريس !! عريس لمين ؟؟
رد عليه “فضل” بنبرةٍ هادئة:
_عريس لـ “قمر” بنت أختي، أصلها نفسها في حد طيب ابن حلال يراعي ربنا فيها زي أبوها الله يرحمه من كتر ما كان بيحب أمها أوي، ومعلم “ربيع” بتاع الفراخ اللي جنب ورشتي فاتحني أنه عاوزها لابنه، بصراحة فرحت وقولت أنا اللي مربيه وأهو ابقى متطمن عليها، دي أمانة في رقبتي.
سأله “أيوب” بثباتٍ توارى خلفه حزنه:
_وهي الآنسة “قمر” موافقة عليه ؟؟
حرك كتفيه بقلة حيلة ثم نطق بمرحٍ:
_أنا هروح أصالحها وأقولها على موضوع العريس يمكن توافق وتفك شوية كدا، أنا زعلتها مني ودي عمرها ما حصلت أصلًا، وكنت هزعلك ودلوقتي أنا مديون ليك، ربنا يكرمك ويوقفلك ولاد الحلال زي ما وقفت لبناتي كدا، اللي زيك مش كتير، يحطوا نفسهم في مشاكل علشان غيرهم، بس دي مش جديدة على عيال “عبدالقادر العطار” ربنا يكرمك يابني، عاوز حاجة ؟؟
حرك “أيوب” رأسه نفيًا بعدما أجبر شفتيه على التَبسم فتحرك الأخر من أمامه وقد غرق “أيوب” في دوامة تفكيره هل بتلك السهولة انتهى تواجدها في حياته ؟؟ دونًا عن بقية الفتيات شغلته هي بهدوئها وردود أفعالها، موقفها مع ابنة خالها جعله يراها من منظورٍ أخر، احتلت تفكيره بدون إنذارٍ بعدما ظن نفسه عن سُـبل الهوىٰ عفيفًا زاهدًا، أتت بسهام عينيها ليصبح بها غارقًا بقدر ما بدا أمامها متماسكًا.
______________________
في محل “عبدالقادر”.
جلس وأمامه “بيشوي” و “أيهم” كلاهما يُملي عليه طلبات المخازن و الدفعات الجديدة من مواد البناء، حتى قاطع هو استرسال كليهما واضاف مُستفسرًا:
_قولي يا “بيشوي” عملت إيه مع “جابر” ؟؟
رد عليه بعدما تنهد بضجرٍ ويأسٍ:
_للأسف يا حج من ساعة أخر مرة وأنا مشوفتوش تاني وكدا أحسن علشان مغلطش فيه، بنته على عيني وراسي بس هو لو فكر يقل مني ومن رجولتي أنا هسكت، وهاخدها بالغصب أو بالرضا، بس أنا ساكت تقديرًا ليك.
حرك رأسه موافقًا مستحسنًا فعله، ثم نطق يوجه حديثه للأخر بقوله مُستفسرًا:
_وحضرتك ؟؟ عملت إيه مع “أماني”؟
حرك كتفيه ثم هتف ببساطةٍ:
_ورقتها وصلتها وكدا ملهاش علاقة بينا تاني حقها خدته تالت ومتلت مننا، تسيبني في حالي أنا وابني، يمكن أصلح الغلط اللي عملته في حقي وحق ابني دا.
حرك رأسه مومئًا ثم نطق بنبرةٍ خافتة:
_لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أتى “تَـيام” في تلك اللحظة يلقي عليهم التحية ثم سحب مقعدًا وجلس بجوار الشباب ومقابلًا لـ “عبدالقادر” وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_يا حج أنا خلصت كل حاجة وظبطت الدنيا كلها، تؤمرني بحاجة تانية قبل ما أجهز الدفاتر وأبدأ المراجعة ؟؟
رد عليه بنبرةٍ هادئة لكنها ممتنة له:
_كتر خيرك يا “تَـيام” اللي عملته كان كتير أوي وكفاية تعبك لحد كدا معانا، لو عاوز تروح ترتاح اتفضل.
تحدث “بيشوي” بخبثٍ بعدما حرك بؤبؤيه على أوجه البقية:
_ياحج بقولك صحيح، “أيمن” كان بيحاول يتواصل معانا علشان خاطر “آيات” هتديله فرصة ؟؟
حرك “تَـيام” رأسه نحوه بسرعةٍ كبرى فأضاف الأخر:
_من رأيي توافق، خصوصًا أنه عرف غلطته وأكيد فهم أنها كدا هتضيع منه وغيره يلحق ياخدها، بس قولت أسألك قبل ما أرميله كلمة ويمسك فيها، ها ؟؟
تحدث “أيهم” بجمودٍ يقول:
_بعد كل دا !! لأ طبعًا أختي مش شوية علشان واحد زي دا يفتكرها لعبة يروح وييجي عليها زي ماهو عاوز، أنا مش موافق وهي مش موافقة وبكرة ييجي واحد يحطها في عينه.
انتفض “تَـيام” بدون تعقل وهو يقول:
_حــج !! أنا بطلب منك إيد الآنسة “آيات”.
وأد “بيشوي” ضحكته الخبيثة هذه ورمقه “عبدالقادر” بعينين مُتسعتين، فيما نطق “أيهم” بنبرةٍ جامدة:
_نــعم !!.
نظر له “تَـيام” نظرةً عابرة وكأنه لم يعبأ به ثم ثبت عينيه على “عبدالقادر” يسأله بلهفةٍ:
_قولت إيه يا حج ؟؟ موافق عليا ؟؟
تحدث “عبدالقادر” بلهجةٍ يأمر الاثنين الأخريْن بقوله:
_ برة انتم الاتنين وسيبولي “تَـيام” لوحده.
تحرك الاثنان مع بعضهما بهيبةٍ تتافى مع طرده لهما، فيما أشار هو لـ “تَـيام” على المقعد حتى جلس الأخر بتوترٍ وكأنه كتِبَ عليه الموت المحتوم، فيما قال الأخر:
_عاوز تطلبها ليه ؟؟ شفقة ولا قولت أنا أولى؟؟
رد بلهفةٍ وكأنه برمج حديثه في عقله أو كأنه يُدلي بما في قرارة نفسه:
_عاوز أطلبها علشان متضيعش مني، علشان متغباش وأنا شايفها بتروح لحد غيري وأنا مكاني ساكت، لو أنا مش قد المقام بقولك أهو سيبني امشي أعتمد على نفسي لحد ما ارجع وأنا قادر أطلبها.
سأله “عبدالقادر” بسخريةٍ:
_وهو دا اللي هيخليني اوافق عليك لبنتي ؟؟ أنا لو هختار راجل يبقى اختار اللي يصونها ويراعي ربنا فيها، لو على الفلوس يا أهبل، أنا مسلمك كل حاجة فلوسي ومفاتيحي و ورقي، لكن واثق فيك، تفتكر أنا مش شايفك قد المقام ؟! بس أنتَ جبان ومقلل من نفسك، وأنا مش هسمح لبنتي تحس في يوم إنها أعلى من جوزها غير لما هو بنفسه يقدرها، مش يقف يتفرج وغيره بيتقدم ليها ويسكت ؟؟
تشوش عقل “تَـيام” وبدا غير مُدركًا لما وقع على سمعه لذا سأل بحيرةٍ وقد توقف عقله عن التفكير:
_يعني إيه يا حج ؟؟ أنا مش فاهم منك حاجة ؟؟
وأد “عبدالقادر” ضحكته وتصنع الجمود قائلًا:
_يعني ابقى كتر من الجاتوه بالشكولاتة علشان “آيات” بتحبها هي والواد “إياد” كمان.
انفرجت شفتاه ببسمةٍ بلهاء جعلت “عبدالقادر” يضحك رغمًا عنه وهو يضرب كفيه ببعضهما حتى تحرك نحوه “تَـيام” يقبل رأسه، فربت على كتفه ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_قبل ما أعشمك استنى مني الأول اسألها وأخد رأيها تمام؟؟
تلاشت بمسته في الحال وكأن عقله يقف بالمرصاد لما يعرقل راحته، فطمئنه “عبدالقادر” بقوله:
_متقلقش، أنا متفائل، متشغيلش بالك أنتَ.
______________________
وقفت “مهرائيل” أمام بوابة بيت “عبدالقادر” تتحدث في الهاتف مع شقيقتها وهي تقول بيأسٍ:
_حاضر يا “مارينا” هجيب اللي أنتِ عاوزاه بأمانة مش هنسى، ياستي خلاص متخافيش خارجة أهو رايحة أجيبه.
أغلقت مع شقيقتها فسألتها “آيات” بنبرةٍ ضاحكة:
_البت محبوسة بسببك وأنتِ مش عاوزة تعوضيها؟؟.
ابتسمت لها وهي تقول بسخريةٍ:
_ماهي هتفلسني بس مش مهم، يلا.
ركض لها “إياد” ومعه “ابانوب” و “كاترين” فتحدث الأول بلهفةٍ:
_هنيجي معاكي نجيب حاجة حلوة علشان بابا قال محدش يخرج من هنا لوحده، علشان خاطري يا “مُهرة”.
تنهدت بقلة حيلة ثم قالت:
_تعالوا بس هرجعكم هنا تاني.
تحدثت “آيات” للصغيرة تطلب منها:
_طب خليكي معايا يا “كاتي” بدل ما تسيبوني لوحدي
حركت رأسها موافقةً وهي تبتسم لها، فتحركت “مهرائيل” بالصغيرين فقط دون الفتاة التي توجهت نحو الحديقة مع “آيات” تجلس على الأرجوحة.
وقفت “مهرائيل” في محل البقالة الكبير تنتقي منه ما تريد لشقيقتها ولنفسها معها، فيما وقف الصغيران بعدما أختار كلٌ منهما مايريده فلفت نظر “إياد” والدته تقف بجوار إحدى فتيات المنطقة لذا ركض نحوها بدون تفكير وكأن شوقه لها تبخر فور رؤيتها، وقف خلفها يقول بلهفةٍ مُبتسمًا:
_مــامــا !!.
انتبهت لصوته فالتفتت له بشوقٍ أحجمته بدلًا من تركه يسوقها نحو صغيرها، فيما ركض هو واتخذ الخطوة الأولى يقف أمامها منتظرًا منها الآتي لعله عناقٌ يُطمئنه، وقبل أن تفعل ذلك وجدت شقيقها يمنعها ويقف حائلًا بينهما وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
_أنتِ اتخبلتي يابت في نفوخك ؟؟ ناسية يا عين أمك إنك مضيتي على ورقة إنك ملكيش دعوة بيه ؟؟.
رفعت عينيها المغرورقتين بالدموع وهي تقول بصوتٍ متهدجٍ:
_دا ابني يا “شكري”.
رد عليها بغلظةٍ دون رحمة بقلب ذلك الصغير:
_حفيد العطار يا عيون “شكري” يعني لو عرف بموتك.
التفت فور انتهاء حديثه لذلك الصغير يحدثه بقوله:
_روح يا حبيبي عند بابا، ماما مش هينفع تكلمك.
نزلت دموع “إياد” على الفور لم يتوقع أن مقابلته معها بتلك الصعوبة، لذا نكس رأسه للأسفل وتحرك نحو محل البقالة من جديد بحالٍ غير الحال، دموعه تسبقه في الخطوات وتشوشت رؤيته لاحظته “مهرائيل” فركضت نحوه بلهفةٍ تسأله:
_أنتَ روحت فين خضتني عليك، إيه دا ؟؟ أنتَ بتعيط؟؟
رفعت صوتها تستفسر منه حينما لاحظت بكاءه فحرك رأسه موافقًا وهو ينطق بحروفٍ مُتقطعة كما قلبه الذي أصبح أشلاءًا:
_ماما مرضيتش تسلم عليا وخالو قالي إنها مش بتكلمني.
اتسعت عيناها حتى مرحلة الجحوظ وبغضبٍ عارمٍ وبتصرفٍ أهوج أخذت الصغير من يده و معه “أبانوب” ثم ذهبت إليها تقول بنبرةٍ جامدة:
_هو أنتِ معندكيش رحمة خالص ؟؟ إبنك واقف قصادك مش هاين عليكي تحضنيه ؟؟ العيل دا يفهم إيه في الحسابات واللي بينكم ؟؟ مصعبش عليكي؟؟
تدخل “شكري” يقول بنبرةٍ جامدة:
_ملكيش دعوة أنتِ يا عروسة، خليكي في حالك.
نظرت له شزرًا تقلل منه بتقززٍ، فيما قالت “أماني” بثباتٍ:
_أبوه اللي طلب مني دا هو وجده، أني ماليش دعوة بيه.
رمقها “إياد” بغير تصديق فلازال عقله غير مُدركًا لكل ما يصير حوله حتى يمنع أمه أن تعانقه؟؟ ألم يكن هذا هو مكانه المفضل ؟؟ كيف يصبح كما الغريب عن وطنه ؟؟ اقتربت “مهرائيل” تقول من بين أسنانها:
_يعني أنتِ شايفة إن كلام أبوه وجده يمشي عليكي لدرجة تخليكي حتى متبينيش أنه طفل صغير وحشك ؟؟
حركت رأسها موافقةً واضافت بتأكيدٍ:
_آه…. أنا ماضية ورق بكدا.
رفعت “مهرائيل” كفها بدون تعقل تهبط على وجهها بصفعةٍ تطفيء نيرانها ونيران الصغير الذي أصبح قلبه مكلومًا على يد والدته، فيما صرخت “أماني” في وجهها بقولها:
_أنــتِ بتصربيني ؟؟ بتمدي إيدك عليا ؟؟ مش هسيبك.
اندفعت “أماني” تحاول إمساك خصلاتها فيما ركض أحد الصبية الصغار نحو محل “بيشوي” بخطواتٍ واسعة وكأنه يأخذ الواحدة في أربعةٍ مثلها، حتى وصل أخيرًا وتحدث بأنفاسٍ لاهثة:
_أستاذ “بيشوي” !! الآنسة “مهرائيل” بتتخانق مع الست “أماني” أم “إياد” في دَخلة السوق والليلة شكلها كبير أوي.
نظر كلاهما للأخر ثم ركضا بخطواتٍ واسعة نحو المكان الذي أخبرهما به الصبي وبالطبع هناك كارثة لا يمكن إلحاقها طالما الأمر طال الاثنتين.
______________________
كانت تجلس بشرودٍ ناظرةً أمامها منذ التقاءها به والخوف يُخيم عليها فاقتربت منها والدتها تجلس بجوارها وهي تسألها بلهفةٍ:
_مالك يا حبيبتي، روحتي شغلك ورجعتي بنفس الحال، حد زعلك تاني ؟! الكوابيس رجعتلك تاني طيب ؟؟
ردت عليها بقلة حيلة قائلةً:
_هي من إمتى مشيت يعني ؟؟ أنا بس مشغولة شوية.
حركت رأسها موافقةً ثم قالت بلهفةٍ:
_عاوزة أكلم الحج “عبدالقادر” أشكره هو وابنه على وقفته معانا، الزفت اللي اسمه “سعد” دا احترم نفسه خلاص من ساعة من اتهزء قدام الحارة كلها هنا.
عند ذكر اسمه أجفل جسدها ودب الرعب في أوصالها يذكرها بحديثه معها صباحًا لذا زاغت أبصارها تحاول التفكير في مهربٍ أخر غير “عبدالقادر” وأبنائه حتى لا تتسبب في أذية أيٍ منهم، فيكفيها ما فعله لأجلها ولأجل والدتها منذ أن لجأت له لكي يوفر لهما الحماية.
تلك الفتاة البائسة التي تقع المصائب على رأسها جُملةً وليس فُرادة لتخرج من مأزقٍ تنحدر في أخرٍ وكأن بينها وبين الحزن عهد، ألا يترك أحدهما الأخر أو يهوى الرحيل.
_______________________
خرج “يوسف” بدراجته الهوائية من البيت يدور بها في الشوارع كعادته طوال فترة جلوسه في تلك المنطقة، وقد تناول الطعام وجلب ما يكفيه لقضاء تلك الليلة في بيته دون حاجةٍ إليهم.
اقترب من الشارع الذي يسكن فيه بدراجته فأوشك على التصادم بدراجته في دراجةٍ أخرى علم صاحبتها على الفور من صوت ضحكتها فرفع حاجبه ينطق بتهكمٍ:
_دا أنتِ قاصدة بقى !! من يومك غاوية الحركة دي.
هتفت “رهف” بحماسٍ وهي تضحك:
_بصراحة آه، لمحتك جاي من الشارع التاني علشان كدا قولت أصد الطريق عليك، مش هكدب يعني.
حرك رأسه موافقًا ثم سألها بتعجبٍ:
_بس غريبة إنك نزلتي تاني، قولت هتاخدي وقت تاني لحد ما تفوقي، أو قولت هتنزلي شغلك تاني اللي وقفتيه دا.
تنهدت بضجرٍ ثم قالت بقلة حيلة:
_كل الحكاية بس أني بحاول ارجع واحدة واحدة لحياتي تاني وأسد فراغ “حمزة” بحاول أرجع للحاجات اللي كنت بحبها يمكن شغفي يتجدد تاني، بس أهو نقول إيه؟؟
اتسعت ابتسامته وهو يقول:
_نقول الحمد لله، علشان نعدي كله.
أبتسمت له وكأنها بذلك تؤيد حديثه، فأضاف هو بنبرةٍ هادئة:
_أنا هروح أنام وابقى اصحى بليل لو عرفت هاجي أقعد معاكم، معرفتش يبقى نمت أو الأشكال اللي هناك دي سدت نفسي.
ردت عليه بوجه مبتسمٍ وبنبرةٍ ضاحكة قالت:
_محدش هناك خالص، سألت عمو “فيصل” عليك علشان ماما كانت بعتالك حاجة حلوة أوي، بس مالكش نصيب.
ضيق جفنيه وهو يقول بلهفةٍ:
_لأ !! ورق عنب ؟؟
أضافت بتأكيدٍ ولازال وجهها مُبتسمًا بمرحٍ:
_و معاه بليلة كمان، أبسط يا عمنا.
تحرك بالدراجة وهو يقول بغيظٍ منها:
_و واقفة ترغي معايا يا باردة؟؟ غوري يابت.
ضحكت على رد فعله فيما تحرك هو نحو بيت جارته ثم وقف بجوار الدراجة وحينما فتحت له الباب قال بلهفةٍ:
_هاتي ورق العنب بعدين سلمي عليا، هاتي يا ستي.
تحركت نحو الداخل بيأسٍ ثم عادت له بالمعلبات البلاستيكية وهي تقول بقلة حيلة من طريقته المعتادة:
_عملاه علشانك أهو، دا أنا هعتبر نفسي استثناء بقى طالما جيت لحد هنا تطلبه مني، كدا أنا حاجة تانية غير الكل.
حرك رأسه موافقًا ثم قال بلطفٍ على عكس عادته:
_أنتِ فعلًا عندي حاجة تانية، ألف شكر.
حركت رأسها موافقةً فيما تحرك هو بعدما وضع الطعام في القفص المزود في الدراجة وتوجه نحو بيته، دلفه بخطواتٍ هادئة من حالة الصمت المُخيمة عليه ثم جلس على الأريكة بعدما فتح الطعام يتناوله باشتهاءٍ حتى أنهى تناول طعام وجبته المفضلة أولًا وأخيرًا ليتذكر جملة والدته وهي تقول بنبرةٍ ضاحكة في صغره:
_لو عمايل ورق العنب كانت بفلوس كان زماني سيدة أعمال، بس أقول إيه، كفاية محبتك عندي.
ابتسم باتساعٍ أكثر حينما تذكر طريقته وهو يرتمي عليها قائلًا:
_لما أكبر ويكون معايا فلوس هدفعلك فلوسه.
حينها كانت تحتضنه وتقبله وهي تقول بمرحٍ:
_بس أنا مش عاوزة فلوس عاوزاك تكون معايا.
شدد مسكته لها وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
_أنتِ حبيبتي يا ماما، مش هسيبك.
ردت عليه بقلة حيلة:
_يعني أنا اللي هسيبك ؟؟ دا أنتَ حبيب عيوني.
خرج من شروده ثم مسح وجهه ونطق بصوتٍ مختنقٍ:
_بس أنتِ سيبتيني، سيبتي حبيب عيونك.
اقتربت منه الممرضة تركض نحوه تقول:
_أستاذ “يوسف” المدام فاقت ومصممة تشوفك وبتتكلم كويس، تعالى بسرعة.
على الرغم من ضيقه منها في العموم لكنه تحرك بخطواتٍ وئيدة إلى غرفتها بثباتٍ وبرودٍ لا متناهييْن حتى وقف أمامها فوجدها على الفراش تنتظر قدومه وتحدثت تلك المرة بصوتٍ طبيعيٍ وليس كأنها تحتضرعلى فراش الموت:
_تعالى يا “يوسف”.
انتبه لصوتها البائن و ملامحها الواضحة وكأن المرض ترك جسدها ولم يكن يعلم أنها مجرد لويحظات قبل أن تفارق روحها الجسد وتعود إلى خالقها، فجلس بجوار الفراش ليجد ملامحها مرتبكة ثم سحبت نفسًا عميقًا وقالت بصوتٍ مختنقٍ:
_اسمعني كويس علشان مش فاضل كتير، ركز علشان تعرف تجيب حقك كويس.
عقد ما بين حاجبيه وبدا الاهتمام واضحًا عليه ومقروءًا في نظراته التي تتفرسها لتبدأ حديثها بدون تفكيرٍ تلقي أمامه مصائب وليس مجرد كلماتٍ، تأهب بجسده وهو يستمع لما تفوهت به ولازالت مستمرة في استطراد حديثها وجسده امامها مُتيبسًا لمدة ساعة تقريبًا تطعن في روحه بالحقائق كما الخناجر المسمومة حتى شهقت بتقطع شهقة الموت أوشكت روحها على المغادرة ليقترب منها دون مراعاةٍ لحالتها يصرخ فيها بقوله:
_اســــمــه إيـــه ؟؟ الـــراجل دا اســـمه إيـــه ؟؟
خرجت حروفها مُتقطعة وهي تقول:
_عـ….عبد…. عبدالقادر….العطـ…ار….سامحني…يا “يوسف”.
اتسعت عيناه بهلعٍ بعدما فقدت روحها على يده هو في أكثر الأوقات التي يريد منها التواجد معه، تلك التي بغضها وكرهها الآن يتمنى فقط منها الافاقة لو لحظاتٍ تُثلج نيران روحه لذا صرخ بها وهو يهز جسدها بعنفٍ وقد رحل التفكير عن عقله:
_قـــومــي….مش هتمشي دلوقتي، قومي بقولك.
انتبهت الممرضة في الخارج لصوت صرخاته فركضت له لتراه بتلك الوضعية حينها ابعدته عنها في محاولةٍ واهية مقارنةٍ بثقل جسده وهي تنطق بانهاكٍ:
_حاسب كدا حرام هي ماتت خلاص، حرام بقولك.
دفعته بكل ما أوتيت من قوةٍ حتى خارت قواه وتردد حديثها على مسمعه من جديد ليرتمي على أقرب مقعد وهو يردد لنفسه بنبرةٍ خافتة وكأنه وقع أسيرًا في عالمٍ أخر:
_يعني إيه…يعني إيه حقي عنده هو؟؟
نظر أمامه بشرودٍ ونزلت دموعه لأول مرةٍ منذ عدة سنواتٍ، فهل موتها يأتي بهذه السهولة بعدما تمناه لسنواتٍ كثيرة مضت، هل هذا من حظه السيء أم حظه الجيد ؟؟ أم أنه نصيبها وموتها في تلك اللحظة كان محتومًا ؟؟.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى