روايات

رواية غوثهم الفصل السبعون 70 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل السبعون 70 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل السبعون

رواية غوثهم البارت السبعون

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة السبعون

“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل الـسـبـعــون”
“يــا صـبـر أيـوب”
______________________
نسهر الليل مع أنفسنا نطلب منك النجاة
وأنتَ المُنجي يا الله والمُعين..
نطلب منك يا مولانا القوة وأنتَ وحدك
القوي صاحب الجلالة ومُجيب الطالبين..
أُناجيك برغم أني عاصيك لكن طمعي
فيك كبيرٌ وأنتَ الرحمن الرحيم..
رحمتك وسعت كل شيء برغم غرور أنفسنا
وأنتَ وحدك صاحب الفيض الكريم..
_”غَـــوثْ”
__________________________________
مَن أراد أن يُتابع القمر..
عليه ألا يخشىٰ الليل ولا يَمل من السهر،
ومن أراد الحفاظ على العهد عليه ألا يخون أي عهد،
ومن ودَّد الحصول على الرحيق عليه أن يصون الزهور ويُراعي الوردِ…
وأنا، أنا هُنا أسهر الليل بدون أي خوفٍ، وأصون كل العهود حتى أنتِ في القلب بكل عهدٍ، وأراعي كل الزهور لأحصل على رحيق الوردِ، فأكرمي ضائعًا يبحث عن المأوىٰ..
وانصريه في دنياه وماهو النصر من دونك وماهي الجدوىٰ؟ فإن كان الحُب بلاءً رَضيتُ بكِ وبوجودكِ ابتلاءً..
حقًا رضيتُ ولن تُفيد بعد ذلك الشكوىٰ
<“أهلًا بالمتاعبِ، فنحن ملوك الملاعب”>
تحرك من محلهِ يترك الخيول بمكانها بعدما وصلته صور التحاليل الخاصة بإثبات النسب، كانت النتائج متوقعة والمشاعر متباينة والنفس مُتحيزة، وكان القلب مقسومًا إلى أجزاءٍ عِدة، كل جزءٍ منه يود مالم يوده الأخر، جزءٌ تمناه واحدًا منهما وجزءٌ خشى أن يكون منهما، وصل إلى تواجد الشباب ليجد “إيـهاب” يدخن سيجارته بشراهةٍ بملامح شاردة ارتسمت عليها الشدة وعينين بدا فيهما الشر جليًا، يبدو كأنه يجلس بكل فراغٍ لكن رأسه لم تفرغ بعد..
أقترب منه “مُـنذر” يجاوره وما إن شعر به طالعه بنظراتٍ خاوية حتى أبتسم له الأخر كأنه بذلك يُطمئنه ثم هتف بنبرةٍ هادئة يخبره بكل ثباتٍ:
_متقلقش، طلع أخوك.
ارتخت أعصابه فورًا كجسدٍ ترك نفسه للمياه وسط البحر فور تفاجئه بها تلامس جسده وثبت نظراته على وجه “مُنذر” الذي أومأ من جديد مبتسمًا بعينيهِ وقد عاد الخوف من جديد في عيني “إيـهاب” خشيةً أن يكون الأخر هو ابن “نَـعيم” فوجده يقول يُطمئنه من جديد بحديثه الهاديء:
_ومش التاني برضه، “نادر” ابن “سامي”، كدا لازم أدور بأي طريقة تانية ولازم أشوف “سـامي” بنفسي أو أعمله كارت إرهاب على العموم لسه كل دا كلام سابق أوانه، قولت أطمنك إنه أخوك، ربنا يبارك فيكم لبعض وتفضلوا في ضهر بعض.
ترك “إيـهاب” محله وجلس أمام “مُـنذر” على عاقبيهِ وقد غمره الهدوء وتغللته السكينة والطمأنينة فور تأكده من هوية شقيقه، وما إن تلاقت نظراته بنظرات الأخر تحدث بنبرةٍ هادئة هاتفًا بودٍ:
_لو أنتَ فاكر إنك بكلامك دا أو حتى بحوار إنك مش من
دمي تبقى هتخرج عن طوعي وتطلع برة جناحي تبقى عيل أهبل يا “مُـنذر” غصب عن عين أهلك كلهم حتى لو الحج بنفسه أنتَ هتفضل مني وتحت حمايتي، زي ما إحنا وزي ما كنا، “مُـحي” نفسه ابن الحج أنا اللي ممشي كلمتي عليه، فسيبك من دور واحد من ناس دا، وغصب عنك أنا في ضهرك يا ابن “المُـ..
بتر جملته وضحك بخفةٍ يُعدل جملته باسم الأخر قائلًا:
_يا ابن “الحُـصري”.
ضحكا سويًا بنبرةٍ عالية جعلت “إيـهاب” يندفع ويضمه ومسح على ظهره وهو يهتف بنبرةٍ مليئة بالحيوية والحب وهو يقول مُطمئنًا له:
_ياض أنتَ مني، هي مش بالدم ولا باللحم، بالمحبة والقبول في القلوب، لو بالدم مكانش “أشرف الموجي” عمل اللي عمله في ابنه، أنا كنت متأكد إنه مش “إسماعيل” علشان “إسماعيل” دا ابني، ولما دخلت السجن عليا الطلاق أنا همني نفسي، أنا كدا كدا أسِد في أي حتة ومع أي حد، إنما خوفي كان على “إسماعيل” اللي ملوش غيري، كنت بشيل همه أكتر من همي، طيبته بتخليني أضلل عليه، وأنتَ زيك زيه وأنا هضلل عليك.
ابتعد عنه “مُـنذر” وهتف بوجهٍ مبتسمٍ يخبره بكل صراحةٍ:
_تعرف !! أنا طول عمري بحسد “إسماعيل” عليك، بحسدكم على بعض يعني بكل صراحة، أنا هناك كنت وسطهم ماليش أي لازمة حياتي مش فارقة مع أي حد، شطارتي بس هي السبب إني أقدر أثبت نفسي هناك، بس لما حد كان بيزعقلي ولا حد يهينني أنا كنت بقف يا أسكت يا أخد حقي، لو كان في عندي واحد بس زيك هناك أكيد كان زماني أرتحت.
رفع “إيـهاب” كفه يربت على كتفه ثم هتف مستفسرًا بنبرةٍ هادئة أظهرت كل حيرته وتعجبه:
_معلش يعني في السؤال أنا آسف، بس هو الحوار دا بجد؟ يعني فعلًا بيخطفوا العيال الصغيرة زيك كدا؟ طب والسبب؟ يعني الآثار وفاهمين إنهم معندهمش زيها ولا ليهم حضارة ولا أصل، العيال الصغيرة ليه بقى؟ بيعملوا بيهم إيه؟.
ابتسم “مُـنذر” بسخريةٍ موجعة حينما تذكر كيف يعاني المخطوفون هُناك وجاوبه بثباتٍ حاول الإتصاف به:
_الفكرة إنهم زي ما عاوزين ينهبوا الماضي عاوزين يموتوا الحاضر وعاوزين يقضوا على المستقبل، بياخدوا العيال من كل الدول علشان يحافظوا على جنسهم، يعني اللي يشتغل عندهم يكون عبد واللي يموت في شغلهم كلب وراح، بيحللوا كل حاجة في الإنسان وياخدوها لحسابهم، فيه ناس تانية أكبر بكتير من كل دول، العالم زي البحر يا “إيـهاب” وكل نوع سمك فيه الأكبر منه، أخدهم ليا ولابن عمي غرور مش أكتر، يعني انتقام من “نَـعيم” مش أكتر، أو بمعنى أصح تحقيق مبدأ السيادة وأنهم قادرين ياخدوا الماضي ويتحكموا في المستقبل.
زاغت نظرات “إيهاب” وفهم لما كان والده يسير مُنصاعًا خلف أوامرهم، كان المال هو الوسيلة التي من خلالها يفرضون سيطرتهم وهيمنتهم على الناسِ، في هذه اللحظة حمد ربه كثيرًا أنه قضى عمره هنا وسط أهل بلده، حمد ربه على نعمة تواجد “نَـعيم” الذي كان مثل الملاك الحارس لهم، وفهم الآن لما لم يتخلْ عنهم، هو فقط أراد أن يزرع فيهم الأصول ويتحكم في زراعة التقاليد وعزة النفس بداخلهم.
بعد مرور دقائق ترك “إيـهاب” الجلسة وتوجه إلى شقته مباشرةً لكن بمشاعر أخرى تمامًا، تبدل كُليًا عن الأمسِ، راح عنه التهجم وزال العبوس عن وجههِ، دلف شقته مبتسمًا ليجد “سـمارة” تقف في المطبخ وعلى طاولتهِ جلست “جـودي” تتناول المقرمشات في حين كانت الأخرى تصنع الطعام، ابتسم بسعادة طفلٍ صغير أنهى مهامه وعاد لأمه ينعم بالدفء بجوارها، لفت نظره تواجد الصغيرة فاقترب منها يلثم جبينها ثم سألها بنبرةٍ هادئة:
_ها يا حبيب “عمهم” أخبارك إيه؟.
ابتسمت له “جـودي” وجاوبته بنبرةٍ ضاحكة:
_زي الفل يا “عمهم” وذاكرت كمان علشان جدو “نَـعيم” ميزعلش بس بشرط ننزل نشوف “عنتر” بس بعدما أكل الأول، وتاكل معايا أنتَ كمان.
أومأ لها موافقًا فيما التفتت “سمارة” تتابع الحديث بينهما بحيرةٍ وهي تتساءل بكل ذرةٍ بها كيف تحول بهذه الطريقة؟ لقد ذهب إلى عمله وعاد منه مبكرًا وطوال اليوم يتجاهل الجميع وخاصةً بعد ذهاب “أحمد” من البيت، كانت حائرة في أمرهِ وخاصةً وهو يحمل “جـودي” بين ذراعيهِ يلثم جبينها ثم التفت لزوجته يسألها باهتمامٍ:
_أخبارك إيه؟ كويسة؟.
مطت شفتيها بيأسٍ وسألته بتهكمٍ:
_أنتَ لسه واخد بالك إني هنا؟ صباح الفل يا “عمهم”.
أقترب منها وهو لازال يحمل الصغيرة بين ذراعيه ثم أقترب منها يلثم جبينها وكأنه يعتذر عن شيءٍ لم يقترفه، من الأساس هو لم يهتم لأي أحدٍ دون أخيه، لكن لكل القواعد شواذ، وهي الاستثناء الوحيد عنده، لذا ابتسم لها وهتف بنبرةٍ هادئة يقول:
_حقك على راسي يا “عمنا” يلا أكليني بقى أنا نفسي اتفتحت وعاوز آكل بجد لحد ما أشوف الواد “إسـماعيل” كَت في أنهي خرابة؟ مشي في وشه كأنه ملهوش كبير.
عند ذِكر شقيقه سألته بعينيها عن حديثه بالأمسِ ليبتسم لها ثم هتف بنبرةٍ حماسية فرحة:
_طلع مني، أخويا مش غريب عني.
ابتسمت هي بدورها له بوجهٍ مُشرقٍ جعله يُلثم جبينها مُجددًا وقد انتبهت هي لتواجد الصغيرة فقالت لها بلهفةٍ:
_روحي يا “جـودي” الأوضة غيري هدومك علشان تعرفي تنزلي تحت تركبي الخيل، يلا وأنا هاجي وراكي.
انزلقت الصغيرة بجسدها تبتعد عن “إيـهاب” ثم ركضت للداخل وقد راقبت “سـمارة” تحركها واختفاء أثرها ثم عادت لزوجها بكامل انتباهها وهي تقول بقلقٍ بالغٍ:
_الحمد لله أتطمنت على أخوك ؟! أبوس إيدك شوف صرفة في موضوع عم “جـودي” دا، أهلها ناس مفتريين والبت مش حمل قسوة من حد، ملهاش غير خالها واحنا، علشان خاطري حاول معاهم، دي عيلة صغيرة ويتيمة ملهاش حد، والجدع يعيني من ساعة اللي حصل رافض ياكل وخايف وكلم محامي قاله إنه كلام التاني كله صح ويحق ليهم من أول موت أهلها أنهم ياخدوا البت.
لاحظ خوفها وحزنها وتهدج صوتها أثناء التحدث وكيف بدا الضيق واضحًا على وجهها، لذا سألها باهتمامٍ وهو يمعن نظراته في وجهها:
_يهمك إنها تكون معاكِ، تفرق معاكِ يعني؟.
هزت رأسها مومئةً له ثم أضافت بلهفةٍ واضحة كأنها تستجديه أن ينفذ هذه الخدمة لها:
_إلا تفرق معايا أومال، طب دي من ساعة ما بقت معايا هنا وأنا حاسة نفسي بني آدمة بجد، حاسة كدا إني بعوض نفسي فيها، ولا لما أعملها حاجة تفرحها وألاقيها مبسوطة بيها، بحس نفسي أنا اللي فرحت، علشان خاطري متخليهمش ياخدوها، هتتعب أوي بعيد عننا.
لمعت العبرات في مُقلتيها وتهدج صوتها من جديد كإشارةٍ عن البكاء وحينها مسح على ظهرها وهتف بثباتٍ كعادته يُظهر قوته على ملامحه ووصفه:
_متقلقيش، الموضوع دا مش هيطول، دا أنا “عمهم”.
حركت رأسها موافقةً تُصدق على حديثه فيما ابتسم هو لها بعينيهِ ثم قال وهو يشير نحو الطعام بدلًا من أن يتغزل فيها كما ظنت هي:
_الأكل يا “سـمارة” أنا واقع يلا.
تحرك من المطبخ بعد جملته لتمط فمها باستياءٍ واضحٍ ثم عادت لما تفعله وهي تُغمغم بكلماتٍ مُبهمة التقطها هو لكنه تجاهلها وجلس في الخارج بعدما التقط صحن المقرمشات يتناول منه لحين إنتهاء الطعام، لكن اللطيف أنه يحب طعامها هي، يحب أن يأكل مما تصنع يداها كما أنه يعتبرها واحدة من أشكال الحب لديهِ لذا ينتظر تناول الطعام من يديها كما لو كان صغيرًا ينتظر تقديم وجبته المُفضلة.
__________________________________
<“لا تخشيني مثلهم، لكن أنا أيضًا أخشاني”>
في بعض الأحيان كل الأمور تحمل الشيء ونقيضه، تفعل ما كان يتوجب عليك فعله وما يتوجب عليك عدم فعله، أشياءٌ تكون مُتناقضة كل التناقض مع بعضها لتجعلك تقف على كفتين متساويتين من اللوم والراحة، لكن كما سبق وقيل في سالف الزمان على لسان أجدادنا أن كلمة “ياليت لم تقيم بيتًا” وهو الآن أمامها لم يسرد آية تفاصيل هو فقط يطالعها بعينين زائغتين يخشى النظر إليها، يخشى أن يراها في عينيها، أما هي فما علمته كان كافيًا ليجعلها تقف من محلها وهي تقول بنبرةٍ إن لم تكن في حد المُبالغة فهي قتلته، لقد خرجت أحرفها مهتزة وارتبكت في الحال وهي تقف أمامه تنطق بخوفٍ لم تقصده:
_أنـ…أنا عاوزة أمشي.
حرك عينيه نحوها أخيرًا وما إن تلاقت نظراتهما وقرأ عدة مشاعر متباينة على ملامح وجهها ازدرد لُعابه وابتلع معه الغِصة التي تشكلت بحلقهِ، ثم هتف بنبرةٍ موجوعة رغمًا عنه بعدما حاول الظهور أمامها بوجهٍ مُتصلدٍ:
_حقك يا “ضُـحى” وشكرًا إنك سمعتيني.
سحبت حقيبتها وتحركت ركضًا من المكان حتى دون إنتظار الرد منه أو تعليقه أو حتى أضافت أي حديثٍ أخر، فما وصلها كان كافيًا حتى تلوذ بنفسها من الصدمة، لم تفكر لوهلةٍ به أو بما يشعر هو بهِ، هي لم تكن قديسة حتى تُنحي ما سمعته جانبًا، ما عرفته عنه صدمها ولم تتوقعه هي، لذا ركبت أول حافلة نقل تنقلها إلى بيتها وهو يقف على أعتاب المكان يراقب رحيلها بقلبٍ ظل يلومه على ما فعله، لمعت عيناه بعبرةٍ واحدة جعلته يرفرف بأهدابهِ حتى هتف بصوتٍ مسموعٍ يحدث نفسه:
_كدا أحسن، من أولها مش نافعة.
هكذا واسىٰ نفسه بالحديث ليمسح على قلبهِ المكلوم، للحق حاول أن يحزن منها أو يكره موقفها، لكن قلبه حدثه أنها مُحقة، لقد أخبرها عن تاريخه دون أي تفاصيلٍ تُذكر فقط موضوع المتاجرة به، وعمل أبيه وسجن أخيه، سخر من نفسهِ وهو يركب السيارة، فأي تاريخٍ مشرفٍ هذا؟ جميع العائلات تبحث عن شباب أصحاب حسبٍ ونسبٍ، فأي فتاةٍ ستأمن على نفسها في عائلة مثل هذه؟ لذا هي معها كل الحق، هكذا حدثه القلب العاصي الذي يأمل في الآخرين..
أما العقل فكان يناقضه في كل حرفٍ،
حيث أخبره عقله بكل بساطة أنك “إسـماعيل” ليس ابن “أشرف الموجي” ذاك القاسي متحجر القلب الذي تاجر بفتى صغيرٍ ويتم الاستثمار فيه بكل فخرٍ أمام المشعوذين، كل ماحدث له لم يكن بيديهِ، ألم يستحق منها ولو فرصةٍ واحدة؟ لما لم تهتم بهِ؟ ظل يذهب حائرًا بين العقل تارة وبين القلب تارة أخرى ثم قاد سيارته ليعود إلى بيتهِ..
أخرج هاتفه يفتحه على رقمها يحاول التواصل معها لكن هاتفها كان مُغلقًا لم يجمعه بها حتى يطمئن عليها، لذا أصابه الإحباط وهو يسب “سراج” واقتراحه، على الأقل كان يكفيه أن يكون مستأنسًا بها، والآن سيعود لخيالهِ الذي يجمعه معها في عدة مواقف ويصنع آلاف السيناريوهات فقد صدق من قال:
“لنا في الخيال حياة”
وياليت يتحقق ما نسجه الخيال وسبق والقلب تمناه.
__________________________________
<“أتوا لنا كما تمنينا، ياليتنا نكون كما تمنوا”>
في شقة “قـمر” وقفت أمام المرآة تتابع نفسها، تعمدت التخلي عن حجاب رأسها عمدًا وتعمدت أن تصنع لها “أسماء” الجديلة الكبيرة التي تصنعها من مقدمة رأسها بخصلاتٍ متداخلة مع بعضها حتى نهاية أطراف الخصلات، جديلة عريضة وطويلة، تجمع بين براءة طفلة صغيرة وبين بلوغ أنثىٰ فاتنة الجمال برغم تواضعه، ومع ذلك ارتدت طقمًا بيتيًا من خامة شتوية يطلق عليها باللغة الدارجة “قطيفة” وكان الطقم باللون الأسود اللامع يرسم تفاصيل جسدها النحيف من منطقة الخصر، كانت سعيدة بهذه الطلة كثيرًا، وأرادت أن ترى تأثيرها كأنثىٰ…
خرجت “غَـالية” من المطبخ بعدما صنعت الطعام وجهزت كل شيءٍ لأجل استقبال زوج ابنتها لتجدها تقف بهذه الهيئة أمام المرآة تُتمم على إطلالتها _العادية من أساسها_ لكنها تحبها وقد سألتها “غالية” بنبرةٍ ضاحكة تُبدي سخريتها:
_”قـمر” أنتِ هبلة؟ فيه واحدة تقابل عريسها بترنج قطيفة شتوي؟ أنتِ فكراها ليلة العيد ؟ نفسي تعقلي مرة.
أغمضت “قـمر” جفونها لوهلةٍ ثم فتحتهما بتروٍ ورسمت بسمة هادئة على ملامح وجهها واقتربت تجاور والدتها وهي تقول بنبرةٍ هادئة وضاحكة في آنٍ واحدٍ:
_لأ مش هبلة، بس أنا بحب شكلي كدا وبصراحة عاوزاه يشوفني كدا، هو جوزي مش غريب عني، بعدين ماله الترنج ؟ ماهو جديد أهو وأول مرة ألبسه على فكرة.
شكت “غالية” في أمر حديث ابنتها وما إن أدركت مقصد الحديث ومغزى الكلمات جيدًا حينها سحبتها من تلابيبها وهي تسألها بنبرةٍ عالية تهدر في وجهها:
_بت !! أنتِ طلعتيه من جهازك صح؟.
دارت “قـمر” بعينيها يمينًا ويسارًا هروبًا من والدتها بهيئةٍ مُضحكة ثم مطت شفتيها بآسفٍ وهي تحرك رأسها موافقةً وقبل أن تتحدث والدتها من جديد أوقفتها بلهفةٍ وهي تقول في محاولةٍ لتُرضيها:
_والله “يـوسف” قالي أعملي اللي عاوزاه وأنا هجيبلك اللي نفسك فيه حتى لو نجوم السما، فطلعت هدوم الجهاز ووعدني هيجيب غيرهم تاني أحسن منهم.
تركتها “غالية” وهي تقول بتهكمٍ:
_خليه يدلع فيكِ كويس لما نشوف أخرتها، مش هتعمري في بيت يا روح أمك، هترجعي واخدة على دماغك من كتر دلعه ليكِ براحتك.
ابتسمت بغرورٍ وهي تقول بنبرةٍ ضاحكة نبعت من ألمٍ كان هو مصدر الحديث حينما هتفت:
_يعني مش كفاية توهنا في بحر الدنيا والقدر جمعنا ؟ حقه يعوضني وحقي أتدلع على حسه يا ماما، ربنا يحفظه وبعدين ماهو اتجوز أهو و”عـهد” هتشاركني فيه، كويس إنها غلبانة وطيبة.
في هذه اللحظة صدح صوت جرس الباب فعلمت أن “أيـوب” هو الطارق حيث أتى في الميعاد المُحدد وقد ضحكت والدتها عليها وهي تراقب لهفتها، أما هو فوقف مبتسم الوجه ينتظر طلتها وياليته ما أنتظر، الفتنة تزداد إغواءًا والقلب الزاهد يعصىٰ العبد الناسكِ، تفحصها بنظراته وهي تقف أمامه مبتسمة الوجه ببشاشةٍ وللحق كان ممتنًا لمن أشار عليه بعقد القران، فكيف يلتزم ويقدس نفسه وأمامه هذه التي تخلت عن البراءة وهي تظهر أمامه بهيئة لا يعلم إن كانت مُغرية أم بريئة أم تلقائية؟؟.
سألته هي بنبرةٍ ضاحكة بعدما وجدته يطالعها بدهشةٍ:
_إيه !! شكلي حلو صح؟.
حرك رأسه موافقًا ثم دلف معها وقد أتى وفي يديه علبة حلويات فاخرة من أنواعٍ شرقية وغربية، ومعها عُلب حلويات أخرى تحديدًا نفسها التي تناولها معها، فلقد أخبرته أنها أحبتها وكذلك البقية لذا تعمد أن يأتِ بها إليها وللجميع معها، رحبت به والدتها بسعادةٍ بالغة ثم جلست معه لبضع دقائق قبل أن تنسحب نحو الشُرفة تجلس بها لتتركهما معًا..
جلست “قـمر” بجوارهِ وهي تقول بنبرةٍ ضاحكة:
_شكلك حلو في الجينز، عسل يا أسطىٰ.
كانت تُثني على قميصه الشبابي صاحب اللون الثلجي وأسفله سترة سوداء قطنية، أما هو فضحك بخفوتٍ ثم أقترب منها بوجههِ وهو يقول بنبرةٍ خافتة يخبرها بكل صراحةٍ عن هيئتها:
_دا أنا برضه اللي عسل؟ أقسم بالله لولا العيبة لاكنت خدتك معايا بما إنك مراتي بقى، ماهو مش معقول هفضل مفتون بس كدا بالاسم، بس ياريت تبقى آخر مرة يعني، أبقي فاجئيني في بيتنا يا “قـمر”.
حركت رأسها موافقةً فيما اعتدل هو في جلسته ثم هتف بنبرةٍ عادية وهو يتعمد تجاهل نظراتها الضاحكة عليه:
_المهم أنا جيت علشان أقولك إن الفترة الجاية لازم نعقل شوية ونبدأ في الجد علشان هنبدأ فترة التجهيزات، أنا لو عليا مش عاوز منك أي حاجة، عاوزك أنتِ بس وكل حاجة عليا أنا، ثانيًا بقى جيت علشان حاجة أهم، وهي إنك عاوزة تظبطي يومك صح، صح؟.
حركت رأسها موافقةً بحماسٍ فوجدته يطلب منها الدفتر الذي سبق وجلبه لها في الصندوق الأسود، وما إن عادت له من جديد تفحص الدفتر الذي فرغ من أي كتاباتٍ بداخلهِ فسألها بسخريةٍ:
_الله أكبر !! دا فاضي..
حركت رأسها موافقةً وهتفت بنبرةٍ هادئة وهي ترد بكل تلقائيةٍ على حديثه المتعجب:
_ماهو أنا استخسرت بصراحة.
تلاشت بسمته عن ملامحه فور الاستماع لجملتها التلقائية بمرحٍ فيما أضاف هو يسخر منها بقولهٍ:
_استخسرتي؟ هي أصلًا معمولة علشان نكتب فيها ونحط جدول ومقسمينها جدول تقومي تستخسري؟ يا سلام على النباهة يا “قـمر”، إيه الذكاء دا؟؟.
طالعته بحاجبٍ مرفوعٍ فيما بدأ هو في الشرح بنبرةٍ هادئة كأنه مُعلمٌ يجلس برفقة طالبته المُحببة، هنا نجد المُحببة باستثناء الطالبة، لذا بدأ حديثه بقولهٍ الذي تلبسته الحكمة:
_أهم حاجة الترتيب يا “قـمر”، ونحط يومنا صح ونرتبه كويس، وأهم اولوية فيهم هي الطاعات والعبادات، ربنا يتقبل مننا ويزيدنا قرب منه، فعلشان كدا الفروض الأساسية نلتزم بيها على قد ما نقدر، نصلي ونعلم على الفرض اللي صليناه ونزود طاعات أكتر، وردد أذكار أكتر، بس مبدأيًا علشان مصعبش عليكِ الطريق هخليكِ تاخديه واحدة واحدة، مبدأيًا تلتزمي بالفروض وأذكار الصباح والمساء بس لمدة أسبوع.
حركت رأسها موافقةً رغم حيرتها من سهولة ما دونه لها بالجدول أما هو ففهم أنها حاولت أن تفعل الكثير حتى شعرت بالإحباط من عدم قدرتها على التكملة وقد فهم هو نظراتها الحائرة فتحدث بنبرةٍ هادئة بعدما ابتسم لها:
_مش عاوزك تقلقي أنا فاهم إنك حاولتي تاخدي السكة كلها مرة واحدة لحد ما الفتور بدأ يظهر وبدأتي تحسي إنك مش قد السكة دي كلها، بس أنا هساعدك تمشي الطريق واحدة واحدة، تمام؟.
هزت رأسها مومئةً له بسعادةٍ وقد ظهر سؤالٌ أخر في عينيها، سؤال أرادت أن تُلقيه عليه حتى تُسكت فضولها لذا اندفعت تسأله بلهفةٍ:
_طب معلش يعني علشان أرتاح والشخص الفضولي اللي جوايا يتهد ويسكت، هل بقى لو أنا ماكنتش بسمع الكلام، وحسيت إنك بتتحكم فيا أو فرضًا يعني حسيت تحكماتك over فيا، هتعمل إيـه؟.
رفع أحد حاجبيه وأقترب منها يهتف بمراوغةٍ وقد فهم ما تفكر هي به وأراد أن يُلاعبها بنفس الطريقة:
_مش أنا الأسطىٰ “أيـوب” وبتاع قُلل؟ يعني شغله كله في العجينة، وأنا عندي مبدأ مهم جدًا علشان أريح نفسي، العجينة اللي متعرفش تشكلها ريح نفسك منها وبدلها.
تقدمت منها تلقائيًا تطالعه بعينين ضيقت عليهما الجفون ترمقه بشكٍ لتجده يقول من جديد مفسرًا سبب حديثه:
_بمعنى إن حتة العجينة اللي هتتعبني وتعاند معايا، أتعب نفسي فيها ليه؟ ما نشوف غيرها وخلاص وربك يسهل.
حقًا !! هل يخبره بهذا الحديث بكل هذه السهولة دون أن يراعي مشاعرها؟ لقد ظنته يتحدث بكل جدية حتى ضحك هو على ملامحها وأقترب منها مرةً أخرىٰ يقول بوجهٍ مبتسمٍ وهو يزيل عنها أثر كلماته:
_وبما إني شاطر أوي فأنا مش هقدر استغنى عن العجينة اللي معايا، علشان دي مفيش منها اتنين في كل الدنيا، فلازم أحاول معاها بالهدوء والحكمة والعقل، مش أنا مطروف العين بيها؟؟.
ابتسمت بخجلٍ وتورد وجهها في ثوانٍ، بالتأكيد هي بلهاء أو أصاب عقلها أي مرضٍ فكيف عادت الدموية تتحرك نحو وجهها من جديد بعدما شحبت ملامحها في خلال دقيقة؟ أما هو فكان يعلم أنها حتى الآن تفكر في طريقة تعامله معها، معذورة لقد ذاع صيته هو وأمثاله بالقسوة والشدة في حين أن قلوبهم مثل أفئدة الطير، وقد أقترب منها يلثم جبينها وهتف يُطمئنها بقولهِ الذي خرج بنبرةٍ رخيمة:
_متقلقيش، أنا أضعف من إني أزعلك حتى لو كنت أقوى رجال الأرض كلهم، سيدنا محمد ﷺ قدوتي وكل الصحابة من بعده، وأنا والله غلبان يا “قـمر”، غلبان ومش رايد غيرك في الدنيا من بعد رضا ربنا عليا، ويا رب ييجي اليوم اللي أعيش فيه ربيع الدنيا معاكِ.
لم تعلم لما استشفت نبرة حزن في صوتهِ ولم تعلم لما استشعرت أن هناك خطبٍ ما لكنها نحت ظنونها جانبًا وعادت لوجهها المرح وهي تقول:
_يعني بقى مش هتغصب عليا بعد الجواز وتتحكم فيا وتمنعني من الخروج ؟ ولا بقى هتلبسني نقاب غصب عني وتحبسني وبعدها تفضل تبرق في وشي لما أتكلم قصاد حد؟.
ابتسم لها وقد تأكدت ظنونه فهتف بنبرةٍ ضاحكة وهو يشير إلى نفسه وهيئته:
_طب بالله عليكِ دا شكل واحد ينفع يعمل كدا؟.
انفرجت شفتاها عن بعضهما وهي تقول بنبرةٍ ضاحكة ردًا على سؤاله الذي خرج ممازحًا لها:
_والله الهيئة دي مش عاوزة غير إننا نحطها في متحف.
عاد المرح من جديد والصوت المرح وكل شيءٍ اعتاده كلاهما مع الآخر، هو يضحك على مزاحها وكأنها مكافاة نهاية اليوم وهي تطمئن بحديثهِ وكأنه طوق النجاة، كلاهما أراد شيئًا لم يعرفه أعطاه له الأخر بكل حُرية ليعلم حينها ما ينقصه بل وينعم به معه.
__________________________________
<“لم أقصد الخوف، لكنه قصدني”>
لم تعلم كيف مرت بها الطرق حتى وصلت إلى هُنا وكيف رحلت من أمامه وكيف حتى تركته، كل ماحدث كان رغمًا عنها حيث هناك قوة أكبر من قدرتها قامت بالتحكم فيها، لقد وصلت إلى البيت بعد مرور ساعة ونصف من مقابلتها معه ومن بعد حديثه، حقًا هي مُشفقة عليه رأت الألم في عينيه واستشعرت انكسار نبرته، لم تفهم ما يتوجب عليها فعله وفقط أرادت أن تهرب من أمامه خشيةً من إحراجهِ، لكنها لم تدرْ أنها بفعلتها تسببت في آلمه…
وصلت إلى البيت ولم تدخل شقتها بل أول من فكرت فيها كانت “قـمر” ولحسن حظها أن “أيـوب” رحل لتوهِ وهي تقوم بغسل الصحون بعدما تناولت الطعام معه، كانت بخفة الفراشات المنتقلة بين أغصان الأشجار وقد صدح صوت جرس الباب وظنته شقيقها لكنها تفاجئت بـ “ضُـحى” التي ألقت نفسها عليها وهي تبكي بشكلٍ غريبٍ جعل “قـمر” تضمها وهي تمسح عليها بحنوٍ ورافق حركتها حديثها الملتهف:
_مالك يا “ضُـحى” ؟ فيه حد زعلك في الشغل؟ طب حد ضايقك؟ مالك بتعيطي كدا ليه؟ حد زعلك طيب؟.
حركت رأسها نفيًا فيما أدخلتها “قـمر” الشقة ثم أغلقت الباب انتبهت لهما “غَـالية” وقبل أن تسأل أوقفتها “قـمر” بحديثها القوي:
_معلش يا ماما روحي عند خالتو “أسماء” وعرفيها إن “ضُـحى” عندي عاوزاها في حاجة مهمة، معلش.
انتبهت “غالية” لبكاء الأخرى لكن نظرات ابنتها أوقفتها عن أي استفسارٍ وأي فضولٍ كان يقودها وفقط فتحت بابها وتحركت نحو الشقة الأخرى لتبدأ “قـمر” في استدراج الأخرى بهدوءٍ لتبدأ “ضُـحى” في سرد المقابلة وإبلاغها بحديثهِ وكيف ألقى أمامها جزءًا من ماضيهِ وهي بكل غباءٍ رحلت دون أي كلمةٍ واحدة..
استمعت لها “قـمر” بانصاتٍ والأخرى تسرد الحديث بوجعٍ لم تفهم سببه، هي فقط خشيت من شيءٍ مجهولٍ لم تعرفه وشعرت به يُهددها ويقترب منها، أما الأخرى فعاتبها بنبرةٍ هادئة وهي تقول:
_طول عمرك غبية ومتهورة، خوفتي تقعدي تجرحيه بكلامك فهربتي منه كأنه بعبع ظهرلك، رد فعلك غبي يا “ضُـحى” وأكيد اللي حصل منك زعله، طول عمرك عملية ومش بتاعة تسرع، حصل إيه علشان تتهوري كدا؟.
رفعت صوتها ترد عليها بنبرةٍ باكية وهي تقول بدفاعٍ عن نفسها:
_خوفت يا “قـمر” وحاجة مش بأيدي، لقيته بيقولي إن أبوه كان تاجر آثار وأخوه كان في السجن والأهم من كل دا هو يا “قـمر”، هو طلع متعذب يمكن أكتر منهم، أنا مقدرتش أقوله حاجة، أنا بس مشيت أهرب من الخوف والوجع اللي سكنوني، معرفش خوف عليه ولا عليا بس زعلي علشانه هو، تخيلي عيل زي دا أبوه يعمل فيه كدا؟ خايفة بابا ميرضاش بيه…
بكت بعد جملتها فسألتها “قـمر” باهتمامٍ وهي تنتظر الجواب على أحر من الجمر بترقبٍ من حواسها:
_طب وهو أنتِ يهمك إن خالو يوافق عليه؟ أنتِ حبتيه يا “ضُـحى” ؟؟.
حركت رأسها موافقةً وهي تبكي فضمتها “قـمر” من جديد وهي تمسح على ظهرها ثم هتفت بنبرةٍ هادئة تُطمئنها بقولها:
_أهدي، أهدي وأكيد “يـوسف” هيلاقي حل، طالما صاحبه ومتربي معاه أكيد عارف اللي فيها وعارف إزاي يخلي خالو يعرف الحوار من غير اعتراض، اتطمني يا “ضُـحى”.
تشبثت بها الأخرى وفورًا انتبهت لفعلها، كيف تركته بهذه الطريقة المُهينة؟ إذا كان يخشى شيئًا فهي فاجئته بما يخشاه دون أي مجهودٍ حتى في إخفائهِ، لقد حزنت أكثر حينما أدركت فعلتها وكيف رمقها بخيبة أملٍ قاتلة وهو يتابع رحيلها وكيف كانت نظرة الوداع مؤلمة..
في شركة “الراوي”..
كان يتابع عمله بكل إهتمامٍ وهو يفكر بكل جدية لما العمل هنا يبدو بهذا القدر من الأهمية؟ شركة مثلها كأي شركة أخرىٰ لكن عفوًا هذه شركة “الراوي” للمواد الخام الخاصة بالصناعات اليدوية، برغم إنها شركة ذات طابع قديم وأصيل إلا أن هناك بعض الجنسيات الأخرى تطلب الخامات منهم وهو هنا يقوم بترجمة هذا الحوار..
اندمج “عُـدي” فيما يفعل حتى أنه لم ينتبه للوقت الذي مر عليه وأن العمل انتهى منذ ما يقارب الخمسة عشر دقيقة، وقد تجهزت “رهف” للرحيل ودلفت من جديد له فوجدته جالسًا محله كما هو وقد سألته بتعجبٍ:
_أنتَ لسه هنا ؟! أنا قولت هاجي ألاقيك مشيت.
رفع رأسه نحوه يهاتفها بنبرةٍ منهكة:
_بصراحة اندمجت شوية قولت أخلص الحاجات دي والحمد لله خلصت كله، بحيث إن بكرة كل الحاجات دي هتطبع وأسلمها، ونبدأ في الجديد بكرة، خلصتي شغلك خلاص؟.
هزت رأسها موافقةً فيما أنهى هو عمله تمامًا ثم أغلق مكتبه وحاسوبه ورتب أوراقه وحمل حقيبته على ظهرهِ فيما انتظرت هي انتهائه مما يفعل وخرجت معه من مقر العمل، كانا يسيرا بجانب بعضهما بصمتٍ وهي تشد طرفي حِلتها صاحبة اللون البترولي لتحتمي من البرد، وهو يسير بصمتٍ حتى تفاجأ بها تحدثه بنبرةٍ هادئة بعدما برمجت الحديث جيدًا:
_على فكرة أنا حابة أعتذر ليك عن المرة اللي كلمتك فيها بخصوص شغل الترجمة، أنا أكيد مش شخص حقير للدرجة دي، أنا بس اتعاملت عادي من باب الشغل زي أي حد بتعامل معاه، أكيد مكانش قصدي إني اتـ…أنا آسفة.
بترت حديثها وأضافت جملتها الأخيرة بارتباكٍ ملحوظٍ وقد ضحك هو ضحكة خافتة انفلتت من بين شفتيه وهتف بنبرةٍ هادئة ردًا عليها بما يرفع عنها الحرج:
_الفكرة كلها إني ساعتها كنت فرحان بوجود “يـوسف” وأظن يعني أنتِ عارفة اللي فيها، فكان صعب عليا أني أحس إني مجرد واحد غريب بيعمل الحاجة لأجل الفلوس والمقابل المادي، حب “يـوسف” أهم عندي من كل دا، وعلى العموم حصل خير أنا مش زعلان ولما جيت هنا واشتغلت معاكِ وبقى بينا أكل وقهوة عرفت إنك عكس ما بتظهري قوتك، أنتِ طيبة وبشوشة أوي.
_شكرًا.
هتفتها بتوترٍ حينما وصلت بجوار سيارتها المصفوفة بمنتصف الشارع فيما لاحظ هو توقفها بجوار سيارتها الصغيرة أو ما تعرف باسم “ميني كوبر” باللون الأخضر، كانت السيارة تُلائم شخصيتها كثيرًا نفس الحيوية ونفس القوة مع الهيئة الصغيرة، تابع تحركها حينما استأذنت منه ورحلت فيما وقف ينظر في أثرها وأكمل سيره لكي يخرج نحو الطريق العام، كان يفكر في أول لقاءٍ حينما ظنها أُلقيت من طائرةٍ ما فوق سطح بيتهم، ضحك بخفةٍ على سذاجة تفكيره والآن فقط أدرك أنها لم تكن من عالمٍ آخر، بل هي زهدت هذا العالم لتسكن أخرًا، تبدو وكأنها تخشى البشر وليس هم الذين يخشونها…
__________________________________
<“لا تلعب معنا إن كنت لا تعرف حجم نيراننا”>
كان اليوم نسبةً له مُتعبًا بقدرٍ كافٍ، حيثُ جلس مع الشباب واطمئن على”سراج” الذي تبدل حاله تمامًا وكأن الأخر تفنن في سرقة راحته منه، وقد ذهب إلى الكافيه الخاص به يتابع شئونه الإدارية والمالية والبضائع الاستهلاكية بالمكان، قام باستقبال عربة البضائع والمنتجات الغذائية ثم عاد من جديد لبيت “نَـعيم” وفي كل ذلك طوال ساعات اليوم لم يتحدث معها، لقد خرجت والدتها طوال اليوم مع ابنتها الصغرى تتابع معها دروسها وجلب مشتريات البيت لذا أتخذ قراره ثم ذهب يودع الجميع..
وصل إلى هناك بالتزامن مع وقوف “إيـهاب” في فناء البيت الرملي بجوار الحائط الذي يحمل صورة الخيول المرسومة بحرافية شديدة من “يـوسف” بمعاونة بعض الشباب، كان الأخر يتحدث في الهاتف يحاول التوصل مع شقيقه لكن الأخر لم يجاوب عليه وما إن أقترب منه “يـوسف” أغلق هاتفه وقال بلهفةٍ:
_بقولك إيه ؟ عاوزك معايا في مشوار مهم ومعانا الواد “سـراج” خلينا نخلص من الحوار دا قبل ما يروح بكرة المحكمة ولا يتهف في نفوخه.
مد “يـوسف” ذراعه لكي يستطلع ساعة معصمه وما إن طالع الوقت سأله بتعجبٍ:
_دلوقتي يا “إيـهاب” !! الساعة ٨ ونص.
حرك كتفيه بلامبالاةٍ ثم استطرد حديثه مُضيفًا:
_وإيـه يعني؟ هي ٨ ونص الصبح؟ يلا بس.
بعد مرور دقائق خرج “سراج” لهما وخلفه “نَـعيم” الذي جاوره “مُـنذر” منذ بداية اليوم وما إن وقع بصر “نَـعيم” عليهم هتف بنبرةٍ قوية يحذرهم بقولهِ:
_مش عاوز غلط !! أنا عندي يدبحوني بسكينة بس محدش يجيب سيرة حد فيكم بكلمة وحشة، لقيتوا الكلام هيكتر ويعك يبقى تيجوا تاني، ولو حد غلط فيكم تعالوا وليكم عندي حق الرد، أظن أنا عمري ما هقبل حد يقلل منكم وحقكم بيرجع وقتي.
حركوا رأسهم بموافقةٍ وطمئنوه ثم تحرك الثلاثة معًا، بينما “نَـعيم” التفت للأخر وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
_تعالى بقى معايا نشوف الخيول لحد ما المقاطيع دي ترجع تاني وبالمرة أشبع منك قبل ما تمشي، يلا يا غالي..
ضحك “مُـنذر” بسخريةٍ وقد فهم سبب توقف حديثه وهتف بتهكمٍ:
_مش قادر تقول يا ابن الغالي؟ صح.
شخص “نَـعيم” ببصرهِ للجهةِ الأخرى يهرب من نظرات ابن أخيه وهتف بنبرةٍ موجوعة أعربت عما يحمله بداخلهِ:
_كان، كان غالي وكان أخويا الوحيد، حتى الرحمة مش بقدر أدعيله بيها، علشان بكل بساطة هو مرحمنيش وأنا حي ولا حتى أحترم حُرمة الميت، يلا يابني.
تحركا معًا من جديد بوجعٍ عاد لهما ليحل محله جيدًا، ذاك الميت الذي وافته المنية لم يرأف بأي فردٍ من عائلتهِ سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، وإن كان ابنه أو حتى ابن شقيقه، لقد تعمد القضاء على نسل العائلةِ بأكملها، عاون في تهريب التاريخ وسرقة الماضي ومد يده يقطع جذور المستقبل وقام بالدهسِ على الحاضر.
بداخل سيارة “إيـهاب” كان يقودها وفي الجوار “يـوسف” وفي الخلف يجلس “سراج” بوضعٍ أكثر أريحية وقد تلاقت نظراته بنظرات “يـوسف” الذي راوغه بنظراتهِ حتى زفر الأخر مُطولًا وهتف مستفسرًا بحنقٍ:
_يعني هو المشوار دا مكانش ينفع من غيره؟.
ابتسم “يـوسف” رغمًا عنه ثم أخرج سيجارته يشعلها ووضعها بين شفتيه بالتزامن مع حديث “إيـهاب” الذي خرج بنبرةٍ ضاحكة:
_ياعم ماله الراجل؟ أنا عارفه دماغه حلوة و”أحمد” هيتهد لما يشوفه معايا، ليك إن حوارك يخلص، متقلقش.
كالعادة “يـوسف” ألتزم الصمت، في العادة هو يكره الكلام وكثرة الأحاديث بالطبع عدا مع شخصٍ أخر يكره السكوت، هي الوحيدة التي يحب الحديث معها، يحبها تتحدث ويحبها صامتة ويحبها في كل وقتٍ، من هذه ؟ جميعهم يعرفونها، كل “يـوسف” بداخله يُحبها، كانت الاتفاق الوحيد وسط كل الاختلافات التي عانىٰ منها.
بعد مرور بعض الدقائق وصلت السيارة لوجهتها المشنودة وهنا هيا بنا نراقب التحالف، تحالف الشرق والغرب معًا على كتلة وسطية محتلة تعمل على زعزعة الطرفين وقد تقدمهم “إيـهاب” وطرق فوق بوابة البيت الحديدية ليفتح له “فتوح” والد “أحمد” وما إن رأى “إيـهاب” علم أنه سيتأدب، من لم يعرفهم رجال بيت “الحُصري” ؟ وبالأخص “عمهم” و “الغريب” رحب بهم الرجل مُرتبكًا وقد دلفوا معه.
ثواني مرت عليهم تبعها خروج “أحـمد” برفقة والدته التي لوت فمها باستهجانٍ شديدٍ وقد بدأ “إيـهاب” الحديث بقولهِ:
_إحنا مش جايين نرغي كتير، ولا جايين نرط في الكلام ولا نلوم حد، إحنا جايين بالأصول، وبما إن أصولي من الصعيد فجدودي قالوها زمان “العايط في الفايت نقصان عقل” يعني عدم المؤاخذة يا حج “فتوح” العياط على اللي عدى مش هيفيد بحاجة، ابنكم الله يرحمه وبنتنا الله يرحمها، وسابوا لينا هدية كلنا، بس عمايل ابنك مبتقولش كدا.
انتبه له الرجل وزوجته وابنهما ليتدخل “إيـهاب” بنبرة جامدة قوية كعادته الحادة مع الجميع:
_عدم المؤاخذة يعني ابنك تخطى كل الأصول بعملته وكلامه، واحد ربنا نجاه من الموت بأعجوبة وأول ما فتح عينه على الدنيا طلب يشوف بنت أخته وعرض حياته للخطر من خوفه عليها وهي مش معاه، وابنك جاي يتشملل ويقوله نلجأ للمحاكم؟ طب حلو نلجأ.
تدخل “أحمد” يتحدث بنبرةٍ جامدة:
_وأنا مأنكرتش، وقولت كدا فعلًا، بس حط نفسك مكاني بنت أخوك في يوم وليلة ممكن تتشرد ولا طلقة تيجي ليها لو كانت مع البيه، قُصر الكلام أنا بكرة هروح أخلص الإجراءات علشان حضانة “جـودي” مات الكلام كدا..
هنا تحرك له “إيـهاب” بعينيهِ يطالعه بعينين نطقتا بكل شرٍ وهتف بثباتٍ يؤكد جملته:
_مات الكلام فعلًا، بس متأخذنيش يعني الراجل دا اللي أنتَ حطه فوق دماغك كأنه بيمسح فيها، أحب أقولك إنه ييصرف دم قلبه عليها، تعليم وأكل ولبس ومذاكرة ودكاترة، أنتَ مش هيخرج من ذمتك تديها نص الرعاية دي أصلًا، لأن ببساطة عندك بيتك وعيالك، ومتزعلش مني مفيش أعز من الضنا، بس لو هتمشيها محاكم كلنا هنمشيها محاكم برضه.
استحوذ بجملته الأخيرة على انتباههم ليتحدث “يـوسف” بدلًا عنه بثقةٍ وهو يقول بنبرةٍ هادئة لكن حديثها ينافي هدوئها:
_هنروح المحكمة نرفع قضية نطلب فيها ورث “جـودي” بما إنها كان ليها حق في شقة أبوها وأمها اللي حضراتكم بعتوها وشفطوا نصيبها، و “سراج” علشان عينه مليانة مش جعان مسألش، بس بما إن شغل العوأ هيظهر فعاوزين نصيب “جـودي” من الشقة لأن ببساطة الفلوس دي المفروض تتحط في المجلس المحلي لحد ما تكبر وتاخد حقها، ها !! نقول كمان ولا نكتم كلنا ونريح شوية؟.
ارتبك “فتوح” وسأله بتعجبٍ من الحديث:
_شقة… شقة إيه يابني؟.
تدخل “سـراج” يحدثه بنبرةٍ جامدة وقد حقًا شعر بالضيق منهم:
_شقة أختي يا حج، اللي أنا و “جـودي” لينا فيها بما إنها كانت حاطة فيها فلوسها بس أنا مستعوض ربنا وقولت هعتبرها بدل قرفكم وفدا وجود “جـودي” معايا أنا عندي اللي يكفيني، إنما انتوا مش وش أصول بقى.
رفع “أحمد” صوته يوبخه بنبرةٍ جامدة:
_أحترم نفسك يا “سراج” أنتَ في بيتي.
رفع “سراج” صوته من جديد بعدما نظر له وهو يصرخ فيه هو الأخر قائلًا بنبرةٍ منفعلة بعدما تفاقم غيظه منه:
_وأنتَ محترمتش نفسك ليه؟ مش دي البت اللي سافرت وسيبتها ورا ضهرك بعد موت أخوك؟ مش دي البت اللي خدت فلوس خارجة أبوها والتأمين بتاعه؟ جاي كمان تخليها معاك؟ أمك أصلًا مكانتش بتقبل أختي بأي وجه حق بتطالب بحفيدتها؟ هي سألت عنها أصلًا؟.
تحدثت المرأة بسخريةٍ تقصد إهانته:
_من الأول قولت مش عاوزة النسب اللي يعر دا بس هو مشي وراها، قولتله ما بلاش دي خد واحدة تانية، مرضاش يسمعلي وأخرتها حياته ضاعت بسببها برضه، وبكرة بنتها تبقى زيها لا بتكبر لحد ولا بتسمع كلام حد.
هنا حقًا أخرجت الوحش من داخل “سـراج” وقد دفع الطاولة بقدمهِ وهتف بنبرةٍ هادرة في وجهها دون أي ذرة احترام للجالسين:
_سيرة أختي لو جت على لسانك تاني أنا مش هحترم حد، ولو ناسية هفكرك لما رشيتي عمل على باب بيتهم علشان تبقى زي الخاتم في صباعك، عاوزاني أجيب عيلة صغيرة تقعد معاكِ هنا؟ دا أنتِ ابنك مشافش الرحمة غير لما ربنا خده وبعد عنك، ولأخر مرة سيرة أختي وبنتها تيجي على لسانك.
تدخل “يـوسف” يهدئه بعدما انفعل وظهر الاحتقان على ملامح وجهه وقد غفل عن إصابته وقبل أن يتحدث تدخل “يـوسف” يهتف بنبرةٍ جامدة:
_اسمعي !! أنا ساكت بس احترامًا لكبيري اللي غايب وعارف إنه باعت رجالة، بس مش من حقك إنك تجيبي سيرة البت، ببساطة مالكيش حق، لأنك مالكيش أي صفة فيها، اللي بينك وبينها كان ابنك وربنا رحمه، غير كدا البت بتتربى كويس ومصروف عليها أصول قبل الفلوس، أصول بيتك مشمش ريحتها أصلًا، فنهايته علشان الحوار بوخ وبقى رغي كتير، البت معانا عاوزينها محاكم يلا، عاوزينها بالود يلا، عاوزينها عافية يلا برضه بس محدش فيكم يرجع يشتكي مننا.
وقف “إيـهاب” وأشار للرجل الكبير بقولهِ الذي خرج غليظًا:
_نهايته عقل ابنك يا حج، وأحكم مراتك شوية كفاية اللي ضاع لحد كدا، ولو حد لسه ناوي ياخد “جـودي” يا مراحب بس زي ما “يـوسف” قال محدش يرجع يشتكي ولو عاوزين تشوفوها إحنا ولاد أصول مش هنحوش البت عنكم، وقت ما تطلبوها هتحضر لحد عندكم هنا.
ألقى الحديث وأشار لهما ثم خرجوا من جديد وهم يعلمون كيف كان أثر الحديث عليهم، إذا أرادوا حقًا الاستمرار فيما يفعلون عليهم تحمل العواقب كما هي بأكملها دون الشكوى من جديد، هم من أرادوا اللعب بالنار فعليهم تحمل نتائج الحريق..
__________________________________
<“لا تحزن منا ولا تسأل عنا”>
في صباح اليوم التالي…
تحديدًا مع شروق الشمس من جديد وقف هذا الصغير الذي امتنع عن الحديث من الأمسِ وهو يرتب خصلاته وقد أتت “نِـهال” تقف خلفه ثم سحبت منه فرشاة الشعر تقوم هي بتمشيط خصلاته وهي تبتسم له ثم سألته بنبرةٍ هادئة:
_برضه مش ناوي تقولي مالك من يومين؟.
طالعها بخوفٍ منها أو بخوفٍ على مشاعرها ثم حرك كتفيه ببساطةٍ وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_عادي كنت بتمشى شوية وسرحت.
في هذه اللحظة دلف “أيـهم” الذي أرتدى حِلته الرُمادية داكنة اللون وأسفلها القميص باللون الأسود ليصبح أكثر وسامة فوق أنه أوسم رجال عائلة “العطار” وقد وقفت هي تتابع طلته بشغفٍ وهي تبتسم ببلاهةٍ وأخرجها هو من شرودها فيه بصوتهٍ القوي حينما وجه الحديث لابنه:
_أنا اللي هوديك المدرسة، يلا.
سأله “إيـاد” بنبرةٍ حزينة حينما وجد الحديث جامدًا بهذه الطريقة:
_أنتَ بتكلمني كدا ليه؟ زعلان مني؟
رفع حاجبيه بسخريةٍ ورد عليه متهكمًا بنفس الجمود:
_والله ؟؟ يعني عرفت إن الطريقة دي بتزعل؟ طب ما سيادتك بقالك يومين مش راضي تكلمنا، ومن إمبارح مش عاوز ترد علينا و “نِـهال” عمالة تحاول تخليك تتكلم وسيادتك ساكت كأننا شغالين عندك، لما تعرف إن الطريقة بتضايق هتعرف تقدر الناس كويس.
ألقى حديثه وكاد أن يتحرك لكنه يعرف صغيره جيدًا يعلم ماهي نقاط ضعفه قبل نقاط قوته لذا ربح الرهان مع نفسه حينما ترك “أيـاد” محله واحتضن خصره وهو يقول بنبرةٍ أقرب للبكاء يستجديه بها حتى لا يحزن منه:
_لأ علشان خاطري، أنا مش بحبك تزعل مني، ومش عاوز ماما تزعل هي كمان أوعدني إني لو قولتلك حصل إيه متزعلش مني ولا تزعقلي ولا ماما تزعل هي كمان.
حرك رأسه نحو “نِـهال” بثقةٍ كأنه يخبرها بعينيه أنه يعلم صغيره جيدًا أما هي فحقًا تعجبت من طريقته الجافة وازداد تعجبها أكثر بسبب نتيجة الطريقة وتغير الصغير الذي ما إن حصل على موافقة أبيه بدأ سرد تفاصيل الموقف بأكملهِ، كان يسرد عليهما لعله يرتاح بذلك من ضربة الكهرباء التي مست قلبه من الداخل..
أنهى الموقف الذي دبحه من جديد وهتف بنبرةٍ باكية:
_أنا ماكنتش عاوز أقول علشان عارف إنكم هتزعلوا مني، وخوفت أقولكم تزعقولي، وخوفت أحب “نِـهال” تمشي هي كمان، أنا أصلًا مبحبش التانية ولما بتعمل حاجة بزعل منها، لكن “نِـهال” أنا بحبها وخايف تمشي، أمي أصلًا مش عارفة تحبني، يبقى إزاي حد غيرها ممكن يحبني؟.
وقف “أيـهم” أمام صغيره مدهوشًا وقد أرخى ذراعيه بعدما كان يضمهما عند صدره، لم يصدق أن صغيره المُدلل كبر بالتجارب، تسعة أعوام عاش فيهم تجربة تسعة عشر عامًا، وقد طالعته “نِـهال” بعينين باكيتين وقد حرك رأسه لها يَحثُها على الحِراكِ وقد أخفضت مستواها للصغير وهي تقول بنبرةٍ هادئة بعدما أحتوت وجهه بين كفيها:
_بص اللي حصل دا خلاص فات، وأنا مش زعلانة منك ولا حتى بابا نفسه، بس علشان خاطري بلاش تعتبرني غريبة عنك، مش علشان مشيلتكش في بطني ابقى مش أمك، لأ الأم أكبر من كدا بكتير، الأم هي اللي بتحب وتربي وتعرف إزاي تربط على قلب ابنها، أنا والله بحبك أوي أوي، أنا أصلًا كنت مستنياك من قبل ما أشوفك وجيت زي ما اتمنيت، علشان خاطري، أنتَ ابني أنا ونفسي تصدق دا.
ابتسم لها واحتضنها وهو يقول بنبرةٍ هادئة مربتًا فوق ظهرها يُطمئنها بقولهِ:
_حاضر يا ماما، يا أحلى ماما كمان.
شددت ضمتها له بينما “أيـهم” وقف يتابعهما معًا بعينين طفقت الفرحة تعلن عن نفسها فيهما وقد حمحم بخشونةٍ يلفت النظر نحوهِ وتابع حركته بقولهِ:
_يلا علشان نوصل ماما في سكتنا.
خرج بعد جملته من الغرفة فيما نظرت “نِـهال” في أثرهِ مبتسمة وكذلك الصغير الذي بحديثه معهما تيقن أن الأم في بعض الأحيان تكون وسيلة للخروج لهذا العالم، ومنها يكتشف الصغير بنفسه هذا العالم ومن فيه.
__________________________________
<“وعيونك سود يا محلاهم، قلبي متولع بهواهم”>
في وسط النهار كانت”عـهد” تجلس في غرفتها أمام “مـي” التي أمسكت خصلاتها تُمشطها لها والأخرى تبتسم بحالمية حينما تذكرت فعله معها، أرادت أن تحدثه لكن هاتفها المُدمر جعلها تُحبط من جديد لذا مطت شفتيها بيأسٍ وزفرت بقوةٍ وقد تغيب عنها من الأمسِ، لم تفهم من الأساس تغلغل حبه داخلها بهذه الطريقة وكيف تقبلت قربه منها وألف سؤال وسؤال خاصين به هو…
لاحظت “مَــي” شرود ملامحها وابتسامتها فمالت عليها تسألها بنبرةٍ خبيثة وكأنها رفيقتها وليست أمها:
_إيـه اللي واكل عقلك يا جميل؟.
تصنعت “عـهد” عبوس الملامح لتهرب من الجواب وقد فهمت الأخرى ذلك وأمسكت وجهها وهي تلثم وجنتها وتبعت فعلتها بقولها:
_حبيبة ماما يا ناس، كبرنا وبقينا عرايس حلوين.
ضحكت “عـهد” ورفعت كفها المجروح في عقل الأصابع والمربوط برابط الضغط وهي تقول بسخريةٍ ردًا على حديث أمها:
_قصدك عرايس متخرشمين، أنا اتضربت كتير أوي يا ماما، وشي كل ضرب لما قال يا بس علشان كدا بخاف من الضرب، وبخاف إن حد يزعقلي، اسكتي وخليني ساكتة.
ربتت الأخرى على رأسها ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
_عارفة؟ أنا عمري ولا حتى في خيالي كنت أتوقع إن نصيبك يكون “يـوسف” أو حتى واحد زيه، راجل بجد وشهم وابن بلد، وفوق كل دا بيحبك وباين عليه، ربنا يجمعكم بالخير ويفرحني بيكوا مع بعض، آمين.
ابتسمت “عـهد” وقد شردت بخيالها في هذا اليوم، يوم زفافها عليه بفستانٍ أبيض يلائم أحلامها المتواضعة مع صاحب السلطة التي لم تكن متواضعة على قلبها، لاحظت أمها شرودها من جديد فابتسمت واستأنفت تمشيط خصلاتها ليصدح صوت هاتف “مَـي” برقمهِ من جديد وقد أخرجت الهاتف تجاوبه ليرد هو بكلماتٍ مقتضبة:
_مساء الخير، خلي “عـهد” تلبس وتنزل أنا مستنيها تحت ومش هأخرها عليكِ، سلام.
أغلق معها الهاتف وأخبرت هي ابنتها بأمر رسالة زوجها وقد قررت أن تنزل له بعدما بدلت ثيابها وارتدت فستانًا باللون الأسود وفوقه الحجاب باللون “البيج الفاتح” وكذلك الحقيبة، هي من الأساس تحب تناسق الألوان والثياب، كما أنها ترتدي كل الثياب على حسب المنتشر لكنها صاحبة ذوقٍ رفيعٍ في تنسيق كل ما يخصها..
لقد تخلت عن حامل الذراع ورابط الضغط ونزلت له وهو ينتظرها في السيارة وما إن طلت عليه ابتسم لها من داخل السيارة وفتح لها الباب من الداخل لتجاوره وهي تقول بقلقٍ امتزج بالسخريةِ:
_إمبارح روحنا النيابة، النهاردة فين؟ محكمة الأسرة؟.
ابتسم بسخريةٍ وقال يتهكم عليها بقولهِ:
_دا أنتِ شكلك ناوياهالي؟ بس لأ ريحي.
أغلقت باب السيارة وبدأ هو يتحرك دون أن يعطيها الجواب المُريح يعلم أنها ستموت نتيجة فضولها لكن كالعادة صمت هو ولم تسأل هي، هي فقط سلمت له بكل رضا وعن طيب خاطر طواعيةً من قلبها، فليس من المعقول أن يفعل هو كل ما فعله لأجلها وهي تُسيء الظنون فيه، لذا انتظرت لحين إنتهاء رحلة القيادة الصامتة حينما أوقفها أمام أحد الأماكن الشهيرة الخاصة ببيع الأجهزة الإلكترونية وقد نزلت ونزل هو ثم جاورها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_معايا يلا.
دلفت معه المكان بتوترٍ بالغٍ، هي من الأساس أقصى تعامل مر عليها في الأجهزة الإلكترونية كان من خلال محل هذه الأدوات بحارة “العطار”، لكن هذا المكان يبدو عليه أنه أقيم خصيصًا لعلية القوم وأثرياء البلد، يكفي هيئة الناس به، لكن العجيب حقًا هو تعرف الشباب بالمكان على “يـوسف”، الذي أخذ يرحب بهم ثم أخبرهم بطلبه وقد وُضِعَ أمامها على الطاولة الزجاجية عدة هواتف أحدث التقنيات وتوجب عليها الإختيار من بينهم وقد فرغ فاهها بصدمةٍ جلية جعلته يميل على أذنها وهو يقول بنبرةٍ هامسة:
_اختاري يا “عـهد” ولا أختارلك أنا؟.
ردت عليه بنفس النبرة الهامسة وهي تقول بتوترٍ:
_تختار إيه ؟ أنا مبحبش المنظرة دي، بعدين أنا معايا فلوس وكنت هجيب واحد عادي، مش لازم يعني يا “يـوسف”.
زفر بقوةٍ ثم أشار على الهواتف يُخيرها بينهم ليقع أخيرًا خيارها على المميز باللون الأسود وقد تيقن هو من اختيارها لهذا اللون وقبل أن يبدأ العامل في شرح كافة إمكانيات الهاتف أوقفه بضجرٍ طفيفٍ خالطته ضحكة يائسة وهو يقول:
_يا عم “توماس” أنا مش غريب، متحسسنيش إنها أول مرة أجي أخد منك حاجة، شغله يلا علشان ألحق أظبطه.
أومأ له الشاب موافقًا فيما وقفت هي حائرةً أمامه، حقًا تعجبت من قدرته وعلاقاته مع الجميع، يبدو أنه محبوبٌ من كل فئات جيله وبالأخص الشباب وقد بحثت بعينيها عن وجود فتيات حينما فكرت بسذاجةٍ في هذه الفكرة وقد فهم عليها وابتسم بزاوية فمهِ حينما فهم سبب بحثها بعينيها.
دقائق مرت وتم فتح الهاتف لها لتبدأ حيازتها عليه وقد وقع “يـوسف” على عقد الهاتف وأخرج البطاقة الائتمانية يدفع من خلالها ثمن الهاتف وبعد أن تمت عملية البيع وضعه في يدها وهو يقول بنبرةٍ هادئة بعدما ابتسم لها:
_من أتلف شيئًا عليه إصلاحهِ، بوظت وبصلح أهو.
ابتسمت هي الأخرى وهتفت بصدقٍ تخبره بما تفكر به في حال وقوفها بجوارهِ وهو يقوم بالمسح على جراحها:
_واللي مبوظتوش كمان بتصلحه والله.
طالعها بنظراتٍ مُطولة ثم سحب الهاتف من يدها يقوم بإخراج رقمه بعدما وضع الشريحة الخاصة بها وقد طلب رقمه وفتح المكالمة لمدة ثوانٍ ثم أغلق الهاتف من جديد وفسر فعله مبتسمًا بقولهِ:
_كدا أول رقم تطلبيه هو رقمي، مبروك يا عسولة.
ابتسمت حتى ظهرع نواغزها وقد لمعت عيناها من جديد له، نفسها اللمعة الأولى ذاتها، كيف غفل الناس عن عناق الجفون لمرءٍ كان يود بكل جوارحه أن يربت فقط أحدهم فوق كتفه؟ كيف لمن يعطي السعادة أن يأخذها من خلال الأثر الراجع له؟ أمسك كفها يضع في يديها وهو يقول:
_تعالي علشان نجيب Cover “جراب” حلو.
حركت رأسها موافقةً فوجدته يدخل مكانًا يجاور الأخر يختص بكماليات الهواتف الذكية، كان المكان عبارة عن معرض صغير بيه الكثير من الصور والجُمل الغزلية، وقد وقفا الإثنان معًا أمام الفتاة التي عرضت عليهما الكثير والكثير من حافظات الهواتف حتى وقع اختيار “عـهد” على واحدٍ بداخلهِ زهور صغيرة صناعية باللون البني الفاتح وقد سألتها الفتاة بوجهٍ مبتسمٍ:
_تحبي جملة معينة أو اسم أو تاريخ؟.
وقفت “عـهد” حائرة ونظرت لـ “يـوسف” الذي أخلى مسئوليته تمامًا فيما دارت بعينيها في المكان ليقع بصرها على جملة من إحدى الأغنيات العربية الشهيرة الخاصة بالعندليب الأسمر وقد ابتسمت وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_كامل الأوصاف فاتني.
حرك “يـوسف” رأسه نحوها لتتقابل النظرات من جديد وتبتسم هي بعينيها له وقد بدأت الفتاة في صنع الحافظ لها بعدما قامت بصنع الجملة من خامة معدنية تلصقها بالحافظ من الخلف ومن داخله وضعت الزهور البُنية.
أما “يـوسف” فوقف يتابع الأنماط المختلفة من الحوافظ أراد أن يفعل شيئًا مميزًا لذا سأل الفتاة بثباتٍ وهو يشير بعينيه نحو أحد الأنماط قائلًا:
_لو سمحتِ، أي صورة ممكن تطبعيها وتتحط عادي؟.
حركت رأسها موافقةً وأضافت بنبرةٍ عملية:
_تحت أمرك أهم حاجة تكون الصورة تنفع للتصغير، يعني نسبتها تكون مناسبة، وإن شاء الله تتعمل.
حرك رأسه موافقًا ثم أخرج هاتفه وفتحه على صورة عيون “عـهد” السوداوتين وقد بدا له ضاحكتين حينما التقط هو لها هذه الصورة ثم وضع الهاتف نصب عيني الفتاة التي ابتسمت له ما إن فهمت لمن ترجع الصورة وقد أرسلها لها لتبدأ في طباعتها وقد سألته باهتمامٍ قبل إتمام مهمتها بعدما تعرفت على نوع الهاتف:
_حضرتك تحب جُملة مُعينة مع الصورة؟.
حرك رأسه نحو “عـهد” وهتف بملامح شاردة في عينيها، حيث الغرق المُحبب لقلبهِ في السحر الأسود صاحب البريق النادر:
_والعيون السود خدوني.
كعادته أراد أن يُكمل ما تبدأه هي، أراد أن يكون الشطرالمجهول في حديثها وفي كلماتها وفي كل مقصد حديثٍ يحتاج له حتى يظهر معناه ويذهب عنه الجهل، طالعته بسؤالٍ من عينيها لتجد الفتاة عادت بحافظ الهاتف الخاص به مع هاتفها وقد شهقت “عـهد” بعدما رأت صورة عينيها داخل حافظ هاتفه وطالعته بغير تصديق لتجده يميل على أذنها يهتف بنبرةٍ هامسة وهو يقول:
_معلش أنا معذور، أصلي مُغرم بعيونك السود.
الفؤاد طار من محلهِ بعيدًا، والسؤال هنا كيف يكون الفؤاد سجينًا بين الضلوع ويطير بحرية محارب يحتمي في الدروع؟ كيف لقلبٍ كل يومٍ يُلاقي مصرعه على يد أقرب الأقربين أن يحتمي في الغريب؟ وأي غريبٍ هذا؟ هذا الغريب حضر من أقصى المدينة يحتمي في ديارٍ مبنية على ألمٍ، تحولت في فترة صغيرة إلى حبالٍ من الأمل.
__________________________________
<“لقد عرف حقيقة من يخصونا، أقتلوه”>
بداخل مكتب “عـاصم” بيت “الراوي”
كان “سامي” يجلس معه وهو يحاول إقناعه بالعمل مع عائلة “الخُـشت” بحديثٍ لحوحٍ جعل “عـاصم” يرفع صوته بضجرٍ وهو يقول:
_يوه يا “سـامي” !! قولت لأ خلاص، أنا مش حابب اشتغل معاه، راجل مش مظبوط وأنا أهم حاجة عندي سمعة الشغل، واحد زي دا لما حد يعرف أنه هياخد من عندنا خامات ويبقى مستثمر أكيد ناس كتير هتقلق، وأنا مش ناقص مشاكل، السوق مريح والإنتاج يدوبك ماشي كويس، بعدين أنا مش محتاج لمشاكل مع “يـوسف” دي مش خناقة في حارة “العطار” هتعاند فيها.
زفر “سـامي” مطولًا وكاد أن يفتح فمه من جديد لكن صوت هاتفه صدح برقمٍ كان ينتظره بكل ذرة تأهب قصوى وما إن وصلته المكالمة فتح المكالمة بعيدًا عن مرمى بصر “عـاصم” الذي عاد لعملهِ من جديد وقد تحدث الأخر بطريقةٍ سوقية كعادة أصلهِ:
_جرى إيه يا روح أمك؟ أنا هتذل لأهلك ولا إيه؟ نسيت نفسك؟ الواد اللي بعته ليك قبل كدا راح فين يا حيلة أمك؟.
جاوبه الأخر بسخريةٍ ردًا عليه:
_يا جدع !! دا على أساس أنهم ٣٠ ساعة مش ٣٠ سنة، هجيبه منين هو أنا مخي دفتر؟ بعدين يا حبيبي الواد بتاعك دا كان جاي خلصان أصلًا، يدوبك نزلت بيه مقبرتين واتقرأ عليه كام سورة وأتكل على الله، يعني ربنا يرحمه أو يطول في عمره كانوا كذا واحد ساعتها.
اصطكت أسنان “سامي” ببعضها وهتف بهمسٍ حانقٍ:
_ولا !! بلاش شغل العوأ دا معايا، قبل كدا قولتلي الواد بقى دكتور قد الدنيا وأهله فرحانين بيه، دلوقتي مش عارف هو فين؟ أسمع !! تقب وتغطس تعرف الواد راح فين يا إما أبلغ عنك وعن عيلتكم كلها، دا أنتوا خاطفين نص عيال البلد.
أغلق الرجل في وجههِ فيما زفر “سـامي” بقوةٍ وأغلق الهاتف وكان حينها “مُـنذر” يستمع لحديثهِ، فيبدو أن حتى “سامي” لم يعرف طريق الفتىٰ فعليه أن يستمر في محاولاتهِ وفي قرارة نفسهِ يعلم أن الهدف بات قريبًا..
في غرفة “فاتن” جلست معها “مادلين” التي كانت تنتقي أشياء حفلة ذكرىٰ مولدها وقد دارت الأحاديث بينها وبين الأخرى التي أكدت عليها بقولها:
_أهم حاجة تعزمي “يـوسف” و”عـهد” أنا عاوزة أشوفهم مع بعض ومش قادرة أروح هناك تاني، “غَـالية” مقدرتش تتحمل وجودي، ولا حتى “قـمر” وأنا كان نفسي أحضنهم أوي، وفرحانة إنك عارفة و “يـوسف” قالك.
ابتسمت لها “مادلين” وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_أنتِ عارفة إني بحبك أوي وماليش غيرك يا “فاتن” و “يـوسف” وصاني عليكِ قالي لو حصل حاجة أتابع معاه، أهم حاجة قوليلي “قـمر” دي عاملة إزاي؟ شبه مين؟.
ابتسمت لها “فاتن” بحنين طَلَّ من نظراتها وهي تقول بنبرةٍ هادئة بعدما تذكرت ملامح الفتاة خلال الدقائق القليلة التي رآتها فيها:
_زي القمر، اسم على مسمى بجد، نفس عيون “يـوسف” الدافية بلونهم البني الفاتح والرموش هي هي، وباقي ملامحها زي “غالية” بالظبط، هي عبارة عن التلاتة في ملامح واحدة، كان نفسي أخدها في حضني وأحس بريحة “مصطفى” فيها بس للأسف “غالية” مقدرتش تتحمل تشوفني قصادها.
ربتت “مادلين” على كتفها وهي تقول بآسفٍ:
_لو بأيدي كنت عزمت “قـمر” كمان وتشوفيها وتيجي كأنها قريبة “عـهد” بس أخاف بصراحة حد يركز معاها، إن شاء الله قريب تشوفيها وتحضري فرحها كمان.
هتفت “فاتن” حينها بلهفةٍ بعدما عاد لها الأمل من جديد:
_ياريت يا “مادلين”، عارفة أنا إيه اللي مخليني أبعد عن “يـوسف”؟ هو إني واثقة إنه مرتاح مع أمه واخته وعيلته، “يـوسف” الروح رجعتله من تاني برجوع أمه وأخته.
في هذه اللحظة فُتِح الباب عليهما وصاحب الفعل يسأل بنبرةٍ هادرة قتلت الاثنتين محلهما:
_مين دول اللي عايشين ؟؟ ومين اللي قالكم؟..
الآن فقط يدرك المرء أن الموت ليس فقط في الجسد أو بالإصابة إنما هناك قتلٌ من نوعٍ أخر، وهو القتل الغير رحيم خاصةً مع السهام الحادة المطلوقة من العينين الحادتين نحوهما.
____________________
لا تنسوا الدعاء لإخواننا وتذكروا أن الدعاء هو السلاح الوحيد والكلمة جهاد، تذكروا أهل فلسطين وسوريا والسودان واليمن ولبنان، اللهم نصرك الذي وعدت.
_______________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى