روايات

رواية غوثهم الفصل الرابع عشر 14 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل الرابع عشر 14 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الجزء الرابع عشر

رواية غوثهم البارت الرابع عشر

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة الرابعة عشر

“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل الرابع عشر”
“يــا صـبـر أيـوب”
____________________
قَصَدتُ بابُ الرَجا والنّاس قد رَقَدوا ..
وبِتُّ أَشكو إلى مَوْلاي ما أجدُ ..
وقُلتُ يا أمَلي فِي كُل نَائبةٍ ..
يَا من إليه لكشف الضّرّ أعتمدُ ..
أشكو إليك أموراً أنت تعلمُها ..
مالِي على حَمْلها صبر ولا جلدُ ..
وقَد مَدَدْتُ يَدي بالذُل مُفْتَقِراً ..
إليكَ يا خيرَ من مُدَّت إليه يدُ ..
_”أبو بكر الشيرازي”.
_______________________
ربما قد تأتي الرياح بما لا تشتهيه السُفن، وربما لم تعد السُفن تشتهي شيئًا، لكننا على كلٍ فقدنا السُفن وضللنا الطُرق وتقطعت بنا الـسُبل، فأين الرياح الآن لعلنا نجد من اتجاهاتها الطريق ؟.
بعدما استمع للاغنية سمح لدموعه تعلن عن نفسها فيكفيه الصمود حتى الآن، تنهد بعمقٍ وقبل أن يحرك رأسه أو حتى يعتدل في جلسته وجد كف أحدهم يحاوط عنقه وهناك شيءٌ معدني لامس عنقه ومعه صوتٌ بنبرةٍ جامدة يقول:
_اتشاهد على روحك.
تعجب من الصوت على الرغم من الذعر البائن في نظراته بسبب الموقف إلا أن الكف المرتجف الذي يقبض على عنقه قد شجعه على امساك الكف يقبض عليه والتفت بسرعةٍ كبرى يقف مواجهًا لهذا الشخص ليجد أمامه فتاةٌ ترتجف من الخوف ونطقت بتلعثمٍ وهي تجابه بنظراتها نظراته القوية لتتصل نظراتهما سويًا:
_أنـ….أنتَ مين ؟؟ و بتعمل إيه هنا ؟؟؟
رفع “يوسف” حاجبيه مستنكرًا وردد بسخريةٍ على الرغم من تعجبه من الموقف ومنها ذاتها:
_أصلًا ؟؟ أومال إيه دخلة شجبع السيما دي ؟؟ أنا قولت برضه الصوت دا أكيد وراه عيلة صغيرة.
حاولت سحب يدها من يده وهو يضغط عليها أكثر لتهتف في وجهه بصراخٍ لتخلص نفسها مما تورطت به:
_سيب أيدي، أنتَ مين أصلًا، وبتعمل هنا إيه ؟؟
ترك كفها حينما لاحظ ارتفاع وتيرة أنفاسها وخوفها منه وقد أمعن نظره في وجهها ليجدها تبتعد عنه بمسافةٍ كبرى وكأنها تحتمي منه في نفسها، لينطق بتهكمٍ:
_أنتِ عبيطة يا بت أنتِ ؟؟ أنتِ اللي مثبتاني وخايفة مني ؟؟ كان لازمته إيه دا كله يا عسولة ؟؟
سحبت نفسًا عميقًا وأشهرت سبابتها في وجهه وهي تقول بتحذيرٍ من التمادي في حقها:
_احترم نفسك لو سمحت، بعدين بتعمل هنا إيه ؟؟ وازاي تطلع هنا بليل وأنا بكون قافلة المكان بالمفتاح.
زفر بقوةٍ ثم نطق بإيجازٍ يُعرب عن وقاحته:
_بصي مش هرغي كتير علشان رغي الحريم بيصدعني، بس أنا الساكن الجديد هنا، لو مش مصدقة أسألي الحج “عبدالقادر العطار”.
رددت خلفه بتعجبٍ يخالطه الاستنكار:
_ساكن جديد ؟؟ ازاي دا وأنا معرفش ؟؟.
ابتسم بتهكمٍ يقول بسخريةٍ وقحة:
_ليه هو البيت كان ملك أهلك ؟؟ الحج “عبدالقادر” صاحب البيت دا، بس مقاليش إن سكانه قُلالاة الذوق.
التفتت توليه ظهرها بعدما شعرت بالغيظ من وقاحته وفظاظته في التحدث، فيما رفع هو صوته يقول بسخريةٍ بعدما لاحظ السكين على الأرض:
_سكينتك يا عسولة!!.
توقفت عن السير والتفتت له تقول بنبرةٍ جامدة:
_ماسميش “عسولة” اسمي “عهد”
صرخ يسألها بعدما استمع للاسم بصورةٍ خاطئة:
_إيــه “شـــهــد” ؟؟
عدلت على حديثه بنبرةٍ عالية:
_”عـــهــد” !! اسمي “عـــهد” مش “شـهد”
حرك رأسه موافقًا وقد علق الاسم في ذهنه وأوشك على التبسم لذا قتل كل ذلك متغاضيًا عنه ثم قال بنبرةٍ ساخرة:
_واللي حصل دي كانت طقوس الضيافة عندكم هنا؟؟ السكينة اللي اتحطت على رقبتي دي عادي بالنسبة ليكي؟
تنهدت بعمقٍ ثم نطقت بنبرةٍ خافتة تحاول إخفاء خجلها مما قامت بفعله:
_على فكرة مكانش قصدي أعمل كدا، افتكرتك الزفت التاني اللي بيهددني.
رفع حاجبه يسألها بنظراتٍ مُتفرسة:
_ومين الزفت الأول ؟؟ هنأبح ولا إيه ؟؟
زفرت في وجهه ثم رفعت صوتها تتشدق بنزقٍ:
_ياعم أنا الزفت دا خلاص بقى، عن إذنك.
التفتت تغادر المكان فيما وقف هو بحيرةٍ يتابع تحركها حتى وجد نفسه يبتسم ثم نطق بنبرةٍ خافتة يحدث نفسه:
_هي البت دي عبيطة ؟؟ بس عسولة.
______________________
جلس “أيوب” في مكتب الضابط بمفرده ينقر بأصابعه على المكتب محاولًا التحكم في أعصابه وغضبه اللذان أخذ دورهما يتفاقم وبدا مشوشًا، حتى فُتح الباب عليه ودلف الضابط يُشمر أكمام قميصه وهو يقول مُرحبًا بنبرةٍ حملت بين طياتها السخريةِ:
_نورتنا يا شيخ “أيوب”، دي البركة حلت على المكان.
ابتسم “أيوب” بسخريةٍ ثم نطق بنبرةٍ باستخافٍ:
_آه ما أنا عارف إن المكان في حاجة للبركة، علشان كدا جيبتوني لهنا بالطريقة دي، طب كنت عرفني أجيب المبخرة معايا.
ابتسم الضابط له بسخريةٍ ثم قال مُغيرًا مجرى الحديث:
_ قولي بقى تشرب إيه يا “أيوب” ؟؟
هتف “أيوب” ساخرًا منهم ومن المكان بعدما تذكر ما رأه بسببهم:
_وهو أنتم بقيتوا هنا بتقدموا المُر بالنكهات كمان ؟؟
تغاضى الضابط عن حديثه وسأله بُغتتةً:
_بقولك إيه ؟؟ فيه مجموعة شباب كدا ظهروا بقالهم يومين والاسم أنهم داعية إسلامية، العيال دي مشكوك في أمرهم، ليك علاقة بيهم يا “أيوب” ؟؟
رد عليه بنبرةٍ ضاحكة حمل بها السخريةِ المتوارية:
_لو عارفهم وعارف أشكالهم أكيد عارف اني مليش علاقة بيهم، بس علشان أريحك يعني رسالتك وصلت إن عينك عليا وأنك عارف كل حاجة، بس أنا بقى مبخافش من حاجة.
ثباته وبسالته في الدفاع عن حقه وحق نفسه دومًا يُجبرهم على احترامه، شخصيته القوية الثابتة على الرغم من حسن خصاله المُذاعة بين الناس أجمع تتافى مع قوة و حدته، لطالما كان أهدأ الناس في الطباع وأشرسهم في الدفاع لكن عن الحق.
وقف “أيوب” بشموخٍ ثم طالع الضابط من عِليته يقول بثقةٍ:
_تاني مرة لما تعوز تكلمني أنا ليا مكان، لو صعب عليك، فبيت ربنا موجود ومفتوح في كل وقت، وعلى العموم رسالتك وصلت.
التفت يغادر المكان بحريةٍ وكأنه يملكه وليس مجرد حالة للشك تجعلهم دومًا في حالة تخبط بسبب عدم الإيقاع به في شباكهم، لكنه اعتاد على ذلك واعتادوا هُم على هذا.
____________________
في بيت “فضل”
جلس على الفراش شاردًا يضم ذراعيه أمام صدره حتى وجد زوجته تلتفت في نومتها وتحدثت بضجرٍ بسبب الإضاءة الخافتة التي وصلتها:
_اقفل النور يا “فضل” ونام بقى.
زفر هو بقوةٍ ثم نطق بنبرةٍ خافتة كأنه مجبر على التحدث:
_مش عاوز أنام يا “أسماء” دماغي ورمت.
اعتدلت في نومتها تجلس بجواره وهي تقول بنفاذ صبرٍ:
_ها يا “فضل” ؟؟ خير إن شاء الله ؟؟
التفت بقلة حيلة ينظر لها والتخبط باديًا عليه ليسألها بيأسٍ تمكن منه وضياعٍ:
_تفتكري أنا السبب فعلًا يا “أسماء” إن “يوسف” يضيع من “غالية” ؟؟ بس مجاش في بالي خالص ساعتها إن عيلته ممكن تعمل كدا، أنا قولت معاهم أأمن عليه خصوصًا إن عمته موجودة وهو بيحبها بدل ما ييجي معانا ويحس بالتعب علشان أمه.
فهمت هي حالته التي تزوره دومًا وبدلًا من طردها يستقبلها هو على الرحب والسعة وكأنها ضيفته العزيزة، لذا هتفت بثباتٍ تُثنيه عن تفكيره:
_”فضل” ؟؟ الكلام دا ممنوش أي فايدة أصلًا، اللي بتتكلم عنه دا زمن عدى خلاص ومشي، أنتَ كنت مشغول بأختك ساعتها وببنتها، وافتكرت إن وجوده هناك أفضله، مش كل شوية تحمل نفسك فوق طاقتها أنتَ وهي، كفاية إنها مشيت بجروحها في الشارع تدور عليه زي التايهين في الملكوت، بتفتكروا تعب القلب ليه ؟؟
تنهد “بعمقٍ” ثم قال بنبرةٍ هادئة ظهرت بها الحيرة:
_مش عارف بس حصل حاجة غريبة أوي النهاردة، ومعرفتش أقولكم عليها، رغم إن فرحتي كبيرة بس الموضوع كله غريب عليا.
ضيقت جفونها تحاول فهم ألغازه وسبر أغواره، فزفر بقوةٍ ثم قال وهو ينام على الفراش:
_بكرة إن شاء الله هقولكم وأكون فوقت وأعرف أفرحكم.
أولاها ظهره يحاول الهروب من فضولها بينما هي ضربت كفيها ببعضهما وهي تقول بصوتٍ عالٍ ونفاذ صبرٍ:
_صبرني على العيلة بنت المجانين دي يا رب بدل ما أقل أدبي عليهم، صبرني قبل ما أقتل حد منهم.
_____________________
دلف “يوسف” شقته من جديد بعدما نزل من سطح البيت وتعكر صفو جلسته بتلك المقابلة الغبية مع هذه الفتاة، دلف الغرفة الكبيرة ينام على الفراش ثم أخرج هاتفه يفتحه على صورةٍ تظل هي كنزه الثمين مهما مر العمر عليه، كانت صورته جالسًا على الأريكة يفرد قدميه للامام و “قمر” صاحبة الاسبوع الأول من عمرها تنام على قدمه وهو يمسكها بيده وضحكته الواسعة على وجهه بانتصارٍ كونه استطاع تنفيذ رغبته في التقاط هذه الصور،عاد بذاكرته إلى الماضي القديم تحديدًا في عمره السابع وهو يتذكر ذلك اليوم وذلك الموقف.
(منذ زمنٍ بعيد)
وقف “يوسف” في غرفة والدته في البيت بعدما عادت والدته بشقيقته الصغرى من المشفى وتحديدًا بجوار فراش شقيقته الخشبي يهزه بسرعةٍ كبرى فهتفت “غالية” تترجاه أن يتوقف بقولها:
_خلاص يا “يوسف” دي صغيرة يا حبيبي.
هتف “مصطفى” بنبرةٍ ضاحكة يوقفها:
_سيبيه يا “غالية” فرحان بأخته، طب دا مش قادر حتى على بُعادها عنه.
سأله “يوسف” بحماسٍ:
_ بابا هي اسمها إيه ؟؟ مش هيكون عندها اسم ؟؟
ردت عليه “غالية” بنبرةٍ ضاحكة:
_سيبنالك أنتَ المهمة دي، شوف هتسميها إيه؟؟
ازداد حماسه وارتفع معدل فرحته بمقاديرٍ عالية عن السالف ثم نظر في وجهها الأبيض المستدير، وتلمس وجنتيها الناعمتين بأنامله ليبتسم بصفاءٍ ونطق بنبرةٍ حماسية كمن استدل على ضالته:
_”قــمر” دي شبه القمر ولما تكبر هتكون زيه.
ردد “مصطفى” خلفه بنبرةٍ بدت ناعمة وهو يتغنى بحروف الاسم:
_”قمر مُصطفى الراوي”
تبعه “يوسف” مُعلقًا بحماسٍ وفرحةٍ:
_”قمر مصطفى الراوي” حبيبة قلب “يوسف الراوي”
(عودة إلى هذه اللحظة)
توسعت ضحكته ولمعت العبرات في عينيه وهو يقوم بتكبير صورتها وقال بنبرةٍ مُحشرجة وكأنه يُحدثها:
_وحشتيني أوي، أكيد بقيتي اسم على مُسمى زي ما كنت عاوز، لسه فاكر لما أخترته بعدما عرفت قصة سيدنا “يوسف” وقولت أني هسميكي “قمر” أنا دلوقتي عاوزك معايا عندي أمل إن اللي باظ كله يتصلح على إيدك، و يارب خيب ظني وتطلع أمي مستنياني، أنا مش حمل كسرة زي دي منها، يا رب ألاقيكم هنا، رغم إني متأكد إن قلبي وروحي كلهم هنا.
أغلق هاتفه ثم رفع كفه يمسح وجهه ثم ضغط على ميدالية المفاتيح الخاصة به التي تحمل القمر وأسفله كلمة “قمر” حيث قام والده بصنعها وحصل عليها هو لتظل دومًا معه.
______________________
في صباح اليوم التالي.
في بيت العطار تحديدًا تجمع “عبدالقادر” مع أبنيه وحفيده الذي أمسك كفه حتى جلسوا حول المائدةِ مع بعضهما وقد أتت لهم “آيات” هي الأخرى تُلقي عليهم التحية بقولها:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، صباحكم عسل.
ردوا عليها التحية مع بعضهم حتى جاورت “أيوب” في الجلوس فنطق والدها يسأل “أيهم” باهتمامٍ:
_قولي صح عملت إيه امبارح في مشوارك ؟؟
رد عليه بلامبالاةٍ:
_ولا أي حاجة، الناس عندهم مشاكل أسرية ومكانش ينفع الكلام في أي حاجة معاهم، علشان كدا فضيتها سيرة ومشيت أصلًا.
تدخل “إياد” يقول بشفقةٍ على “نهال”:
_طنط كانت بتعيط امبارح يا جدو، وكانت خايفة بس أنا روحت اديها منديل علشان تمسح دموعها، زي ما “أيوب” قالي لو شوفت حد بيعيط روح ساعده.
رد عليه “عبدالقادر” بنبرةٍ ضاحكة:
_آه….علشان كدا حضنت زميلتك في المدرسة لما كانت بتعيط ؟؟ حنين أوي يا أخويا ؟؟.
ضحك عليه البقية فيما أشار هو على عمه يهتف بنبرةٍ ضاحكة:
_ماهو “أيوب” هو اللي قالي، أنا مالي.
رد عليه “أيوب” بنبرةٍ عالية:
_ولا متستعبطش، أنا قولتلك اللي زعلان، مش اللي زعلانة، أنتَ اللي فهمك بطيء وحنين زي أبوك.
راقص “أيهم” حاجبيه له باستفزازٍ فيما قال والدهم:
_طب الجمعة الجاية إن شاء الله الواد المتخلف “تَـيام” هييجي يتقدم ليكي، خلاص أنتِ موافقة ؟؟
رغم الخجل الذي هجم عليها إلا أنها استطاعت تحريك رأسها موافقةً، ليقول “أيوب” بنبرةٍ ضاحكة:
_كنت واثق والله، “تَـيام” ابن حلال وأنا هكون متطمن عليكي معاه، وكفاية أنه بيحبك بجد ومقدرك أنتِ لشخصك.
حركت رأسها موافقةً وهي تبتسم بخجلٍ فقال “عبدالقادر” من جديد:
_طب “أيوب” إن شاء الله هيتقدم لـ “قمر” بنت أخو “فضل” وعلى ما أظن كدا أنه فاتح أهلها في الموضوع.
شهقت “آيات” بفرحةٍ ورددت بعدها:
_اللهم بارك، بسم الله ما شاء الله، فرحت علشانك أوي.
أبتسم لها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_ربنا يديم على قلبك الفرح، بس لسه مش هعمل حاجة قبل ما أصلح اللي حصل زمان، لازم المواقف تتعدل ولازم ابدأ كل حاجة بصراحة.
سأله “أيهم” باهتمامٍ:
_قصدك إيه ؟؟.
أردف له بتفسيرٍ لوجهة نظره:
_يعني مش هاخد خطوة غير لما “يوسف” يكون حاضر كل حاجة ويكون مع أخته، وهي تعرف أنه موجود، لكن قبل ما دا يحصل أنا مش هعمل أي حاجة، علشان بالنسبة ليا اجتماعهم سوا أهم من وجودي معاهم.
سأله “عبدالقادر” بنبرةٍ جامدة:
_أنتَ قد كلامك دا ؟؟ علشان بس أنتَ اللي هتتحمل مسئولية قرارك.
حرك رأسه موافقًا بإصرارٍ جليٍ، جعل والده يقول ببساطةٍ:
_يبقى تخلي بالك علشان “يوسف” مش بالساهل هيوافق إن حد يشاركه في أخته، خصوصًا بعد الفراق دا كله.
رغم القلق الذي اعتلى ملامح “أيوب” إلا أنه قال بثباتٍ:
_أنا نيتي خير ومش قاصد شر لحد، علشان كدا قررت إن هو يحضر كل حاجة ويكون معايا.
استمرت نظراته مع “عبدالقادر” لبعضهما فقال “أيهم” بنبرةٍ هادئة بعدما لاحظ تلك النظرات:
_طب أنا هروح للحج “شلبي” تاني علشان المخزن هيتقَفل النهاردة لما المصنع يجيب الحاجة، عاوزين حاجة ؟؟
رد عليه “عبدالقادر” بتأكيدٍ:
_الحج دا تبعنا ريحه ولو الظروف معصلجة شوية متشيلش هم أنا أضمنهولك أنه عمره ما هيتعبك بس خلي بالك في التعامل معاه.
حرك رأسه موافقًا ثم سحب مفاتيحه وهاتفه ورحل من مكانهم نحو بوابة البيت.
________________________
في شقة “فضل” صباحًا
جلس بجوار ابنه “عُدي” الذي استعد للنزول إلى عمله والنساء يضعن الفطار على الطاولةِ فهتف “فضل” بعد جلوسهن بجواره:
_عاوز اقولكم إن “قمر” جالها عريس تاني امبارح.
توجهت الأبصار كلها نحوه فيما هتف “عُدي” بنبرةٍ ضاحكة:
_إيه الجديد ؟؟ بس هي توافق يمكن العُقد دي تتحل، هتدينا كلنا واحدة مش موافقة تجيب أجل أبونا كلنا، صح يا قمورة؟
ردت عليه بقلة حيلة:
_يا “عُدي” دا جواز مش لعبة يعني أي حد ييجي يتقدم أوافق وتتحسب عليا مرة وخلاص ؟؟ مش بحس إن منهم حد شبهي كدا، دايمًا حاسة إن فيه فروق بيني وبينهم.
أيدتها “ضُحى” بقولها:
_بصي من غير كدب يعني، المواضيع دي لازم فيها الرضا والراحة وبلاش تقولي يمكن ارتاح، علشان يمكن دي ياختي في الأخر بتيجي على دماغك أنتِ.
نطقت “غالية” بنبرةٍ هادئة تقول:
_أهم حاجة إنها تكون مرتاحة، أنا مش هغصب عليها بحاجة، بس أنا نفسي قلبي يتطمن عليها وارتاح أنها مع راجل بجد، غير كدا أنا لا يمكن أفرط فيها.
تحدثت “قمر” بقلقٍ من الموضوع الذي تكرهه:
_ خالو ممكن بلاش السيرة دي ؟؟ بجد أنا مش مستعدة للموضوع دا.
هتف صراحةً بدون تزيين وكأنه برمج الحديث في عقله:
_حتى لو العريس دا “أيوب العطار” برضه هترفضي؟؟
_آه هرفض حتى لو كان ميـ…..مين ؟؟ قولت مين ؟؟؟
بعدما كانت ترد عليه رافضةً وجدت نفسها تسأله بلهفةٍ عن اسم العريس ليجاوبها هو مُبتسمًا:
_زي ما سمعتي كدا، “أيوب” طلب إيدك مني ومستني ردك عليا علشان يعرفه، أقوله إيه يا “قمر” ؟؟
شعرت بالقلق والتوتر من خالها، فكيف ستخبره بموافقتها بعد كل العروض التي سبق ورفضتها، كيف تخبره أنها كانت تنتظر عرضه ؟؟ ابتسمت “قمر” بسعادةٍ بالغة دون أن تعي لنفسها، بينما “اسماء” أطلقت زغرودة عالية اجفلت أجسادهم بسببها، حتى هدر زوجها يسألها بعنفٍ:
_أنتِ مجنونة يا “أسماء” ؟؟ هو لسه حصل حاجة؟؟
ردت عليه بسعادةٍ بالغة ظهرت على ملامح وجهها:
_يا أخويا دي الفرحة نفسها مخلياني متجننة، البت دي موافقة وأنا موافقة مات الكلام، قولي بس أوضب البيت وأجهز الحاجة، دول مش أي حد برضه.
راقبت “غالية” ملامح وجه ابنتها، وفهمت السعادة البادية على ملامحها، لذا عانقتها وهي تقول بصوتٍ مختنقٍ:
_ربنا يجعله من نصيبك يا رب.
هتف “عُدي” بفرحةٍ كبرى:
_بأمانة حاجة تفرح بجد، إنسان سمعته زي الجنيه الدهب، ربنا يكرمك بيه لو ليكي نصيب معاه.
تشبثت بوالدتها وهي تبتسم بسعادةٍ بالغة لا تتخيل أن مرادها يتحقق بتلك السهولة، فيما لمعت العبرات في عينين “غالية” وهي تربت على ظهر ابنتها.
________________________
جلس “يوسف” في الشقة بمللٍ يُدخن سيجارته وهو يفكر في كيفية التصرف مع “عبدالقادر” حتى يصل لوالدته وشقيقته، فصدح صوت جرس الشقة فعقد حاجبيه ثم توجه نحو الباب يفتحه فوجد أمامه طفلين على عتبة الشقة وفي يد كلٍ منهما حقيبة بلاستيكية فسألهما متعجبًا:
_نعم ؟؟ أنتم مين ؟؟
هتف كلاهما في آنٍ واحدٍ بضحكةٍ واسعة:
_احنا “إياد” و “أبانوب”
هتف يُخمن بسخريةٍ:
_أيوة يعني جايين هنا تصوروا فيلم “حسن و مرقص” ولا إيه يعني ؟؟ أنتم مين ؟؟
هتف “إياد” مُعرفًا نفسه بمرحٍ:
_أنا “إياد” ابن “أيهم العطار” أنتَ “يوسف” صح؟؟
حرك رأسه موافقًا فوجد المصعد يُفتح وخرج منه “بيشوي” يمسك في يده الحقائب البلاستيكية الكبيرة ثم اقترب منه يقول بأدبٍ:
_مساء الخير، معلش بقى هما سبقوني عاوزين يشوفوا الضيف اللي نور حارة العطار، معاك “بيشوي”
سأله مستنكرًا بعدما تعجب من الاسم:
_إيه ؟؟ مين ؟؟
رد عليه “بيشوي” مُعرفًا نفسه بهدوء:
_”بيشوي جرجس يوحنا”
أبتسم “يوسف” وهو يقول بقلة حيلة:
_يا عم خلاص صدقتك والله، دا أنتِ مسيحي أوي.
ضحك “بيشوي” ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_طب اتفضل الحاجات دي الحج باعتها علشانك البيت فاضي، لو تحب حاجة مُعينة اطلبها توصل لحاجة عندك.
هَمَّ “يوسف” بالنطق مُعترضًا فقرأ “بيشوي” الإعتراض في نظراته لذلك أوقفه قائلًا:
_مفيش حد يقدر يرفض حاجة من “العطار” الكبير، دي أصول الحارة ومحدش يقدر يعديها، اتفضل وتعالى معايا علشان الحج عاوزك في البيت.
هتف “يوسف” بنبرةٍ جامدة:
_أنا محدش يجبرني على حاجة، اللي عاوزه بعمله وبرضه من غير ما أعدي الأصول، أنا هنا ضيف.
أبتسم “يوسف” بزاوية فمه ثم نطق بثباتٍ:
_أنا فعلًا اتأكدت إنك مُتعب، بس هنا بقى إحنا حاسبينك صاحب مكان مش ضيف، هنستناك تنورنا يا “يوسف”.
التفت بعدما وضع الحقائب في يده فيما نطق الصغيران بمرحٍ:
_سلام يا “يوسف”.
رحلوا مع بعضهم فيما وقف “يوسف” يرمش ببلاهةٍ ثم نطق باستنكارٍ:
_مين الناس المجانين دي ؟؟ أنا هستحمل دول إزاي ؟؟
______________________
وصل “أيهم” لمحل “شلبي” بوقارٍ يليق به دومًا وخاصةً وهو يرتدي حلةً رمادية اللون تتناسب مع وسامته و هيبته البادية على ملامح وجهه، ثم دلف المحل يقول بنبرةٍ هادئة:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رفعت “نهال” رأسها من على الأوراق أمامها وهي تقول بنبرةٍ هادئة ارتبكت عند رؤيته أمامها:
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته…اتفضل.
دلف بخطواتٍ هادئة يقول بأدبٍ:
_ازي حضرتك، الحج موجود ؟؟ أنا اللي كنت هنا امبارح.
حركت رأسها موافقةً ثم وقفت وهي تمد يده لها ترحب به قائلةً:
_أهلًا وسهلًا، اتفضل هو قالي على كل حاجة وأنا هتفق معاك على اللي عاوزينه.
مد يده لها حتى لا يُحرجها ثم نطق بنبرةٍ خافتة:
_حضرتك اللي هتتفقي معايا على الرخام ؟؟
حركت رأسها موافقةً بثباتٍ وشموخٍ، فسألها هو بحذرٍ:
_حضرتك بعد اللي حصل امبارح؟؟ هتقدري ؟؟
ابتسمت بسخريةٍ ثم هتفت بنبرةٍ ضاحكة:
_لأ عادي متقلقش أنا واخدة على كدا، جرحي بيلم بسرعة.
أبتسم لها ثم قال بتشككٍ:
_هو كلام مش حقيقي يعني بس براحتك، لأن اللي بيقولوا كدا دول أكتر ناس جروحهم مفتوحة، بس طالما قررتي تتجاوزيه يبقى تمام.
جلس بعد حديثه ثم أخرج هاتفه يقول بنبرةٍ هادئة:
_دي ألوان الرخام والأنواع وأظن إنك عارفاهم يعني، شوفي اللي حضرتك عاوزاه، وأنا هسجله وهييجي من المصنع لحد هنا علطول.
فتشت في هاتفه وهي تراقب صور الرخام حتى وجدت صورته مع صغيره وهو يحمله على كتفه ويضحك كلٌ منهما باتساعٍ فابتسمت هي بتأثرٍ وقد لاحظها هو فسألها هو بتعجبٍ يسخر من بسمتها:
_هو الرخام عجبك اوي كدا ولا إيه ؟؟
حمحمت هي بخشونةٍ ثم مدت يدها له بالهاتف بارتباكٍ فلاحظ هو الصورة وفهم سبب بسمتها وقد استنتج من حادث الأمس سبب التأثر لذا نطق وهو يراقب ملامح ابنه:
_دا “إياد” ابني زي ما شوفتيه كدا هو أحلى حاجة في الدنيا كلها، مليش غيره بشوف الدنيا كلها فيه.
ردت عليه بنبرةٍ غلفها الحزن:
_ربنا يباركلك فيه، ويحفظه لمامته.
رفع عينيه لها ثم نطق بإصرارٍ:
_ربنا يخليلهولي أنا، هي ملهاش حق فيه.
عقدت ما بين حاجبيها، فزفر بقوةٍ ثم نطق بنبرةٍ خافتة:
_ينفع نسك على السيرة دي بقى ؟؟ ونرجع لشغلنا؟؟
حركت رأسها موافقةً وقد استشفت ألمه بسبب سيرة زوجته، بينما هو نظر أمامه بشرودٍ يفكر في صغيره.
______________________
في منطقة نزلة السمان، في أحد الكافيهات الخاصة بـ “نعيم” جلس “إيهاب” يتابع الحسابات و كافة الشئون الخاصة ومعه “إسماعيل” الذي أشرف على المكان عمليًا وهو يراقب كافة تفاصيله.
أتى لهما “مُـحي” يسير مُتبخترًا برأسٍ مرفوع حتى جلس بجوار “إيهاب” الذي قال بسخريةٍ:
_أخيرًا يا “مُـحي” نورت ؟؟ عملت إيه في الكافيه التاني؟؟
رد عليه بنبرةٍ ضاحكة أظهرت راحته:
_المكان هناك جامد أوى والبنات حلوين أوي، خليني هناك.
رفع “إيهاب” الدفتر يضربه به في وجهه حتى اقترب منهما “إسماعيل” يقول بسخريةٍ:
_يا سلام ؟؟ هي دي اللي مزعلاك ؟؟ دا عنده ١٩٨ رقم كلهم حبيبي وكل واحدة جنبها رقم، ياسطا دا عامل موسوعة بيهم.
رفع “إيهاب” صوته يقول بضجرٍ:
_يا أخي منك لله، طب باصي للواد الغلبان دا أي واحدة.
رد عليه “مُـحي” بقلة حيلة:
_والله يا أخويا مش راضي، اسأله.
تدخل “إسماعيل” يقول بضيقٍ منهما:
_بس يا عم هي ناقصة أشكاله دي، طب قوله العروسة اللي أبوه جابهاله رفضها ليه، رغم أنه كان عمال يزن علشان يوصلها.
رد “مُـحي” بضجرٍ من سيرة الفتاة:
_بس يا عم دي كانت بت زنانة، صحيح الجمال مش كل حاجة، كلت دماغ أمي وفضلت تقولي أمسح البنات اللي عندك، أنا ولا البنات اللي عندك لحد ما ريحتها.
سأله “إيهاب” مُتعجبًا:
_ليه عملت إيه يعني ؟؟.
جاوبه بفخرٍ يمتزج بالمرح:
_قولتلها بس كدا، أنتِ في عيني بكل البنات، ومسحتها من عندي، هي ناقصة وجع دماغ يا عمهم ؟؟!.
ضحك “إيهاب” وكذلك “إسماعيل” فيما هتف “مُـحي” مسرعًا حينما تذكر أمر عمله:
_بقولك صح، حصل حاجة في الكافيه اللي عند الغرب، قولت أعرفك علشان عرفت أنها حصلت قبل كدا.
انتبه له كلاهما، فقال هو بتشككٍ:
_كان فيه اتنين قاعدين مع بعض عادي وبيضحكوا ويتصورا، ولدين صحاب، مرة واحدة قاموا مسكوا في بعض ومنهم واحد كسر ازازة وخلى الناس تجري والبنات اتضايقوا من المكان، لما طردتهم عرفت بعدها من العيال اللي شغالة هناك أنها مش اول مرة بس كانوا ناس تانية غير دي بس محدش قال على أساس أنه موقف عدى وخلاص، بس اشمعنا عند مكان “يوسف” تحديدًا؟؟
عقد “إسماعيل” ما بين حاجبيه بتعجبٍ فقال “إيهاب” بغموضٍ:
_مفيش غيره “سراج” ولو هو يمين بالله هجيب رقبته.
اتسعت عينان “إسماعيل” عند ذِكر اسمه وقد فهم “مُـحي” سبب المشكلة بينما “إيهاب” انتفخت أوداجه غضبًا، ليجد أحدهم يقول ببرودٍ ثلجي:
_شكلك فهمت يا عمهم، معاك بقى “سراج” بنفسه.
توجهت الأبصار نحوه بدهشةٍ، ذلك الرفيق القديم الذي أصبح مع مرور الوقت عدوًا لهم، وكأن قلبه لم يحمل يومًا ودٍ لهم، لكن الغير متوقع هو تواجده هنا بعد كل تلك الفترة.
_____________________
قرر “يوسف” العناد مع “عبدالقادر” ولم يتجه له نحو بيته، وقرر الجلوس في البيت ومع مرور الوقت شعر بالجوع لذا فتح الحقائب يفتش بها فوجد ما لذ وطاب وتشتهيه الأنفس فقال لنفسه بسخريةٍ:
_رغم أني مش طايقك يا حج، بس شكلك بتفهم.
قام بأخذ المعلبات ثم جلس أمام الطاولةِ يضع عليها الطعام يقوم بعمل الشطائر السريعة، فوجد الجرس يصدح من جديد، لذا أخذ الشطيرة التي قام بصنعها واتجه نحو الباب يفتحه فوجد أمامه “أيوب” يبتسم له.
رفع “يوسف” حاجبيه مستنكرًا ثم ردد ساخرًا:
_إيه جو الوحدة الوطنية دي ؟؟ الصبح الأستاذ “بيشوي” وبعدها الشيخ “أيوب” ؟؟ أخر ما يزهق مني هيجيبلي حد من المعبد اليهودي ؟؟
تلاشت بمسة “أيوب” ثم نطق بنفس السخريةِ:
_والله أنتَ بأسلوبك دا مش نافعك حتى حد من معبد الكرنك، بس على العموم جاهز علشان اللي ليك عندي تاخده؟؟
عقد “يوسف” مابين حاجبيه وقد انبسطت ملامحه على الفور وظهرت اللهفة في عينيه وقد أوشك على فهم حديثه.
_____________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى