روايات

رواية غمرة عشقك الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم دهب عطية

رواية غمرة عشقك الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم دهب عطية

رواية غمرة عشقك الجزء الثامن والثلاثون

رواية غمرة عشقك البارت الثامن والثلاثون

رواية غمرة عشقك
رواية غمرة عشقك

رواية غمرة عشقك الحلقة الثامنة والثلاثون

دخلت صفاء غرفة ابنتها فوجدتها جالسة على الفراش كحالها منذ الأمس لا تخرج ولا تكلم
أحد وكلما سالوها تخبرهم بانها في خلاف مع
احد الاصدقاء ادت للخصام لذلك هي حزينة من انقطاع علاقتها بصديقتها المقربة……
جلست صفاء جوارها وهي تمرر يدها على شعرها البني المنساب كستار حريري على كتفها…..قالت
“وبعدين معاكي ياحبيبة….مشكلة بينك وبين صاحبتك تخليكي عامله كده في نفسك…..”
نظرت لها حبيبة ثم قالت بنبرة متحشرجه من
كثرة البكاء……
“انا كويسه ياماما………مفيش حاجة……”
قالت صفاء بحسن نيه……
“طب اديني رقم صاحبتك وانا اكلمها وحل المشكلة اللي ما بينكم وصلحكم على بعض……”
امتنعت حبيبة بهدوء……
“لا ياماما……انا كلمتها امبارح بليل وتصالحنا…”
سالتها والدتها بتعجب…..
“كلمتيها……………طب فين تليفونك……..”
توترت قليلاً وهي ترد على امها بتقطع…..
“تليفوني……تليفوني على الشاحن……….حطاه على الشاحن…….. بتسألي ليه…….”
عقدت والدتها حاجبيها موضحه…..
“اصلي ديما لما بدخل عليكي بلقيه في ايدك…..من امبارح وهو مختفي……..”
توترت اكثر وازداد احمرار وجهها فقالت بتلعثم….
“موجود……على الشاحن بس………مستنياه لم يشحن……”
نظرت لها امها بشك وسالتها بتريث….
“انتي مخبيه عني حاجة ياحبيبة……..احكيلي يابنتي دا انا امك……..”
ليتها قادرة على البوح………الامر مخجل ومخزي…و ربما تصرفت امها كما فعل ابن عمها وتضربها وتخبر
والدها فهي لا تخفي عنه شيءٍ خصوصاً ان كان
الأمر في خاصة بهذا الشكل……..
ابنتك الوحيدة والتي باتت في سن المراهقة غارقة
في الحب من مَنْ؟…. شاب مستهتر كان يعبث بمشاعرها ويستغل سذاجتها وخبرتها الخام في العلاقات ليُقع بها…وبالفعل باسم الحب تعلقت به ولوثت اخلاقها وتلاعبت بثقة الجميع….
وصلتِ للقاع يا حبيبة ورغم كل ما حدث مزال لديكِ
رغبه حمقاء بالتواصل معه والاطمئنان عليه……انتِ تبكي منذ أمس لسبب واحد فقط ان ما بينكم انتهى ونسيتِ البكاء على سخافة الموقف التي تعرضتي
له امام ابن عمك و زوجته………..
فاقت من شرودها على صوت امها بتساؤل…….
“مردتيش يعني………..انتي مخبيه عني حاجة…..احكيلي…….”
هربت حبيبة من عينا امها قائلة…
“مفيش اي حاجة ياماما……..ولو في حاجة هقولها……هخبي عنك ليه………”
اومات صفاء بعدم اقتناع…..لكن الضغط عليها الان بالاسئلة لن يجدي نفعًا ربما سالتها فيما بعد……..
صدح جرس باب الشقة في تلك الاوقات…. فاتجهت صفاء للخارج لفتح الباب…….
عندما فتحت صفاء الباب غمر انفها عبق عطر انثوي غالي…… وعندما رفعت عيناها على الزائر… فكانت فتاه شديدة الجمال تلمع هكذا بشكلٍ لا يصدق….
تلمع باناقة وثراء واضح…… في كل جزء بها سواء بملابسها وحقيبتها الغالية… او بالاكسسورات الانيقة التي ترتديها…. باستثناء شعرها الناعم الطويل شديد السواد كان حالة اخرى مضافة لها من الجمال…..
نظرت نور للمرأة من خلف نظارتها السوداء الباهظة
وتنحنحت بحرج قائلة…..
“هاي ياطنط….. دا بيت حبيبة حامد…. صح……”
اومات صفاء ومزالت ترمقها من أول راسها حتى اخمص قدميها……
“ايوا يابنتي…. انتي مين…….”
قالت نور بابتسامة ناعمة….
“حبيبة الشامي……….. صاحبتها…….”
نظرت لها صفاء بتشكيك ونزلت عليها ببوابل
الاسئلة…….
“صاحبتها….. بس انا اول مرة اشوفك…. انا اعرف صحاب حبيبة كلهم…. واقرب اتنين ليها وبيجوا هنا علطول هما هنا وشذى………انتي تعرفيها من
امتى…..شكلك اصغر منها…… معقول في نفس الكلية…. ”
ظلت الابتسامة محفورة على شفتيها وهي تجيب
عليها بتمهل…….
“لا ياطنط انا لسه في تالته ثانوي….. ويوم ما دخل جامعه هدخل اعلام ان شاء الله……يعني انا متعرفه عليها من كام شهر…….. عن طريق هنا وشذى… ”
سالتها صفاء مجدداً بعدم اقتناع……
“وانتي تعرفي هنا وشذى منين انتي قريبتهم….”
الن ينتهي هذا التحقيق…..اجابت نور
بصعوبة قائلة……
“تقريباً……..”
اشتمت صفاء رائحة الكذب فسالت بشك….
“تقريباً إزاي يعني !!…. انا اعرف اهليهم واحد واحد…. ومفيش حد فيهم عنده قرايب مستوى كده…. انتي ابوكي اسمه ايه……”
ردت نور بفتور….
“توفيق الشامي…….”
قالت صفاء بتذكر…..
“توفيق الشامي….. اه دا اللي فاتح على اول الشارع مخبز…….”
فلتت من بين شفتي نور ضحكة تعجب معقبه…
“مخبز !!!….. عسل ياطنط…..لا بس مش هو اكيد تشابه اسماء………. هي حبيبه هنا ولا لا….”
“هنا…….. ادخلي…..”قالتها صفاء وهي تبتعد عن الباب ومزالت تحدق في نور بريبه….. بينما دخلت
نور وهي تزفر قائلة في سرها…..
” أخيراً التحقيق خلص…… ”
وقفت صفاء عند غرفة حبيبة وفتحتها ثم
قالت لابنتها من الداخل…
“حبيبة….في واحده صاحبتك مستنياكي في
صالة……”
نظرت لها حبيبة من جلستها متسائلة….
“صاحبتي…… صاحبتي مين ؟!…..”
طلت نور براسها من بين فتحت الباب وفوق ذراع صفاء المعلق على اطار الباب…..
“انا يابيبه……..نور…….”
ابتسمت حبيبة وهي تنهض قائلة بحفاوة رغم
حزنها البادي عليها….
“نور……….اي المفاجأه الحلوة دي……عامله إيه… وحشاني…. ”
عانقتها حبيبة بقوة وهي تسلم عليها بحفاوة…..
بادلتها نور السلام متسائلة…..
“انا الحمدلله… وانتي وحشاني اكتر….. بكلمك من امبارح تلفونك مقفول……”
ردت حبيبة بتردد…..
“آآه فاصل شحن……….اي اخبار المذكرة….”ثم نظرت حبيية لامها وقالت لصديقتها…..
“تعالي ندخل جوا نتكلم….. بعد اذنك ياماما…….”
سالتها والدتها وهي تدلف للمطبخ……
“اعملكوا حاجة تشربوها……”
ردت نور بلطف……
“مرسي ياطنط……….ملوش لزوم…….”دخلت حبيبة الغرفة بصحبة صديقتها……
سحبت نور شالها من حول عنقها ثم رفعت النظارة اعلى راسها و جلست على الفراش قائلة…..
“اي الأخبار…..”
اومات حبيبة بهدوء…..
“الحمدلله……..”
قالت نور بدون مناورة…..
“على فكرة انا مش جايه من نفسي…….”
ردت حبيبة بيقين……
“احمد اللي باعتك….”
رفعت نور حاجبها بغرابة….. “عرفتي منين……”
هزت كتفها بوجوم قائلة……. “حسيت……..”
قالت نور بابتسامة هادئه……
“هو قلقان اوي عليكي……..وبعتني عشان اطمنه……وكمان عايز يكلمك ويطمن عليكي
بنفسه…….قولتي إيه……..”
امتنعت حبيبة سريعاً…..
“لا مش عايزه…..كبري دماغك…….”
سألت نور باستفهام…..
“هو انتوا فعلاً سبتوا بعض…….”
اجابت حبيبة بوجوم…… “أيوا سبنا بعض…….”
قالت نور مندهشة…..
“معقول……دا انتوا بتحبوا بعض اوي……”
اخرجت حبيبة زفرة واجمه وهي تقول
بتعب….
“كل شيء قسمة ونصيب…واحنا ارتبطنا دلوقتي كان اكبر غلط….احنا لسه صغيرين ودرستنا ومستقبلنا اهم من اي حاجة……”
مطت نور شفتيها قائلة باستهانه…..
“واي المشكلة يعني لو كملتوا دراستكم وانتوا
مع بعض…….”
هزت حبيبة كتفها قائلة ببساطة بها لمحة من الحزن……..
“الموضوع مش سهل زي مانتي فاكرة يانور……انا حياتي غير حياتك……مينفعش اربط نفسي بواحد
من ورا اهلي………”
ردت نور ببساطه….
“بس انتي فعلاً عملتي كده ياحبيبة……”
ترقرقت الدموع بعينا حبيبة وقالت
بندم……
“ايوا وندمت……”
سالته نور بصدمة….
“ندمتي انك حبتيه…….”
خفق قلب حبيبة بوجع وهي تهز راسها
بنفي…..
“لا طبعاً….. بس ندمت اننا ارتبطنا بطريقة دي….. الموضوع اتقفل اكتر لما ابن عمي عرف اللي بيني وبين احمد…….انا عشت امبارح أسوء موقف
في حياتي………بجد موقف وحش مفيش بنت
تتمنى تتحط فيه………”
ترددت نور قبل ان تسأل…..
“هو ابن عمك ضربك فعلاً…….”
برمت حبيبة شفتيها بغضب من الموقف باكمله
وهي تسرد لها…….
“لا كسر تلفوني…. وشدني من الطرحه وكان عايز يضربني لولا سمر لو مكنتش بينا كان زماني بايته في المستشفى…”
قالت نور بتذكر……
“سمر اخت احمد صح……مرات ابن عمك ده…. ”
اومات حبيبة بالايجاب……فقالت نور بتعاطف مع
صديقتها……
“الحمدلله انها عدت……معلش طالما اهلك صعبين اوي كده…..ابعدي عنه الفترة دي لحد ما الامور تهدى…….”
هزت حبيبة راسها بنفي مؤكده باصرار…..
“مش الفترة دي….انا هبعد عنه خالص يانور…
وكفاية كده……..”
اومات نور بتفهم ونصحت إياها
برفق……
“زي ما تحبي……في نهاية دي حياتك……..وانتي ادراى بيها…..المهم تبطلي عياط وتخرجي من المود
الكئيب ده…….ارجعي لكليتك وللمذكرة لصحابك ولحياتك وكبري دماغك من اي حد……..”
قالت حبيبة بوجوم…… “دا اللي هيحصل…….”
صدح هاتف نور في تلك الاوقات وانار الهاتف باسم أحمد……..ورات حبيبة الاسم بوضوح رغم خفقات قلبها المتسارعه إلا ان هناك شعور كان مُر قاسي
يموج بحلقها….. الغيرة……. الغيرة من تواصله مع
نور……..مزالت تشعر انه لا يحق له التواصل مع
اي فتاه سواها !…….
نظرت لها نور وزفرة بحيرة…..
“احمد بيرن……. ردي عليه وطمنيه بنفسك…….”
امتعنت حبيبة بتردد…. “لا طبعاً……”
نظرت لها نور بقوة وقالت بجدية…..
“حبيبة انا عارفه انك عايزه تكلميه…. مفيهاش حاجه
لو اطمنتوا على بعض للمرة الأخيرة…. طالما قررتوا
تبعدوا……..خدي ردي عليه…. خدي…..” القت اليها الهاتف…..
مسكت حبيبة الهاتف بتردد ثم نظرت لنور فوجدتها منشغله عنها عمداً وهي تبحث عن شيءٍ ما في حقيبتها…….
فتحت الخط ثم رفعته على اذنها وقلبها يطبل داخلها بشكلٍ مؤلم واثره متعب لروحها المنهكه……
اخرجت نفساً مضطرب بعد ان فتحت الخط… لتجده يهمس بنبرة حانية مشتاقة بجنون لاميرة الثلج البيضاء……
“حبيبة……..”
حينما وجدت صوتها بعد نداءه الدافئ… قالت بتوبيخ…..
“انا مش عارفه انت عايز توصل لايه بظبط… مش كفايه ان ابراهيم عرف……. ولم عرف حضرتك عملت اي سبتني ومشيت……”
قال احمد بضياع ومشاعره تحترق بعد سماع
صوتها الباكي……
“لو كان ينفع كنت هربت انا وانتي……”
برمت حبيبة شفتيها قائلة بتقزز بعد هذا
الاقتراح الغبي…….
“شايف القرف اللي انت بتشربه وصلك لايه….”
ارجع شعره للخلف قائلاً بتردد…..
“مش قصدي…. اكيد مش مضطر اعمل كده……بس مكنش ينفع افضل…… وجودي كان هيبوظ الدنيا اكتر……..قوليلي هو مد ايده عليكي….. ”
اجابت هازئه……
“ولو عمل كده……… هتعمل اي يعني……”
اتى صوته المتعب
قائلاً…….
“ريحي قلبي ياحبيبة……”
ادعت القسوة وصلابة قائلة….
“ريح قلبي انت وبعد عني يا احمد……”
سالها بشجن…..
“قلبك هيرتاح لما ابعد…….”
نزلت دموعها وهي تقول بغيظٍ……
“أيوا هيرتاح….. انت متعرفش اللي حصلي
امبارح بسببك……..”
اعتذر بحرج منها…..
“حقك عليا…. انا مكنتش حابب اللي بينا يوصل لكده……”
زمت شفتاها معقبه…..
“واهو وصل……………. هنعمل إيه……”
قال مستسلماً لمطاف حكايتهما……
“ولا حاجة….. هبعد زي ما كلو عايز…وانتي اول واحده كنتي عايزه كده……”
نزلت دموعها وهي توما براسها
بحزن….
“صح يا احمد انا كنت عايزه كده من الاول…..”
باح بمشاعره لها للمرة الأخيرة……
“انا لسه بحبك ياحبيبة…. وهفضل احبك….. خليكي
فاكره اني هفضل احبك…….وان عمري ما كدبت في حبي ليكي…. والله ما كدبت……ولكنت بضحك
عليكي… ”
ارجعت شعرها للخلف وعضت على شفتها
وهي تقول بصعوبة……
“لازم اقفل ي احمد……. لازم اقفل……”
قال أحمد عبر الهاتف بصوتٍ حزين….
“خدي بالك من نفسك……. ومن دراستك…… دي
اخر مرة هكلمك فيها……”
وضعت يدها على فمها كاتمه شهقات البكاء وهي
تسمعه يقول قبل ان يغلق…….
“مع السلامه يابيبه……. ربنا يوفقك مع الاحسن….”
ياحمق وهل قلبي سيخفق يوماً لغيرك……انا اهواك
يا احمق….. أهواك ياوقح……اهواك ياجلف……
اخترق اذنها نغمة انتهاء المكالمة…. مما جعلها تنفجر في نوبة بكاء مرير…… مدت نور ذراعها وضمتها لاحضانها وهي تربت عليها بشفقة……
“اهدي ياحبيبة……. لو مامتك سمعت عياطك….
مش هنعرف نقولها إيه……”
قالت حبيبة وهي تبكي في احضان نور…..
“احمد سبني يا نور………. سبني…….الحكاية
خلصت خلاص…. خلصت يانور……..”
ربتت نور على كتفها قائلة بشفقة عليها….
“معلش ياحبيبة…. اهدي… محدش عارف اي اللي هيحصل بكرة……. احمد بيحبك وانتي بتحبيه
واكيد اكيد هترجعوا……..”
قالت حبيبة بقهر والدموع تجري على
وجنتيها بكثرة….
“مش هنرجع………. الحكاية خلصت خلاص….
خلصت يا نور….. ”
وظننت يومها انها النهاية ولم أتوقع انها بداية…..بداية لقصة حب أخرى اقوى و اعنف
من السابقة ؟!…
____________________________________
بعد ان خرجت من البناية القانطه بها حبيبة خطت
نور خارجه من الشارع للوصول للرصيف حيثُ الشارع الرئيسي…….
عند سيرها وضعت السماعه في اذنيها وشغلت احد الأغاني الغربية الصاخبة وهي تسير ببهاء في الشارع العشوائيّ بين المارة البسطاء……كانت بحماقه تقارن تلك الجولة البسيطه بجولتها
الصباحية في قلب الكمبوند الفارهة التي تعيش به…. لكن شتات بين الاثنين………
اثناء سيرها وجدت من تخرج من بيتها وتلقي امامها
ماء من اناء بلاستيكي كبير……..
توسعت عينا نور وهي ترى حذاءها الرياضي الابيض
توسخ بسبب الغبار الذي طار على الحذاء بعد اندفاع
الماء على الأرض وأيضاً رذاذ الماء الذي تناثر عليه زاد الامر سواءً………
نظرت نور للمرأة الواقفه امام باب بيتها بعباءة بيتي باهته تلف الوشاح فوق راسها بشكلاً عشوائي قديم الطراز…….
صاحت نور بحنق وهي تخلع السماعه من
اذنيها بانفعال…..
“اي دا ياطنط……..بوظتي الشوز…….”
برمت السيدة شفتيها متخصرة وهي تقول
هاكمه…
“مانا ياختي عماله اقولك حاسبي يابله… حاسبي يابله…… وانتي ولا هنا….. ضربالي السماعات في ودنك ومديها طناش…….”
زفرت نور بحنق وهي تخرج منديلاً من حقيبتها وتمسح به حذاءها الأبيض……قائلة بتبرم…
“انا مش فاهمه انتي بترمي في الشارع ليه… كده هتضري البيئة وتزيد الأمراض…. انتوا معندكوش بلاعات……..”
قالت السيدة هاكمه…….
“عندنا والله يابله….. بس الواحد بيحب يطري
الجو بشوية مية معطرة……على فكرة دي ماية بفنيك…..يعني امان……”ضحكت السيدة
بخبث مائع…..
فزمت نور شفتيها وهي تشم يدها بقرف…ثم
عقبت باشمئزاز…..
“يع…..اي ده……..دا المعطر بنسبالك…….”
قالت السيدة بفخرٍ……
“امال…… دا احلى معطر دا بيخلي البيت يلمع كده…اذا كان هو ولا الكرول في التسييق حكاية…..
وبعمل خلطه جامده لتنضيف الحمامات…. اقولك
عليها……. ”
امتنعت نور سريعاً باشمئزاز….
“لا لا…… لا شكراً ياطنط…….كفاية كده……”
نظرت لها السيدة بتاني ثم تساءلت
بفضول….
“براحتك يابله……. هو انتي بنت مين صح……..”
قالت نور بترفع وهي تنظر لها……
“نور توفيق الشامي…….بنت توفيق الشامي… ”
تاملت السيدة وجهها الأبَي ثم ارجعت راسها
كعلامة عن التذكر وهي تقول بفتور……
“انتي بنت الراجل اللي فاتح مخبز في اول الشارع…….”
الان ارتفع حاجبيها بدهشة حقيقيه وهي تغمغم بحيرة وحنق………
“مخبز !!……هي اي حكاية المخبز ده…هو بابي
ساب الشركة واشتغل في فرن !!……”ثم نظرت
للسيدة بوجوم قائلة بنفي…..
“لا ياطنط………دا تشابه اسماء……..”
اومات السيدة بتاكيد وهي تسالها اكثر
بفضول…….
“عندك حق….دا انتي زي القمر…..والراجل صاحب المخبز ده وشه يقطع الخميرة من البيت…ازاي
تطلعي بنته…….طب قوليلي اسم امك اكيد هعرفها…….”
كانت ستخبرها باسم والدتها بعفوية لكنها بلعت لسانها وخشيت ان تكون امها بائعة البان على
قمة الشارع……ادعت نور اللطف وهي تحاول الهرب……..
“انا مش من هنا أصلا….انا كنت جايه لواحده صاحبتي ومروحه حالاً……..عايزه حاجة ياطنط……”
قالت السيدة بمحبة وهي ترمقها بتأني وعن
كثف….
“عايزه سلمتك ياقلب طنط……ياختي ونبي حلوة…
تعالي اما ابوسك……..”اشارت لها السيدة ان تتقدم وهي تضحك بوجهها البشوش……
لم ترفض نور الطلب بل تقدمت منها بعفوية وعانقتها
قبلتها السيدة ومررت يدها على شعرها الطويل وهي تقول باعجاب…..
“بسم الله ماشاءالله……دا شعرك دا حقيقي ولا بروكه……..”
ابتعدت نور عنها وهي ترجع خصلة من شعرها
خلف اذنها قائلة بحياء……..
“لا ياطنط……شعري…. ”
همهمت السيدة ثم قالت بصلف…
“تعرفي انا من عشر سنين كده كان شعري حلو
اوي …… لما بطلت الجاز وزيت الخروع خاب امله……”
رفعت نور حاجبها بغرابة….
“خروع…. وجاز ياطنط ؟!…..”
قالت السيدة وهي تبستم بفخرٍ…..
“ايوا ياروح طنط…..دا بيخلي الشعر سايح ونايح….كده سايح خالص……قوليلي
امك بتحطلك جاز وخروع برضو…….”
كبحت نور ضحكتها قائلة…. ” تقريباً……”
شاملت الإبتسامة وجه السيدة وهي تخبرها
بصلف……
“تعرفي انا قلبي استريحلك…….وحبيتك اوي….انا عندي واد قمر قمر….. لسه مخلص جيش شغال محار…..بس مش صبي صنايعي بياخد يوميه محترمه….اجبلك صورته…….”
امتنعت نور وهي تحاول الهرب من امام
السيدة……
“لا لا ياطنط…….انا المرة الجايه هاجي اشوف
صورته بنفسي…….”
مسكت السيدة ذراعها قائلة بتصميم…..
“ونبي لوريكي صورته…..هدخل اجبها……ماتيجي
معايا ولا انتي ريحة الفنيك بتخنقك…..”
لوحت نور بكفها امام وجهها محاولة أيجاد هواء نقياً بدلاً من تلك الرائحة التي تغزو انفها حينما
اقتربت اكثر من البيت…..
“بصراحه هتموتني……انا هستناكي هنا ياطنط…..”
“ماشي ياروح طنط….استني……”دخلت
السيدة سريعاً بينما كانت نور تنوي الفرار هاربة
من هنا….. لولا نداء كرم الذي اقترب منها
متسائلاً بدهشة…..
“نور…….انتي لسه مروحتيش….ووقفه هنا بتعملي إيه؟؟…….”نظر كرم للبيت البسيط التي تقف امام
بابه…….وعاد متسائلاً…..
“وقفه هنا بتعملي اي يانور….ومروحتيش ليه
لحد دلوقتي…….”
مسكت نور ذراعه قائلة برجاء….
“هفهمك……بس يلا نمشي من هنا…قبل مالست اللي جوا دي تطلع……”
سالها بغرابة….. “ست مين……..”
اتت السيدة في تلك الاوقات وبين يداها البوم
صور و قالت بحفاوة……
“انا جيت ياروح طنط وجبتلك الصور كلها معايا… هيعجب اوي الواد واخد الحلاوة كلها مني حتى شوفي…….” فتحت السيدة الالبوم والقت اياه
في يدي نور التي نظرت لكرم بصدمة وتردد….
انتبهت السيدة لوقوف كرم بينهن فقالت
بدهشة…..
“اي واد ياكرم اللي جابك هنا….امك عامله اي ياولا
و ابوك صلاح اخباره إيه……..”لكزت نور وهي
تخبرها بنبرة خافته سرية وصلت لمسامع كرم ببساطه…
“ابوه طيب اوي راجل تقي كده بتاع ربنا……وامه ست محترمه وفي حالها….واخواته البنات مؤدبين معاد هو طالع صايع ومنشف ريق اهله هو والواد
اللي اسمه احمد جمال…..”مصمصت السيدة
بشفتيها وهي تثرثر اكثر من الازم معها…..
“مين يصدق ان احمد ده ابن زينب وجمال….ياختي
انا اعرفهم من ايام ماكانوا ساكنين في شارع اللي ورانا مانا كنت ساكنه فيه بس نقلت من شهرين وجيت هنا………كنا جيران بقا….اعرف احمد وكرم
ده والبت سمورة العسل….احبها اوي البت دي
بت بمية راجل جدعه كده وتشرح القلب بالك
انتي كانت راجل البيت بعد ابوها ما مات….شالت الحمل ياعين امها….هي وحنين بنت سيد الله يرحمه
كان راجل غلبان……حنين دي صاحبة سمر بقا بس اغلب من الغلب بس سيبك انتي ربنا كرمها
وتجوزت واحد متريش…….نسيت اسمه بس قمر
شبه الرجالة اللي بيطلعوا في الافلام دول….
طول بعرض ياختي……حكاية……”
حاول كرم اسكتها قائلاً بحرج…..
“خلاص يام محمد كفاية كده……”
لكزته السيدة وهي تضحك قائلة….
“استنى ياواد اما احكلها على ابراهيم راضي…اهو دا بقا يانور…. قمر حبيبي حبيبي بصراحة…راجل بمعنى الكلمة جدع وقمر اتجوز البت سمورة….ياختي ربنا يسعدهم ويحفظه لاهله يارب……محمد ابني ميتخيرش عن هيما……ونبي كنت هجوزه لسمر
بس لولا النصيب…….ونبي دا قمر حتى شوفي……….”اشارت على احد الصور…..
بينما عقب كرم هازئاً…..
“انتي عايزه تجوزيها محمد ابنك….انتي عارفه دي ابوها مين…….”
لوت السيدة شفتيها قائلة بانفاً مرفوع…..
“هيكون ابوها مين يعني ياواد ياكرم…..اذا كان هو فاتح مخبز على قمة الشارع……انا بقا جوزي فاتح
سوبر ماركت جمبه وابني محار قد الدنيا…..
ومبيحطش السجارة في بؤه……”
قال كرم بسخرية……
“يسلام وشيشية اللي ما بتنزلش من على بؤه….”
شهدت السيدة نور قائلة…..
“طب قوليلي انتي يانور….الشيشه احسن ولا السجاير……”
اشارت نور على نفسها قائلة ببراءة….
“هو انا بصراحة مجربتش غير الشيشة…..”
شهقت السيدة بصدمة وجحزت عينيها…..بينما اشتعلت نظرات كرم غضباً عليها وهو يعقب….
“انتي بتشربي شيشه يا نور……”
عضت نور على شفتيها قائلة بتلعثم وحرج….
“شيشه تفاح….. جربتها مرة مع ناس صحابي….
ومعجبتنيش اوي……”
وجدت كرم يقترب منها خطوتين ببطئ وعيناه تتوهج شرراً…..ركضت بخوف وهي تقول بزعر…
“اخر مرة يا كرم……..اخر مرة والله…….”
صاح كرم وهو يسرع الخطى خلفها…..
“تعالي هنا يانور….مش هنجري في الشارع…….”
برمت السيدة شفتيها وهي تراقب ابتعادهما…لتعقب وهي تمصمص شفتيها بحسرة…..
“بتشرب شيشة تفاح……ياختي جيل ايه المنيل
ده…… يفتحوا بيوت ازاي دول ياناس…….”
ثم نظرت لصورة ابنها قائلة بحزن….
“البت كانت قمر ياواد يا محمد…بس مش مشكلة ادورلك على غيرها….يعني امك هتغلب…….”
قبض كرم على معصمها سريعاً وادرها اليه وقد وصلا للشارع الرئيسي من سرعة خطاها خوفاً
منه…..
هتفت نور بخوف وهي تنظر اليه بحرج…..
“كانت مرة والله العظيم…….. ومحبتهاش أصلا….”
جز كرم على اسنانه وقال من بينهما بنبرة مغتاظه منها……..
“انا عايز افهم حاجة واحده… اخوكي وابوكي فين
أرقام شباب على تلفونك….. وبتشيشي… ولبسك
كله ضايقدد… إيه الانحلال ده يا نور…. ”
رفعت سبابتها واوشكت على البكاء
قائلة…
“انا مسمحلكش على فكرة…….”
قال بصرامة وهو يرمقها بجدية….
“ولا تسمحي….. اول وآخر مره تكرري الهبل ده تاني… خافي على صحتك حتى…… بلاش شكلك لان واضح
ان كل حاجه عندك عادي خالص……. ”
رق قلبها امام خوفه عليها فقالت برجاء….
“اوعدك مش هتكرر تاني…. بس متزعلش… انا آسفه…….”
زفر كرم بحنق وهو يرمقها ملياً معقباً بعدم
تصديق…
“انا لحد دلوقتي مش مصدق انك عملتيه….. معقول…….”
اقتربت منه خطوة وهي امامه قائلة
باعتذار….
“والله غلطه ومش هتكرر اسفه ياكرم….. اسفه والله……..”
اخذ نفساً عميقا ثم نظر اليها بعتاب قائلاً
بنصح…..
“نور…… لو انا غالي عندك فعلاً بلاش تعملي حاجة تاذيكي……. بلاش تختلطي بالشباب ولو حتى بحجة زماله او صحاب….. بلاش تخرجي مع بنات مش كويسه اللي هما علموكي تشربي شيشه….. ابعدي
عن اي حاجة ممكن تضرك…….و تزعلني منك… اتفقنا……..”
اومات مبتسمة وهي تطلب منه
بجرأه…..
“طبعاً اتفقنا….. ينفع نتكلم مع بعض في التلفون….”
نفى سريعاً قائلاً بقوة المتها….
“دي بذات لا….. دي اول حاجة هضرك وهضرني معاكي…….”
قالت نور بتهور….. “كرم اسمع انا بـ………”
اوقفها عن المتابعة هادراً بغيظٍ منها….
“بس يامجنونه….. انتي لسه صغيرة على الهبل
ده……”
اندفعت نور معترفه بقوة….
“انا مش صغيرة……انا بحبك ياكرم….بحبك اوي…”
بلع ريقه وخفق قلبه تاثراً بكلماتها العاطفية
البريئه….فسيطر على فوران المشاعر المتقده
بداخله وهو يشيح راسه عنها ثم رمش عدت مرات بضياع ولا يشعر بشيءٍ إلا خفقات قلبه وانفاسه العالية وصوت اعترافها يتردد بتكرار في اذنيه
بجمالا ناعماً دافئاً كطيف حنون عانق جسده
المتعب……..
بلع ريقه بصعوبة وعاد اليها بعيناه البنية الداكنة
وهو يضع يده على خصره وياخذ نفساً
متهدج ثم غير مجرى الحديث قائلاً…….
“لازم تروحي يانور……..انتي اتاخرتي…..”
مسكت نور ذراعه وقد ازداد الامر سوءاً داخله…..وهي تقول بصوتٍ حزين مُصر….
“رد عليا الاول يا كرم…….”
همس كرم بصعوبة وهو ينظر للشارع الواقفين
فيه………
“احنا في الشارع يانور……”
اتكأت على ذراعه قائلة باصرار قوي ونفس
النبرة الدفئه التي تتسلل اليه وتعبث بمشاعره
بعذاب……..
“عشان خاطري يا كرم رد عليا…..انا بحبك….”
آه من هذا الشعور يريد معانقتها تقبيلها بقوة حتى تتاوه متعبه بين يداه… بينما هو يخبرها من بين قبلاته القوية انه يهيم بها عشقاً….عاشق لها
حد الجنون…….همس وهو يحاول ايجاد صوتٍ
قوي صارم يوقف تهور المراهقة الصغيرة التي
تلعب بنار بهذا الاعتراف الجميل….الأجمل من
اي شيءٍ سمعه يوماً…….
“نور……..مش هينفع يانور…….انا مش مناسب ليكي………”
ابعدت نور يدها وهي تحاول اقناعه باسم الحب
التي تكنه له……..
“انت مناسب جداً ليا يا كرم……والله مناسب…..كفايه اني بحبك…….”
قال كرم بحزن به لمحة من العجز
وقلة الحيلة…….
“ياريت الحب كفايه…….بس الحب لا بياكل ولا بيشرب ولا الحب يقدر يعيشك معايا بنفس المستوى اللي انتي عيشاه عند اهلك……..الحب مش كفايه يا نور……..مش كفايه…. ”
هزت راسها واوشكت على البكاء قائلة
بقوة….
“انا بقا شايفاه كفايه….. قولي انت إزاي اقنعك…..”
ارجع كرم شعره للخلف وهو يقول بهدوء عكس
مشاعره المشتعلة بجنون……
“الأيام…..الايام هي اللي هتقنع حد فينا….يتطلعي انتي غلط واطلع انا صح يالعكس….سيبي الايام تقنعنا يا نور……..اتفقنا…….”
اشاحت نور بانظارها بعيداً عنه وهي تقول
بنبرة باهته…….
“افتكر ان في يوم قدمتلك قلبي…وانت رفضته…….”
اشار كرم لأحد السيارات التاكسي وهو يخبرها
بوله……..
“فاكر……….دي الحاجة اللي عمري ما هنساها… ”
اومات بحزن وهي تستلقي سيارة التاكسي…. ثم
دفع لها كرم الاجرة وانطلق السائق بعدها ومعه الاميرة الحزينة مكسورة القلب التي رفضها
الأمير مبرر الأمر بحماقة………
نظر كرم للسيارة التي تختفي عن ابصاره بوجع
وخفق قلبه وهو يتمتم بحبٍ مطعون باسم
الفقر………..
“وانا بعشقك يانور……. مش بس بحبك……”
………………………………………………………………
عدت ايام مرت كئيبه بشكلٍ غير مقبول بينهما….
كان بهم يأتي من العمل ليلاً في وقتٍ متأخر ومع
ذلك كانت تنتظره على الغداء الذي أصبح وجبة عشاء…….. ورغم ذلك وذاك يتحجج بتعب ويدخل
غرفة الأطفال للنوم بها ويتركها وحيدة مغتاظه
من جفاؤه معها ، تتخبط مشاعرها مابين الشوق
والغضب والحنق من هذا الخصام…….
حدث بينهما مشاكل عديدة قبل الزواج…… فراق وخلافات وتضاربات لكن لأول مرة تشعر ان الخصام
معه امراً لا يطاق متعب والبعد يطبق على انفاسها….. ربما لانه معها الآن اصبح زوجها فالخصام يختلف جداً عن اي خصام مر عليهما…….
كانت امها محقه فترة الخطوبة شيءٍ والجواز والعشرة أمراً آخر…….. أمراً منقلب……. مرت معه بالعديد من الأزمات والمسافات البعيدة بينهما
وكانت صامده قوية قادرة على المتابعة والتحمل
دونه…… لكن عند هذا الخلاف البسيط تشعر انها
اضعف من ان تبتعد عنه…….
تسلل لها بشكلاً لا يصدق…… بات قطعه من روحها ليس فقط قلبها……. ورغم انها لا تحاول بدا الصلح معه إلا انها تحاول في الخفاء ان يرضى ويعود اليها دون ان تعتذر بشكلا صريح…..
الم يشتاق لها…… كيف للحجرة الرخوة ان تظل صامته كل هذا الوقت……… ربما لانها تحاول من بعيد
لو حاولت ان تلمسها لاخترقت تلك الصلابة الزائفة
وهدمت حواجز الخصام……….
ربما لو حاولت لكنها أيضاً غاضبه…. مزال شعور الغيرة يموج في حلقها…. غير قادرة على تمريره بسهولة….. ألا يفهم انها تغار بجنون عليه… ألا
يفهم انها تغار من شقيقتيه وامه كذلك…وتخفي
الأمر داخلها حتى لا يعد انانيه وقلة عقل منها…..
كيف تمرر مشاعره الهائجة بالغضب الاسود
والامتلاك لمجرد اقترب أحمد من حبيبة….كيف
تمرر وتبتلع الغيرة من ابنة عمه الصغيرة المراهقة التي لولا تدخلها هي في حياته لكانت زوجته
الآن منجبه منه اطفالاً !!….
ايعقل ان ينجب اطفالاً من اخرى غيرها !!…..
عند تلك النقطة عقدت حاجبيها مشدوهة…
لولا أحمد ما كانت رأت ابراهيم ولو لم تكن
البداية عراك في الشارع ومشاحنه قوية منها ومنه !!….. ماكانا انجذبا لبعضهما !!…
عليها ان تعترف ان لولا غرابة اللقاء ما كانا هنا الآن معاً زوجين يعشقان بعض حد الجنون….حسناً ربما في السابق اما الان فهم غضبان من بعضهما حد الجنون !!….
اخذت نفساً طويلاً وزفرت اياه بقوة وهي تسمع خشخشة المفاتيح مجدداً ككل ليله….ونفس السؤال المتكرر سيعاد ونفس الرد البارد سيخرج منه وتنتهي الامسية تتلوى على فراشها بغضبٍ وغيظٍ من جفاؤه
وفتور معاملته معها…….
دخل إبراهيم الشقه ورفع عيناه حيثُ بقعة الاضاءه في احد الاركان…..وعند الاريكة تحديداً كانت تجلس تنتظره ككل يوم ترتدي ما يجن جنونه ويشعل جسده……..احد القمصان القصيره الحريريه تلك التي تناديه باستحياء ان يقترب ويمزقها ليرى ما
تحتها !!…….
تعذبه قطعة السكر تلعب على اوتار صبره وتراهن على مقاومة سحرها امامه…..و رغم تلك المشاعر التي تضرب صدره بجنون عند رؤية جمالها وشم عبق عبيرها المسكِ مزال الغضب يلوح في الأفق بينهما مزال يشعر بضيق لانها اخفت الأمر وجعلته اضحوكة بين ثلاثتهم… يشعر انه سينبت له قرون
لو لم يكتشف الأمر مبكراً…….يظن انه اذا تاخر قليلاً لكانت تلك العلاقة اخذت مسمى آخر وضاعت حبيبة على يد السافل اخو زوجته…….
مزال غير مصدق ان هذا الوقح وقف امامه وصرخ بجنون انه يحبها ويريد الزواج منها…..بل انه
دافع عنها وتلقى الصفعه مكانها…….كان شجاع
نبيل رغم قلة تهذيبه…….
رغم رغبته العنيفه في ضربه يومها إلا انه رأى
مشاعر حب عنيفة تسكن بعيناه لم تكن سواء لحبيبة وحدها……….كان يود بصدق ان يكون اقل انفعالاً ولكن الامر كان خارج عن السيطرة فقد اعصابه وهاج على الجميع….. وكلاً نال جزاه يستحقه بجداره……
لو كان أحمد لا يشرب الممنوعات لو كان اتى لعنده وصارحه بمشاعره لحبيبة لكان ساعده بصدق وجعل
بينهما رابط رسمي…..واشترى له بنفسه خاتم الخطبة واعطاه له كي يقدمه لعروسه……..لكن أحمد قلل
من نفسه ومن حبيبة ومنه هو واهلها…….وهذا غير مقبول…..ويستحق تلك المعاملة والبعد عن حبيبة امراً يجب تنفيذه وسيحرص على هذا جيداً…
“سلام عليكم…….”قالها دون النظر مرة اخرى لها ثم استدار ينوي الدخول غرفة الاطفال كما اعتاد منذ فترة قصيرة……
نهضت سمر واقتربت منه قائلة
بهدوء…..
“احضر العشا…….”
دون النظر اليها قال…..
“لا يا سمر انا وأكل……..”
دارت حوله ووقفت امامه قائلة بغيظٍ
مكبوت….
“كل يوم وأكل…..مانت عارف اني مستنياك…….
دي بجد مبقتش عيشه…….”
ابعد عيناه عنها وعطرها يداعب انفه
بجنون….قال بجمود مصطنع…..
“انا جاي مصدع وعايز انام….اجلي الخناقه لبكرة الصبح……..”
هزت راسها بانفعال قائلة…..
“هو انا بشوفك الصبح أصلا…..انت بتمشي
بدري…….”بادرت بلمسه الصخرة لعلها تلين ولو
قليل معها……..مدت يدها لوجنته واقتربت منه
خطوتين وقالت بهمساً بين طياته شوق
مجنون……
“ابراهيم انت مزهقتش……طب انا مش وحشاك.. ”
اغمض عيناه لثانية ثم فتحها وقلبه يخفق بشدة
اثار مشاعره المتفاعله مع همسها ولمساتها…..تشجعت
واقتربت منه أكثر حتى شعر بصدرها اللين بين احضانه…..فبلع ريقه ومزال وجهه صخرياً قوياً
وعيناه تراقب الخطوة القادمة منها…..بين اللهفة
والغضب من تلاعبها بمشاعره……..
“هيما…….وحشتني……….”
نظر ابراهيم لشعرها الاسود المموج بجنون طليق خلف ظهرها…..ثم لعيناها السوداء البراقة المكحلة بجمالاً وانحدرت نظراته على شفتيها القرمزية
الامعة الشهية…….
وجدت عيناه معلقه على شفتيها فابتسمت وهي تقف على اطراف اصابع قدميها وتحيط بيداها عنقه
قائلة بدلال…….
“بحبك……”
حاولت تقبيل شفتيه لكنه ابعد وجهه عنها ثم نظر لها بعينين مشتعلتين و قال بفتور عكس هذا الاشتعال والتاثر البادي عليه بعد اقترابها منه……
“انا تعبان ياسمر….وعايز انام تصبحي على خير….”
شعرت بالاهانه بعد ابتعاده عنها…..كانت تظن انها حينما تقترب سيزول اي حاجز امامهم وسينصهر
الخلاف وكانه لم يكن……
صاحت هادره بعد ان اغلق الباب خلفه…..
“خد في بالك ان هروح عند امي بكرة….. انا مش قعدالك فيها يابراهيم قعد لوحدك……..”
حينما لم تجد منه رد… دبت الارض بقدميها مقتربه
من الباب صارخة بغيظ……
“سامع مش قعدالك فيها همشي… وبقا قعد مع نفسك…….. يا بارد…….” وجدت فجأه الباب يفتح
وتسحبها ذراع ابراهيم للداخل…..
وفي غمرة الصدمة وجدت ظهرها خلف الباب المغلق وشفتيه تقضم شفتيها بعنف ومشاعره كلها في حالة فوران……… تهدر كبركان ثائر في احضانها…. تاوهت
سمر وهي تغرز اصابعها بشوق في شعره تقربه منها
اكثر حتى تضيع مع قبلاته العنيفة…….
بعد لحظات كانت الاجمل والادفئ بينهما… فصل ابراهيم القبلة بصعوبة وهو يلهث بشدة وهي معه
غير قادرة على الوقوف من شدة المشاعر التي
تهدر كطوفان داخلها…..
نظرت الى عيناه بخجل لتجده يضع يده على وجنتها الناعمة ثم بابهامه العريض مسح شفتيها الامعه اثار تقبيله لها………
وضعت يدها على كفه تلمسه بشوق فاتن لعيناه
المشتعلة…… نظرت لعيناه بتردد لا يخلو من الحب العنيف بينهما……. كانت تنوي الهمس بشيءٍ جميل
له….
لكنه اوقع دلو مثلج فوق راسها حينما قال بخشونة………
“مرواح عند امك مفيش يا سمر…..وصوتك
ميعلاش تاني مش عايز حد من اللي تحت يطلع
على صوتنا…..”
اثناء سماعه عقدت حاجبيها تنظر اليه مشدوهة
لتجده يبتعد عنها قائلاً بفتور……
“اللي حصل ده يثبتلك اني عمري ماكنت بارد…” بلع
ريقه وهو يتذكر طعم شفتيها المسكره الطريه بين شفتاه….. وعطر انفاسها المعانق لانفاسه بحبٍ…..
ثم اضاف بنبرة خشنة……
“خصوصاً من ناحيتك………” ثم قال بوجهاً
حجري…….
“روحي على اوضتك ياسمر……..”
انتفضت ترفع وجهها الغاضب المشدوهة إليه…. لتجده ينظر اليها بقوة وحزم……..
القت عليه نظرة باردة متوعدة ثم خرجت من
الغرفة صافقة الباب خلفها بقوة…….
عند خروجها ارجع شعره للخلف والقى جسده على الفراش متاوهاً بعذاب من قطعة السكر القاسيه في المضغ رغم حلاوة طعمها……..
……………………………………………………………
في اليوم الثاني كان يوم الجمعة وقد اجتمعت شقيقتيه بازواجهن واولادهم عند شقة والده….
وكذلك عمه حامد هو و زوجته وابنته معزومين
على الغداء………ومن المفترض انهما أيضاً
سيقضوا الوقت معهم وسط التجمع العائلي
الذي لا يحدث إلا على فترات متباعده…
كانت واقفه في المطبخ تحضر طعام الغداء في مطبخ حماتها…… كانت ترتدي عباءه استقبال انيقة
مطرزة بجمالاً وتلف شعرها برباط أنيق قريب من
لون العباءة ويتدلى بعدها شعرها خلف ظهرها بمواجات متراقصه………
منذ امس وهي تتجاهله……. استيقظت اليوم مبكراً على غير العادة ونزلت بالاسفل للجلوس مع والديه
وتركته نائم ولم تيقظه حتى لصلاة الجمعة….
قد قاربت الصلاة على الانتهاء وهو مزال بالاعلى نائماً…….ذهب الجميع لصلاة الجمعة من ضمنهم
ازواج شقيقتيه ووالده وهو مزال يغرق في احلامه…..ولا يشعر بأحد……حتى الان لا يعلم
انهم سيقضيا اليوم بأكمله بالاسفل…….
شعرت بمن يلكزها في كتفها فذاب الشرود ورفعت عينيها على رحمة التي غمزة لها بمشاكسة….
“اللي واكل عقلك نايم فوق….. وصلاة هتروح عليه هتشيله ذنبه على فكرة……”
برمت سمر شفتيها ممتعضه وهي تقول باستنكار…
“وانا مالي اللي عايز يقوم يصلي يقوم يصلي
مسكاه انا…….”
سالتها رحمة بشكٍ….
“هو انتوا زعلانين بجد ولا إيه……”
حركت سمر كتفيها بنفي
قائلة….
“عادي……….. مفيش حاجة…….”
حركت رحمة حاجبها قائلة باستجواب
كالضباط…….
“والله امال مش راضيه تطلعي تصحيه ليه….”
عضت سمر على شفتيها ثم انفجرت
قائلة…
“رحمة انا هطق……”
ضيقت رحمة بين حاجبيها مدعية الاسى….
“ياساتر……. ليه كده اي اللي حصل……”
توقفت سمر عما تفعله وهي تنظر اليها
تريد المشورى منها…….
“بدون دخول في اي تفاصيل…. هو انتي لم بتبقي مضايقه من جوزك بتعملي في إيه……”
ردت رحمة باختصارٍ…….
“بتجاهله………بتجاهله خالص ولا كانه موجود فيشعلل مني اكتر….” مررت رحمة يدها على
صدرها من الاعلى للاسفل متابعه بخبثٍ
شيطاني…..
” وانا ابقى هنا مرتاحه وكاني فضيت الطاقة
السلبية كلها لم الاقي الحجر اتحرك وبقى
بيحس زينا……”
نظرت لها سمر بحيرة…..
“يعني انا ماشيه كده صح……”
قالت رحمة بهدوء تتراجع عما قالت…..
“انتي زي الفل…….بس كل راجل وليه طاقة
يعني انا جوزي نوعيا مش شخص عصبي هادي بطبعه فحتى لم بينفعل بيبقى ليه محطه معينه وبيقف عندها…..اما ابراهيم فربنا يسترها عليكي
وعلينا…….”اشارت على سمر ثم على نفسها
بتوجس…..فضحكت سمر وهي تعود للموقد
قائلة بحنق…..
“واضح اني باخد نصيحة من الشخص الغلط….”
ضحكت رحمة قائلة ببساطه تجتاح مشاعرها حباً
اعمى نحو اخيها !!……
“اكيد مش هسلطك على اخويا انسي……وبعدين لو ماما سمعتنا هتعمل مننا صنية بوفتيك…..قال عايزه
تعرف هتعمل اي في اخويا لم يضايقها……اعمليلو صنية جلاش……بيحب الجلاش بالقشطه……اعمليله جلاش بالقشطه هيرضى عنك…….”
لوت سمر شفتيها هاكمه…….
“هو اللي يرضى عني…..المفروض انا اللي ارضى
عنه ياماما…….”
ضحكت رحمة وهي تقلد صوت محمد سعد
قائلة…
“انتي ربنا مش هيباركلك….انتي وليه مُقتدره…..”
ضحكت سمر وهي تعقب باعجاب….
“جايبه صوته بظبط يا رحمة…. ”
قالت رحمة بمرح وهي تبدأ في فرم الطماطم في الخلاط الكهربائيّ……
“اي خدعه ياستي…….”
دخلت المطبخ في تلك الأوقات صفاء والدة حبيبة
وقالت بهدوء……
“نوليني من عندك ياسمر المقورة وهاتي كيس ورق العنب من عندك………” اعطتها سمر الاشياء فسالتها
بنفس الهدوء…
“حطيتي ميته على النار عشان نسلقه……”
ردت سمر بفتور…..
“آآه يام حبيبة حطيت الحلة على النار…..”
قالت صفاء بنبرة عادية…..
“ماشي حضرليلي الرز وانا هاجي اخده منك عشان انقيه…….”
امتنعت سمر قائلة….
“متتعبيش نفسك انا هنقيه…….”
“مفهاش تعب ولا حاجة ياسمر احنا لما بنتجمع كلنا
بنساعد بعض في عمايل الأكل…. مش هنرميها عليكي يعني……. ونوال ياعيني بطبعها طيبه وحركيه مبتحبش تتكل على حد…” قالتها صفاء بنبرة تتلون بالؤم الفطري داخلها خصوصاً من ناحية سمر…لم تنتهي الخصومة داخلها لكن الهدنة حاجز عازل لشرها الذي اذا تم اختراق هذا الحاحز مؤكد سيتم انتشاره كسابق وسيخرب حياة الجميع وبيتها أول من سينال الخراب بسبب لسانها السليط…….
بلعت سمر ريقها وهي ترد بثبات……
“انا مش حد يام حبيبة…. انا مرات ابنها الوحيد في مقام بنتها…….ولو حصل اي حاجة انا اخدمها
برموش عنيه دي في مقام امي….. ”
جزت صفاء على اسنانها وهي تتراجع قائلة
بطيبة زائفة……
“معلوم ياحببتي ربنا يخليكم لبعض…….شوية وهاجي اخد منك الرز عشان انقيه…..”ثم نظرت لرحمة قائلة بامرٍ…..
“شهلي يارحمة مع مرات اخوكي….عايزين الغدا
يجهز بدري عشان الرجالة…….”
ردت رحمة ببرود……
“حاضر يامرات عمي…….”
بعد خروجها قالت رحمة بملاطفة….
“متزعليش من كلامها ياسمر…… هي بدب الكلمة كده وزي ما تيجي……..”
قالت سمر بوجوم…….
“وانا رديت عليها……. يمكن مش بحتك معاها اوي في الكلام بس انا بحس انها بتبقى قصده تضايقني بكلامها…….”
قالت رحمة بحزم…..
“انا هحكي لماما وهي هتوقفها عند حدها…..”
امتنعت سمر قائلة…..
“لا لا مش مستاهله…… هي آخرها تلسن عليا بالكلمة ولا اتنين من تحت لتحت…… وبصراحة النوعية دي مش جديده عليا انا اتعملت مع الاسوء منها….
وبرضو بطريقة وقفته مكانه ثابت……..”
قالت رحمة باعجاب وهي تضيف موضحه الأمر
من منظورها…….
“جدعه…. احب فيكي ثقتك في نفسك… وخدي في بالك مرات عمي لسان وخلاص هي أصلا من ساعة ما عمي شد معاها من اخر مرة كانت عندك فيها وهي فرملت مكانها…… بس انتي عارفه بقا الانسان بطبعه غلاب مش طبيعي تتغير معاكي مية وتمانين
درجة……. صح…….”
اومات سمر بالموافقه قائلة باختصار……
“صح…. بس في نهاية هي في حالها وانا في
حالي…….مش كده…..”
ابتسمت رحمة قائلة بمزاح……
“كده يامُقتدره….يلا عشان احنا عملين نرغي
وسيبين الطبيخ…..وماما هي اللي هتيجي تلسن علينا احنا الإتنين وعلى علن مش من تحت
لتحت…… ”
تبسمت شفتي سمر قائلة بصدق مفعم
بالمحبة….
“بالعكس مامتك طيبه جداً….متتخيرش عن زوزو….”
هزت رحمة راسها قائلة بنبرة
حانية….
“في دي بقا عندك حق…….ربنا يبركلنا فيها….. ”
بعد دقيقتين واثناء وقوف سمر بمفردها في المطبخ
بعد ان ذهبت رحمة لاطعام صغيرها……. وجدت من
يقتحم المطبخ كالثور وهو يمسك ذراعها… شهقت
وهي ترفع عينيها عليه بارتياع……
لتجده امامها يرتدي قفطان ابيض ناصع مصفف شعره الاسود الغزير للخلف وذقنة الغير حليقة
تزيده وقاراً وجاذبية وكانت وسامته تخطف قلبها
وعينيها السوداء رغم ارتعد جسدها منه بعد دخلته الشبيهة بدخلت شرطي قابض على مجرم…..
وكانه قراء افكارها سريعاً وجدته يترك ذراعها ليمسكها من عنق العباءة بيداه الإثنين مقربها
منه أكثر……بلعت ريقها بخوف وهي تنظر اليه
بهلع…..قائلة….
“في اي يابراهيم…….”
احتدت نظراته قائلاً بتعجب…..
“في اي يابراهيم !!……انتي لسه بتسالي….انتي صاحيه من الساعة كام يامدام…….”
ردت بفتور…. “تمانيه…….”
اطبق على اسنانه قائلاً بتشنج……
“تمانيه !! ومصحتنيش اصلي ليه يامدام….اي مش سامعه الخطبه كل ده…….”
استفزته قائلة ببرود……….
“وانا اعملك إيه…. تصلي ولا متصليش دي حاجة ترجعلك…….”
مسك ابراهيم فجأه رسغها يبحث عن شيءٍ ما..
توسعت عينا سمر مشدوهة وهي تسأله باستغراب…
“انت بتدور على إيه بظبط……”
قال ممتعضاً وهو ينظر لعيناها…. “دقاه فين……..”
ضربته في صدره بحنق……
“متهزرش في الحاجات دي يابراهيم……”
احتد عيناه القاتمه اكثر وهو يقول
بانفعال…..
“مين قال اني بهزر….صاحيه من بدري ومش هاين عليكي تصحيني الحق الصلاة…..اسميه اي ده……..”
قالت سمر بعتاب خفي…..
“سميه زي ما تسميه…..احنا مش متخاصمين…يبقا مليش دعوة بيك ولا ليك دعوة بيا….مفهوم….”
هزها بغضب قائلاً باستهجان….
“مفهوم إيه…..هو انا همشي على مزاجك….”
حاول التملص منه وهي تزمجر……
“انت مسكني كدا ليه هو انت ماسك حرامي سبني يابراهيم………”
نظر الى وجهها بشوق ثم ادعى الوحشية قائلاً
بشرٍ……..
“انتي عايزه تضربي ياسمر….اقسم بالله عايزه قلمين على وشك…….”
قالت بقوة امام عيناه الحادة…..
“طب ابقى اعملها كده يابن راضي وانا هحرم نفسي عليك العمر كله………”
قال بخشونة تجتاح سطوة الحب…..
“متقدريش………انتي بتاعتي يابت غصب عنك…”
الان خفق قلبها بجنون لكنها سيطرت على نفسها
قائلة بحنق…..
“لا مش بتاعتك……”
لفحها بانفاسه الساخنه غضباً….وهو يقول بشرٍ
محذراً……
“واللهِ انتي هتخيبي ياسمر…….شوفي الكلام رايح
فين قبل ماطلعيه على لسانك……”
لعقت شفتيها امام عيناه لتتلف المتبقي من الصبر لديه وهي تقول ببرود…..
“ممكن تسبني طيب وتروح تصلي مش زعلان انك قايم متاخر روح الحق الخطبه اللي قربت تخلص ياعم الشيخ……..”
لوى ابراهيم شفتيه ساخراً…..
“هو اللي بيصلي في الجامع اليومين دول بقا شيخ………ربنا يهديكي…… ”
جن جنونها وهي تحاول التملص منه….
“شايفني مجنونه………سيب العبايه يابراهيم…..”
تركها أخيراً وهو ينظر للعباءة جيداً ثم عقب
بتسلط ذكوري لعين……..
“العبايه دي اصلا ضيقه……….اطلعي غيريها…..”
هزت راسها بعناد قائلة…..
“لا مش هغيرها العبايه واسعه……”
نظر لمحنياتها البارز بحياء من اسفل
العباء………ثم عقب هازئاً……
“كل ده ووسعه……”
زفرت وهي تنظر اليه
بضيق…..
“انت عايزني البس شوال يابراهيم…..”
امرها بتسلط خشن……
“اسمعي الكلام….ارجع من صلاة الجمعة القيكي مغيره ام العبايه…..بواحده واسعه….. سامعه
واسعه…..”
هزت راسها بامتناع
“مش هعمل كده…….”
عاد وقبض بيداه على عنق العباءه مجدداً مما
جعلها تزمجر بغيظٍ منه…..
“سبني يابراهيم……انت ماسك حرامي……”

دخلت نوال عليهما وهما في تلك الوضعية اتسعت عيناها وفغرت شفتيها وهي تقول مشدوهة….
“في اي يابراهيم ماسك مراتك كده ليه….اي اللي حصل يابني……”
ترك سمر سريعاً وهي ابتعدت كذلك عنه بحرج وغضب و وجهها يشتعل احمرار بالغيظ منه……
تنحنح ابراهيم وهو يحاول تجاوز امه للخروج من المطبخ قائلاً بخشونة…..
“انا رايح اصلي……”
اوقفته نوال قائلة بصرامة الأم…..
“استنى عندك هي عملت إيه عشان تمسكها كده….
مش عيب يابني هي دي الطريقة اللي نعامل بيها بنات الناس……ترضى حد من اجواز اخواتك يمسك واحده من اخواتك كده…….”
حك ابراهيم في لحيته قائلا بحرج…..
“انتي فاهمه غلط ياحاجه….احنا بنتكلم عادي…..”
عقدت والدتها حاجبيها مصدومة وهي
تعقب بدهشة…..
“كده وبتكلموا…امال لو ماسكين في بعض هيبقا إزاي……وبعدين يابني لو بتكلم معاها تمسكها كده
ليه هي هتهرب…….”
قال ابراهيم بنفاذ صبر……
“عديني يا امي…..الخطبة خلصت…ضيعتوا عليا صلاة الجمعة الله يسامحكم ويصلح حالكم…..”
قالها باقتضاب وهو يتجاوز امه…….
ضربت نوال كفٍ بأخر وهي تقول ذاهله…..
“انا مش عارفه الواد بقا غشيم كده ليه…….”ثم اقتربت من سمر وسالتها برفق……
“ماله ابراهيم ياسمر……انتوا زعلانين……”
ردت سمر بهدوء وعينيها تلمع حزناً…..
“لا ياماما…..انا بس نسيت اصحيه يصلي…فعشان كده مضايق مني……..”
ربتت نوال على كتفها بحنان…….مدافعه
بالحديث عن ابنها بالفطرة………
“معلشي ياحبيبتي طولي بالك….راضيه بكلمتين لما يرجع وقوليله انك نسيتي غصب عنك……”
اومات سمر بحزن وهي تعود للطهي……
…………………………………………………………….
قد بدلت العباءة باخرى واسعه قليلاً…..ثم عادت لمراقبة تسويت الاصناف على الموقد…..
عاد هو من صلاة الجمعة وجلس مع الرجال في صالون شقة والده……وكل ربع ساعه ينظر من عند الباب حيثُ جلسة النساء التي تخلو منها…..
لماذا لا يدخل احد ليساعدها…..هل ستظل تطهو بمفردها……..
سحب نفساً عميقاً وهو ينهض من مكانه داخلا المطبخ ومزال يرتدي قفطانه الأبيض الناصع
الذي يزيده هيبة ووسامة…
وجدها تمسح قطرات العرق بكم العباءة وهي تغلق غطاء الاناء ثم رفعت عينيها مباشرةً على دخلت المطبخ ….وحينما ابصرته اخفضت جفنيها قائلة بانزعاج…
“جاي تتعارك تاني…..انا غيرت العباية….اي أوامر
تانيه……..”
نظر للعباءة الانيقة زاهية الالوان بشكلا يسر العين
خصوصاً عليها تزداد جمالاً وانوثه……عقب بهدوء….
“كويسه…..”
لوت شفتيها وهي تميل بوجهها بعيداً عنه…
“دا كرم كبير من سيادتك……..”
نظر لوقفتها امام الموقد ثم قال بعدم رضا…
“انتي هتفضلي وقفه في المطبخ كده كتير…..”
ردت بفتور…… “لحد مالاكل يستوى…….”
قال بخشونة مغتاظ منها….
“هو مفيش غيرك يعني….مش عملتيه سيبي غيرك يسويه……..”
جفلة قليلاً وهي تقول بدهشة…..
“إزاي يعني مينفعش…….وبعدين اخواتك جايين من اخر الدنيا هشغلهم….. ”
قال ابراهيم بخشونة وتصميم……
“اخواتي مش غرب ياسمر…..هما جايين لامهم وابوهم وهيتعامله عادي……وانتي مقصرتيش
انتي وقفه من بدري……..اطلعي وانا هخلي رباب
تقف مكانك….. ”
قالت سمر ممتنعه……
“مش هينفع يابراهيم……انا هستحمل الشوية دول……..”
عقد حاجبيه وجز على اسنانه سائلاً…..
“يعني تعبتي…..”
صارحة ببساطه…… “شوية…….”
سحبها من يدها برفق قائلاً
بجدية…..
“تبقي تطلعي وتسمعي الكلام……..”
تنهدت بوله وهي تنظر لكتفه وهي تسير خلفه بانصياع…..واثناء ذلك همست بضياع…..
“بحبك ياهيما…….”
في لحظتها وقف مكانه واغمض عيناه لثانية واحده
ثم فتح عيناه ومال بوجهه ناظراً اليها متسائلا بشك…..
“قولتي إيه………”
هزت راسها سريعاً بحرج….. “ولا حاجة………..”
اوما براسه مقتضباً ثم سار بها للخارج…..اجلسها
على الاريكة جوار امه وهو يقول لرباب
بهدوء….
“ادخلي كملي انتي الاكل يا رباب…….هو على التسويه بس عينك عليه………عشان سمر تعبت
من الوقفه……..”
انحرجت رباب ونهضت معتذره……
“معلشي ياسمر الكلام خدني مع امي ومرات عمي……خليكي وانا هكمل تسويته…….”
ابتعدت رباب ودخلت المطبخ فنظر ابراهيم لامه ليرى ردة فعلها وكانت هادئه صامته بل انها بدات تتسامر مع سمر همساً…….
وقتها ابتعد لجلسة الرجال…….
راقبت سمر ابتعاده ثم انتبهت لحديث نوال وقالت
بهدوء…..
“لا ياماما……لسه بدري……يعني دا تعب بسيط من وقفت المطبخ والحر………”
“طب ارتاحي ياحبيبتي وانا هخلي البنات يكملوا………”ثم اشارة نوال لحبيبة التي
كانت شاردة كالعادة والحزن الدفين يغيم
في عينيها الزيتونية……..
“قومي ياحبيبة شوفي رباب لو محتاجه حاجة ساعديها…….”
اومات لها حبيبة بانصياع وهي تنهض…..
“حاضر يامرات عمي…….”
حينما استدارت حبيبة قالت صفاء بلؤم…..
“اول مالاكل يستوي أعملي السلطه علطول ياحبيبة……..عشان ابراهيم بيحبها….” ثم نظرت
لسمر ونوال معدلة المغزى بابتسامه صفراء…..
” قصدي كلهم…….كلهم بيحبوها جمب الأكل…..”
قالت نوال بقوة وهي تنظر لصفاء بحزم…..
“ابراهيم بيحب السلطه جمب الاكل…..بس بيحب ياكلها من ايد مراته….وهي هتقوم تعملها منين مانقرب نحط الأكل…….”ربتت نوال على يد
سمر برفق فابتسمت سمر براحة وهي تنظر لها بامتنان فلو كانت امها معها لفعلت مثلما فعلت نوال تماماً لذلك لمعة عيناها بدموع وهي تحمد الله انه وهب لها بدل الام إثنين وهذا لا يحدث للمرء إلا نادراً…
اخفضت صفاء وجهها بحرج وغضب…..وخشيت ان تشتكي نوال لحامد وينفذ تهديده ويطلقها يجب ان
تلتزم الصمت وحتى ان كانت كارهة لوجود سمر بينهما يجب ان تتقبلها او تدعي ذلك…….بلعت صفاء
لسانها وفضلت الصمت حتى تنتهي تلك العزيمة التي باتت لا تطاق بوجود دخيله بينهما تفرق بينها وبين آل راضي والكل بات لا يطيق كلامها…..
اجتمع الجميع على سفرة الطعام والديه شقيقتيه وازواجهن وعمه وزوجته وابنتهما…..
جلس ابراهيم على احد المقاعد وهي جواره بعد
ان ساعد الجميع في تحضير الطعام على
السفرة……….
بدأت سمر بالاكل ببعضاً من الحرج لوجود اغراب غير والديه وشقيقته…..لاول مرة تجتمع بازواج شقيقتيه
وعمه….فالامر كان محرج قليلاً……
وضع ابراهيم لها قطعة من اللحم في طبقها
وهو يقول لها بهمساً……
“متاكلي ياسمر….مالك…..”
همست بحرج وهي تقلب في طبقها……
“مفيش يابراهيم انا باكل اهوه…..”
داعبها برفق…..”تحبي أأكلك بنفسي……”
بطبع كان سؤالها الاهم هو….
“قدامهم……”
لوى شفتيه مشدوهاً….سائلاً
“هي دي المشكلة………..بنسبالك…..”
اومات براسها وهي تبتسم ببساطه……فمال عليها متسائلا باهتمام……
“الاكل بتاع امبارح فين……”
ابتلعت ضحكتها بصعوبة…..هامسه…
“هيكون فين…….في التلاجه طبعاً…….”
نظر لها عاقداً الحاجبين بعبوس…..
“يعني مكلتيش امبارح ؟…..”
زمت شفتيها وهي تنظر لطبقها…..
“تقريباً كل يوم بنام على لحم بطني بسببك….”
جز على اسنانه هامساً بتجهم…..
“عايزه تضربي والله…….”
رفع وجهها بدهشة عليه….. “يسلام………”
اوما براسه وتوعد بعيناه قبل كلماته……
“ماشي ياسمر………فكريني لم نطلع اطلع عليكي القديم والجديد………وبالمرة ازغطك زي البطه
الاكل المرمي في التلاجه ده……”
هل انتهى الخصام ام انه يحاول الملاطفة معها
حتى تبتسم ولو قليل جواره ولا يلاحظ احد خصامهم……….
رفعت سمر عيناها على حبيبة فوجدتها تقلب في طبقها بالمعلقة وعيناها شارده في محتوى الطبق
لكنها تعلم انها شاردة في وجهاً واسما وصوتٍ
تحفظه هي على ظهر قلبها…….
تنهدت باسى وهي تعود لطبقها بشهية مفقودة…فحتى احمد لم يعود للبيت من وقت الشجار الحاد الذي حدث بينهما….حتى والدتها ستجن بسبب بعده عنها…..
لطالما كان احمد المدلل لدى زينب والاقرب لقلبها ولا تعرف السبب حقيقةٍ……..ورغم ذلك لم تغار منه بل احبته كما احبته زينب……احبته بقلب ام لذلك
كانت الغيرة امراً مفقود بينهما……..
صدح هاتفها في احد الزوايا فنهضت بهدوء لترد عليه فكانت مخصصه رنة مميزة لامها……..لذلك كان
قلبها يخفق بخوف حتى من قبل ان تفتح الخط….
حينما فتحت الخط هوى قلبها محطماً وهي تسمع صوت خالها فقالت بهلع…….
“مالها امي ياخالي…….”صمتت قليلاً ثم همست
باسى…..
“احمد……..”
استدارت حبيبة سريعاً وهي تنظر لموقع وقوف سمر بقلق ولم تلاحظ عينا ابراهيم الثاقبة عليها…..
حينما انهت سمر المكالمة نهض ابراهيم وعلى
مرأى الجميع سالها……
“في اي ياسمر مالك…….”
نزلت دموعها وهي تقول برعب….
“امي تعبانه اوي يابراهيم انا نزللها……”
اوما ابراهيم بالموافقة قائلاً…..
“استني اتصل بدكتور يجلنا على شقتها….وبعدين ننزل انا وانتي……”
نهضت نوال قائلة…..
“وانا كمان جايه معاك يابني…….”
“مش دلوقتي ياحاجه……نطمن من الدكتور الاول وبعدين زوريها براحتك……”قالها وهو يدخل احد الغرف……..
قالت سمر بتعجل…..
“بسرعه يابراهيم الله يخليك……”
تقدمت منها نوال قائلة بشفقة…..
“متقلقيش ياسمر خير يابنتي….خير ان شاء آلله…….”
رفعت سمر راسها تناجي الله
بلوعةٍ…..
“يارب……يارب عديها على خير……يارب…..”
نهضت حبيبة وقالت بتردد وتسرع…….
“سمر ينفع اجي معاكي اطمن على مامتك……”
قبل ان تتفوه سمر اتى صوت ابراهيم الحازم
من خلفها قائلاً…….
“لا ياحبيبة…..مش هينفع……….هبقا اطمنك عليها متقلقيش…….”
ودت لو تبتلعها الأرض الان من امام ابن عمها فهي أصبحت امامه عارية المشاعر بشكلاً ابله يجعلها
اضحوكة للسخرية منها……..
اومات حبيبة براسها وهي تبتعد بحرج…….
مسك يد زوجته التي ترتجف برعبٍ وقال
بهدوء….
“يلا ياسمر…..اهدي شوية و الدكتور جاي في
السكه وان شاء الله خير……”
اومات وهي تتحرك معه بساقين رخوتين وعينين غائرتين غارقتين في الدموع……..
بعد مده خرج الطبيب من غرفة والدتها قائلاً بعملية……
“الضغط عندها بس واكي شوية…انا ادتها حقنة تهديها وهترفع الضغط شوية المهم تبعد عن اي
زعل واي انفعال……….عشان تتحسن صحتها….”
اومات سمر للطبيب وهي واقفه جوار خالها عارف بينما ابراهيم اصطحب الطبيب للخارج……
قال عارف بوجوم وهو يجلس على الاريكة…
“امك تعبانه عشان احمد مش موجود معاها…..”
اومات سمر بتاكيد وهي تمسح دموعها
بالمنديل….
“عارفه…….”
قال عارف بحنق…..
“انا برن عليه تلفوانه مقفول…… انا خايف يكون جراله حاجة…….”
قالت سمر بشجن وهي تبكي…..
“انا كمان رنيت عليه من شوية تلفونه مقفول….”
اقترح عارف بشتات….
“هنعمل إيه……. نروح ندور عليه عند صحابه اللي نعرفهم…….”
قالت سمر بتاكيد واضافت أيضاً…..
“ايوا ياخالي لو تلفونه فضل مقفول من هنا للصبح… هنعمل كده يمكن نلقيه عند حد فيهم…. لازم يعرف
ان امه تعبانه وهتموت بسبب عمايله السوده….
انا مش عارفه هو جاب قسوة القلب دي منين….”
زفرت بغيظٍ وهي تنظر لباب الشقة الذي لم يدخل منه ابراهيم حتى الآن…. اجرت اتصال به على هاتفها
وحين فتح الخط سالته بهدوء…..
“انت فين يابراهيم….. انت روحت…….”
اخبرها بصوتٍ فاتر….
“لا ياسمر……. هجيب احمد واجي……”
عقدت حاحبيها سائلة…. “انت عارف مكانه……..”
اتى صوته باختصار….
“أيوا…… هكلمك تاني سلام…….”
“ابراهيم…….” لكنها لم تسمع الا صفير انتهى
المكالمة نظرت لخالها قائلة بحيرة……
“ابراهيم بيقول انه هيجيب احمد ويجي…. وانه عارف مكانه…….”
ارتسم خطٍ من الحياة لوجه عارف قائلاً
بامل….
“كويس لو جه النهاردة وبات في البيت امك هتصحى الصبح زي الرهوان……”
دعت بلهفة حزينة……
“يارب ياخالي……. انا هموت من القلق عليها… وعلى
اللي مطلع عنينا……. ومقضيها سرمحا…..”
قال عارف برفقٍ موضح لها…..
“ربنا يهديه ياسمر…… السن ده خطر بذات للشباب اللي زيه…….”
اومات وهي تقول بتعب من الركض المستمر
خلف الجميع……..
“عارفه بتبقى كل حاجة بنسبالهم مباحه….. بس اديك شايف عمايل احمد وصلته ووصلتنا لفين…. امه هتموت بسببه……..وانا قلبي هيقف من كتر اللف ورا ده شويه وورا دا شويه……. انا تعبت ياخالي
ونفسي ارتاح بقا….. ”
قال عارف بنبرة كئيبة……
“لو فكرك ان الدنيا يعني راحه تبقي غلطانه…. الدنيا
دي كلها تعب وقرف ووجع قلب……الراحه الحقيقية في الاخرة في النهاية مش في البداية……”
اومات سمر بوجوم قائلة….
“عندك حق….. بس انا نفسي ارتاح وبعد عن
كل ده…. مش من حقي ياخالي…….”
نظر عارف للبعيد قائلاً عبارة مُره كمرارة
العلقم…….
“من حقك ياسمر………. كلنا من حقنا نرتاح إلا
اللي ماتت الراحه في عينه بعد موت حبايبه……”
نظرت اليه بحزن وشفقة يبدو انها فتحت صندوق الاحزان الأسود داخله واخرجت الأوجاع بطلبها البريء للراحة من تلك الدوامة الشبيهة بطوفان
كاسح ينهال من صبرها وقوة تحملها……….لكن
من يرى بلايا الغير تهون عليه بلوته……
فضلت الصمت ولم تعقب فهذا الرجل ضائع دوماً وصادق كثيراً في بعض الاقويل……..وهو عارف
لكنه لم يعرف يوماً عند اي مطاف سينتهي به
الحال……..
نظرت سمر اليه متسائلة داخلها بحيرة…
ترى عند اي مطاف ياخالي ستنتهي قصتك…..سعيدة
ام ستظل كئيبة سوداء…… أصبحت في منتصف الخمسينات من عمرك…..هل تضاف الالوان لحياتك بعد هذا السن ياخالي ام سيظل الاسود رفيق دربك
حتى اخر دقيقه بعمرك………
اخشى عليك ياخالي والله لو بيدي لكنت ارجعت
لك عقارب الساعة وساعدتك بعدها على ان
تتزوج بامراه اخرى تهون عليك مرارة الوحدة
و فراق الأحبة، وتضيف الالوان لحياتك الباهته
بظلمة الماضي……….
لكن من تلك المناسبة لك……ليتها تعرفها ؟!…..
……………………………………………………………..
اطرق على الباب الخشبي المتهالك بقوة فزمجر صاحب الغرفة بغضب وهو يقول قبل ان يفتح…
“ما برااااحه ياعم في إيه…..الباب هيكااااااسر…..”
حينما فتح ماندو الباب وجد ابراهيم راضي امام عيناه بضخامته الجسدية والصلابة الحادة التي يتمتع بها سواء بجسده او بعيناه شديدة السواد الحاد الذي يوشك على ابتلع من يحاول اعتراض طريقه…….
بلع ماندو ريقه وهو ينظر لإبراهيم بتردد ثم سال
بعد ان طال الصمت بينهم…..
“خير ياعمنا…… اامرني ياكبير…….”
كانت نظرات ابراهيم ثابته قويةٍ وهو
يسأله بخشونة……
“احمد عندك ياماندو……..”
تلعثم ماندو وهو ينظر في الغرفة من الداخل ثم لعينا إبراهيم وهو في حيرة من القاء
الجواب……
“بصراحه…… انا………. انا معرفـ……..”
اخرسه ابراهيم قائلا بازدراء….
“من غير كاني وماني انا عارف انه بقاله كام يوم مجرش عندك…….ادخل نديه…. ”
حك ماندو في شعره قائلاً بتلعثم…..
“بس دا نايم ياعمنا……ماتعدي عليه وقت تاني….”
مرر ابراهيم سبابة اصبعه على انفه وهو مطرق الرأس قائلاً بجدية وتاثراً….
“فعلاً نايم……..حرام نصحيه……”
رفع ماندو كفيه للأعلى وكانه انتصر في احد
المعارك…
“شوفت ياعمنا……انا قلبي عليه ازاي….”
اكتفى ابراهيم بايماءة بسيطه وهو يقول
بهدوء
“كلنا قلبنا عليه…….تعالى ياماندو عايزك….”
لم يتردد ماندو في التقدم بل تقدم منه وكان يرتدي ملابس بيتي عبارة عن سراول قصير يصل لبعض ركبتيه وفوقه فانلة داخليه حمراء وكان يطلق
شعره الطويل قليلاً بفوضوية غير محببه للنفس كالمتحرشين في الطرقات…….صراحة هو يشبهم بشدة ربما يكون واحداً منهم……من يعلم ؟!……
حينما اقترب منه ماندو مسكه ابراهيم سريعاً من
حمالات الفانلة وقربه منه وهو يقول بنبرة
خافته مرعبه…….
“انت تقف مكانك هنا تستناني……لحد ماطلع من
جوا ومعايا والولا……سامع………”
اوما ماندو بانصياع
مقرف……
“سامع ياعمنا…… بيتك وماترحك……”
تركه ابراهيم بقرف ثم سألها بصلابة….
“في نسوان جوا يالا……..”
قال ماندو بمناورة……
“مانت عارف ياعمنا….. ان انا مقطوع من شجرة….”
اشتدت نظرات ابراهيم ثم هتف بصلابه…..
“ماندو……. انت عارف انا بسال على اي كويس….”
صاح ماندو باستنكار رافضاً ما يشير اليه….
“لا ياعمنا….. مفيش حد جوا……. انا مليش في شمال……”
هدر ابراهيم بغضب……. “ولا…….”
ارتجف جسد ماندو فاعتراف بسلوك
خسيء…
“صراحه كان فيه….. بس مشيت بدري……”
اطبق ابراهيم على اسنانه وساله بهدوء
كان يخرج بمعجزة……
“واحمد كان معاك في ليلة دي……”
قال ماندو ببساطه مقرفة….
“لا احمد ملوش في الحاجات دي اخره سجارة حشيش……… مغوطش عن كده…. وبعدين ياعمنا
اكيد مش هجيب الحته الطريه واحمد موجود…. دا هي اوضه وحمام….. احمد كان في وردية المطعم بليل دا لسه راجع من ساعتين……و دخل نام علطول….. ”
اشار ابراهيم بكفه بغطرسة قائلاً….
“خليك مكانك لحد ماطلع……”
خطى ماندو لاحقاً بإبراهيم الذي دلف للغرفة….
“براحتك ياعمنا….. اعملك شاي…….”بعد تلك الجملة لم يجد إلا الفراغ والباب المغلق في وجهه بعد ان ركله ابراهيم بقدمه………
مسح ماندو على انفه قائلاً
بفتور
” مشاكل عائليه مليش دعوة بيها……. “ثم اخرج احد لفائف سجائرة وبدا يلف بها وهو يستند على سور السطح…… منتظر ان يخرج الضيوف من غرفته
حتى يعود لها……
زفر ابراهيم وهو يتجه للأريكة النائم عليها أحمد….
نظر له بغضب وازدراء…. فبسبب وجوده هنا جعله يختلط بالحديث مع الأوباش…….
سحب ابراهيم نفساً طويلاً ثم اخرجه بحنق وهو يميل لياخذ كوبٍ من الماء ويقذفه على وجه
أحمد بقوة
بينما انتفض احمد وقتها بهلع ناظراً امامه كالمغيب
عن الواقع……..ساد الصمت للحظات بينهم حتى أدرك
وجود ابراهيم في غرفة ماندو…..فساله أحمد بفظاظة ولسانه القذر يقذف ما يسيء لشرف أحدهم…..
“جاي هنا تعمل إيه………المرادي جاي واديك شايف
نايم………… مش معاها……”
لكزه ابراهيم في كتفه مسيطر على اعصابه بصعوبة…….
“متجبش سيرتها على لسانك…..وقطم ياحمد اللي بعدك عن ايدي اختك…..والله لو مكنتش بينا لكنت دفنتك بأيدي………”
نهض أحمد صائحا بغضب فيه وهو على كامل الاستعداد للاشتباك معه…..
“لا انسى اختي…. ووريني هتدفني ازاي…… لو راجل
وريني اخرك…… ولا انت مفكش غير لسان يابن راضي……..”
قال ابراهيم بعنفٍ مهيب…..
“متستفزنيش يالا… هتطلع هنا على نقاله… ادخل اغسل وشك وتعالى معايا…..” دفعه ابراهيم بقوة فوقع أحمد واصطدم راسه في الأرض فاصاب
بجرحٍ طفيف……..
رفع أحمد رأسه وعض على شفتيه وقد تفاقم غضبه
بقوة فنهض كالمجنون يلكم ابراهيم في فكه…..
تحسس ابراهيم فكه بعد الكمه القوية الذي تلقاها من شابٍ يصغره بخمسة عشر عامٍ ماهذا الهراء…. زاد جنونه الثيران لدى ابراهيم فلكم احمد عدت لكمات
تحت فكه في نفس المكان ليزيد وجعه وكانه يضرب كيس ملاكمة……..
صرخ أحمد بوحشية وهو يلتقط احد المقاعد ويلقيها
على ابراهيم الذي تفاداها ببساطه……
على الناحية الاخرى فتح ماندو الباب بتوجس بعد ان سمع صوت الشجار والتكسير…. عندما فتح جزءاً
بسيط من الباب ليرى ما يحدث وجد ابراهيم يصرخ فيه هادراً……
“اقااااااااافل البااااااااااب………..” قفل ماندو الباب سريعاً بخوف……..
تفادى ابراهيم أحد الاوني الطائرة الذي رماها
احمد عليه….
ثم اقترب ابراهيم منه في لحظة خاطفة
وعرقل سيره ليقع أرضا وانقض عليه بعدها
صارخاً بغضب….
“عارف لو مبطلتش الهبل ده وعقلت……هفتح
دماغك اكتر ماهي مفتوحه……. قوم اغسل وشك
من الدم ده وتعالى ورايا……….”
مسح احمد الدم عن جبهته وهو يصيح
بنزق….
“عايز مني……….. سبني في حالي……”
قال ابراهيم بتهكم وهو ينهض من مكانه واقفاً
بينما احمد مزال جالساً أرضا……
“لو عليا مش عايز أشوف في وشك…. بس امك تعبانه…… امك تعبانه ياغبي…… بسببك…… بسبب انك ياحيله بتابت برا البيت و مبيهونش على سيادتك
حتى تطمنها عليك ولو حتى في التلفون……..”
اهتزت حدقتي أحمد وبهت لونه فجاة سائلا
بقلق…..
“امي تعبانه…..”
هدر ابراهيم بنفاذ صبر……
“انت لسه هتسأل…….قوم اغسل وشك وغير ام هدومك دي………..”ثم القى ابراهيم نظرة استحقار
عليه وعلى المكان من حولهم واضاف بتحذير……
” تغير هدومك وتاخد الحاجة اللي ليك هنا…. وقسما بالله لو لقيتك جاي للمكان ده تاني لاكون مبلغ الحكومه عنك وعن الزفت اللي وقف برا ده…..”
طلت رأس ماندو من نافذة الغرفة قائلاً
باستنكار….
“وانا مالي ياعمنا…..هو انا اللي بقوله تعالى…..”
تجاهل ابراهيم ماندو و نظر لاحمد مهدداً اياه بشرٍ…….
“لو لقيتك في المكان ده تاني هبلغ عنك وقولهم انك بتتعاطى حشيش وبتبيع كمان انت وهو…….طالما
انت عجبك الدور ده هكمله معاك للاخر… وبدل ما تبقى حشاش… تبقى حشاش ورد سجون….. اي
رأيك مش دا اللي انت عايزه تحرق دم اختك
وامك عليك………”
نهض أحمد رافضاً ما يشير إليه……
“انا مبحرقش دم حد……..”
وضع ابراهيم يده بخصره وهو ينظر اليه بغضب
وصدره يشتعل بغيظٍ…..ثم هسهس بنبرة مخيفة…
“جدع تبقى تمشي عدل وترجع لبيتك وجامعتك وتركز في مستقبلك…..وتفوق من القرف اللي انت بتعمله ده……..ربنا مديك فرصة تكون انسان نضيف كلها كام سنه وتتخرج وتبقى مهندس معماري محترم………..تروح انت بكل غباء تعترض على
النعم اللي محوطاك وترمي نفسك في مكان زي ده…..وتشرب القرف اللي بيلحس المخ وبيحلي الحرام…..ومش بس كده لا وتروح كمان تعيش
مع واحد راضع من الحرام………..”
لوح ماندو بيده مدعي الاسى……
“مابراحه ياعمنا….انا بنادم من لحم ودم برضو….”
هدر ابراهيم بحزم….. “اخرس يالا……”
قال ماندو بتهذيب……
“اللي تشوفه ياريس….”ثم نظر ماندو لاحمد
مضيفا بنفاق……
“اسمع منه يا احمد…….الراجل ده دماغه عاليه….”
رمق ابراهيم أحمد بقوة قائلا بخشونة
وتهديد……..
“اغسل وشك وسبقني على برا…..وهات حاجاتك معاك……ورجلك متعتبش المكان ده…… سامع يابشمنهدس…..”
اتكا ابراهيم على اخر كلمة لعل هذا الأحمق يفهم
ان مستقبله على وشك الضياع كلما زاد تعانداً وتصميماً على أفعال السفهاء تلك……..
…………………………………………………………….
فتحت سمر باب الشقة بعد الطرقات وسماع صوت ابراهيم من خلفه…….
تسمرت سمر مكانها وهي تتبادل النظرات مع أحمد ثم ابراهيم………ثم عقدت حاجبيها بصدمة….
“اي اللي حصل لكم………انتوا ضربتوا بعض…..
ولا اتعركته مع حد….. ”
لم يعقب احمد على سؤالها بل سأل عن الأهم
وهو يندفع للداخل بقلق……..
“امي فين ياسمر…….”
قالت سمر بنبرة باهته……..
“في اوضتها…..ادخل شوفها…….هي صحيت وبتسال عليك……….”
دخل أحمد الغرفة بينما نظرت سمر لابراهيم
متسائلة بقلق وهي تتحسس فكه…..
“مين اللي عمل فيك كده ياحبيبي……انتوا اتعركته مع مين………”
قال ابراهيم بهدوء….
“مفيش عراك ولا حاجه……..”
ضيقت عيناها بشكٍ…..
“امال من اي ده……هو انتوا مسكتوا في بعض….”
حينما لم تجد رداً توسعت عينيها قائلة بصدمة…
“لي يابراهيم كده…….هو انت رايح تجيبه ولا تمسك فيه…..الواد وشه متشلفط…..دا غير التعويره الجامده اللي في قورته…… ”
قال ابراهيم باستهانه تجتاح غضباً
مكبوت…..
“والله هو اللي بدأ يبقى يستحمل بقا…. ”
قالت بجزع وهي تشير على غرفة الصالون…..
“بطل افترى يابن راضي…….وقعد هنا على مجبلك تلج يضيع الكدمه دي…….”
برم شفتيه قائلاً بسخرية…..
“وبنسبه لاخوكي اللي وشه متشلفط……”
قالت بوجوم وهي تستدير للمطبخ…..
“لم يخرج من عند امي هقعم الجرح اللي في راسه
وحطله تلج على الكدمات اللي في وشه……”وقفت
لبرهة قائلة برجاء……
“استناني اوعى تمشي……..”
زفر ابراهيم في وقفته قائلاً بجهد نابع من قلب
هلك من كثرة الدوران خلفها…….
“هستنا مين غيرك يعني…..اديني مستني…….
مستني ياسمر……..”
بداخل الغرفة كان احمد يجثي على ركبتيه جوار
سرير امه……. كان يبكي في احضان امه التي كانت راقده بتعب على السرير…..كانت زينب تربت على كتفه قائلة بنبرة باكية متعبة…….
“انا كويسه ياحبيبي….وآلله كويسه….بس تعبت لم بعدت عني…..هونت عليك يا أحمد…..امك هانت عليك……..تقطع بيا كده وانا مليش في دنيا غيرك انت واختك……..”
قبل يدها وهو يبكي قائلاً بنشيج معتذراً….
“سامحني يازوزو…..حقك عليا…….غلطه ومش
هتكرر والله……..”
قالت زينب بنبرة حزينة باكية……
“اوعى تمشي تاني يا أحمد وتقطع بيا….اوعى تشرب القرف ده تاني……متغضبش ربك يابني وتزعل ابوك في تربته…………وتقهرني عليك…….”
مسك يدها وقبلها عدت مرات وهو يقول بعيون
مبلله بدموع…….
“مش هرجعله تاني والله ماهرجعله تاني يازوزو …….أوعدك…..هرجع للجامعه وللمذكرة ولصحابي ولحياتي وهبعد عن السكه دي خالص
اوعدك يماا…….اوعدك…….”
قالت زينب بصوتٍ مبحوح متعب……
“عشان خاطري يابني….مضيعش تعب اختك وسنين
عمرها اللي راحت عليك….مضيعش حلم ابوك وحلمي اننا نشوفك احسن مننا……..مضيعش تعب المذكره وسنين الدراسة يابشمهندس…….عشان خاطر نفسك
اتقي ربك…..وبعد عن اللي يغضبه…….دا احنا بنتشعلق في رضا ربنا………تروح انت تغضبه……”
تحسس أحمد كفها وهو يقول برجاء……
“خلاص يازوزو قولتلك والله ما هرجع لسكه دي تاني اوعدك هتعدل وهرجع احسن من الأول……بس انتي
قومي من النومه دي و رجعي روقي البيت… وروحي السوق…. وطبخي تاني وعمليلي السمك اللي انا مبحبوش……”
ابتسمت زينب بحنان من بين دموعها وهي تمد يدها وتجذبه لاحضانها……فبكى احمد في احضانها كطفل
صغير كان تائهاً ووجد امه أخيراً…..ورغم ذلك
يظل البكاء في تلك اللحظة اسمى معاني الحب والندم……..والوعود الصادقة……….
دخل عارف عليهما الغرفه ثم اغلق الباب وجذب احمد من احضان امه بقوة وهو على وشك صفعه على وجهه لكن أحمد نظر له بوجع وبعيون
مبلله بدموع الندم ….
المنظر هز قلب عارف فبدلاً من صفعه عانقه وهو يعاتبه بقهراً…..
“كده ياخايب الرجا…..كده ياصايع… يابتاع البنات…..
تعمل في امك كده….تقهرها لحد ما تخليها ترقد على السرير كده………كده يابن جمال…..طالع لابوك…مع
ان ابوك كان اطيب خلق الله…..انت طالع صايع وفلتان كده لمين ها………”
حينما زاد نحيب احمد الخشن ضربه عارف على ظهره وهو يقول بصرامة…..
“بطل عياط……… مفيش راجل بيعيط……….”
لم يتوقف احمد عن البكاء الصامت وانفاسه
تتهدج بتعب…… وصدره ينشج وينطبق باختناق
من بشاعة أفعاله بعد ان انساق كالمغيب خلف شيطانه بل ومرارة الغربة أياماً بعيداً عن بيته و عائلته كانت الاسوء والاصعب…..نزلت دموع عارف وهو يربت على ظهر احمد قائلاً بحزم حاني……
“آخر مره يا أحمد……اخر مرة تهبب اللي هببته
ده……اعقل ورجع لحياتك……..ومهم كان اللي
حصلك مفيش حد يستاهل انك تضيع حياتك
علشانه وتنتقم من نفسك لأجله….محدش
يستاهل…….صدقني يابني محدش يستاهل………
” لما توقع محدش هيقوم يسندك غير اهلك…..ولم يحصلك حاجة محدش هيموت من القهر والوجع عليك غير اهلك….فلو بتحب أهلك اتقي الله في نفسك…….وخاف ربك…….. مش هقولك اكتر من كده………”خرج احمد من احضان خاله بينما
ربت عارف على وجنته قائلاً بحنان أبوي……..
“روح اغسل وشك……..وانا هروح اسخنلك الأكل
عشان تأكل خسيت وعضمت وحلتك بقت
بالبلا…..”
قالت زينب بتعب وهي تحاول التحرك من
على السرير…….
“نادي سمر ياعارف…..انت مش هتعرف……”
قال عارف بهدوءٍ خشن…..
“لا هعرف خليكي مستريحه…..وبعدين سمر بتحط تلج للكدمه اللي في وش جوزها………”نظر عارف
للكدمات المزينة وجه أحمد وجرح جبهته
الطفيف ثم عقب بعدها…….
“شكلك طولت ايدك على جوز اختك…..بس هو قام بالواجب وفوقك………ورجع عقلك لراسك من تاني يابن جمال……..”ربت على كتف احمد واضاف بحزم……..
“ادخل اغسل وشك ورجع قعد جمب امك….بوس
اديها و راسها و راضيها……..لحد ما جبلك تاكل……وبعدها تطلع تراضي اختك بكلمتين……
اختك اللي كانت ليك اب قبل ماتكون اخت……….سامعني…..”
اوما احمد بانصياع وهو يخرج من الغرفة داخلا للحمام………
…………………………………………………………..
مررت سمر قطعه من الثلج على فك ابراهيم..فاغمض عيناه متألمٍ بصمت…….
همست سمر برفق معتذره……..
“انا آسفه…….”
قال بهدوء وهو يتحسس
فكه…..
“على اي انتي متقصديش……..”
ارتبكت حدقتيها قائلة بحرجٍ أكبر…..
“مش اسفه على كده…. انا آسفه اني دخلتك في مشاكلي ومشاكل اهلي…….”
قال بجدية وعيناه تسافر على ملامحها
الجميلة……
“قولتلك مية مره ان مشاكلك هي مشاكي واهلك هما اهلي……..بمشاكلهم كمان…….”
زمت سمر شفتيها وأحنت كتفيها قائلة
بوجوم…..
“انا مش بيجي من ورايا غير المصايب يابراهيم…انا عارفه….. متزوقش الكلام……”
مط ابراهيم شفتيه بأسى قائلاً…..
“مش بذوقه…..انتي فعلاً كتلة عقد ومصايب….”
توسعت عينا سمر بصدمه…وانتفض وجهها مشدوهاً…….لانت ملامح ابراهيم قائلاً
بخفوت أجش……
“بس هعمل اي بحبك……….بحبك يابت……”
خفق قلبها ولمعة عيناها متسائلة
برجاء…..
“يعني مش زعلان مني يابراهيم……”
اخفض انظاره قائلاً بحزم…..
“عتابي معاكي في بيتنا ياسمر مش هنا…..”
رفعت حاجبها متسائلة بعتابٍ…..
“يسلام واللي فات دا كله مكنش عتاب……”
هز ابراهيم راسه وهو يقول بخفوت خشن…..
“لا ياسمر……..بعدي عنك خوف عليكي…..لو رفعت ايدي في مرة عليكي ياسمر…….اعرفي اني مش هسامح نفسي ولا هسامحك……لما تلاقيني بعدت
سبيني……سبيني لحد ما اروق انا كدا كده
هرجعلك بس لم اروق وحسى اني قادر اتكلم
وطلع كل اللي جوايا حتى لو هيزعلك……..هقدر ارضيكي وخدك في حضني حتى لو مضايق منك ….ليه……لاني هديت…..وزعل خد وقته معايا وانتهى….فهمتي…. ”
هزت راسها بتفهم ثم قالت بتبرير…..
“فهمت……..بس لازم تفهم ان مكنش قصدي اخبي عليك الموضوع بس انـ……..”
قاطعها ابراهيم بخشونة……
“نتكلم في بيتنا ياسمر……….مش وقته…….”
نهض ابراهيم بعدها من مكانه فلحقت هي به
ناهضه لتقف امامه قائلة بتساؤل….
“هتمشي…….”
هز راسه قائلاً بصعوبة وعيناه معلقه
بعيناها…..
“أيوا……قعدي انتي الكام يوم دول مع امك….لحد ماتخف وتقوم على رجليها من تاني……. وانا هبقى اطمن عليكي وعليها في التلفون………وعينك على أخوكي…..ماشي… ”
اومات براسها بطاعه….. “حاضر……”
قالتها وهي تبتعد من امامه كي يرحل لكنه لم يتحرك من مكانه بل ظل متسمراً ينظر اليه بصمت يشتبك
بالشوق لقطعة السكر الذائبه بحلاوة……
لعقت شفتيها بتردد
قائلة……
“بتبصلي كدا ليه يابراهيم……”
لم ينطق بحرف بل فرد كفه لها…. فاهتزت شفتيها في شبه ابتسامة وهي تضع كفها الصغير بكفه الذي
اختفى حينما اقبض عليه برفق….. سحبها ابراهيم
بحنان لعنده فخطت برفق على الارض وكأنها تسير
على قلبه الخافق الملتاع في حبها…حينما وصلت لعندها ارتاحت راسها على صدره بصمت فضمها بذراعيه الاثنين بقوة فتاوهت بنعومة هامسه بما
يكن داخل قلبها الجائع لاحتواءه الرجولي……
“وحشتني اوي………”
تحسس ظهرها وهو يقول بحرارة خافته……
“وانتي كمان وحشتيني ………..” شدد في ضمها لصدره بينما هي تتنهد بلوعةٍ حبٍ واشتياقٍ
لهذا الرجل……… رجلها حبيبها…….سندها في
الحياة……….دوماً يلبي طلباتها ويغذي قلبها بقربه
الدافئ الحاني يروي معه مشاعر ذابله مجهده
منذ زمن…….
وعناقه القوي العاطفي كان أكبر دليل انه يقراء متطلبات جسدها اكثر منها هي…..فهي أحياناً لا
تفقه ماذا تريد معه بينما هو يعرف جيداً ماذا
تحتاج منه……
ستقع في عشق ابراهيم راضي الف مرة……..وفي
كل مرة ستدرك انها لم تعشقه بالقدر الكافي الذي يستحقه فستحاول مجدداً فقط لأنهُ العوض الذي اتى بعد انتظار عظيم…….
…………………………………………………………….
مررت القطنه على الجرح برفق وعينيها تنظر اليه بعتابٍ قائلة وهي تطهر جرحه…..
“يارب تكون اخر مرة….. ونعقل ونبقى رجاله بجد مش كلام……..”
بلع أحمد غصة في حلقه والتوى فكه تشنجٍ….. وهو
يبعد عيناه عنها……
لوت سمر شفتيها قائلة بنبرة باهته….
“وكمان انت اللي زعلان……”
هز راسه نفياً وهو يعود لعينيها السوداء قائلاً
بخفوت……
“انا آسف…….انا لبخت معاكي اخر مرة وقولت كلام مينفعش أقوله…….. حقك عليا……” مالى ليقبل راسها
لكنها ابعدت راسها عنه قائلة بصلابة…..
“مش هسامحك بطريقه دي……..”
عقد احمد حاجبيه وعيناه تسألها بصمت عاجز….
حينها قالت سمر بجدية……
“هسامحك لم ترجع احسن من الأول……واهم حاجة
تبعد عن القرف اللي كنت بتشربه……والبنات وكلام التلفونات……سامع عايزك ترجع احسن من الأول
مش عشانك انت…….عشاني وعشان امك….اللي
روحها فيك…. واديك شايف لما بعدت عنها
كام يوم حصلها إيه……… ”
كانت تتحدث وعيناها رغما عنها غارقة بدموع بينما
ملامحها انتشر بها الحزن واليأس في خطٍ
محدد…….وضعت علبة الاسعافات على الطاولة
ثم مالت قليلاً عليه كي تضع ملصق طبي على
جرح جبهته
بينما أحمد نظر لها بعينين يائستين…وشعر بالوجع الهائل ينتشر بصدره وهو يخبرها بصدق……
“انا مش هعرف ارجع زي الاول ياسمر……”
ارتجف قلبها بعد نبرة صوته التائه النابعه المًا….
بينما عيناه يائسة من كل شيءٍ…..وضياع
بادي عليه بشدة…يخبرها ببساطه انه ان لم ياتي اليوم لكن مات من شدة الضياع والتساهل مع شيطانه……..
ترقرقت الدموع بعينيها وهي تتحسس وجنتيه بيداها قائلة بنبرة حانية مشفقة على قلبه الخام
المتألم من اول تجربة حب صادقة مرت عليه…..
“أحمد ياحبيبي……اسمعني……يمكن انت اخترت الحب بس هو مختركش……ودا مش معناه ان العيب
فيك او انك متستحقوش…..بس يمكن يكون ربنا شايلك حاجة أجمل وفيها خير ليك أكتر……يمكن
حبيبة مش خير ليك…..بكرة لم تتخرج وتبدأ تشتغل
وتتعامل مع ناس تانيه هتكبر وتفهم اكتر… وهتعرف ان كل اللي عدى عليك ده كان لعب عيال….وانك
محبتش حبيبة اصلا ولا هي حبتك……وان كل ده كان وهم…. وكدبة كبيرة……. ”
قال احمد بنبرة باهته…….
“عمر الحب الاول ما كان كدبه ياسمر……حبك لابراهيم اكبر دليل……ان الحب الاول عمره
ما كان وهم……..”
ادعت سمر كاذبة كي تقحم رأيها في رأسه
اجبارياً….
“مين قال ان ابراهيم اول حب…..انا حبيت زيك كده بس كان حب من طرف واحد…….ولم فوقت لنفسي
وكبرت حبيت ابراهيم وعرفت ان كل ده كان وهم…..
وانت بكره تتخرج وسنين تجري وتحب بنت
تانيه…… ”
سالها غير مصدقاً….. “غير حبيبة ؟!……..”
اومات سمر بقوة وهي تستشعر وجعه وعذابه
بقلبها الذي يخفق المًا لأجله…….
“ايوا……اي المشكلة يعني هو اللي خلقها
مخلقش غيرها……..”
اوما أحمد براسه بتعابير باهته…..
“أيوا ياسمر………بنسبالي مفيش غيرها……..”
قالت بصوتٍ حازمٍ…….
“يعني إيه…..هتفضل كده…..بتموت نفسك وبتموتنا بالبطيء…..يا احمد انت لسه صغير…والعمر قدامك طويل……..لو كل واحد عمل في نفسه اللي انت بتعمله ده عشان فشل في قصة حب….. كان زمانا
كلنا مدفونين بالحيا…….” زفرة وهي تضيف بصوتٍ حاني قليلاً…… “الوجع جزء من الحياة…والوجع مش بيموت يا أحمد…..بس بيقوي وبيعلم…. وانت لازم تكون اقوى من كده….. وتبقى احسن من الأول……. ”
اوما أحمد قائلاً بنبرة مجهدة تجتاح الحرج من
أفعاله المخزي في تلك الفترة القصيرة…..
“اوعدك اكون احسن من الأول…….عشانكم قبل ما يكون عشاني………”ثم مالى عليها وقبل راسها
“حقك عليا……..انا غلط في حقك كتير…وتعبتك اكتر……”
نزلت دموع سمر وهي تجذبه لاحضانها مربته على كتفه وهي تقول بوله….
“انت ابني ياهبل……… مش اخويا……وانا هستحمل
اي حاجة المهم ترجع احسن من الأول……عشان
خاطر أمك……وعشان نفسك…..وبكرة تعرف
ان عندي حق في كل كلمة قولتهالك……”
“ياريت…….”قالها بزفرة متعبه فهو حقاً يتمنى ان يزول حبها من قلبه ويتعافى من هذا الوجع….
ربما السنوات كفيلة بان تنسيه كل ماعاشه
معها ربما ؟!….

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غمرة عشقك)

‫6 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى