روايات

رواية غمرة عشقك الفصل الثالث عشر 13 بقلم دهب عطية

رواية غمرة عشقك الفصل الثالث عشر 13 بقلم دهب عطية

رواية غمرة عشقك الجزء الثالث عشر

رواية غمرة عشقك البارت الثالث عشر

رواية غمرة عشقك
رواية غمرة عشقك

رواية غمرة عشقك الحلقة الثالثة عشر

كان يهبط على السلالم وهو يرتدي ساعة معصمة
الفخمة…. النفيسة كذلك…..
رفع عيناه العسلية للامام وهو يرى فوضى في
الردهة الشاسعة…. عُمال هنا وهناك والكل يعمل على عمل وساق لتهيئة المكان بصورة أشبه لحفل ميلاد
لصغير قد اتم اول عام بعمره….
لاح على شفتي عز الدين بسمة دافئة وهو يتذكر حديث( آية) منذ اسبوع حينما اتت بكل حماس
وهي تخبره بسعادة….
“عز….. علي هيكمل السنة اخر الأسبوع ده… لازم نعمل حفلة عيد ميلادى….. ولازم نعزم قريبنا وصحابنا وانت كمان تيجي مش هقبل تأخير بسبب شغلك ياستاذ….” اخرجت تنهيدة عميقة وهي تتابع…
“علي بقى عند سنة…. ازاي مرت كده…..” صمتت
قليلاً وكانه تذكرت شيءٍ ازعجها او… المها بقوة…
رأى عز الدين الحزن بعيناها العسلية الامعة عكس عيناه فكانت تنبض بالحياة و…. والحزن… اما هو برغم وراثتهما لنفس لون العيون الا ان عيناه
ضارية قاتمة بها لمعة عنيفة من القسوة الباردة…. لكن واحة أمان واحتين من الدفء والأمان اذا تاملتهن بصمت وبحسن ظن……. كما فعلت تعيسة الحظ يوماً؟!…
تحدث عز الدين وقتها بابتسامة هادئه تخفي غضبه من الحزن عليها….
“كل سنة وهو طيب ياحبيبتي….. اي رايك نعمل العيد الميلاد في فندق ***….”
اختفى الحزن بتدريج وهي تركز معه أكثر…
“لا مش مستاهله دا كله… انا عايزاه بسيط
وميكنش فيه غير اقرب ناس لينا… كده يعني….”
سألها بدون اي مواربة وعيناه تبصرها بقوة…
“يعني هتعزمي خالد على الحفلة……”
ردت اية بصعوبة بها لمحة من المقت….
“أكيد مش عيزاه يجي… بس لازم ابلغه… هو ابوه
وليه حق عليه…. وكمان عشان خاطر خالنا هو ملوش ذنب احرمه من يوم زي ده… يحتفل بيه مع حفيدة الوحيد…..”
هز عز الدين راسه بتفهم ولم يعقب على كلامها..فهي محقه ما بينهما صعب ان يُمحى بورقة طلاق…. ما بينهما طفل ينتمي للاثنين ويربطهما ببعض
للأبد مهما كانت الخلافات !…..
انه لم يرى خالد خلال تلك الاشهر برغم من انه ياتي لعمله بانتظام في الشركة لكنه لم يكن بينهم تواصل لشدة غضبه وبغضه عليه……حتى حنين ابتعد عنها
وحاول نسيان طلب الزواج وحاول دفن تلك الرغبة المريضه في امتلكها…..وللحق حاول معالجة هذا المرض بأخرى وكانت (ميرال)الانساب طليقته السابقة الرابعة ، والتي كانت تأبى تركه كالصمغ الاصق حينما يوضع في مكاناً خاطئ كذلك هي
ميرال معه !….
وقد عاد التواصل بينهما من جديد لكن مجرد أحاديث وخروجات ولم يصل الامر لعودتهما رسمياً امام الجميع وحتى لم يتطرق معها لامر رجوعها إليه والزواج منها من جديد….برغم من انها لا تتوقف عن الالحاح في الامر وهو يخرسها بعدة مبررات واهيه
باسلوب بارد يجعلها تبتلع اعتراضها وتتابع معه على اية حال……
أنتبه من شرودة على صوت اخته التي تصيح
للرجال بجدية صارمة…..
“بلاش يكون إسم ‘علي’ في زاوية دي…خليه هنا
بحس يكون واضح اكتر للي داخل الحفلة…تمام
وخلي البلونات دا هنا….شكلها أحسن…”
اتت عليها سيدة بسيطة من المطبخ لأول مرة
يراها عز الدين قالت السيدة على مرأى منه….
“احنا محتاجين شوية حاجات لزوم صواني الحلويات اللي حضرتك طلبتيها….”
اومات لها آية وهي تقول بهدوء به وتيرة
وصاية مقررة…..
“تمام يام منه…. بصي انتي مش معاكي واحده
جوا جايه معاكي … خدي الفلوس دي وخليها
تروح تجيب اللي نقصكم
السواق هيستناها برا…. ام منه انا عارفه انك اشطر واحده في تحضيرات دي… عايزه حاجة تشرف
التورتة هتوصل بليل ام الاصناف التانيه والجاتوه
انا عيزاهم من عمايل ايديكي… انتي عرفاني مش بثق في شغل برا…… واكلك ونضافته لم دوقته
عند ريماس عجبني جدا وده اللي خلاني اكلمها
واخد رقمها منك.. عيزاكي تبيضي وشي قدام ضيوفي…..زي ما عملتي عند ريماس بظبط….”
اشارت السيدة على عيناها الاثنين وهي تقول
بجدية حانية…
“عنيا ياست احلى حاجة هعملهالك… متخافيش الناس هتمشي من عندك راضيه ومبسوطة وكل
سنة والبيه الصغير طيب وعقبال مية سنة…”
اكتفت اية بايماءة بسيطة وهي تضيف
بهدوء…..
“ماشي يام منه….. خلاص روحي شوفي شغلك وبعتي اللي معاكي تجيب طالبتكم مع السواق.”
دخلت السيدة المطبخ وتركتهما….
تقدم عز الدين من آية فرفعت عيناها عليه وهي تبتسم قائلة بلطف….
“صباح الخير….. انت خارج ولا ايه….انهاردة الجمعة على فكرة…… “ضيقت عيناها وهي تنظر اليه بمكر..
رد بفتور وهو يقبلها من وجنتها….
“هفطر مع ميرال برا………”
رفعت حاجبيها وهي تسأله بدهشة…
“انتوا هترجعوا ولا إيه….”
نظر اليها بعينان حائرتان وقال…
“مش عارف لسه بفكر……احتمال آآه واحتمال لا..”
رمقته اية بغرابة معقبة….
“وطالما هي احتمالات رجعتلها ليه ياعز….اول مرة احس انك مش فاهم انت عايز إيه….”
أكد المعلومة ببساطة…..
“انا فعلاً مبقتش عارف انا عايز اي يآية…”
عقدت حاجبيها وهي تنظر له بحيرة ممزوجة بدهشة فهو لم يكن يوماً انسان مذبذب القرارات حائر في ملكوته كتلك الاشهر المضنية التي مرت عليه
تشعر انه ليس بخير وكلما سألته يتهرب من عيناها وسؤال بل انه يتعمد خوض اي حوار اخر حتى لا
تسأله عن سبب تغيره تلك الفترة…..
انها حتى الان غير مستوعبة فكرة انه على وشك العودة لطليقته (ميرال)لم تكن خطوة جيدة منه خصوصا انها تعلم ان تلك المرأة طامعة بأخيها
ولم تقترب منه الا لمصالحها الشخصية ، وشخصية
كتلك تعتمد على الغير وترغب في نيل كل شيء بحيل مائعة ، وهي غير صالحه لزيجة معمرة اطلاقاً !…
“مش هتأخر عليكي ساعتين وجاي…” ربت على كتفها وهو يرحل بهدوء…..
دخلت (ام منة) للمطبخ الشاسع الفخم كامل من كل شيء تتمناها اي سيدة تعشق الطهي والمطابخ…..
توسعت ابتسامة ام منة وهي تنظر لحنين التي كانت
تضرب عجينة الكيك بالمضرب الكهربائيّ.. وكانت تربط مريلة المطبخ حول خصرها وترفع شعرها للأعلى بكعكة فوضوية… واثار بودرة الطحين
الطائره من القِدر التي تخلط به العجين يزين
وجنتها اليمنى وانفها بطريقة ليست مضحكة
بل منهكة بشكل واضح وهي تسعى لرضا
السيدة التي احضرتها لهنا لكي تساعدها
في هذا العمل….
من بين كل فتيات المخبز لم تختار (ام منة) الا حنين
لضيق حالها ولطيبة قلبها وهمتها في العمل… وقتها قالت (ام منة) باقتراح لطيف وهم يعملان في
المخبز وكانتا كلا منهن تعد احد صواني الجلاش الحلو وغيره من الحلويات الشرقية…
“اي رايك تيجي معايا ياحنين عند الناس دي هيطلعلك قرشين حلوين لو جيتي وقفتي معايا وساعدتيني…..”
اشارت حنين على نفسها بدهشة وهي تبتسم بغير تصديق….
“انا يام منه….. تفتكري انا شاطرة لدرجة اروح اعمل حلويات شرقية وغريبة عند ناس بالمستوى ده.. لا اعفيني اخاف انيل الدنيا وضيع تعبك….”
هزت السيدة راسها وهي تمدح فيها بصدق…
“تضيعي تعب مين ياحنين… يابت دانتي اشطر من ناس هنا بقالها سنين ولحد دلوقتي مشربوش الصنعة…… دانتي دماغك حلوه وبتفهمي بسرعة وبتاعت شغل ونضيفة في الحاجة اللي بتعمليها والست آية مش عايزه غير كده… حد نضيف وشاطر يعملها الحاجات اللي هي عيزاها….”
“اصل الست اية زي ريماس هانم اللي كنت شغاله عندها من شهر في حفله من حفلاتها… بيقرفه وموسوسين…. بيحبه الاكل يتعمل تحت
عنيهم……..ميحبوش الحاجات دي يشتروها من
غير ما يعرفه اتعملت إزاي ومين اللي عملها…..”
اومات لها حنين وهي تضع السمنه على الجلاش بعد ان وضعت حشو المكسرات الفاخر به….
“ايوا فهماكي… بس انا مش عارفه… خايفة ابوظ الدنيا الواحد لم بيكون في مكان غير مكانه بيتلهوج
وبيبوظ كل حاجة وكانه اول مرة يمسك معلقة….”
بثت السيدة الطمأنينة بقلبها وهي تقنعها
بكل الطرق لكي تكتسب ثواب بها….
“متخفيش يابت ياحنين هبقا جمبك… وبعدين ياعبيطة مصلحة زي دي متقوليش لا عليها
انتي واخواتك وامك التعبانه اولى بالقرشين الزيادة اللي هيطلعه من وراها….الا صحيح امك عامله إيه…”
تنهدت بجزع وهي تقول بنبرة محملة بالآسى…
“ادعيلها ونبي يام منه…. التعب هد حلها وحيلي
انا مبقتش عارفه اعمالها إيه…. ربنا يشفيها ويزيح عنها….”
دعت السيدة وهي تضيف بشفقة نحوها…
“يارب ياحبيبتي انتي غلبانه وشكلك قسيتي كتير..”
لوت حنين شفتيها بيأس….
“كتير اوي…………ولسه…..”
هتفت السيدة وهي تحمل الصنية للفرن الكبير…
“خلاص يبقا تيجي معايا مش عايزه اعتراض منك..
وان شاء الله تفكي وترجعي مبسوطة من هناك وجيبك كمان عمران….”
وقتها ابتسمت حنين وهي تقول بوجوم…
“معاكي يام منه وربنا يعديها على خير وبيض وشك قدام الهانم اللي رايحين عندها….”
وقفت ام منة بجوارها وهي تقول بعجلة…
“خدي ياحنين الورقة دي فيها كل الطلبات اللي احنا محتجانها….. انا كلمت الهانم وقالتلي ابعتك مع السواق…..”
“انا يام منه….” اشارت على نفسها بدهشة..
هزت السيدة راسها مجيبة وهي تضيف
بأمر كتعليمات الجيش المشددة..
“امال انا ياحنين مانتي عارفه ان رجلي وجعاني ومقدرش امشي واللف عليها كتير….. انتي فيكي صحة عني ولسه شباب…. مشي رجلك وجيبي الطلبات دي وتعالي بسرعة عشان نكمل باقي الاصناف……. ومتخفيش السواق هيوصلك لسوبر ماركة ويرجعك تاني….. يلا همي كده وقلعي المريله
دي وخدي الورقة والفلوس اهيه…….. يلا ياحنين
متنحيش عايزين نلحق نخلص قبل الليل….”لكزتها
ام منه بخفة لتخلع حنين المريلة بوجوم وهي
تسالها بتردد….
“هو السواق ده واقف فين……..بظبط…..”
اخبرتها( ام منة) وهي تضرب بالمضرب
الكهربائيّ عنها……
“قدام الفيلا علطول هتلقيه مستنيكي في
العربية….. كل الطلبات اللي في الورقة تجبيها ياحنين……. اوعي تنسي حاجة وتلبسيني في الحيط….”
“حاضر….. هجبهم كلهم وهاجي علطول…”
قالتها حنين وهي تخرج من المطبخ بوجه متسخ
قليلاً ببودرة الطحين…..
خرجت امام الفيلا وهي تبحث عن تلك السيارة وسائقها….وجدت سيارة فارهة في الامام يحتل
مقعدها رجلا لم يظهر منه الا مؤخرة عنقه
وشعره…
برمت شفتيها وهي تسير مطأطاة الرأس….تشعر باضطراب خفي من ركوب تلك السيارة مع رجل غريب…. اين كان سائق او غيره هي من عشاق
العناء وتأليف القصص الخرافية لأجل ان تزيد
الزعر داخلها بسبب او من غير……
تلك هي حنين التعيسة؟!…
فتحت الباب واستلقت السيارة بجوار السائق وهي تقول بجفنين منخفضين حياءاً….
“اطلع على اي سوبر ماركت كويس لوسمحـ….عز”
توسعت عينيها وهي تبصره جالس بجوارها..عفواً انها هي من تجلس بجواره……. هل افتقد امواله واصبح فقير يعمل سائق….هل دعواتها عليه استجابت بتلك القوة !…
اسبلت عينيها وهي تغمغم بحرج ابله سمعه فوراً…
“مكنتش اعرف ان الدعوة هتستجاب مني…….انا مكنتش اقصد تتفقر اوي كده…. يعني…..ربنا يسامحني انا عملت إيه…..”
حالته كانت مابين صدمة لذهول لعدم فهم لابتسامة
غريبة تشق شفتيه وهو يراها تتمتم امامه بتوجس و وجهها أحمر حرج منه……ومتسخ بطحين !…
انزل هاتفه بعد ان قال بصوتٍ ثابت…
“شوية وجاي ياميرال….سلام….”اغلق الخط والاخرى تشيط غضبا من تلك المعاملة الباردة….
نظر لها بنفس الصدمة المرسومة على وجهه وهو يسألها بغرابة وعيناه عليها ثم على الطريق
خارج النوافذ حوله….
“بتعملي اي هنا ياحنين…..في حاجة….”
اجابته بسرعة وهي تقول بشفقة عليه وغيظ
كذلك منه…
“انا بشتغل هنا…… انت بتعمل اي هنا….بتشتغل برضو…سواق صح…….ربنا فقرك من قلة شكرك
ليه…… صح…. ”
عقد حاجبيه تعجباً منها وهو يسألها بعدم استيعاب…
“هو اي اللي صح !… فهميني الأول….. بتعملي
اي هنا….”
ردت بسلاسة وهي تنظر إليه وكانها نست اخر
لقاء بينهما….
“بطبخ لحفلة عيد ميلاد ابن الهانم اللي شغال عندها….. بعمل الحلويات ان وام منه…. وبعتاني
اجيب الطلبات اللي محتجاها مع السواق..
قالت ان مستنيني قدام الفيلا….. وطلع انت
السواق….”
أشار على نفسه بدهشة وكانه تفاجئ بتلك
المعلومة…..
“انا السواق….”
اهتزت حدقتيها وهي تبلع ريقها بتردد….
“مش انت السواق امال ا….”
لا يدري ماذا حدث له وهو يخبرها بسرعة
“لا انا السواق……… راحه فين….”
براقة عينيها وكان الاجابة المطروحة من على
لسانها كانت واهية وتاكد منها كان صاعقة كهربائيه
ضربتها فجعلتها تتسمر للحظات قبل ان تخاطبه بعدم استيعاب……
“انت السواق… لا اله الا الله… طب والمستشفى
وبدلك وساعتك الغالية….”ابصرت ما يرتدي
من ساعة الباهظة برسغه وبذلة غالية انيقة
وكانها صممت إليه خصيصاً…. علقت بسخرية…
” يعني خسرت كل حاجة إلا بدلك وساعاتك…
سبحان آلله…..”
كبح ضحكته وهو يخبرها وهو يدير المفتاح بسيارة…..
“اصل الحاجات دي غاليه عليا اوي….”
ردت كالبلهاء…
“كان ممكن تفك زنقتك….”
حاول كتم التسلية بصعوبة وهو يسالها
بهدوء…..
“سيبك من ده كله…….اسمه ايه الهايبر اللي
هتجيبي منه….”
رفعت كتفيها وانزلتهم بوجوم….
“معرفش انت ادرى بالمكان…..ولا انت لسه شغال جديد هنا….”
تفهم الامر وهو يخبرها وعيناه على الطريق…
“لا انا هنا من زمان…استني هوديكي مكان كويس
تشتري منه كل اللي انتي عيزاه…..”
صمتت وهي تعيد عيناها للنافذة المجاورة…
نظر عز الدين لها ثم للطريق وهو لا يعرف ماذا يفعل ولماذا أكد فكرتها الخرقاء عن عمله كسائق لدى
آية الخولي….الم تقرأ الافتة المعلقة بجوار باب
الفيلا التي تحمل اسم والده وجده الم تنتبه لاسم (الخولي)هل تطصنع الغباء ام هي حقا خرقاء لدرجة تظن انهُ خسر امواله كلها في عدة أشهر
قليله….
وكيف لها ان تعرف ياعز هل عاشت يوماً تلك الحياة
المرفهة وعملت في تلك المجالات لتعرف الخسارة تبدا وتنتهي متى…… تفكيرها محدود كظنها بك
حينما القيت عرضك الثمين عليها ورفضتك
بكبرياء اهواج…..
………………………………………………………….
نظر لها ثم للطريق وكان الصمت ثقيلا بينهما في تلك اللحظة مما جعله يتنحنح للفت الانتباه اليها…بالفعل نظرت له وهي تقول بفتور….
“مالك انت تعبان…….”
كان اول سؤال هادئ منها به لمحة بسيطه من الاهتمام……هز راسه بنفي وسالها…
“لا ياحنين….انا كويس….والدتك عامل اي دلوقتي..”
اخيرا انتبهت انه نطق اسمها مجرد اضطربت مع
تلك الملاحظة فردت بهدوء….
“الحمدلله كويسه…….ماشيه بالعلاج….”
سالها باهتمام…
“محتاجه مساعدة ياحنين…”
نظرت له بغرابة ثم لعجلة السيارة التي يحركها بين يداه وهي تقول بغرابة..
“لا شكراً…….. الحمدلله مستورة…..”
مد يده لها بعد لحظتين بمحرام ورقي وهو
يقول بابتسامة هادئه….
“خدي امسحي وشك…..من الدقيق….”
احمرت وجنتيها بحرج وهي تاخذ منه المحرام
وتمرره على وجهها بتوتر وهي تنظر للمرآة الامامية
لاحت شفتيه بابتسامة ذات تعبير خاص وهو
يسألها من جديد لكي لا يترك الصمت الكئيب
يخيم عليهما…..
“وشغاله فين الفتره دي ياحنين..”
ردت بفتور رغم اضطربها من هذا الاهتمام
الملموس….
“وقفة في فرن مخبوزات…..”
أومأ لها بحنق وهو يقول بضيق من غباءها…
“مش كان احسن لو حكمتي عقلك وقتها و وفقتي على عرضي….”
تكورت على نفسها بضيق وهي تنظر للنافذة بغيظ…
“انا ما بتجوزش في السر……”
رد وهو يهز راسها موضح الامر اكثر….
“ومين قال اني كنت هتجوزك في سر… كان رسمي ياحنين والكل كان هيعرف معادا الصحافه والناس
اللي حوليه في الشغل بس…… ”
قالت ببرود لحرق دمه فقط….
“اديك قولت كان…… الرؤوس اتساوت دلوقتي….”
هز رأسه بغيظ وهو يتمتم…
“آآه على رايك اتساوت….” ثم على صوته قليلاً
برغم من انها سمعت جملته السابقة…
“وعشان كده بقا صعب توافقي عليا بقيت سواق يعني يدوبك اللي في جيبي كام مليم….”
ردت حنين ببرود وهي تشيح عينيها
بوجع….
“بظبط………….كام مليم…..”
جملتها لم تصدمه فقط بها بل قتلت أيضاً اي بصيص أمل بينهما في تلك العلاقة الذي يتلهف كي يتمها كالمسحور بشيءً خفي جذبهُ نحوها……
بهت وجهه واضطربت ضربات قلبه بقوة وزادت سرعة انفاسة بشدة هائلة ليكبح كل شيء وهو
يزيد سرعة السيارة اكثر……
انتهبت حنين لسرعة السيارة فعادت اليه بعيناها البنية وهي تقول بارتياب…
“ممكن تهدي السرعة شوية……”
رد بنبرة باردة ووجهه أسود اكثر من الازم……
“ليه بقيتي خايفه على روحك…خايفه تموتي من قبل متأمني مستقبل اخواتك وامك من ورا جوازه جديده غير اللي بوظتها عليكي…..”
فغرت شفتيها وبرقة عينيها بحدة….
“انت اتجننت انت ازاي تكلمني كده تكونش فاكر انك لسه زي مانت لا فوق انا…..”
صاح عز الدين بتشنج…..
“مش عايز اسمع صوتك اسكتي….”
جفلت قليلاً ثم استعادة حنقها وهي تقول بتقزز
منه…
“انا فعلاً هسكت عارف ليه عشان شغلي وشغل
أم منه ميضرش وشغلك انت كمان ميضرش مع الهانم اللي شغال عندها…..”
التوت شفتيه في بسمة ساخرة وعقب….
“لا حقيقي كتر خيرك يانسه حنين…. شكراً لكرم ساعتك….”
برمت شفتيها باستهجان وهتفت بصرامة لا تناسبها اطلاقاً….
“متتريقش وهدي السرعة شويه….انا مش عارفه انت طلعتلي منين من وسط كل الناس اشتغل عند الناس اللي شغال عندهم……يارب أ…..”كانت ستدعي عليه كالعادة وتبدا توكيل الله في حسبان قوي عليه
لكنها توقفت وهي تنظر اليه ثم لعجلة القيادة
التي بين يداه ثم اردفت بوجوم….
“كفايه دعى…..اللي حصلك برد ناري من ناحيتك…..”
رمقها بنظرة مرعبة ثم اخرج نفس قاسي وهو يزيد السرعة اكثر وعيناه تعلقت على الطريق بصمت..
بلعت ريقها وهي تنظر اليه بارتياع ثم للطريق السريع
برعب قابع في اعماقها……
وصلا أخيرا لمتجر كبير يبيع المواد الغذائية…..
لفظ ببرود قاسي….
“وصلنا يانسة حنين….”
نظرت اليه وهو يخلع حزام الامان ويبدو انه
سيخرج معها….سألته بأستفهام
“اي ده………..انت جاي معايا ولا إيه…..”
نظر لها بعينين حانقتين منها…..
“امال هتدخلي لوحدك….”
اومات له بتبرم….
“آآه هدخل لوحدي انت سواق مش اكتر….”
وكانها حقا هانم وهو سائقها الخاص….رد من
تحت اسنانه بغيظ منها….
“هدخل معاكي……..دي اوامر آية هانم….”
اومات له بتفهم وهي تتحدث باستفزاز لكي تجعله يشعر ولو قليلا بمرارة الحوجة…
“طالما اوامر الست اللي مشغلاك تبقى تدخل طبعاً وتشيل معايا كمان……….لحسان تقطع عيشك….”
رد عز الدين ببرود تلقائي….
“لا متقلقيش اية مبتقطعش عيش حد…..”
زادت حنين معيار الاستفزاز اكثر وكانها تسعى لذل إياه بتلك الطريقة…..
“اسمها هانم……لو سمعتك بتقول آية احتمال كبير ترفدك…..”
كان خرج من السيارة وهي كذلك وهو يسمع تلك الجملة التي توحي للشماته به بعد ان دار الزمان عليه……. دا اذا حدث فعلاً فالمسكينة تتوهم !…
رفع عز الدين راسه للسماء بنفاذ صبر ثم عليها وهو يقول بجزع……
“ادخلي ياحنين عشان نجيب طلباتك قبل ما الهانم تطردنا احنا الاتنين…..”
اومات له باستحسان للفكرة وهي تدخل المتجر…
بداخل كان بين يداها عربة تسوق تسير امامها بخفة وهي تبحث عن الاشياء وعز بيده الورقة المدوي بها الطلبات ……
“مكتوب اي كمان عندك……”
املى عليها بعض الطلبات وهو ينظر لها وهي
تسير امامه كانت ترتدي بنطال جينز واسع قليلاً
عليه قميص أسود شاحب جميل عليها برغم
من شكله الباهت…. اما شعرها فكان على شكل
كعكة فوضوية جعلتها اشبه بمراهقة جميلة
في ثانوية تحديداً لديها ضغوطات كبيرة
بسبب تراكم المواد عليها رغم اجتهادها طوال السنة ؟!….لكنها تقفد الثقة بنفسها….
كحنين انها تفقد ثقتها بنفسها رغم اجتهادها
وكبر تضحيتها لاجل عائلتها !……
مظهر بسيط بائسا يجذبه؟… يجعله يريد امتلاك تلك المرأة بكل اوجاعها يجعله يشعر انها مسئوله منه
اي عبث يحدث بداخله……. حتى رغم ما قالته
بسيارة لم تموت تلك الرغبة المريضة بداخله؟!…
بداخله شخصان واحد يريدها لاسباب جاهل عن معرفتها ، وشخص اخر يحمل نحوها كرهاً
غريباً ويمقت عليها و لا يراها إلا امراة تتلهف
على الأموال وتبيع لمن معه اكثر…….
سمع صوتها الهادى الشاجن بالفطرة….
“روحت فين……..قولي اي المكتوب تاني عندك….”
رد بهدوء وهو ينظر للورقة بين يده…
“خلاص كده مبقاش في حاجة كل جبناه…”
ثم اقترح بهدوء….
“سيبي الحاجات دي يخلصوها بتوع الكاشير ويحسبه تمنها واحنا ندفع في لاخر….. تعالي
نقعد في اي كافتريا برا…”
لم تصدق ما تسمعه وهي تتحدث كالقطار
السريع بدون فرامل…..
“نقعد فين انا عندي شغل وانت كمان…بقولك اي
انا مش عايزه اوقف حال ام منه…..”
برم شفتيه قائلاً باستهانة…
“ما يقف حال ام منه احنا مالنا……تعالي نشرب
حاجة برا…..”
ردت مستنكرة الفكرة وهي تدافع عن السيدة
بقوة….
“مالنا إزاي الست كتر خيرها هي اللي جيباني
الشغل…… أقل معاها وبوظ شغلها عشان خاطر حضرتك…وبعدين شكراً انا مش عايزه أشرب حاحة….. ”
نظر لوجهها الشاحب باهتمام وهو يقنعها
بضراوة و تلقائية صادرة من اعماقه….
“مش هأخرك ياحنين…..عشر دقايق…وبلاش تشربي كلي وشك لونه مخطوف….”
عقدت حاجبيها بغرابة من جملته وهي تقول
ساخرة بتشفي…
“بقا عندك قوة ملاحظة عالية بعد ما بقيت سواق…”
أبتسم بدهشة من طريقتها المتشفيه به…. انها
فعلاً تشمت به…. لهذه الدرجة تكرهه وتتمنى له الحضيض….. لكي تكون المساوة عادلة بينهما
آآه ياحنين….
تآوه بداخله وهو ينظر لها ثم قال باقناع يلائم
عقلها….
“مش هنتأخر هنفطر حاجة خفيفة سوا على أد فلوسي….”
هزت راسها بنفي اقوى وهي تقول…
“لا بلاش احنا لسه اول الشهر……. حافظ على مرتبك….”
عض على شفتيه بغيظ منها وعقب بقلة صبر…
“ملكيش دعوة انتي……..عامل حسابي….”
نظرت لعيناه ثم هدرت بكبت وكانها تذكرت امراً
هام حدث بينهما منذ اشهر……
“يعني ازاي افطر معاك….. انت فاكرني نسيت
اللي عملته اخر مرة….”
رد بنفس الطريقة وكانه اقتنع امامها بكونه سائق الهانم……
“الكلام ده فات عليه شهور….ودلوقتي الوضع اتغير
شوفي انا بقيت إيه بسبب دعوات حضرتك…”
توترت حدقتيها فسألها بنبرة شاجنة او كانها
تتوهم فكان يبتسم رغم تعابير وجهه الجامد..
“دعيتي كتير عليا ياحنين….”
اخفضت جفنيها وهي تقول بحرج عفوي…
“كل فجر….بس انا مكنتش اقصد ان حالك يضهور بشكل ده…..انا بس كنت مقهورة من اللي حصلي بسببك وصعبت عليا نفسي……”
سالها بنبرة اكبر شجون….
“ولسه زعلانه…..”
بماذا ترد انها تتألم كل يوم بسبب نظرات الجيران المؤذية وافتراء الالسنة السامة من سيدات الحي
عليها
بماذا ترد انها اصبحت تسير في الشارع كمن عليه
طار ويخشى ان تصيبه طلقة غدر مشروعة !…
قالت بصوتٍ خافت باهت لا يحمل للمرح
ولو بصيص……
“مش هنفطر…………..انا جوعت…..”
أومأ لها بتفهم وهو يشعر انها تعيش دوامه قوية
قاسية السرعة لا تعرف الحاق بها لضعف مهارتها
في الركض والصمود…….
فغرت حنين شفتيها وهي تنظر لكم الاصناف الموضوعه امامها على سطح تلك الطاولة المستديرة…..حقاً لا يوجد مكان بها حتى لوضع
كوب ماء…
مخبوزات شهية براوئح لذيذة……جبن بجميع الانواع……مربى…شوكولاتة زائبة….خبز التوست
المحشي بحشوات لم تتعرف عليها حتى الآن…..
لبن…. عصائر طازجة…….انها وجبة افطار تكفي
عائلة من سبعة افراد تقريباً…..ورغم ذلك لن تنكر
ان لعابها سال وهي ترى وتشتم روائح فطار
الملوك هذا….
قال عز الدين بهدوء وهو ينظر اليها من خلال
جلسته بالمقعد المقابل لها…..
“يلا ياحنين افطري……”
نظرت للطعام ثم إليه وهي تعاتبه بحرج….
“افطر اي…انت كده ضيعت قبض الشهر على وجبة فطار…..”مالت عليه وهي تقول بهمس وتوتر وهي تنظر حولها…….
“دا يمكن تطلع مديون ليهم…..وتضطر تغسل المواعين…..”
ابتسم بتسلية وهو يجاريها في الامر….
“يبقى هتساعديني……مانتي هتاكلي معايا….”
شحب وجهها وتوترت حدقتيها ليضحك فجأه بصوتٍ عالٍ مما جعلها تنظر إليه بتوجس ولم تعقب على ضحكته بل ظلت تتأمل وسامته عن قرب….
للحق تغير شيءٍ به…لا تعرف ماهو لكنها تشعر ان عنجهيته قلة قليلاً وبروده ربما ذاب قليلاً في معاملته معها…..ربما تغير قليلاً يكاد تغير لا يُرى
بالعين المجردة لكنها استشعرته بقلبها ، واحساسها
دوماً صادق في تلك الأمور !…..
انهى عز الدين ضحكته بتدريج وهو يقول بهدوء….
“افطري ياحنين…. ومتقلقيش انا عامل حسابي…”
اومات براسها بوجها عابس الملامح…. وهي تمد يداها وتأكل…..
راقبها عز الدين خلسة وهي تاكل بحرج وهدوء تكاد تبتلع اللقمة بصعوبة….مد يده بكوب عصير البرتقال
الطازجة إليها وهو يقول بلطف…..
“خدي ياحنين اشربي ده……”
هزت راسها بنفي وهي تحاول اعادت
الكوب امامه من جديد….
“لا مش عايزه…….اشرب انتَ….”
منع الامر وهو يمسك يدها بين يده قائلاً….
“التربيزة مليان كاسات عصاير ولبن…متشغليش بالك هاخد اي حآجة….كلي انتي عشان تشبعي…”
وكانه يطعم طفله صغير وجدها في الطرقات يعطف عليها ويفرغ عطف الابوة التي افتقدته مع كل قرصة
شتاء في المبيت على الرصيف…….
نظرت ليده التي تقبض على يدها بقوة غريبة……اخبرته بهدوء وتردد….
“ايدي…..”
لم يفهم ماذا تقصد فقال ويده لا تزال تقبض على يدها تأبى الفراق……
“مالها ايدك……”
رفعت حاجبيها ذاهله ونظرت ليدها المخفية بين قبضته الكبيرة…
“هو اي اللي مالها………سيب ايدي ياعز….”
ترك يدها وهو لا يصدق انها نطقت اسمه مجرداً
ترا ما سبب هذا التغير….اكان نداء عفوي ام مقصود
لانها شامته بحاله الذي نزل للحضيض كما تتوقع…
“عز !………بقيت عز دلوقتي….”
نظرت للجهة الاخرى وهي تقول بتشفي لاذع…
“امال عايزني اقولك اي….عز بيه وانت حياله سواق الهانم……”
الدهشة احتلت وجهه اكثر وهو يرفع احد حاجبيه
ذاهلاً……
أومأ براسه وهو يكبح ضحكته بصعوبة…
“لا عندك حق……..انتي صح كملي اكلك….”
برمت شفتيها وهي تقول بشماته اكبر….
“ماشي ياعز……”
اخفض عز الدين جفنيه بصمت…الغبية لا تعرف ان نطقها لاسمه هكذا لا يشعره بالغيظ بل على العكس
يشعر انه يريد الانقضاض عليها بصورة وقحة
اثار ما تثيرة بداخله….
انتهت من طعامها واستلقت السيارة معه ليقلها
للفيلا لإكمال تحضيرات الحلوى التي ستقدم
للضيوف في حفل عيد الميلاد…..
لم تتحدث كثيراً وهما في سيارة كان الصمت
محتل المكان اكثر باستثناء الراديو الذي يخرج
اغنية تلمس القلب بصوت شابة تحمل الرقة
في الصوت والقسوة وفي التعبير…..
🎵في وحدتي والحزن بي كالموج يغرق
مركبي والعين تحكي قصتي ما حل بي
قد زال احساس الامان
وخسرت مع خوفي الرهان
قد ذبت في يأسي و ضعت بلا مكان
اضحيت في دربي وحيد انا لم اكن هذا اريد
وكذبت حين مقولتي اني سعيد
فانا لوحدي في الظلام ابكي و دمعي كالغمام
وبداخلي الصرخات تمحو بي الوئام
فلقد فقدت احبتي ضاع الدليل لعودتي
وتعبت حقا في المسير برحلتي
قد ضعت من كثر الكلام ضاق الفؤاد من الملام
والحزن قيد بات يحرمني المنام
وكتائه في وسط غاب في روحه كل العذاب
لم يلقى امنا او سلاما من ذئاب 🎵
لمست الكلمات قلب حنين فترقرقت الدموع في عينيها كغمام زجاجي شفاف…اخفت تلك
الدمعة الخائنة وهي تنظر للنافذة المجاورة
بتعب وكبت اخرجت زفرة ثقيلة لعلها تمحي
هذا الوجع بداخلها والذي فاض بكثرة مع كلمات
اشعلت جراحها…..
سمع عز الدين تنهيدة قوية صادرة منها
مما جعله ينتبه اكثر للكلمات الموسيقيّة الخارجة
من الراديو….
🎵وبرغم ما قد مر بي قد عاد يبحر مركبي
عاد الشراع الى الامان يسير بي 🎵
بعد مدة اوقف عز الدين السيارة وهو ينظر لحنين الشاردة بصمت واجم….
“يلا ياحنين وصلنا….”
اومات له وهي تترجل من السيارة… لتفتح الباب الخلفي لتاخذ منه المشتريات التي احضرتها من
المتجر…..
“خليكي ياحنين انا هشالهم….” حاول حمل الجميع عنها لكن كانت الاكياس كثيرة مما جعلها تبتسم
برفق وهي تحاول مساعدته…..
“مش هينفع تشالهم كلهم…. خليني اساعدك….”
رفض بصرامة خافته….
“ادخلي انتي انا هدخلهم…..”
اصرت وهي تحمل عدد ضئيل منهم…..
“خلاص ياعز قولتلك هنشلهم سوا….هشيل الاربع تكياس دول وانت شيل الباقي…..”
ما تبقى لعز كان حوالي عشر أكياس ممتلئة بقوة
تقريباً مما جعله يومأ لها براسه على مضض وهو يحملهم ببساطة….ثم قال بغيظ مكبوت منها ومن
كل ما يحدث له من يوم ان قابلها …..
“اتفضلي قدامي يانسة حنين….”
ضحكت حنين بخفوت وشماته وهي تسير أمامه……
عض عز الدين على شفتيه بغيظ اكبر وهو يرمق الاكياس الكثيرة التي بين يداه الاثنين ثم لباب المنزل الذي سيدخل من خلاله بعد لحظات هكذا امام العاملين وخادمات البيت….
سأل نفسه وهو متجهما الملامح…..
(بالله عليك ماذا تفعل بنفسك؟!…)
………………………………………………………………
دخل عز الدين الردهة الشاسعة برفقة حنين وكان
هناك عدد من العاملين مزالوا يعملون في تحضيرات
الحفل ومزالت( آية) واقفه فوق رؤوسهم تملي عليهم التعليمات وتضع ذوقها الخاص في كل شيءٍ يضاف
لتلك التحضيرات الراقية…..
انتبهت آية لاخيها وتلك الفتاة بسيطة الهيئة
الواقفة بجواره….. لم يشد انتبها ويثير دهشتها
غير الاكياس الكثيرة الذي يمحملها عز الدين ويدخل
بها عليها… يالهي…اول مرة ترى اخاها بهذا الشكل…
لم يكن يوماً خدوم في تلك الأمور ولا حتى من باب
الذوقيات والاهتمام بها او بوالديهما رحمهما الله….. لم يحب التسوق يوماً ولا الحمل…… ولا الركض
هنا وهناك…
لماذا فعل هذا ومن تلك التي جعلته يحمل معها أغراض المطبخ…. قد اخبرها انه سوف يذهب
لتناول الافطار مع ميرال….
سألت اية بنبرة ذاهله…..
“عز…….. اي اللي انت شايله ده….”
رد بفتور يخفي حرجه من منظره السخيف
امام شقيقته الصغرة….
“دي الحاجات اللي كانت بتجبها الانسة حنين…”
اجابته اثارت بوابل اسئلة جديدة براس اية التي تنظر له بعدم استيعاب….
حينما سمعت (ام منه) اسم حنين هرولت للخروج من المطبخ بلهفة وحين ابصرت حنين قالت بعتاب
قوي…..
“كدا برضو ياحنين…. كل ده تأخير ساعتين ونص بحالهم بتجيبي الطلبات امال لو مكنتش مأكده عليكي انك متتاخريش كنتي اتاخرتي اكتر من كده إيه….”
توترت حنين واحمر وجهها بحرج وهي تتقدم من السيدة باعتذار….
“معلشي يام منه اصل أ….”
توقف الكلام بحلقها وهي تسمع صوت اية يعصف من خلفها بقوة وأمر…..
“استني عندك…….. فهميني الأول…. ازاي تخلي عز الدين يشيل الاكياس دي معاكي… فين السواق اللي رحتي معاه مدخلش بيهم ليه معاكي….”
ترك عز الدين الاكياس جانبا وهو يرفع راسه لحنين التي استدارت له بصدمة وشفتي فارغه
وعيناها قد اتسعت بدرجة مخيفة للناظر لكن
بنسبة له مضحكة لابعد حد…..
نظرت حنين لاية بتردد وهي تقول كالبلهاء….
“سواق اي حضرتك……. هو مش دا السواق…”
شهقت( اية) بصدمة وخرجت شهقة اكبر من شفتي
(ام منه) والتي شعرت بصدمة من غباء حنين فكيف
لرجل بهذه الاناقة والوسامة باستثناء بذلته الغالية وساعته الفخمة النفيسة ، كيف تظن انه سائق
اي خرقاء تلك ؟!….
اشارت اية عليها وكانه ستصاب بالشلل لا محال…
“انتي خليتي عز يروح معاكي الهايبر…. معقول……وانت ازاي وفقت ياعز….”
نظرت لاخيها فطأطأ عز الدين برأسه ثم رفع عيناه على حنين ببراءة….
“متكبريش الموضوع يأية….انا كنت كدا كده رايح الهايبر اشتري شوية حاجات وخدت الانسة حنين
على سكتي…..”
نظرت له حنين بغيظ ثم رفعت عيناها على اية وهي تقول باعتذار….
“انا آسفة ياهانم بس مكنتش اعرف انه سواق خاص لحضرتك…. وان في سواق تاني للمشاوير اللي زي دي…”
اغمض عز الدين عيناه وهو يكبح ضحكته بصعوبة..
لم تذوب الصدمة على وجه اية وهي تخبرها
بحنق وصلف واضح…
“السواق بتاعي ازاي……انتي مبتقريش جرايد معندكوش تلفزيون في بيتكم…دا عز الدين
الخولي أخويا……”
“اخوكي…….انتي….”قالتها حنين و عيناها متسعة وهي تدقق النظر بآية اكثر واكثر وكانها انتبهت لشيءً ما و ليس لاجل خداع عز الدين نحوها بل ان صدمتها برؤية زوجة( خالد العربي) السابقة كانت صدمة اقوى من خداع المخادع و ادعاءه انه
( سائق الهانم)…..
انها جميلة، بحق جميلة رغم العنجهية والغطرسة الواضحين عليها لكن يحق لها……. المرأة يافعة
الجمال بارزة الانوثة، بهية الملامح ، مليحة بكل شيء عيناها عسلية لامعة بجاذبية قاتلة.. شعرها القصير المموج البني المائل للاشقر قليلاً يضيف رونق خاص بها……..وأيضاً طولها وجسدها الملفوف
بانوثة طاغية……انها فتنة متنقله مابال المخبول الذي تركها ما عيبها ياترى؟…….هل الطباع السيئة تثير النفور بالاعماق ليظل الجمال مجرد صورة تسر العين ويشمئز القلب من ماخلفها…….هل يمكن؟!…
ربما الجمال لا يكفي كما تظن هي؟!…..
فهي لم تكن يوماً راضية عن جمالها العادي…وكانت تود لو نالت اكثر جمالا لكانت….. لكانت……. ذات
حظٍ افضل مثلهن !……
وهل( آية) ذات حظٍ افضل بعد ما اصابها على يد طليقها ؟!….
تحدث عز الدين أخيراً بهدوء….
“محصلش حاجة ياية لده كله…قولتك اني كنت ناوي اجيب حاجات من الهايبر وخدت حنين على سكتي…
وبعدين مفيهاش حاجة لو شلت معاها الحاجات كانت كتير عليها….. محصلش حاجه يعني احنا مش هنستعبد الناس…..”
شعرت اية بالحرج رغم حنقها من حنين لتقول بتبرير….
“اكيد انا مش قصدي كده بس انتَ….”
قاطعها وهو يحاول اغلاق ابواب الحوار بمنتهى المهارة…..
“انا إيه هو انا شايل لحد غريب دي حاجتنا.. بتاعت
عيد ميلاد ابنك يعني كل الفرهده دي عشان خاطر الباشا الصغير يارب يطمر فيه…..”
اخبرته سريعاً ومازال وجهها عابس…
“هيطمر طبعاً………وبعدين الخال والد….”
“يبقا خلاص…..اقفلي على الموضوع..”ثم نظر لحنين وقال وعيناه تلمع بتسلية خبيثة…
“ادخلي بقه يانسة حنين عشان تشوفي شغلك انتي وام منه…..”اتكئ على اسم السيدة لاجل ان يذكرها
في الخفئ باحاديثها وتشفيها فيه……
بلعت ريقها وهي تتذكر فرحتها فيه حينما ظنت انه
وصل للحضيض في خلال أشهر قصيرة والان اتضح
غباءها المثير للسخرية والضحك……
مسكتها ام منه ولكزتها بخفة وهي تقول بحرج لآية….
” لمؤخذه ياست اية حنين لسه جديدة ولي ما يعرفك يجهلك…….. لمؤخذة يابيه ونبي ما تزعل
منها دي اغلب من الغلب…… ”
هز راسه بتفهم وقد شعر بصدره يحترق بعد تعبير
السيدة الاخير عن حال حنين ليشير لها بجمود
قائلاً…..
“روحي على شغلك يام منه…. وخدي الانسة
معاكي……”
بالفعل دخلت حنين للمطبخ برفقة السيدة بصمت قاتل واستغل عز الدين انتباه آية لاحد العاملين
الذي نداها لكي يريها شيءٍ ما…..
خرج من المكان واستلقى سيارته وهو ينطلق بها للنادي حيثُ تنتظره ميرال اكثر من ثلاث ساعات
على وجبة الفطار التي تناولها مع المدعوة
حنين…..
بعد مدة دخل النادي ووصل للمكان المنشود وظل يبحث عنها بعيناه حتى وجدها تجلس على احد الطاولات بحنق تكاد تخرج دخان براكين من
انفها……..
جلس عز الدين امامها على المقعد وهو يقول
ببساطة احرقت فتيل الصبر لديها….
“صباح الخير ياميرال…..فطرتي ولا لسه مستنياني…”
نظرت له ميرال بدهشة ممزوجه بالغضب…
“انت بتهزر صح…..انا بقالي تلات ساعات مستنياك
ولولا مكالمتك ليه من ربع ساعة انا كنت مشيت…”
تنهد عز الدين ببطئ وهو يبرر بهدوء جامد…
“معلشي اتاخرت عليكي شوية….”
ارجعت خصله من شعرها الناري للخلف ونظرت له من خلف عدسات عيناها الزرقاء الزائفة…..
“شويه ياعز دول اكتر من تلات ساعات…”
زفر ببرود فهو يكره التبرير والاعتذار لاي شخص خصوصا ان كانت انثى….
“حصل خير……… هتفطري ولا فطرتي…..”
مالت قليلاً على الطاولة وهي تسأله بشك….
“معنى كلامك انك فطرت قبل ما تيجي…”
اجابها بالا مبالاة وهو يشير للنادل الذي اتى
سريعاً عليهما….
“حاجة زي كده……….اجبلك اي….”
قضمت ميرال على شفتيها بضيق وهي تنظر
للنادل الواقف فوق رؤوسهم…..استسلمت
بتنهيدة غيظ…….
“قهوة سادة…..”
لم يفكر حتى بالقاء سؤال من باب الذوق عن
( لماذا طلبتِ القهوة بدلاً من الافطار)حقاً لم يلوح السؤال بعقله قط وهو يملي طلبه وطلبها للنادل
الذي رحل سريعاً بعد ايماءة مهذبة منه…..
اتت القهوة بعد مدة من الصمت بينهما لتشعر انها على وشك الانفجار من هذا الصمت القاتل… لماذا
عاد لها طالما مزال كما هو بارد لا يهتم لامرها…
ربما هي من كانت تلحق به بكل مكان وهو كان يأبى الخضوع لطلب عودتها لحياته لكنه رضح لهذا الطلب
منذ شهر تقريباً…. وبرغم من القاءات المستمرة بينهما
والمكالمات الهاتفية الا انها تستشعر بُعده وتغيره
معها كثيراً…… وكانه لم يعد عز الدين الذي عرفته
وتزوجتها لفترة كانت قصيرة؟!…..
اتى الالحاح المتوقع منها في كل مقابله
بينهما….
“امتى هنرجع لبعض ياعز…..”
رد بنفس الطريقة الغير مبالية بالامر…
“مش وقته ياميرال…. انا في دماغي كذا حاجه لم رتب اللي انا فيها نشوف…….”
سالته ميرال بتشكيك……
“واي اللي انتَ فيه…… مش فاهمه….”
برر بسأم هادئ وهو يرفع فنجان
القهوة….
“شغل وصفقات وكعبله…..”
رفعت احد حاجبيها الرفيعة وهي
تعقب…
“وده يخليك تأجل جوازنا تاني… ”
وضع الفنجان وهو ينظر لها ببساطة واعين باردة التعبير…..
“طبعاً الموضوع محتاج بال رايق… وانا مش رايق لجوزنا دلوقتي…….”
اومات له وهي تقول بوجوم….
“تمام براحتك ياعز… وانا هستناك… لحد ما تخلص اللي انت فيه……..”
اوما لها وهو يضيف بصوت اجوف…..
“هستناكي انهاردة بليل عشان حفلة عيد ميلاد علي………هتيجي؟… ”
تصنعت ابتسامة لطيفة وهي تقول بلطف زائف..
“اكيد هاجي انت عارف علي غالي عليا أد إيه..
وآية كمان…..”
للحق هي لا تحب اية أبداً انها تغار منها من جمالها ومنصبها انها تفوقها في كل شيء.. عائلة واسم
حتى زيجتها الاولى كانت تغار منها ومن حبها
لخالد….. فمن لا يعرف انها هي وآية كانوا أصدقاء
في مرحله قصيرة قبل ان تتزوج ميرال عز الدين
فكانت الصداقة بالمختصر لكي تصل لشقيق آية
الثري (عز الدين الخولي)….
ظلت تلتف حوله لسنوات… كان يتزوج غيرها
ويطلق بعد فترة قصيرة حتى انتبه لها بعد ان
وقفت معه احد صفقات العمل المهمة وكان الحل
بيد والدها هي لذلك اقترب منها وهي كذلك
اغتنمت الفرصة وتزوجته لاجل الشهرة والثراء الأكبر…
لكن انتهت العلاقة بعد خلافات مستمرة..طلبت الطلاق ببساطة وهبطت شهرتها كعارضة ازياء
بنفس بساطة اجراءات الطلاق !…لمجرد ان اسمها
لم يعد مرتبط باسم الثري الوسيم( عز الدين الخولي)الان تريد إصلاح ما افسدت بيداها لكي تستعيد مجدها بأقل الخسائر وهذا سيحدث حتماً بعد عودته لها كسابق…..
………………………………………………………………
علت ضحكاتها وهي تلقي نفسها فوق الفراش بالعرض….. ومسكت الهاتف لناحية اذنها الاخرى
وهي تساله بفضول…
“وعملت إيه لم الراجل شافك بشكل ده….” ضحكت بقوة اكبر وهو يتابع السرد لها عن تفاصيل يومه
في العمل بداخل المطعم الصغير.. وبعض المواقف المضحكة التي تمر عليه كل يوم من بعض الشباب بسنه….

علت ضحكتها وهي تلقي نفسها فوق الفراش بالعرض….. ومسكت الهاتف لناحية اذنها الاخرى
وهي تساله بفضول…
“وعملت إيه لم الراجل شافك بشكل ده….” ضحكت بقوة اكبر وهو يتابع السرد لها عن تفاصيل يومه
في العمل بداخل المطعم الصغير.. وبعض المواقف المضحكة التي تمر عليه كل يوم من بعض الشباب بسنه….
“انت مشكلة….”
رد من الناحية الآخرى على الهاتف…
“وانتي حوار….حوار يابيبه…..بقولك اي انا شوية وهوصل البيت…..”
“والمطلوب…..”سالته وهو تبرم خصلة حول
اصبعها…
اجابها ببساطة….
“تستنيني في مدخل بيتكم……هديكي حاجة…”
عقدت حاجبيها وهي تقول بمشاكسة….
“حاجة زي اي هدية تانيه…. هطمع فيك كده….”
شق شفتيه ابتسامة عذبة وهو ينفي برفق…
“مش هدية حاجة تانيه…. حولي تنزلي بسرعة
عشان دخلت الشارع…..”
نهضت من على الفراش وهي تقول بتردد….
“ماشي اصبر هشوف لو معرفتش خلاص…”
“خلاص اي هتبرد….”برم شفتيه بعد تلك الجملة…
رفعت احد حاجبيها وتساءلت بفضول أنثوي…
“هي اي دي اللي هتبرد…..”
تظاهر بالغباء وقال بتسلية…..
“انا قولت هتبرد…..”
اكدت بقوة……
“آآه………….. قولت….”
توسعت البسمة على محياه أكثر وهو ينكزها في الحديث برفق شقي…..
“طب انزل ياصغنن ومتتعبناش مش هتحايل عليك كتير…..”
ضحكت بخفوت وهي تغلق الهاتف…. وبالفعل نزلت
و انتظرت في مدخل المبنى لتجده يدخل بعد ثوانٍ برونق الشباب الخاص به الجامع بين العبث
والدفء اضطربت ضربات قلبها وهي تنظر اليه وتتأمله بعيون لامعة…..
وهو لم يقل عنها تاملاً واهتمام بكل تفصيله بها
من اول رأسها حتى اخمص قدميها…….
انتبهت أخيرا بما بين يدهُ… كان بين يده كيس
ابيض يحمل شعار احد المطاعم السورية…
اقترب منها بعد هذا التأمل الصامت ليقول
بين نظراته القوية….
“ازيك ياحبيبه عامله إيه….”
ابتسمت برقة تذيب اي ثلج من على أعلى
واكبر جبال ثلجي……
“الحمدلله……..انت عامل إيه….شكلك طالع عينك
في الشغل….”
مد يده وحك في شعره الغزير وهو يقول
بإبتسامة متعبة تحمل القليل من الاستياء…
“يعني….اديني بخبط لحد ما خد الشهادة وتعين…”
مد يده لها بالكيس وهو يقول بصوت رخيم….
“المهم……خدي ياستي بقه سندوتش الشاورما ده ……”
اخذت منه الكيس بسعادة وهو تقول بحماس…
“شاورما بجد…. ليا….. انت عرفت منين اني
بحبها…..”
ذكرها بعفوية جعلت قلبها يرقص على اوتار
كلماته…
“مش كنا بنتكلم امبارح بليل وقولتي انك نفسك تكلي شاورما…..”
لاح الاندهاش على وجهها وهي تقول بعدم استيعاب…
“آآه قولت بس كان الكلام عادي…”
رد برسمية تخفي خلفها الكثير…
“يعني اي عادي… يعني تبقى صحبتي نفسها
في حاجة ومجبهاش…..”
رفعت عيناها عليه وكان جملته لم تروقها من
الداخل…..
“بجد… ممم… يعني بتعمل كده مع كل صحابك….”
احب ان يثير استفززها فقال…
“البنات بس….”
وضعت يدها بخصرها وهي تبرق عيناها
الزيتونية بحدة….
“يسلام البنات بس…..”
اخبرها أحمد بمزاح وهو يتأمل جمال زيتونيتها المشتعلة بضراوة…..
“أيوا والله… يعني عندك كرم اهوه صاحبي وحبيبي وعشرة عمر بقالو فترة بيتوحم قدامي على وجبة في كنتاكي ولا عبرته…..”
ذاب الغضب قليلاً من على وجه حبيبة
وهي تسأله ببراءة…
“ياحرام……… طب لي كده …”
رد بشمئزاز وهو يتذكر شعر كرم الكبير المجعد…
“لم يحلق شعره….. ويخرج الفران اللي ولده فيه..”
توسعت عينيها وقشعر جسدها بتقزز وهي
تسأله بريبه….
“يع… يع….. قول والله الفران ولده في شعره…..”
نظر لها ذاهلا وهو يضيف بجدية….
“انتي هبله هما يعيشو فيه آآه لكن يولده صعبة….”
“طب ليه….”
كبح ضحكته على براءتها الغير منتهية….
“بعيد عنك بيتحرك كتير والوليه هتسقط مننا….”
لكزته في كتفها وهي تقول بضيق…
“غلس اوي………ودمك تقيل…..”
برم شفتيه وهو يرد باستهانة…
“وانتي عبيطة وبتصدقي اي حاجة تتقلك….”
“بارد….”تمتمت بتلك الكلمة فضحك عليها….
فتحت الكيس بعدها واخرجت منه شطيرة
الشاورما واعطته نصفها وهي تقول بهدوء….
“طب خد كُل معايا….”
رد بنفي وهو ينوي المغادرة….
“مش عايز…….اطلعي كُلي فوق عشان محدش يشوفنا……. انا ماشي.. ”
كانت مُصره وهي تقول له…..
“لا مانت هتاخد نص السندوتش….. وتمشي…”
سالها بعدم استيعاب…..
“واي لازمتها……..انك تديني من اكلك…”
ضيقت عيناها وهي تنظر له واتكأت بخبث على
كلمة (صحاب)…
“الصحاب بيتشاركه كل حاجة سوا……ولا إيه……ياصاحبي…..”
لم يعقب بل اخذ منها نصف الشطيرة بصمت
وقضمها امام عيناها وفعلت هي المثل لتخرج
بعد لحظات همهمات استمتاع وتلذّذ وهي
تخبره بعفوية جميلة….
“الراجل بتاع الشاورما دا فنان……..قسما بالله
ياحمد فنان……. فناااان… ”
كبح ضحته وبفمه الُقمات وهو يخبرها بتمهل…..
“وطي صوتك يامجنونة هتفضحينا هبقى اجبلك تاني منه……”
اردفت بعفوية وهي تقضم من الشيطرة
بتلذذ….
“ماشي بس كتر بقه تلاته اربعة كده…..”
اعطى لعيناه حرية النظر على جسدها بلمحة
خاطفة قبل ان يعلق ساخراً….
“وياريت بيبان عليكي….”
قالتها وهي تبحث عن السلطات بداخل
الكيس…
“انت هتنق ولا إيه…..”
برم شفتيه باستهجان معقباً….
“هنق على إيه اتنيلي…..”
رفعت رأسها نحوه وكانها انتبهت لشيء ما
فساءلت بتردد وحرج…
“هو صحيح ياحمد……انت بتحب البت الرفيعة
ولا التخينة…”
رد بنبرة متسلية وهو يسافر بعيناه على
وجهها الابيض ذات الوجنتين المصبوغتين
بالدماء…..
“مسمهاش تخينة اسمها بطة…… بطه ملظلظة…..”
بلعت اللقمة بصعوبة وهي تردف بخفوت….
“يعني انتَ بتحب البنت الكيرفي…..”
رد بمزاح وهو يقضم من جديد في
الشطيرة…..
“جداً امال انا بغذيكي ليه….”
توردت وجنتيها اكثر وهي تحاول دفعه
للخروج…..
“احترم نفسك ويلا امشي قبل ما حد يجي ويشوفنا……”
رد بشقاوة خبيثة…..
“ما يشوفونا….هقولهم اني بزغت البطة الصغيرة بتاعتي……”
دفعته بتشنج….
“يلا ياحمد متعصبنيش…….يلا….”
وقف مكانه وهو يعتذر لها بطريقة غير
مباشرة….
“خلاص ياست المتعصبة انا كنت بهزر على فكرة….”
ابتعدت خطوتين عنه وهي تهز كتفيها باستهانة
ثم قالت بكبرياء….
“ولا بتتكلم جد انا مالي أصلا……انا عجبني شكلي كده…. ”
فغر شفتيه من تقلب مزاجها معه ليعقب بعتاب
من تلك المعاملة حينما تغضب منه تعامله كالغريب
حرفياً….. كالغريب وكان لم يكن بينهما شيءٍ أبداً…
“رجعنا لي انا مالي وملكش دعوة كنا خلصنا منهم من اسبوع فات ياحبيبة……وبعدين حد قالك انك
مش عجباني….”
لوت شفتيها وهي تعقب بلؤم…..
“وعجبك ليه أصلا احنا في الاول وفي الاخر صحاب……صحاب وبس…. ”
رفع حاجبيه وهو يقول بمكر….
“ياراجل…. مم احنا فعلاً صحاب…. ماشي انا كنت برضو ناوي ارجع اكلم……..”
قاطعته بقوة وغيرة مجنونة….
“قسما بالله لو كلمت بنات غيري مش هيحصلك طيب…..”
ضيق عيناه بلؤم وهو ينظر إليها…
“ودا كمان من ضمن ان احنا صحاب وكده…”
كانت مصره وهي تقول بكذب…
“آآه طبعاً عندك شك ان احنا مش صحاب….”
اوما له وهو يبتسم ثم سألها في الاهم بنسبة له
ولها……
“لا اكيد صحاب… قبل مامشي….. هتروحي الامتحان
الساعة كام بكرة….”
اضطرب جسدها كلياًّ مع قلبها وكانها تذكرت هما
او بلوى تنتظرها غدا في الصباح…..ردت بهدوء….
” الصبح الساعة تسعة كده….”
هز راسه وهو يضيف قبل ان يتحرك من مكانه….
“خلاص هتصل بيكي وصحيكي…ونراجع تلخيص المادة سوا…..”
لاحت الابتسامة على شفتيها وهي تتذكر الايام القليلة التي تحدثا بها كم كان حنون ومهتم بها خصوصا بالدراسة فكان يدفعها دفاعا قوي
لمراجعة المواد واهم الملخصات بها….
تفاجئت بشدة نباهتهُ وذكاؤهُ وسرعة الفهم لديه…
انه حقا ساعدها في بعض المسأل وكان خير عون
بعد الدروس الخصوصية …..
أحمد به شيء جميل تلمسه كلما اقتربت منه…
حنون ذكي….شهم…..خدوم لا يبخس جهده او
معلومة نحوها…….هل كان يفعل هذا مع كل
اصدقائه خصوصاً الفتيات ام هي تتميز عنهن
بتلك المعاملة الخاصة؟!…..
سمعته يقول بهدوء وهو يبتعد عنها عند باب
المبنى الحديدي للخروج…..
“يلا اطلعي يابيبه…..وهكلمك بليل….. سلام….”
اخرجت حبيبة تنهيدة طويلة وهي تقف وحدها في المدخل بعد ان خرج وتركها تنظر لربع الشطيرة
بين يداها ثم الى ما ترتدي من بنطال جينز ضيق يظهر ساقيها النحيفة وكنزة تلائمه باناقة تظهر ايضا
نحافة جسدها الذي للحق يميزها بصورة جذابة…..
برمت شفتيها وهي تتذكر جملته بحنق….
“بيحب الكيرفي…..ومالو العود الفرنساوي ياحمار..”
في صباح صدح هاتفها بقوة واصرار فنهضت
قليلاً من على الفراش المحاط بمعظم الكتب
قد نامت بعد ليلة طويلة من المذكره وهو كان
معها في معظم الساعات الاخيرة ليلا….
“أحمد….”همست باسمه وهي تحاول الاستيقاظ
من نومها…..
ابتسم من الناحية الاخرى وهو يعتدل في الفراش مثلها… صوتها الناعس الرقيق اشعل جسده وقلبه..
الرأفه بحالي ياصغيرتي فأنا في سن لا يسمح الا بتهور……..لا يطالب الا بالتهور في الحب !….
“صباح الخير……يابيبه……”
فرقت في عيناها وتساءلت وهي
تتثاءب……..
“صباح النور…….الساعة كام دلوقتي…. ”
رد احمد بخفوت جاد وهو ينظر لساعة حائط غرفته…
“لسه قدمنا ساعتين…. يلا فوقي كده… عشان
نراجع سوا قبل ما تروحي….”
اومات له وهي تبتسم ثم علقت ذاهله من امره…
“حسى انك بقيت المدرس بتاعي خلاص…”
غمغم بصوتٍ خافض…
“بكره هبقى كل حاجه ليكي….”
انها سمعته او توهمت بما خلف هذا المعنى
لذلك سالته ببراءة
“بتقول اي….”
هز راسه وكانها تراه ثم قال بنفي…
“ولا حاجة يلا فوقي كده وكلميني تاني….”
بالفعل ظل معها يراجع ملخصات تلك المادة حوالي ساعة… وساعة الأخرى ارتدت ملابسها وخرجت
من البنيه لتذهب مع بعض الصديقات المقربين
لها…….. باستثناء الصديق الوحيد القريب لقلبها…..
رفعت راسها على شرفة منزله لتجده يتابعها بعيناه وهو يقف بشرفة وشعره فوضوي غير مرتب… كان يرتدي سروال قصير ويفوقه قطعة داخليه رماديه
بحمالات عريضة….
توردت وجنتيها وهي تخفض ابصارها وتتابع
السير مُبتعدة وقد رفعت هاتفها وكتبت له
رسالة…..
(ادخلي يامجنون……..البس حاجه هتبرد….)
ارسل رسالة مختصرة لا تخلو من الاهتمام…
(ابقي طمنيني لم تخلصي ….)
كتبت بعد تنيهدة طويلة مفعمه بالمشاعر
القوية……
(نام ياحمد وانا لم اروح ان شاء الله هرن عليك……….تصبح على خير…..)
(بيبة) نداها عبر الرسالة فردت بكلمة
مهذبة……..(نعم)
وصلت رسالة حانية منه….
(خدي بالك من نفسك…….)
(حاضر…….) كتبتها ثم وضعت الهاتف بحقيبتها
و سارت في طريقها بصمت ولا يطوف بعقلها
إلا هو ، وضربات قلبها تتسارع بوتيرة عنيفة…..
انه الحب لن تنكر وجوده بينهما من اول لقاء
قدر هذا الحب…….قادره هي على الرهان على حبها
لكنها لن تراهن أبداً على النصيب المكتوب عليهما فهي جاهله عن رؤية خطوط حكايتهما معا في المستقبل ؟!….
…………………………………………………………
داعبها الهواء البارد بقوة ورفرف شعرها المموج الاسود بجمال… وزدادت وتيرة البرودة وهي تخبأ
كفيها في جيب سترتها الثقيلة……. وتنظر للنهر
وعذوبته وصفاؤه في يوم عاصف كهذا…. ستمطر
حتماً ستمطر لا مجال للشك في هذا….. الجو سيء ونهر هادئ ، ما بالهُ ألا يخشى العواصف مثلها؟!..
اخرجت زفيرا على شكل بخارا ابيض من عمق فؤاد مشتعل بالخوف….
كلما اقتربت من فرحتها تخشى الناتج من خلفها؟!..
الايام تركض من حولها وحبه يشتعل بقلبها والحبيب
اخذ مكانه صعب ان ترى غيره بها…. انانيه في صمتها
وتغتنم سعادتها وحبها عنوة عن الجميع…..
اخفضت جفنيها للارض الصلبة.. وهي تحسب الايام المتبقية على الزفاف….. خمسون يوماً وستكون زوجته…….
لم ترى ماهر منذ اخر لقاء بينهما حينما تركت العمل وقابلته في الطريق….. تهديده مر عليه اربعة اشهر
تقريباً ولم تراه من يومها ولم يحدث شيء…. هل يجب ان تطمئن من هذا الغياب ام تقلق اكثر….
انها بالفعل تموت من القلق كلما اقتربت الايام واقترب موعد الزواج….. تشعر ان ماهر يرتب لهما مكيدة… مكيدة ستقضي عليها وعلى من كان ذنبه الوحيد انه قابلها وطلبها في الحلال…..
“سمر…….”
سمعت الغالي ينادي وهو يقترب منها بهدوء وبين يداه الذرة المشوي……
“سرحان في اي ياشبح….”
ابتسمت وهي تاخذ منه واحده من نبتة الذرة المشوي وقضمتها بصمت وهي تنظر للنهر
الصافي القاتم….
جلس بجوارها على المقعد وقضم أيضاً من الذرة المشوي وهو يقول بصوت خافت أجوف….
“الموضوع كبير لدرجادي…..”
ابتسمت وهي تمضغ الحبات بوجوم ثم قالت
بهدوء…
“هنروح فين في الجو دا يابراهيم….الراجل بتاع الموبيليا زمانه قفل في الجو ده….”
رد مختصر الأمر وهو يتامل ملامحها بقوة
وشك……
“مقفلش مستنينا انا لسا مكلمه……المهم مالك…”
هزت راسها وهي تبعد عيناها
عنه…
“مفيش والله انا كويسه….”
نظر لها بتشكيك اكبر وهو يسألها من جديد…
“بجد كويسه…..امال انا مش شايف كدا ليه… ”
قضمت من نبتة الذرة المشوية وهي تغير الحديث بمرح كي تمنع تعكر صفو الجلسة الجميلة
بينهما ببوابل اسئله تثير خوفها من القادم…..
“سيبك من كل ده وقولي الصنايعيه خلصه الشقه
ولا لسه…..”
“كلها اسبوعين وتخلص….. ”
ردت بحماس زائف…
“كويس هنروح نحجز فستان الفرح امته…وبدلتك لازم تشتري واحده…….”
رد بجدية وهو يخبرها وعيناه لا تبرح وجهها
وعينيها السوداوين المحببتين لقلبه…..
“اكيد هشتري بدله… وهشتريلك انتي كمان فستان الفرح……..انا مش هأجر….”
عقدت حاجبيها بتعجب وهي
تعقب…..
“نشتري !…….بس دا غالي و…..”
مد يده وارجع خصله من شعرها خلف اذنها وهو يقول بحنو….
“انا عامل حسابي متشغليش بالك….فستان
الفرح لازم يكون جديد لا حد لبسه قبلك ولا بعدك…..”
رفضت الأمر وهي تخبره بقنوط….
“يابراهيم ملوش لازمة ما كدا كده هيتركن…”
“مين قال ان هيتركن كل فترة هتلبسيه ونعمل عريس وعروسة من تاني……”غمز لها وهو يضيف
بمكر…..”هو والحاجات التانيه….هو صحيح انتي جبتي قـ…..”
قاطعته قبل ان يتابع وقاحته المعروفة معها….
“احترم نفسك…..”
زمجر بعتاب بريء…..بعيداً عن البراءة !…
“اي ياشبح هو انا لسه نطقت الكلمة…وبعدين احنا خلاص هنتجوز وهنبقى ستر وغطا على بعض..”
نظرت له باستنكار واجابته
بحنق…..
“لم نبقا نتجوز………..”
لكزها بمشاكسة وهو يصر بخبث الرجال….
“متقفليهاش ياست البنات وديني لمحة بسيطة عن
اهم حاجة في جهازك……”
“ابراهيم……….”
هتف بوقاحة وعبث بالكلمات….
“لمحة بسيطة عن الحلويات الونهم… المقاسات بتاعتهم كدا يعني…..راعيني ياشبح…. مش كده… ”
ضحكت وهي تهز راسها بخجل وقد توردت وجنتيها
بقوة وكانها مصبوغة بالاحمر القرمزي….
“ها…. إيه…….”غمز لها بمداعبه وقحة…
قربت راسها منه وهي تقول باستفزاز انثوي
عنيد….
“قلة آدب لا…………بعد الجواز نشوف….”
ابتسم امام وجهها الجميل وقال بمداعبه
خبيثة….
“براحتك كدا كده……هيتقطعوا كلهم بعد الجواز…”
اشتعلت عيناها بحنق وعدم فهم….
“وتقطع هدومي لي بقه ان شاء الله….”
ظهرت أسنانه في ابتسامة عابثة وهو
يقول….
“هتعرفي وقتها ليه……….”
قفز قلبها بعد ان فهمت مقصده الوقح…بلعت ريقها
وهي تنظر للامام بحرج…..
نظر لها بعمق محبب ثم اخذ يدها بين يده وتحسسها برفق وهو يستشعر برودتها…..
“ايدك متلجه……”
نظرت له باستنكار وقالت بتزمر…
“الله يسامح اللي طلعني في الجو ده….كان ممكن نأجل المشوار…. ”
رد ببحة خاصة رخيمة وقوية في تأثير
عليها…
“كان ممكن يتأجل…بس انا عملتها حجه عشان اخطفك شويه منهم…..مش عارفه اتلم عليكي وسطهم……..”
راق قلبها له فمالت عليه واستندت على كتفه
وهي تقول بتنهيدة عميقة…..
“بحبك يابراهيم………..بحبك اوي….”
حركت راسها كقطه تداعب صاحبها ثم دفنت انفها في كتفه فوق سترته الثقيلة…..رد ابراهيم بنبرة حانيه……
“وانا بموت فيكي…..بس انتي بتعملي اي….”
رفعت رأسها قليلاً عن كتفه وهي تقول بنبرة
طفولية حانقه….
“بدفي مناخيري عشان سقعانه….”
ضحك بقوة وهو يحيط كتفيها من الخلف وينهض وهي معه قائلاً بحنو….
“لا طالما مناخيرك سقعت يبقا لازم نروح….”
سالته وهو تقف معه امام دراجته
البخارية….
“طب والعفش يابراهيم مش هنروح نشوفه…..”
رد بهدوء وهو يخطو نحوها…
“اي وقت تاني…… ابقي اقوللهم روحنا لقينا قافل وبقى اجي اخدك في يوم الجو يبقى مظبوط فيه عن كده…….” اقترب منها وبين يداه الخوذة
الخاصه بالدراجة والبسها لها وهو يقول بمزاح
ثقيل…
“يلا ياشبح قبل ما مناخيرك تتجمد مننا…..”
لكزته في كتفه وهي تصعد خلفه……
صعدت خلفه في دراجة وقبل ان يقودها قال..
“احنا عايزين نوصل بسرعه قبل ما تمطر فوق راسنا…….. فامسكي جامد كده عشان متوقعيش…”
ردت بغرور حانق…..
“كانك بتكلم عيله صغيرة مش اول مرة اركب معاك يعني….. انا بقيت تخصص موتسكلات على فكرة…”
رفع حاجبه بدهشة وهو يقول…..
“والله طيب…….. يبقى تاخدي الدكتوراه بقه….”
انطلق بالدراجة بسرعة لتصرخ سمر عاليا بخوف وهي تقول بهلع……
“لا يابراهيم هدي السرعة شوية هنموت ونبي..”
هتف ابراهيم بلؤم ذكوري…..
“ممكن اهديها بس بشرط…..”
نظرت امامها برعب والهواء يعصف من حولهما…
“شرط إيه…..”
قال بوقاحة غير منتهية معها هي فقط…
“توصفيلي الحلويات قطعه قطعه……الونهم واشكلهم…….”
ضربت سمر ظهره بقبضتها بقوة وهي تقول
بعصبية عنيفة….
“يامستفزة…….. يامستغل…..طب والله مانا قيلالك حاجة…..موتنا……ادخل في العريبة اللي جايا
عليك دي وخلصنا….. ”
رد بنبرة متسلية لئيمه….
“براحتك عايزاني ادخل فيها هدخل فيها…”
توسعت عينيها بفزع وهي تجده يقترب من السيارة الكبيرة بالفعل……صرخت وهي تقول بسرعة…
“اصفر…… واحمر…… واخضر….”
رد عليها بصوتٍ عالٍ هاكماً……
“دي الوان دي ولا اشارت مرور…..” تجاوز السيارة
بمهارة ليسمعها تضرب في ظهره بقوة وهي تقول بغيظ وبغض…..
“بكرهك يابراهيم…… بكرهك….”
رد بتمتع غريب وكانها تلقي عليه اجمل
تصريحات الحب…..
“وانا بعشقك…… بعشقك ياسمر…..بموت فيكي يابت……” استدار لينظر لها بحب…. فضربته
وهي تنبّه إياه بقوة….
“بص قدامك….. لحسان هنموت فعلاً…..”
نظر امامه وهدئ السرعة قليلاً وسار بسرعة معتدله
استوت اكثر في جلستها وهي تستند على كتفه براسها قائله بعد لحظة من الصمت…..
“بتستفاد اي لم بترعبني بشكل ده…..”
رفع حاجبيه بدهشة وكانه تفاجئ بالأمر ليعقب ببراءة…..
“ارعبك إيه…. انا بهزر معاكي….بنكشك يعني….”
رفعت راسها وهي تحذره بقلق عليه….
“ابراهيم ونبي بلاش الهزار ده… انا بترعب من سوقتك المجنونه دي…. خف شويه وبلاش تسوق كده…. لا وانا معاك…. ولا لوحدك عشان خاطري…”
سالها وعيناه على الطريق الممتد
أمامه…..
“لي يعني…….. خايفه عليا….”
ردت بسرعة وتاكيد….
“طبعاً خايفه عليك لو مش هخاف عليك انت هخاف على مين……”
اخبرها بعتاب وعيناه معلقه أمامه
بتركيز…
“انتي لسه قايله انك بتكرهيني….”
هتفت وسط هدير الهواء حولهما بسبب سرعة الدراجة….
“ااه قولت اني بكرهك…. بس انا كدابه… انا
بحبك ياهيما…..”سندت على كتفه وهي تنعم
بهذا القرب….القرب الوحيد الذي لم تمنع نفسها
منه يوماً كلما استلقت معه خلفه على الدراجة…
تأوه بهدير رجولي يشتاق بضراوة الى قربها
ولمسها……..وتمتع بكل جزءا بها في الحلال……
“آه ياسمر…… هيما استوى منك وفضله تكه اوحده…. وبكره يطلع كل اللي عملتي فيه عليكي……”
اغمضت عينيها بتأثر ولم ترد بل ابتسمت بحلاوة وهي تتخيل اللحظة التي ستكن فيها زوجته
وحلالا له……
كم تتمنى ان لا يقف شيء في وجه سعادتهما معا
كم تتمنى…….
…………………………………………………………….
صباح اليوم الثاني لم تستطع النهوض من الفراش
تشعر ان جسدها ثقيل وكل جزءاً فيه يالمها بقوة…
تأوهت أَلمًا وهي تستوي في جلستها على السرير..
دخلت زينب بهلع وهي تنظر اليها….
“مالك ياسمر…اي اللي وجعك ياضنايا….”جلست زينب بجوارها على الحافة ومدت يدها لتتحسس
حرارة وجهها…..
“انتي دافيه شوية……شكل جاتلك نزلة برد….”
كانت عينان سمر حمراوان تدمعين قليلاً…..وكانا انفها
أحمر كالدماء…..وايضا بدات بالعطس وهي تمسح انفها…….
“انا تعبان اوي يامااا….انا مش قادره اقوم من مكاني….”عادت لتلقي ظهرها على السرير بتعب….
ربتت والدتها على كتفيها وهي تقول بحنان….
“استني اجبلك برشام البرد……وحاجة تنزل الحرارة دي عشان متزدش اكتر…..”نهضت من مكانها ثم نظرت لابنتها الممددة بتعب امامها والتي اغمضت عينيها مستسلمة لتلك النزلة الغليظة في اعراضها…
“لازم تاكلي حاجة قبل ما تاخدي علاجك
ياسمر…….”
قالت سمر بصوتٍ متعب ممتنع….
“مش عايزه….انا مليش نفس لاي حاجة…هاتي العلاج
يازوزو…….انا تعبانه….”سعلت سعال جاف وهي تئن
بوجع…..
هتفت زينب بلوعة عليها…..
“اصبري ياسمر….اصبري عشر دقايق هعملك شوربة خضار……..كُليها وبعدين خدي علاجك عشان يابنتي يجيب مفعول……..”خرجت وتركتها سريعاً لتحضر لها الحساء…..
بلعت الغصة بحلقها كشفرة حلاقه حادة….سيبدأ احتقن الحلق بتأكيد….ماهذا الجمال كل الاعرض تتكاثر في يوماً واحد………
زفرت بحنق وجهها متعب بقوة….صدح هاتفها…
فمالت عليه واخذته في نومها وفتحت الخط وهي تقول بصوت خافت متعبٍ….
“ايوا يابراهيم……”
انتبه لنبرة صوتها فسالها بقلق….
“اي ياعيون ابراهيم……مالك انتي تعبانه ولا إيه…”
اجابته وهي تساله باهتمام….
“آآه شوية برد………انت فين….”
شعر بقبضة جليدية اعتصرت قلبه وهو
يسألها بقلق
“في البيت……….خدتي حاجة للبرد….”
لاحت ابتسامة واهية وهي تخبره باستهانه…
“لا لسه…..امي مصممه تاكلني الأول…. راحت تعملي شوربة خضار……..”
هم بالتحدث باهتمام اكبر….
“خلاص على ما تعملك اكون جبتلك حاجة من الصيدلية…..”
“لا يابراهيم في هنا أ..”
بتر جملتها وهو يقول بجدية خشنة واهتمام
يدغدغ المشاعر والقلب……
“هجبلك حاجه اقوى ياسمر عشان متفضليش تعبانه كده………وكمان هروح عند العطار اجبلك اعشاب لزورك ده…….”
ابتسمت من بين ملامحها المتعبة….
“يابراهيم ملوش لازمه…..”
زفر بضيق وهو يرجع شعره للخلف بقوة وقال عبر الهاتف بملامة على نفسه وقد شعر بذنب تعبها…
“ملوش لازمه ازاي….انا السبب…من غبائي خرجتك من البيت والجو كان زفت……”
ردت بنفي وهي تحاول التبرير حتى لا يحمل
الامر فوق عاتقه……
“انت ملكش ذنب الجو اتقلب بعد ما خرجنا…”
حمل نفسه الذنب اكثر وهو يقول باعتذار….
“أيوا….لكن كان المفروض اروحك مش قعد اللف بيكي بالمكنه……معلشي ياحبيبتي……..حقك عليا….”
فغرت شفتيها وهي لا تصدق انه يعتذر لاجل سببٍ تافه كهذا…..
“إبراهيم…….انت بتقول إيه دول شوية برد وكانوا هيجوا هيجوا……متكبرش الموضوع…..”
سمعته عبر الهاتف يتنهد بغضب وهو يقول من
بين التنهيدة العميقة…..
“الف سلامه عليكي ياسمر……..تعبانه اوي؟….”
لاحت بسمة مرهقة على شفتيها وهي تخبره
برقة الحبيبة….
“لا ياحبيبي مش تعبانه انا كويسه……شوية برد وهيروحوا لحالهم……”
عزم الامر وهو يسألها بنبرة رخيمة….
“انا هجبلك الحاجة وجاي…….مين في البيت
عندكم…”
اخبرته وهي تحاول منعه برفق….
“مفيش غير انا وزوزو…..متجيش يابراهيم عشان خاطري كل حاجة موجوده هنا…وبعدين الجو سقعه اوي……”
زفر بكبت وهو يخبرها بنبرة شاجنة نحوها بها
لمحة غضب من نفسه…
“الجو حلو ياسمر…..شكلك سخنه طالما سقعانه اوي كده…”
اومات بخفوت متعب….
“آآه يعني دافيه شويه…..”
هتف من بين اسنانه بجزع بنبرة خافته….
“ومش عيزاني اجي…اقفلي هنزل اجبلك الحاجات وطلع علطول……….. سلام ياحبيبتي….”
تركت الهاتف ورفعت عينيها لسقف الغرفة
بتعب…. كانت رؤية كل شيء مصبوغة باللون
الأصفر مما جعلها تغمض عينيها بتعب وهي تناجي النوم ليزورها ولو قليل…..
بعد مدة قصيرة…. صدح جرس الباب اتجهت زينب وفتحته وهي تبصر ابراهيم امامها يحمل بعض الاكياس… ابتسمت بحنان الام وهي تقول بلطف….
“تعالي ياحبيبي اتفضل…. لي تعب نفسك يابني كل حاجة هنا والله…..”
رد بحرج وعلى محياه ابتسامة طفيفة…
“معلش يامي بس العلاج ده اسرع واحسن… ودول شوية اعشاب للبرد برضو ولي زورها….” صمت قليلا ثم سأل عليها باهتمام….
“هي فين سمر…..”
اخبرته زينب وهي تشير على غرفتها…
“نايمة في السرير مش راضيه تتحرك ولا راضية حتى تاكل معلقتين من الشربة عشان تاخد
العلاج……. انا غلبت معاها…..”
تنحنح وهو يقول بحرج أكبر وهو يستأذن بتهذيب…
“ينفع ادخل ابص عليها…..”
اومات السيدة بطيبة وبشاشة وجه وهي تتجه
به لغرفة سمر…..
“ومالو ياحبيبي….. انت مش غريب…. تعالى بص عليها يمكن لم تشوفك ترضى تاكل وتبطل دلع…
ياخويا مش عارفه جيل اليومين دول خرعين
كدا ليه….من اقل حاجة تلقيهم رقدو في السرير… شوية برد مخلينها مسخسخه يابراهيم…ااه لو تشوفها مش هتصدق انها سمر بعفرتتها وجننها……”
ابتسم على لفتة امها البسيطة عن شقاوة حبيبته وشراستها المحببة لقلبه ككل مابها…. آآه على
عيناه رؤيتها بهذا الشكل…… لا يفضل رؤيتها متعبه راقدة بالفراش بل يعشق عنفوان الشباب التي تتمتع به مع رونق ساطع بها يجعلها كنجمة متلألأة في سماء قاتمة…..
قبل ان يدخل الغرفة تنحنح بخشونة كأشارة عن وجوده بغرفة نومها…… ابصارها بعد الدخول جالسه على الفراش بتعب تمسك على مضض طبق الحساء وتنظر له وللمعلقة الموضوعه به بعدم رضا… وكانها تخبرها سراً انتهي وحدك انا لن احتسي منك ولا معلقة واحدة….. شكلها الغاضب المُستاءا كطفلة ترفض اكل الخضار وتطعمها والدتها رغما عن انفها….
رفعت سمر عينيها عليه فوجدته يجلس بقرب الفراش على احد المقاعد….
“برضو جيت يابراهيم….”
نظر لها بعتاب وهو يخبرها بهدوء امام امها…
“مش عيزاني ابص عليكي وانتي تعبانه كده…”
ردت باستهانه برغم تعبها
الظاهر….
“دول شوية برد يابراهيم…..”
تامل وجهها المجهد وهو يقول بنبرة لا تقبل
التراجع في اهتمامه وحبه لها حتى ان كان
مبالغ فيه كما ترى…..
“والله لو تعويره في صُبع رجلك الصغير هاجي وطمن برضو عليكي…..”
توردت وجنتي سمر واخفضت جفنيها على طبق الحساء… ضحكت امها بخفوت وبفرحه واطمئنان
على ابنتها……بعد الزوج الحنون ماذا تريد المرأة
اكثر من هذا…
صدح جرس الباب وكان احد الجيران….. قالت
زينب بعجله وهي تخرج من باب الغرفة المفتوح…..
“دي شكلها ام محمد…… عايزه فلوس الجمعية… ثواني وجايه…..” خرجت زينب وتركتهما معا…
مد ابراهيم يده وتحسس وجنتيها وجبهتها وهو
يزفر بقلق قوي عليها…..
“انتي سخنتي جامد ياسمر…. يلا عشان تاخدي العلاج ده…..” نظر للحساء ثم قال….
“لي مكلتيش ياسمر الشوربة زي ماهي….”
نظرت للحساء بأستهجان….
“مش عايزه يابراهيم…. انا حسى ان مُر مش قادرة استطعمه……”
مسك الطبق واخذ القليل بالمعلقة وهو يقول بحنو….
“معلش من التعب…. خدي بس معلقتين منه عشان العلاج…… وانا هخلي امك تعملك حاجه دافيه دلوقتي عشان زورك…..”
امتنعت بجزع….
“يابراهيم مش عايزه…. هات البرشام وخلاص مش هيحصلي حاجه يعني….”
كان مرهف الاحساس في تلك اللحظة وهو يقول بحنان….
“اسمعي الكلام ياسمر…. عشان خاطري….. شكلك تعبانه اوي…..” مد يده وتحسس عنقها بقلق…
عقدت حاجبيها بدهشة من تلك المبالغه
فقالت…
“ياحبيبي انا كويسه….”
خفق قلبه بعد كلمة(حبيبي)التي تتكرم عليه بها من حين الى آخر ، بينما هو يعشق اي كلمه مرتبطه بمشاعرها…اصبح احمق يتلهف على كلمات الحب والرومانسية السخيفة منها ولا ينال منها الا
القليل بينما هو يغرقها كلمات غزل وحب…..
وكلما حاول ان يعاقبها ويبخل بمشاعره مثلها يجد
نفسه يفصح عن كل ما بداخله حينما يسمع صوتها
وضحكتها المرحه المفعمة بانوثه خلقت لتشعره بنشوة و…….. والاشتياق لتلك المرأه……
هتف بصوت اجوف خافت وهو يقرب منها المعلقة
المحتويه على بعضا من الحساء…
“خدي معلقتين بس عشان العلاج…..”
لن ترفض اخذتها على مضض واحده تلو الاخرى وفي كل معلقه يقنعها انها الاخيرة وكانها طفلة
لا تفقه عدد ما اكلته…….
“خلصته……..اكيد مرتاح انت كده….”
رسم على محياه شبه ابتسامة وهو يمسك شريط الاقراص…..
“احلى راحه….وهرتاح اكتر لم تخفي وترجعي زي الأول……..يلا سمي الله…..”
اخذتهُ منه وعلى شفتيها تلوح ابتسامة سعيدة…….قلبها يعصف بخفقات ترقص على اوتار الحب… ماهذا الاهتمام ماهذا الحب ما تلك الهدية الجميلة….انه العوض بعد سنوات من الشقاء والحرمان اتى من يغنيها ويجعلها ثريه بالحب
والحنان والامان…….امتلكت السعادة….
تبا للأموال والسلطة من تمتلك رجلا
كـ(أبراهيم راضي) كانها امتلكت كل مفاتيح السعادة بتلك الحياة….. كم هي محظوظة….. فعلاً محظوظة
ولن تخجل يوماً من ان تغتنم تلك السعادة حتى
ان حاولت الفرار يوماً وتركتها ستلحق بها جري
تعرف نفسها في الحب وان أحبت….. انها كسمكه التي وجدت الحياة أخيراً في قلب مُحيط هادئ
آمن لابعد حد !…….
انها وجدت نفسها انها وجدت سمر الغائبة عنها
اعادها الحب وحذف كل مصطلح احمق اخبرها
يوماً انها قادرة على المتابعة بمفردها…مصطلح احمق
آخر اخبرها انها لا تحتاج للحب او لرجلاً يسندها حينما تقع من كثرة التعب……… مصطلح آخر اخبرها ان المال قادر على سعادتها…….. اغتنمت الكثير من الاموال في عملها وضاعت كلها هباءاً ولم تحزن
عليها يوماً… لكن إن ضاع الحب هباءاً او حتى بثمن
الن تحزن عليه ؟!….
بل ستموت الف مرة ان غادر ؟!…..
وجدته يمسك يدها ويتحسسها بحنان ثم رفعها ووضع قبله طويله بدخل كفها….
اغمضت عينيها على اثارها وانفاسه الساخنة تحرق بشرتها…….
فتحت عينيها لتجده يحيط كفها بيداه الاثنين ونظر لعينيها وهو يقول بنبرة عميقة مرحه…..
“الف سلامه عليك ياشبح………في شبح جامد زيك يأثرو عليه شوية برد زي دول….”
ابتسمت وهي ترفع يدها الحرة لتضعها على كفيه الحاجزين يدها الأخرى……تحسست بشرته كذلك بحب وعاطفية جارفة وهي تهمس بحب….
“بحبك يابراهيم……….بحبك اوي…..”
حرر يده وهو يمدها لوجنتيها وقرصها برفق
وهو يقول ببحة رخيمة اصابة الفؤاد بسهام
الحب ليذوب الجسد والقلب معاً على أوتار
كلماته…
“انا بقا بعشقك…….بعشقك ياسمر….انتي طلعتي غالية عليا اوي………اوي يابت…..”
“بس متقولش بت….”عقدت حاجبيها ولم تروقها اخر كلمة…..زادت البسمة على محياه بجاذبية وهو يخبرها بنبرة حانية صادقة…..
“بنتي…. ومراتي… واختي.. وامي….وصاحبتي وحبيبتي…… وكل حاجة ليا….عندك اعتراض….”
راق قلبها فابتسمت وهي تنظر لعيناه….
“لا ياحبيبي…. مين المتخلفه اللي ينفع تعترض
على كلام زي ده….” صمتت قليلاً وهي تقول بمزاح…
“لو تعبي هيخليك رومانسي بشكل ده يبقا هعمل تعبانه كل شوية…..”
منعها وهو يقول بطريقة فكاهية….
“لا ونبي بلاش…. انا مش هستحمل اشوفك كده.. خفي وانا هرعيكي متقلقيش…..وبعدين الفرح قرب والكلام الحلو هيبقى احلى واحلى لم يتقفل علينا باب واحد ولا إيه….. ”
اومات براسها بوجنتين مصبوغتين باللون
الدماء….
“آآه ماشي….. هي امي اتاخرت كدا ليه…” حاولت الهروب من الحديث بهذا السؤال…..لتسمع بعدها والدتها تتحدث مع الجارة بالخارج بصوتٍ عالٍ قليلاً وكانت تسألها عن المتبقي بتلك الجمعية….
ازدادت لمعة المكر في عينا ابراهيم وهو يقول بلؤم ذكوري…..
“خليها براحتها…… احلى حاجه في حماتي طولت بالها…. بذات في الجمعيات سبيها تحسب مع الست بما يرضي الله…..”
ضحكت وهي تشيح بوجهها للناحية الاخرى…
لتدخل امها بعد دقيقة واحدة وهي تقول بحرج…
“معلشي يابراهيم سبتك قعد ومشيت….كنت بحسب باقي الافراد مع ام محمد…… استنى هروح اعملك حاحة تشربها…”
امتنع ابراهيم وهو ينهض عن مقعده….
“لا ياست الكل….. خليكي زي مانتي انا لازم امشي دلوقتي……”ثم نظر لسمر وتاملها بحب وهو يخبرها بصوتٍ رجولي عذب… ” بكرة هاجي ابص عليكي ياسمر….حاولي تنامي شويه عشان تدفي والحرارة تنزل…….” تنحنح بحرج وهو يرفع عيناه على امها…
“اي خدمه يامي…..”
ردت زينب بمودة….
“لا ياحبيبي منتحرمش….. سلملي على امك وابوك……”
القى على سمر نظرة اخيرة و ودعها بعيناه قبل ان يخرج من الشقة باكملها….
انزلقت سمر بعدها تحت الغطاء وغطت وجهها به وهي تتنهد بهيام وبرغم تعب تلك النزلة الا انها تشعر انها أخذت مسكن قوي يدعى (ابراهيم راضي) انهُ
ينشط كل خلايا الجسم لتقضي ببساطه على
تلك الفيروسات الفاسدة…….
…………………………………………………………..
بعد عدة أيام…. مسح ابراهيم يداه من الشحم
ليبصر (عبود)زميله في العمل والذي يرافقه
في السفر بشحنات النقل بسيارة ابراهيم الكبيرة (تريلة)…..يتقدم منه عبود وهو يسأله بجدية…
“ها يابراهيم صلحتها….”
رفع ابراهيم عيناه عليه وهو يجيبه بأختصار….
“مفيهاش حاجه ياعبود دول سلكين شبكتهم
ببعض……..الرجالة حمله البضاعه….”
اخبره عبود…..
“آآه كل بقا تمام……..”
القى ابراهيم القماشة المتسخة بالشحم الأسود
أرضاً….وهو يقول بخشونة….
“طب يلا بينا…..نتوكل على الله…..عشان منتاخرش في الرجعه…..”
أشار عبود على مكتب النقل وهو يخبره
بهدوء….
“قبل اي حاجة روح شوف الست اللي مستنياك
جوا دي…..”
عقد حاجبيه وهو ينظر لعبود مليا
بوجوم…….
“ست؟!…ست مين ياعبود…..واعى تكون سمر……”الوحيدة التي قفزت في عقله فسأل
عبود بتلقائية……ليرد الاخر بغرابة من أمره….
“هو انا يعني هتوه عن سمر يابراهيم….دا انا ساكن في نفس الشارع بتاعكم…… مش سمر ياسيدي
دي واحده كده شبه الهوانم اللي بنشوفهم في التلفزيون…… شكلها غريب عن هنا كمان….”
عزم النيه على رؤيتها فتحرك نحو المكتب
بداخل وهو يسأله…..
“مقلتلكش اسمها إيه….”
هتف عبود من خلف ظهره بتذكر…..
“قالت آآه………………..اسمها رزان…..”
قطب حاجبيه عابسا بغير استيعاب وهو يردد
الاسم….متابعا السير للداخل…..
“رزان؟!……….رزان مين دي…..

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غمرة عشقك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى