روايات

رواية غرورها جن جنوني الفصل العشرون 20 بقلم ابتسام محمود

رواية غرورها جن جنوني الفصل العشرون 20 بقلم ابتسام محمود

رواية غرورها جن جنوني البارت العشرون

رواية غرورها جن جنوني الجزء العشرون

رواية غرورها جن جنوني
رواية غرورها جن جنوني

رواية غرورها جن جنوني الحلقة العشرون

بعد وصول “مهيمن” لمنزله صعد غرفة “وجود”، طرق بابه مرة واحدة بهدوء، وقبل أن ينصرف نهض بعد أن مسح وجهه ليفتح الباب سامحًا له بالدخول، جلس والده على الأريكة بعدما تطلع في وجهه المنتفخ الذي يظهر عليه علامة الضرب المخلوطة بعلامات آثار القبلات الحارة التي تظهر على عنقه، ظهر على ملامح وجهه شعور مختلط بالندم على ما فعله به والضيق على ما فعله ابنه، فقرر “وجود” كسر الصمت:
– بابا صدقني مش زعلان منك.
رمقه وهو يخبره بنبرة ضعيفة:
– بس أنا زعلان منك ومن تصرفي، ليه؟
سحب أنفاسه بعد أن بلل شفتيه، وقال بهدوء:
– والله غصب عني، وهي اللي طلبت نطلع سويت.
قالها بندم شديد وتبرير واهٍ.. فنطق أبيه بحزم:
– وجود مش عايز اسمع مبررات، اديني أدلة؛ لأن لو ما قدرتش تثبت ولو بدليل واحد إن اللي حصل كان خارج عن إرادتك أنا هكون واقف معاها.
– قصد حضرتك هتجوزهالي غصب؟
أخرج الكلمات بصعوبة من داخل حلقه الذي أصبح مرًّا كالعلقم، لم يجِبه ونهض يبلغه:
– معايا شيخ تحت، عايزك تقعد معاه وتطلع الأفكار المجنونة من دماغك؛ لأن يوم تخليك عن الدنيا هكون أنا وأمك قبليك في التربة.
بكى “وجود” بحرقة، رفع والده يده يعانقه بحنان وحب، ثم أبعده ليمسح عبرات ابنه المحترقة وأمسك يده متوجهًا به للشيخ الذي أحضره حتى يهدئ من روع ابنه، استقبله الشيخ بابتسامة تحمل الكثير من الصدق والإيمان، ملامحه يشع منها النور. فاقترب إليه بسعادة محت آلامه.. بمجرد رؤيته فقط شعر بالاطمئنان، انصرف “مهيمن” وترك لهما مساحة لتبادل الحديث بحرية، بعد ما تبادلا السلام والحديث المتفرق لم يسمح له بإفشاء سره قائلًا:
– سرك لا تفشيه، فالله يعلمه جيدًا، عليك بالتوبة يا ولدي.
– حتى لو…
وضع الشيخ يده على فمه يبلغه بتأكيد:
– حتى لو، ما عليك إلا التوبة النصوحة، وكما قال الرسول الأمين: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ).. حتى لو كانت ذنوبك مثل زبد البحر.
– طيب إيه هي شروط التوبة من أي معصية.
– الندم، الاستغفار ليل ونهار، وأن تعزم على عدم الرجوع لهذا الذنب مرة أخرى.
– ولو رجعت، مع أني واثق مش هرجع.
– عليك بتكرار التوبة، دين الإسلام يسر وليس عسر.
سكن قلب “وجود” السكينة، وأصبح لا يفكر إلا في التوبة، وكيف يكشف لعبتها ويَحْضُر بدليل براءته لأبيه، انصرف الشيخ مع “مهيمن” وأصر أن يوصله مكان منزله.
★★★★★
بعد سطوع قرص الشمس الذهبي، نهض “وجود” يتصل بخطيبته حتى يذهب معها إلى العمل ويفهم منها كل شيء، لكن المتعجرفة زادت في دلالها وشعرت بلهفته عليها بعدما فعل. نعم، هي لا تفهم وتظن كل الرجال لا يفكرون إلا باتباع شهواتهم كما تفكر هي، ازدادت نوبة غضبه من تهربها ويحدث نفسه:
– يا سافلة بدل ما تعيطي وتقولي استرني، أنتي اللي بتتهربي.. دا في حد ذاته أكبر دليل على خططك واستمرارك فيها.. حاضر يا سافلة.
قرر أن يتوجه إلى منزلها، لكنه خشي أن ينفعل في وجود أهلها ويزيد المشكلة، حاول أن يركز بالطريق وحين وصل إلى عمله، لم يجدها.. زفر أنفاسه وبعث لها برسالة:
– ممكن أفهم ما بترديش ليه؟ وما جيتيش الشركة ليه؟
فتحت الرسالة بوجه ضاحك من السعادة، ثم ردت بعد وقت كان قد اشتعل بركان غضبه منها:
– وجود أنا مكسوفة منك أوي، مش عارفة إزاي هوريلك وشي بعد اللي حصل، أكيد رأيك فيا اتغير وبقيت شايفني شمال.
بعد أن وصلت له الرسالة تدمر نفسيًّا، هل من الممكن أن تكون بريئة كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب، هل هو الجاني بالفعل وهي كانت تود أن تبكي بحريتها، وهي تشتكي من فتاته الصغيرة بعيدًا عن أعين الناس؟ هل هو الآن ذئب بملامح بشر، نفض كل ما يدور بعقله، نهض من على مقعده الجلدي وتجاهل كل أعماله وذهب لها إلى بيتها.
★★★★★
تفتح “توتا” عينيها المتورمة من قلة النوم، تدخل إلى المرحاض الخاص بعد تأكدها بانصراف “حازم” كعادته في الصباح الباكر إلى عمله بالمشفى، وضعت يدها على ظهرها المتكسر من تحنطه على الفراش طوال الليل حتى لا تتخطى حدودها سهوًا، ظلت ترجع للخلف حتى تطقطق ظهرها بالكامل وشعرت بالراحة عن ذي قبل، فتحت باب الحمام ودلفت بعين يستحوذ عليها النوم، حتى أفزعها صوت القائل من وراء ستار الدش:
– خدي ثواب بقى وناوليني الفوطة.
صدمها وجعلها تجمدت مكانها وهي تغمي عينها، أردف بجرأة بعد أن تطلع إليها:
– ما تخلصي.. طب خليكي أطلع آخدها بنفسي.
ردت بحدة ممتزجة بإحراج:
– لا لا استنى هجيبهالك، إياك تطلع يا حيوان يا سافل كده.
لم يلقي لها بالًا وخرج جعل جسدها يتصلب مكانه فتمطره بوابل من الشتائم، لكنه ضحك بقوة ثم حاوط خصرها المتشنج، شعرت بحرارة جسده المتوهجة، فأردف بصوته الأجش بجانب أذنها:
– تصدقي شكلك حلو أوي وأنتي مكسوفة ولسانك بينقط سكر.
من شدة إحراجها نزلت دموعها، تركها وانصرف خارج المرحاض، تسمرت مكانها بعينين واسعة مصدومة تتابع خروجه أمامها، إنه يرتدي زيه الكلاسيكي المتألق الذي يليق بمهنة الطبيب، وهي كل هذا الوقت كانت لا تقدر على التحرك حتى لا ترى ما لا يحلو لها، فكان هو على وشك الخروج حتى دخلت هي، لكنه عندما سمع خطواتها رجع خلف الستار حتى يمازحها بخدعة كي يمرحا معًا، أطلقت سبته بسرها وخرجت من دون أن تفعل ما أتت من أجله، قائلة له وهي تعقد ذراعيها على صدرها:
– على فكرة حضرتك سخيف.
– وإيه لزوم حضرتك من الأساس.
قالها وهو يميل بجزعه العلوي يعقد حذاءه، فتندفع وهي تقترب عليه فتقع صورة يضعها على طاولة مستديرة لبنت مولودة وطفل صغير، فينهض مسرعًا يمسكها يلملم بقايا الزجاج المنكسر وهو يرمقها بضيق، فقال وهو يصك أسنانه:
– يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم.
وبعد الانتهاء من تنظيف الأرض فرد جسده الممشوق بطوله الفارع ذاهبًا إلى عمله، فتخبره باستفزاز:
– استنى خدني معاك بيت بابا، وعايزة أعمل معاك ديل جدي.
رفع حاجبه الأيسر ناظرًا لها شزرًا مستغربًا ثم قال:
– خلاص قررتي تعيشى عند أبوكي.
ضحكت بهدوء ثم قالت:
– مش للدرجة دي، النهاردا أخو كاري عامل حفلة لعيد ميلاد ابنه، فلو سمحت تعاملني زي أي راجل شيك ذوق متحضر بيحب مراته ويقدرها قدام الناس.
أشار على نفسه بدهشة وفتح عينه بدهشة، وأردف من بين أسنانه:
– حلو أووي، أنا هروح معاكي وأنتي كمان هتحضري معايا حفلة تبع أصحابي بعد البطولة، وبكده الديل خلصان بفيونكة.
قال آخر كلمة وهو يمسك الفيونكة الموضوعة بشياكة على صدر (تيشيرتها)، ابتلعت ريقها وهي ترجع شعرها للخلف ثم بسطت يدها:
– ديل.
ثم أكملت وهي تعوج شفتها:
– حاطط كيلو برفان على الصبح.. الرحمة يا رب، أنت يا بابا رايح مستشفى يعني كل اللي أنت عاملة في نفسك ولا له قيمة.
تطلعها بتعجب، فأزادت:
– أيوه اسمع مني، إلا بقى لو في دماغك هدف تاني.
رد عليها بعد أن سمعها وهو رافع حاجبيه بذهول:
– واللي هو؟!
– تعلق الممرضات، أو المرضى.
أغمض عينه بهدوء ثم فتحها سريعًا وهو يزدرد لعابه، وأخبرها:
– بصي مش هقول غير إنك بني آدمة بتفهمي، شابووو ليكي بجد.
ثم أبعدها وهو يقول:
– وسعي كده اديني مساحة اصقفلك وأرفع ليكي الجزمة على الصبح.
ركضت من أمامه بخوف قائلة:
– هو دا الديل يا متعلم، فين حرية الرأي والتعبير.
– أديكي قولتي عند المتعلمين.
ألقت كل ما تحمله بيدها وجريت برعب حقيقي بعد أن رأته يصك أسنانه ويكور قبضة يده، أمسكها بعد أن هرول خلفها، ثم رمق عينيها الخائفة بحب وأخذها داخل حضنه، غصب عنها يهمس بجوار أذنها بهمس حار:
– مش عايز أشوف نظرة الخوف دي مني تاني؛ لأن أنا أبسط ما يكون وما اقدرش أمد أيدي عليكي مهما حصل؛ لأن لو فكرت بس.. مش هخليكي على ذمتي ثانية واحدة.
ثم تركها وهو يقول بضيق، وصوت مرتفع، ويضرب كفًّا على كف:
– أنا اصطبحت بوش مين النهاردا؟
أشارت على نفسها بابتسامة بلهاء، بعد أن حولت بصرها مكان ما تستقر عينه، فتنبهت من نوم عجل السيارة على الأرض، ظل واقفًا يستغفر ربه، ثم أزاحها وبعدها عن طريقه قائلًا بسخرية:
– بركاتك يا خضرة، انجزي البسي لحد ما أغير الكوتش.
صعدت وبداخلها إحساس يحتل مشاعرها، سعادتها الداخلية تجعلها تحلق فوق السحاب من شدة الفرح، وضربات قلبها التي تنبض وتهيمن بشدّةٍ عند الالتقاء به، لكن ما زالت ينقصها هرمون الدوبامين، الذي يجعلها متحمسة وراغبة في الارتباط والتعمق في علاقتها أكثر، حتى أن تصل إلى لذة الحب والغوص في أعماقه، وحتمًا ستنعم بالسعادة والاستقرار في حياتها. بعد أن بدلت ملابسها، تناهى إلى سمعه صوت ضحكتها فكانت تضحك بقوة عندما شاهدت وجهه الملطخ بالشحم:
– شكلك بقى تحفة.
– قولي والله.
قالها بغيظ، هزت رأسها بعدم اقتناع، ثم قربت يدها من وجهه بعد أن صبغت إصبعها السبابة بالشحم، ثم مررت يدها تحت عيناه، وأبلغه برضى:
– كده أقسم إنه تحفة.
كاد أن يمسكها يسحقها، لكنه أخرج غضبه في باب العربة وهو يغلقه بقوة:
– علشان تتبسطي أهو ولا حتى كلبة معدية هتبصلي.
– أحسن.
قالتها بشماتة، ثم قالت بصوت منخفض مسموع:
– يالهوووي محسسني إنه هارون الرشيد.
– لا أحسن، وانجزي علشان متأخر.
قالها وهو يدير محرك سيارته، فتصعد وهي تبلغه:
– أهو هيعمل فيها مهم كل دا علشان قولتله وصلني.
عض شفته السفلى وقرر الصمت.
★★★★★
وصل “وجود” بيت “كاميليا” لم يجد أهلها، بعث أحد الخدم ينادي عليها فرفضت النزول، صعد لها بعصبية:
– مش كفاية دلع وتفهميني اللي حصل دا حصل إزاي؟
ردت عليه بضعف من بين انهيارها ودموعها المتساقطة:
– بس يا وجود كفاية، أنا تعبانة نفسيًّا أكتر منك.. أرجوك ارحمني، دا جزاتي إني بثق فيك تعمل فيا كده؟ بقى حتة العيلة الصفرة تبهدلني الصبح، وأنت تعمل فيا كده بليل؟ ممكن افهم الغرض من اللي حصل دا كله إيه؟
صمتت لثوانٍ.. تولي ظهرها وهي تضع يدها المرتعشة على عينيها، تخرج صوتها المتحشرج بقول:
– مش عايز تتجوزني.. براحتك، بس ما تهدنيش وتخسرني أعز ما أملك.
قالت آخر جملة بصراخ يشبه الثورة، أمسك يديها التي كانت تضربه بها على صدره يخبرها بحزن على ما وصلا إليه:
– يا كاميليا أنتي فاهمة غلط…
قاطعته بنبرة مرتجفة وهي تبتعد عنه:
– طيب لو سمحت سيبني لوحدي، سيبني أداوي جروحي بنفسي، وما تقلقش مش هموت، سيبني يا وجود اتفضل.
حالتها جعلته يتعاطف معها وندم أكثر من قبل، فأخبرها بوهن:
– كاميليا أنا مش هسيبك وأوعي تفتكري إني شهواني؛ لأني والله مش كده.
بصرته بسرعة البرق مبتسمة بحزن تردف بتساؤل:
– بجد يا وجود.
– بجد يا كاميليا.
ارتمت على صدره وهي تفتح فاها بسعادة وانتصار لما حققته حتى الآن من خطتها الشيطانية.
رفع يده بثقل يضمها بعد تردد وتفكير، ثم تركها بلطف وتوجه إلى فيلاته، اضطربت كل أفكاره وعليه الآن التفكير من جديد في مسار حياته، وعليه اختيار خيار واحد من كلا الخيارين؛ إما الانسحاب من حياة “كاميليا” ويصبح ندلًا أمام نفسه والمجتمع، وإما البعد والتخلي عن قلب “زينة” البريء. أصبح داخل دوامة حتمًا ستهلك حياته، لم يقدر على التفكير وظل يجوب غرفته بعقل يكاد أن ينفجر، يختار ضحيته أم يختار من دق قلبه لها. ضرب رأسه بعرض الحائط حتى تدفق منها الدماء، فمنظر الدم أوحى له باختيار قراره الأخير.. وهو أنه لن يستطيع أن يتحمل رؤية أي سوء لمن عاش حياته يدافع عنها فلمَ يتخلى عنها بالنهاية؟ فـ”زينة” الحياة أمامها والأيام ستداوي جرح قلبها الأبيض النقي.
★★★★★
صوت آلة التنبيه بالطريق المزدحم، كان يعصب “حازم” المتأخر، فقال باستشاطة وهو يحدق في ساعة يده:
– آه ما أنا أصطبحت بوش مين؟
– ما قولتلك أنا.
قالتها وهي تضربه على كتفه بضيق، فرد عليها وهو يتنهد:
– هو أنا بسألك.. يخربت استفزازك، أنا اتأخرت على الشغل.
ردت عليه بلامبالاة وغير قصد:
– عادي ما هي مستشفى أمك.
رمقها بحدة وهو يجز على أسنانه يريد أن ينقض عليها حتى يفترسها، فوضحت حديثها وهي تلتصق بباب العربة:
– لا والله اوعى تفتكر إني بشتم أنا بقول الحقيقة. في إيه بتبصلي كده ليه؟! مش هي ملك أمك، طب والدتك حلو.
نظر أمامه.. عندما فتح الطريق تحرك بسرعة جنونية جعلت صوت العجل يحتك بقوة بالإسفلت.
وحين أوصلها أمام فيلا والدها، أصرت العربة على عدم التحرك، فأردف وهي تنزل تتبختر أمامه بخطواتها المثيرة:
– يا رب أنا اصطبحت بوش مين؟
أولت رأسها فقط، تشير على نفسها وهي تقهقه بقوة.
ضغط بطرف أسنانه على شفته وهو يغمض عينه يستنشق الهواء المحمل بعطرها، فصدمهما مظهر “وجود” الذي لا يبدو عليه أبدًا أنه على ما يرام، غير وجود بعض الكدمات عليه، وأثار الدماء. توجهت إليه بقلق تستفسر عن حاله، لكنه لم يقف ولم يجبها، فانحدر “حازم” من سيارته ناظرًا لها أن تتركهما وتذهب للداخل، سمعت له وهي تشعر بالتوتر على حال أخيها، أمسك ذراعه بقوة جعله يقف رغمًا عنه:
– أنت عملت حادثة؟
تطلعه لحظات ولم يدرِ ماذا يقول، هل يصارح صديقه بما فعله ويجعله ينظر لخطيبته نظرات استحقار؟ كيف وهي ستصبح زوجته، اكتفى برفع يده يبعد يد “حازم” عنه قائلًا باقتضاب:
– لا، دايخ شوية.
استغرب رده، فأبلغه:
– العربية حالفة ما تتحرك من هنا، تعالى وصلني المستشفى أنا متأخر، وأقيس ليك الضغط بالمرة.
ألقى مفتاح سيارته له وانصرف يجلس بالحديقة في صمت، وقف مذهولًا لكنه احترم صمته وتركه حتى يهدأ ويحكي له كل شيء بمفرده.
حين دخلت “توتا” للداخل وجدت الكل عابس الوجه، فقالت باستفسار:
– كده بقى أكيد فيه.
قامت “نايا” تصافحها بابتسامة برعت في رسمها، وأخذتها لغرفتها تحكي معها في أي شيء، حتى تبعدها عن ابنها المتخبط داخل أفكاره. وعندما كلمتها عن “حازم”، ظلت تحكي أشياء كثيرة يفعلها من أجلها بعينين لامعتين.
★★★★★
تجلس “زينة” وخيوط أحزانها تتخلل وجهها البريء، أردفت وهي تتنهد وتعبس بأناملها:
– حضرتي هتلبسي إيه في البارتي يا كاري؟
– تؤ، ملهوش لزوم هقعد معاكي مش هسيبك لوحدك.
قالتها “كارما” التي تحزن على حزن “زينة”، لكنها فجأتها وهي تجيبها بحماس:
– لا طبعًا إزاي مش هتحضري، أبيه سليم يزعل.. بصي أنا كمان هروح علشان ما يزعلش.
رمقت ابنة خالتها التي تعرفها جيدًا، وهي تضع يدها على ذقنها، فتحنحنت “زينة” وهي تهرب من نظراتها تقول بإحراج:
– هو وجود هيكون هناك.
حدقتها باستغراب، ثم أردفت:
– والله! يعني مش عارفة؟ وأنا اللي كنت مش هروح عشانك.
دمعت عيناها وهمست بنبرة منخفضة مرتبكة:
– وحشني أوي.
أردفت بتساؤل وتعجب على ما وصلا له:
– بس لو تقوليلي حصل إيه؟
تذكرت الذكري المؤلمة، ثم قالت بصوت واهن ضعيف:
– مش مهم اللي حصل، أنا لسه بحبه.
– يالهوي عليكي هتشليني.
قالتها وهي تنهض وتقذفها بالوسادة وتخرج تقف بالشرفة تستنشق الهواء:
– ما طول ما بلكونته قدامك كده مش هتعرفي تبعدي عنه.
خرجت خلفها متأملة شرفته بعين ناعسة:
– دي الحاجة الوحيدة اللي بتصبرني.
ظهر “وجود” بالحديقة وهو يضع يده اليسرى داخل جيب بنطاله ناظرًا للسماء، بوجه عصبي ويمسك بيده الثانية كوبًا من القهوة السادة، عندما لمحها بصرها بحدة وضيق على سرهما الذي أخبرت به “كاميليا” وجعلت كل ما حدث يحدث، أنزل رأسه للجهة الأخرى بوجه غاضب، لكن ذهل من التي تقف خلف ظهره تحضنه بقوة، أطلق تنهيدة وهو يبصرها بجانب عينه، فأردفت بزعل مصطنع:
– سوري يا بيبي إني كنت عصبية معاك من شوية، أنا واثقة فيك وعارفة إنك بتحبني زي ما بحبك، وعشان أثبتلك إني مش زعلانة هقضي اليوم معاك وهروح معاك عيد ميلاد ابن سليم.
قالتها وهي تضع رأسها على صدره حتى تجعل الناظرة عليهما تشتعل أكثر، دخلت “زينة” وهي تسبها بسرها، دلفت خلفها “كارما” ولم تتحدث ببنت شفة، فقالت “زينة” بقلق:
– هو وجود مال وشه؟
أجابتها وهي تمط شفتيها حتى لا تنفعل عليها وعليه وعلى البلهاء.
★★★★
عندما أتى المساء بأضوائه الباهرة، توجه “حازم” للحفل وهو يمسك يد “توتا” التي اختارت له بدلته وحذاء أنيق وحرصت على اختيار لون ربطة عنقه مثل لون فستانها الوردي الرقيق، كل من شاهدهم تمنوا أن يكونوا مثلهم من كثرة شعاع الحب الظاهر، دخلا ورائهما “كاميليا” بألوانها المبهرة و”وجود” بملامحه الجامدة.
كانت “زينة” تقف بعيدًا تشاهده باشتياق تتمنى أن تعرف ماذا حدث له، وتود لو تستطيع أن تبعد “كاميليا” وتذهب هي تقف بجواره حتى تربت على جراحه، فرجعت المراهقة لتخيلاتها وأحلامها من جديد، لكن هذا المرة تشعر بغصه داخل قلبها بعدما سمعت كلامه المعسول، وبعد ذلك اعترافه بالكامل بحبه لها، تضع “كارما” كف يدها على كتف “مستقبل”، الذي يراقب المكان بدهشة على تغير أحوال الجميع حتى أخته وزوجها، فيقول باستفهام:
– طب وجود وعرفت ماله، دي بقى مالها؟
قالها وهو يشير على “زينة” التي تقف خلف شجرة، أجابته بغيظ:
– ما رضيتش تقول خالص يا سيمو، هو مال وجود شكله داخل في قطر؟ دا غير ضارب الوش الخشب وكأنه عاصر صندوق لمون علشان ييجي.
– لا هو فعلًا مش كأنه، هو كان رافض ييجي أصلًا وبعدها قرر ييجي يتكلم مع زينة وما تسأليش فيه إيه؛ لأني ما اعرفش. كان متفق معايا على كده بليل، أما الصبح كل حاجة اتغيرت، وطبت عليه المسهوكة والظاهر كده رجعنا للصفر من جديد.
قال آخر جملة بحزن شديد، فقالت بتساؤل:
– هو مال وجود؟ ومال زينة؟! شايف بتبص عليه إزاي.. ما تقول بقى وبطل سماجة.
– أنا سمج.
– أيون.
– طب مش قايل.
عضت كف يدها بغيظ قائلة بصوت منخفض:
– يالهوووي على فضولي اللي هيموتني.
ثم قالت بصوت عالٍ وهي تزجه:
– ما شاء الله عليك، أنت مش سمج بس وأكلح كمان.
– ماشي يا كارما.
قالها وهو يرمقها بقوة وتوعد، ثم نظر يمينًا ويسارًا لم يجد أحد يراه، رفع يده مسح أحمر الشفاه من على شفتها وقال ساخرًا:
– تبقى بقى سلميلي على الروچ اللي بهدل وشك.
صرخت وهي تقول بعصبية حقيقية:
– ينهار أسوح، ينيلك يا منيل إيه اللي هببته دا؟
– اسكتي مش أنا كمان عرفت سر الروچ، اللي بقيتي تحطيه فجأه.
قالها وهو يضحك بقوة جعلته يميل بجزعه، قالت بدموع تلمع داخل عينها:
– وتروح تمسحه وتعمل كده، والله لأعضك بقى حتى آخد التهزيء بضمير مرتاح.
– آه كتفي يا بنت العضاضة.
قالها وهو يجري منها بعد ما انقضت على ذراعه.
★★★★★
أخيرًا تذكرت “كاميليا” تسأله عن سبب جروح وجهه، فتقول وهي تلمس وجهه بميوعة:
– إيه اللي في وشك دا كله؟
ابتسم بتهكم وهو يحدث نفسه:
– لسه واخدة بالك.
فرد عليها باقتضاب:
– عملت حادثة.
ردت عليه بدلع وهي تمسك وجهه تقبل عينه المنتفخة:
– مش تاخد بالك يا بيبي، أنا لازم اطمن عليك.. يلا نروح المستشفى حالًا.
أبعدها عنه بضيق، وهو يقول:
– فيه إيه! اهدي على نفسك هو أنا مصاب حرب.
– يا بيبي أنا غلطانة إني عايزة أطمن على جوزي.
قالتها وهي تقصد كل حرف، هاج من داخله وقال بتأنيب ذاته:
– لا أنا اللي غلطان.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غرورها جن جنوني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى