روايات

رواية غرورها جن جنوني الفصل السادس والعشرون 26 بقلم ابتسام محمود

رواية غرورها جن جنوني الفصل السادس والعشرون 26 بقلم ابتسام محمود

رواية غرورها جن جنوني البارت السادس والعشرون

رواية غرورها جن جنوني الجزء السادس والعشرون

رواية غرورها جن جنوني
رواية غرورها جن جنوني

رواية غرورها جن جنوني الحلقة السادسة والعشرون

شعرت بإحساس قاتل يتملكها بكل وحشية؛ فلا بد من الخوف لتتجنب الوقوع هي وحبيبها بالمخاطر، لكنها حاولت عدم السماح لخوفها أن يتملكها بالكامل حتى لا يجعلها أكثر سلبية، فتحدت هلعها قبل أن يسيطر عليها:
– أنا بنت مدير أمن القوات الخاصة، مهيمن محمد الزناتي.
يخرج قائد من الداخل كان يتابع ما يجري، ويأمرهم أن يتركوها بملامح حادة، وأخذها لمكتب بجوار البوابة، لم يعطها فرصة للاستفسار عن أي شيء، وأجرى مكالمة مع والدها وأخبره أن ابنته في حوزته وعليه أن يأتي لأخذها، كان “مهيمن” يكاد أن ينهار من كثرة الهموم التي تصب فوق عاتقه، فقد استنزفت طاقته بالكامل من كثرة المشاكل والأحداث، فعليه الآن التحكم والسيطرة على أفكاره، والتريث والتفكير بهدوء حتى يضع حدًّا وحلًّا لمشاكل أبنائه.
★★★★★
بعد تفكير عميق والبحث من “كارما”، وجدت الحل أن تذهب له منزله وتعتذر وينتهي كل شيء وكأنه لم يكن، لكن عليها أن تسيطر على لسانها، والتخلص من اندفاعها الحاد، ورفض التفكير في تلك الكلمة التي تدعى بالكرامة، فهي مخطئة وعليها تصليح ما أفسدته، لكن كان رد فعل “مستقبل” الذي يجلس بحديقة فيلاته غير متوقع لها، فتقول وهي تعبث بأناملها:
– أنت لما غلطت فيا حاربت الدنيا علشان تصالحني وتعتذر، وأنا مش هيأس وهشوف إيه يرضيك واعمله.
زفر أنفاسه بحنق، وقال بتذمر:
– تمام اتفضلي.
عجزت عن تلجيم وكبت عصبيتها، وقالت وهي تنظر لوجهه:
– إزاى ووشك يقطع الخميرة من البيت.. شبه البومة.
غضن جبينه من هجومها وقال بهدوء:
– شكلك فاضية وجاية تتسلي.
ثم تركها وحاول الابتعاد، هرولت إليه ووقفت أمامه تريد قطع لسانها، فتخبره بترجٍ:
– طيب ممكن تقعد نتكلم.
ينظر في ساعة يده ويقول، وهو يهز رأسه برفض:
– للأسف مش فاضي.
رمقته وهي تضع يدها على خصرها وتعنفه بصوت مرتفع:
– ليه إن شاء الله، إيه اللى شاغل جنابك؟
بعدها اكتسي وجهه بعلامات الغضب، ورمقها بحدة وهو يجز على أسنانه، فتقول بصوت منخفض معتذرة:
– سوري، وراك إيه؟
زفر أنفاسه المشتعلة حتى يتحكم في ثباته:
– عندى ميتنج مهم جدًّا على اللاب.
جلست على مقعد خشبي موضوع بالحديقة:
– ماشي اتفضل وأنا هقعد بعيد استنى لما تخلص.
– وده معناه إنك مش واثقة فيا، وعايزة تراقبيني.
– لا والله، أنا أقصد إني استناك.
أجابته على الفور، ثم خفضت بصرها على الأرض قائلة بحزن:
– على العموم لو مضايقك وجودى أووى كده بعتذر إني جيت، بعد إذنك.
مسك يدها وتعمق النظر داخل عينها بعتاااب ولوم، وهو يبلغها:
– إنتي اللي هديتي كل حاجة، فمتجيش تطلبي السماح بالبساطة دي.
ثم تركها ولم يعطها فرصة أن تتفوه ببنت شفة، كانت تجر أقدامها وهي تولي رأسها تطالعه من ظهره، حتى دخل منزله واختفى من أمام عينها، علمت أنها نهاية حبهما معًا. فكأن قلبه قد أصبح مظلمًا كأعماق المحيط لم يدخله شعاع من الرحمة، فكان يود أن يخطفها من العالم بأكمله، لكنها أخطأت في حقه كثيرًا، ونحن في عالم الغلطة تهدم كيان إنسان.
★★★★★★★
وصل “مهيمن” وهو لا يعلم شيئًا إلى المقر العسكري السري، دخل يقابل القائد، فقامت “توتا” تمسح عبراتها وتلقي بنفسها بأحضان أبيها، فأبعدها بلطف احترامًا لرغبة زوجها، فوجه حديثه بحدة للقائد وهو يربت عليها بحنان:
– ممكن افهم بنتي هنا ليه؟
وقف يبلغه بعملية:
– والله يا مهيمن باشا السؤال دا تسأله لبنتك، هي جت هنا ليه؟
وقبل أن يبصرها، قالت ببكاء وخوف على زوجها:
– بابا أنا جيت ورا عربية، نزل منها رجالة ملثمين وخطفوا حازم ودخلوا بيه هنا.
أرجع بصره للقائد، منتظرًا رده على ما قالته ابنته، فأخبره ببرود:
– مفيش عربية دخلت هنا خالص.
أردفت بعصبية لمن جاء لحمايتها:
– لا يا بابا والله عربية مصفحة فاميه دخلت قدام عيني، دا كذاب.
ربت على كتفها حتى تهدأ وأجلسها بالخارج، ثم دخل له مرة ثانية قائلًا بقلب أب:
– أنا طلعتها، ممكن تقولي الحقيقة؛ لأن هي مش هتيجي لحد هنا لوحدها كده!
– مهيمن باشا أكيد حضرتك عارف المكان دا اسمه إيه وطبيعة عملنا فيه، فهو مكان سري للغاية ولولا حضرتك.. بنتك كانت اتقتلت وقتي.
أغمض عينه بضيق، وقال:
– طيب طمني، حازم مقبوض عليه.. ولا شغال معاكم؟
وقف ينهي المقابلة بقوله:
– مهيمن باشا، شكل عواطفك بتخليك تنسى اللي اتعلمناه على إيدك. فلو سمحت تاخد بنتك وتقولها محدش دخل هنا.
قام وهو يمسح وجهه بقلة حيلة، لا يعلم ماذا يفعل، وخرج ليأخذ ابنته بصمت ولا يرد على أسئلتها، فقالت بتوسل:
– بابا أرجوك رجعلي حازم، ما اقدرش أعيش من غيره، أنا ما صدقت إني ألقاه.. أنا عارفة أني غلطت في حقه كتير، ومستعدة اعتذر بس يرجعلي تاني يا بابا ويعرف قد إيه بحبه وما استغناش عنه.
أخذها تحت جناحه متخبطًا بين أفكار تلاحقه، ويريد من يصبره حتى يقوى على التحمل ويصبر ابنته، فأبلغها بغصه داخل قلبه:
– هيرجع يا حبيبتي، بس اهدي لحد ما اعرف هتصرف إزاي.
صمت وأصبح صوت بكائها النادم يستحوذ على المكان، وعندما وصلا فيلاته، دخلت تائهة شاردة تود أن تعود الأيام للخلف وتحل مشاكلها معه من أول ثانية، داخلها حرب أعلنها قلبها على عصيان كل شيء من عقلها وهو يدق بشدة لدرجة يتمنى أن ينفجر ويرحل من جسده الذي يحمل داخله عقل يغشاه الغرور والعناد، جلست على أول مقعد وأرجعت رأسها للخلف، لا تستطيع السيطرة على أعصابها، جسدها أصبح بالكامل مسترخيًا. كان يقف أبوها أمامها، جلس على ركبتيه وأمسك وجهها الذي أصبح شاحبًا كالأموات، قائلًا:
– هيرجع صدقيني.
كانت لا تسمع حروفه، تائهة في دوامة صنعتها لنفسها حتى تهرب من الواقع، تندم على عدم أخذها خطوة الاعتراف من قبل، كانت تود أن تبوح بحبها وتخبره بمن يسكن رحمها منه وحينها يفعل ما يشاء، وضعت يدها على بطنها تتحسسها بوهن، وأجهشت في البكاء قائلة بنار تشتعل داخلها:
– أنا عايزة حازم، بابا أنا بحبه صدقني، كنت غبية وعقلت متأخر، بابا هاتلي حازم علشان خاطري، والله هعمل كل حاجة.. مش هعند، أنت مصدقني صح؟
أخذها بحضنه رغمًا عنه لم يتحمل رؤية دموعها ويتركها بعيدة عن أحضانه، وأقسم أن يصل له عاجلًا وليس أجلًا حتى يرضي ابنة قلبه.
★★★★★
منذ قليل في غرفة “مستقبل”، كان “وجود” و”نايا” يتناقشا معه بخصوص خطوبته، فأردفت بضيق:
– وأنا يا مستقبل مش هقبل بجنانك، أنت بتحبها.
– يا ماما ارحموني بقى، أنا بشر.
فيقول “وجود” وهو يعتريه الغضب:
– وأنا لما كنت هضيع زينة من إيدي، كنت بتحارب ليه علشان ترجعنا لبعض.
أجابه بهدوء وتبرير:
– علشان بتحبك وأنت بتحبها.
– أمال أنتوا إيه؟
كادت أن تنزل دموعه الساخنة من ناره، وهو يبلغه:
– هي ما بقيتش تثق فيا.. قولي هنتجوز إزاي؟
صعد “مهيمن” على أصواتهم المرتفعة قائلًا بنفاد صبر:
– فيه إيه تاني؟
– الأستاذ عايز يسيب كارما.
أبلغته بها “نايا”، فرد وهو يصفق له ويكاد أن ينفجر بوجههم:
– برافو سيبها، واقعد اتحسر وعيط العمر كله.
قال جملته ثم تركهم ولم يرد على أحد، اكتفى من الهموم والحديث، نزلوا خلفه عندما شعروا جميعهم أن في جعبته ما يكفي، فقال بصوت منخفض بعدما جلس بجوار السابحة في بحار عالم آخر:
– حد يعرف أي نشاط لحازم؟
تلجلج “وجود” وهو يقول:
– زي إيه؟
رمقه يتفحص وجهه، وردد:
– زي أي نشاط سري.
شرد فيما اعترف له “حازم” من قبل:
“فلاش باك”
– مالك يا صاحبي؟
– أنا عايز أقولك سر، ومهما يحصل ما تقولش لحد.
– عيب عليك من إمتى بطلع سرك!
– أنا بقيت عميل سري.
– إزاي؟
– عادي قدمت وعملت اختبارات ودخلت.
– وبعدين في جنانك، أنت مش صرفت نظر عن موضوع الشرطة.
أردف “حازم” بحزم:
– ممكن ما تتكلمش في الموضوع دا تاني؟
– طيب وبعدهالك؟
– ما تخلنيش أندم إني قولتلك، وأنا مقتنع جدًّا بالحياة دي.
– والله خايف عليك.
– وجود أنا قولتلك لأن لازم حد يعرف.
– تمام ما تزعلش، بس عجبنى تغير شخصيتك بقيت حد تاني خالص، بس اوعى تشوط في أصحابك كمان يا عم احنا مش قدك.
– أنت أخويا وحبيبي.
– يا سيدي بتعزف على الوتر الحساس.
بـاك
أفاق “وجود” على يد “مهيمن” الذي كان ممعنًا النظر فيه:
– أنت تعرف حاجة؟
– لا.
أجابه باقتضاب وهو ينظر بتهرب لجهة اليسار، فقال بتأكيد عليه:
– متأكد.
– هو حصل إيه؟
قالها عندما قلق من داخله من منظر أخته، واهتمام أبيه الزائد، فأجابه بتهكم:
– حازم عربية تبع عمليات سرية خطفته.
زاغت عينه في المكان، ولا يعلم هل يفضح سر صديقه أم يبتلع كل ما يعرفه داخله، فاكتفى بقول:
– بابا مش عايزكم تقلقوا عليه.
– لو تعرف حاجة يا وجود قولي علشان أعرف اتصرف صح.
حاول كبت معلوماته، لكن الوضع لا يسمح بأي إنكار، فأخرج كل ما يحتفظ به حتى يساعد أباه وصديقه:
– هو انضم ليهم تقريبًا من أربع أو خمس شهور.
جلس “مهيمن” يأخذ أنفاسه بأريحية، فقالت “توتا” بشهقاتها:
– لا يا بابا قلبي واجعني أوي عليه.
أمسك يدها بلطف يزرع داخلها الاطمئنان:
– عايزك تهدي، المهم عرفنا إنه معاهم، ولما يظهر حسابه معايا عسير.
هدأت قليلًا ثم قالت لمستقبل الذي لم يتحدث ببنت شفة مثل عادته:
– مالك يا سيمو.
ترغرغت حبات الدموع داخل مقلتيه، عندما قص “وجود” بما يحمله من تهور، فقالت بوهن:
– روح صالح كارما بلاش توجع قلبها، وتوصل حبكم للجفاف من البعد والأسى، بلاش تخسر حد بيحبك زي كارما، روح ومتغلطش غلطتي، ولو فيه حاجة اتعاتبوا وبلاش تشيلوا جوه قلوبكم وكل واحد يفسر المشكلة من وجهة نظره هو، روح قبل فوات الأوان، اسمع من اللي انكوت بنار العند، وأخرتها اتحرقت من الفراق.
تركهم “مستقبل” وتوجه إلى الحديقة يلتقط نسمات الهواء، ثم أخرج هاتفه وجلب رقمها على شاشة الهاتف وأخبرها عندما فتحت الخط بحدة وحزم حتى ينهي كل شيء:
– في خلال خمس دقائق، تغسلي وشك وتمحي آثار تاتو النكد اللي عليه، علشان جاي آخد حقي.
تلعثمت في حروفها وهي تقول بصدمة:
– حقك مني أنا؟! بعد اللي كنت بعمله عشانك.
– هو أنا ليا حق عند حد غيرك.
قال جملته بصرامة ثم أغلق الهاتف وذهب لها، كان أخواها وأبوها يجلسون بالحديقة، نهض “سليم” يقول بعصبية بعدما سأل عليها:
– كلامك يبقى مع الرجالة اللي قدامك، ويا تتكلم عدل يا تمشي.
– أنا ليا حق عندها وعايز أصفيه معاها.
قالها “مستقبل” بوجوم حاد، فرد عليه “أنيس” بهدوء:
– ولو ليك حق تأكد هتاخده.
– ليه محسسني إنكم ما تعرفوش إن ليا حق.
– حق إيه يا أبو حق.
هكذا قال “سليم” بانفعال فأمسكه “أنيس” يرجعه للخلف، وأخبره “فادي” بتعقل:
– مستقبل اتكلم بأسلوب أحسن من كده علشان نوصل لحل.
– أصلًا ملهوش أي حق، ولو هي غلطت مرة فيه هو غلط ألف مرة.
قالها “سليم” بحدة وكاد أن ينقض عليه؛ يفرغ به كرهه له وعصبيته، وقف أمامه واضعًا يده على بعضها وأبلغه ببرود:
– لا ليا يا سليم وهاخده، غصب عنها كمان.
أمسكه من (تيشرته) بعدما فاض كيله، مرددًا بعنفوان:
– ولا أنا جبت أخري منك.
زج “أنيس” أخاه عن “مستقبل” وقال بصوت عالٍ:
– كده مش طريقة نقاش خالص، لو سمحت اهدى يا سليم، وكاري لما تسلط ناس على خطيبها تبقى غلطت، اتفضل شوف اللي يرضيك يا مستقبل.
يقترب من الفتاة المرتعبة التي لأول مرة يراها هكذا، وأردف بوهن:
– نتجوز في أسرع وقت.
نظر له الجميع باستغراب، فقال بتوضيح:
– هو أنا ليا حق عند العالم كله غيرك، أنتي حقي ومش هتنازل عنك أبدًا.
اتسعت عيناها بفرحة، ثم نظرت لأبيها فابتسم لهما، حركت عينها تجاهه ثم هزت رأسها بالموافقة، تضايق “سليم” من غبائها ورجوعها له من جديد، فترك المكان وانصرف لكن “مستقبل” ذهب خلفه قائلًا بتفهم:
– سليم أنا واثق إنك بتحب كاري وعايز تطمن عليها، أوعدك هشيلها في عنيا، وعمري ما هزعلها.
– طب لو جت مرة زعلانة؟
– موتني، وقبلها هكتبلك إقرار إني انتحرت، ها مرضي يابا.
أجابه بمزاح، ابتسم له ثم تطلع إلى أخته التي تتراقص الفرحة داخل عينها، رفع يديه وفتحهما في الهواء، فركضت “كارما” ودخلت في حضن أخيها الدافئ الحنون، وفرح الجميع لسعادتهما.
دخل الجميع الفيلا وعندما استقر الحبيبان بمفردهما قالت بإحراج:
– كنت عايزة أعرفك حاجة.
– لو نكد مش طالب.
– معلش علشان لازم تعرف الحقيقة، وما يبقاش حد شايل من التاني.
– اتفضلي قولي.
– الشاب اللي كان معايا في النادي دا جوز صاحبتي كنت بسأل عليها، قالي إنها ماتت من فترة وزعلت عليها وأعتقد كان باين عليا، وخبيت علشان ما ابوظش اليوم والخروجة، عرفت مين بقي اللي بينكد.
– خلاص يا كارما مش عايز افتح مواضيع عدت؛ لأن غلط إنه يمد إيده عليكي.
– معلش وحاجة كمان.
جلس بملل:
– هو ساعة الاعتراف مش هتخلص.
– آخر حاجة هقولها، صاحبتي اللي اقترحت عليا الموضوع دا.. وما كنتش أعرف إنها هتختاره هو.
رد عليها وهو يحاول السيطرة على أعصابه:
– كمان بتتأمري أنتي وأصحابك عليا، طب اسكتي احسن.
– وحشتني.
قالتها بنظرة حب وهي تبتسم وتمسك يده، بادلها مشاعرها قائلًا:
– وأنتي أكتر يا رخمة.
★★★★★★
في الصباح الباكر، ذهب “مهيمن” للمكان العسكري السري نفسه، وتحدث بقوة مع القائد:
– أنا عارف إن حازم شغال هنا، ولو ما قولتليش مكانه فين أنا مش هسكت وههد الدنيا.
وقف القائد بهدوء متفهمًا وضعه:
– ممكن سيادتك تهدى.
– أحب اطمنك إني كده هادي، وانجز وقول لتشوف الجنان على أصوله.
– يا مهيمن باشا، حازم فعلًا شغال معانا هنا بس من امبارح طلع طلعة ولحد دلوقتي محدش يعرف مكانه.
– عايز تقنعني عميل سري يطلع طلعة من غير أجهزة تجسس ومايك.
– طلع بيهم، والبدلة اللي بيلبسها فيها أفضل أنواع تعقب خط السير، لكن للأسف البدلة حد قلعهاله ورماها في البحر.
– يبقى اللي عمل كده فاهم قيمة البدلة، وإنه من غيرها محدش هيوصله.
– طبعًا، وإلا ما كانش عمل كده.
– عايز معلومات عن المهمة ومكانها وكل حاجة تخص الموضوع.
– يا مهيمن باشا، احنا مش ساكتين ولما تلاقي تقصير في شغلنا ابقى اتدخل.
– حازم دا ابني مش جوز بنتي بس.
قالها بحزن على من افتقده ولا يعلم له مكانًا، رد عليه بتفهم:
– اطمن هنعمل أقصى ما في جهدنا.
تركه ثم توجه لفيلاته، كانت “توتا” تتصنع الابتسامة حتى تفرح أخواها، وعندما رأت أباها حدقته، لكن استشفت أنه لم يصل له، نهضت في هدوء وقالت بضعف:
– ما لقيتهوش؟!
– زفر أنفاسه بحرقة:
– اطمني هو في عملية سرية.
– بتقول كده تصبرني.
– لا يا حبيبتى هو فعلًا في عملية.
أومأت برأسها بخيبة أمل، وانصرفت إلى حجرتها تبكي من قلبها، دخلت لها والدتها تتحدث معها بعقلانية حتى جعلتها تهدأ قليلًا.
دخل عليها أخواها وخطيباتهما، قالت وهي تحتفظ بحزنها لنفسها:
– هنفرح بيكم إمتى؟
أول ما يظهر حازم، علشان فرحتنا تكمل.
قالها “مستقبل”، فردت عليه بابتسامة:
– طب ما تفرحوا قلبي بيكم على ما يظهر.
بعد نقاش قرر “مهيمن” و”نايا” تزويجهما، وعمل فرح في أقرب وقت، نزلا كل واحد منهما مع حبيبته وظلت هي مع والديها، فقالت:
– بابا أنا هروح أعيش في بيت حازم.
رفض الوالدان بشدة، لكن أصرت على رأيها.
فقال” مهيمن” بعصبية:
– بعد فرح إخواتك.
وافقت، وأصبحت تحدث والدة “حازم” التي ينزف قلبها على فراق ابنها باستمرار، وأخبرتها بحملها فسعد قلبها بحفيدها، وعندما تناقشت معها في العيش بمنزله ردت عليها:
– أنا مش هسيبك يا توتا هفضل معاكي، أراعيكي وأراعي ابن ابني لحد ما أبوه يجيلنا بالسلامة.
كانت تصبر نفسها أنه سيرجع، ويدخل عليهن في أي لحظة.
★★★★★
مرت الأيام ثقيلة على الجميع، بين من يشتاقون لقرب الحبيب وهم على دراية بموعد اللقاء، ومنهم الحزينة التي تخبئ آلامها وتدفنه داخل أعماقها حتى لا تفسد فرحة الجميع، تجلس “توتا” شاردة في زوجها الذي طال غيابه، متأهبة في حالة استعداد دائمًا على كل من يطرق بابها، ظنًّا منها أنه عاد إليها من جديد، لقد هجر عشها الذي لم يكتمل بعد.. هجرها ولا يعلم ما يبثه فؤادها من حب.. هجرها وهو يظن أن الحجر الصوان ما زال متحجرًا في قلبها، ولا يعلم أنه انصهر من شدة الاشتياق له.. هجرها بدون أن تصارحه بأن جزءًا منه بداخل أحشائها يكبر وينمو يومًا بعد يوم، فقد أراد المولى بأن يعوضها غيابه عنها، ولطف بحالتها وحال والدته المنكسرة. تمنت من داخلها بأن يكون هذا الجنين ولدًا، حتى يشبهه في ملامحه وقوته ورجولته التي كانت تراها في كل موقف، لكن كبرياءها وعنادها جعلوا منها امرأه تستلذ بزيادة جرحه وتعذيبه، استمر بكاؤها ندمًا عليه، تذكرت أجمل اللحظات السعيدة التي جمعتهما معًا وعقابه لها الذي تتمناه الآن، ومشاجراتهما وردوده التي كانت تستفزها وتشعلها.. جعلتها تتفوه بداخلها قائلة:
– ارجعلي يا حبيبي وأنا اعوضك والله عن كل اللي عملته، هنعيش سوا مع بعض نربي ابننا ونعلمه الحب اللي اتعلمته على إيديك، وما لحقتش تدوق منه حاجة، يا رب ترجعلي يا حازم وغيابك ما يطولش، كفاية بعد وفراق.
فاقت على دخول “كارما” و”زينة” يتحدثان إليها لأخذ رأيها في فساتين الزفاف التي اختيرت لتبدي رأيها فيهما، محاولة منهما أن يخرجاها من حالة الحزن ومشاركتها معهم.
★★★★★
وجاء موعد الزفاف، واتفق الجميع على تجهيز حفل الزفاف في حديقه فيلا “مهيمن” صباحًا أمام حمام السباحة الذي كان ممتلئًا بالورود والبلالين الهيليوم؛ فقد اتفق مع منظمي الأفراح ليتم تجهيز كل شيء للعروسين وعمل كوشة عبارة عن أريكة كبيرة تضمهما جميعًا، منذ الصباح الباكر والجميع يعملون في الفيلا بهمة ونشاط، والنساء مجتمعات في فيلا “دانية” ومعهم مركز تجميل مخصوص لهم لتجميل العروستان الجميلتان، طال الوقت حتى جاءت اللحظة التي ينتظرها الأخوان، تقدم أولًا “وجود” ليتقدم بأخذ فراشته الرقيقة “زينة” التي كانت تمسك بيد والدها “شادي”؛ فقد كان في قمة سعادته بابنته الغالية، وقدم كنزه الغالي لعريسها الذي حين رأى جمالها وسحرها الفتان انبهر به، قبل جبينها هامسًا لها بحب قائلًا:
– مبرووووك يا زينة حياتي.
تقابلت عيناها بعشق وفرحة ليس لها حدود، فقد كانت مقلتيها تبث له الحب المكنون فقالت بكسوف:
– مبروك عليا أنت.
في أثناء ذلك كانت “كارما” تتدلل بفستان زفافها، ويزين وجهها حجابها الذي جعلها مثل الملكة التي تتوجت بعد طول انتظار على عرش قلب حبيبها وعاشقها، أخذها “مستقبل” بتملك من والدها “فادي” وتبث عيناه له ولأخويها أنه سيضعها بعينيه لآخر العمر، ضمها لقلبه بسعادة، كانت الأجواء مليئة بالبهجة والفرحة من قبل الجميع، جلسوا على الأريكة المزينة بالورود من الجانبين. وبعدما مضى وقتًا، اقترب الأهل مهنئين والتقطوا معهم الصور التذكارية.
بدأ الحفل برقصة للعروسين، تقدم كل منهم متناسين الجميع؛ “وجود” يشعر مع عروسته أنه يحلق بالسماء، علم معها أن الحب الحقيقي هو ما يملك القلب، ويكون متبادلًا بين الاثنين وليس من طرف واحد، أدرك هذه الحقيقة متأخرًا، لكن لا يهم شيء طالما زينته بين يداه. أما العروسان الذان يتسموا بالجنان الوراثي من الأم كانت حالتهما عجيبة، الفرحة هي من تتحدث وتتصرف بكل حرية وانطلاق.
تجلس “توتا” على إحدى الطاولات تنظر لهم وهي تتأمل وتدرس معالم السعادة داخل مقلتيهم، وتذكرت حبيبها الغائب وليلة عرسها التي لم تشعر بما يشعرون فيها، كم كانت أنانية! ترقص وتسعد بدونه مع أصدقائها غير منتبهه له ولنظرات التمني والحب الواضحة وضوح الشمس في لحظة سطوعها للجميع، كم كانت ضريرة القلب والإحساس! لما لا تسعد في هذه الدنيا مثل أخويها؟ لماذا دائمًا خوفها من الجنس الآخر يطاردها في كل لحظة؟ رعبها من أن تنجرح مرة ثانية هو ما يسطر عليها؛ لذا كانت دائمًا تلعب معه دور المهاجم الشرس الذي يدافع عن نفسه بكل وسيلة وطريقة مهما دفعه ذلك لجرح الطرف الآخر، تساقطت دمعة خائنة على وجنتيها فأحرقتها من شدة حرارتها، لاحظت والدة زوجها التي أشفقت عليها، وجففت تلك الدمعة بحنان أم أهلكها فراق وليدها الوحيد، تبسمت بمرارة قائلة:
– هيرجع يا توتا، قلبي بيقولي إنه راجع.. مهما غاب عننا مسيره يرجع.
– يارب يا ماما، وحشني أوووي، كان نفسي أعيش معاه اللحظات الحلوة دي زي إخواتي، لكن عنادي ضيع مني السعادة.
– معلش حبيبتي، كل حاجة ممكن تتصلح بس يرجع هو.
– يارب يا ماما.
ومرت الساعات بين الرقص والغناء، حتى جاء الليل وانتهى الحفل وذهبوا إلى إحدى الفنادق الشهيرة ليقضوا شهر العسل، تعويضًا عن ما مروا به من أوجاع وأحزان، لكي يبدأوا أول سطور حياتهم الجديدة المليئة بالحب والعشق.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غرورها جن جنوني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى