روايات

رواية عازف بنيران قلبي الفصل الثاني 2 بقلم سيلا وليد

رواية عازف بنيران قلبي الفصل الثاني 2 بقلم سيلا وليد

رواية عازف بنيران قلبي الجزء الثاني

رواية عازف بنيران قلبي البارت الثاني

رواية عازف بنيران قلبي الحلقة الثانية

دلفت إلى الصرح الضخم وهي تنظر بإنبهار
كان عبارة عن مبنى ضخم ذو وجهات زجاجية تعطيه رونقا خاصًا وتصميمات هندسية دقيقة… دلفت تطالع الموظفين تجلى في عينيها الدهشة من النظام الدقيق من قبل العاملين به… اتجهت نحو المكتب الموجود بالطابق الارضي
– صباح الخير…. لو سمحت أنا جاية علشان الوظيفة المطلوبة…
رد عليها موظف الأستقبال التحية… واشار لأحدهما:
– هتطلعي الدور السادس…. دا مكتب الباشمهندس المسؤل عن مقابلة الموظفين الجداد
أومأت برأسها وشكرته متجه لوجهتها
بعد قليل بالأعلى وقفت أمام الموظف المسؤل عن توظيف المهندسين
نظر الرجل لها بعد إعجابه الشديد بقدراتها
– لحظة وراجعلك يابشمهندسة
اتجه لمكتب سليم وقف أمام السكرتيرة
– الباشمهندس فاضي
أجابته السكرتيرة بعملية:
– ايوة لسة قدامه نص ساعة على الإجتماع
– طيب عرفيه إني محتاج اقابله ضروري
أومأت برأسها بالموافقة وبعد لحظات أشارت له بالدخول
بداخل المكتب كان يستند بظهره على المقعد وهو يحاول أن يجد حلا وسطا بين جده وراكان… الذي وصلت العلاقة بينهما للاصطدام ككل مرة يحدث بها احتماعهم
دلف المهندس المسؤل عن توظيف المهندسين… حمحم عندما وجده شاردا في ملكوته
رفع نظره قاطبا جبينه
– خير يامعتز فيه حاجه
– أيوة يافندم… بالنسبة للإعلان المنشور لتوظيف مهندسين الديكور… من إمبارح وأنا بقابل المتقدمين… والنهاردة الحمد لله موجود دلوقتي تلات مهندسين وأنا محتار أختار مين فيهم… فلو ينفع تفضل بينهم
نقر على مكتبه وأردف متسائلا
– احنا محتاجين كام مهندس للوظيفة دي؟ ”
-والله يافندم إحنا محتاجين في كل قسم مهندسين على الأقل… أنا أخترت المعماريين… بس مهندسين الديكور دول اتقدم فيهم اكتر المبدعين.. فتركت الاختيار لحضرتك
نهض يضع يديه بجيب بنطاله وتحدث:
-مش المفروض دا شغلك ولا إيه
حمحم معتز ثم تحدث آسفا:
– والله يافندم أنا محتار بين تلات مهندسين.. التلاتة نفس المستوى ومحبتش أظلم حد.. وبما إن حضرتك خبرة فقولت أرجع لحضرتك
أومأ سليم برأسه وأشار بكفيه:
تمام يامعتز.. دخلهم واحدة واحدة وبعد كدا هشوف مين اللي ممكن نستفيدبخبرته
أومأ معتز برأسه وخرج مستأذنا وبعد قليل وقفت ليلى أمامه بسي في C. V
دقق سليم بملفها رفع نظره لها:
– شهادتك ممتازة… لية مااشتغلتيش بعد ماخلصتي
ابتسمت بهدوء وأجابته:
– لو حضرتك دققت أكتر هتعرف إني كنت بحضر دكتوراه في السنتين دول… والحمد لله لسة مخلصة من شهرين بس
فحصها بنظراته.. ظل للحظة ساكنًا: يناظرها.. فحمحم وتحدث بهدوئه المعهود:
– تمام يابشمهندسة… دلوقتي ممكن أقولك مبروك… منتظر إبداعك
أومات برأسها وأردفت:
– شكرا لحضرتك واتمنى أكون قدالمسؤلية يافندم.
ضغط على زره للاستدعاء السكرتيرة
– خدي المهندسة خليها تستلم شغلها مع المهندسة صابرين… وخلي محمد يشتغل في مكتب يافوز
– تمام يافندم فيه أي أوامر تانيه
– لا شكرا يانورة… هاتيلي قهوتي
تحركت السكرتيرة مع ليلى إلى مكتبها الجديد الذي سيغير حياتها
❈-❈-❈
في مكتب راكان
بعد قص حمزة ماحدث من راجح من قضيته مع عمه جلال … رجع برأسه على المقعد
– بس عمي جلال مستحيل يعمل كدا.. أنا أعرف أنه بيحب الفلوس بس مبياخدش حاجة مش بتعته
زفر حمزة وتحدث بشك:
– أنا لو هقبل القضية هدور ورا عمك… ولو الراجل دا له حق متزعلش هضطر اترافع عنه
نقر راكان على مكتبه وبدأ يتحدث بشرود
– خليني أشوف إيه اللي ورا عمي الأول.. إنت عارف أنه له أسهم عايز يبيعها علشان يعمل شركة خاصة بيه على الأرض دي.. وعلى العموم لو إتأكدنا إن الراجل دا كلامه صحيح فوقتها أعمل شغلك… عمري ماأدخل في حاجة مش من حقنا
وقف حمزة وأردف:
– تمام يابوص أنا قولت كدا بردو لازم تعرف قبل ماأخد أي قرار… دلوقتي اسيبك تشوف شغلك والموضوع بقى عندك ياسيادة المستشار… شوف ورد عليا بس متتأخرش
أومأ له راكان
– تمام ياحضرة المحامي…
بقولك أنا عازمك النهاردة على العشا فيه
موضوع عايز أخد رأيك فيه
قطب مابين جبينه متسائلاً
– موضوع إيه ياراكان هتقلقني ليه
ضحك على صديقه وأردف مبتسما
– فيه إيه يابني خوفت ليه كدا… هاخدك تحري ولا ايه… قهقه حمزة وهو رافعا يديه
– وعلى إيه ياعم الطيب أحسن…
وقف حمزة أمامه وحدق به:
– راكان مالك؟فيه حاجة حصلت ولا إيه؟
وضع يديه بجيب بنطاله واتجه للشرفة وهو ينظر للخارج واسترسل بنبرة حزينة:
– جدي مش راحمني ياحمزة بيحاول يخنقني وأنا بحاول اتغاضى بأي طريقة
عشان سيلين وأمي..
استدار يطالعه وأكمل بإبانة:
– تخيل النهارده كان عامل إجتماع عشان يجوز العيلة في بعضها..
اتجه ينظر إلى الفراغ بعينان تقطران ألمًا وملامح يكسوها الحزن فاردف مستطردا
– لولا ماما ووعدي ليها… صدقني مكنتش رحمت حد.. هم مفكرني نسيت الماضي.. او تقدر تقول أنا أوهمتهم بكدا
خيم الحزن على وجه حمزة فربت على كتفه وتحدث مواسياً:
– لازم تنسى الماضي عشان تعرف تعيش الحاضر ياراكان.. أوعى تفكر تمثيلك عليهم بيفرق معاهم.. ليه دايما بتحط صورة مش كويسة لنفسك قدام الكل
ارتسم تعبير مندهش ممزوج بالغضب واستدار يتحدث بإستنكار
– علشان أنا كدا بالفعل ياحمزة.. أنا واحد مش كويس.. وبلاش إنت اللي تتكلم وتقول كدا.. دا إحنا دفنينه سوا ياصاحبي
– لا ياراكان إنت اللي دايما بتوهم نفسك وبتوهم اللي حواليك بكدا.. بلاش تخليني أتكلم كلامي هيزعلك.. احمد ربنا فيه اللي اتخان وقادر يوقف على رجله
– والله واللي حصلي مش خيانة… قولي ياحضرة المحامي هي الخيانة إيه في منظورك غير الطعن في الضهر
تحرك حمزة عندما وجد النقاش بينهما سيؤلم احدهما
– أشوفك بالليل ياراكان لحد ماتروق..
❈-❈-❈
في مزرعة نوح
تجلس بمكتبها تراجع في بعض المراجع الخاصة بالنباتات… دلفت إحدى العاملات
والد حضرتك برة يابشمهندسة وعايز يقابلك لم تكد العاملة تكمل جملتها حتى تفاجئت من ذلك الصوت خلفها… صوتا تمنت انها تنساه للأبد
أشارت للعاملة بالذهاب.. دلف والدها وهو يبتسم بفخر
– كدا ياأسوم بقى بابا ماوحشكيش ياحبيبتي
اشتعل غضبها بصورة كبيرة من حديثه فاحتدت نظراتها واختنقت أنفاسها… عندما تذكرت مأساتها من ذلك الأب الذي أقل مايقال عنه سوى أنه أب في شهادة الميلاد فقط
جلست بمقابلته وشعور مقيت تشعر به اتجاهه.. حاولت السيطرة على حالها فأردفت:
– خير يابابا إيه اللي فكرك بيا… بقالنا كتير متقابلناش
جحظت أعين والدها من مقابتلها الجافة كما وصفها
– دي مقابلتك لبابا ياأسما بعد شهر… ثم رفع نظره وتحدث بحزن عله يستعطفها
– وحشتيني يابنتي هتفضلي مقاطعة ابوكي لحد إمتى
أمتقع لونها وانسحبت الدماء من أوردتها… عندما علمت هدفه من كلاماته
– بابا لو سمحت مهما تعمل وتقول أنا هفضل زي ماأنا مستحيل اتجوز… وزي ماحضرتك شايف أنا مرتاحة في حياتي
وقف والدها وحاصرها وهي تجلس على مكتبها… قائلا بنبرة شيطانية مستهزئًا:
– اوعي تفكري يابت إنك علشان اشتغلتي وقعدتي لوحدك تقدري تمشي كلامك على أبوكي… لا فوقي كدا وأعرفي اللي واقف قدامك دا منير العشري يابت
وضعت يديها على أذنيها وتحولت نظراتها إلى الكره الواضح فأشتعلت عيناها كجمرتين من اللهب الحارق وصرخت بوجهه:
– كفاية بقى إنت مبتزهقش… كل شوية منير العشري بن حضرة الضابط كاظم العشري
وقفت واتجهت له وكانت لحظات غضبها استحوزت عليها فلوحت بيديها وهي تتحدث
– أسما كبرت ياحضرة منير العشري.. وبقت تعرف تاخد حقها من كل اللي أذوها… ماهو بنت الوز عوام.. وأنا أحييك علمتني كتيير أوي يامنير ياعشري
إقترب والدها وهو ينظر لها شرز:
– وياترى يابشمهندسة ابوكي آذاكي في إيه لدا كله.. المفروض تشكريني لولا اللي كنت بعمله مكنتيش وصلتِ لكدا.. وبقيتي الباشمهندسة اسما العشري
ضحكت بسخرية وهي تلطم يديها ببعضها البعض
– دا مفيش حد آذاني أدك للأسف..
آه منكرش اني اتعلمت جبروتك واتعلمت أخد حقي.. لكن خسرت كتير اوي.. قاطعهم
دخول نوح:
– صباح الخير يااستاذ منير
أزدرد ريقها بصعوبة تستجمع بعض الكلمات التي هربت من بين شفتيها بسبب حالتها من دخول نوح
اهلاً يادكتور نوح الحمدلله يابني إنك جيت وحضرتنا… علشان عايز أشكيلك من الباشمهندسة اللي مقاطعة ابوها دي…
نظرت لوالدها بعتاب بينما جلس نوح بمقابلتها ينظر لها بهدوء وتدارك توترها فتحدث:
– مزعلة والدك ليه ياأسما
انكمشت ملامح وجهها بإمتعاض من افصاح والدها بما يصير بينهما
ابتلعت غصة مؤلمة من نظرات نوح وأردفت:
– مفيش حاجة يادكتور سوء تفاهم عائلي بينا وهيتحل إن شاء الله.. مش محتاج للغرب التدخل.. مش كدا يابابا… أردفت بها وهي تنظر لوالدها حتى يخرجها من مأزقها الذي ألقاها به دون رحمة
مسح والدها على ذقنه بعلامة تفكير.. كأنه يستغل خجلها من نوح.. ثم أومأ بعينيه دلالة على فهم مايشير إليه:
– فعلا يادكتور… ممكن يكون مفهمتش بنتي كويس…
وقف نوح وابتعد ومازل مسلطًا بصره عليها ثم تحدث:
– جيت أقولك ياأسما، استلمنا خيول جديدة.. كنت عايزك تشوفيهم، وتخلي الدكتور عاليا تشوفهم كويس
ابتسمت بسخرية وكأن قلبها موشوم بالوجع الذي أهلك روحها من ذاك الرجل فأومأت إليه وهي ترمقه بعيونا حزينة
– إن شاء الله يادكتور هكلم عاليا تشوفهم… ظل ينظر لها بعمق وثار تمرده عليها عندما وضعت حاجز بينهم ونادته بتكليف… مما اظلم عيناه عن وجعهاوتوجه بحديثه لوالدها:
– بلاش تزعل الباشمهندسة ياعم منير…
اقترب منير للخارج وهو يحدق إبنته ثم اتجه بنظره الى نوح:
– إن شاء الله يادكتور… وزي ماقولت لحضرتك سوء تفاهم
❈-❈-❈
بالجامعة عند درة
جلست بالكافيه الخاص بالجامعة تنتظر محاضرتها التي ستبدأ بعد نصف ساعة.. وصلت أروى إليها تحمل كوبين من عصير الفراولة وجلست بمقابلتها:
– اشربي العصير دا هيروق دماغك وتعرفي تحلي الأسئلة صح
مسحت على وجهها بعنف قائلة بإنفعال
– والله يابنتي حليت زيهم كتير قبل كدا معرفش ليه دماغي واقفة كدا
استمع عدي لحديثها صدفة الذي يقف خلفها.. فأقترب:
– مالك يادرة بتتخانقي مع نفسك ليه.. قالها بإستهزاء… نهضت تقف بمقابلته وصاحت بوجهه بغضب
– ابعد عني ياعدي عشان متتهزأش زي كل مرة.. جذب مقعد وجلس بجوارهم وهو يطرق على الطاولة
– وأنا بموت في التهزيق وخصوصا لما يكون من واحدة قمر زيك كدا
أمسكت درة كوب العصير وسكبته فوق رأسه وتحدثت بشماتة:
– اووبس اصلي لقيت لو رديت على واحد ذيك يبقى برفع من قدرك وأنت الصراحة متساويش براية قلم رصاص من سوق الجمعة.. قالتها ثم جمعت أشيائها وسحبت كف أروى التي وقفت تنظر بذهول مما فعلته بعدي
توقف جميع من بالكافيه وبدأو يضحكون بسخرية على هيئة عدي خاصة وهو يرتدي تي شيرت أبيض وسروالا باللون نفسه
ركل الطاولة وهو يصرخ بهم ويدفع البعض… اتجه سريعا لصديقه الذي كان ينتظره ليرى ماذا سيفعل بدرة.. تحرك وجحيم غضبه يسيطر عليه.. أمسكه صديقه الذي يدعى بأحمد
-عدي!! أوقف رايح فين حانت اللي غلطت في الأول والكل هيشهد بكدا
دفعه بقوة وهو يزمجر قائلا:
– هي متعرفش مين عدي البنداري ولا إيه والله لازم افصلها من الجامعة دي واخليها تروح جامعات الشحاتين
قالها ثم تحرك سريعا متجها خلفها.. توجهت درة لقاعة المحاضرة وهي تضحك على مافعلته.. هزت أروى رأسها وهي تشاركها ضحكاتها ثم تحدثت:
– بس دا مش هيسكت يادرة.. خلي بالك.. اتجهت وجلست بالبنش الذي يتوسط القاعة ووضعت ادواتها وأجابت صديقتها
– دا واحد مغرور ويستاهل اللي يجراله
قطع حديثهم دخول الدكتور نور.. ولكن قبل أن يلقي التحية رأي ذاك الذي أسرع بإتجاه درة.. ووقف أمامها وسحب يديها يجذبها بعنف
– أنا هعرفك ياحيوانة إزاي تتجرأي وتعملي كدا.. اتجه الدكتور نور
– إنت ياحيوان بتعمل إيه عندك…إزاي تعمل في زميلتك كدا
رفع بصره للدكتور وأجابه بنبرات غليظة
– آسف يادكتور… حساب ولازم نصفيه
اتجه نور لدرة بنظرات مستفهمة
هزت رأسها وهي تحرر كفيها من كف نور الذي يقبض عليه بقوة
اتجه نور إليهما وتجمع كل من يوجد بالقاعة لفك شباك عدي ودرة.. دفعه الدكتور بعيدا عنها
ثم اتصل بأمن عندما علم بهويته ثم اتجه
يسحبه اتجاه الأمن الذي اخدوه لعميد الجامعة.. أستغل الوضع لصالحه وقام بتقديم شكوى بدرة
شهقة قوية خرجت من جوف درة عندما وجدت الموضوع تطرق لرئيس الجامعة.. هذا المعتوه حول الأمر لصالحه
مسدت أروى على ظهرها وتحدثت بعيون مطمئنة:
– اهدي إن شاء الله البنات اللي كانوا موجودين في الكافيه هيشهدوا..
– أنا مش خايفة منه أنا خايفة من تقديراتي تتأثر بسبب المشكلة.. قالتها بملامح مرتجفة وعينين زائغتين
وصلت ليلى للحرم الجامعي حينما هاتفتها أروى وقصت عليها ماحدث
ضمتها لأحضانها حينما وجدت حالتها المرثية وعيناها المتورمة فتحدثت بكلمات الطمأنينة
– متخافيش حبيبتي محدش يقدر يأذيكِ.. تحركت متجة للداخل حيث مكتب رئيس الجامعة… دلفت بعد الإستئذان
وجدت عدي يجلس وكأنه أبن من أبناء الوزراء
القت التحية بإحترام.. ثم أردفت بهدوء ووقار أمام رئيس الجامعة
– بعد إذن حضرتك يادكتور.. ممكن أعرف اختي متحولة للتحقيق ليه
رمقها عدي بسخرية وهو يوزع نظراته بين درة التي وقفت صامتة وبين ليلى التي تقف أمام رئيس الجامعة كمحامي في قاعة المحكمة
– اتفضلي إقعدي ياباشمندسة.. أخت حضرتك تطاولت على الباشمندس عدي البنداري.. اتجهت ليلى تطالع عدي بنظرات تقيميه…رفع حاجبه ينظر إليها بطريقة مستفزة وهو يشير على قميصيه
– أختك سخرت مني قدام الجميع ودلقت العصير
وقفت تطالعه لبعض اللحظات ثم اتجهت لرئيس الجامعة:
– هو اي حد يجي يشكي حد من غير دليل.. وبعدين مش يمكن حضرتك يكون قل أدبه.. طبعا آسفة في اللفظ.. لكن من المفروض حضرتك نسمع جميع الأطراف ونشوف الشهود الموجودين… قاطعهم
دلوف يونس أثناء حديث ليلى مع رئيس الجامعة
نهض رئيس الجامعة يحيه
– أهلا دكتور يونس… نورت الجامعة حضرتك
اتجه يونس يطالع أخيه الذي يجلس وكأنه ليس المذنب.. ثم تحولت نظراته لليلى و درة
جلس بعدما قام بفتح ذر بدلته وبعد حديثه فترة مع رئيس الجامعة أشار لأخيه ليحكي ماصار أمامهم
كما اتجه لدرة
– ومن حق الباشمهندسة تدافع عن نفسها وتقول مبرر لفعلتها دي..
تحدث بإبانة لدكتور الجامعة وعيناه مسلطة على ليلى
أصل الصراحة مش كل مانضايق من كلمة واحد يقولها ندلق عليه عصير مش كدا ولا هايه..
مط شفتيه وطالع ليلى الصامته وأكمل حديثه:
– دا لو معاكي سكينة كان ممكن تطعنيه.. عشان ضايقك بالكلام
حاولت ليلى السيطرة على غضبها وهي تضغط بقبضتها فوق ساقيها.. ثم رفعت رأسها وابتسمت ابتسامة لم تصل لعيناها
– طيب ليه حضرتك إن كل واحد يحترم نفسه ويعرف إن بنات الناس دول خطوط حمرا ومينفعش نستتقل بدمنا عليهم ونستخف ونرمي نفسنا ونقل أدبنا
ولا عشان الدكتور له وزنه في المجتمع يرضى بتجاوز اخوه الغير أخلاقي
أووبس.. قالها يونس وهو يطالع شراستها إبتسم تلقائيا على ردها ثم تحدث:
– إهدي حضرتك أنا مقولتش ان عدي مغلطش..
نهضت وتحدثت بهدوء حاولت اكتسابه ثم أكملت:
– حضرتك لو أختي غلطت من حقك تعاقبها بمجلس تأديبي زي ماحضرتك شايف.. لكن تطاول في الأخلاق من الدكتور في حق اختي مش مسموح
وقف يونس مبتسما على شراستها فأقترب خطوة يطالعها بهدوء.. وجهها البرئ وعينيها التي تشبه عين الغزال بلونهما واتساعها.. حدقها لبعض لحظات ثم اتجه لرئيس الجامعة
– اعمل الل باشمهندسة طلبته يافندم.. ولو اخويا غلط يتعاقب.. قالها وهو يرمق ليلى بإبتسامة تسلية ثم خرج
❈-❈-❈
بعد عدة شهور من عمل ليلى بالشركة
خرجت من غرفتها بعد آداء روتينها اليومي
قامت بتحية الصباح على والدها مقبله يديه ثم إتجهت لوالدتها
– صباح الخير ياسمسم… عايزة منك دعوات تهد جبل ياماما النهاردة
شاكستها درة بغمزة:
– ليه ياقلبي ناوية تقابلي صاحب الشركة المبجل ويقع في حب الاميرة
لكمتها في ذراعها:
– بس ياهبلة خليكي في مذاكرتك
عقد عاصم حابيه متطلعا لدرة:
– متقوليش كده تاني يادرة عيب ياحبيبتي الكلام دا
تأسفت درة لوالدها قائلة بأسفًا حقيقًا:
– مكنش قصدي يابابا والله احنا بنهزر
مسدت ليلى على خصلات أختها
– ولا يهمك ياقلبي… ثم همست لها
على فكرة قابلته يابشمهندسة..
جحظت عيناها وأردفت بسعادة
– قولي والله… ولسه ألوووون ياحضرة المهندسة العظيمة
قاطعهم والدهم واردف متسائلا:
– فيه عندك إيه ياليلي النهاردة
ارتجفت عيونها بقلق وأجابت والدها:
– هيختاروا أفضل تصميم للمدينة الجديدة يابابا.. ديكورات لبعض التصاميم ولبعض الفيلل والقرى السياحية
ربت والدها على يديها:
– أنا واثق فيكي ياحبيبتي… حتى لو ماتوافقش على تصميمك خليكي فاكرة إن ربنا عنده الافضل.. وإنك مجتهدة وناجحة
قبلت رأسه وأردفت مبتسمة:
– أكيد يابابا ربنا مايحرمني منك ياحبيبي
اتت والدتها بقهوتها
– خدي اشربي قهوتك ياحبيبتي… على طول مستعجلة… قبّلت خديها:
– معلش ياماما يادوب أنتِ عارفة زحمة المواصلات… والنهاردة أول اجتماع سنوي لمساهمين الشركة ماينفعش أوصل متاخر

في فيلا أسعد البنداري
صباحا على مائدة الطعام
يجلس والدهم ويتحدث بهدوء:
النهاردة الاجتماع السنوي للمساهمين في الفرع الجديد اتجه بنظره لراكان الذي يتفحص هاتفه
– لازم تحضر يابابا… وبلاش عصبيتك كل ماتتقابل مع جدك وعمك ياحبيبي لو سمحت
رفع نظره من هاتفه وإتجه لوالده محاولا السيطرة على غضبه فتنهد متحدثا:
– بابا أن مبتكلمش… بس حضرتك عارف إن جدي بيضغط عليا جامد… ياريت يتعامل معايا في حدود.. هو مالوش علاقة اتجوز ولا لا.. ومن الأفضل مايفتحش معايا الموضوع دا… ثم اكمل مفسرا
– أنا عاقل مافيه الكفاية مش محتاج حد يقولي أعمل ايه…
لم يشعر بنفسه وهو يتحدث:
– الراجل دا عمري ماهسامحه على عمله وتدميره لحياتي
نهض يجمع أشيائه الخاصة عندما تحجرت دموعه داخل جفونه حتى أصبحت ثقيلة
وتحدث دون النظر لوالده:
– أنا بحاول أسيطر على نفسي قدامه صدقني عشان حضرتك بس.. دا اللي مخليني راكان العاقل… أما غير كدا كان زمانه تحت التراب من تلات سنين.. قالها وبخطى متعثرة اندفع خارجا يركض للخارج بلاهدي إلى أن اصطدم بأحدهما
صاح بغضب:
– إيه مش تفتحي.. عقدت ذراعيها أمامها وهي ترمقه بسخرية:
– إظهار إن حضرة المستشار اللي ماشي مش واخد باله.. حضرتك اللي خبط فيا.. قالتها عايدة
زمت شفتيها بملامح جامدة والتوت زواية فمه بشبه إبتسامة محتقرة:
– شوف إزاي وأنا اللي فكرت إنك الغلطانة….. دنى يهمس إليها:
– لمي تعباينك أصل ورحمة أمي هخليكي تشوفِ أيام أسود من لون شعرك.. مع اني مش متأكد من لونه الطبيعي..
رفع بصره لخصلات ذات الصبغة السوداء وأكمل مستهزءا
– انما لونه يامرات عمي… قالها بإستهزاء وخرج بخطوات ظاهرها ثابت ولكنها متعثرة بوخز قلبه من طعنات الأقارب
أسرعت فرح خلفه تناديه
أشتعل نيران الغضب بعينيه ورغم ذلك تحرك ومتجها لسيارته… ولم يعري إهتمام للتي خلفه تحاول اللحاق به
– راكان استنى خدني معاك.. قالتها فرح وهي تتجه إليه
– عديني على النادي عربيتي في التوكيل
أجابها بحاجب مرفوع وزاوية فم ملتوية بإبتسامة هازئة:
– نعم ياختي.. ليه حد قالك أنا بشتغل شوفير الصبح.. قالها وهو يرمقها بنظرة حارقة ثم استقل سيارته وتحرك مغادرا بسرعة جنونيه وكأنه يطارد عدوه
❈-❈-❈
توقف بالسيارة أمام النيل وذكريات الماضي تطارده بقوة
فلاش باك
“منذ ثلاث سنوات”
بإحدى ليالي الشتاء ذات البرودة القارسة كان عائدا من حفل زفاف لإحدى أصدقائه بالأسكندرية هو وابن عمه يونس…داخل السيارة
فتح يونس موسيقى هادئه وهو ينظر لقطرات المطر الغزيرة بالخارج فاتجه لراكان الذي يقود السيارة بحذرا شديدا بسب زخات المطر الشديدة ثم تحدث قائلا:
– بقولك ياراكي ماتيجي نبات هنا في أي فندق للصبح.. الجو وحش أوي يابني وإنت شايف مفيش طيران للقاهرة دلوقتي
توقف راكان بجانب الطريق.. واتجه إليه
– تعالى سوق شويه يايونس وبطل كلام.. أنا عندي بكرة جلسة الساعة تسعة عارف دا معناه ايه.. وطبعا حضرتك مينفعش أكلم اي حد من صحابي قبل قضية تقيلة زي دي بساعات وأقوله اترافع بكرة
ترجل يونس من السيارة وهو يزفر… اتجه سريعا لينجو من قطرات المطر.. استبدل الأثنين مقاعدهما… وفي أثناء سفرهما.. كان راكان يشعل تبغه فقام بفتح نافذة السيارة ينظر للخارج مع تنفيث تبغه
ولكن قطعه منظر ل هروب فتاة من ذئاب بشرية وهي تصرخ.. كانت تهرول بحثا عن النجاة من تلك الأوغاد.. وهي تصرخ وكأنها تقطع أحبالها الصوتية .. حاوطها بعض الشباب الذين لايذكرون لصلة بني البشر سوى أسمائهم فقط..
رفع راكان كفيه يحث يونس على التوقف
– اقف يايونس بسرعة.. توقف يونس فجأة حتى اصطدمت أجسادهما للأمام
-فيه يابني خضتني.. أشار بيديه على الشباب الذين يحاوطون الفتاه ويحاولون التحرش بها
– شوف ولاد الكلب بيعملو في البنت إيه
تحرك يونس بالسيارة
– راكان دول شكلهم مجرمين وإحنا ممعناش أسلحة مش شايف ماسكين أسلحة بيضة للبنت أزاي.. ظل يقود السيارة وهو يرمقه ثم تحدث
– وفيه بنت محترمة تخرج من البيت في الجو دا وفي الساعة دي…تلاقيها كانت متفقة على سعر واختلفوا..فحبت تعمل كدا.. قالها بشبه ابتسامة سخرية
هز راكان رأسه وصوت ضميره يصفعه.. فهناك شعور يؤلمه والذي كان كالسكين ينحر عنقه من مظهر تلك الفتاه وهي تستغيث بأحدهم.. بسط يديه وحول مجرى السيارة سريعا مما أدى إرتفاع صوت صريرها العالى وتهاوى أجسادهما
صرخ يونس براكان:
– أكيد اتجننت مش كدا… أشار بيديه على الطريق..
– ارجع بسرعة يايونس مفيش وقت.. مستحيل أشوف حاجة زي كدا واسكت.. ايه انت معندكش أخت يابني… مش خايف يتعمل فيها كدا
أفرغ يونس شحنات غضبه من ابن عمه وهو يضرب على قيادة السيارة
– مجنون وعايز تموتنا.. أشار راكان بعينيه للطريق دون حديث
اتى يونس لفتح فمه للتحدث.. رفع سبابته أمامه بغضب
– ولا كلمه.. مش عايز ولا كلمة.. امشي بسرعة لسة هترغي… بعد قليل وصلوا للمكان ولكن لا يوجد به أحدا
ترجل راكان من السيارة يبحث بعينيه.. فالمكان مظلم لغياب القمر والنجوم بسبب كثرة السحب السوداء التي تغطي سماء الأسكندرية بالكامل
استدار لكي يعود وبداخله خيبة أمل وصوت ضميره الذي يؤنبه ولكن تسمر بوقفته عندما استمع لصراخها مرة اخرى
تحرك سريعا.. ترجل يونس خلفه وهو يسبه يبحث عنه.. وصل راكان للمكان الذين يحتجزونها به…. حيث يوجد به
نفوس البشر الحيوانية.. انسدلت عبراتها وهي تضغط على جفنيها بألما لأقترابها من موتها الحقيقي لأنثى ستحطم حياتها من تلك الأيادي الخبيثة
حاولت بكل قواها التحرر من قبضتهم
صفعة قوية على وجهها أدت لضعف جسدها بالكامل حيث شعرت بتمزق روحها وعلمت إنها النهاية
رفع أحدهم يديه وقام بتمزيق ملابسها ولكن وجد نفسه طائرا بالهواء… امسكه راكان ثم رفعه للأعلى تاركا اياه يصطدم بقوة بالصخرة حتى شعر بتهشيم جسده
تراجعت الفتاة التي تدعى بشمس للخلف وهي تضم ركبتيها لصدرها وتبكي بشهقات مرتفعة وهي تضع يدها على آذانها كي لا تسمع شجارها… تحمد ربها لأنقاذها في الوقت المناسب
حاوط الثلاث شباب راكان بأسلحتهم البيضاء وكلاً منهم حاول النيل منه ولكن قوته الجسمانيه وتدريباته القتالية ساعدته في تفاديهم.. إنضم إليه يونس وبدأ الأثنين مقاتلتهم بكل قوة.. ولكن رأى راكان أحدهم متجه ليونس من الخلف لطعنه.. فجذبه من تلابيبه وابرحه ضربا وماكان على الآخر إلا أن طعنه.. في هذه الأثناء وصلت الشرطة التي قام يونس الأتصال بهم بعد إصرار راكان على إنقاذها
أسرع يونس لأبن عمه عندما جثى على الأرض وهو يمسك بطنه والدماء تلطخ قميصه الأبيض.. ومياه الأمطار التي اختلطت بدمائه حتى شعر ببركة دماء أسفل راكان… جحظت عيناه وهو يضمه ويصيح بغضب
– قولتلك بلاش.. طالعه وهو يكاد يفتح عينيه
– بطل ياغبي دي مطوة في البطن مش في القلب.. اتصرف.. هو إنت مش دكتور ولا سرقت الشهادة وبتضحك علينا
فحصه يونس وهو يكز على شفتيه بغيظ
– تعرف كان نفسي يقطعوا لسانك اللي بيرمي طوب دا
❈-❈-❈
شعر بالنعاس يداعب جفنيه ولم يقو على فتحهما… حاول فتح جفنيه
فاتجه بأنظاره للفتاه المنكمشة بجانب الصخرة تبكي وهي تطالعهم لم تظهر ملامحها بسبب الظلام وكمية تساقط الأمطار
وقف الضابط أمامهم ويونس يقوم بالأسعافات الأولية… وبعد بعض الأسئلة ووصول سيارة الأسعاف.. رفع نظره ليونس وهمس بصوتا يكاد يسمع
– اخلع الجاكيت بتاعك يايونس.. قام بخلعه سريعا يضعه على كتف ابن عمه ظننا منه أنه يشعر بالبرد
ولكنه أشار على الفتاه التي تقف مع الضابط وهي تلملم ملابسها الممزقة بيديها وتبكي وهي تقص ماصار
فهم يونس مايعنيه.. فأسرع إليها ووضعه على أكتافها وهو يطالع ملامحها الباكية.. كانت فتاة تبلغ من العمر أثنى عشرون عاما
اتجهت إلى راكان ويونس عندما وجدت المسعفون يضعونه على السرير المتنقل
– إنت كويس… قالتها وهي تنظر اليه ودموعها تغرق وجنتيها… شكرا ان شاء الله هتقوم بالسلامة
حدثها يونس بعنف عندما اغلق ابن عمه جفنيه
– بتعيطي ليه… فيه واحدة محترمة تخرج في الجو دا والوقت دا.. قالها وهو يرمقها بنظرات محتقرة.. ثم أسرع خلف راكان الذي دلف لسيارة الإسعاف
بعد فترة من الوقت
كان يونس يقف أمام غرفة العمليات ينتظر الطبيب.. وتجلس الفتاة بجوار والدها الذي اتى بعد اتصالها به وهو يضمها لأحضانه
خرج الطبيب.. أسرع اليه يونس
– ايه يادكتور طمني
– كويس مفيش خطورة الطعنة كانت بعيدة على الأعضاء الحيوية.. هو اتنقل لأوضة ممكن تروحو تشوفوه بعد مايفوق
قالها الطبيب ثم تحرك
جلس يونس يمسح على وجه بعنف يكاد يقتلع جلده
– الحمدلله عدت.. الحمدلله.. اتجه بنظره للفتاة ووالدها وهو يرمقهم بنظرات تفحصية… نهض إسماعيل والد شمس واتجه اليه… بسط يديه ليونس
– أنا إسماعيل.. ابو شمس،
قطب يونس حاجبه متسائلا:
– مين شمس…؟ أشار والدها عليها وتحدث بعرفان
– البنت اللي انقذوتها.. ربنا يبارك فيكم يابني وينجيكم دنيا وآخرة..
شعر يونس بالخجل من نفسه من عتابه على راكان فيبدو أنه تسرع في الحكم فأومأ برأسه
– إحنا معملناش حاجة… أي حد مكانا كان هيعمل كدا… قالها ثم تحرك متجها لغرفة راكان
بعد فترة فتح عينيه… كان يونس غافيا على المقعد بجواره… بينما في أخر الغرفة على إحدى الأرائك.. تجلس شمس بجوار والدها تقرأ بمصحفها… نهضت عندما استمعت إليه وهو يتمتم
– يونس.. ولكن يونس كان غارقا بنومه… اتجهت إليه ووقفت وهي تضم جاكيت يونس عليها وطالعته بعيون مترقرقة وتحدثت بشفتين مرتعشتين
– إنت كويس.. عامل ايه.. أنادي الدكتور
أطبق على جفنيه عندما شعر بألم بطنه وتحدثت بصوتا مرهق:
– إنتِ مين؟ استيقظ يونس ونهض يسأله بلهفة
– راكان إنت كويس.. أومأ بعينيه وتحدث وهو ينظر للفتاة
– مين دي؟… قوس يونس فمه بسخرية وأشار عليها
– دي بنت عم القمر.. قالها غامز بعينيه لراكان.. طالعها راكان كانت تنظر بعينيها للأسفل وتفرك بكفيها..
دنى يونس منه وهمس
– دي البنت اللي حضرتك عملت فيه فريد شوقي وانقذتها.. استيقظ والدها واتجه اليهم
– حمدالله على سلامتك يابني.. مفيش كلمة شكر تعبر عن اللي عملتوه
أومأ له بعينيه ومازالت نظراته تتفحص شمس التي لم ترفع عيناها عن الأرض
فأردف متسائلا
– عملتوا إيه مع الشرطة.. متخافيش منهم لازم تاخدي حقك.. علشان لو كل واحدة سكتت عن حقها في كدا.. هندي فرصة للزيهم يتمادوا
رفعت عيناها التي تشبه مياه البحر فتقابلت عيناهما للحظات حتى ذهب بنومه مرة أخرى
غادرت شمس مع والدها.. وظل يونس بجواره ينتظره حتى يفيق كاملا.. ولكنه غفى بمكانه
أسدلت الشمس ستائر نورها الدافئ ولاتزال سماء الأسكندرية ملبدة بالغيوم تارة تحجب أشعتها وتارة تتغلب على سحبها السوداء فتنير الأرض
اعتدل يونس وهو يمسك عنقه بسبب نومه على المقعد.. نهض يفحص ابن عمه ثم جلس مرة اخرى ينتظر ايقاظه… أمسك هاتفه يتفحصه.. واتسعت عيناه مما رأى
فتح راكان جفنيه وحاول الأعتدال ولكنه تألم.. ساعده على الأعتدال بعض الشئ ثم تسائل
– حاسس بإيه.. أومأ له وأجابه بصوتا مرهق: أحسن الحمدلله.. تليفوني فين لازم أعمل مكالمة ضروري
اعطاه يونس هاتفه وانتظر بعد إنتهائه من مكالمة عمله… ظل يطالعه بنظرات غاضبة
– قول ماتقعدش تبحلق فيا كدا.. ولا أقولك أقوم خلينا نمشي.. أنا مبحبش المستشفيات.. ظل يونس صامتا للحظات ثم تحدث متهكما
– انت عارف العيال اللي اتخنقنا معاهم فيهم ابن المسيري
تجهمت ملامح السخرية بنبرته وهو يسأله
– ومين البتاع اللي قولت عليه دا
ارجع يونس خصلاته للخلف بغضب وتحدث:
– والله العيلة دي ماهتتبرى مني غير من أعمالك دي ياراكان.. استعد لنار جدك لما يعرف.. استعد ياحبيبي.. ولا اقولك ولا كأننا عملنا حاجة ولو حد سألني هقولهم انك اتسممت وعملت تنضيف معدة
ابتسم بسخرية لم يستطع مدارتها وهو يعود بظهره على فراش المشفى للخلف مستندا على مرفقيه
– قوم يابني يلا علشان نروح معرفش مخبوط على دماغك ولا مالك على الصبح.. عكننت عليا الهي ربنا يعكنن عليك دنيا واخرة
نهض وهو يميل عليه هامسًا
– المسيري ياراكان.. اللي انضرب امبارح وعملناله قضية اغتصاب.. انت فاهم معنى القضية ياحضرة النايب.. يعني هيفتح علينا جحيم جهنم وياسلام لو جدك عرف.. دا هنولع قبل مانوصل
هنا تذكر ذاك الرجل.. فحاول النهوض يستند على يونس
– طيب تعالى نمشي… أومأ يونس برأسه
– أحسن برضو .. لكن غريبة راكان يسمع كلامي من غير جدال.. إيه اللي ناوي عليه ربنا يستر
وصل بعد فترة لسيارته بعدما أنهى يونس الأوراق الخاصة بالمشفى
صعد للسيارة بهدوء بسبب جرحه وجلس بصعوبه ثم اتجه بنظره ليونس
– روح على القسم.. عايز أعرف إزاي العيال دي طلعت في قضية أقل حكم فيها عشر سنين
هنا صفع يونس على وجهه وظل يتمتم
– احيه عليك ياراكان… وحياة ربنا أخرتي في العيلة دي على ايدك
نهاية الفلاش
❈-❈-❈
خرج من ذكرياته على رنين هاتفه.. زفر متخذا نفسا ورفع الهاتف
– أيوة ياسليم… تمام.. قالها ثم أغلق هاتفه وقاد السيارة عائدا لمنزله.. وبدأت أنفاسه في الاضطراب وخفقاته تتسارع في سباق حتى شعر بأنه سيفقد وعيه بسب ماتذكره من ماضي مؤلم لروحه
وصل بعد قليل… ترجل من السيارة
قابله والده توقف أمامه
– مش هتحضر الأجتماع ياراكان.. براحتك يابني.. أنا هروح الشركة مينفعش سليم يكون لوحده.. ماهو مينفعش تكون تلات أرباع الشركة من نصيبنا وسليم يوقف لوحده في الأجتماع
وقف أمام والده بجسد مستقيم رغم احزانه التي تحرق قلبه فتحدث بصوت رصين:
– بابا عايز تروح اتفضل .. أنا هنزل بعد شوية..
سحب نفسا وطرده حاول أن يتحلى بالجلد والصمود فخرج صوته معبأ بالألم
– ياريت تكلم جدي يخليه بعيد عني زي ماكان بعيد عني السنين اللي فاتت لو فعلا عايزني أروح الشركة
زفر والده بحزن
– يعني يابني زعلان من جدك وأنت دلوقتي داخل على إتنين وتلاتين سنة يعنى مش صغير زي ماإنت لسة قايل..
هرب اللفظ من بين شفتيه فأخذ نفسا مطولا:
– المطلوب من ابنك اللي داخل الخمسة والتلاتين إيه… قالها عندما أختنق من إصرار والده
مال والده عليه ينظر بحدقيته فتحدث قائلا
– أنا هتنازل عن مجلس الإدارة لحضرتك ياحضرة النايب.. واعمل حسابك مفيش اعتراض.. ماهو تعبي السنين دي كلها ميوقعش في الأرض عشان غضبك من جدك وهتكون جنب سليم لحد مايعرفك مكنونات الشغل ورغم إني عارف ومتأكد انك متابع كل حاجة… بدليل شركتك وارباحها اللي بتذيد
ربت على كتفه وأكمل
– راكان انت الكبير مينفعش سليم يدير الأمبراطورية دي كلها لوحده.. يونس وانت ادرى بعاميله… ونوح يوم في الشركة وعشرة لا
سحب أسعد نفسا وطرده وأكمل بإبانة
– أحنا اكتر ناس هتضرر ياراكان.. متنساش النصيب الأكبر في المجموعة بتاعنا والمعظم عايز المجموعة توقع
زفر بضيق وحنقه زاد بسبب ذاك العمل
فتحرك بعض الخطوات وتحدث
– حاضر هنزل الشركة مع سليم وكمان حضرتك ماتزعلش..لكن لوي الدراع دا بلاش منه تمام …
أستدار بجسده يطالع والده.. ثم أشار بكفيه
– عندي شروط لأستلام المجموعة.. وأولها
– أي غلط من اعمامي وجدي صدقني العواقب هتبقى وخيمة على الجميع على الكل يابابا..مش هرحم حد
– تقصد إيه ياراكان…قالها أسعد
احتدت نبرته وأجابه:
جدي لو فضل مُصّر يفضل مسيطر عليا وعلى اخواتي هطلع القديم والجديد صدقني مش هرحم حد.. خاصة سيلين
تنهد أسعد بحزن وحاول أن يستجديه بعطفه على سيلين فاستغل نقطة ضعفه
– طيب ياحبيبي لو فعلا خايف على اختك من جدك سكته واتجوز بدل مايحط سيلين في دماغه مكانك.. هو اهم حاجه عنده تتجوز
اشتعلت عيناه كجمرتين من اللهب الحارق
وصاح بغضب
– طيب خليه يقربلها وشوف هعمل إيه.. أقسم بالله العيلة كلها ماتكفيني
دنى اسعد منه بعد محاولته الفاشلة
– طيب لو قولت عشان خاطر أبوك ياراكان
تسمع الكلام المرادي بس.. انت يابني على طول كدا.. نفسي أفرح بيك وأشيل ولادك.. ولا شايف دا كتير على باباك
تنهد بحرقة شديدة وغاص في عتمة عناده وأردف بنفاذ صبر
– بابا حضرتك شايف إني في مركزي دا… استنى حد يختارلي شريكة حياتي
ربت والده على يديه وتحدث بهدوء
– انت مش كدا كدا هتجوز ماهو مش معقول هتفضل يابني من غير جواز… خلاص اتجوز اي واحدة تعجبك ياسيدي وجدك يسكت
صمت هنيهة يحاول تمالك اعصابه
– حاضر يابابا هشوف موضوع جوازي دا… بس مااوعدكش حاليا ومش علشان جدي.. لا علشان زي ماحضرتك قولت جه الوقت اللي أعمل عيلة
وقف وتحدث
– انا هطلع اغير وأنزل على الشركة حاضر
قالها ثم تحرك للأعلى
بعد قليل وصل للشركة دلف لغرفة مكتب سليم

– نهض سليم وهو يرفع يديه يادي النور… يادي الهنا، والله الشركة نورت ياحضرة المستشار قالها سليم وهو يرفع حاجبه بشقاوة أمام أخيه.
وقف بشموخ وبخطوات ثابته متجها لغرفة الأجتماعات
– عارف يابني مالوش لزوم أعرفك المكان اللي راكان البنداري بيدخله بيذيده شرف
توقف سليم يقهقه عليه وهو يومأ برأسه ويرفع ذراعيه
– اتفضل سمو الأمير على الرحب والسعة
لكزه بكتفه ورفع حاجبه وأردف بفظاظة
– إسمها اتفضل سمو الملك.. الأمير دا ابني اللي هجيي لما ندفن جدك إن شاء
قوس فمه معلقًا
أصلي خايف لو اتجوزت دلوقتي أجيب ولد شبه.. كفاية عمك خالد.. تلاتة في العيلة كدا ممكن العيلة تولع
توقف سليم ومازال يطلق ضحكاته على اخيه الذي خرج وهو جلس يجيب على هاتفه
تحرك متجها للمصعد ولكن قطعه رنين هاتفه زفر بغضب و توقف للايجاب
– أيوة يانورسين.. أيوة في الشركة خلاص نازل… قالها ثم اغلق قائلا
– بنت باردة.. وعايزة قطم رقبتها… فجأة اصطدم بجسد انثوي مما أدى لتساقط هاتفه
جز على شفتيه السفليه ورمقها بنظره سريعة
– إيه قطر معدي.. براحة هدوسني قدامك
رمقته بنظرة استخفافية.. وتقدمت بخطوات ثابتة بحذائها العالي الذي كأنه يتحرك على جمرات غضبه منها.. عندما لم تعريه أي أهتمام
اغضبه تجاهلها كثيرا فهمس بصوتا:
– يخربيتها دا ولا كأنها شافتني.. لا ودخلت الأسانسير وسبتني
وصل سليم يطالعه باستفهام
– راكان واقف كدا ليه وبتبص على إيه.. هز رأسه وتحرك عندما فتح المصعد
❈-❈-❈
بمنزل عاصم المحجوب
دلفت سمية زوجته وهي تحمل كوب من الشاي الساخن… وضعته بجواره وهو جالسا يقرأ بمصحفه.. أغلق المصحف يطالعها
– فيه حاجة ياسمية.. جلست بجواره وتحدثت بإبانة:
– فيه جمعية قدامي عايزة ادخلها علشان جهاز ليلي ياأبو ليلى البنت معدتش صغيرة وبكرة أبن الحلال يجي وقتها نقوله استنى معلش اصلنا مجهزنهاش
رجع بجسده على المقعد وربت على ساقيها
– ربك يسهل إن شاءالله حبيبتي.. وقتها ربنا هيعنا
قاطعته مستطردة:
– ام محمود بتعمل جمعيات كبيرة وليلى ماشاء الله قبضها حلو ليه نستنى.. اهو ادخل بجزء من مرتبها والباقي يكون لدروس كريم
أومأ برأسه وتحدث بإبتسامته حنونة:
– أعملي اللي أنتِ شايفاه صح ياأم ليلى.. ربنا يباركلي فيك يارب
في شركة البنداري
بعد أكثر من ثلاث ساعات في غرفة الإجتماعات يجلس جميع المساهمين
وقف سليم أمام شاشة العرض الكبيرة وتحدث بعملية:
– طبعا آخر صفقة أخدناها حققت أرباحا هايلة… وزي ماكلكم عارفين المشروع الجديد محتاج مننا أفكار جديدة… للمدن الجديدة اللي صممناها وطلعت بالمستوى الممتاز
اتجه بنظره لشاشة العرض وتحدث بإبانة:
– نيجي مثلا لمدينة ( ) دا تصميمها أكتر من رائع والحمدلله يعتبر خلصنا حجز جميع الوحدات بيها
دلوقتي محتاجين بس نصمم ديكورات جديدة لبعض القرى المحيطة بالمدينة دي
أنا جمعت أفضل المهندسين اللي موجودين عندنا… وكل واحد هيعرض فكرته وبناء عليه هتختاروا فكرة واحد فيهم… ونبدأ نكمل فيها… علشان في الإعلان الاخير عن المدينة نذكر كل المواصفات الداخلية والخارجية.. وبكدا هنكون حققنا أفضل مكسب
اومأ والده وعمه خالد وبعض المساهمين من خارج العائلة بالموافقة
اتجه كل مهندس بعرض فكرته للمنتجع الذي أقامته الشركة من مدن جديدة يحاصرها قري سياحية باحدى المحافظات المطلة على البحر… وضح ثلاث مهندسين افكارهم.. فيما رفع سليم نظره لليلى لتوضح فكرة تصميمها
نهضت ليلى للشاشة وهي ترتدي بدلة نسائيه سوداء اللون وحجاب باللون الوردي… فظهرت بطلتها الخاطفة للقلوب
رآها يونس الذي قام بالتصفير المنخفض
– ايوة هو إنتِ… مرحبا أيتها القطة الشرسة.. وأنا بقول شوفتك فين أتاريكِ في أحضان البندارية
رمقه الذي يجلس بمقابلته بنظرة أخرسته
اتجه ينظر بتمعن لتلك التي تقف بثقة أمام شاشة العرض مع بعض الرسومات التي قامت بتصميمها بدقة عاليه… لتخرج بأجمل صورة وبدات الشرح بطريقة عملية وجذابة للإستماع لوجهة نظرها
أمال برأسه لسليم:
– دي مهندسة جديدة ياسليم ولا بقالها فترة هنا
نظر إليه بصدمة:
– راكان بيتكلم عن واحدة معقول تكون عجبتك… طيب الأهبل دا وعارفينه
أحتدت نظراته ثم رجع بنظراته إليها:
– أنا بسأل ياغبي علشان وقفتها دي وقفة واحدة مخضرمة بعملها مش علشان ملفته ولاحاجة… اهي زيها زي أي بنت مفيش حاجه تميزها
رفع يونس حاجبه ساخر:
– فعلا انت هتقولي… فعلا مفيش حاجه تميزها غير جمالها الهادي الملفت ولا صوتها الكرواني
وقف يونس متجها إليها… يرمقها بنظرة سريعة واتجه بجوارها ينظر للجمع
– أنا شايف إن التصميم دا أحسن واحد… وبدأ يشرح وجهة نظره بعض النقاط الخاصة… وختم حديثه
– طبعا أنا مش مهندس ولا أفهم بشغلكم زيكم بس لو هنيجي نقارن هنشوف دا مثلا
أكمل راكان حديث يونس وهو يرمقه بتحذير
– أنا مع يونس.. ثم وزع نظراته للجميع وهو جالسا بمكانه
وبدأ يشرح بدقة وجهات الاختلاف بين أربع التصاميم… اعتمادا على دقته بوظيفته بأدق التفاصيل
قاطعته نورسين ابنة أحد الشركاء
– بس أنا اختلف معاك ياراكان وزي ماإنت قولت إنت مش مهندس… أنا كعملي بقول إن تصميم عامر أعلى… دا تحسه Simple أوي والطبقات الراقية عايزة حاجات تانية… ولا إيه ياعمو أسعد
اتجه أسعد بنظراته لراكان الذي يجلس بهدوئه وكأنه يعلم بأجابة والده
– أنا مع راكان ثم توجه لسليم
وبما إنك المسؤل ياسليم مقولتش رأيك… وقف سليم متجها إليهما
وبدأ يشرح وجهة نظره هو كذلك… وافقه عمه خالد ومعظم الموجودين سوى نورسين التي نظرت لليلى بحقد على أشادة الجميع بعملها
اتسعت ابتسامتها عندما أشادوا بعملها…
رفعت بصرها لراكان فتلاقت أعينهما سريعا فشرد للحظات يتأمل حدقيتها الواسعة.. ولكن ذهب بشروده لأمواج بحره الذي غُدر قبل الوصول لشاطئه… أستفاق سريعا عندما استمع لبعض المناقشات حول التصاميم الهندسية الأخرى
اتجهت ليلى لتجلس بمكانها
أومأت بنظرها إليه تشكره على رأيه
– شكراً لحضرتك
هز رأسه وهو يطالع بعض الأوراق بيديه
وتحدث بصوتا رصين ولم يلتفت إليها
– مفيش داعي للشكر.. إنتِ عملتي شغلك كويس، فاحنا وافقنا على أجمل تصميم
ثم رفع بصره وحدق بمقلتيها:
– كان الأفضل تتأسفي مش تشكريني ياحضرة المهندسة..
تصاعد الغضب بداخلها فتحركت تجلس بجوار زميلتها والغيظ يتآكل داخلها فطالعته مرة أخرى وهو جالسا وكأن مايدور حوله لايعنيه فأردفت
– عامل زي الطاووس دايماً فعلا واحد مغرور
اتجه سليم على الطاولة التي توجد بها المخطوطات.. بعد خروج المشاركون إلا من بعض المهندسين المسؤلون عن العمل
آشار سليم إليهم جميعا للتوجه للطاولة
وقف سليم بجوارها ونوح الذي اتجه لمكان تواجدهم على التخطيط الهندسي
عقد نوح حاجبيه وهو ينظر إليهم وهم يتحدثون عن التصاميم الموجودة أمامهم
فجلس أمام راكان وهو يرمقهم
– أنا ماليش في شغل الهندسة ياراكي.. تحس أنه معقد سبحان الله ماليش غير في الذوق الجميل
استدار راكان وأجابه:
– بالعكس يانوح الهندسة حلوة وعملية جدا..وكل ماتتعمق فيها تحبها أكتر،.. ربنا يسامحه اللي كان السبب
ذهبت ذاكرته لذاك اليوم
(فلاش بالك)
ضمته زينب بحب ودموعها تتساقط عبر وجنتيها:
– ألف مبروك ياحبيبي.. مش عارفة أوصلك فرحتي إزاي يابني.. ربنا يوفقك ويسعدك دايما ياراكان زي ماأسعدتني بنتيجة النهاردة وتكون الأولى على دفعتك.. الفرحة مش سيعاني.. وخصوصا إنك هتحقق هدفك وتدخل الكلية اللي بتحلم بيها… مش كدا ياباشمهندس
اتجه توفيق بنظرة باردة إليه
– جهز نفسك بقى علشان تدخل هندسة.. وتتعلم كويس وسيبك من أحضان زينب اللي مش هتاخد منها غير الضعف.. ثم صاح بغضب بها
– ابعدي عن الولد يازينب انتِ نسيتي نفسك ولا إيه… متنسيش إنه كبر دلوقتي وبقى راجل.. مش طفل علشان تاخديه في حضنك كدا
بكت زينب بنشيج وشعرت بدوار يضرب رأسها من كلمات توفيق السامة.. فاجابته بشفتين مرتجفتين
– أنا ياعمي هعلم ابني الضعف.. وعايز تحرمني اني اضمه لصدري
رمقها بغضب ونهض وهو يطلق لها نظرات نارية
– انتِ بتردي عليا يابنت الحصري ورفع يديه حتى يصفعها ولكن توقف راكان أمامها وتلقى الصفعة مكانها
توسعت أعين توفيق من فعلة حفيده فصاح بغضب:
– إنت عملت إيه ياولد… ابتلع ريقه بصعوبة وهو يضم والدته ثم قال بهدوء مفتعل:
– لو شوفتك بتعمل كدا ياجدي في أمي وأسكت يبقى مااستهلش أكون ابنها.. يبقى أنا واحد جاحد عاصي لبر الوالدين…
نظر بداخل عينيه ولأول مرة تمرد على جده فتحدث:
– وقبل ماتقول اسطوانتك كل مرة هتفضل أمي نور عيني لأخر لحظة في حياتي… قالها وهو يشدد على كل كلمة تخرج من بين شفتيه وكأنه قاصدًا إستفزاز جده
صفعة أخرى هوت على وجنتيه وصاح بغضب به… صرخت زينب بأعلى صوتها
– “راكان” رفع نظره إليها نظرات جحيميه فأخرصتها ثم لوح بيديه:
– هستنى من تربية زينب إيه غير واحد عديم التربية زيك.. هي بنت الحصري بتعرف تربي… رفع سبابته
– أسمع ياولد متفكرش نفسك علشان خلصت الثانوي هتكون كبرت عليا.. إنت هتعمل اللي هقوله وبس وإياك تاني توقف قدام جدك بعدم إحترام
هتجهز ورقك وتقدم في الهندسة ودا أمر من توفيق البنداري وخلي بالك عيني عليك
وصل أسعد اليهم يوزع نظراته بينهم
– مالكم واقفين كدا ليه… رمق راكان جده
– بابا أنا مش هدخل هندسة… صاعقة أصابت زينب وهي تهز رأسها بالرفض لما نطقه راكان… بعيون مترجيه
– حبيبي متخليش انفعالك يخليك تاخد قرارت تندم عليها طول عمرك وأنت بتحلم بالهندسة
نظر بداخل عين جده وأردف بإصرار:
– كان زمان ياماما دلوقتي لا قالها بصوت مرتفع
قهقه توفيق بسخرية فأردف:
– ومين اللي هيخليك تعمل كدا ياولد.. دنى من والده ونظر إليه
– بابا.. وأنا وغير كدا محدش له سلطة عليا
نهض توفيق سريعا يحاول الفتك به ولكن توقف أسعد أمام والده
– بابا لو سمحت حضرتك بتعمل ايه.. حضرتك شايف إن راكان طفل علشان تضربه
– لا متخافش من الحتة دي يابابا لان جدي قام بالواجب وزيادة.. أنا مش هدخل هندسة ودا أخر كلامي.. قالها ثم اتجه يقبل رأس والده يطالعها ملامحها الحزينة بأسف:
– سامحيني نوع الكلية مش تقييم للأنسان ياماما.. تقييم الأنسان بنجاحه اللي بوصله
قالها ثم تحرك للأعلى
خرج من ذكرياته وتلألأ الدمع بعينيه وقف سريعا متجها لشرفة الغرفة وأخرج تبغه ينفثه بدخان غضبه الماثل بصدره
❈-❈-❈
جلست ليلى مع زميلتها وزميلها عامر وبدأو يتحدثون عن التصميم ويطبقون الملاحظات.. ابتسم عامر على ذكائها
– فعلا ليكي حق يادكتورة انك ماتحبيش شغل الجامعات…
امسكت قلمها وبدأت ترسم خطوط عريضة وتتحدث وهي تعمل
– لو اشتغلت في الجامعة هفضل دكتورة بدرس للطلبة من غير تجديد… رفعت نظرها له وأردفت مفسرة:
– يعني روتين ممل… أما شغلي الحر دا بيحب الإبداع والتغيير.. وكمان ممكن أدرس حاجات كتيره وأطبقها فهمتني
صفق بيديه وأردف مهنأها بسخاء:
– برافو ياليلى.. اقترب وهمس لها تسمحيلي أقولك ياليلى بدون ألقاب
قاطعهم سليم:
– عامر شوف التصميم دا وراجعه كويس مع نورسين
اومأ عامر برأسه وخرج وهو ينظر لليلى
– هستناكي في مكتبي
استغربت حديث عامر… ورغم ذلك نظرت لبعض الاوراق التي توضع أمامها
كان يقف بجوار النافذة يراقب مايحدث مرة و ينظر لمرور المارة بالخارج… وهو ينفث تبغه.. سالت قطرة ضعف من عينيه على ذكرياته المؤلمة
رفعت نظرها إليه وكأنها ترسمه بملامحها
شخص هادي بملامح غامضه.. ملامح يكسوها الوجوم..ملامح ثابتة جامدة على عكس طلته الجذابة… شعره الناعم الغزير مع لحيته … ولون عيناه التي تتغير بتغير ملامح وجهه… اقتربت نورسين منه وهي تضع يديها على ذراعه
– الشركة نورت ياراكان… مصدقتش لما يونس قال إنك هتنزل وكمان تستلم الشغل
التزم صمته وهو ينظر للخارج.. أما هي فقد راق لها التقرب منه والتلذذ بملامحه الرجولية التي توصف بوسامتها… رفعت كفيها تلامس وجنتيه
تراجع للخلف وهو يرمقها شرزا
– اتجننتي إحنا في المكتب بين الموظفين
توسعت إبتسامتها:
– سعيدة أوي بوجودك ياراكان بجد
رفع حاجبه ورسم بسمة سخرية:
– افهم من كدا إنك مبسوطة من وجودي… اقتربت وطوقت ذراعه وهي تقترب منه حتى أصبح لا يفصل بينهما انش واحدًا
– أوي ياراكان إنت عارف أنا بتمنى كدا من زمان
مط شفتيه للأمام وناظرها بهدوئه الغامض ثم رفع يديه يزيح خصلاتها المتمردة من على كتفه
– هنشوف يانور… قعدتي في الشغل هتعمل إيه
تحركت ليلى متجهة سليم عندما أشار بيديه إليها:
– شوفي المنتجع دا عايزه عالمي… حاجة تخص اسم البنداري…
أمسكت بعض المساحات التي عرضها سليم أمامها
– تمام هشوف الباشمهندس عامر ونشتغل عليه
قاطعهما راكان ونورسين
– سليم أنا هروح على المكتب بس بلاش شغلك انت ويونس وتلمولي شغل الشركة كله وتعملوا عليا خبراء،
جذب التصميم من يد ليلى
دا بتاع نورسين مش كدا… اتجهت نورسين له وابتسمت ثم تحدثت بفخر
– والله ماهو إنت عارف أهو..
– شوف ياسليم التصميم دا مش عاجب اخوك بتاع القانون.. ثم توقفت تنظر له
– انت عرفت إزاي صحيح.. دا من بين تصاميم كتير
تحرك وهو يتحدث
– نور أنا مش مجرد كرسي بتفرج على الموظفين عارف كل واحد بيعمل إيه… أوقفه سليم
– إستنى ياراكان.. لسة بيظبطوا لك المكتب مكنتش عامل حسابي أنك هتداوم النهاردة.. خليك معايا هنا لحد مايخلصو
جذب مقعد بجوار سليم وجلس دون حديث
دلف المهندس المختص بالتنفيذ
– مهندسة ليلى ممكن حضرتك تيجي نتناقش التصميم
أشار له سليم
– تعالى هنا ياآسر نراجع مع بعض… علشان من أول الاسبوع نبدأ التنفيذ،
جلس آسر وبدأ يعترض في بعض النقاط… اتجه سليم اليهم
– بعدين نشوف أنا تعبت… اعتذرت ليلى
– لازم نخلص مش معقول تصميم الانتهاء هياخد أكتر من شهر
كان يطالعها بعمق
– فتاة ذكية منمقة بعملها… حاصلة على أعلى الدرجات… واثقة بنفسها بدرجة عالية أسلوبها وحديثها وإقناع الغير بوجهة نظرها.بطريقة سلسة .. ناهيك عن حجابها الذي اعطاها هالة من النور… قطع شروده بها عندما تحدث آسر
– ليلى عندها حق.. رفع بصره لأيمي المهندسة الأخرى.. ممكن ناخد ريست ونكمل..
وصل يونس إلى مكتب سليم وهو يرمق ليلى
– سليم أنا ماشي.. عندي عمليات كتيرة وماليش في جو العكننة دا
قالها ومازالت نظراته مثبة على ليلى..
– استنى يايونس فيه موضوع مهم لازم نتكلم فيه..
قطب جبينه وتسائل:
– هتتأخروا يعني… رفع نظره لساعته
– نص ساعة بالكتيير.. تنهد ثم جلس بجوارهم وهم يتناقشون… انتبه يونس لحديث ليلى.. فابتسم وتحدث:
– بقولك يا… قالها يونس وهو يطالعها بهدوء… رمقته ليلى بإستخفاف وأجابته
– “اسمي ليلى”
طيب يابشمهندسة ليلي ممكن تبعتي التصاميم لمكتب المهندس التنفيذي وسليم هيتعامل وزي ماقولتي مش معقول هنفضل علشان حتة انتهاءمن تصميم اليوم كله غير اني جوعت والله… أنا بقول نطلب بيتزا ايطالي… واقعد اكلها هنا معاكم وأسك على العمليات النهاردة
❈-❈-❈
في الجامعة وخاصة كلية الهندسة
– خرجت من المدرج مع صديقتها أروى
الحمد لله كنت خايفة أوي من موضوع عدي البنداري لولا دكتور نور ربنا يباركله يارب انقذني… وطبعا ليلى شغالة عندهم ربنا يستر.. واحد مستفز.. لازم أروح أشكر دكتور نور
ضحكت أروى مازحة
– ليكون معجب ياغزال… لكمتها بكتفها
– عيب ياأروى ماتقوليش كدا مهما كان دا دكتور…. اتجهت الفتيات إلى الكافتيريا
جلستا مطالبة مشروبهما الذي هو عبارة عن قهوة سريعة التحضير الكابتشينو
اتجهت مها طالبة من فرقتهما
– أهلاً يادرة عاملة إيه… سمعت عنك كل خير النهارده
رفعت درة نظارتها الطبية وتحدثت
– “فيه إيه يامها مالك ؟”
جلست أمامها واضعة ساق فوق الأخرى
إلا نور يادرة… سبتلك شباب الدفعة كلهم وبما فيهم عدي البنداري
ضيقت درة عيناها ونظرت لأروى رافعة اكتافها
– مالها دي ومين نور دا…!!
وقفت مها مردتية حقيبتها
– متستهبليش يادرة مش علشان إنتِ حلوة شوية تتغري بنفسك فيه أكتر منك حلاوة ياقلبي… أنا بحذر مرة واحدة.. شاوووو
في شركة البنداري
اتجه راكان إليهم بعد ساعتين.. بعد تركهم وذهابه لعمله بمكتبه… ذُهل من إستمرار عملهم…
– سليم لسة كتير؟
أشار سليم بالجلوس وهو مازال يتحدث بالعمل
جذب المقعد وجلس بجوارها…أرتفع صدرها بشهيق طويل من قربه ورائحته انفاسه الممزوجة بتبغه وعطره.التي تسللت لرئتيها حتى منعت تنفسها
– شوف ياسليم الوقت وإحسب عليه وحاول الشغل كمجموعة بلاش الفردية دي… أنا شايف كل مهندس شغال على حدة
كانت ترمقه بين الحين والحين بنظراتها التقييمية.. فأجابت عن كلماته وهي تنظر لسليم
– حضرتك كل إتنين شغالين على تصميم معين
نظر إليها صامتا وانتظر حديث سليم
– إحنا يعتبر اوشكنا ياراكان
نهضت توضع التصميم أمام سليم… فكانت قريبة منه حتى لامست ثيابها وجهه
– أنا خلصت شغلي المطلوب حاليًا وممكن أكمل الباقي في البيت ياباشمهندس … حضراتكم ممكن تشوفوا المناسب تدخل آسر
– خلاص ياليلى… انتِ خلصتي الجزء الأكبر وأنا ممكن أساعدك في الباقي في البيت.. وهخلي عامر يراجع بتاع المهندسة نورسين
نهضت وهي تلملم أشيائها.. عندما أذن سليم إليهم بالانصراف.. تحركت ولكنها نست هاتفها بجواره على الطاولة.. ولكنها تسمرت فجأة
– “ليلى” قالها راكان.. متجه بنظره وهو يرفع يديه بهاتفها… فتحركت إليه ونبضاتها تتخبط بعنف بين ضلوعها وكأن قلبها سيخرج من صدرها… جذبت الهاتف من يديه وأردفت
– شكرا لحضرتك يافندم… أومأ برأسه دون حديث
كان سليم جالسا على مكتبه وهو يرمق يونس بنظراته الغامضة
– هتفضل هلاس لحد إمتى.. مالك ومال ليلى!!
غمز بعينيه لسليم واتجه بجوار راكان يربت على ساقه:
-نورت الشركة والدنيا كلها ياراكي انما مقولتليش:
– إيه رأيك في الشغل ياحضرة المستشار
رمقه سليم بغيظا عندما تجاهل سؤاله
رجع راكان برأسه للمقعد وأغمض عيناه
– أنا بزهق بسرعة من شغلكم دا… دلف العامل بقوتهما
– وضع القهوة وتحدث
المهندس آسر بيقول لحضرتك هيخلص الشغل بتاع المهندسة ليلى..وهيبعته لحضرتك
عند آسما بالمزرعة
كانت تتحرك بين الخيول هي والدكتورة البيطرية عاليا ويتحدثون عن احتياجهم
توقفت أسما عندما استمعت رنين هاتفها.. ابتسمت حينما وجدتها ليلى
– لولة حبيبتي وحشتيني أوي كدا من يوم حفلة نوح ماتقبلناش… كانت ليلى تستقل سيارة أجرة عائدة لمنزلها:
– وإنتِ كمان ياأسومة وحشتيني أوي.. آسفة ياباشمهندسة.. وقتي بقى ضيق بس وعد هحاول أعمل أجازة و اقضيه كله في المزرعة وأهو اقعد مع نوح شوية..
سحبت نفسا طويلا وزفرته ثم تحدثت
– أسما أنا قابلته النهاردة .. قطبت أسما حاحبها وأردفت متسائلة:
– هو مين دا اللي قابلتيه ياليلى
نطقت بصوتا ممزوج بمشاعرها التي جاهدت طويلا لدفنها بداخلها
-“راكان”يا أسما اتقابلنا النهاردة

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عازف بنيران قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى