روايات

رواية ظننتك قلبي الفصل السابع 7 بقلم قوت القلوب

موقع كتابك في سطور

رواية ظننتك قلبي الفصل السابع 7 بقلم قوت القلوب

رواية ظننتك قلبي الجزء السابع

رواية ظننتك قلبي البارت السابع

ظننتك قلبي
ظننتك قلبي

رواية ظننتك قلبي الحلقة السابعة

الحياة خطوات تبعُد وتقترب ، خطوة تدفعنا نحو السعادة وأخرى تزجنا في الهاوية ، لكنها تبقى مجرد خطوات تبدأ دومًا بالخطوة الأولى …
تلك الخطوة التي إذا تخطيتها لم يعد هناك مجالًا للتراجع ، خطوة تنزلق بعدها أقدامنا بالطريق الذى إخترناه ..
فياليت الخطوات تُقرب المسافات بين القلوب فلو كانت المسافات تُباع لكنت إشتريت أقربها إليك ..
بيت المستشار خالد دويدار …
بعد الإنتهاء من تجهيز كل تلك الأصناف الشهية من الطعام والتي قامت “منار” بتحضيرها دون مساعدة بالطبع إلا من لمسات بسيطة من الثلاث فتيات اللاتي ملأن الأجواء بإنتعاشة وليونة غير معتادة على هذا البيت الذكوري البحت …
خرجن من المطبخ وكلا منهم تتحدث بأريحية تامة بينما كانت “مودة” أكثرهم هدوءًا وصمتًا ، ليس لأن تلك عادتها فهي بعيدة عن ذلك تمامًا بل لأن ما تشعر به هو بُعد المسافات بينها وبين من سرق قلبها بلا منازع لكن للأسف رغمًا عنها …
رغم بساطتها وروحها المرحة وإستقامتها المشهود لها كأختها تمامًا إلا أن هذا العشق الذى أحيا قلبها مرفوض تمامًا من عقلها ومن المجتمع ككل رغم عدم تصريحها به لأى مخلوق حتى “غدير” لم تخبرها بالأمر مطلقًا فهي تعلم مسبقًا رد فعلها إذا علمت بذلك ، لتخفي عشقها بأسوار قلبها المنيع وتستجدي عقلها بالتصرف فهذا القلب الذى يهوى لا تملكه بين يديها بل سرقه منها هذا الواقف بغرفة المعيشة دون سابق إنذار …
تطلعت “مودة” بعيون يملؤها الشوق لرؤية “رؤوف” الذى إتسعت إبتسامته المرحبة بحفاوة بوجود أخرى ، نظرات لا تشملها بل تتجه نحو من تستحقها “نيره” فهي خطيبته والتي من المفترض أن يتم زواجهم بعد شهور قليلة …
دقات متضاربة داخل صدرها يعلن إشتياقها وحبها له لكنها عادت ونكست عيناها تنشغل بأى شئ حولها حتى لا تفضحها نظراتها العاشقة المتيمة ….
كم هو مؤلم قاسي شعور المحب من طرف وحيد ، كمن أمسك الجمر بيداه ليغرسه بقلبه متعمدًا ، وكيف متعمدًا بل هو مجبر على ذلك دون إرادته …
تابعت بصمت حديث المحيطين من حولها دون التدخل تؤثر البقاء هادئة حتى لا تظهر أى مشاعر تجاه “رؤوف” الذى بدأ حديثه ..
_ التجمع ده مخلي البيت حاجة تاااانيه ، ما .. تبقوا تيجوا كل يوم …
قالها بغمزته اللطيفة التى سرقت قلبها لتبتسم للطفه وحديثه المنمق لكن الرد كان من “نيره” …
_ أنا لولا طنط “منار” وأونكل “خالد” مكنتش جيت النهاردة ، إنما إنت .. تؤ .. لأ …
قالتها تستفزه بحديثها الذى يشوبه بعض الجدية رغم ما تظهره من مزاح ، لتكون إجابته برومانسية تمثيلية دبت بغيره بقلب “مودة” وهى تطالعهما معًا …
_ وأهون عليكِ برضة ، ده أنا “أوفه” … حبيبك ( أنهى جملته بغمزته التى أطلقت ضحكة “نيره” برضا )
_ يعني … شوية ( ثم أوضحت ببعض التحذير) .. شوية صغيرين وبس ، وإنت فاهم …
أمال بجذعه نحو الأمام بإيمائة مسرحية وهو يسند كفه فوق صدره ليقوم بالتحية والإنصياع لأمرها …
_ وإحنا نطول ، تحت أمرك يا فندم …
قطع حديثهم صوت “خالد” الذى تقدم نحوهم للتو …
_ مش كفاية رغي ولا إيه ؟!! ( ثم وجه حديثه لـ”منار” ) .. هو إحنا مش حنتغدي ، أنا جوعت …
أمالت “منار” رأسها قائلة …
_ حالًا أهو ، يلا يا بنات نحط الأكل …
خرجت “غدير” عن صمتها بإتساع حدقتيها برفض تام …
_ لاااااا ، ولا يمكن أبدااا ، “عيسى” لسه مجاش ، مش واكله من غيره أنا …
تطلع “خالد” تجاه ساعة الحائط التى إقتربت عقاربها على الخامسة ..
_ الساعة خمسة ، هو منزلش ليه لحد دلوقتِ …؟!! ولا هو غاوي يأخرنا وخلاص …
رفعت “غدير” إصبعها وهي تتراجع نحو باب الشقة بعجالة …
_ ثواني بس ، حروح أجيبه من قفاه وجايه ، إوعوا تاكلوا ، ده أنا أصور لكم قتيل هنا … أنا جايه على طول …
فتحت الباب لتخرج راكضة درجات السلم بينما تعالت ضحكات الجميع على روحها المازحة خفيفة الظل …
دلفت “منار” نحو المطبخ مرة أخرى لتتبعها “نيره” التى تورطت بمساعدتها رغمًا عنها لغياب “غدير” بينما تناست “مودة” نفسها وهي مازالت متحجرة تطالع إبتسامة “رؤوف” التى أظهرت مقدمة أسنانه بشكل طريف للغاية …
لم ينحي “رؤوف” عيناه عنها أيضًا فهي ضيفتهم وأخت زوجة أخيه اللطيفة ، كما أن طبعه المجامل معسول الحديث لن يترك فرصة مع فتاة جميلة كـ “مودة” دون إنتهاز تلك الفرصة خاصة بعد عودة والده لداخل الغرفة بإنتظار تحضير الطعام …
_ عامله إيه يا “مودة” …؟!
تسارعت ضربات قلبها بقوة فقد خصها بحديثه ، إنه يتحدث معها ، يا لسعادتها الآن ، تشعر بأن قدميها لا تلمسان الأرض فقد كادت تطير من فرط سعادتها ، لقد تقدمت بخطوة فى طريق يجمعهما معًا ، كلماته التى سببت لها إضطرابًا جعلها تدفع بخصلة شعرها الأسود الناعم خلف أذنها بإرتباك …
_ أنا … أنا كويسة ، كويسة خالص …
_ إنتِ آخر سنة فى الكلية السنة دى صح ؟!!
_ أيوة ، آخر سنة ، بس ممكن أعمل دبلومة بعد ما أخلص …
جلس فوق مسند أحد المقاعد العريضة وهو يسند ذراعيه أحدهما فوق الأخر بجاذبية فاهت لها “مودة” بقوة ليستكمل حديثه معها بلطافة لم تماثلها شئ بحياتها من قبل …
_ دبلومة ؟!! ده إنتِ شاطرة بقى ، وعايزة تعملي الدبلومة فى إيه ؟!!
نطقتها بعفوية فهي تتمنى أى شئ يدفعها لقُربه …
_ فى الأدوية ، المجال ده بحبه أوى ، ممكن أخد الدبلومة دى فى كلية علوم ، نفسي أوى أشتغل فى مجال الأدوية والحاجات دي …
_ حلو أوي ، ده حتى ممكن ساعتها أدور لك على شغل فى الشركة معانا …
نطقتها بروحها قبل عقلها ، لو تمعن قليلًا لأدرك عشقها الذى يفيض من قلبها وعيونها التى هامت به دون سيطرة …
_ يا ريييت …
_خلصي إنتِ بس وسيبي موضوع الشغل ده عليا ، ماشي يا جميلة …
قالها معتادًا على حديثه المعسول وطريقته المغازلة الطبيعية دون أن يخصها بذاتها ، لكن وقع كلمة (جميلة) على مسامعها جعل شفتيها تنشقان عن إبتسامة عريضة فقد رآها جميلة ، لقد لفتت نظره إليها لتنكس عيناه بخجل ..
_ ميرسي …
أهلت “نيره” بعينان تدقان شررًا وغيرة من حديث “رؤوف” مع “مودة” وإستماعها لآخر كلماتهما لترمق “مودة” بنظرة إحتقار وإشمئزاز جعلتها تنتفض بوقفتها لتعتذر من وجودها قبل أن تنسحب مسرعة نحو المطبخ ..
_ بعد إذنكم أااااا … أساعد طنط جوه …
دلفت “مودة” بإرتباك شديد تلوم نفسها على إنسايقها خلف قلبها الذى أصبحت لا تسيطر عليه برفقة هذا الشاب ، بينما عادت “نيره” بنظراتها الغاضبة تجاه “رؤوف” تحدجه بقوة متسائلة بإستنكار …
_ إيه اللي بيحصل هنا ده …؟!!
أجابها بدون إدراك لمقصدها فهو كان يتحدث بطبيعته ..
_ بيحصل إيه ؟!! مالك ؟!!
وضعت الأطباق التى كانت تحملها عن يدها فوق طاولة الطعام ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وهي ترفع حاجبها الأيمن بإستنكار شديد …
_ قعدتك إنت والهانم بالشكل ده ، وكلامك معاها ، إيه يا “رؤوف” مش حتبطل طريقتك ونحنحتك دى مع كل بنت تشوفها ؟!!
رفع كفه مندهشًا من حديثها ..
_ إنتِ بتقولي إيه ..؟! أنا بتكلم معاها عادي يعني ، متنسيش إنها أخت “غدير” ، باخد وبدي مع ضيفة فى بيتنا ، ولا لازم أبقى قليل الذوق ..؟!!
_ لا يا حبيبي ، إنت متبقاش قليل الذوق ، يا سلام ، بنت وفي بيتكم تسيبها فى حالها ، إزااااى ؟!!!
قالتها بتهكم من تصرفاته الراعنة التى ضاقت لها ذرعًا …
بلحظة شعر بغضبها و حِدتها التي ستقضي على الصفاء بينهم ليسترسل بحديثه الناعم ليثنيها عن أفكارها الغاضبة …
_ إنتِ غيرانه يا روحي ، هو فيه زيك إنتِ فى قلبي يا قلبي ، ده إنتِ كِريمة حياتي وسكر أيامي كلها …
رغم ميلها للتغاضي عن أفعاله لطريقته الناعمة معها إلا أنها أجابته بإشمئزاز …
_ ما إنت اللي طفس ، بتسيب الكِريمة وتروح للمخلل …
_ وأنا أقدر برضه …
_ يا خوفي منك ، إنت رهيب وأنا تعبت منك ، إيه ، مبتفوتش أبدًا ، لازم كل بنت تشوفها تسبِل لها كدة ؟!!
_ حبيبة قلبي ، أنا بس بجامل مش أكتر ( ثم غمز غمزته قائلًا بتغزل ) … إنتَ اللي فى القلب …
ثم أطلق قُبلة فى الهواء جعلها تخجل من تصرفاته المراهقة فربما يراهما أحد ..
_ “رؤوف” !!!! بس …
_ عيون “رؤوف” .. إيه … مش كفاية زعيق زعيق ، مفيش شوية حنان لـ” أوفه” ؟!!
_ بس يا “رؤوف” .. أنا مش بتاعة المياعه دى …
________________________________
بالطابق التالي لشقة “خالد دويدار” فتحت “غدير” باب شقتها بمفتاحها الخاص لتدلف بخطواتها الرشيقة السريعة نحو الداخل تبحث بعيناها الواسعتان عن “عيسى” والذى لم يظهر بعد بعزيمة والديه بشقتهم …
لم تنتظر رؤيته بل أطلقت ندائها الشقي باحثة عنه …
_ “إيسوووووووووو” …. “إيسوووووووو” .. إنت فين يا “عيسى” .. إنت فيـــــن ؟!   “دورا” بتدور عليك ، يااااا “عيــــــــسى” …..
أقبل نحوها خارجًا من غرفة المعيشة والتى تحتوى على مكتبته الخاصة التى يحتفظ بها بكتبه وأوراقه الهامة ، علت ملامحه تلك البسمة بأريحية شديدة لرؤية تلك المنتعشة التى تخرجه من توتره وتحجره لعالمها الملئ بالحيوية والحياة ….
_ أنا هنا يا “دورا” …
لو كانت الدنيا خالية تمامًا إلا منه هو فقط فهذا يكفيها ، لقد أصبحت حياتها كلها “عيسى” وهو فقط ، لا تهتم لسواه ولا تعشق سوى رؤيته ، لا تتلذذ بطعم الحياة إلا وهو قريب منها …
أسرعت تجاهه يملؤها الشوق لغيابها عنه لتلك الساعات القليلة بشقة والديه لتركض كطفلة صغيرة تبحث عن أمانها وسكنها ، لم يكن منه سوى إستقباله لمالكة قلبه و كيانه وهو يفتح ذراعيه عن آخرهما يلتقطها بينهما يحيطها بتشبث مغمضًا عيناه براحة حين سكنت بين أحضانه بهدوء …
تلك الحالة الوحيدة التى تستكين بها “غدير” بوداعَه ، لحظات تغنيها عن العالم بأسره ، لحظات يتمناها “عيسى” لتربت على حياته القاتمة بوجودها …
فتح عيناه متسائلًا ببسمة خفيفة ..
_ وحشتيني …
رفعت عيناها تجاهه وهى تحاول أن تتشدق بعنقها لربما تصل لكتفيه ثم أجابته بنظرات هائمة بعيناه الجذابتين …
_ إنت وحشتني أكتر ..( ثم قلبت شفتيها بدلال معاتبة إياه ) .. لو كنت وحشتك كنت نزلت من بدرى تقعد معانا !!!
_ أنا مش عايز أقعد مع حد غيرك ، عايزك إنتِ وبس …
شعرت “غدير” بنبرة حزينة بصوته الرخيم لتنتفض بقلق تجول بمقلتيها بداخل خاصتيه لعلها تستكشف ما سبب ذلك الحزن ..
_ مالك يا “عيسى” ؟!! إيه إللي مزعلك ؟؟!
مسح رأسها بحنان يزيح خصلاتها المموجة عن جبهتها متعمقًا بعيناها اللاتى تضيئان حياته ثم أردف بغموض معتاد ..
_ عمري ما أزعل وإنتِ معايا ، إنتِ بس وحشتيني …
_ مش مصدقاك ، قول على طول متلعبش بأعصابي …
تنهد “عيسى” من كاشفة أمره ، هى الوحيدة التى أصبحت قادرة على قرائته ككتاب مفتوح مهما حاول إخفاء ما بداخله …
_ شوية أحلام بقالي كام يوم بحلمها مش عايز أحكيها ، بس مضايقاني أوى …
فهمت قصده بعدم قص تلك الأحلام المزعجة حتى لا تحقق فالأحلام على جناح طائر تفسر كما تقص لتبدل الأمر بمزاحها لتخفف عنه أفكاره وإحساسه بالضيق …
_ بتحلم بمين من ورايا يا “إيسو” .. إوعى تكون بتخوني بتخوني يا عم حسام …
قهقة “عيسى” بخفة لكنه مازال قلقًا من تكرار تلك الأحلام بالفترة الأخيرة والتى كانت كلها تشير لأمر واحد بُعده عن “غدير” …
_ هو إنتِ عمرك ما حتتكلمي جد ..؟!!
_ وأتكلم جد ليه ، خلينا نفرح وننبسط ، هو إحنا لازم نشيل للدنيا هم ، طول ما إحنا مع بعض خلاص مفيش حاجة تانية مهمة ولا تزعل ولا نعمل لها حساب …
غاص هائمًا بقطعة الشيكولاتة خاصته مدركًا تمامًا أن ما تتفوه به هو الحقيقة كاملة ليومئ يالإيجاب ..
_ عندك حق ، المهم إن إنتِ معايا ، أنا مش عاوز غير إن إنتِ تبقي معايا …
_ أنا معاك عمري كله ولا يمكن أسيبك لحظة … ( ثم أدركت تأخره بالفعل لتتسائل بفضول ) … بس بجد إيه إللي أخرك كدة ؟؟؟
_ كان فيه ورق قضية جديدة كنت بقراها وأشوف إيه إللي فيها …
جذبته بقوة نحو باب الشقة بشقاوتها …
_ ده وقت شغل ، يلا ننزل حيخلصوا الأكل …
إنساق معها بدون تفكير وقد إتسعت إبتسامته لطرافة زوجته نسمة هوائه العليلة ..
________________________________
روسيا ، الكوخ …
وقفت بكل شموخ تطالع عيونهم التى تحدق بها من أعلى درجات السلم وهى تدرى أنها مختلفة للغاية ، لا تكترث بالمرة للعيون الزرقاء لتلك المُلونة لكنها تابعت نظراته هو حين إعتدل بداية بلفتة خفيفة من رأسه يناظر تلك التى عادت مرة أخرى …
تبدلت اللفتة إلى إستدارة كاملة بأعلى جسده وقد إسترقت “عهد” إنتباهه الكامل ليطالعها بنظرة غامضة طويلة للغاية لم تستشف منها إن كانت أثارت إعجابه أم سخريته حين ظهرت تلك البسمة الخفيفة فوق ثغره سرعان ما أخفاها خلف قناع اللامبالاة الذى يبدو أنه بارع بإرتدائه …
هبطت الدرج ومازالت تتواصل معه بذات النظرة الطويلة من كلاهما ، هي تفخر بنفسها وما تظهر به وهو بنظرته الغير مفهومة بالنسبة إليها …
أخفى إبتسامته لكن عيناه مازالت تتحدث بلغة لم تفهمها “عهد” ولم يفهما هو بذاته ، بلحظة رؤيتها بتلك الهيئة الجديدة كانت لو أنها فتاة مختلفة عن تلك الوقحة الخشنة التى أتت إليهم بالأمس ، كانت جميلة تتحلى بأنوثة وسحر جذبه دون وعى ، لكنها كانت قوية أيضًا ، كيف جمعت بين أنوثة فتاة وقوة وشموخ لم يرها بمثلها من قبل …
رآها مميزة ومختلفة بصورة جعلته مسحور فقد سلبت عقله بحضورها المميز …
تابع تحركها حتى دنت منهما ومازالت نظراتهما متصلة بوصل عجيب ، هو “معتصم” لم تجرؤ إحداهن على تخطى تلك المنطقة المظلمة بداخله ها هو يهتز برؤية الغريبة تجذبه بحديثها وتصرفاتها برغم خشونتها ، سحرته بطلتها الأنثوية رغم رؤيته لجميلات كُثر ، إنه متيقن تمامًا أنها فريدة بشكل لا يمكنه نفسه بوصفها …
تحمست “كاتينا” لرؤية “عهد” بهذه الملابس لتهتف بإعجاب …
_ رائع ، إنكِ جميلة للغاية يا عزيزتي …
_ شكرًا لكِ ( قالتها “عهد” بإيمائة خفيفة وهي تسترق بنظراتها الجانبية لهذا المحدق بتفاصيلها ) ..
زاغت عينا “معتصم” مدركًا لما فعلته به هذه (الوقحة) ليتسارع تنفسه قليلًا ليسرع بإخراج هاتفه يعبث به متصنعًا الإنشغال وهو ينهر نفسه بقوة فكيف ينجذب لفتاة بهذه الطريقة ، كيف يترك لقلبه السيطرة على نفسه ، لا … هو أقوى من ذلك ويستطيع السيطرة على نفسه وقلبه ، فلم تخلق بعد من تهز “معتصم دويدار” مهما كانت ومهما فعلت …
تغاضيه عن مظهرها الجديد أثار حنق “عهد” وضيقها فقد فعلت ذلك لأجل جذب إنتباهه لكنه لم يظهر حتى إعجابًا ولو مجاملة وكذبًا لتمتعض بشدة لكنها مضطرة للجلوس فقد حضرت للتو لمشاركتهم …
بدأت “كاتينا” بالثرثرة و”عهد” بالمجاملة لبعض الوقت رغم ضيق “عهد” من هذا الغير مبالي بها …
_ سأحضر لكم مشروب مميز جدًا ، أنا مشهورة بصنعه …
قالتها “كاتينا” وهي تنهض تجاه زاوية المطبخ لتجدها “عهد” فرصة سانحة للتحدث مع “معتصم” قائلة بفضول …
_ يعني مسمعتش صوتك !! ( لتكمل بخشونتها التى لم تُبدلها مع ملابسها الجديدة) … إيه .. المفاجأة خرستك ..؟!؟
بضحكة عالية أظهرت وسامة قاتله لهذا الجذاب أطاحت ببقايا التحمل بداخل زائفة القوة التى تحاول الصمود بقوتها التى تتحايل على بقائها …
_ مهما تعملي لسانك هو هو … إنتِ فاكرة لما تلبسي حلو ولا تغيري شكلك حتبقي حد تاني يا …. ( ثم أردف بسخرية متعمدة لإثارة ضيقها الذى أعجبه ) … حاج فتحي …
نظرات متألمة أو ربما معاتبة لكن حقيقتها لاذعة ساخطة على طريقته بالسخرية منها كلما تحدثت معه ، غصة علقت بحلقها من رده القاسي جعلها تنتفض من جلستها للمغادرة فلم تتحمل حديثه وإظهارها بهذه الدونية رغم ما تنازلت عنه وحاولت به جذب إنتباهه فهي ليست تلك الفتاة التى تسعى لإرضاء أحدهم ، هذا التشتت والتخبط الذى أصاب نفسها منذ مجيئها لهذا الكوخ …
غادرت بدون تعقيب بدون أن تنطق بحرف مما جعله يهب واقفًا يلحق بها فيبدو أنه زاد الأمر معها ، لقد ظن أنها سترُد بطريقتها الجافة ويتطرقا لمشادة لذيذة أخرى لكنها غضبت ، تضايقت من طريقته المتكررة ..
أسرع بخطواته ليقف بمواجهتها حائلًا بينها و بين صعودها للسلم ليقف بصدر متهدج وأنفاس متضاربة ليبدأ بإعتذاره أولًا ..
_ إستني بس … آسف …
حاولت المرور لأكثر من مرة لكنه ظل يعترضها حتى تستجيب له وتتقبل أسفه وتطاوله الذى زاد عن الحد ، وقفت بالنهاية تحدجه بنظرات غاضبة ليقابلها بصوته الرخيم …
_ آسف … شكلي زودت فيها … أنا فعلًا كنت بهزر معاكِ …
كلماته البسيطة هدأت قليلًا من إنفعالها لتزيغ عيناها عن خاصتيه اللاتى لم تنكسا عنها لتردف ببعض من المرارة التى شعر بها…
_ لا عادى … أنا متعودة على كدة …
شعر بأنها حقيقة مختلفة ، فتاة بعيدة عن تلك الخشنة التى تتشبه بقوة بالرجال وخشونتها ، رأى بفطنته فتاة هشة تختبئ خلف قناع متوحش ، عيناها اللاتى تطالعان الفراغ هاربة من مواجهتها معه جعله يرى ملامحها عن قرب …
ملامح بسيطة هادئة ناعمة للغاية أخفتها خلف ملابسها السوداء وشعرها المعقوص ، حزن عميق توغل بمقلتيها العسليتان جعله يضطرب بحضورها ، رجفة قوية دبت بقلبه وهو يطالع إستكانة تلك القطة الشرسة التى تحولت بلحظات لقطة وديعة حزينة ربما …
شعر بالضيق لكونه سبب بإضافة حزن جديد لها فيبدو أن حياتها ممتلئة بها بالفعل ، أردف بنوع من الترضية …
_ ممكن تقعدى بقى ومتزعليش … ( ثم استكمل ممازحًا ) وتبطلي الدبش بتاعك ده …
_ لما تبطل إنت تزق فى الكلام ..
حتى بمراضاته لها تدفعه لمناوشتها ليردف بتعجب …
_ أنا إللي بزق يا طوبة …
رفعت هامتها بغرور وهي تعود لطبيعتها الأولى …
_ أنا طوبة يا دبشة …
ضرب كفيه بعضهما ببعض غير مصدق لتلك الفتاة التى لا تتخذ الهدنة مطلقًا …
_ ده إنتِ لسانك ده عايز قطعه .. ده بدل ما تقولي حاضر … نعم …
_ نعامة لما ترفسك …
عاد لمقعدة وقد تملكه الضحك من تلك المتطاولة سليطة اللسان ، لكنه من داخله شعر بأنها قد عادت لطبيعتها مرة أخرى …
_ أستغفر الله العظيم… ده إنتِ بلسانين …
عادت “عهد” لمقعدها وهي تستكمل سخريتها منه فقد شعرت بنشوة لهذا الحديث والمناوشات بينهم …
_ إسم الله عليك … بلسم !!!!
قابل تهكمها ببسمة جعلتها تشعر بالسعادة حتى حضرت “كاتينا” تحمل أكواب ممتلئة بمشروب أزرق اللون قطعت به وصالهما المميز …
_ لقد إنتهيت … تفضلوا …
إرتشف “معتصم” رشفة صغيرة من هذا المشروب ليسعل بعدها بقوة لمذاقه السئ بينما لم تستطع “عهد” إبتلاعه لتبصق به خارج فمها بتقزز …
_ إيه ده يخرب بيتك …
لم يتمالك “معتصم” ضحكته لتنفجر قهقهته بصوت مسموع لتعليق “عهد” الساخر على مشروب “كاتينا” ثم سأل “كاتينا” …
_ ما هذا المشروب يا “كاتي” .. ماذا وضعتِ به …؟!
إتسعت عينا “كاتينا” ببراءة لتردف بضيق …
_ ألم يعجبكم ؟!!
أجابها “معتصم” بمجاملة …
_ بالطبع أعجبنا … لكننا نود معرفة مكوناته الرائعة …
جلست “كاتينا” بزهو وهي تردف بتفاخر …
_ لا .. لن أقول لكم …لقد قلت لكم إنه مشروبي المميز الخاص بى … ومكوناته سر لن أخبر به أحد …
تمتمت “عهد” بسخط …
_ ده إنتِ تخليص ذنوب … الله يقرفك …
مدت “كاتينا”  رأسها بإتجاه “عهد” متسائله بعدم فهم ..
_ معذرة …؟!
إبتسمت “عهد” بسمة عريضة تشنجت لها عضلات وجهها …
_ رااااائع … ليتنا نعرف هذا السر …
ضحك “معتصم” للمرة الثانية وهو يضع الكوب عن يده قبل أن ينهض مستكملاً ضحكته لتردف “عهد” متحدثه إليه …
_ يا إبن المحظوظة … عملتها حِجة وسبت عصير ديل الكلب ده … طب أنا أعمل إيه دلوقتِ ..!!!
زاد تعليقها من ضحكاته ليسرع نحو غرفة مكتبه مبتعدًا عنهم حتى لا يظهر لـ “كاتينا” سخريتهم من مشروبها ، إضطرت وقتها “عهد” لإستكمال المشروب وهي تتحدث مع “كاتينا” لترتيب ما سيفعلانه فى الغد كما قالت لها منذ قليل …
________________________________
بيت النجار …
حتى بيوم العطلة التى يقضى بها كافة العائلات وقتهم برفقة أحبائهم طيلة اليوم إلا أن “فخري” لا يعترف بالعطلات والإجازات فكل يوم هو يوم عمل بمحل العطارة خاصته ، حتى أبنائه “فريد” و”مأمون” كلاهما أصبحا يتبعانه بهذا الأمر ويقضيان كل الأيام كبعضها البعض لا تمتلئ سوى بالعمل …
وقفت “راوية” تلتهم قطعة كبيرة من الكعك تبث بها غيظها وضيقها فالطعام هو متنفسها الوحيد كلما زاد ضيقها أكثرت من تناول الطعام وخاصة الحلويات ..
كانت تستمع لحديث “حنين” زوجة أخيها مع والدتها دون التدخل فقط ترمقهم بين الحين والآخر لا تصدق كلاهما …
_ والله يا ماما … زى ما بقولك كدة ، يا دوب بقول لأمي قالت لي مش حيحالهالك إلا الحاجة “صباح” …
رفعت “صباح” من هامتها المكتنزة بتفاخر فقد إستطاعت “حنين” كالعادة إستقطاب والدة زوجها بطريقتها الخبيثة لإستدراجها لأمر ما تسعى إليه …
_ هي قالت لك كدة .. فيها الخير …
_ أمال طبعًا ، هو إحنا لينا غيرك ( ثم إنتهزتها فرصة للتقليل من “راوية” لشعورها أنها تنفرد ببقائها معهم للإستيلاء على أموالهم) … مش كدة ولا إيه يا “راوية” … ما تسيبي الأكل يا حبيبتي بقيتي قد الدبه ، هو مفيش وراكِ غير أكل أكل …
رمقتها “صباح” بسخط لتنهرها بإسلوبها الفظ …
_ ما تبطلي حشر زى العِجلة ليل ونهار ، قومي شوفي الطبيخ إللي على النار …
دفعت “راوية” بكفيها بقوة تضربان فخذيها قبل أن تنهض وهي تحدج “حنين” بنظرات نارية فهي السبب لإثارة حنق والدتها عليها ثم أردفت …
_ قايمة ، يمكن ترتاحوا .. ( ثم ألقت بكلماتها التى أشعلت البركان بينهما بكيد لما تفعله “حنين” ) … وهي الست الوالدة مقالتش إن الحل بفلوس ، وفلوس كتير كمان ، وإنهم ميحتكموش على جنيه واحد فقالت لك لزقيها فى حماتك وهي تحلها وتديكِ من تحت البلاطة …؟!!!!
دلفت “راوية” للمطبخ تاركة “صباح” تصيح بزوجة ولدها تعنفها عن طمعها والأخرى تدافع عن نفسها متهمة “راويه” بالكذب …
_ وربنا ما حصل يا ماما … دى هي إللي عايزة تولعها بيني وبينك … ( ثم أعلت من صوتها تسمع “راوية” بالداخل) … غلاوية وقلبها إسود …
_ يعني يا روح *** إنتِ مش جايه تاخدى فلوس ؟!!
تراجعت “حنين” عما كانت تسعى إليه حتى لا تثبت حديث “رواية” وقد تملكها الغيظ من تلك الفتاة التى تحبط أعمالها كلما سعت لذلك …
_ لا يا حبيبتي لا … ولا جه في فكري أصلًا … يوه … إنتِ حتصدقي “راوية” …( ثم همست كلأفعى بأذن “صباح” ) … هي بس عشان عانس ومش وراها غير المشاكل شاغلة دماغها بتقول كدة وبتوقع بيني وبينك ..
شعرت “صباح” بغصة لتأخر إبنتها عن الزواج ليتحول وجهها الأسمر بصورة مكفهرة خشيت لها “حنين” أن تسبب لها الضيق وتطردها إلى شقتها كما تفعل كلما تضايقت منها لتردف بأسى وتحسر …
_ عيني عليها ، بختها قليل … والله صعبانه عليا …
إكتفت “صباح” بهز رأسها بتحسر دون الرد ليزيد ذلك من شعورها المتعاظم بالحقد على بنات “زكيه” اللاتى يتوافد عليهن الخُطاب لكنها دومًا تدفع بهم لعدم الإقتراب بكل السبل حتى لا يتزوجا وتبقى “راوية” هى العانس الوحيد بتلك العائلة …
________________________________
بيت دويدار …
مع حضور “عيسى” كان ذلك إعلان بسماحهم لتناول الطعام ، إمتلأت طاولة الطعام بمتناوليها ببهجة تحف الجميع لم ينقصها سوى وجود “معتصم” بينهم ..
جلست “مودة” إلى يمين “غدير” ليتخذ “عيسى” مقعدة إلى يسارها بينما قابلهم “رؤوف” و “نيره” …
نظرات “نيره” تجاه “مودة” كانت حادة للغاية تمنعها من التطفل على حياتها وممتلكاتها الخاصة “رؤوف” الذى لن تسمح لأى مخلوقة بالإقتراب منه حتى ولو على سبيل السياق الإجتماعى البحت ، ستقطع السبل قبل أن تتواجد من الأساس …
بدأت “نيره” بهجومها على تلك الوديعة التى إلتزمت الصمت والنظر بطبقها فقط …
_ إنتِ بتشتغلي فى محل كدة اااا … فكريني إنتِ بتشتغلي فين ؟!!
_ محل مستحضرات تجميل …
أكملت “نيره” تحقر من “مودة” وعملها بطريقة متعمدة …
_ اه … أيوة أيوة إفتكرت .. ويا ترى بيقبضوكِ كويس .. أصلنا عندنا ستور(محل) كبير وبشغل فيه ناس كتير زيك كدة ، لو تحبي أشغلك عندي يمكن مرتبنا أكبر من المحل إللي بتشتغلي فيه ده ؟!!
تهدج صدر “مودة” بقوة لضيقها من طريقة “نيره” التى تحقر منها لتتلاشي كل كلماتها وتترقرق دمعة خفيفة بمقلتيها فلم تكن تريد أن تُطَالع بتلك النظرات الدونية أمام “رؤوف” خاصة …
شعرت بها “غدير” لتجيب “نيره” بطريقتها الدبلوماسية التى لا تتسبب بإغضاب أحد ..
_ “مودة” دى قمر .. مش بتشتغل عشان الفلوس ، دى بس عشان تقضى الوقت بدل قعدتها لوحدها ، بتخاف يا “نيرو” تقعد فى الشقة لوحدها كتير …
ثم إستطردت تقص كذبًا قصة خيالية لتغير مجرى الحديث والتركيز على عمل أختها التى تحتقره “نيره” دون إفتعال مشكلة ..
_ تعرفوا مرة قمت من النوم على صوت باب شقتنا بيتقفل جامد ، قمت جرى أشوف فيه إيه ملقتش “مودة” أتاريها لما سمعت صوت خبطة عند الجيران إفتكرته عفريت فتحت باب الشقة ونزلت جرى …
ضحكت بصوت رنان جعل الجميع يضحك بلطافة على طريقتها المازحة بينما إسترقت بنظرة لأختها وهى تقبض كفها بين يدها بقوة من أسفل الطاولة كرسالة تقول لها بها (لا تحزني فأنا معك) …
قابلتها “مودة” بنظرة إمتنان لقطع تحقير “نيره” منها ، وقبل أن تستطرد “نيره” حديثها مرة أخرى نهضت “مودة” ببسمة تخفي بها دموعها بصورة فاشلة للغاية …
_ بعد إذنكم أصل أنا إتأخرت وخالي مستنيني أعدى عليه …
بتفهم أومأ الجميع لتتحرك “مودة” نحو الباب تبعتها “غدير” لتحدثها بهمس …
_ متزعليش يا “دودا” .. هى بس طريقتها ناشفة شوية ، بس قلبها أبيض …
رغم ضيقها إلا أنها تعلم سبب هجومها بهذا الشكل وربما إن كانت بمحلها لفعلت ما هو أكثر من ذلك ، لكنها للأسف ليست بمحلها وعليها تقبل أن “رؤوف” ليس لها وأنها محقة بما تفعله لتردف بتفهم ..
_ مش زعلانه يا “دورا” أنا بس عندى كلية الصبح وعايزة أروح عشان انام بدري  …
_ ماشى يا “دودا” … طمنيني أول ما توصلي …
_ حاضر …
عادت “غدير” بعد توديع “مودة” لتجدهم إنتهوا جميعًا من تناول الطعام وستبدأ جلستهم بغرفة المعيشة …
جلسة حميمية لتلك العائلة المحبة إخترقتها “غدير” بخطواتها السريعة متجهة نحو مالك قلبها “عيسى” لتجلس فوق ذراع المقعد العريض الذى يجلس عليه …
_ أنا حقعد هنا …
_ ما تقعدي هنا يا “دورا” المكان واسع ..
قالتها “منار” بحبور لتميل “غدير” بخصلات شعرها الثائرة تتعلق بذراعيها برقبة “عيسى” وهي تميل فوقة بعشق ظهر جليًا لم تخجل من التعبير عنه …
_ لأ … أنا لازقة فى حبيبي “عيسى” …
تلاقت بسمات محبة لتلك العفوية بينما شعرت “نيره” بالحرج والنفور من تعبير “غدير” عن حبها لزوجها أمامهم جميعًا ، كيف تظهر مشاعرها بتلك الصورة ، ألا تخجل من ذلك ..
_ ميصحش يا “غدير” ، تعالي جنبي وجنب طنط “منار” ..
رفعت “غدير” حاجبيها بشقاوة ترفض عرض “نيره” …
_ لأ يا جنب “إيسووو” يا بلاش …
إستسلموا جميعًا لرغبتها بينما إمتلأ كيان “عيسى” بنشوة محببة وهو يضغط بكفه فوق ذراعها المحيط برقبته بنظرات تهيم عشقًا بشريان حياته الذى تمده بالسعادة لوجودها إلى جواره …
دق هاتف “منار” بوصول بعض الإشعارات لتنتبه له وتطالع المستجدات به لتهتف نحو زوجها الذى إنتابه الفضول لسماعه تلك الدقات المميزة بهاتف زوجته …
_ فيه حد بيسأل عن العيادة أهو يا “خالد” …
_ طب كويس … ردي عليه …
تسائلت “نيره” بدون فهم فهي لا تعلم شئ عن موضوع العيادة هذا ، وهي بطبعها فضولية للغاية …
_ عيادة إيه يا طنط …؟!!
إجابتها “منار” بإيجاز لإنشغالها بالرد على الرسالة ..
_ العيادة بتاعتي …
أوضحت “غدير” بإستفاضة فهي تعلم كافة التفاصيل …
_ أصل “منوره” عرضت العيادة للإيجار او البيع ، عشان تتفرغ لعصفور الكناريا فى البيت …
قالتها وهى تحرك حاجبيها بشقاوة لوالد زوجها تقصده بحديثها ، هذا الجبل الصامد الذى لم يقاوم ضحكته للطافة “غدير” التى ملكت قلوبهم …
_ كناريا !!! ده إنتِ عليكِ كلام …
قالها “خالد” لتسترسل “غدير” بمحبة …
_ طبعًا ، ومين يقدر يقاوم سيادة المستشار “خالد دويدار” على سن ورمح …
_ ماشي يا “دورا” …( إلتفت نحو “منار” يتابع ردها على هذا المتسائل ) … ها … قالك إيه …؟!!
_ عاوز يتفرج على العيادة الأول … ححدد معاه معاد … ربنا يسهل الحال …
تابعت “نيره” حديثهم بإهتمام لتردف بإقتضاب بدون إقتناع لما تفعله “منار” …
_ ليه يا طنط …؟!! العيادة خسارة جدًا ، كملي شغلك فيها .. هو أونكل “خالد” حيخاف يقعد لوحده يعني … ده شغلك وإسمك معروف ومشهور …
أجابتها “غدير” قبل أن تتفوه “منار” التى إنشغلت بالرد على هاتفها …
_ إنتِ مش فاهمة يا “نيرو” .. هي كمان عايزة ترتاح ويونسوا بعض ..
تضايقت “نيره” من تدخل “غدير” بكل الأحاديث بدون أن يوجه لها أحدهم يخصها به ، وزاد ضيقها تقبلهم للأمر بسعادة أيضًا لتهتف بحدة …
_ هو إيه إللي مش فاهمة ، حسني كلامك معايا ، أنا فاهمة طبعًا بس مستخسرة مجهودها ده كله يترمي فى الأرض ( ثم تحولت حدتها لهجوم شديد ربما كان لـ “مودة” جزء به فهي أختها ) … وإنتِ حتفهمي الكلام ده إزاي صحيح ما إنتِ كل إللي همك الأكل والنوم ، لا وراكِ شُغله ولا مَشغله …
تلك المرة لم تكن الإجابة من “غدير” بل من هذا المحامي البارع الذى لا يقبل مطلقًا أى تطاول من أى نوع على حبيبته ومالكة قلبه ليهتف بحدة وقد لمعت عيناه ببريق غاضب حينما إنتفض واقفًا بهامته الطويلة …
_ إنتِ إزاى تكلميها كدة ، وهي “غدير” محتاجة شُغل فى إيه ، غدير ملكة تتدلع وترتاح وبس ، كفاية علينا وجودها فى حياتنا ، لو سمحتِ يا “نيره” بلاش طريقتك دى ومع “غدير” بالذات ، تمام ، ولا إنتَ إيه رأيك يا “رؤوف” ..؟!!
قالها “عيسى” وهو يرمق أخيه ليصمت “نيره” عن ثرثرتها وحديثها الحاد بدون داع على زوجته ..
أومأ “رؤوف” بإرتباك وهو يبتلع ريقة المتحشرج فهو لا يحبذ الحدة والمشاكل ليردف من بين أسنانه ..
_ كفاية يا “نيرو” مفيش داعي للحدة دى ، “غدير” مقالتش حاجة ، وماما حره تعمل إللي هي عايزاه …
رغم ضيقها من دفاع الجميع عن “غدير” وظهورها بصورة مسيئة لهم وأنها جافة المشاعر حادة الطباع إضطرت “نيره” لإلتزام الصمت رغم عصبيتها التى حاولت إخفائها فلا داعي للمشاكل بيوم كهذا ..
_ خلاص … حصل خير …
تركت “منار” هاتفها لتلطف الأجواء التى شحنت بدون داع …
_ مالكم يا ولاد ، إتحسدتم ولا إيه … إهدى يا “عيسى” هو حد يقدر يزعل من “دورا” ولا يزعلها ، دى حبيبتنا كلنا ، وإنتِ يا “نيرو” أنا فاهمة قصدك كويس ، بس عمك “خالد” طلع معاش وأنا كمان لازم أقعد وأرتاح بقي ، ولا إيه …
جلس “عيسى” يتمالك حدته ووالده ووالدته يقومان بالتحدث وتلطيف الأجواء لتتلاقى عيناه ببنيتاها وهي تشعر بالعزة مما فعله من أجلها ، أسهم غرام مشتعلة بين كلاهما تهدج لها قلبيهما بدقات قوية لعشق لا يوصف بكلمات فكان للصمت لغة بينهما تنظر نحوه بهيام وإمتنان ، يقابلها نظرات لن أتهاون لمن يمسك بسوء فأنتِ مالكة فؤادي وهواي …
إنتهت تلك الزيارة حينما حل المساء وإتفاق “رؤوف” و”نيره” على التقابل فى الغد بعد إنتهاء عملهما ليمرا ببعض معارض الأثاث لإختيار أثاث شقتهم فموعد الزفاف يقترب لم يبقى عليه سوى بضعة شهور …
صعد زوجان الحب اللطيف لشقتهما بعد إنتهاء عزيمة “خالد” و”منار” لتنتهي تلك الليلة أيضًا بلقاء دافئ لقلوبهم المحبة وإستكانة لأرواحهم …
________________________________
روسيا ..
سهرة طويلة إنتهت بخلود كل من “معتصم” و “كاتينا” كل فى غرفته لتلقي بعض النوم كما إعتادوا بتلك العطلة …
عيون ساهرة فلم تشرق الشمس بعد …
تسللت “عهد” خارجة من غرفتها بأطراف أصابعها حتى لا يشعر بها أحدهم فقد عقدت العزم على تنفيذ مخطط فكرت به بعناية …
خطت بقدميها العاريتين فوق أرضية الكوخ لتهبط درجات السلم الخشبية بحرص شديد خشية إيقاظ أحدهم …
تلفتت حولها بضعة مرات حتى وصلت لمبتغاها تمامًا ، ركن المطبخ ..
مع إتفاقها مع “كاتينا” بالأمس إستطاعت معرفة ماذا ستفعل بالتفصيل للإحتفال بعيد ميلاد “معتصم” وأنها سوف تقوم بإعداد كعكة القطيفة الحمراء التى يفضلها مع إضافة صوص الفراولة أيضًا …
أخرجت “عهد” مسحوق الإعداد لتلك الكعكة وقد رسمت على ثغرها بسمة ماكرة لتنفيذ ذلك المخطط الذى توصلت إليه بأول خطوة بمهمتها الجديدة التى حددتها لنفسها …
مدت يدها لتعيد خلط مكون القطيفة الحمراء بوضعها لما يحتويه هذه العبوة التى ستقضى تمامًا على تفرد “كاتينا” وتصبح هي متملكة الأمر وسيسير الأمر كما تريد تمامًا …
إنتهت تمامًا من خلط المكون لتعيد كل شئ كما كان قبل أن تعود لغرفتها بخطواتها الخفيفة المتسللة دون أن يشعر بها أحد ، فقد أتمت مهمتها على أكمل وجه وعليها غدًا إنتظار النتيجة  ….

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظننتك قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى