روايات

رواية صماء لا تعرف الغزل الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم وسام الأشقر

رواية صماء لا تعرف الغزل الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم وسام الأشقر

رواية صماء لا تعرف الغزل الجزء الثامن والثلاثون

رواية صماء لا تعرف الغزل البارت الثامن والثلاثون

رواية صماء لا تعرف الغزل
رواية صماء لا تعرف الغزل

رواية صماء لا تعرف الغزل الحلقة الثامنة والثلاثون

فيقطع حديثهما رنين هاتفها لتتركه لتجلب هاتفها فتتوتر عند رؤية اسم المتصل لتحوله لوضع الصامت ليقول مبتسمًا:
– عامر مش كده؟
رفضت أن تجيبه ليقول بثبات:
– ردي عليه من حقه يطمن عليكي.
فيشير لها بعينيها لهاتفها مشجعًا إياها للرد.
ترفع هاتفها ببطء مع ثبات عينيها على المبتسم ابتسامة ألم تجيبه بخوف من مجهول منتظرهم.
………..
مر شهرا كاملًا كان من أصعب الأوقات على الجميع وبالأخص هي، كانت دائمًا تتواجد بالمشفى بمرافقته مع تبديل الأيام مع يامن، لتشعر بالضعف والهزل الذي أصابها بسبب إهمالها للطعام والأدوية في الفترة الأخيرة، زادت حدتها وعصبيتها على الجميع كأن شخصيتها تبدلت للنقيض عنيفة التصرفات حادة الطباع لا تقبل مناقشات.. قراراتها صارمة.. تذكرت عندما حلت كارثة بالشركة في الفترة الأخيرة عند هبوط الأسهم بشكل مبالغ فيه مهددًا باطاحة الشركة التي حارب هو كثيرًا من اجلها.. فتسبب تخلي الموظفين عن وظائفهم وتقديم استقالتهم.. خوفًا من انهيارها لتجد نفسها متجهه إلى الشركة بشكل فجائي صدم الجميع من تواجدها.. لتطلب اجتماعًا على وجه السرعة تترأسه تحت نظر ومراقبة الجميع من مصدوم لرجوعها بعد اختفائها.. لمتعجب لناقم.
فتدير اجتماعها باحترافية جديدة لتحذر وتهدد مع وعودها بانها ستنهض بشركتها مرة أخرى وأن هذه كانت عثرة لتغربل الموجودين ذات الولاء المزيف لشركتها.. تقف كالصقر تخير الموجودين ببقائهم أو الاستغناء عنهم.. ليتراجع الكثير عن قراراتهم وتستقر الأمور نوعًا ما.
………..
دخلت المشفى بأرجل مهتزة لاتعرف سبب رفض يامن لحضورها فعندما قامت بإخباره هاتفيًا انها بالطريق اصر علي عدم حضورها.. شعورها بأنه يخفي شيئًا قلقها.. تلمحه بمكانه الذي اعتاد عليه مؤخرًا فتزداد سرعتها لتتجه إليه:
– في إيه يا يامن؟ انت طلبت مني ما اجيش ليه؟
– هو أنا طلبت منك ماتجيش عشان تيجي ولا عشان تلتزمي بكلامي؟
قالها يامن بحدة غريبة عليه.. ولكنها لاتهتم بثورته ما يهمها هو هو فقط.. لتقول مرة اخري:
– يوسف في حاجة؟ حصل حاجة؟
لتهرب أعينه من مواجهتها قائلا:
– يوسف.. طلب مني امنعك انك تيجي المستشفى لو انك تزوريه؟ يا أما هيمتنع انه ياخد جلسات الكيماوي.
لتهز رأسها بالرفض غير مصدقة حديثه بعيون غائرة وفم منفرج.. لتقول بعد لحظات:
– مستحيل.. مستحيل يكون طلب منك مستحيل يطلب انه مايشوفنيش.. أكيد في حاجة انت مخبيها.. أنا داخله عنده.
لتندفع تتحرك باتجاه غرفتها فتوقفها يد يامن الممسكة ذراعها بقوة.. فتتعجب من إصراره على منعها وتسمعه يقول بصوت مهزوز:
– للأسف.. شعره بدأ يقع.. هو مش حابب تشوفيه بالوضع ده.
لتصدم من كلماته وتظل على وضعها لعله يكذب ماقاله لتتقوس شفاها للأسفل كالأطفال تحارب البكاء.. يجب أن تكون قوية من اجله وتترك الضعف التي اعتادت عليه.
…………..
بعد أن انفجرت في نوبة بكاء لا تعلم سببها.. بل تعرف سببها، ولكن كثرة الضغوطات التي لاحقتها جعلتها لاتستطع تحمل هذا الخبر رغم توقعها لحدوثه.. وبعد إصرارها على مقابلته ها هي تجلس بجواره على المقعد المقابل له تراقبه في نومه منتظرة إفاقته.. لقد انصرفت بعد منعها من الدخول على يد يامن لتذهب وهى تعلم وجهتها وقرارها الذي اتخذته.. ليتفاجأ بعودتها مرة أخرى بعد اقل من الساعة حاملة بعض الأغراض في حقيبة بلاستيكية.. صعب عليه استنتاج مابداخلها وتنتظر بجواره حتى تتأكد من نومه لتستطع الدخول دون اعتراضه.. وهل هو ينعم بالنوم بوجه شاحب وذقن غير حليقة لقد طالت مؤخر اكثر من اللازم.. وشعره الذي بدأ يظهر به الفراغات اثر التساقط.. شردت في أيامها السابقة وكيف تقدم له يد العون رغم رفضه الشديد لذلك. تذكرت يوم أعددت له الطعام لتحاول إطعامه رغم رفضه الشديد بسبب فقد شهيته وألم معدته الذي لم يبارحه لتتفاجأ بإفراغ مابمعدته علي ملابسها وهي تساعده في الاستلقاء لينهار بعدها في صراخ وبكاء كالأطفال يطلب منها الابتعاد عنه والامتناع عن حضورها مرة اخري.
تتحرك من مكانها لتجلس بجواره فوق فراشه تمسك بكف يده المتصل بها المحلول المغذي الذي يمده ببعض المقويات والمسكنات لتخفف عنه بعض آلامه.. فترفع كفه ببطء تودعه قبله خفيفة مع شعورها باحتراق أعينها التي تحارب منذ مدة إظهار ضعفها وهشاشتها.. فالموقف اكبر من احتمالها.. لتجد نفسها تمدد أناملها تمررهم فوق وجنته وشعر ذقنه بنعومة تهمس بأسمه في محاولة منها وإفاقته ليتململ في نومته ويفتح أعينه الصقرية التي تملكهما المرض والإرهاق غير مستوعب وجودها قريبة منه بهذا الشكل المهلك له.. لقد تحررت من حجابها وأطلقت خصلات شعرها حول وجهها كسابق عهدها به ليرفع كف يده باهتزاز يلمس شعرها محاولًا التأكد من وجودها ويبتلع ريقه الجاف بصعوبة يقول بصوت متقطع:
– انتِ هنا؟ هو أنا بحلم زي كل مرة.. ولا ده اثر المسكنات وبهلوس!
– أنا هنا.. جنبك ومعاك وحقيقة مش حلم.. بس أنا زعلانه منك.
ليتسأل وهو يغمر أصابعه بين خصلاتها التي استطال كثيرًا عن قبل مبهورًا بنعومته التي حرم منها لسنوات:
– ليه زعلانه؟
لتزم شفتاها بغضب مصطنع:
– عشان عرفت إن حضرتك رافض تاخد جلسات الكيماوي.
فتتوقف أصابعه عن الحركة لينظر إليها بألم قائلًا:
– مالوش لزوم للكيماوي كلنا عارفين انها كلها أيام.
يؤلمها كلماته وانهزامه وعدم مقاومته لمرضه وعندما طال صمته قالت بمرح:
– انت اتصلت بعامر عشان نعجل بميعاد الفرح من ورايا مش كده؟ وكنت قايله مايبلغنيش بطلبك.
ليهز رأسه بإبتسامة:
– عامر ده شكله مابيتبلش في بوقه فولة.
لتبتسم بمرارة:
– ليه يايوسف؟ ليه مصمم اننا نبعد وأنا بقولك أنا عايزة ارجعلك.. إدي لحياتنا فرصة.
– مابقاش ينفع.. مابقاش ينفع اخرب حياتك اكتر من كدة، صدقيني هكون مستريح وأنا مطمن عليكي مع عامر.. طول ما أنا شايفك سعيدة.. هكون سعيد.
أرادت أن تستغل الحوار لصالحها:
– عايزني أكون سعيدة تنفذ شرطي.
– إيه هو؟
تأخذ نفسًا محاولة السيطرة على سرعة ضربات قلبها:
– إنك تبدأ تأخذ جلسات الكيماوي المحددة ليك.. عشان تقدر تحضر الفرح.. مش ده اللي انت عاوزه؟
وعند ملاحظتها لصمته أكملت.. بدأت تتحرك باتجاه الطاولة لتخرج من الحقيبة البلاستيكية الطعام التي قامت بإعداده بنفسها عند انصرافها وتقترب منه تقول:
– أنا عملتلك شوربة خضار هتعجبك.. دوق وقولي رأيك.
…………
جالس مغمض العينين بإرهاق أمام حجرة أخيه يستمع لحركة الممرضات والأطباء من حولها السريعة فكل يعمل على قدم وساق.. ليطرأ على سمعه خطوات بطيئة تقترب من المكان تدل على خفة صاحبها وتتوقف بالقرب منه ليفتح أعينه المرهقة ويتفاجأ بوجودها واقفة بجواره بخجل فيعتدل بجلسته باهتمام يقول بخوف:
– تقى! إيه اللي جابك هنا؟ في حاجة حصلت؟
تبتلع ريقها بإحراج وتهرب من أعينه لتقول له انها أتت لرؤيته أم للاطمئنان على أخيه ؟! لينقذها من حيرتها وقوفه باهتمام يقول:
– أكيد جاية تطمني على يوسف مش كده؟
تهز رأسها بنعم فيبتسم لصمتها ويقول بمداعبة:
– طيب هو يامن الغلبان مالوش نصيب تطمني عليه؟ شكلى كده ماليش حظ.
لتسرع مدافعة عن حالها:
– أبدًا والله.. أنا كنت جاية اطمن عليك كمان.
فتلاحظ تبدل ملامح وجهه من الحزن المصطنع للمكر:
– أنا على كده محظوظ جدًا أنك فكرتي فيا.. عمومًا كويس انك جيتي أنا كنت هتصل بيكي لان يوسف طلب يشوفك.
تتوتر من كلماتها لتقول بتجهم:
– يشوفني.. يشوفني.. أنا؟
هز رأسه بتأكيد وعلى وجهه ابتسامه لا تفارقه.
……….
تضحيات صغيرة تصدر منا تشكل فارقًا كبيرًا في حياة الآخرين.. ولكن عند تقديمها يجب معرفة هل ستستطع مواصلة حياتك بهذه التضحية ام ستظل عقبة لاستمرارها.. فعليك أن تختار!
………
بعد الإنتهاء من إطعامه وهو مسحور بشعرها الطويل ينظر إليه بسعادة غريبة كأنه يوم زيارة الملاهي.. ليلوم حاله هل هذا الشعر الذي اقدم عليه من قبل منذ سنوات وقام باغتياله بكل قسوة كإنتقام أعمى منه؟
فتلاحظ مراقبته لحركاتها بسكون غريب عليه وتعلو ابتسامة قصيرة وجهه.. فتتجه إلى حقيبتها الشخصية تسحب سحابها وتخرج شيء ما.. ليضيق عينيه بفضول لعله يعرف مايقبع بيدها.. فتتحرك ببطء اتجاهه قائلة بثقة:
– الشرط الثاني مستعد تسمعه؟
– شرط إيه؟
تجلس بجواره وتقترب منه لتلفح أنفاسها أنفاسه وينسدل شعرها البني فوق جسده:
– شكلك نسيت إن أنا طلبت منك تكمل جلسات عشان تقدر تحضر الفرح، ده الأول.. أما الشرط الثاني.. إنك تخليني احلقلك شعرك بنفسي.
لترفع يدها أمام وجهه الشاحب المصدوم ليظهر ماكينة لحلاقة الشعر تعمل بالبطارية
فيمرر عينه بينها وبين مايقبع بيدها ويهز رأسه بالرفض:
– مستحيل.
فتتساءل ببرود:
– ليه؟ أنت مش قبل كده قصيت شعري بايدك وأنا كنت رافضة ده.. إيه الجديد؟
يبتلع ريقه بصعوبة يقول بتألم من هذه الذكرى التي تشينه:
– ليه حاسس دايمًا إنك ماسمحتيش من قلبك، حاسس إنك بتقصدي تؤلميني.
تضحك بسخرية بخلاف مابداخلها:
– تقصد عشان مصممة على حضورك فرحي وأنك تشوفني وأنا ملك حد غيرك.. ولا عشان فكرتك بجريمتك؟
– عايزة إيه ياغزل؟ كفاية تعذيب فيا أكتر من كده.
– عايزه احلقلك شعرك.. صدقني شكلك يكون ألطف.
تتنهد وهي تنظر للبعيد بابتسامة مغتصبه:
– عارف يا يوسف أنا قد ايه بحب شعري.. بحبه لدرجة إني ممكن يجرالي حاجة لو فقدته تاني.
ليقول بصرامة:
– لو دي الطريقة الوحيدة اللي هتخليكي تنسي اللي عملته فيكي.. احلقيلي شعري ياغزل يمكن تسامحيني بجد.
ولكن على مايبدو أنها أرادت إجابته لتستمر في حديثها وهي تلاعب خصلاتها بمكر مقصود.. لتتوقف فجأة تنظر له بجدية غريبة وتكمل:
– مش عايز تمسك شعري للمرة الأخيرة؟
تقترب منه ليسقط شعرها فوق وجهه فيستنشق عبيره باستمتاع ولكن شيء داخله يؤرقه من حديثها المبهم ليقول:
– تقصدي إيه بالمرة الأخيرة؟
فيجدها تبتعد عنه وتستقيم في وقفتها وتنظر له بعيون متألمة تنحبس بهما الدموع.. فيغفل من حركتك يدها التي امتدت تحمل ماكينة الحلاقة القابعة بجواره على المنضدة.. ليعقد حاجبه ويحاول التحرك من فراشه متسائلًا عما تنوي.. لتشق ابتسامه حزينة وجهها مع تحرر دموعها من عينيها.
ليراها تنصرف بصمت متجهه إلى باب دورة المياة الخاص بالحجرة وتدخله لتودعه نظرة لم يستطع تفسيرها قبل ان تغلق بابه في وجهه ويسمع صوت قفل الأمان من الداخل.. لحظة اثنان لم يستوعب مقصدها.. ليعتصر قلبه مصدرًا ألمًا شديدًا بصدره لما استنتجه.. لينتفض من فراشه محاولًا التحرك بصعوبة لقد تيبس جسده من كثرة التسطح فوق فراشه لينزع المحلول المغذي بقسوة صارخا باسمها:
– غزل! لا.. لا.. اياكِ تعمليها.
ويقترب من الباب التي تختفي خلفه يضرب بقوة لعلها تتراجع عن فعلتها:
– افتحي.. ارجوكي ماتعمليش كده.. اخرجي كلميني.
لتجحظ عينه وتتسارع أنفاسه عند سماعه لصوت الماكينة الذي يدل على عملها فيضرب الباب بكفه عدة ضربات ضعيفة متوسلًا إليها أن تتوقف:
– ارجوكِ.. ارجوكِ ماتعمليش كده.. ماتزوديش عذابي.. اطلعي وأنا.. أنا هعمل اللي تطلبيه مني.. بس اللي انتي بتعمليه ده لا.
يبدو أنها كانت قد اتخذت قرارها من قبل وعزمت عليه.. ليقف مستندا بكفيه على الباب منحني الرأس تتسارع انفاسه بقوة.. ليسود الصمت بعد لحظات إلا من انفاسه الخشنة.. يتراجع بترقب عند سماع صوت فتح الباب بأعصاب مهتزة وعيون غائرة مثبتة على الباب لتظهر من خلفه ببطء بهيئة مختلفة عن هيئتها عند دخولها منذ لحظات.. لقد اختفت الهالة البنية الناعمة ذات الخصلات الطويلة لتحل محلها رأسًا حليقة الشعر
كصبي في عمر المراهقة لتنفرج شفتاه بذهول وتدمع أعينه الصقرية من تهورها ليتحول بكاؤه الصامت لتشنجات فينتفض جسده الرجولي بقوة من شدة البكاء ويعلوا نحيبه كطفل ضائع تائه يهمس بين شهقاته:
– ليه! ليييييه! عملتي كده.. مكانش لازم تعملي كده.
شعر بضعف قوته واهتزاز ساقيه التى ترفض تحمل جسده فيترنح في وقفته بقوة وكاد أن يسقط إلا أن ذراعيها التى اندفعت تحيطه بقوة عجيبة منعته من السقوط في محاولة منها لإسناده حتى فراشه لتخطو خطوات بطيئة معه حتى ساعدته في الاستلقاء مرة أخرى وتغطيته وعند محاولتها للابتعاد لطلب طبيبه الخاص تشبث بذراعها كالطفل مانعًا ابتعادها
– رايحة فين؟
تربت على كف يده بنعومة:
– هطلب الدكتور عشان يركبلك المحلول ويطمن عليك.
تسقط دموعه من عينيه بضعف متسائلًا:
– عملتي كده ليه؟ ليه تأذي حالك؟
تهمس بكلماتها ببطء كأنها تعلم طفلا حروفها:
– أنا قولتلك ان شعري ده بحبه قوي وممكن يجرالي حاجة لو فقدته! لكن ماقولتلكش أن أنت أغلى عندي منه واني مستعدة اضحي بيه عشانك انت.. وزي ما انت هتحلق شعرك أنا كمان حلقته.. وهنافس بعض مين شعره هيطول الأول.
يهز رأسه بالرفض:
– عامر اكيد هيزعل من اللي عملتيه ده.
تزم شفاها بغضب طفولي:
– هو شكلي وحش للدرجة دي؟
يضحك بين دموعه:
– أنا متخيل صدمته لما تقلعي حجابك ويكتشف تهورك أكيد هيجراله حاجة.
اطلق قهقهات خفيفية من بين دموعه:
– حضرتك بتتريق.. طيب أوعى بقى.
ليمسكها مانعًا تحركها:
– انتِ أحلى واحدة شافتها عيني في الكون سواء بشعر أو من غير.
………
وقف مختفيًا عن الأنظار يبحث عمن يقرضه سيجارة يشعر بالكبت الشديد والضغط النفسي.. لقد منع عليه تناولها منذ عدة أشهر.. ليزفر بملل.. كيف له أن يطلب منها مثل هذا الطلب؟ مالذي أتى به اليوم؟ يطلب منها أن تكون لغيره؟ أهكذا يسدد ديونه لها لتسامحه! أيقبل أن تكون لغيره وتبتعد عنه مرة أخرى.. ليرى شاب بزي مخصص يحمل صنية فضية متجهًا إلى داخل القاعة ليوقفه:
– لو سمحت.. معاك سيجارة؟
الشاب بتهذيب:
– لا يافندم.. ممنوع التدخين هنا.. عن إذنك.
فيزفر بضيق ويرفع يده يلمس رأسه فيشعر ببصيلات شعره التى بدأت في الظهور مرة أخرى.. فيبتسم بشرود على هذا اليوم الذى أقبلت فيه بحلق شعرها والتخلي عنه من اجله.. من اجله هو لتشجعه هو الآخر على إزالة شعره المتبقي برأسه.. لم يشعر اثناء تذكره ببداية ظهور الدموع الحبيسة بعينيه.. دائمًا هي معطاءة لغيرها.. مضحية.. لا تطلب الكثير.. أما هو فحدث ولا حرج على النقيض، شتان بينهما.. ها هو يخطو بيده خطوط نهاية علاقتهما.. بإرادته.. يصدح صوت رنين هاتفه ليخرجه من جيبه بملل:
– نعم؟
يامن بضيق:
– انت فين يابني آدم؟ أنا مش بعتلك شادي يبلغك تطلع لغرفة غزل عشان تنزل بيها لعامر لان محمد هينزل تقى ليا
– حاضر.. حاضر يا يامن طالع.
وقبل ان يغلق الخط يسرع بالقول مقترحًا:
– طيب ماتخلي محمد هو اللي ينزلها لسي زفت وأنا انزلك تقى.
على الجانب الآخر يمنع يامن نفسه من الصحك:
– احم.. لا طبعًا مش هينفع.. تقى عايزه اخوها ودلوقت مافيش غير فاضي.. انت هترجع في كلامك ولا إيه؟
– ولا راجع ولا حاجة أهم حاجة عندي انها تكون مبسوطة وسعيدة في حياتها حتى لو مش معايا.
يكمل بحزن:
– أنا طالع لها.
يأخذ شهيقًا لعله يهدي من تسارع دقات قلبه وألمه ويتجه جهة المصعد ليصعد إليها
………
وقف مبهورًا بصورتها الساحرة من بداية حجابها لفستاتها الواسع لتزداد بريقًا ولمعانًا كأنها بطلة من ابطال الروايات.. يقطع شروده اصطدام شيء صغير بقدمه ليكتشف انها بيسان تحتضنه من ساقه تقول بطفولة:
– بابي.. أنا فرحانة أوى النهاردة.. ماما بقت عروسة.
ليبتسم بألم وينحني ليحملها ويضمها بقوة يشتم رائحتها المسكية التي ورثتها من أمها ويقبلها بحنان من وجنتها:
– أنتِ اللي أحلى عروسه في الكون.. عارفة أني مش هجوزك أبدًا!
بيسان بضيق:
– ليه بقى؟ اشمعنى مامي سبتها تتجوز.
فيرفع عينه لتقع عليها وهي مبتسمة لا تحمل همًا.. بالطبع لما تشعر بالحزن وقد ستنال اخيرًا الاستقرار مع من يحبها؟
ليقول لابنته:
– اهون عليكي تسيبيني أعيش لوحدي؟ عمومًا خلاص أنا موافق بس بشرط أنا اللي اختار عريسك بنفسي.. عشان يحافظ عليكِ.
ليتركها تسير مبتعدة تتلاعب بفستانها ويقترب خطوتين بتردد من ساحرته يقول:
– خلاص مستعدة؟
فتنظر لعينيه نظرة عميقة وتهز رأسها بنعم لتقول بإصرار:
– بس بشرط.
“شروط تاني؟ كفاية ياغزل بالله عليكي.. وفري شروطك لعامر الله يسترك.
تقترب بابتسامه:
– أنا راضية ذمتك.. ينفع تلخذني لعامر بلبسك ده.
ليمرر نظرة على قميصه الأزرق المفتوح وبنطلونه الأسود يقول بعدم اهتمام:
– ماله لبسي؟
– يوسف إحنا في فرح واستحالة اخليك تنزل قدام الناس بالشكل ده.. الناس لازم تشوف يوسف الشافعي بعد رجوعه شكله عامل إزاي ومتنساش إن ده فرحي أنا ويامن يعني العين هتبقى عليك.
– مايهمنيش.. يقولوا اللي يقولوه.. خلينا نخلص من الليلة دي.
غزل بتحدي:
– مش هنزل إلا لما تلبس البدلة دي.
لتشير لشيء ملقى فوق الفراش.
…………..
بعد ربع الساعة
وقف منتظرًا إياها خارج الحجرة الأسد المجروح.. مرتديًا بذلة سوداء أنيقة وقميص ابيض وربطة عنق (ببيون)
يفتح الباب لتطل من خلفه بابتسامتها الهادئة لم تفارقها أبدًا.
ليقول بضيق:
– خلاص؟ دي النهاية؟
تهز رأسها بدون إجابة ليقول متهربًا من عينيها بخوف:
– غزل! أنا مش عارف أقول إيه في الظرف ده؟ بس كل اللي اقدر أقوله إني فعلا بتمنالك حياة احسن من اللي مرت عليكِ.. بس ليا حلم اخير نفسي تنفذيهولي.. أنا أنا.. عايز.. عايز احضنك للمرة الأخيرة.. مرة واحدة بس.. ممكن؟
تصمت بذهول. لم تجبه.. لم تتوقع طلبه المستحيل.. تطول اللحظة بينهما بين منتظر عاشق ومصدومة متألمة.. تبتلع ريقها بعد صمت طال تقول بأسف:
– آسفة! مش هقدر حاليًا.. لأنه مش من حقك.
……..
يهز رأسه بتفهم ويقترب منها بخطواته العارجة مستندًا على عصاه يثني ذراعه الأيمن ليريح كفه فوق معدته:
– يلا عشان أكيد عامر مستنيكي على نار.
تمسك بذراعه وتقول بسعادة:
– أنا كمان مستنية على نار.. يلا.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صماء لا تعرف الغزل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى