روايات

رواية صرخات أنثى الفصل الخامس 5 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى الفصل الخامس 5 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى الجزء الخامس

رواية صرخات أنثى البارت الخامس

رواية صرخات أنثى الحلقة الخامسة

اندهش حينما لم يجده يتابعهما للداخل ، فبحث عنه حتى وجده يسرع لسيارته مجددًا، تعجب علي من خروج عمران بهذا الوقت، فترك شمس تستكمل طريقها للخارج ثم عاد أدراجًا ينادي:
_عمــران.
كاد باجتياز البوابة الخارجية للمنزل حينما استمع لصوت أخيه، اقبل إليه يتساءل:
_مش طالع ولا أيه؟
أحكم غلق جاكيت بذلته الآنيقة حينما داهمه التيار البارد وقال:
_بقالي فترة مشوفتش الشباب هروح الشقة يمكن أشوف حد فيهم.
دث يده بجيب بنطاله وهو يشمله بنظرةٍ متفحصة:
_الشقة عند أصحابك يا عمران، مش الفندق.
أكد له سريعًا:
_علي أنا وعدتك مش هرجع للقرف ده تاني صدقني.
قال وهو يعود للداخل:
_أتمنى..بلغهم سلامي لحد ما أقابلهم.
رفع جسده عن الأرض ليحتل سيارته المكشوفة:
_يوصل يا مان.
قاد عمران سيارته ليصل بعد أقل من ثلاثون دقيقة للعمارة السكنية الراقية، صفها بمحاذاة الطريق وصعد للأعلى يلهو بمفاتيحها وهو يدندن بصفارته الهادئة، حتى وصل للطابق الخامس من المبنى، دث مفتاحه وولج للداخل مبتسمًا، متلهفًا للقاء أصدقائه المقربون، بحث بالغرف أولًا وهو يتمنى لقاء أحدهما، فانتبه للنور المضاء بالردهة، أسرع إليها فتهللت أساريره وردد:
_جمال!
استدار بمقعده القابل للحركة، فمنحه نظرة خاطفة ثم عاد لجلسته يرتشف كوبه لأخره بجموحٍ، صعق عمران مما رآه فاجبر ساقيه على تتبعه رغمًا عن تثاقلها، أصبح الآن قبالته لا يفصلهما سوى طاولة البار المطل على كورن مشروبات القهوة وغيرها، فحمل الزجاجة الموضوعة أمامه بعدم استيعاب:
_إنت جبت دي منين؟
ابتسم من يحتضن رأسه الثائرة بصداعٍ قاسٍ، وقال:
_أكيد يعني كنت هلاقي جوه أوضتك.
جذبه عمران بقوةٍ كادت باسقاط جسده المترنح:
_من أمته يا جمال وإنت بتشرب القرف ده، ده إنت كنت بتعنفني لو بتشوفه معايا، أيه جرالك؟
أزاح ذراعه عن قميصه وعاد يستند على البار ساكبًا كوبًا ويلتهمه غير عابئًا بنظراته ولا بقميصه المبتل، وكأنه ينتقم من نفسه هنا، كز عمران على أسنانه بغضبٍ، فأبعد الزجاجة لأخر البار وصاح بعنفوانٍ:
_كلمني هنا، من أمته وإنت بتشرب القرف ده؟
ابتسم وهو يجيبه:
_من النهاردة، ولو نساني اللي بواجهه هدوام عليه زي ما إنت بتداوم عليه عشان تنسى مشاكلك.
مرت يده بخصلات شعره بتعصبٍ شديد، فسحب مقعد مجاور له وجلس يخبره بهدوءٍ:
_كنت بضحك على نفسي يا جمال، السُكر مش حل للي بنواجهه، كفايا التقزز وكره النفس اللي هتحس بيه بعد ما تفوق ومفيش حاجه هتتسنى.
ابتلع ما بكوبه وقال ببسمةٍ صغيره رسمت على وجهه الحنطية مستنكرًا:
_مش مصدق انك اللي بتتكلم، ما ياما بذلنا أنا وأخوك مجهود كبير معاك عشان تبطل، جاي دلوقتي توعظني!
اتجهت نظراته البنية لهاتفه الجانبي الذي يعاد للرنين مجددًا، فجذبه جمال وأغلقه نهائيًا، ثم عاد يرتشف الكوب ببرودٍ، وزع عمران نظراته بين حالة رفيقه والهاتف، ثم تساءل:
_إنت اتخانقت مع صبا تاني؟
ضحك وهو يجيبه ساخرًا:
_قصدك عاشر ومليون!
استمر بحديثه ليعلم ما به، فقال:
_ليه حصل أيه؟
لف المقعد ليكون مقابل إليه:
_الست هانم من الفضى اللي بقى عندها هنا بقت بتشك فيا، مفكرة إني بعرف واحدة عليها، وكل يوم بتفتش في موبيلي.
وتابع ببسمةٍ حملت حزنًا وألمًا رغم تعمده الاستهزاء:
_ده غير اسطوانة كل يوم عن تضحيتها العظيمة إنها سابت أهلها ومصر وجت عاشت معايا هنا في انجلترا، شايفة نفسها بطلة ولازم أقدر انجازاتها!
وتجرع ما بكوبه وهو يشير له:
_متعرفش إن لولا وجودي هنا وتعبي ليل نهار في الشغل مكنتش قدرت أحقق كل اللي وصلتله ولا كان باباها قبل بالجوازة دي من الأساس.
وتابع بغدافية جعلت دمعاته تبرز بحدقتيه:
_متعرفش أنا موجوع أد أيه وأنا عايش هنا بقالي سبع سنين متغرب عن أهلي عشان أقدر أكونلها الزوج المناسب والابن اللي يقدر يتحمل مسؤولية أبوه وأمه، متعرفش إني بموت ألف مرة وأنا بعيد عن عيلتي ونفسي أكون معاهم بس السنة اللي هفكر فيها أنزل مصر هي اللي هقرر أخوض رحلة العجز قدام مصاريف علاج والدتي ودراسة أخويا الصغير، وجهاز أختي، وأكون عاجز عن طلبات بيتي، وأنا مش جاهز أتحمل كل ده يا عمران.
تدفقت دمعة خانت صموده المزيف وهو يبتسم بتهكمٍ:
_لما خلصت أوراقها من سنة كنت فاكرها جاية تشيل عني وتشاركني وحدتي، فرحت وأنا بتخيل حياتي معاها، وكنت متحمس أرجع شقتي ألقى حد مستنيني، متحمس أرجع لحياة مريحة ألقى فيها أكل بيتي واهتمام بلبسي مقفش أنا أعمل أكلي لنفسي وأكل لوحدي.
واستدار برأسه إليه يخبره بضحكةٍ مهزومة:
_مكنتش أعرف إني هفتح وجع جديد ليا فوق أوجاعي، وإني هتمنى ساعات الشغل تطول عشان مرجعش البيت لنكدها.
تفحص كوبه الفارغ بضجرٍ واستمر بحديثه:
_طلعت معاك حق يا عمران لما سبت مراتك وبصيت على واحدة تشوف مزاجك من غير ما تقلب حياتك نكد.
وناوله الكوب يشير إليه:
_فرغلي كأس.
جذب عنه عمران الكوب وألقاه أرضًا بكل قوته، ثم رفعه من تلباب قميصه صارخًا بعصبية:
_فوق يا جمال، القرف ده لو دخل حياتك هيدمرك، أنا غلط وحياتي كلها غلط، مش عايزك تكون زيي خليك نضيف زي ما أنت.
ترنح جسده بتعبٍ، فتمسك به عمران دون الافلات عن حديثه:
_مشاكلك مع مراتك تافهة وتتحل، شاركها وجعك هتحس بيك.
ومنحه نظرة ساخطة وهو يتابع:
_ثم أنك اللي بتديها الفرصة لده، أيه اللي مقعدك هنا لحد دلوقتي، سيف قالي إنك بتبات هنا بقالك فترة ما طبيعي إنها تشك فيك!
مال برأسه على كتف عمران، مغلق عينيه بارهاقٍ:
_أنا تعبان أوي يا عمران.
ضمه عمران بحزنٍ شديد، لا يستوعب إن صديقه المثالي يترك طريقه المستقيم وينجرف للمحرمات فجأة، بعدما كان يقضي يومه ينصحه بالابتعاد عن المشروب وعن ألكس اللعينة، كان ينفر من حديثه تارة ويحاول الاستماع له تارة أخرى.
يشعر دائمًا بأنه النسخة الشبيهة بأخيه علي، لذا كان سببًا منطقيًا لحب علي لجمال، ودوام صدقاتهما طوال تلك السنواتٍ.
تحرر باب الشقة من جديدٍ، فاستمع عمران لخطوات تقترب منهما، ألقى المفتاح جانبًا ونزع عنه جاكيته وهو يتفحصهما بنظرة ساخطة اتبعت نبرته المرحة:
_جمال في حضن عمران، لأ قلبي الكبير مرحب بالأفكار المنحرفة.
وإتجه بقامته الممشقة للأريكة، مضيفًا:
_في البلد دي نتوقع أي حاجة حقيرة!
دفع عمران جسد جمال للمقعد مجددًا، ثم اتجه ليجلس جواره مرددًا باستغرابٍ:
_أيه جابك إنت كمان دلوقتي يا يوسف؟
سحب نفسًا طويلًا ورفع ساقيه ليستند بهما على الطاولة الزجاجية:
_مفيش رجعت البيت متأخر كالعادة، فالمدام قالتلي هتلاقيك كنت عند صحابك المقاطيع، ومن هنا لهنا قالتلي روح بات عندهم يا دكتور يا محترم.
حل وثاق قميصه وهو يتابع:
_بس كده فاتصلت بسيف أخويا أعرف منه مين من المقاطيع فيكم موجود عنده، قالي إنه بره الشقة بيجيب شوية طلبات وميعرفش مين فثكم مشرف عنده النهاردة، فجيت أبص وبيني وبينك زهقت من الخلقة اللي متعود أشوفها كل يوم.
قال كلماته وهو يشير على جمال الملقي رأسه على الطاولة.
رد عليه عمران بضيق:
_البيه سايب بيته بقاله فترة ومقضيها هنا.
هز رأسه قائلًا:
_عارف عارف يا حبيبي، ما أنا بجبله الأكل كل يوم وبتعاقب بتتضيف الشقة من سيف، بيقولي ورايا امتحانات ومش فاضي لهلس صحابك.
اختنق عمران فحرر جرفاته ونظراته لا تغادر جمال بحزنٍ، بينما تركزت نظرات يوسف المتفحصة له، فسأله:
_هو نام هنا ليه ما يقوم يدخل أوضته.
التقطت عينيه زجاجة الخمر الموضوعة جانبًا، فزفر بسخطٍ:
_خمرة تاني يا عمران، إنت مبتحرمش!
سدده بنظرةٍ حادة، فابتسم ساخرًا:
_أنا لسه داخل قدامك من شوية، واتفاجأت بالبيه أخد مكاني.
جحظت عينيه في صدمة حقيقية، فاعتدل بجلسته المريحة وهو يردد بعدم تصديق:
_إنت تقصد مين؟
انتصب واقفًا بدهشةٍ:
_لأ.. جمال مستحيل يعمل كده!!
وأسرع إليه فأبعده عن الطاولة بعصبيةٍ بالغة:
_قوووم فوقلي.
دفعه جمال وعاد يلقي برأسه على الطاولة من جديد، مرددًا:
_بعدين يا يوسف، سبني.
اشتعل الغضب بمقلتيه، فبحث عما يعاونه بافاقته، فسحب الاناء الممتليء بالثلج، ودفعه إليه بأكمله، انتفض جمال بجلسته وصاح:
_إنت غبي يالا، بقولك تعبان وجسمي كله مكسر تحدفني بالتلج!
طرق على صدره وجذبه ليقف أمام عينيه الملتهبة:
_أقسم بالله يا جمال لو متعدلت لادفنك هنا، سيف كان بيشتكيلي منك بس أنا متوقعتش إن أمورك توصل لهنا.
فتح عينيه وهو يجيبه بمزحٍ:
_ليه يا دكتور كنت فاكر حالتي هتكون أخرها أيه يعني، ما أنا سبق وحكيلك.
تماسك الأ يطيح به، وقال برزانةٍ:
_يا جمال أي اتنين متجوزين طبيعي إن يكون بينهم مشاكل في بداية حياتهم، دورك هنا إنك متهربش، تواجه وتبرر مش تزيد الامور طين وتسبها لعقلها وشيطنها يأكدلها ظنونها.
وأشار للزجاجة بتقززٍ:
_وفوق كل ده تسكر، بتغضب ربنا عشان بتواجه مشاكل سستم طييعي ودائم في حياة كل البشر يا جمال، جاوبني ساكت ليه؟
وضع عينيه أرضًا حرجًا منه، فأشار باصبعه بتحذيرٍ:
_دي أول وأخر مرة تعملها، سامعني؟
هز رأسه بتعبٍ جعل جسده يترنح بوقفته غير واعيًا لما يصيب معدته من ألمًا لا يطاق، فاستتد على صدر يوسف:
_أنا تعبان أوي يا يوسف، بطني بتتقطع.
أجابه ساخرًا:
_من القرف اللي بلبعته.
وأشار لمن يراقبهما:
_اسنده معايا ندخله أوضته، لما أشوف أخرتها معاكم أيه؟
أحاطه عمران من جانبه الأيمن، خاطفًا نظرة سريعة إليه، وقال:
_فوق يا جمال، لازم ترجع بيتك عشان مشاكلك مع صبا متزدش.
مال بجسده على الفراش، فجذب يوسف الغطاء وداثره جيدًا، وعدل من ملابسه الغير مهندمة، ليحك أنفه وصوت أنفاسه اللاهثة تعلو:
_مرمطة في العيادة وهنا.
ضحك عمران على مظهره المضحك، وصاح:
_ورايا يا دكتور الحالات المتعثرة.
حرك كتفيه يعدل من قميصه بغرور:
_دكتور يوسف أيوب من أكبر دكاترة النسا والتوليد، وبتنازل وبتواضع وبعرف اشكالكم المعتوهه، وبتعاقب من حرمي دكتورة ليلى أيوب بالطرد لشقة المقاطيع وعادي وزي الفل.
جذبه عمران من تلباب قميصه بعنف:
_إنت هتحكيلي قصة حياتك لخص في إم الليلة دي.
تعالت ضحكاته الرجولية بقوةٍ، ولحق به للخارج، فجلس كلا منهما على الأريكة، لاحظ يوسف تسلل الحزن لمعالم عمران، فقال وهو يهم لصنع القهوة:
_مالك قالب وشك ليه إنت التاني؟
توترت معالمه، فنهض واتبعه ليستند على البار وبتلعثمٍ قال:
_يوسف أنا آ….. آآ…
ضيق عينيه الثاقبة إليه، فرفع الكوب الفارغ وملعقة السكر إليه:
_ولآ.. أنا بخاف من الداخلة دي، أقسم بالله لو قولتلي حاجة تنكد لاقتلك إنت والحيوان اللي جوه ده، أنا لسه خارج من ولادة طبيعية متعسرة وخلقي في مناخيري.. فانجز وإرمي المصيبة اللي بتحاول تلقيها في وشي من ساعة ما شوفت خلقتي.
وجذب هاتفه وهو يهدده:
_اتصل بدكتور علي أقرره ولا هتتكلم.
خشاه عمران فجلس على المقعد بارتباكٍ، طرق على كتفه ليجذبه نصفه العلوي فوق الطاولة الرخامية الفاصلة بينهما:
_انطق ياض هببت أيه إنت التاني؟
رفع رماديته بتوتر إليه، وردد:
_أنا غلطت مع ألكس.
فلته ببطءٍ وعينيه المغتظمة بغضبه لا تتركه، فتحرك لمكينة القهوة بصمتٍ كان قاتلًا لمن يتابعه بترقبٍ لسماع ما سيقول، فاتبعه والحرج يشكل على معالمه، فحاول تبرير أخطائه:
_يوسف أنا آآ…
قاطعه حينما استدار بحركته الشرسة ليصرخ بعصبية:
_إنت حقير ومبتحبش غير الوساخة زي العاهرة الرخيصة اللي غلطت معاها.
رسم وجهه أرضًا تأثرًا بكلماته، فشدد يوسف على شعره بقوة كادت باقتلاعه، ثم سحب كوبه وجلس على مقعد البار مرددًا بعدم مبالاة:
_خسارة فيك النصايح اللي في النهاية مش هتعمل بيها، إعمل ما بدالك يا عمران، إسكر وازني وإغضب ربنا بكل الكبائر واقعد ابكي واندب واستنى لحظة عقابك وإنت عارف وواثق إنها جاية.
اتبعه للمقعد المجاور له، فجذبه ليجلس قبالته، يراقبه وهو يرتشف قهوته بجمودٍ، فحاول استعطافه:
_يوسف أنا حاولت والله، بس صدقني أنا لما بشوفها قدامي بضعف ومبقدرش أتحكم في نفسي.
طعنه بنظرة قاتلة:
_حيوان تقصد… ما هو الحيوانات هي اللي مبيكنش عندها دارية بالامور ولا التحكم بالذات.
ولعق بلسانه شفتيه يخفي ابتسامته الخبيثة التي تحررت من خلفها مكيدته:
_بقولك أيه يا عمران، ما دام إنت كده كده هتطلق مايسان، فأنا شايفها مناسبة لدكتور سيف أخويا، إنت عارف بقى إننا هنا في انجلترا صعب نلاقي عروسة عربية أدب وأخلاق وجمال وآ…
كممت لكمته كلماته فاسقطته عن المقعد، نهض يوسف وهو يزيح الدماء النازف عن شفتيه ببسمة راضية، بينما انتصب الاخير بوقفته وصرخ بعنفوان:
_متحاولش يا يوسف صدقني هنسى الصحوبية والعيش والملح اللي بينا وهدفنك حي هنا.
منحه ابتسامة ساخرة، وجلس يستكمل قهوته ببرودٍ، وحينما انتهى من الكوب لف رأسه تجاه ذاك الثائر فجأة وقال:
_لما شتمت ألكس وقولتلك أنها عاهرة ورخيصة متعصبتش ولا اتحمقت عليها كده، ولما كلمتك بالحلال وبالاصول على بنت خالتك اللي مش طايقها عرق الرجولة نقح عليك أوي، مش غريبة؟
ابتلع ريقه وهو يترنح جراء تمعن كلماته المصوبة لكل ذرة داخله، فتراجع للخلف بتأثرٍ، جعله يرتبك:
_آآ… أنا… الوقت إتاخر لازم أرجع..
أشار بيده وهو يعود للتطلع أمامه بكل هيبة ورزانة:
_اهرب يا عمران، اهرب من حقيقة مشاعرك واجري ورا شيطانك اللي هيدمرك.
فتح عمران الباب ومازالت نظراته منصوبة على رفيقه، وحينما استدار ليغادر وجد سيف قبالته، يخلع حقيبة ظهره وهو يوزع نظرات متفحصة بينه وبين أخيه الجالس على بعدٍ منهما وشفتيه تنزف الدماء فتساءل بشكٍ:
_اتخانقتوا تاني ولا أيه؟!
أتاه رد أخيه يوسف يجيبه:
_حمدلله على سلامتك يا دوك، تعالى اشجيني إنت كمان بمصايبك مانا خلاص هقلب تخصصي لطب نفسي ومحلل هنا..
وأضاف وهو يشير لعمران الشارد على باب الشقة كالتمثال:
_استضيف دكتور علي يومين هنا للمقاطيع دول يا عمران، يمكن يحل مشاكلهم ومشكلتك.
ودعه بنظرة حارقة قبل أن يصفق الباب، هاربًا، مبتعدًا، نازحًا عن اختراق تلك الكلمات لقلبه المشتعل، قاد سيارته بجنون ومازالت كل الاحاديث تختلط إليه تجعله يبدو كالأبله.
توقف فجأة عن القيادة، وارح جسده للمقعد وهو يفكر جديًا منح زوجته فرصة، عسى بقربها يصل لباب الخروج من المتاهةٍ اللعينة.
******
دق هاتفه للمرة التي تجاوزت الثامنة، ففتحه وهو يجيب:
_أيوه يا فؤاد، محتاج حاجة!
استمع للطرف الأخر بعنايةٍ، فلم يكن سوى السائق الخاص براكان، اوقف آدهم السيارة بقوةٍ جعلت عجلاتها تحتك بالرصيف بصوتٍ مقبض:
_لأ… أوعى تعملها يا فؤاد.
ولف عجلة قيادته ليعود أرداجًا وهو يكرر لمسمعه:
_متتصرفش نهائي، أنا راجع.
وأكد بحزمٍ:
_اسمع كلامي ونفذه، أنا كلها دقايق وأكون عندك متتصرفش من دماغك فااااهم.
وألقى هاتفه يساره وضغط بسرعته حتى وصل لڤيلا راكان بعد خمسة عشر دقيقة، فأسرع للجانب الخلفي حيث كان يقف السائق فؤاد بانتظاره، فما أن دنى منه حتى جذبه بعيدًا عن نطاق الحرس، فقال الأخير وقد برز الغضب بعروقه المتصلبة:
_البت معاه جوه يا باشا، أنا مش هقدر أسيبه يعملها حاجه وأقف أتفرج.
كز آدهم على أسنانه وردد بنظرة تحذيرية قاتلة:
_إنت اتجننت عايز تضيع تعبنا طول الشهور دي في لمح البصر.
ردد باستنكارٍ لما يقوله:
_يعني أيه يا باشا هنقف كده ونسيبه يعمل عملته الوس***
تقابل حاجبيه المنزوي غضبًا، وبصوتٍ حازم صاريح:
_سيطر على أعصابك واتحكم بعقلك.
جابهه بعندٍ:
_أنا آسف يا باشا مش هقدر.
وأخرج سلاحه وهو يسحب زناده للاستعداد، فجذبه آدهم ليقف قبالة شرارته متفوهًا بصرامة:
_ده أمر مباشر مني يا حضرة الظابط.
أدى تحيته العسكرية وهو يردد بوقارٍ:
_الأمر نافذ.
وتركه وغادر وعينيه تلمع بالدمع، استعطف قلب آدهم، فجذبه وهمس له:
_متقلقش أنا هخلص البنت دي بدون ما ننكشف.
وتابع وهو يشير:
_هانت وهنجيبه راكع تحت رجلينا.
وتركه وأسرع بالتواجه للداخل، متعمدًا الطرق أكثر من مرةٍ على الباب حتى لا يطرق له فرصة افتعال أي شيءٍ، وبالفعل فتح راكان باب غرفته وبيده زجاجة الكحول، رفع آدهم نظراته المتقززة ليصل لوجهه، ورسم بصعوبة بسمة خاطفة وهو يردد:
_اللي حسبته لقيته عثمان الحقير حطيلي قنبلة بعربيتي، كان عايز يخلص مني عشان يوصلك.
برق بعينيه بدهشةٍ:
_قنبلة!!
هز رأسه مؤكدًا، وتابع بقص التفاصيل إليه، خاصة بما تخص شمس، فأسرع متلهفًا:
_طب وشمس جرالها حاجة؟
أجابه ويده مضمومة على الأخرى:
_اطمن يا باشا شمس هانم بأمان، أنا مستحيل كنت هسيبها تتأذى.
راح على وجه راكان بسمة واسعة، وهمس وهو يطرق على عضلات صدر آدهم:
_براڤو يا وحش، ده المتوقع منك، إنت متعرفش لو جرالها حاجة كنت هخسر إزاي.
وتابع وهو يرتشف كحوله اللعين:
_البت دي من عيلة كبيرة أوي، مركز ونسب يليق باسمي ويخلينيا نتابع شغلنا من غير ما نلفت النظر لينا، وبالأخص كمان عمران أخوها، شركاته وعلاقاته تقدر تفيدنا لو جرينا رجله معانا.
وعاد من أرض أحلامه يبتسم لمن يطعنه بثبات قاتل:
_أنا مش عارف أشكرك ازاي، من يوم ما ظهرتلي وانت ملاكي الحارس اللي في دهري وقدام كل شر أتعرضه.
همس آدهم بصوتٍ خبيث منخفض:
_أنا ملاك موتك اللي هقبض روحك وأرجعها لقفصها.
انتبه آدهم من شروده على كلمات راكان:
_أطلب مني اللي تحبه وفورًا هلبيهولك.
اتسعت بسمة مكره، فغامت عينيه على المقيدة على فراشه البارز من خلفه، فضحك راكان وهو يلتفت لما يتطلع إليه، وعاد يرتشف من الزجاجة ببسمة دنيئة، فأشار له:
_اعتبرها ملكك، أنا مجتش جانبها بقالي ساعة بحاول معاها بس بنت ال** مستقوية عليا عشان سكران.
وخرج من الغرفة وهو يغمز له:
_عارف إنها مش هتأخد معاك غلوة، أكلم أنا واحدة من البنات إياهم.
راقبه آدهم بنظرة مستحقرة، فما أن اختفى من الرواق حتى بصق خلفه مرددًا:
_كلب.
ثم ولج للداخل، فصعق حينما وجدها طفلة لا تتعدى عمرها السابعة عشر، مقيدة على الفراش بشكل يمزق القلب، وجهها متورم من فرط الكدمات التي تلقتها، أبعد جاكيته ليجذب خنجره، فأشارت بعينيها الباكية وهي تترجاه:
_لا تفعل أرجوك.
أغلقت عينيها بقوةٍ ظنًا من إن نصل السكين سيصل لعنقها، فصعقت حينما وجدته يحرر الحبال المقيدة لها، فعاونها على الوقوف وإتجه بها للباب الخلفي هامسًا بشفقةٍ:
_إركضي سريعًا إن رغبتي بالنجاة.
فور إنتهاء كلماته هرعت وكأنها تهرب من شبح موتها، بعدما حررها ذاك الملاك الذي يبدو مخيفًا من نظراته الثاقبة وخطاه الواثق، ولكنه فجأها بأنه لا يريد أن يكون سجانها العتي بل أراها جانبًا أخرًا لشهامة رجلًا يجابه دناءة الأخر في الوقت ذاته.
*****
استند بجسده على أحد فروع الشجرة بالحديقة، بعدما فشل بالنوم، فهبط يتمشى بحديقة المنزل، زفر علي بمللٍ وكاد بالتراجع، فلفت انتباهه تلك الجالسة على الأريكة هائمة بضوء القمر بسكونٍ، اقترب منها ببسمته الجذابة، واقتحم صوته الرجولي عالمها الهادئ:
_لسه صاحية؟
انتبهت له مايسان، فمنحته ابتسامة هادئة:
_مجاليش نوم قولت أنزل اشم الهوا النقي ده.
مال بجسده يستند على حافة الاريكة الخشبية، متسائلًا بتهذبٍ:
_تتضايقي لو شاركتك القعدة اللطيفة دي.
ربعت قدميها وتنحت لأخر الأريكة:
_يا خبر يا علي، هتضايق منك إنت!
وأشارت بيدها:
_اتفضل يا دكتور.
ابتسم وجلس قبالتها يرفع عينيه للقمر الصافي بتلك الليلة الهادئة، واركن رأسه لحافتها، قائلًا بهيامٍ:
_منظر رائع، ينقصه بس فنجان قهوة وموسيقى هادية.
ضحكت وهي تخبره بمزحٍ:
_جيت في جمل! اديني ثواني.
وتركته وعادت بعد قليل حاملة للقهوة، التقطتها منها بحرجٍ:
_تعبتك معايا، حقيقي شكرًا.
ومالت بجسدها تجذب حاسوبها وتشغل أغنية هادئة “لام كلثوم”:
_وادي الاغاني، مش حرمينك من حاجة يا دكتور.
ارتشف من قهوته، وأشار بتلذذٍ:
_الله… تسلم إيدك يا مايا بجد حاجة تعدل المزاج.
واسترسل مازحًا:
_يا بخت عمران الغبي بيكِ.
احتلاها الحزن، فزمت شفتيها بسخطٍ من ذكره، ولكنه أتاح له الفرصة للحديث عنها،فقالت :
_علي أنا عايزة أطلق من عمران، ومش عارفة أقول أفاتح خالتي ازاي بالموضوع ده، إنت عارف أد أيه بيعصبها.
مال بجسده واضعًا الكوب على الطاولة، ثم قال بجدية تامة:
_عارف.. مشكلة ماما إنها متعلقة بيكِ جدًا يا مايسان، شايفاكِ بنتها وصديقتها اللي مقدرتش تكون في حياتها في يوم من الأيام.
هزت رأسها وخانتها تلك الدمعة:
_أيوه بس أنا موجوعة أوي يا علي، إنت مش عارف أنا بحس بأيه وأنا شايفة حياتي كده معاه.
برر لها نظرته الغير منصفة:
_لا عارف وحاسس بيكِ يا مايا، بس صدقيني إنتِ اللي محتاجة يكون عندك قوة لمواجهة أي حد قدام قرارك، متسمعيش لخوفك يقصر عليكي، ودافعي عن قراراتك بكل قوة.
واستطرد مازحًا:
_أجلي موضوع طلاقك ده لبعد مشكلتي يمكن الثورة اللي هعملها مع فريدة هانم تديكي دروس تقوية في اللي جاي.
اكتفت برسم بسمة صغيرة، وتساءلت باهتمامٍ:
_ثورة! ليه خير يا دكتور؟
خطف نظرة متفحصة من خلفه، وكأن لصًا كمش به:
_أصل أنا وقعت.. والواقعة كانت مع بنت بعيدة عن الطبقة الآرستقراطية اللي فريدة هانم مش بتناسب غير منهم.
جحظت عينيها دهشة، وتساءلت بفضول:
_بجد، مين دي إحكيلي!
ربع قدميه والتفت إليها، وكأنه كان يود الحديث عن أمرها مع احداهما، زارته تلك البسمة بافتتاحية حديثه عنه، وعينيه تلمع بعشقٍ صاريح تغلغل داخلها، اعتلاها الحزن فور ذكر علي لقصة فاطيما المؤلمة، وترقبت فور انتهائه.
انتظر علي حديثها، الا أنها إلتزمت الصمت لدقيقة، وكأنه تواجه صدمة كبيرة، وعادت تتطلع إليه من جديد بعدما اعتدلت بجلسته:
_علي إنت مش بس هتقوم ثورة إنت هتشعل نار هتأكلنا كلنا.
ولعقت شفتيها بخوفٍ قاتل:
_دي فريدة هانم هتقوم الدنيا متقعدهاش لو اكتشفت قصة حبك دي.
وبارتباكٍ استكملت:
_أصل الموضوع مش موضوع نسب العيلة وبس لا ده يخص اللي أتعرضت له وده طبعًا مالهاش تتحاسب عليه لإنه خارج عن ارادتها يبقى إنت اللي لازم تخاف منها يا علي!.
أجابها بحدةٍ وثقة:
_ميفرقش معايا، أنا مش بتجبر على شيء يا مايا، ومازلت مصمم علة رأيي ومنتظر لما فطيمة تتعالج وتتقبل وجود حد في حياتها ساعتها هكونلها الحد ده.
جاهدت برسم بسمة صغيرة على وجهه، وبنقاء قلبها دعت له رغم احتراق روحها على نفسها التي تعافر جوار رجلًا لا يشعر بعاطفتها تجاهه وبين أخيه الذي يود تحدي العالم بأكمله لأجل تلك الفتاة:
_ربنا يجمعها بيك في الخير يا علي.
وأكدت عليه:
_لازم تعرفني عليها، عندي فضول أشوفها أوي.
ابتسم وهو يميل إليها هامسًا:
_أوعدك هعرفك عليها بأقرب وقت.
هزت رأسها بسعادةٍ:
_مع إني خايفة عليك من اللي جاي،بس اختك جانبك وهتساندك وتحارب معاك يا علي.
ابتسامة ممتنة تمردت على شفتيه:
_طول عمرك بتأدي واجبك تجاهنا كلنا على أكمل وجه يا مايا.
تهربت منه عساه لا يرى دمعاتها، فعادت تدندن مع الاغنية بشرودٍ، وذراعها يفرك بالأخر برعشة سرت لجسدها لسوء الجو، لاحظها علي فأشار لها جادًا:
_شكلك بردانة، خلينا ندخل عند الدفاية.
هزت رأسها نافيًا، وباصرارٍ قالت:
_أنا عايزة أقعد هنا شوية.
لم يفكر مرتين، نزع عنه جاكيت بذلته وأحاطها به جيدًا، وكأن من أمامه هي شمس شقيقته الصغيرة، ابتسمت مايسان لحنانه المعتاد، فرفعت عينيها لتقابل وجهه القريب المنحني بجسده لها وقالت:
_شكرًا يا علي.
لم ترى أعين ذاك المتسمر بالوقوف بالقرب منهما، يراقبهما منذ دقائق، فاستشاط غضبًا وهو يجدهما يتبادلان الحديث منذ فترة وابتسامتها التي لم يراها برفقته يومًا تزدهر بوجود شقيقه.
والآن يشق صدره ويبتلع ما بداخله النيران وهو يراه يلف جاكيته من حولها، وجوده جوارها بهذا القرب بحد ذاته جعله على وشك الانفجار حيثما يقف.
انتصب علي بوقفته وعينيه تجوب الهواء الذي يكاد يلتهم اجسادهما، فقال برعشة شفتيه:
_إنتِ شكلك متأثرة بإم كلثوم وعايزة تقضي الليل وسماه في الجو اللي مالوش ملامح ده، وأنا بصراحة ورايا شغل ومعنديش استعداد اخد لطشة برد، فخليكي هنا مع أم كلثوم، وتصبحي على خير.
انفجرت ضاحكة حتى أدمعت عينيها، فراقبته وهو يسرع للداخل، رافعة صوتها الضاحك:
_وإنت من أهله يا جبان.
وما أن تأكدت من رحيله حتى حررت حجابها، ويدها تغوص بخصلات شعرها الطويل، وتمددت على الأريكة واضعة رأسها على كتفها المرتدي لجاكيته، خصلاتها تستجاب للهواء فترفرف من حولها مثلما أردت.
أغلقت مايسان عينيها ومالت برأسها ومازالت شفتيها تدندن باستمتاعٍ، ولم ترى ذاك المحترق الماسد أمامها، كز عمران على شفتيه فلف يده حول معصمها وأجبرها على الوقوف قبالته.
انتفضت مايسان فزعًا، وبدأت ملامحها بالاسترخاء وهي تشاهد من يجرأ على لمسها، هدأت حدة انفاسها ورددت بصوتٍ هامس مغري له:
_عمران! خضتني!
ردد من بين اصطكاك اسنانه الهائلة للسقوط:
_تحبي أناديلك دكتور علي ياخدك في أحضانه عشان الخضة.
برقت بعينيها بعدم استيعاب لما يقول:
_إنت بتقول أيه؟!
رفع يده يحيط بذراعيها، متعمدًا إيلامها وهو يصرخ بعنفٍ:
_الا أخويا يا مايا بلاش، عشان أقسم بالله هقتلك لو فكرتي تكرهينا في بعض ويكون هو اختيارك التاني الرابح هنا.
شعرت وكأنها صماء لا تستمع إليه، عينيها تراقب شفتيه وهي تصرخ بنطق اسم “علي” وآذنيها تصرخ بسماعها الصريح له، بدت كالصنم بين يده، وأخر ما التقطته:
_لو دي لعبتك فأنا طلاق مش هطلق، هسيبك كده زي البيت الواقف لا تطولي ناري ولا، جنة غيري.
ورفع اصبعه يشدد بنظرات قاتمة:
_بحذرك لأخر مرة الا أخويا، سامعــة.
لم تشعر بذاتها الا وكفها يصفعه بنفس قوة غضبها، وصوتها العاجز يتحرر:
_اخرس يا حيوان، علي ده أخويا!
واسترسلت بوجعٍ يخترق أضلاعها:
_يا ريته كان اختياري وكنت إختياره مكنتش اتعذبت العذاب اللي شايفاه معاك ولا عشت كل يوم في كسرة ومهانة.
وبقسوةٍ صرخت:
_يلعن أبو القلب اللي حبك يا أخي.
مازال رأسه مائلًا انصياعًا لصفعتها والصدمة تحاط به، لم تجرأ أي أنثى طعن رجولته مثلما فعلت تلك الفتاة، كور يده بقوةٍ جعلتها بيضاء كاللوح الثليج القارس، راقبته مايسان بخوفٍ خاصة بعلمها بأن عمران شرس صعب المراس، عمران ليس بالمتهاون بحقه أبدًا.
ابتلعت حلقها المرير بازدراء فور أن أتجهت رماديته القاتمة إليها، فتراجعت خطواتها للخلف بهلعٍ تربص بمعالمها فور تعثر قدميها بحافة حمام السباحة.
استعدت لمصيرين كلاهما أبشع من الأخر، الأول مواجهة ذاك الأسد الجامح وثانيه سقوطها بتلك المياه التي تحاطها طبقة من الثليج استجابة مرحبة لتلك الاجواء القارصة.
تراقص جسدها بالهواءٍ، ففصلتها مسافة قليلة عن ملامسته للمياه، رفعت مايسان عينيها لتجده يمسك يدها بتحكمٍ، وقوة غضبه مازالت ساكنة حدقتيه، خشيت أن ينتقم لجرحها الصريح لرجولته فيسقطها أرضًا.
وزعت نظراتها بتيهةٍ برماديته المقتادة بالنيران وبالمياه الباردة، فتحررت كلماتها بتثاقلٍ عزيزٍ:
_متسبش إيدي يا عمران.
كلماتها الواضحة له أثارت مشاعره بريبة بددت غضبه تدريجيًا، ألمه رؤية الخوف القابع بعينيها منه ومن مصيرها المنتظر، جذب عمران يده المتمسكة بها بقوةٍ جعلت جسدها كالورقة المترنحة بالهواء العتي، فسقطت على الأريكة من خلفها، وقبل أن تستوعب ما فعله للتو وجدته يدنو منها، ينحني إليها بجسدها.
سال لعابها ذعرًا فزحفت للخلف حتى وصلت لأخر الأريكة، ومازال يلاحقها بخطاه البطيئة الواثقة، وجدته ينزع عنها جاكيت علي بعنفٍ كاد أن يهشمها، فلعب عقلها لما يحاول فعله بعد أن أذاقته من فنون الغيرة رغمًا عنها، فصرخت به:
_عمران إنت بتعمل أيه؟
أزاح ذراعها والآخر، فخشيت ما تردد لها، لتعود لصراخها المهدد:
_أقسم بالله لو قربتلي لأصرخ ولا هيهمني فريدة هانم هتعاقبك بأيه المرادي، إبعد عني أحسنلك!
زاد ذُعرها حينما سدد لها نظرة قاتلة، وانتصب بوقفته يزيح عنه جاكيت بذلته بعصبية كادت بتمزق أزراره وانتزعها، ليلقيه بوجهها جاذبًا جاكيت علي ومتوجهًا للداخل بصمتٍ مميتٍ.
هدأت أنفاسها رويدًا رويدًا، وهي تجده يدلف داخل المنزل، وضعت يدها على صدرها تتلامس فرط نبضات قلبها الثائر، واشتعال وجنتها من قربه القاتل، ويدها الاخرى ترفع جاكيته الموضوع على جسدها بإهمالٍ.
رغمًا عنها استجابت شفتيها لبسمة صغيرة، غيرته كانت بادية كسطوع الشمس في ليلٍ مخيف، مجرد رؤيتها ترتدي شيئًا يخص رجلًا غيره تمرد طابعه الشرقي دون ارادة منه، ومع ذلك خشي تركها بالثليج دون غطاء يداثرها، عساها تمرض بعد ازاحة الجاكيت عنها.
ضمت مايسان جاكيته وهي تستنشق رائحة البرفيوم الخاصة بها تطوف بما تركه من خلفه، وحملت بين ذراعيها بعنايةٍ وكأنها تحمل قطعة من المجوهرات، وتمددت على الأريكة بهيامٍ.
*******
كان يقرأ بكتابه باستمتاعٍ حينما انفتح باب غرفته، ليظهر من أمامه أخيه وبيده جاكيته الخاص، ولج عمران للداخل واضعًا الجاكت على المقعد وبآلية تامة تحرك للفراش، رفع الغطاء وتمدد جواره،ثم استكان برأسه على ساق أخيه المندهش مما يراه، فترك كتابه ومرر يده على ظهر أخيه بقلقٍ:
_عمران إنت كويس؟
تمسك به أكثر وعينيه تلتمع بالدمع آبية السقوط، صمته زاد من قلقه فقال:
_عمران مالك؟
أتاه صوتًا محتقنًا يجيبه:
_خايف أخسرك في يوم من الأيام يا علي.
رفع رأسه إليه، فاعتدل عمران بجلسته مواجهًا أخيه وجهًا لوجه، فتماسك وهو يردد:
_أنا عايز مايسان يا علي.
رمش بعدم استيعاب لما يحدث عنه، فضربه بخفة على جبينه مرددًا بضحك:
_إنت توهت في الأوضة ولا أيه يالا، داخلي أنا وبتقولي الكلام ده ليه ما تروح لمراتك!
ولف وجهه بين يده بنظرة متفحصة:
_أوعى تكون شربت تاني، هعلقك من رقبتك المرادي أنا مطمن إنك كنت مع جمال ويوسف.
واعتدل علي بجلسته يتساءل:
_إنت كنت فين يا عمران إنطق!
تعجب من بروده بالحديث، وعدم تطرقه لما يخص زوجته وكأنه لم يستمع لحديثه من الأساس، ما يشغله عودته للخمر ولتلك اللعينة، فاندث بأحضانه والآخر يضمه باستغرابٍ لحالته الغامضة، فردد بخوفٍ:
_عمران مالك متقلقنيش عليك!
ردد إليه بندمٍ:
_أنا حقير فعلًا زي ما يوسف وصفني.
ضمه علي مازحًا:
_قول كده بقى الدكتور يوسف اداك الطريحة اللي هي، وجاي أصالحكم على بعض، خلصانة يا حبيبي أنا لما أشوفه هحلك الأمور.
صمت ولم يبرر له، تركه يظن الأمر خاص برفيقه، فكيف سيواجهه إن علم ظنونه التي تلاشت لحظة تمعنه بحدقتيه الصادقة، انحنى عمران ليعود بوضع رأسه على ساق علي من جديد، فمرر علي يده بخصلات شعره البني بحنانٍ، وردد بمرحٍ:
_خدلك يومين دلع بعد كده حضن أخوك هيبقى ملك لزوجته المصون.
رمش عمران بعينيه باستغرابٍ، فاستدار بجسده ليقابله متسائلًا:
_تقصد أيه؟
وخمن ببسمة هادئة:
_إنت رجعت ليارا يا علي؟
ضحك وهو يجيبه ساخرًا:
_دكتورة يارا خطيبتي السابقة اتجوزت وزمانها على وش ولادة يا عمران!
اعتدل عمران بجلسته وهو يستفهم بلهفة:
_يبقى حب جديد صح؟
هز رأسه مؤكدًا، فاتسعت بسمة عمران بحماسٍ:
_طيب احكيلي بتخبي عني!
نفى ذلك موضحًا:
_عمري ما خبيت عنك حاجة، الموضوع وما فيه إني مكنتش متأكد من مشاعري وكمان علاقتنا هتبقى شبه محال.
رفرف باهدابه بعدم فهم:
_ليه؟
التقط علي نفسًا مطولًا قبل أن يجيبه:
_عمران أنا بحب فطيمة.
جحظت عينيه صدمة وهو يحاول تذكار الاسم المردد لولا أنه رآها بنفس اليوم، ومع ذلك تمنى أن يكون مخطئ ففاه:
_فطيمة اللي أنا شوفتك قاعد معاها واللي المستشفى كلها جايبك سيرتها وسيرتك! يعني مكنوش بيبالغوا!
لم يترك له عمران فرصة الحديث، واستكمل بهمسه المنخفض:
_مش دي البنت اللي كنت دايمًا بتتكلم عنها طول الشهور اللي فاتت هي اللي تم الاعتداء عليها.
هز رأسه مؤكدًا له بحزنٍ، فصاح عمران به بعد فترة صمته:
_لأ يا علي، فريدة هانم مش هتسكت دي… دي ممكن تقوم قيامتك!
تمدد جواره مستندًا بيده أسفل رأسه، عينيه شاردة بسقف غرفته:
_مستعد أتحاسب وأتحداها بكل قوتي، بس فطيمة تتقبل حبي وده صعب يا عمران.
واستكمل وعين عمران المندهشة لا تفارقه:
_لأول مرة أحس بالوجع ده، المفروض إني كطبيب متأثرش بالكلام اللي أسمعه من المريض وأكون مركز لكل حرف بحيث أقدر أساعده، لكني وأنا جنبها عاجز.. عاجز وبتمنى أساعدها بدون ما أسمع عن اللي اتعرضتله لإني بحس بخنجر بيقطع لحمي وبتمنى أرجع الماضي وأقتل أي حقير جرحها ومسها.
وبصوتٍ مختنق استطرد:
_بتمنى أكون أول راجل ظهر في حياتها، وقتها مكنتش هسبب كلب يمس شعرة منها، يا ريت لو أقدر أخدها بين ضلوعي وأخبيها عن كل اللي اتعرضتله يا ريت!
رمش بعينيه وهو يستمع إليه بعدم تصديق، فصاح:
_إنت مش بتحب ده أنت عاشقان وواقع من الدور الفوق المية!!
ابتسم وهو يشير له بهيامٍ:
_عنيها فيها حاجة غريبة، بتشدني لدرجة مببقاش عايز أفارقها، مجرد ما عيوني بتلمح غيرها بشيل نفسي ذنب كبير، مع إني نظراتي ليها أكبر ذنب، غصب عني مجبور أبعد لإني أكتر حد عارف حالتها..
وسُلط رماديته لاخيه وهو يخبره بألمٍ:
_عمران أنا الدكتور الخاص بفطيمة وعارف ومتأكد إني مش هواجه حرب مع فريدة هانم بس، الحرب هو فوزي بقلب فطيمة الأول قبل كل شيء.
وتابع بعين شاردة:
_فطيمة شايفة فيا الآمان والسكينة وده طبيعي لإني جنبها بصفتي الدكتور علي، مش قادر أخد أي خطوة تخليني أجزم إنها حابة الأمان مع علي نفسه.
ارتسمت بسمة خافتة على وجه عمران، فتمدد جوار أخيه وردد بحبٍ:
_بتمنى تقدر تحصل على حبك وتعيش حياة مثالية لإنك تستاهل يا علي.
لف رأسه للوسادة ليكون قبالته:
_وإنت كمان الحياة المثالية مع الزوجة اللي تستاهلك على بعد منك خطوات وإنت من غبائك بتضيع كل شيء منك.
لف عمران رأسه لأخيه وأجابه:
_بحاول يا علي، بس المرادي عندي ارادة قوية مرجعش للقرف ده تاني.
واستقام بوجهه مربعًا يده أسفل رأسه مثلما يفعل أخيه، وردد بعزمٍ:
_مش جاهز أرجع أعيش نفس التجربة البشعة، احساس كره النفس والتقزز والخوف من الموت وأنا شايل ذنوب كبيرة زي دي مش هقدر أعيشه من تاني.
أغلق علي عينيه باستسلامٍ لنومه وهو يهمس:
_نام يا عمران، ومتقلقش أنا جانبك ومش هتخلى عنك أبدًا.
مال برأسه إليه مبتسمًا وسرعان ما لحق به هو الأخير.
******
أشرقت الشمس بردائها الذهبي لتعتلي عرشها بيومها الجديد.
أفاقت سيدة المنزل ترتدي ترنجها الرياضي لتمارس رياضتها المعتادة كل صباحٍ، فجلست على السجادة الصغيرة الخاصة بها تتأمل ولاديها، هبط علي برفقة عمران والضحكات لا تفارق الأوجه، ومن خلفهما لحقت بهما شمس تردد بضجرٍ:
_طبعًا عاملين تحبوا في بعض ونسيتوا إن آ..
ابتلعت كلماتها حينما وجدت والدتها تراقبهم من الأسفل وهي تتمرن، فدنت منهما تضع يدها على كتف كلا منهما وهي تهمس:
_نسيتوا أن حد فيكم لازم يوصلني الجامعة معيش عربية أنا، اتفحمت والله.
ضحك علي وهو يهمس بنفس مستوى صوتها:
_معلش تتعوض، عمران أخوكي هيوصلك، صح يا عموري.
جز على أسنانه وهو يؤمي برأسه باستسلامٍ، فتابع علي بخبثٍ:
_بالمناسبة لو فريدة هانم شمت خبر هتحرمك من الجامعة.
وتركهما وهبط للأسفل، مرددًا ببسمته البشوشة:
_صباح الجمال على سيدة الرشاقة والجمال كله.
اعتدلت بانحنائها وهي تجيبه ببسمةٍ هادئة:
_أهلًا بالدكتور البكاش اللي مش محافظ على صحته وبطل يلعب رياضة معايا زي كل يوم.
حك أنفه بضجرٍ، فابتسم عمران ساخرًا وهو يشير له:
_هاتلك سجادة واقعد جنب مامي اتدرب ونشط الدورة الدموية يا دكتور.
_مامي في عينك قليل الأدب ومنحط.
قالتها فريدة بغضبٍ جعل علي يقهقه ضاحكًا، وعاد يجيبها:
_آسف يا حبيبتي اليومين دول بس مشغول مع كام حالة كده، لكن وعد في يوم الاجازة هتلقيني مستنيكِ تحت من الفجر.
واقتبس قبلة على خدها مستأذنًا بالمغادرة لتأخره، وكذلك فعل عمران وشمس ولحقوا به.
تعجب عمران حينما وجد علي الذي يتحدث عن تأخره يقف بحرجٍ بداخل زواية المنزل، فسأله باستغرابٍ:
_رجعت ليه مش بتقول متأخر؟!
تنحنح وهو يردد وعينيه أرضًا:
_الظاهر كده إن مايا نامت بره وشكلها مش لابسه الحجاب، اطلع ظبط الدنيا بحيث متتحرجش لو عديت.
تصلب جسده وهو يستمع لأخيه الذي يرفض مجرد لمح طيفها في حين إنه من فرط غيرته كان ليطعن به بالأمس، أفاق على هزة يده المتعصبة:
_بقولك متأخر هتخرج ولا أنادي شمس اللي اختفت دي!
هز رأسه بخفةٍ، وخرج بخطاه المتثاقل للخارج، اقترب من الأريكة فازدرد لعابه تأثرًا برؤيتها غافية كالملاك، وفوق كل ذلك تحتضن جاكيته بقوةٍ، للحظة ود لو كان هو بدلًا من جاكيته، ود لو يطول قربها منه، ينتابه فضول عن شعوره إذا كانت معه زوجة شرعًا، يود القرب بشكلٍ مستميت وخطيرًا لمشاعره التي باتت تخنقه بتلك اللحظة.
زاد عمران من نخفيف حدة جرفاته على عنقه، وبصوتٍ هادئ رقيق ناداها:
_مايا.
فتحت عينيها تدريجيًا لتبدو صورته غير واضحة، فبدت تتحرك بنومتها وكأنها على فراشها الوثير، كادت بالسقوط أرضًا أسفل قدميه لولا ذراعيه المتملكة لخصرها.
فتحت عينيها على وسعيها، ورددت بخوفٍ:
_عمران! أيه اللي جابك أوضتي!
ابتسم بسخطٍ، وعاونها على الوقوف ثم وضع يده بجيب بنطاله:
_إحنا في الحديقة حضرتك وجنب الpool تحديدًا.
وتابع وعينيه تجوبها:
_إنتِ ازاي تنامي في البرد ده؟
أجابته وهي تلف رقبتها بتعبٍ:
_معرفش نمت ازاي.
انحنى عمران يلتقط حجابها المتساقط ومده لها يشير:
_إلبسي، علي عايز يخرج.
تناولته منه بارتباكٍ وارتدته بإحكامٍ أسفل نظراته، كاد بالتحرك من أمامها ولكنه عاد يخبرها:
_هروح الشركة أخلص حاجة مهمة وهقابلك في حفلة عيد زواج ليام وإميلي، متنسيش تاخدي كادو مميز لإن الصفقة الجاية مع شركاتهم مهمة.
هزت رأسها بتفهمٍ:
_عارفة وبالفعل اختارت عقد ألماظ شيك لإميلي.
لطالما لم تفوتها أي تفاصيل خاصة بالعمل، منحها بسمة صغيرة وحمل حقيبته السوداء بيده وتحرك ليغادر فأوقفته وهي تدنو منه:
_عمران.
استدار لها فوجدها ترفع يدها على استحياء:
_الجاكت بتاعك.
رفع عينيه ببطءٍ لها، ليغمز بمشاكسة:
_خليه في حضنك يدفيكِ.
وتركها تصطبع بحمرةٍ خجلها واتجه للداخل ينادي بضجرٍ:
_شمــس كل ده بتعملي أيه، صدقيني همشي!
خرجت تهرول من الداخل وهي تجر اذيال الخيبة، لتقف قبالتهما، فتساءلت مايسان باستغراب:
_في أيه، اتخانقتي مع فريدة هانم؟
ردت بحزنٍ وعينيها تتوزع إليهما:
_رفضت تديني فلوس عشان قولتلها إن عربيتي في التصليح.
ومالت لاخيها تهمس له:
_أمال لو عرفت إن مفضلش للعربية بقايا هتعمل فيا أيه!
تعالت ضحكاته الرجولية، فحاوطها بذراعه وهو يضمها إليه:
_ولا يهمك يا حبيبتي، الكاريدت كارد بتاعي تحت أمرك.
وقدمه لها، فصرخت بحماس وهي تلاقي ذاتها باحضانه فارتد درجات الدرج حتى كاد بالسقوط بها وهي يردد من وسط ضحكاته الساحرة لمن تراقبه:
_يا مجنونة هغير رأيي ومش هوصلك للجامعة.
ابتعدت وهي تستوعب كلماته، فرددت بذعر:
_الجااااامعة محضرتش ولا محاضرة امبارح.
وركضت لسيارته تشير له:
_يالا يا عمرااااااان.
منحها نظرة أخيرة والابتسامة مازالت على شفتيه، ثم غادر خلف شقيقته ليتحرك بسيارته للجامعة أولًا.
****
طرق على باب غرفتها، فقالت والابتسامة تحلق على وجهها:
_ادخل يا دكتور علي.
طل بوجهه متسائلًا:
_عرفتي منين إني علي!
أجابته فطيمة ببسمةٍ هادئة:
_من ريحة الورد!
وضعه على بالمزهرية وهو يردد بغرور:
_على حد بقى أنا بقيت مميز وسهل تعرفي قربي!
احمر وجهها خجلًا، فسحب علي المقعد المقابل لفراشها، ثم جذب دفتره ليبدأ متسائلًا بخفةٍ:
_تحب نبدأ منين؟
*****
ولج عمران لمكتبه الخاص بعدما أكد على السكرتير الخاص باحضار ما يلزم الصفقة الأخيرة لآن لديه حفل صباحي هام بعد ساعتين من الآن، ورفع سماعته يؤكد له:
_متحوليش أي اتصالات أو مقابلات النهاردة.
وأغلق الهاتف مجددًا، ليعمل جاهدًا حتى ينتهي مما يفعله، فتفاجئ بباب مكتبه يُدفع لتظهر من أمامه بملابسها القصيرة المغرية، نهض عمران عن مقعده ليجد سكرتيره يشير لها بغضب:
_من فضلك سيدتي آ..
قاطعه عمران باشارة يده فخرج على الفور، لتبقى تلك التي تقترب من مكتبه مرددة بدلال:
_عمران اتصلت بك مرارًا ولم تجيبني، هل أنت بخير عزيزي؟
ابتلع ريقه واستمد نفسًا كأنه يبتلعه بخوفه، وأشار لها:
_اجلسي ألكس.
تعمدت اثارته بحركاتها الخليعة وبالرغم من ذلك سحب نظراته عنها وجلس على مقعده ساندًا بيديه على الطاولة بهدوءٍ جعلها تتساءل:
_ما بك عمران، لقد تحدثنا وانتهى الأمر ومع ذلك تتجاهل مكالماتي، ظننتك ستهاتفني للذهاب معك حفل إميلي وليام أنت تعلم بأنها صديقتي ولكنك لم تفعل ما الأمر؟
طرق بقلمه على مكتبه بهدوءٍ اتبع رزانة نبرته:
_ألكس أنا لا أتخلى عن كلمتي كوني رجلًا شرقيًا كلمته عهدًا، أريد الزواج بكِ لما حدث بيننا مسبقًا ولكنتي لن أتخلى عن زوجتي المصرية.
رمشت بعدم فهم لحديثه الغامض فبدى واضحًا:
_لن أطلق مايسان.
عبثت بعينيها بغضب قادح ورددت وهي تلعق شفتيها:
_والدتك تريد ذلك أليس كذلك؟
هز رأسه نافيـًا:
_تلك المرة أنا الذي يريد التمسك بزوجتي ألكس، لقد فعلت الكثير لأجلي وأنا أرغب برد دينها.
نهضت بعصبية بالغه لحقت طرقها العنيف على مكتبه:
_حسنًا عمران من اليوم فصاعد لا أريد رؤيتك، أنا أعلم أنك كالعادة تقول تلك الكلمات وتعود لي سأدعك الآن وأنا واثقة بإن عودتك قريبة.
جلس على مكتبه ببرودٍ التمسته تلك التي كادت بالخروج من المكتب، فخشيت بأنها على وشك فقدانه تلك المرة، فما أن ولجت للمصعد حتى دونت رسالة لرجليها
«لا تنسى سنلتقى بعد ساعة بالحفل، أريدك أنا تفعلها بنفسك أنت ورفيقك وأعدك بإنني سأدفع لك 20000ألف دولارًا مقابل ذلك!»

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صرخات أنثى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى