روايات

رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل الرابع 4 بقلم شمس محمد

رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل الرابع 4 بقلم شمس محمد

رواية صدفة لم تكن عابرة الجزء الرابع

رواية صدفة لم تكن عابرة البارت الرابع

رواية صدفة لم تكن عابرة الحلقة الرابعة

“كان القمر وحيدًا في سماه حتى رزقه الله بنجمةٍ تُنير عتمته وتؤنس وحدته”
*************************
بعد مرور ثلاث ساعات تقريبًا استمر “رائف” في عمله بعدما جلب لوالدته الخبز ثم استأنف عمله من جديد، حتى نزل “مُصعب” من البيت متوجهًا نحو عمله، لكن قبل ذلك مَر علىٰ “رائف” في محله و هو يقول بمرحٍ:
“صباح الخير يا رائف، عامل إيه”
ابتسم له وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
“صباح النور و العسل، دا إيه اليوم العالمي دا، طمني كتفك عامل إيه دلوقتي ؟؟”
رد عليه بزهوٍ لا يكترث لموضع ألمه وكأنه لا يهمه:
“أنتَ شايل هم الخربوش دا ؟؟ زي الفل الحمد لله و كله تمام، أنتَ إيه اخبارك ؟؟ عاوز اشكرك على وقوفك مع منة، بجد موقفك دا فوق راسي”
حدثه بامتنانٍ بينما الأخر قال بنبرةٍ هادئة:
“دا واجبي يا مُصعب، مش معنى إنها مش عاوزاني ابقى ندل وقليل الأصل، ربنا يعوضها خير إن شاء الله”
تنهد “مصعب” بحنقٍ ثم حسم أمره وقال بثباتٍ:
“منة مرفضتكش يا رائف أصلًا، لأن منة مكانتش تعرف إنك اتقدمت ليها، الموضوع كله تم من برة برة”
قال حديثه مسرعًا حتى لا تتزعزع ثقته، بينما الأخر رمش بحيرةٍ وكأنه لا يستمع لحديثه أو بالأصح لا يدرك مقصده.
استمرت النظرات بينهما لمدة ثوانٍ الاستنكار من قِبل “رائف” و التردد من قِبل “مُصعب” حتى سأله “رائف” بنبرةٍ غلفتها الدهشة و التعجب:
“معلش يا مُصعب علشان دماغي عطلت، تقصد إيه بكلامك دا ؟؟”

 

تنهد “مُصعب” ثم قال بثباتٍ:
“لما أنتَ طلبت تيجي تتقدم لِـ منة، منة ساعتها مكانتش تعرف حاجة أصلًا يا رائف، ماما هي اللي رفضت من برة برة، علشان….علشان يعني كان موضوع ماجد دا كان بدأ يتفتح”
كان “مُصعب” مُترددًا وبدا على التوتر واضحًا وهو يكذب في تلك الجُملة، حتى قال “رائف” مُقررًا:
“موضوع ماجد بدأ يتفتح ولا أنا مش قد المقام علشان أخطب منة ؟؟ الست الوالدة رفضت علشان ظروفي و خلتني فاكر إن هي اللي رفضتني ؟؟”
أومأ له “مُصعب” ثم قال بعدما أطلق زفيرًا قويًا يعبر به عن مدى استياءه تبعهُ بقوله:
“أنا عارف إن الموضوع خلاص بالنسبة لَك، بس يهمني متبقاش شايل من أختي وفاهم إنها مادية، علشان منة ابعد ما يكون عن كدا، منة طول عمرها عاقلة و واعية، يمكن ماما ليها تأثير عليها بس هي مش كدا”
أبتسم له “رائف” ثم ربت على كتفه و هو يقول بنبرةٍ هادئة و لهجةٍ ثابتة:
“متقلقش يا مُصعب أنا مش شايل منها، وربنا يعلم بكدا، اتطمن و أعرف إن مقامها كبير عندي”
علم “مُصعب” أن تلك العلاقة أصبحت مستحيلة لذلك حرك رأسه موافقًا باستسلامٍ له ثم قال بقلة حيلة:
“عن اذنك يا رائف، و شكرًا إنك طمنتني، ربنا يكرمك إن شاء الله….عن أذنك بقى علشان متأخرش”
تحرك من أمامه خطوة أو ربما خطوتين حتى أوقفه “رائف” بقوله بنبرةٍ جامدة:
“مُصعب !!”
التفت له بتعجبٍ فيما قال الأخر بثباتٍ يتنافىٰ مع قوله:
“كان فيه حاجات الآنسة منة خدتها الصبح وهي ماشية، هتحاسبني عليها ؟؟ ولا اخصمها من المهر ؟؟؟”
عقد “مُصعب” ما بين حاجبيه وبدا الاستنكار ظاهرًا على ملامحه، حتى أضاف “رائف” مُكملًا حديثه بثباتٍ خالطه المرح:
“يبقى نخصمهم من المهر وخلاص، توكل على الله علشان متتأخرش”
حينما أدرك “مُصعب” مقصد حديثه و مبتغاه في آنٍ واحدٍ ضحك له ثم ودعه بعدما نظر له بنظرةٍ التقطها الأخر.
تحرك “مُصعب” من المكان فيما نظر “رائف” في أثره مُبتسمًا حتى تبدلت نظرته إلى التوعد وهو يقول بنبرةٍ خافتة:
“ماشي يا أم مُصعب”
*************************

 

كانت “هنية” جالسةً تتحدث في الهاتف مع شقيقتها و في يدها السكين تقوم بتقطيع الخضروات تجهيزًا لوجبة الغداء، و هي تسند الهاتف بين كتفها و أذنها وهي تقول بحنقٍ:
“هعمل ايه بس ؟؟ سابته و مصممة خلاص على رأيها و اللي مقوي قلبها إبن الباردة مُصعب، طالما هو لعب في مخها يبقى خلاص كدا قفلت”
ردت عليها شقيقتها بترددٍ:
“بصراحة يا هنية معاهم حق ياختي متزعليش مني، الواد دمه واقف ميتبلعش، ألا ما عمري شوفته بيضحك كدا ولا بيتكلم معانا، معلش يعني فترة الخطوبة دي المفروض يدلعوا فيها و يتكلموا و يتفاهموا سوا، مش كل شوية خناق خناق كدا”
انتبهت لها “هنية” لذا سألتها باهتمامٍ:
“قصدك إيه يا نهلة ؟؟”
ردت عليها بنبرةٍ جامدة:
“قصدي إن بنتك مش مبسوطة يا هنية، كان باين عليها أنها زعلانة، متزعليش يعني مش علشان كبرت يبقى ترمي نفسها كدا، هتفرحي يعني لما كلها سنة و تجيلك بعيل على كتفها وهي مُطلقة ؟؟ فكري كويس يا هنية، لو بنتك فرحانة أنها سابته يبقى متقفيش في طريقها أحسن”
زفرت “هنية” بضجرٍ ثم قالت بقلة حيلة:
“يعني هو أنا عاوزة أضرها يعني يا نهلة ؟؟ ما على يدك أنا عاوزة افرح بيها زي أي أم، مش عاوزة حد يتكلم كل شوية ويقعد يأنب فيها وفيا، هي حلوة و عاقلة و مؤدبة و أي راجل يتمناها، بس حظها شوية، ماجد دا أنا شوفته مناسب ليها، مش أحسن ما يبقى حظها هباب ويبقى حالها زي حالنا ؟؟؟”
على الجهة الأخرى قالت شقيقتها بحيرةٍ:

 

“معرفش بقى يا هنية، أهيه الدنيا بتيجي على الكل بس أهم حاجة راحة البال، غير كدا كل حاجة تغور حتى الفلوس، ربنا يفرحك بيها ياختي و نشوفها أحلى عروسة إن شاء الله”
ردت عليها بتمني و رجاء:
“يا رب يا نهلة، يفرحني بيها و أشيل عوضها يا رب على إيدي”
إبان حديثها على الهاتف صدح صوت جرس الباب فقالت بلهفةٍ:
“معلش يا نهلة الباب بيخبط هشوف مين ياختي و أكلمك تاني، عن أذنك يا حبيبتي”
أغلقت معها الهاتف ثم تحركت صوب الباب تقوم بفتحه بعدما تأكدت من إكمال تغطية رأسها، وحينما فتحت الباب تفاجئت بالطارق لذا سألته بذهولٍ:
“رائف ؟؟ خير فيه حاجة؟؟”
حرك رأسه موافقًا ثم جاوبها:
“آه فيه….ممكن نتكلم سوا كلمتين على انفراد ؟؟”
ردت عليه بضجرٍ:
“مصعب مش موجود مش هينفع تدخل، لعله خير إن شاء الله”
اتسعت ابتسامته وهو يقول:
“لأ أنا مش عاوز أدخل، كدا كدا هدخل كتير الأيام الجاية إن شاء الله، أنا بس عاوز أقولك، تُشكري واجبك وصل وزيادة، بس أنا مش عاجبني الواجب دا، علشان كدا أنا بقولها للمرة التانية أهو، طالب أيد الآنسة منة للجواز”
نظرت له باستنكارٍ وهي تقول:
“نعم ياخويا ؟؟ عاوز إيه ؟”
رد عليها بثباتٍ على رغم من انزعاجه من طريقتها التهكمية:
“تاني لا يكون السمع بعافية، جاي أطلب أيد الآنسة منة، و على ما أظن ماجد مبقاش موجود خلاص، وقبل كدا سبق و قولتيلي إنها رفضاني علشان ظروفي رغم إن دا محصلش، يبقى العيب في مين ؟؟؟”

 

ضمت ذراعيها معًا وهي تقول بثباتٍ:
“منة هترجع لماجد يا رائف، ماجد بيحبها وهيعمل المستحيل علشانها، هو لسه قافل معايا و هييجي هو و أهله علشان يلبسها دبلتها تاني”
حاول التحكم في غضبه وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
“يعني إيه إن شاء الله ؟؟”
ردت عليه بثباتٍ:
“يعني طلبك مرفوض يا رائف”
هز رأسه موافقًا بشرودٍ ثم قال:
“ماشي…..ربنا يتمم بخير إن شاء الله”
تحرك من أمامها بعدما قال جملته فيما نظرت هي في أثره حتى رحل ثم أغلقت الباب بقوةٍ وهي تقول بضجرٍ:
“تلاقيه مُصعب الزفت هو اللي قاله، ماشي يا أنا يا هو”
*************************
بعد مرور عدة ساعات قليلة عادت “مـنة” من العمل وسط الصغار كعادتها خصيصًا أبناء الجيران تقوم هي بتوصيلهم معها حتى منازلهم، أما “رائف” فبمجرد استماعه لصوت الصغار يهللون بمرحٍ عَلم بتواجدها في الشارع، لذا تحرك من الداخل يقف على أعتاب المحل منتظرًا قدومها حتى أوشكت هي على الاقتراب منه لذا ابتسمت له باشراقٍ يراه هو لمرته الأولى على وجهها، خاصة و آشعة الشمس تتعامد على وجهها و ابتسامتها المتواضعة، حتى وجد نفسه يبتسم هو الأخر لها، فيما اقتربت هي منه تقول بوجهٍ مبتسمٍ:
“مساء الخير يا رائف”
_”مساء النور، كدا حظي حلو علشان اتصبح و اتمسىٰ بيكِ”
اتسعت ابتسامتها أكثر وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
“طب يا رب يكون وشي حلو فعلًا و الشغل كان تمام”
جاوبها بنبرةٍ ضاحكة:

 

“بصراحة دي حقيقة، الحمد لله الرزق كان حلو، أهو هنجرب لحد ما ربك يكرم إن شاء الله”
تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت بترددٍ وكأنها تخشى التحدث أمامه:
“أنا…..أنا كنت عاوزة أعتذرلك يا رائف معلش عن أي حاجة ممكن تكون مزعلاك مني، أو طريقتي لو سبق يعني وكانت ناشفة شوية بس هي كانت فترة صعبة”
تفاجأ هو من حديثها لذا رمش ببلاهةٍ فوجدها تقول من جديد بنفس التوتر:
“أنا بجد عمري ما زعلت حد، ومحبش يكون حد زعلان مني، علشان كدا بعتذرلك و اتمنى تقبل أسفي دا، عن اذنك”
حرك رأسه موافقًا ثم قال متفهمًا:
“أنا فاهم مش محتاجة إنك تعتذري، كان باين أنه صعب و أنه كان مسببلك مشاكل، وكفاية يعني اهتمامك بزعلي دي عندي بالدنيا، واعتذارك مقبول رغم أنه ملوش لزوم من الأول”
ابتسمت له وهي تقول بعدما تنفست بعمقٍ:
“شكرًا يا رائف….عن أذنك”
تحركت من أمامه فيما ابتسم هو بعد تحركها ثم قال بإصرارٍ:
“أقسم بالله اسم على مُسمى، مـنة، و وجودها نعمة، إن شاء الله اللي ياخدها غيري يطفحها”
*************************
في شقة “هنية” كانت تقوم بتجهيز الغداء بينما “منة” جلست في غرفتها بعدما تحممت وبدلت ثيابها، ثم أمسكت هاتفها تتفحصه حتى وجدت والدها متصلًا عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي، لذا شهقت بفرحةٍ ثم قامت بالاتصال به حتى رد عليها بقوله:
“منون روح قلب بابا، وحشانى أوي يا حبيبتي عاملة إيه”
ردت عليه بصوتٍ مختنقٍ من فرط حماسها وفرحتها:
“الحمد لله يا بابا بخير أوي، أنتَ إيه اخبارك غريبة يعني فاتح دلوقتي، مش المفروض إنك في الشغل ؟؟”
جاوبها بمرحٍ وهو يقول:

 

“المفروض ياستي، بس أنا بجهز نفسي علشان كلها آخر الاسبوع وتلاقوني عندكم، كنت هعملها مفاجأة بس يلا بقى”
شهقت بقوةٍ وانتفضت من على الفراش وهي تقول بلهفة الطفلة الصغيرة:
“بجد قول والله جاي، أنتَ وحشتني أوي أوي أوي”
ضحك هو على الجهةِ الأخرى ثم قال بنبرةٍ لازال بها أثر ضحكته:
“و أنتِ أكتر يا عيون بابا، إن شاء الله كلها ٣ أيام بالكتير واكون عندك و هطول شوية المرة دي، قوليلي خطيبك عامل إيه صح؟؟”
تنهدت بضجرٍ ثم تراجعت متقهقرة على الفراش وهي تقول بخيبة أملٍ:
“لأ خلاص بقى، مبقاش خطيبي يا بابا، أنا سيبته امبارح و بصراحة كدا أنا فرحانة وحاسة أني عصفور خرج من القفص”
رد عليها هو بمرحٍ:
“أحسن يا بت دا كان إتم و عيل وشه كِشري، بس لما قولتيلي إنك موافقة عليه أنا قولت خلاص أمري لله مش هجبرك على حاجة أنا، المهم إنك تكوني مقتنعة باللي عملتيه”
تنهدت بقلة حيلة و ظهر التخبط عليها وهي تقول:
“مش عارفه يا بابا بس حاسة أني مرتاحة، كل يوم مع ماجد كان هيضيعني أكتر، عمري ما عرفت أحس أني متطمنة معاه، دايمًا شايلة هم اللي جاي معاه، بخاف أكلمه و بخاف اطلب منه حاجة، علطول بفكر في بكرة هيكون شكلي إيه و أنا معاه، علاقة متعبة أوي و أنا مش حِملها”
لاحظ هو تهدج صوتها لذا قال مسرعًا يغير الحديث حتى لا يُحزنها:
“سيبك بقى منه يغور مطرح ما راح، قوليلي صحيح مُصعب الصايع والبت أنعام عاملين إيه ؟؟ لسه بيروح عند سِتك علشان يشوفها ؟؟”

 

زاحمت الضحكة حزنها حتى قالت وهي تضحك و تمسح دموعها في آنٍ واحدٍ:
“أهو مستنيك بفارغ الصبر علشان يجيب الدِبل و يلبسها، مسكين يعيني فاكر إن عم رفعت هيسكتله في الخطوبة”
تنهد “خليل” على الجهةٍ الأخرى ثم قال بنبرةٍ أعربت عن عاطفته:
“ربنا يفرحكم دايمًا و يسعد قلوبكم يا رب، يلا سلام بقى علشان بجهز نفسي و بجيبلك الحاجة اللي نفسك فيها”
أغلقت الهاتف مع والدها بعدما ودعته و كعادتها مازحته بالحديث، ثم تنهدت بعمقٍ وهي ترتمي على الفراش حينما تذكرت “رائف” و طريقته معها و دفاعه عنها، لذا ابتسمت دون وعيٍ منها حينما تذكرت طريقته معها في الصباح.
دلفت والدتها الغرفة فجأةً فوجدتها تبتسم ببلاهةٍ حينها بسطت كفيها معًا على بعضهما وهي تقول باستنكارٍ:
“ودا من إيه إن شاء الله ؟؟ وأنا اللي قولت هلاقي البت زعلانة و متضايقة ؟؟”
نظرت لها “مـنـة” وهي تقول بثقةٍ وكأنها لا تكترث لما قيل:
“ليه إن شاء الله ؟؟ كان أخر الرجال المحترمين ؟؟ بالعكس أنا عرفت قيمة نفسي و أنها تستاهل تتقدر و تفرح، مش واحد يمشي اوامره عليا كأني جارية عنده”
اقتربت منها “هنية” وهي تقول:
“وهو دا يخليكي تضحكي كدا و مبحلقة في السقف ؟؟”
ردت عليها بثباتٍ بعدما اعتدلت على الفراش:
“لأ….بابا كلمني و جاي آخر الأسبوع، علشان كدا فرحانة”
سألتها “هنية” بلهفةٍ:
“جاي بجد ولا بيحاول ييجي؟؟”
حركت رأسها نفيًا ثم أضافت بتوكيدٍ:
“جاي خلاص آخر الاسبوع وقالي اعرفكم، أهو ييجي يبقى معايا و نفرح شوية”
*************************

 

في منزل الشيخ “صادق” كان جالسًا في ردهة بيته يمسك في يده أحد الكُتب الدينية يقرأ بها كعادته، حتى تفاجأ بـ “باسل” يقف على أعتاب بيته و بجواره “فكري” شقيقه، فرفع الأول صوته وهو يقول:
“السلام عليكم يا شيخ صادق”
انتبه “صادق” للصوت فأغلق الكتاب ثم اقترب من الباب وهو يقول مرحبًا بالطارق:
“و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، اتفضل يا باسل يابني”
دلف “باسل” وتبعه شقيقه فقال الأول بثباتٍ:
“معلش بقى جيت فجأة كدا يا شيخ صادق، أنا بس جاي وجايب معايا فكري علشان عاوزين نروح لِـ رائف نعتذرله، مهما كان إحنا أهل و أخوات يا شيخ”
نظر له “الشيخ صادق” بتعجب، فقال “فكري” مسرعًا:
“ماهو مش هينفع كل شوية يبقى بينَّا مشاكل كدا يا شيخ صادق، عيب حتى علشان شكلنا قدام الناس، و أنتَ بنفسك هتيجي معانا وقبلها كلم رامز”
رد عليه الرجل مُستحسنًا:
“عين العقل يابني، ربنا يكرمكم طالما النية خير، و افتكر إن التسامح من صفات حبيبنا المصطفى، عليه أفضل الصلاة والسلام”
رد عليه “باسل” بلهفةٍ:
“بالظبط علشان بس نبقى عملنا بأصلنا، رغم إن لينا عندهم كتير يا شيخ، بس مش مشكلة بقى”
حرك “صادق” رأسه موافقًا ثم قال بفرحةٍ سيطرت عليه:

 

“طب عن أذنك يابني هروح أغير هدومي و أجيلكم، سلام عليكم”
تحرك من أمامهما، بينما “فكري” انتظر حتى اختفى أثره تمامًا ثم سأل شقيقه:
“أنتَ متأكد يا باسل من اللي عاوز تعمله ؟؟؟ مش هيطلع على دماغنا في الأخر ؟؟”
حرك رأسه موافقًا ثم قال بنبرةٍ هامسة:
“اخرس بقى يا فكري، قولت متأكد و مظبط كل حاجة”
خرج الشيخ “صادق” في تلك اللحظة وهو يقول بنفس الحماس الذي خالطته الفرحة:
“يلا يابني أنا جهزت اهوه”
بعد مرور بعض الوقت كان “رائف” واقفًا مع الزبائن يقوم بحساب البضائع، وهو يضعها في الحقائب البلاستيكية، حتى رحلوا من المكان تزامنًا مع دخول “الشيخ صادق” يتقدم الشباب وهو يقول بصوته الودود المألوف كعادته:
“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا رائف يابني”
انتبه له “رائف” و تجاهل الأخران وهو يقول بأدبٍ:
“وعليكم السلام يا شيخ صادق، اتفضل نورت المحل”
عقب حديثه بالمقعد الذي قدمه للشيخ، حتى قال “صادق” بعدما ضحك له:
“تسلم يابني من كل شر، بس أنا عاوز اتكلم معاك كلمتين و كلمت رامز اخوك و أنا جاي على هنا”
رد عليه بنفس الأدب والتهذيب:
“أنا تحت امرك يا شيخ صادق، بس اتمنى كلامك يكون معايا من غير حد تاني”
رد عليه “باسل” متدخلًا في الحديث:

 

“جاي علشان يصلح ما بيننا يا رائف، أظن احنا مش صغيرين يعني علشان يبقى بيننا الخلافات دي، والشيخ صادق أهو واسطة ما بينا”
ابتسم “رائف” بسخريةٍ وهو يقول مُتهكمًا:
“وهو من أمتى الحِداية بتحدف كتاكيت يا عم الشيخ ؟؟ دا فجأة كدا يعني ؟؟”
تدخل “فكري” يقول بضجرٍ:
“هو أنتَ ليك أكل ولا بحلقة ؟؟ ماقولنا جايين نصالحك، مش كنت عاوزنا نجيلك لحد عندك؟؟”
رفع “رائف” حاجبه الأيسر ثم قال بتهكمٍ:
“وهو فيه واحد بيعتذر لحد ينطح زي الجاموسة كدا ؟؟ اتلم يا حبيبي أنتَ داخل سوبر ماركت محترم مش داخل زريبة”
في تلك اللحظة دلف “رامز” وهو يقول:
“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ازيكم يا جماعة”
ردوا عليه التحية جميعًا، فيما دلف “رامز” داخل المحل وهو يتحدث بقلة حيلة:
“أنا جيت أهو يا شيخ صادق، خير إن شاء الله !! اتمنى يعني يكون خير”
اقترب منه “باسل” وهو يقول بثباتٍ:
“دلوقتي إحنا الكبار يا رامز، أنا قدامك وقدام الشيخ صادق أهو بنصالح رائف، مش هنفضل كتير في مشاكل و ياعم متزعلش مني”
نظر “رامز” في وجه أخيه ثم عاد فوجده غير مكترثًا لما يدور، حينها تنهد بعمقٍ ثم قال:
“ماشي يا باسل، أكيد مش هنفضل نتخانق مع بعض و ندور في ساقية الحوارات، و رائف أكيد عاقل ومش عاوز مشاكل”
حرك “رائف” كتفيه وهو يقول بلامبالاةٍ:
“مش شرط على فكرة، فكر كدا تيجي تنكشني و أنا محدش هيعرف يحوشني، علشان محدش يفكر بس أني عضمي طري، ومع ذلك قبلت الصُلح”

 

تنهد “صادق” براحةٍ ثم قال:
“الحمد لله يابني، أنا كنت عارف إنك عاقل و مستحيل تكسفني و تكسف مِجيتي لحد هنا”
رد عليه بنفس الأدب:
“مقدرش يا شيخ صادق، أنتَ مقامك كبير عندي وفوق راسي”
ابتسم له الشيخ وكذلك “رامز” بينما هو تتبع أولاد خاله بنظره يحاول سبر أغوار كلاهما حتى تنهد بعمقٍ وهو يبتسم لهما باصفرارٍ.
*************************
بعد مرور عدة أيام قليلة في شقة “خليل” والد “مـنة” وسط النهار وقف “مصعب” في المطبخ بجوار والدته وهو يقول بسخريةٍ:
“كل دا علشان خليل جاي من السفر ؟؟! ياختي مانا معاكم وكل يوم باجي من الشغل مشوفتش ورك فرخة زيادة عن منابي”
ردت عليه بسخريةٍ:
“لما تبقى تسافر و ترجع هعملك كدا يا خفيف”
ابتسم لها باستفزازٍ وهو يقول:
“قاعدلك يا هنية، مش همشي و اسيبلك الدنيا عايمة علشان تعملي اللي نفسك فيه”
اقتربت منهما “مـنة” وهي تقول بانهاكٍ من فرط المجهود:
“كدا كل حاجة تمام العصير و المخللات و السلطة، حاجة تاني بقى ؟؟؟”
رد عليها “مصعب” بحبٍ:
“تسلم ايد الغزال، عقبال ما نعمل يوم فرحك يا رب، و اقضيه كله سهر لحد الصبح، علشان هيبقى فرحي معاكي برضه”
صدح صوت جرس الباب فركضت “مـنة” وهي تقول بحماسٍ:
“بابا جـه يا مصعب”

 

ركض خلفها نحو الباب مثل الصغار، حتى فتحته و ارتمت على والدها وهي تتعلق برقبته، فاحتضنها “خليل” وهو يقول بلوعةٍ:
“وحشتيني…. وحشتيني أوي أوي يا عيون بابا، وحشتوني”
شددت عناقها عليه حتى اقترب “مصعب” و أبعدها عنه وهو يقول بضجرٍ زائفٍ:
“غوري يابت بقى، خليني احضن الحج صاحب البيت”
ضحك “خليل” وهو يحتضنه تزامنًا مع قوله بعتابٍ زائفٍ:
“ياض بطل قلة ذوق بقى، لسه ضاربة منك زي ما أنتَ ؟؟؟”
قبل رأسه وهو يقول:
“لأ والله يا حج دي حلاوة روح علشان شوفتك بس، قولي جيبت فلوس الدِبل ؟؟؟”
سأله بنبرةٍ هامسة جعلت “خليل” يضربه على كتفه وهو يقول بحنقٍ:
“ياخي خلي عندك دم ودخلني”
اقتربت منهم “هنية” ترحب بزوجها وهي تبتسم له بينما هو اقترب يحتضنها وهو يقول بشوقٍ لها:
“وحشتيني يا هنية، عاملة إيه”
تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت بصوتٍ مختنقٍ:
“و أنتَ يا خليل وحشتني أوي، حمدًا لله على سلامتك، الدنيا كلها نورت بيك”
نظرت “مـنة” لِـ “مصعب” باستنكارٍ بينما هو حاول جاهدًا كتم ضحكته ثم مال عليها يقول بنبرةٍ خافتة:
“أهو جيه اللي هيظبطهالك”
*************************
في شقة “كريمة” كانت تجلس بجوار ابنيها تستمع لهما حتى انتهى الحديث، فسألتهما بلهفةٍ:
“يعني كدا خلاص الحمدلله ؟؟ أنام مرتاحة إن محدش فيهم هييجي جنب ابني تاني ؟؟”
رد عليها “رامز” بثباتٍ:
“إن شاء الله يا ماما، اللي يهمني إن أخويا يكون مرتاح و مبسوط ومحدش يضايقه، و أهوه أدينا هنفضل معاهم لحد ما نشوف اخرتها”
تنهدت هي بعمقٍ فيما جلس “رائف” أمامها على ركبتيه وهو يقول بنبرةٍ طيبة كعادته:
“أنتِ عرفاني لو على موتي مصالحش حد أبدًا، بس أنا حطيتك قدامي علشان عاوزك ترتاحي و متفضليش شايلة همي كتير، ارتاحتي كدا ؟؟”
حركت رأسها موافقةً فوضع هو رأسه على حجرها وهو يقول بنبرةٍ خافتة:
“عقبالي…..عقبالي أرتاح أنا كمان”
*************************
في الأسفل في شقة “خليل” التفت الأسرة بأكملها على مائدة الطعام، وسط الفرحة التي غمرتهم جميعًا بعودة رب الأسرة منذ ما يقرب العام يلتقون سويًا ويجمعم طعامٌ واحدٌ.
كان “خليل” جالسًا يوزع نظراته عليهم جميعًا حتى قال بعدما تنحنح يُجلي حنجرته محاولًا جعل صوته ثابتًا:
“فيه عريس جاي يتقدم لمنة بكرة إن شاء الله، ابن واحد صاحبي، أول ما عرف أنها سابت خطيبها و سمعني و أنا بكلمها قالي إنه هييجي بكرة علشان يتقدم”
انتاب القلق قلوبهم حتى زوجته نفسها، فيما ابتلع هو الطعام ثم قال:
“أنا بصراحة اتحرجت منه علشان كدا وافقت، بكرة جهزوا نفسكم علشان تقابلوا الناس”
تركت “منة” الملعقة بعنفٍ لفت انظارهم جميعًا وهي تقول بضجرٍ:
“بس أنا مش عاوزة…. أنا لسه مكملتش أسبوع سايبة ماجد، الناس تقول إيه؟؟”
رد عليها والدها مُقررًا:

 

“الظاهر إن هنية عملتلك غسيل مخ يا منة، من أمتى بيهمنا كلام الناس ؟؟ الناس دي هتتحكم في حياتك ؟؟ هتعيش مكانك؟؟ أنا مأجبرتكيش على حاجة، بقولك شوفيه لو مش موافقة خلاص، لو عجبك حتى و أنتِ مش عاوزة يبقى خلاص، بس أهو علشان الناس ميكونش شكلها وحش”.
نظرت لشقيقها فوجدته يحرك كتفيه بتعجبٍ، حينها تنهدت هي بضجرٍ ثم اخفضت رأسها بيأسٍ كونها مثل الجسد الرخو يحركه الموج كيفما يشاء دون أي تدخل منها.
*************************
في صباح اليوم التالي بعد شروق الشمس نزلت “مـنة” من البيت تتجه لعملها لكن وجهها كان مقتضبًا وملامحها جامدة، بينما “رائف” كان يقف على أعتاب محله ينتظر مرورها عليه كما سائر الأيام السابقة منذ أن بدأ يفتح المحل في الصباح الباكر، مرت عليه دون أن تلقي عليه التحية، حتى عقد ما بين حاجبيه، بينما هي انتبهت أنها تخطت مكانه، لذا عادت له من جديد وهي تقول بنبرةٍ خافتة:
“صباح الخير يا رائف، معلش بس سرحت شوية”
رد عليها متفهمًا:
“ولا يهمك، حاجتك جاهزة أهيه و معاهم المناديل أنا مش ناسي”
ابتسمت له ثم قالت بامتنانٍ:
“بتعبك بقى معلش، بس والله أنا بنسى كل حاجة و عقلي مش فيا خالص”
لاحظ هو تَهجم ملامحها و تلك الانقباضة التي تبدو واضحةً لذا سألها بنبرةٍ أودع بها كامل اهتمامه:
“مالك يا منة ؟؟ فيه حاجة مزعلاكي ؟؟ ماكنتيش كدا من كام يوم ؟؟”
تنهدت بعمقٍ ثم قالت:
“مش عارفة والله يا رائف مخنوقة شوية، متشغيلش بالك أنا هروح دلوقتي الحضانة و أشوف القرود هناك و ساعتها كل حاجة هتبقى أحسن، عن أذنك”

 

قبل أن تتحرك أوقفها بقوله:
“استني بس ثواني خليكِ واقفة”
عقدت ما بين حاجبيها وهي تحرك رأسها موافقةً بخنوعٍ، فيما دلف هو نحو الثلاجة الموضوعة بداخل المحل ثم فتحها يأخذ منها مايريد ثم أعاد غلقها من جديد وعاد لها مُبتسمًا وهو يمد كفه له بعلبة مثلثة الشكل بداخلها قطعة حلوى مُغلفة بالشيكولاتة، فسألته هي باستغرابٍ:
“إيه دا ؟؟ هو مش كان سوبر ماركت بس ؟؟ بقى محل حلويات كمان ؟؟”
ابتسم لها وهو يقول مفسرًا:
“لأ لسه زي ماهو سوبر ماركت، بس دي حلويات نزلت امبارح و كتير خده منها و عجبتهم، قولت تدوقيها كدا لو عجبتك بقى نجيب منها تاني”
اتسعت ابتسامتها أكثر وهي تسأله بمرحٍ:
“اعتبرها ثقة في ذوقي يعني يا رائف ؟؟”
حرك رأسه موافقًا فأخذتها منه وهي تقول:
“ضيفها بقى على الحساب و…”
قطع هو استرسال حديثها بقوله:
“لأ دي على حسابي ملهاش علاقة بالحساب، إن شاء الله تعجبك”
تحولت بسمتها إلى الخجل وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
“إن شاء الله هتعجبني، أنا واثقة”
قلد طريقتها وهو يقول:

 

“اعتبرها ثقة في ذوقي يعني يا منة؟؟”
ضحكت هي بصوتٍ عالٍ حتى وضعت كفها على فمها تكتم تلك الضحكة، فيما قال هو:
“يا سلام !!….هو دا الكلام”
حمحمت هي بقوةٍ ثم قالت:
“عن اذنك يا رائف، همشي علشان متأخرش، سلام عليكم، ربنا يوسع رزقك إن شاء الله”
تحركت من أمامه بعد حديثها بينما هو تنهد بعمقٍ ثم قال بلهفةٍ:
“يلهوي !!! فُرنة العيش زمانها بقت زحمة، حَبكت بروح أمك يعني”
*************************
في وسط اليوم بعد عودة “مـنة” من عملها قامت بتجهيز نفسها حتى تقابل العريس كما زعم والدها، بينما هي كانت تتعامل مع الأمر بلامبالاةٍ حتى دلفت لها والدتها تقول بلهفةٍ:
“يلهوي لسه مخلصتيش ؟؟ انجزي يابنتي الناس على وصول خلاص”
ردت عليها بضجرٍ:
“خلصت يا ماما اهوه، متقلقيش”
صدح صوت جرس الباب فقالت “هنية” بنفس اللهفةِ:
“يلهوي الناس شكلهم وصلوا، خلصي بسرعة يلا وتعالي علشان تقدمي الحاجة”
حركت رأسها باستسلامٍ، بينما “هنية” وقفت بجانب “خليل” بجوار الباب و “مصعب” يقوم بفتحه حتى ظهر منه العريس وهو يبتسم لهم و خلفه والدته و بقية أسرته، بينما “هنية” قالت بغير تصديق:
“إيه دا ؟؟؟ أنتَ !!!”
ابتسم لها “رائف” وهو يقول بثقةٍ:
“الله يبارك فيكِ يا حماتي….مش حماتي برضه ؟؟؟”

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صدفة لم تكن عابرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى