روايات

رواية شبكة العنكبوت الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم آيات الصبان

رواية شبكة العنكبوت الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم آيات الصبان

رواية شبكة العنكبوت الجزء التاسع والثلاثون

رواية شبكة العنكبوت البارت التاسع والثلاثون

رواية شبكة العنكبوت
رواية شبكة العنكبوت

رواية شبكة العنكبوت الحلقة التاسعة والثلاثون

( عقدة ذنب )
فى صبيحة أحد الأيام تلاقين معا في ذلك المنزل حين جاءت »مايسة« فى حالة مزرية يبدو عليها الإنهاك والتعب والكثير من أعراض الاكتئاب ، بعد تحية جافة خالية من الود بادرتهن بالحديث قائلة:
– أنا خلاص مش قادرة، أنا حاســة اني أذنبــت ذنب كبير وربنا
بيخلص مني.
»ريم«:
– في إيه يا »مايســة«؟ مالك داخلة علينا لا على حامي ولا على بارد كــدة، احنا بقالنا كتير ما اتقابلناش وكل واحد فيه اللي مكفيه، إهمدي وقولي مالك.
– مالي ؟ أقولك مالي ، أنا كل يوم أســأل نفسي أنا إزاي عملت كدة، حقيقى مش عارفة ايه اللى جرالي ؟ إزاي وافقتكم؟ إزاي ؟ الفلوس دي لعنة، أنا مش قادرة أعيش حياتــى لحد دلوقتى، أنا حتى مش عارفة أستفيد بالفلوس، جوزي بيموت قدامى كل يوم، ركبه وسواس و شك في كل حاجة وكل الناس اللي حواليه، اترفد من شغله وفقد كل حاجة، عنده حالــة اكتئاب رهيب قاعد فى البيت طول الوقت خايف ومرعوب ، نفسي أقوله خلاص الموضــوع انتهى ، نفسي أقوله أنا اللي كنت ورا الموضوع
علشان يعرف مين كان وراه بدل ما هو شاكك في كل الناس، نفسي أقوله متخافش يمكن أعرف أطلعه من حالة الاكتئاب اللي هو فيها مش عارفة أعمل إيه ، مكنتش متخيلة إن الموضوع ممكن يأثر عليه بالشــكل ده، مكنتش متصورة أبدا إن ممكن يكون ده الوضع .
أنتفضت ريم غاضبة حينما شعرت أن مايسة توجه أصابع الاتهام
لهن فيما حصل لخالد فعنفتها قائلة:
– انتى بتلومينا احنا؟ بتلومينا على إيه ؟ بدل ما تلوميه على خيانته ووساخته معاكي؟ قلبك حن؟
»نورا«:
– عايــزة الحق، أنا كمان بألوم نفسي أوي إني مشــيت في الطريق ده، طريــق كله خوف وألم وعقد ذنب ، يظهر الواحد لما بيتظلم بيحس بحاجات ويفتكر إنه لما ينتقم هيخف منها، لكن العلقم بيجيب علقم.
»ريم«:
– آه دي جلسة علاج نفسي بأة، إشجيني إنتي التانية.
»نورا«:
– أنا بأتكلم بجد يا »ريم«، في لوم علينا فعلا ، صحيح كل واحدة فينا جوزها غلط كتير جدا فى حقها، لكن هل اللي احنا عملناه علشــان نرد الغلط ده كان صح؟ أنا جــوزي مرمي بين الحياه والموت ، الراجل ده رغم كل شيء ، برغم كل خصاله السيئة، وبرغم كل إهماله ليا ، هو برضه اللي جابلي بيت فى وقت أقرب الناس ليا كان عايز يخلص مني ، هو اللي لما لقاني ســاكتة على ظلمه وحس إنــي مقهورة مرضيش يرميني في الشارع وكان قادر يعملها ، ليه أكون أنا السبب فى إن يحصله حاجة زي
كده ، أنا حتى مش قادرة أروح أشوفه ولا أطمن عليه، النهارده قادرة شوف اللي مكنتش شايفاه ، لو كان عايز يرميني كان رماني ، أنا الدافع بتاعي كان الخوف ولا الطمع؟ ولا الاتنين ؟
– يا ســلام ، يعني انتى كمان ندمانة ، وحساسة وضميرك واجعك ، والمفروض أنا الشريرة الشيطانة ؟ المفروض أنا اللي جبلة ومش بأحس وظالمة و مفترية ؟ طب ما أنا جــوزي هو كمان خلاص مش طايقني ،
المشــاكل اللي بينا واصلة لآخر حد وبقيت أنا وهو واقفين على الطلاق والموضوع انتهــى، بقا بيقولى فى وشي إنه بيكرهنى مع إنه مش عارف
إنى أنا اللي ورا الموضوع ده، بقا بجــح وكأنه بيلومني إني في حياته، كان ممكن أتصرف إزاي لما أعرف إنــه بيخونى ، كان ممكن أتصرف إزاي لما أعرف إنى ممكن أترمي في الشــارع ؟ انتوا تستاهلوا كل اللي كان بيجري فيكم، ضميركم واجعكم أوي على رجالة كانوا بيحتقروكم وبيعاملوكم زي العبيد، صحيح القط يحب خناقه وأنا اللي غلطانة فعلا اني تصورت إنكم ستات حرة وعندها كرامة.
»مايسة«:
– وهو اللي احنا عاملناه ده خلانا ســتات حــرة وعندها كرامة؟
والا خلانا حرامية ونصابين ، والأوســخ إن ناس دفعت حياتها بسبب تصرفاتنا ، يا شيخة بأة فوقي.
»ريم«:
– معلش حبيبتي أنا معمية، قوليلي انتي الســتات الحرة تعمل إيه؟
تعمله طاجن بامية وتلبس له قميــص النوم وتصبغ أصفر وتقوله يا سيدي، مش كدة؟
– لا مش كدة ، الحــرة ما تخافش ولا تضرب في الضلمة ولا تضرب وتجري ، لكن تتصرف زي ما كل الســتات المحترمة بتتصرف ، تعرف أن الرازق هو ربنا مش جوزها، ما تقبلش تعيش علشــان لقمة وأربع حيطان متهانــة وذليلة ، تقف وتواجه وتطالب بحقها ، تروح محكمة ، تطلب طلاق ، تمســك في بيتها وتقوله إمشي اطلــع بره ده بيتي وأنت خاين ، ولو محكمة البشر منصفتهاش محكمة ربنا هتنصفها.
»نورا«:
– عندك حق يا »مايسة«، احنا فعلا خسرنا كتير واحنا فاكرين إننا بنكسب.
»ريم«:
– أنا مــش عارفة أقولكم إيه، انتوا مبهرين جدا، إجلدوا نفســكم
أكتر وأكتر ، لوموا نفسكم ، اتحملوا ذنب »سلامة « اللي كان عامل مكتبه ماخور ، و«عمرو« اللي كان عايز يسرق فلوس »طارق« وبيبيع له نفسه علشــان الفلوس ، وجوزك اللي نشــف ريقك طول عمرك يا »مايسة« وحرمك من كل شيء ورماه تحت رجلين ســت تانية ، لوموا نفســكم وارجعوا لهم ، انتوا تستحقوا سجانيكم.
نورا:
– منلومش نفســنا ليه؟ عاجبك حال »نادية« الهربانة وعايشة في غربة على كف عفريت ومش عارفة ترجع مصر تانى ووراها واحد إيده طايلة وممكن يوصل لها فى أي حتة؟ الفلوس اللي مرمية جوا اللي انتى نفســك مش عارفة تاخدى منها حاجة ولا »مايسة« عارفة تاخد منها حاجة ولا أنا علشــان خايفين إن القرش اللي هيبان هيتحســب علينا أو يربطنا بالجريمة ، كل واحدة فينا خايفة إن جريمتها تتكشــف كل واحدة فينا حاســة بعدم أمان أكبر ميت مرة من اللي كنا حاسينه قبل كدة، الخوف من الشارع اللي كان مالينا وفاكرينه أكبر خوف هنحسه،
اتضــح إن في خوف تاني أكبر منه، الخــوف من الحقيقة، الخوف من الفضيحة اللي احنا ابتديناهــا ، الخوف من انتقام اللي انتقمنا منهم لو عرفونا، الخوف اللي كنا بنهرب منه كبر أوي وبلعنا جواه.
فى هذه اللحظة رن جرس الباب، كنّ يتوقعن »أسماء« وقد كانت هي بالفعل، دخلت »أسماء« إليهن في غرفة المعيشة وقد بانت عليها ملامح التوتر هي الأخرى .
– إزيكم، معلش مش عارفة أخد نفسي ، حصل حاجة النهارده مش مريحاني، موضوع عجيب .
– حصل إيه انتي التانية؟ النهارده يوم العجايب.
– شــوفت السمســار اللي كنت أنا و«نادية« مأجرين منه الشقة
وحســيت وهو بيبصلي إن هو عرفنى برغم إني يوم ما أجرنا منه كنت لابسة حجاب وحاطة مكياج مختلف وعدســات ، لكن حسيت إن هو عرفنى .
– متأكده إنك مش متوهمة؟
– لا معتقدش إنى متوهمة، ومشي ورايا كمان.
– مـشي وراكي، والكلام ده كان إمتى بــأة ؟ إوعي تقولي دلوقتي هأقوم أفتح دماغك.
– لأ ، إمبارح وأنا خارجة من المحل وواقفة مستنية التاكسي كان هو جاى فى الطريق رايح يركب عربيته وفجأة وقف وبصلي جامد وساعتها التاكسي اللي كنت مكلماه جه وفضل ماشى ورايا شوية وخليت التاكسي يدخل من شوارع جانبية علشان أتوهه وفضلت أبص ورايا وأنا مرعوبة لحد ما اختفى.
– يا دي المصيبة ، وانتى روحتى على فين بعد كده ؟
– على الشقة اللي أنا مأجراها أنا وأختى .
– تروحى تاخدي أختك حالا من المكان ده النهارده وتختفى تماما
من الشقة دي والمحل ده متروحيهوش خالص ، تعالي خدي فلوسك من هنا وروحي إسكندرية ، شرم الشيخ ، اي حتة بعيدة إنتي وأختك.
– رأيك كدة؟
– إنتي إيه رابطك بالقاهرة؟ إطلعي براها وعيشي حياتك يا »أسماء«.
»مايسة«:
– شوفتى إحنا في إيه ؟ كلنا مرعوبين ، كلنا خايفين ، لعنة، احنا كلنا عايشين فى لعنة.
»ريم«:
– حملوني أنا الذنب وريحوا نفسكوا ، أنا السبب لأنى خليتكم تاخدوا حقكم .
– ياريتك كنتى قلت لنا ناخد حقنا فعلا ، ياريتك كنتى خليتنا نقف نواجه، نقف في ضهر بعض ونساعد بعض فى الخير ، نساعد بعض إننا نتطلق وندور على نفسنا، نشتغل نشقى نتعب، لكن كنا هنعيش فى أمان كنا هنعيش ســعداء من غير ما نخاف، نكون على حق وهما على باطل، النهارده احنا وهما على باطل، عالجنا الغلط بالغلط ومشــينا في سكة الندامة زيهم.
»نورا«:
– احنا مش بنلومــك، بنلوم روحنا، احنا اتعمينا زيك، الغيرة عمتنا
والرغبة فى الانتقام خلتنا نعمل حاجات أنا مش مصدقة إنى عملتها، أنا مش مصدقة إنى عملت كده، قد كده الواحد ممكن يتغير لما الحقد يملا قلبه؟ يبقى واحد تاني غير نفسه؟
»مايسة«:
– لــو رجع بيا الزمن عمــرى ما أعمل كده تانــي، كنت هاتطلق
بالمحكمة .
»ريم«:
– لأ ، كنتــى هتعشي معاه وتكملي غصب عنك، عارفة ليه؟
المحكمة اللي انتى بتقولى عليهــا دي كانت هتديكى إيه لما كان هيرميكى فى الشــارع؟ كانت هتحكم لك بإيــه؟ كان »خالد« هيصرف عليكى والا على بنتك؟ كان ســاعتها هيقولك لا مش هأصرف عليكم وأعلى ما في خيلك اركبيه، وخدي التلاتة تعريفة اللي المحكمة هتحكم لك بيهم بعد ما يجيب شهادة فقر والا يتجوز واحدة تانية ويخلف منها وينسى بنتك وتلبسيها لوحدك.
»مايسة«:
– مين قالك إنه مكنش هيصرف علينا؟ ما يمكن كان هيصرف، مينقالك كان هيبجح ؟ ما يمكن لو كنــت واجهته كان اعتذر واتغير ، مين قالك ما يمكن جــوزك انتى لو كنتى واجهتيه كان اعتذر واتغير ؟ احنا خدنا أول ســكة قابلتنا، السكة الغلط، مفكرناش ناخد أي سكة تانية قبلها علشــان نعرف كان هيحصل إيه، مفكرناش في سكة واحدة صح نمشى فيها للأســف، وخلاص مبقاش فى حاجة ممكن نعملها ، حياتنا
اللي كانت وحشــة زمان بقت حلوة مقارنة بحياتنا اللي احنا عايشينها النهارده.
– يعنى عايزة إيه دلوقتى ؟
– عايزة ربنا يســامحنى يا ستي ، أنا ماشــية ومش عايزة حاجة،
عايزة أروح أشوف إذا كان ينفع أعمل أي حاجة أصلح بيها اللي حصل ده يمكن جوزي يرجع لطبيعته ، مش ليا ، لبنته ولنفســه ، بنتي بقت بتخاف منه ، يعني حتى بنتي خسرت أبوها.
– خلاص روحي قوليلــه إنك انتى اللي كنتــى ورا الموضوع وإن
الفوبيا اللي جتله والهلع والخوف والرعب من إن العصابة تروح تنشر الفيديوهات الجميلة بتاعته مش هتحصل لأنك انتى اللى كنتي وراها .
– ياريتنى أقدر أقوله ، لو كنت أعــرف إنى لما أقوله عذابه هينتهي والرعب والخوف اللي هــو عايش فيه هيخلص كان زماني عملت كده ، لكن أنا عارفة كويــس إن ده مش هيريحه هيأذينى ومش هيريحه ، أنا ماشية.
– تعالي هنا، رايحة فين ؟
– خلاص يا »ريم« أنا ماشــية ومش هأرجع ومش عايزة حد فيكم يتصل بيا تاني.
غادرت »مايسة« المنزل باكية، وخلفها »نورا« محاولة أن تثنيها عن عزمها، إلا أنها فشلت وعادت إلى »ريم« قائلة:
– متكابريش يا »ريم« انتى عارفة إن احنا غلطنا.
غلطنا ؟ غلطنا إن احنــا ردينا الظلم ؟ غلطنا إن احنا خدنا حقنا
تاني؟ غلطنا إن شقا سنين العمر مراحش هدر؟ معلش هو أنا لو كان ينفــع إن أنا أروح أطلق وآخد حقى اللي أنا دفعته طول الســنين دي واتأمن وأنا سايبة واحد خانى كنت عملت كده ؟
روحى غيري القوانين ، غيري القوانين وقوليلهم الست عندها كرامة و لما تتخان لازم تاخد شقا عمرها، وأوعدك أنا ساعتها مكنتش هاعمل كده .
– يااه وهو كل ســت بتتطلق بتعمل كده؟ كل ست جوزها بيخونها بتعمل كده؟
– لا مبتعملش عشــان هبلة، مبتعملش علشــان متقدرش تعمل،
وبتعمل الصح من وجهة نظرك ومبتاخدش حاجة برضه.
– أنا عارفة إنك بتكابري في الغلط، وبتضحكي على نفسك، وعارفة إن الــلى مزعلك أكتر إن جوزك لحد دلوقتى محسســكيش إنه ندمان ، وإنك حاسة جواكى إنه لسة بيبعد وإنك متأكدة أنه مش بيخونك لكن مش بيحبك ، بس انتى مش مضطــرة تكملي على فكرة، مش مضطرة تعيشى فى عذابك ده ، انتي مش معاكي فلوس دلوقتي ؟ قاعدة ليه ؟ امشي
سيبيه ، جواكي كتلة نار مبتهداش ، إيه اللي مقعدك؟
أنا قررت أنا كمان أرجع بيتى وأكفي خيري شري ، وكتر خيره الحاج إنه مقعدني فى بيت وأنا مراته وهفضل قاعدة فيه ، وأهو محدش يعرف عني حاجة ومحدش هيطالبنى بالبيت .
– يعنى إيه انتى كمان مش عايزة الفلوس ؟
– صراحة مش عارفة.
– طيب على العموم فلوســك جوة و فلوسي هخدها، و«نادية« خدت فلوسها و«أسماء« هتاخد فلوســها وفلوس »مايسة« هاحطهم وديعة فى البنك باســمها ، حبت تاخدهم تاخدهم محبتش تاخدهم هيا حرة ، فلوسك انتى حرة فيهم بس أنا أنصحك إنك تاخديهم برضه وتحطيهم وديعــة فى أي بنك، لو احتاجتيهم هتلاقيهم محتاجتيش ســيبيهم أو وزعيهم على الفقراء و الغلابة . إعملوا فيهم اللي انتوا عايزينه .
امــا انا هأخد فلوسي و هتطلق ، يمكن مش هاقدر أشتري بيت فى الأول ، لكن ممكن أأجر بيت على قدى أنا وولادي عىل الاقل هقدر أصرف عليهم وأعيشهم عيشة كويسة وارجع أشتغل ، وبعد شوية أبقى أشتري بيت عشان ميبقاش الموضوع واضح من واحدة قاعدة فى البيت لواحدة بقا معاها فلوس، إنما حضرتك ممكن تقولي إنك من ورا الحاج اللي انتى متجوزاه عملتي الوديعة دي ، و«مايســة« تقدر تقول إنه ميراث كانت
مخبياه علشان عارفة أن جوزها بخيل ، وأنا هأحاول أقنعها وانتى كمان حاولي ، واللي مش عايزة فيكم تمد إيدها على فلوسها تاخدها تصرفها فى الخير والشقه دي آخر الشهر محدش فينا هييجي فيها تاني ، احنا كده وصلنا للآخر يا »نورا«.
– احنا كده وصلنا للآخر ولازم فعلا منشوفش بعض تاني ؛ لأن كل ما بنشوف بعض بنفتكر ….
ومضت كلٌ في اتجاه، وكأنهن لم يلتقين يومًا …
أمــا »نادية« فبعد أن غادرت واســتقرت إلى حد ما ووجدت عملا ، رتبت أوضاعها وحصلت على إقامة عمل ، مضت الشــهور الأولي مليئة بالخوف من فكــرة أن يجدها »طارق«، وأمضت الليالى تســتيقظ في وسط الليل على كوابيس مريعة وترتعد مع كل صوت يأتي من الشارع أو صرير باب من الأبواب ، أو دقة عصفور على شــباك غرفتها ، كانت تعيش فى ســجن كبير من المخاوف لكن كانت على يقين أن هذه الحياة هي الضريبة التي عليها أن تدفعهــا مقابل حريتها ولتكفر كذلك عن أخطائها وتسببها في مقتل »عمرو«.
أما »مايسة« فقد قررت أن تحاول استعادة حياتها مع »خالد« مرة أخرى، حاولت أن تساعده وأن تنتشــله من هذا الاكتئاب الذى حصد روحه من الداخل حتى أصبح شــبحًا يسير على قدمين ، كانت تعلم أنه أخطــأ كثيرًا فى حقها ولكنها كانت تشــعر بكثير من عذاب الضمير لما آل إليه حاله ، ضياع مســتقبله ورغبته الشديدة فى الانعزال عن العالم ،
جلوسه في غرفته طوال اليوم ، فقدانه لشهية الكلام والأكل ، كانت تعلم أن أوجاعه ومخاوفه سببها أنه يشعر أنه مراقب فى كل لحظة ، لم تكن تدري كم كان هذا الرجل ضعيفًا من الداخل لدرجة أنه سقط مع اختبار كهذا ، لم تعلم أنه مجرد قشرة براقة لهيكل رجل ، قشرة تكسرت مع أول تهديد بتشويه الصورة التى رسمها أمام الآخرين .
خسارته كذلك لجزء كبير من ميراثه كانت هزة قوية بالتأكيد خاصة بالنسبة لشخص محب للمال ، ولكن ما تخفيه »مايســة« عن نفسها أن أهم أسباب اكتئابه هو خسارته لـ«نهى«، تحاول أن تتناسي هذا الجزء حتى لا تشتعل نيرانها مرة أخرى ، لكن الحقيقة أن أكبر أســباب اكتئاب »خالد« كانت بسبب ابتعاد »نهى« عنه نهائيًّا برغم محاولاته المستميتة للزواج منها بعد تلك الأزمة .
وبرغم كل الألم النفسي الذي تعاني منه »مايســة« إلا أنها أرادت
أن ترأب صدع هذه العلاقة وأن تحاول أن تستعيده مرة أخرى، ولكن كان الوقت قد فات على محاولة كتلك ، وجد »خالد« في المخدرات العوض عن خســارته للحياة التي كان يتمناها لنفســه مما زاد من سقوطه السريع تجاه الهاوية، وبعد محاولات مضنية لعدة شهور ترك »خالد« المنزل وذهب ليعيش وحيدا فى منزل أبيه وخير »مايسة« بين الطلاق أو الانفصال بدون طلاق لأنه يشعر أن وجوده فى حياة ابنته أصبح يمثل خطرًا عليها وأنه غير جدير بدور الأب .
ولأول مرة تقف »مايســة« بقوة وتطلب الطلاق ، ارتأت أنها فعلت ما في وسعها لإصلاح ما أفســدته وكفرت عن ذنبها مرارًا وتكرارًا بل وسامحته على كل هذه الأيام المضنية التى تسبب فيها بأخطائه وقهره لها على مدار السنين.
ترك »خالد« المنزل وذهب ليعيش وحيدا في منزل أبيه ، لكن كعادة المدمنين لم يبق منه رجاء يرتجى سواء على المستوى المادي أو المعنوي ، وكان لابد وأن تأخذ بزمام الأمور وتقوم مع ابنتها بكل الأدوار ، وقررت أن تســتفيد من الأموال التى حصلت عليهــا فى هذه الفتره ولكن فقط المبلــغ الذى حصلت عليه من زوجها لا غير ، اعتبرت أن مبلغ المليون والنصف هو مكافأة نهاية الخدمة التى حصلت عليها منه .
وقررت أن تتبرع بكل الأموال الأخرى عـلـى أن يتقبل الله منها توبتها ويغفر لها عن هذا الذنب الذي اقترفته.
أما »أســماء« فقد اختفت مع أختها ، انتقلــت إلى محافظة أخرى وفتحت صالون ســيدات صغيرًا وعاشت مع أختها بعيدا عن الجميع ،خسرت معظم نصيبها لفشــلها في إدارة العمل، واستغلال الأشخاص لها لنقص تجربتها بالحياة ، بعد فتره قررت أن تتخلص من كل ذنوبها بارتداء النقاب وحولت النشاط لصالون خاص بالمحجبات وعاشت فترة صعبة حتى بدأت الاعتياد على حياتها الجديدة.
أما »نورا« فقد توفي زوجها بعد فترة من إصابته بالجلطة الدماغية وغيبوبة طويلة لم يستيقظ منها حتى وافته المنية ، كانت تتابع أخباره من صديقتها بالمكتب وتتمنى رجوعه إليها سالمًا ، لم يكن رجاؤها حبًا فيه ولكن رغبة في التكفير عن ذنبها في حقه، بعد وفاته تملكت منها عقد الذنب، كانت تحدث نفســها كثيرا وتحدثه هو أيضا في أحلام يقظتها، وتســأله مرارا وتكرارا لماذا أهملها وتركها للحقد والغيرة والغضب؟
باتت تعيسة وحزينة، مستاءة من الوضع وحائرة، هل هي مجني عليها أم جانية؟ ضحيــة أم مجرمة؟ وبينما هي على هذه الحالة من التخبط رن جرس الباب فقامــت لتفتحه ، فإذا برجل غريب عنها لا تعرفه من قبل عرف نفسه إليها باسم سيد سليمان المحامى ، وأيقنت فورا أن الأمر يتعلق بزوجها الراحل.
الرجل:
– مدام »نورا« معاكى سيد سليمان المحامى .
»نورا« في حيرة:
– أستاذ سيد سليمان المحامى ، خير بخصوص إيه يا فندم ؟
– بخصوص جوز حضرتك البقاء لله .
– البقاء لله، اتفضل يا افندم.
اتخذ الأستاذ سيد مقعدًا قريبًا من باب الشقة وأخرج بعض الأوراق من حقيبته:
– أنا أقرب شخص للحاج »سلامة « ومكنش بيخبي عني حاجة، وأنا الوحيد اللي أعرف بجوازكم ، هو موصيني وصية خاصة بحضرتك.
– وصية خاصة بيا أنا؟ خير .
– حضرتــك فاهمة مكنش حابب إن أولاده يعرفوا بعد وفاته بخبر جوازكم ، وكان خايف إن حضرتك تشاركي أولاده بعد وفاته في الميراث ، فهو الحقيقة كان مطلق حضرتك بقاله تمن شهور .
»نورا« مصدومة :
– يا نهار إســود؟ مطلقني بقاله تمن شهور إزاي وأنا معرفش ولا حد بلغني؟
– هو صحيح طلقك بس مكنش حابب يقولك ، وطلقك غيابي وسجل عنوان تاني علشان الورقة ما تجيش ، كان خايف على زعلك.
– خايف على زعلي يعيش معايا في الحرام؟
– وبرضه كان ســايبك تقعدى هنا ومحــدش كان هيطالبك إنك تمشى من الشــقة دي ، يوم ما راح عشان يطلقك فى نفس التوقيت راح إتنازل عنها ليكي مع صاحب البيت لأنها طبعا إيجار قديم ، وغير العقد باسمك وكمان ســابلك معايا مؤخر الصداق ونفقة المتعة ، هو مكنش قادر يواجهك ويقولك إن هو طلقك ، دي كل مستحقاتك زي الشرع ما بيقول كان سايبهم علشــان يصارحك قدام شوية ووصاني لو جراله حاجة أبلغك.
– كان مطلقنى قبل ما يموت بتمن شــهور؟ أتاريه مكنش بييجى إلا فين وفين ، وكان ييجى يقعد ســاعتين تلاتة ويجرى، طب ليه ليه ماجاش قالي إنه هيطلقنى كان أكرملــه وأكرملي ، ليه يكدب عليا وليه يسيبنى كل الفترة دي وأنا فاكرة إنى مراته؟!
– أنا عارف إن الموقــف صعب عليكي ، لكن حضرتك بصي للناحية الكويسة، هو سابلك كل مستحقاتك ، أرجوكي حافظي على السر ومفيش داعي إنك تروحي لأي حد من أولاده لأنك انتى اللى هتخسري لو عملتي كدة ، زائد إن انتى مش هتســتفيدى حاجة لان الوفاة حصلت بعد تمن شهور من الطلاق وبالتالي حضرتك ملكيش ميراث ، أنا هاستأذن وآسف
على الأخبار الســيئة اللي جبتها لحضرتك لكن البقاء لله وإن شاء الله ربنــا هيوفقك فى حياتك الجاية وتكون أيامك أفضل كتير من اللي فات ، حضرتك محتاجة مني أي حاجة تانية؟
– لا مش محتاجة حاجة.
– ده الكارت بتاعى لو احتجتى حاجة فى أي وقت تقدرى ترجعيلي ، دي وصية الحاج برضه ، كان بيقول إن حضرتك إنسانة طيبة وملكيش حس وبتقبلي بــأي شيء ، وهو مكنش حابب إنه يظلمك أو ياكل حقك ، اعتبرينى أخ ليكى لو احتاجتى أي شيء.
– كتر خيرك ربنا يخليك شكرًا.
– تمام ، مع السلامة يا فندم .
أوصلته »نورا« إلى الباب وعادت إلى داخل المنزل وألقت بالشيك الذى تركه لها المحامى على الطاولة وراحت فى نوبة بكاء من هول الصدمة، لم تصدق أن الرجل الذى كانت تبكى الليالى عليه طوال تلك الفترة طلقها غيابيًّا من شهور ولم يحترم حتى حقها فى أن تعلم بذلك ، بعد أن هدأت قليلا ضحكت من قلبها وبكت ملئ عينيها وظلت على هذه الحال برهة تلوم نفســها وأخرى تلومه حتى نامت من كثــرة البكاء ولكن حينما استيقظت فى الصباح التالي شعرت لأول مرة فى حياتها بنسيم الحرية.
وأخيراً »ريم« :……….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية شبكة العنكبوت)

‫6 تعليقات

  1. حقيقى استمتعت بقراءة هذه الرواية شكراً جزيلاً لحضرتك وإلى مزيد من التقدم بإذن الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى