روايات

رواية سجينة جبل العامري الفصل العاشر 10 بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري الفصل العاشر 10 بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري الجزء العاشر

رواية سجينة جبل العامري البارت العاشر

سجينة جبل العامري
سجينة جبل العامري

رواية سجينة جبل العامري الحلقة العاشرة

“هل تخفي جزيرة العامري أسرار بعد!.”
جالسة على الفراش في غرفة نومه التي أصبحت مشتركة بينهم بعد أن كتبت على اسمه وأصبحت زوجة له..
تنساب الدموع من عينيها على وجنتيها بغزارة تتساقط على يدها المُمسكة بالهاتف تطلع بعينيها على شاشته التي تُنير بوجه زوجها الراحل “يونس”
تبكي بقهر وحرقة وهي تنظر إلى صورته، تستمع إلى صوته بأذنها يعاتبها على ما فعلته..
ينظر إليها بخذلان من عبر الهاتف يقول لها كيف سمحتي له بأن يفعل ذلك وكيف تركتي كل ما بكِ إليه بهذه الطريقة المُهينة..
وضعت يدها على وجنتها تُزيل دمعاتها السائلة بكل انسيابيه وسهولة والحرقة تأكل قلبها والندم يتمسك بعقلها يسحقه أسفله على فعلته الخائنة..
تلك الأمواج التي تضاربت من كثرة الرغبة والغرام الآن تتهاتف نادمة على ما فعلته بالأمس ناحية كل شعور جميل مرت به ولم تترك لها إلا الآلام والندم..
كيف تركت نفسها بهذه السهولة وكيف سمحت له بالاقتراب، كيف كانت قطعة حرير بين يده تتحرك بسهولة ورقة.. ما الذي كان يسيطر عليها في هذه اللحظات.. ما الذي مرت به جعلها تلقي بنفسها داخل أحضان الذئب
وهو ذلك المجنون الذي كان على أتم الاستعداد لفعل أي شيء كان يأتي مُتحضرًا لما سيفعله أو هي من أغرته بنموتها البريئة وملابسها الأنثوية التي لم يعتاد عليها معها!
أغمضت عينيها السوداء بقوة تحاول أن تُمحي من ذاكرتها ليلة أمس وما حدث بها بينهما، تحاول أن تكون خفيفة غير محملة بالأوجاع وأيضًا الآن الندم والحزن على أشياء لم تكن بيدها أن تفعلها أو لأ
أنها كانت مغيبة عن الواقع لم تدري ما حدث إلا في الصباح عندما وجدت نفسها تنام بين أحضانه وكأنه زوجها الذي تعشقه منذ سنوات ليس ذلك الحقير الذي سجنها داخل الجزيرة وفعل بها ما لم يفعله أحد
ارتجف جسدها من شدة البكاء وحاصرها الندم والألم على قلب بات لا يدري ما السبيل في الخلاص من كل هذا العذاب وما السبيل في الوصول إلى طريق النور ليعرف أين تكون وجهته..
دلف إلى الغرفة بهدوء نظر إليها وجدها تعطي إليه ظهرها تجلس على الفراش مُنحنية على نفسها، لم يدرك ما الذي تفعله فأغلق الباب وتقدم إليها وجدها تتمسك بالهاتف مغيبة عن الواقع تنظر إلى صورة شقيقه الراحل وعينيها تأتي بالدموع وكأنه شلال يخرج من نهر منسوب المياة به عالي..
ظل واقفًا ينظر إليها وهي لا تشعر بوجوده معها يتابع نظراتها النادمة وبكائها الغريب وتلك الشهقات المباغتة التي تخرج منها.. لأول مرة تقع أمامه هكذا لأول مرة يرى بكائها بهذه الطريقة وضعفها هذا
دائمًا كانت تقف صلبة شامخة أمامه وكأنها جبل من الثلج ولكن الآن يبدو أن هناك بركان فار فوقه فانصهر وأصبح مياة جارية كتلك التي تجري على وجنتيها دون توقف..
علم أنها نادمة على ما حدث بينهم، تلك النظرات والبكاء هذا لا يقول إلا أنها نادمة لم يكن يتوقع ذلك في الحقيقة فهي كانت لينة سهلة معه وهي من دعته دعوة صريحة ليأخذها بين أحضانه ولتكن ملك له برضاء تام منها وهو لم يفعل أي شيء سوى أنه لبى هذه الدعوة وقام بفعل دوره كما توجب عليه كرجل..
الآن بعد ليلة رفعت بها رايات الحب والغرام مستسلمة بها شعارات الكراهية والبغضاء تبكي نادمة على ما فعلته، تبكي نادمة على شعور بالذة والهوى ساحبًا إياها معه بين السحاب تتمسك بيده وتشعر لأول مرة منذ خمس سنوات بالحب..
يا لها من غريبة وغبية، لقد توفى شقيقه، رحل عن عالمهم منذ الكثير وهي الآن أصبحت زوجته والعلاقة بينهما تتحسن وهو ترك لقلبه القرار فإن كان يريدها أو لأ فما الذي تفعله الآن!..
شقيقه أفضل منه! كيف أفضل منه وهو الذي أحب ابنتها وكأنها ابنته هو وعاملها غير كل البشر الذي بحياته حتى أنها أصبحت تعتبره والدها وهي أيضًا بدأ يعاملها أفضل وأفضل بكثير، تعيش بقصر العامري وتتزوج كبير جزيرة مثله، محامي، رجل له وضعه في الدولة وليس في الجزيرة فقط.. رجل يفعل الكثير ولكنها غبية فقط تراه مجرم قاتل لا يفعل غير ذلك..
فارت الدماء بعروقه عندما بدأ بالمقارنة بينه وبين شقيقه فتقدم منها بعنف وقسوة يجذب الهاتف من يدها فانتفضت بفزع لأنها كانت شاردة الذهن لا تعلم بوجوده..
نظرت إليه باستغراب وهو يقف بغضب وعصبية يظهران عليه فمسحت دمعاتها السائلة وحاولت أن تعود تلك التي يراها دائمًا على الرغم من أنها محتها بضعفها أمامه أمس..
سألها بغلظة وهو يضغط على الهاتف بيده:
-أنتي بتعملي ايه
اعتدلت في جلستها على الفراش ونظرت إليه قائلة بصوت خافت وأعين ذابلة من كثرة البكاء:
-مش بعمل
سألها مرة أخرى بقسوة ونظرات عينيه حادة عليها:
-وبتعطي كده لـيـه
استمعت إلى سؤاله وعينيها تنظر إليه ولكنها لن تقوى على الإجابة فصرخ بها وهو يتقدم للأمام:
-ما تردي
لم تجب وظلت تنظر إليه بعينيها الباكية ونظرتها نادمة مُنكسرة فقال بحدة يمسك بذراعها:
-بتعيطي علشان ندمانه على اللي حصل بينا مش كده.. أنا جوزك وأنتي مراتي ومن حقي وحلالي أنا
حركت شفتيها باستهزاء تسأله ساخرة:
-أنت تعرف الحلال والحرام
ضغط على ذراعها بين قبضته بضراوة وصرخ أمام وجهها بعنف واستماته وهو يدافع عن حقه بها:
-لأ معرفوش بس عندك أنتي بقى وهعرفه أنتي حقي أنا مش حقه هو.. يونس مات من زمان أنتي دلوقتي مراتي
تابعت نظراتها نحوه وأجابته بشراسة وعناد وصوتها يرتفع أمامه:
-يونس مات صحيح لكن عايش في قلبي
نهشت الغيرة قلبه وفارت الدماء بعروقه من حديثها الذي تفوهت به عن شقيقه وهي زوجته هو، ثار غضبه عليها فترك يدها وتدم بكفه فجأة صافعًا إياها بعنف فقد أهانت رجل وحتى لو لم تكن تبغاه..
صدح صوته أمام وجهها وتبعثرت أنفاسه عليها بعد أن جذبها من خصلاتها لتنظر إليه بعمق:
-محدش ليه الحق يبقى في قلبك غيري أنا.. أنا جوزك
ثار بركان غضبها هي الأخرى بعد صفعته لها مرة بعد مرة أنه رجل غير متحضر مختل، صرخت بوجهه بعدما كانت أصبحت علاقتهم تتحسن:
-أبعد ايدك عني أنت حيوان
لم يصغي إلى ما تقوله بل أكمل هو بمنتهى الغرور والعنجهية يطنعها بقلبها ويطعن قوتها وأنوثتها كما طعنته الآن بسكين الغيرة:
-لو كان يونس عايش في قلبك مكنتيش رميتي نفسك عليا بالشكل ده
ضربته بقبضة يدها الصغيرة بصدره وهي تنفي حديثه قائلة بعصبية:
-أنا مرمتش نفسي أنت كداب.. أنت اللي قربتلي
أكمل بنظرات حادة وصوته خافت أمام وجهها يخرج كالفحيح ناظرًا:
-وأنتي عملتي ايه؟ كنتي موافقة ولا لأ كل حاجه حصلت كانت برضا منك مش بالغصب جاية دلوقتي تعيطي عليه وندمانه
أومأت إليه برأسها ونظرت إليه بتحدي وقوة تماثل نظراته نحوها:
-آه ندمانه
سخر منها وهو يبتسم بزاوية فمه ثم ضغط على خلاصتها السوداء الطويلة وهو يجذبها أكثر لتقترب منه وأردف يكمل حديثه بثقة كبيرة وتأكيد ونبرته القاسية تضعي على كل شيء:
-لأ مش عندي.. الندم ده مش عندي يونس تنسيه تطلعيه من دماغك يا غزال الله وكيل لو ما اتعاملتي باحترام وعرفتي إنك متجوزة هوريكي وش اوسخ من اللي شوفتيهم وأنتي عارفه أنا مبتوصاش
أكمل وهو يُشير بيده المُمسكة بالهاتف التي كانت بها الرصاصة ولكنه فك رباطها فقط يلتف الشاش حول ذراعه.. أشار على قلبها يمثل ما يقوله بغلظة وخشونة:
-ولو كان في قلبك زي ما بتقولي.. فقلبك ده أنا اخلعه من مكانه بأيدي أشيل منه يونس وارجعه مكانه تاني
تابع وهو يقترب أكثر من شفتيها قائلًا بخبث:
-حطي الكلام ده في عقلك.. أنا جوزك واللي حصل بينا هيتكرر كتير علشان ده حقي.. وحقك
صرخت بوجهه وتناثرت أحرف كلماتها عليه وهي تقول بعنف وشراسة:
-مش عايزة من وشك حاجه يا جبل.. مش عايزة
ابتسم إليها بثقة وأومأ برأسه قائلًا بمكر:
-لأ عايزة يا غزال.. عايزة وأنا شوفت ده بنفسي
علمت ما الذي يتحدث عنه ولكنها لا تستطيع أن تظهر الضعف إليه وتثبت أن حديثه صحيح فقالت مُتسائلة بسخرية وتهكم محاولة مداراة ضعفها:
-شوفته إزاي بقى
حرك عينيه الخضراء على وجهها وأخفى ذلك الرعب الذي يتكون داخلها ويبعثه إليها في كل نظرة منه ظاهرًا فقط الخبث والمكر وهو يهتف بصوت خافت حنون يتذكر كل ما حدث بينهم في شريط سريع على عقله:
-شوفته امبارح في كل لمسة وهمسة خرجت منك وأنتي معايا.. تحبي أقولك أكتر شوفته إزاي
حركت يدها وحاولت دفعه للخلف ولكنه كان مُتمسك بخصلاتها بقوة فصاحت به بعد أن خانها عليها حديثه:
-سيبني يا جبل
تابع ضعفها الذي تحاول إخفاءه ونظر إلى عينيها التي تحاول الهرب منه فقال بصوت رخيم ينظر إليها:
-أول مرة اسمي يبقى حلو كده
رفعت عينيها عليه بغرابة وذهول فصاحت قائلة:
-أنت مجنون ومختل
دفعها للخلف فأبتعدت على الفراش ألقى الهاتف جوارها وأبتعد هو الآخر يقف مستقيم شامخ وقال بثقة وتأكيد:
-بس أنتي لسه مشوفتيش جنون
نظرت إليه بعينين متحيرة، قسوة قلبه تشبه نهر ارتفع منسوب المياة به فأحدث فيضان ومات الجميع بسببه، ورحمته تشبه نفس ذلك النهر الذي ارتفع منسوبه فأحدث فيضان وارتوى منه الجميع وكان سبب في احيائهم بعد جفاف حل لسنوات..
من هو بينهم!..
أبتعد عنها يفتح خزانة الملابس الخاصة به ليصل إلى خزنة أوراقه وماله الموضوعة بها يتذكر نظراتها الشرسة والضعيفة..
امرأة قوية شرسة تشبه الجواد الذي يُسير راكضًا يعبر الحواجز بتفوق ليفوز على الجميع يصعب ترويضه والوقوف إلى جواره..
ولحظة أخرى بنظرات ضعفها وحزنها تشبه نفس الجواد الذي خرج خاسرًا بعد أن فاز عليه الفارس الذي روضه وأصبح ملك له..
ابتسم بمكر وهو يدرك جيدًا أنها ذلك الجواد الذي سيروضه ويصبح ملك له.. كل الإشارات تقول ذلك وهو يعشق التحدي واللعب بهذه الطريقة وإلا لم يكن الآن “جبل العامري”
❈-❈-❈
منذ اليوم الذي تلقى به جبل تلك الرصاصة وهو يمنع دخول أو خروج أي شخص من الجزيرة إلا عندما يعلمون من هو جيدًا والحراس على كل مدخل ومخرج بالجزيرة، يلتفون حول القصر ليلًا نهارًا خوف من حركة اغتيال أخرى قد تصيب أحدهم..
إلى أن وجدوا ذلك الخائن الذي قام بإطلاق النار عليه ملقى في الغابة بعد أيام فلم يستطع الخروج منها ولا الاختباء بها..
عثر عليه الحراس أثناء بحثهم مرة أخرى كما أمرهم وفي هذه المرة قاموا بالإمساك به ولكنه كان بحاله سيئة متدهورة للغاية.. بضعة أيام دون طعام أو شراب في الغابة تحت أشعة الشمس الحارقة لا يخفيه عنها سوى أوراق الشجر، والخوف ينهش قلبه ليلًا كلما استمع إلى أصوات الذئاب يصعد على أغصان الأشجار كي يبتعد عن أعينهم..
الآن بعد اتخاذ الأوامر هو ملقي على مقعد داخل الجبل في تلك الغرفة التي رأتها “زينة” مليئة بأدوات التعذيب يلتف حول جسده والمقعد معًا سلاسل حديدية تعيق حركته..
نظر إليه جبل وهو يقف ومعه حراسه، رفع يده إلى أحدهم يشير إليه فقام بالتلبية حيث أمسك بجردل مياة ثم ألقاه على ذلك مغمض العينين الذي أمامهم..
استفاق مفزوعًا ينظر إليهم واحد تلو الآخر واستقر بنظراته على “جبل العامري” ابتلع تلك الغصة التي تشكلت بحلقة وهو ينظر إليه خوفًا ورهبتةً منه
أشار “جبل” بيده مرة أخرى فاتى إليه أحدهم بمقعد آخر ثم وضعه أمامه، أمسك “جبل” بالمقعد وقام بعكسه ليجلس عليه جاعلًا ظهره للأمام ووجه للخلف، نظر إلى الرجل ونظراته جميعها لا تعبر إلا عن الشر..
أردف متسائلًا وكأنه يجلس بقاعة محاكمة:
-اسمك وسنك
اجابه الآخر بعدما ابتلع لعابه وهو ينظر إليه بفزع فالمكان الذي به وهولاء الراجل وذلك كبيرهم يجعلونه يشعر بالرعب:
-شكري مهران.. أربعين سنة
رفع أحد حاجبيه وقال بجدية وهو ينظر إليه بحدة:
-مهران.. يعني مش من العوامرية
أومأ الآخر إليه قائلًا وجسده يرتجف:
-لأ يا بيه
ثبت “جبل” نظرته عليه واستند بيده الاثنين على ظهر المقعد من الأعلى يقول بغلظة:
-مين اللي وزك تعمل اللي عملته
أجابه الآخر بصوت مرتفع وملامح صارخة بالرعب:
-محدش وزني
حرك جبل لسانه داخل جوفه وأردف يسأله بجدية وعيونه لا توحي بالخير أبدًا:
-ليك طار عندي
حرك رأسه بالنفي قائلًا:
-لأ يا بيه
صدح صوت “جبل” الصارخ بوجهه بعنفوان وشراسة وعينيه مثبتة عليه تنظر إليها تبعث بجسده الخوف والارتعاب:
-اومال جالك الوحي تضربني بالنار يا روح أمك
تدلى الخوف منه وانسابت الدموع من عينيه معلنة ضعفة ورهبته:
-يا… يا بيه أنا مقدرش أتكلم أنا عبد المأمور
أجابه الآخر بثقة وقوة وهو يُشير أسفله يكمل حديثه منتهى البرود والهدوء:
-وعبد المأمور لو متكلمش هيندفن مكانه.. ومتقلقش مش هتبقى لوحدك في تحت منك كتير
صرخ به فجأة عندما وجده لا يتحدث:
-انطق مين اللي وزك
أجابه بصوت مُرتجف والبكاء يُسيطر عليه بضعف خوفًا على أولاده:
-يا بيه مقدرش.. هيقتل عيالي
تحدث بقسوة وعنفوان وهو يبعث الرعب به أكثر:
-ما أنت بردو لو متكلمتش هقتلهم أنا.. أنت تسافر وهما هيحصلوك
وقد كان قلبه يدق بعنف وضرباته تشتل خوفًا ورهبةً مما هو به ولكنه قال مرة أخرى:
-يا بيه أنا.. أنا عبد المأمور مقدرش أتكلم
صدح صوت “جبل” بإسم “جلال” ونظراته مثبتة على الرجل أمامه ولم يرف له جفن:
-جلال
أتى جلال بصاعقة كهربايئة قام بتشغيلها ثم وضعها على جسده تحت صراخته المتوسلة لهم بأن يرحمه لأنه قليل الحيلة وليس له يد بما حدث أنه فقط كان ينقذ ما طلب منه مقابل الكثير من المال ليأمن به حياة أبنائه الفقيرة..
أبتعد عنه جلال عندما شعر أنه يفقد صوابه فنظر إليه جبل قائلًا بقسوة وشر وهو يبتسم بلا مبالاة:
-قبل ما نسفرك هنستعمل عليك كل الحاجات دي.. عايزين نجربها
تدلى رأس الرجل على جسده بضعف فلم يعد يتحمل كل ما يحدث به ولم يشفع له سنة الكبير عنهم جميعًا..
فقال “جبل” مرة أخرى ولكن ما قاله خرج منه بقذارة وتفكيره منحدر نحو الهاوية:
-ولو عندك بنات قبل ما يسافروا ليك بردو الرجالة تجرب عليهم حاجات تانية
رفع رأسه سريعًا عنوة عنه وهو لا يستطيع ولكنه صرخ عاليًا وارتجاف جسده لم يهدأ:
-لأ… لأ هتكلم بس تدوني الأمان أنا وعيالي
أومأ إليه بثقة:
-خدته.. أتكلم
سأله بخوف وعدم ثقة:
-خدته إزاي يعني
أكمل بصرامة وقوة:
-كلمة جبل العامري أمان وسيف.. أتكلم
استرسل الرجل في الحديث يسرد عليه من أمره بفعل ذلك ولما قد يفعل:
-اللي خلاني أعمل كده واحد اسمه طاهر أداني فلوس كتير علشان عيالي وقالي اضربك بالنار.. أنا شغلتي اخوف حد أعمل لحد عاهة لكن مموتش بس الفلوس غوتني
أكمل بجدية وهو ينظر إليه:
-قالي محدش في الجزيرة يقدر يعملها مافيش غيري وافقت
سأله ناظرًا إليه وهو يعلم أن الخائن مازال في الجزيرة أو مجموعة الخائنين لـ “جبل العامري”:
-دخلت الجزيرة إزاي
اجابه بصدق وجدية فلم يكن يعلم حقًا:
-أنا معرفش يا بيه هو اللي امنلي طريق الدخول من النيل ومشيت فيها كأني واحد من العوامرية
أومأ إليه برأسه ثم نظر إليه وباغته بسؤاله الذي استغربه الجميع:
-دفعلك كام
قال الرجل بخوف:
-عشرين ألف
صرخ جبل في وجهه حتى أنه افزعه وهو يقول بعد ذلك بمنتهى البرود والنرجسية:
-غبي.. حياة جبل العامري بعشرين ألف بس!
وقف على قدميه ليخرج من الغرفة وهو يقول بقسوة ضارية:
-علموه الأدب وارموه في النيل يا إما حد لحقه يا إما غرق
صرخ الرجل عليه وهو يراه يخرج من الغرفة بعد أن أعطى الأوامر القاتلة له:
-جبل بيه أنت ادتني الأمان يا جبل بيه
استدار ينظر إليه بعينين ثابتة مخيفة لكنه قال باستهزاء:
-تصدق.. كنت ناسي، تحب تخرج عن طريق الغابة ولا النيل
قال بتوتر وهو ينظر إليه:
-اللي تشوفه يا جبل بيه
أبتعد إلى الخارج وتركه لا يدري ما الذي سيحدث له، وقف مع “عاصم” في الخارج وهتف بنبرة حادة:
-الخونة كترو في الجزيرة يا عاصم.. مش هنعرف نسيطر ولا ايه
تفوه “عاصم” بالحديث الجاد مثله وهو يحاول أن يجعله يشعر بالاطمئنان ولو قليل على الرغم من أن الوضع لا يسمح:
-من بكرة الصبح هطلع حراس يلفوا في الجزيرة كلها من شرقها لغربها وأي حد خاين معروف مصيرة ايه
قال بقوة وهو يسير بيده إلى الداخل:
-غورو الراجل ده بس علموه الأدب الأول..
ثم أكمل بقسوة وصرامة ونظرات عينيه مخيفة للغاية ولكن كلماته كان لها مغزى واضح وصريح:
-عايز الجزيرة كلها تعرف أننا قتلناه
أومأ إليه “عاصم” وقد أدرك ما الذي يريد الوصول إليه:
-تمام
أبتعد يخرج تاركًا إياهم معه يفكر في ذلك “طاهر” الذي لا يريد أن يرحم نفسه من يدي “جبل” هو من يحفر قبره بيده ويسارع متعجلًا بالولوج إليه.. يا له من غبي..
❈-❈-❈
“بعد مرور عدة أيام”
جلست شقيقتها جوارها على الفراش في غرفتها نظرت إليها بعينيها الزرقاء مطولًا بعمق وشفتيها تود التحرك بالحديث ولكنها تعود عنه..
رفعت “زينة” وجهها إليها وهي تعلم أنها تود قول شيء منذ أن جلست معها فقال بجدية ناظرة إليها:
-اتكلمي قولي اللي عايزة تقوليه
رفعت عينيها وبقيت أمام سوداويتها مباشرة متسائلة باستغراب:
-عرفتي منين إني عايزة أقول حاجه
ابتسمت برفق قائلة بهدوء:
-شكلك بيقول إن في كلام جواكي ومش عارفه تطلعيه
خرجت الكلمات منها بعفوية تامة وهي تتابعها تتسائل:
-أنتي إزاي حبتيه بالسرعة دي
للحظة بقيت بعينيها تنظر إليها تحاول أن تفهم ما الذي تقصده وما الذي تتسائل عنه، ما يأتي على خلدها لم تكن تصدقه فقالت:
-هو مين ده اللي حبيته
اجابتها بهدوء وثقة:
-جبل
استغربتها كثيرّا واستنكرت حديثها فتابعت هي الأخرى تتسائل مضيقة عينيها عليها:
-حبيته! مين قال إني حبيته
اعتدلت في جلستها أمامها وأردفت قائلة بجدية شديدة ما تراه أمامها:
-أنا حاسه بكده.. نظراتك في الفترة الأخيرة ليه كلامك معاه سكوتك عن قعدتنا هنا مع أنك كنتي رافضة أوي وعد اللي سيباه ياخد مكان يونس في حياتها
قالت هي الأخرى بجدية وقوة توضح لها ما تفعله معه وأن كان حب أو لا:
-نظراتي وكلامي معاه ميقولوش إني بحبه أبدًا هو يمكن في الفترة الأخيرة فعلًا اتغيرت شوية بس ممكن تكون شفقة أو حزن عليه.. على قد ما هو صعب زي ما أنتي شايفة بس عادل وبيعرف يتصرف وأتاخد على خوانة
أشارت بيدها بقلة حيلة وعدم معرفة وهي تقول:
-بالنسبة لحكاية قعدتنا هنا فأنا دلوقتي مراته ومش عارفه هنمشي امتى ولا هاخد حقي ولا لأ ووعد دي الحاجه الوحيدة اللي ممكن أكون مبسوطة بسببها
أكملت وهي تعلم أن دوره في حياة ابنتها الشيء الوحيد الجيد الذي يفعله معهم وهذا سبب من الأسباب الذي تدفعها للتكملة معه فقط لأجل ابنتها:
-وعد اتحرمت من يونس بدري وبقت يتيمة أنا شايفة جبل بيعوضها وبياخد دور أبوها علشان تعرف تعيش
نظرت إليها شقيقتها للحظات ثم باغتتها بذلك السؤال وهي تتابع عيناها:
-يا ترى هياخد دور جوزك ويقدر يقوم بيه زي ما قام بدور الأب لوعد
حركت كتفيها بعد أن نظرت للبعيد تفكر في كلماتها التي دلفت قلبها مباشرة وعقلها لم يتركها دون التفكير بها:
-معرفش
سألتها مرة أخرى:
-لو عمل ده هتفضلي معاه!
وقفت “زينة” على قدميها تبتعد عنها تسير في الغرفة تعطي إليها ظهرها وحقّا لا تستطيع تحديد موقفها تجاهه:
-معرفش بردو.. بس في حاجات كتير أوي تمنعني أعمل كده.. الجزيرة بيحصل عليها حاجات مقدرش استحملها وهو بيعمل حاجات……
بترت حديثها عندما علمت أنها تدلف باشياء لا تدري بها شقيقتها ومن المفترض ألا تدري بها أبدًا.. سألتها هي بعدما قطعت حديثها بفضول:
-بيعمل ايه كملي!
حاولت التغاضي عما كانت ستتفوه به وقالت كلمات أخرى حقيقة للغاية تعذبها عندما تدرك أنها لا تفهم شيء ولا تستطيع الاختيار:
-بيعمل تصرفات غريبة وحاجات أغرب مش فهماه مش عارفه هو الخير ولا الشر مش عارفه أقدر أكمل على الجزيرة وأشوف نهايتها ولا مش هستحمل
سألتها بثقة:
-أقولك أنا!
أومأت إليها قائلة:
-قولي
أردفت بتعقل وكلمات عقلانية لم تعتقد أبدًا أن تخرج منها يومًا ولكنها كانت تعلم أكثر بكثير مما تعلم به شقيقتها وواجهتها باشياء لا تستطيع حتى التفكير بها:
-هتكملي معاه، عيونك بتقول إنك محتاجه ده.. يمكن أنا صغيرة وساذجة ومعرفش أتصرف من غيرك في أي حاجه وأنتي كنتي الأمان ليا بس أنتي محتاجة أمان لنفسك من بعد يونس ومش هيكون غير جبل
نفت ما تقوله بقوة وبغض:
-أكيد لأ.. أنا مقدرش أكون الإنسانة اللي موجودة معاه بجسمها بس كمان في ظل الظروف دي
سألتها ثم أجابت هي أيضًا بثقة وتأكيد:
-ومين قال كده.. أنتي هتبقي معاه بقلبك
وضعت يدها على موضع قلبها وتذكرت زوجها “يونس” الذي قامت بخيانته مع شقيقه ومحت كل ذكرياته من عقلها في تلك الساعة المشؤومة:
-قلبي مفيهوش غير يونس وبس حتى وهو مش موجود
وقفت “إسراء” هي الأخرى وتقدمت منها تضع كف يدها على كتفها وقالت برفق ولين:
-يونس الله يرحمه من خمس سنين أظن قلبك حل عليه الجفاف ومستني اللي يرويه
استدارت زينة تنظر إليها باستغراب جلي وذهول لكل ما تفوهت به حتى الآن فهذه ليست شقيقتها:
-أنتي جايبه الكلام ده منين
ابتسمت إليها بهدوء وتفوهت قائلة بكلمات أكثر تعقل ولكن نبرتها كان ينبع من داخلها كل معنى تقوله ويظهر على تعابيرها مع كل كلمة تغيرها من حب إلى اشتياق إلى لهفة وكأنها واقعة في الحب حقًا:
-كلام أغاني.. بس حقيقة.. القلب محتاج حنان وأمان وابتسامة وفرحة ولهفة وغيرة واشتياق وكل ده بيجي من الحب والشخص اللي بتحبيه حاليًا الشخص اللي بتحبيه أنتي مش موجود من مدة طويلة أظن قلبك هيلين مع أول واحد يدق بابه علشان يرجع يعيش كل الحاجات دي
وجدت “زينة” تنظر إليها دون حديث تحاول فهم كيف أدركت كل هذا في أسابيع فقط مضت عليهم هنا فابتسمت أكثر اتساعًا وقالت لها:
-متستغربيش من كلامي ده الحقيقة.. قولتلك أنا صغيرة وساذجة بس فاهمه اللي قدامي وفاهمه الحب
سألتها هذه المرة وأخذت دورها قائلة بجدية ونظراتها مُثبتة عليها:
-وفهمتي الحب منين يا إسراء
للحظة ترددت ووترتها تلك النظرات التي تخرج من أعين شقيقتها تجاهها ترمي عليها أسهم الشك ولكنها هربت من ذلك قائلة:
-هيكون منين غير المسلسلات التركي اللي بسمعها
أومأت إليها برأسها قائلة بسخرية:
-ماشي ياست ياللي فاهمه الحب
لم يعجبها نبرة السخرية والتهكم التي خرجت منها فقالت بجدية وثقة:
-بكرة تقولي إن كلامي صح وحقيقي
حركت كتفيها إليها قائلة:
-جايز.. وجايز لأ بردو
واحدة منهم وقع قلبها أسيرًا للحب في جزيرة العامري، اعترفت به أمام نفسها بعد خجل دام كثيرًا عندما تشتعل وجنتيها بالحمرة أثناء حديثه معها، وعندما يغليها التوتر وهو ينظر إليها، وعندما تتعلثم في الحديث أثناء النظر إليه..
بينما الأخرى إلى الآن لا تدري ما الذي تشعر به تجاهه، لحظات تشعر بالبغض والكراهية ولحظات أخرى تشعر بالشفقة عليه ولحظات غير كل هذا تشعر بأن هناك شرايين في قلبها تتحرك تجاهه!..
هل تخفي جزيرة العامري أسرار بعد!.
❈-❈-❈
خارج القصر أمام بوابته الحديدية الخارجية وقفت فتاة في ربيع عمرها تغرق الدموع وجهها ونهش الحزن ملامحها مع نحافة وجهها وجسدها على الرغم من أنها جميلة بيضاء البشرة ذات خصلات حريرية تخرج من أسفل حجابها الغير مهندم تتحرك رافعة تلك العباءة الكبيرة عليها تدق بيدها الاثنين على البوابة من الخارج تصرخ بعنف باسم “جبل العامري”
صرخت بصوتٍ عالٍ وهي تدق بيدها تطلب النجدة:
-جبل بيه.. الحقني يا جبل بيه
لم تجد إجابة من أحد في الداخل فـ أشتد البكاء عليها وأخذت تدق بقوة أكثر صارخة:
-افتحولي البوابة دي أنا عايزة أشوف جبل بيه
مرة أخرى تكرر النداء ولا أحد يلبي إليها:
-يا جبل بيه اسمعني
فتح “جلال” البوابة وطل منها صارخًا بوجهها بصوتٍ خشن قاسي:
-في ايه يا بت أنتي
ما أن فُتحت البوابة حتى ركضت إلى الداخل بعدما دفعته بيدها وتسللت من جواره سريعًا فصاح بسبها وهو يركض خلفها:
-يا بت الكلب.. اقفي عندك يابت أنتي
وقفت عند البوابة الداخلة وسارت تدق مرة أخرى تكرر ما كانت تفعله بالخارج ولكن “جلال” أعاق حركتها وهو يقوم بالإمساك بها:
-جبل بيه.. يا جبل بيه الحقني الله يخليك
نظرت “زينة” إلى “جبل” الذي كانت تجلس جواره في غرفة الصالون وبينهما ابنتها:
-في ايه
لم يكن يدري ما الذي يحدث فأردف بعدم معرفة:
-مش عارف
وقف على قدميه وسار للخارج.. فوقفت زينة خلفه مُشيرة لـ “إسراء” و “وعد” بالبقاء في الداخل وذهبت هي لترى ما الذي يحدث ومن تلك الصارخة بإسمه
فتح البوابة وطلع منها ليجد “جلال” يتمسك بفتاة من معصمها يجبرها على الرحيل، تقدمت زينة هي الأخرى تنظر إليه وصرخت به بعنف بعدما استفزها ما يفعله معها وتذكرت موقف شقيقتها:
-ايه الجنان ده هو بيعمل ايه قوله يسيبها
نظر إليها “جبل” بقوة لأجل صوتها المُرتفع الصارخ ولكنها لم تهدأ عاصفتها ونظرت إليه بتحدي فأبتعد بعيناه إلى الآخر يأمره:
-جلال.. سيبها
تقدمت منه الفتاة مُتوسلة إياه والبكاء يغرق وجهها وتقدمت تقبل يده:
-جبل بيه الحقني يا جبل بيه أبوس ايدك.. أبوس رجلك ساعدني يا جبل بيه أنا تعبت علشان اوصلك
سحب يده سريعًا منها ينظر إليها بعمق واستغراب معًا فالأحداث الآن غريبة للغاية
كاد أن يأمر “جلال” بتفتيشها فهو بات لا يثق بأحد على هذه الجزيرة ولكنه نظر إلى “زينة” عائدًا في حديثه فالرجـ ـل لا ينبغى أن يفعل ذلك..
أردف بقوة وصرامة ناظرًا إليها بجدية:
-زينة.. فتشيها
أقتربت منها “زينة” وقامت بتفتيشها جيدًا والبحث في ملابسها من الخارج عن أي شيء قد يكون معها والأهم من أي شيء قد يكون سلاح فالجميع هنا حتى الأطفال تعتقد أنهم يملكونه..
قالت بثقة وجدية:
-معهاش حاجه
مسحت وجهها بكف يدها وهي تتقدم منه تنظر إليه بخوف قائلة بصوت يرتعش ومن بين حديثها قالت عن ذلك الرجل الذي علمت به الجزيرة بأكملها:
-والله ما معايا حاجه يا جبل بيه ولا يمكن أذي حد لو مكنش علشان خيرك مغرقنا يبقى خوف علشان الراجل اللي قتـ ـلته لما ضرب عليك نار
نظرت “زينة” إليه سريعًا عندما أتمت حديثها، بقيت عينيها عليه مستغربة للغاية وخائفة إلى ما لا نهاية، مرة أخرى يقـ ـتل رجل آخر! الأول كان خائن والثاني حاول اغتياله! لما القـ ـتل عنده شيء سهل إلى هذه الدرجة.. لما قـ ـتل الأرواح كقـ ـتل الطيور القابلة أن تصبح للطعام..
علم ما تفكر به زوجته عندما أطالت النظر عليه وعينيها تتسائل بألف سؤال كل دقيقة، سأل الفتاة بغلظة:
-أنتي مين وعايزة ايه
أشارت إلى نفسها وهي تقول بلهفة وحزن وكلماتها تخرج من بين شفتيها بارتعاش وكأن هناك من يلاحقها إلى هنا:
-يسرية أنا يسرية العامري من الجزيرة واقعة في مشكلة هتطير فيها رقاب يا جبل بيه محدش غيرك يقدر يحلها
سألها مرة أخرى مُضيقًا عينيه عليها:
-مشكلة ايه دي
نظرت حولها ورأت “زينة” و “جلال” فقالت بتردد:
-أتكلم كده
أومأ إليها قائلًا بكلمات تخرج منه بعفوية:
-دي مراتي اتكلمي
تلبكت أكثر وهي تنظر إليها قائلة برفق تصلح ما أخطأت به ولكنها بقيت خائفة:
-أهلًا يا هانم زادني الشرف والله.. بس
فهم “جبل” ذلك فنظر إلى الآخر الذي يقف خلفها وأشار إليه بيده ليرحل:
-روح أنت يا جلال
تغاضت “زينة” عما برأسها وعقلها الذي تنهش به الأسئلة والتوقعات ناظرة إليه بعدما اشفقت على حالة الفتاة فلم تستطع النظر إليها وهي هكذا:
-ممكن تخليها تدخل؟ شكلها خايفة ومتبهدلة
أومأ إليها ومازال يشعر بالخوف منها أن تأذي أحدهم ولكنها أن فكرت فقط لن تخرج من هنا بقطعة واحدة كاملة في جسدها:
-ماشي دخليها المكتب وخدي بالك أنا جاي
ذهبت معها إلى الداخل بهدوء تأخذها إلى مكتبه الخاص داخل القصر، جعلتها تجلس أمام المقعد على أحد المقاعد المقابلة له وجلست قابلتها قائلة بفضول تحاول أن تعلم ما بها:
-أنتي مالك.. ايه مشكلتك وليه شكلك عامل كده
تطلعت نحوها الفتاة ببعض من الاستغراب وهي تسألها:
-كده إزاي يا هانم
قالت “زينة” بعقلانية تشبهها بالوردة المنزوعة من مكانها قبل الأوان فذبلت إلى أن أصبحت هكذا:
-دبلانة كأنك وردة مقطوفة من مكانها
أومأت إليها وهي تتقدم في جلستها على المقعد لتقترب منها وهي تقول بلهفة وخوف:
-أنا مخطوفة فعلًا يا هانم ومشكلتي كبيرة وعويصه ومحدش يعرف يحلها ولا يدي فيها أمر غير جبل بيه
أكملت مرة أخرى بتوسل عندما وجدتها تنظر إليها ببلاهة:
-قوليله يسمعلي ويساعدني يا هانم
تفوهت “زينة” بثقة تتحدث عنه بعدما رأت موافقة النبيلة مع الناس هنا على الجزيرة ووقوفه إلى جوارهم:
-أكيد هيساعدك من غير ما أقوله
أكملت الفتاة مرة أخرى وهي تعتقد أنه لن يساعدها ولن يستمع إليها من الأساس مُعتقدة أن زوجته هي من تجعله يستمع إليها ويساعدها:
-لو موافقش كلمة منك يا هانم استسمحك بيها
قالت بجدية بعدما اختنق صدرها من هذا اللقب الذي يجعلها تشعر بالغرابة منهم وكأنهم يعيشون في العصور القديمة عندنا كان هناك ملوك وعبيد:
-اسمي زينة مش هانم
وضعت كف يدها على صدرها وتشدقت بحركة غريبة بفمها لم تحاول حتى استيعابها وقالت:
-المقامات محفوظة يا هانم
حركت رأسها بيأس من هؤلاء البشر الذين يجعلونها شخص غير الذي هي عليه
دلف جبل إلى الغرفة بجدية يُسير شامخ وطوله فارع، أقترب إلى أن جلس خلف المكتب أمامهم هما الاثنين ثم نظر إلى الفتاة قائلًا بخشونة:
-اتكلمي في ايه
مسحت عبراتها واعتدلت تنظر إليه هو قائلة بتعلثم والكلمات تقف على بابا شفتيها خجلًا:
-أنا.. أنا بحب واحد يا جبل بيه
صمتت للحظات وهو ينظر إليها هو وزوجته ينتظر أن تكمل ما بدأته، بقيت صامته فصاح هو ساخرًا منها ثم أكمل بسخط:
-دي المشكلة اللي جايه علشانها.. عايزة اجوزهولك ولا ايه.. أنتي بتهرجي
نظرت إليه الأخرى وقالت بهدوء تحسه على الاسترخاء كي يستمع إلى الفتاة بهدوء ولا يخيفها فيكفي ما به:
-بالراحه يا جبل
لم يصغي إلى حديثها وصاح بعنف وغلظة وهو يقترب إلى الأمام:
-اتكلمي يا بت
أردفت بجدية تقص عليهم ما حدث معها والدموع بدأت في الخروج مرة أخرى من عينيها وهي تحكي ما حدث:
-كنت بحب واحد يا جبل بيه.. وهو كان بيحبني آه والله كان بيحبني يا هانم.. جه اتقدملي أكتر من مرة أبويا وأخويا رفضوا الجوازة علشان عايزينه عنده ملك على الجزيرة..
لوعة الحب احرقتها وناره استوت عليها والحرقة بقلبها تحكي بها وتظهر عليها واللهفة تتحدث قبل منها متحدثة بمعانتها:
-مكانوش يعرفوا إني بحبه ولا حتى أعرفه هو كان جاي على أساس السيرة والسمعة وسؤاله عني وعن أهلي في الجزيرة ومحدش يعرف اللي بينا بس رفضوا مرة واتنين وتلاته وأنا بحبه يا بيه
مرة أخرى يسخر منها بعدما توقفت عن الحديث:
-وبعدين مش فاهم أكلمهم يعني يجوزهولك ولا ايه
نفت ما قاله وصمتت لحظة ثم أردفت متعلثمة بخجل تخفض وجهها إلى الأرضية بعيد عنه:
-لأ يا بيه أنا.. أنا اتجوزته من وراهم
رفعت بصرها إليه مرة أخرى بعدما أشتد الحزن بها وهي تتذكر آخر ما حدث بينهم وما القادم معهم:
-أبويا وأخويا غصبوا عليا بغيره وأنا ريداه هو اتجوزنا عرفي ودلوقتي هما عرفوا حالفين يقتلوني ويغسلوا عاري ويقتلوه هو كمان علشان أتجرأ وعمل كده
وقفت على قدميها وهي تحاول الإقتراب منه تتوسلة بكل ما بها وتبكي بحرقة كبيرة ظهرت عليها منذ أن دقت على البوابة في الخارج:
-الله يرضى عليك يا جبل بيه ويخليلك الهانم ويرزقك بالذرية الصالحة تقف معايا أنت بس اللي تقدر توقفهم أبعدهم عني وعنه يا بيه
تابعها بنظراته الحادة وكلماته التي تخرج بجدية تامة:
-أبوكي اسمه ايه وقاعدين فين في الجزيرة
أجابته بإسم والدها ومنطقة مكوثهم وهي تبتسم ببطء بعدما بعث الأمل إليها بأنه سيساعدها ويقف إلى جوارها ويبعدهم عنها وعن حبيبها وزوجها الذي لم يتخلى عنها إلى الآن..
-كمال جابر العامري في شرق الجزيرة
أومأ برأسه إليها بهدوء مقررًا مساعدتها وأن يمنع ما يريد والدها فعله في وجوده على الجزيرة فكان سيبعث أحد الحراس إليه ليأتوا به إلى هنا ولكنه استمع إلى أصوات في الخارج عالية تصل إليهم فوقف سريعًا ليخرج يرى ما الذي يحدث..
عندما خرج من بوابة القصر وجد رجل في عمر الخمسين وشاب في الثلاثين يقف جواره يمسك السلاح بيده رافعة للأعلى..
تقدم منهم “جبل” ونظرات عينيه على ذلك الشاب الذي بعدما رآه ظل على وضعه رافعًا السلاح كما هو ولم يهابه حتى..
وقف أمامهم وتحدث بقوة وحزم:
-أنت واقف جوا ملك العامري ورافع السلاح!
قدم والده يده ليخفض يد ابنه الممسكة بالسلاح وتفوه قائلًا بدلًا عنه بتوتر:
-سماح يا جبل بيه مخدش باله
تابع ونظراته على الشاب ووضع يده الاثنين في جيوب بنطاله ووقف ببرود كما المعتاد منه:
-لأ ياخد باله وإلا العواقب مش هتبقى كويسه أبدًا
صاح الآخر بضجر وحنق وهو ينظر إليه:
-عواقب ايه إحنا جاين ناخد أختي ونغسل عارها إحنا عارفين أنها هنا
أومأ إليه برأسه بمنتهى البرود واللا مبالاة يؤكد على حديثه ثم أكمل بثقة وعنجهية:
-آه هي هنا.. بس قولي أنت تقدر تاخدها من غير أذني ولا هي ممكن تخرج معاك من غير أنا ما أقولها تخرج!
صدح صوته أمامه وهو يقول باستنكار وذهول:
-دي أختي
أجابه بجدية يوضح له من هو أيضًا بالنسبة إليها وإلى أهل الجزيرة ثم ختم حديثه بسخرية:
-وأنا مالك الجزيرة أخوها وأخ لكل واحدة عليها، ابن لكل أم وابن لكل أب وأنت شكلك كده مش عاجبني
كان الشاب يشعر بالإهانة لأجل ما فعلته شقيقته به وبوالده وكان يقف أمام “جبل العامري” ويعلم من هو وما الذي يستطيع فعله ولكن النار المشتعلة داخله هي من تحركه:
-المفروض أعمل ايه علشان شكلي يعجبك
تقدم منه “جلال” وأمسك به من تلابيب عباءته بعدما ازعجته نبرة حديثه:
-أنت بتتكلم كده ليه ياض أنت ما تتعدل ولا مش عايز تخرج من هنا حي
أمره “جبل” بهدوء:
-سيبه يا جلال
تقدم منه والده وربت على يده يقول بخوف وتوتر وهو يحاول تبرير ما يفعله ابنه أمام كبير الجزيرة:
-الحق علينا يا جبل بيه سماح ابني دمه حامي ومقهور من اللي عملته أخته
تهكم عليه وهو يردف بسخرية:
-لأ ماهو واضح
سأل والدها ينظر إليه بجدية وحزم:
-أنت جاي علشان تاخد بنتك وتروح تقتلها هي وجوزها ولا جاي علشان هتسمع الحكم اللي هقوله وهتنفذه
أردف شقيقها بدلًا عن والدها بتسرع:
-جايين ناخدها
أخرج “جبل” يده اليمنى من جيب بنطاله وتقدم منه بعد أن استفزه ذلك الطائش ولكنه لا يريد أذيته، تقدم منه واضعًا يده على عنقه يشتد عليها قائلًا بغضب:
-الله وكيل مرة كمان وهتخرج من هنا عاجز
تحدث والده سريعًا بذعر:
-جايين نسمع حكمك يا جبل بيه واللي أنت عايزة هنعمله
أبتعد عنه ونظر إليه بعصبية وغضب، يُعكر صفوه وهو لا يريد أن يفعل به شيء يبدو أنه متهور ولا يفكر في الأمور قبل فعلها أو الأقدام عليها..
دلف بهم إلى داخل القصر بعد أن أخذ السلاح من شقيقها، تقدم معهم إلى الداخل ليصل إلى مكتبه المتواجد به زوجته والفتاة “يسرية” قبل أن يجعل أحد منهم يولج إلى الداخل وقف أمامهم قائلًا والباب مفتوح وهي تطل عليهم منه:
-أنا كلمتي بتطلع مرة واحدة بس، أي خطوة غلط من حد فيكم الله وكيل هعجزه
نظر إلى “زينة” بعد أن دلف بهم كي تذهب إلى الخارج ولكن الحقيقة هي أرادت أن ترى كيف سيعالج هذا الأمر وكيف سيساعد الفتاة وينفذ والدها وشقيقها رغباته دون مجهود منه.. أقتربت منها وتحججت بها قائلة:
-خليني معاها
لم يجيب عليها لأنه علم ما الذي تفكر به ويعلم أن فضولها هو من يسحبها خلفه دون إرادة منها فأعطى لها الفرصة وتركها لترى ما تريد
أشار إليهم بالجلوس على الأريكة المقابلة لمكتبة وذهب هو الآخر ليجلس كما كان ناظرًا إليهم بكبر وعنجهية ثم قال متسائلًا:
-انتوا رفضتوا الشاب اللي أتقدم لبنتكم كام مرة لسبب مش منطقي
أجابه شقيقها قائلًا بجدية:
-منطقي بالنسبة لينا
أومأ إليه برأسه ثم سأله:
-علشان معندوش أرض؟
أومأ إليه الآخر وأجابه بتأكيد:
-أيوة
سألهم “جبل” مرة أخرى بخبث متواري خلف كلماته البسيطة التي تدل على أنه يريد معرفة أن كان هذا هو السبب فقط:
-في أي حاجه تانية تعيبه
تحدث والدها بجدية يقول الصدق:
-الشهادة لله لأ يا جبل بيه
ابتسم بهدوء وأبعد نظره إلى ذلك المتهور الفظ وسأله بجدية:
-أنت متجوز؟
أومأ برأسه يمينًا ويسارًا وقال:
-لأ لسه
أعاد “جبل” السؤال مرة أخرى:
-خاطب
نفى مرة أخرى وقال بهدوء ينظر إليه ولا يدري ما السبب خلف أسئلته الذي لا علاقة لها بالأمر:
-لأ بردو لسه هخطب
كرر أسئلته واستمر تحت أنظار الجميع وهو واثق من حديثه ويعلم ما الذي سيصل إليه في النهاية:
-عندك أرض
حرك رأسه يمينًا ويسارًا نافيًا:
-لأ معنديش
نظرت إليه “زينة” بذهول يا لك من ماكر خبيث لا أحد يستطيع التغلب عليك، ذئب تأكل من أمامك وماكر كثعلب يغلب بالحيلة..
استمعت إليه وهو يُجيبه بسخرية يعود إلى ظهر المقعد يستند عليه بعنجهية بعد أن أوقعه بالفخ:
-يبقى مش هتتجوز بقى
أجابه الآخر بضيق:
-ليه إن شاء الله ناقص ايد ولا رجل ولا يمكن ناقص حاجه تانية
أشار إليه بيده بعدما نظر إليه بعمق وأتى فوق رأسه بخيبات لم يفكر بها، يقول بقسوة ضارية مُهينًا إياه في نهاية حديثه:
-ناقص أرض… لما تروح تتقدم لواحدة من الجزيرة وترفضك علشان أنت معندكش أرض ملك يبقى ده سبب منطقي ومن حق أي حد يرفضك ما أنت ناقص
وجده صمت هو ووالده، ينظر إليه بعمق ونظرات الكره حلت على وجهه لأنه تغلب عليه بالحديث فقط إلى الآن فتابع “جبل” بحديث عقلاني:
-الجواز بيتم بناءً على أسباب كتير منها، القبول والرضا بين الاتنين، الحب لو موجود، قبولك للي متقدم على أساس هو محترم ولا لأ شغال ويعرف يصرف على بيت ولا لأ وأسباب زي كده مش علشان معندوش أرض ملك
نظرت إليه باستغراب مرة أخرى، الآن يقول الزواج يتم بالتراضي! بالحب ولأسباب أخرى لما إذًا هي فقط من تزوجت عنوة وقهرًا وكرهًا له وبه!..
استمعت إلى قسوته في الحديث وهو يتقدم منهم مرة أخرى يضع يده على المكتب يوجه عينيه الذي حولها لعيون مرعبة قائلًا:
-كلنا عارفين أن حتى اللي عنده أرض ملك في الجزيرة فهو وأرضه وماله وعياله ملك ليا… يعني الكل على الجزيرة معندوش حاجه
يالا تلك القسوة والثقة! يالا هذا الجبروت الذي يخرج من مجرد نظرة عين منك أيها الجبل
أومأ إليه الرجل بخوف وفزع بعدما تحدث “جبل” بهذا الحديث:
-أيوه يا جبل بيه أيوه
وقف على قدميه وأصدر حكمه الذي خرج كفرمان واجب التنفيذ دون النقاش بأي حرف به:
-بنتك هتتجوز.. بس المرة دي جواز على سنة الله ورسوله في حضورك وحضور أخوها وحضور الجزيرة كلها وفرحها ولو حاجه ناقصة في جهازها عندي أنا
وقفت الفتاة بعد وقوفه عن المقعد احترامًا له وهما أيضًا فعلوا مثلها ولم تستطع كبح دموعها في الخروج من عينيها.. فهي لم تخطئ عندما قصدت “جبل العامري”
تقدم منهم يضع يده في جيبه ونظر إلى شقيقها وخرجت الكلمات من فمه بتهديد واضح وصريح لهم:
-هتخرج من هنا معاكم.. الله وكيل ما حد يمس شعره منها أو من جوزها لاسفره مع اللي سافروا
أومأ إليه الرجل وهو يرتجف خوفًا على ابنه إن أخطأ فلن يتحمل أحد منهم عقابه:
-كلامك هيتنفذ يا جبل بيه.. هيتنفذ
ابتسم بزاوية فمه قائلًا بثقة:
-أنا عارف أنه هيتنفذ
خرج معهم من المكتب بعد أن أخذوا الفتاة إلى الخارج ليذهبوا بها ويتم تنفيذ ما أمر به ويالا السعادة التي كانت تخرج من قصر العامري..
وقف شقيقها أمام “جلال” يطالب بسلاحه:
-السلاح
وقف جبل أمام بوابة القصر الداخلية وصاح بصوت عالٍ كي يستمع إليه لأنه كان عند البوابة الخارجية:
-جلال.. متدلوش حاجه، السلاح مش أي حد يشيله لما تبقى تعرف تشيله إزاي الأول ابقى تعالى خده
نظر إليه الشاب ببغض وغضب شديد يشعر به تجاهه فوالله لو تركوه عليه لمحى اسم “جبل العامري” من الوجود
جذبه والده وهو يخرج به وبابنته بسرعة شديدة قبل أن يتحدث ويخطأ في الحديث فهو لا يريد سلاح فليس هناك أكثر منهم على الجزيرة..
دلف إلى الداخل، وقف في ردهة القصر أمام الدرج وخرجت هي من المكتب وقفت أمامه ابتسمت بسخرية وهي تقترب منه ثم قالت:
-خبيث ومكار
غمزها بعينيه متهكمًا:
-وأعجبك
هبطت “وعد” من على الدرج سريعًا وهي تهتف بإسمه فتح لها ذراعيه مُبتسمًا مُنتظرًا إياها تتقدم إليها، حملها على ذراعه يقبل وجنتها بحب وسعادة..
هناك من يقف على بوابة القصر، خرجت “ذكية” من الداخل وفتحت البوابة لتطل من خلفها فتاة في العشرينات، وقفت أمام البوابة ببنطال من الجينز الضيق وقميص بنصف كم تتطاير خصلاتها البنية على جانبيها.. جوارها حقيبة سفر كبيرة وبيدها غيرها..
استدار “جبل” الذي يحمل “وعد” على ذراعه ينظر ليرى من أتى من حراسه لكن قلبه خفق بقوة فجأة عندما رآها تقف أمامه..
ثبتت نظرات عينيه عليها، ترك “وعد” تهبط من على ذراعه دون حديث لتقف جوار والدتها وأعتدل هو في وقفته مرة أخرى ينظر إليها بعينه الخضراء..
ابتلع غصة مريرة وقفت بحلقة كما وقفت الذكريات بعقله الآن تسير بشريط سريع وكأنه على حافة الموت..
دقات قلبه المتعالية ونظرات عينيه نحوها، جسده الذي بقيٰ متشنجًا بعد رؤيتها وملامحه التي تغيرت مئة وثمانون درجة جعلو زوجته تنظر إليها هي الأخرى باستغراب.. فلم يأتي عليها الوقت الذي تراه يقف به هكذا مسلوب الإرادة غير قادر على التحرك فقط ينظر وعيناه لا تحرك اهدابها..
تقدمت هي إلى الداخل وتركت الحقائب في الخارج، دلفت القصر وهي تنظر إليه بقوة كما يفعل، حنين داخل قلبيهما يحرك عينيهما على بعضهم البعض.. لهفة ولوعة حارقة لكل منهما.. إحداهما خائن والآخر مطعون بسكين الحب في قلبه!..
تحركت شفتيه ببطء وصوته خافت للغاية تسيطر عليه كثير من المشاعر التي لم يستطع تحديدها، ندم وقهر، لهفة واشتياق، خذلان وحزن:
-تمارا
ما أن تفوه باسمها حتى تركت “وعد” والدتها وتقدمت منه لأنها شعرت بالضجر لأجل أنه تركها وهي كانت تريده، تمسكت ببنطاله قائلة بقوة:
-بـابـا
هذه الكلمة انتشلت الجميع من الحالة الذي هم بها، نظرت إليها “تمارا” بذهول واستغراب وحزن شديد ونيران اشتعلت داخل قلبها في لحظة واحدة بعدما كانت شعرت أن القادم سيكون أفضل..
وهو نظر إليها بقوة وكأنها تخرجه من الحالة الذي بها تنبهه بوجودهم معه هنا هي ووالدتها..
بينما تلك المسكينة التي كانت تقف لا تفهم ما يدور حولها نظرت إلى ابنتها مشفقة عليها، فيبدو أنها قريبًا ستفقد الأب الآخر الذي اكتسبته في فترة صغيرة..
نظرات من ثلاث أعين تنبع محتواها من داخل قلبهم، وكل نظرة تخرج من قلب تعبر عما به، إن كان اشتياق، أو حرقة، أو ندم..
❈-❈-❈

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية سجينة جبل العامري)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى