روايات

رواية ساكن الضريح الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم ميادة مأمون

رواية ساكن الضريح الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم ميادة مأمون

رواية ساكن الضريح الجزء الرابع والعشرون

رواية ساكن الضريح البارت الرابع والعشرون

رواية ساكن الضريح الحلقة الرابعة والعشرون

لم يكتفى ذو الرأس المتخبط بصلاة الجمعة
فقط، بل ظل ساكناً للضريح طيلة اليوم،
قضي يومه كله ما بين الصلاة الي المكوث مربوع الارجل يمسك كتاب الله العزيز، و يرتل القرأن بصوتٍ عذب.
الي ان فرغ من قراءة جزئه، وادي فرضه الاخير مع ركعتين السُنه، لينظر الي الضريح، و كأنه يتقابل بعينه مع احد ما و يوجه له الحديث.
مالك هامساً
كل ما احس اني قربت منها، وامد ايدي ليها الاقي الف ايد بتشدني عشان ابعد عنها، ما تقولي اعمل ايه يا حُسين حلها انت بقى انا تعبت،
الحل من عندك انت يا رب، فرجك قريب ان اشائت الفرج يا كريم.
وقف من مضجعه منحني الرأس منتظر فرج ربه الذي لم يخيب رجاء دعوته ابداً.
❈-❈-❈
كان طول الوقت بالنسبة لها، بمثابة مصارع قوي يدق يده في صدرها من الحين للأخر، من غير شفقة و لا رحمة.
لم يهتدي حالها طيلة اليوم، لقد اعدت الطعام بيدها، بل و صنعت بعض حلوى الأرز بالبن عندما اخبرتها والدته بأنه يعشقه،
حتى انها ظلت حبيسة النقاب و لم تزيحه من علي وجهها قط،

 

الي ان عاد والده الي المنزل و زجرها بنظراته الكارهة و التي تعلم مخزاها جيداً،
لكن كل هذا صار هباء، لم يعود إليها حبيبها.
صعدت الي غرفتها بخيبة امل، بشهقاتٍ ترهق الاذان، على حبيبٍ لا تعلم مدى قسوته حتى الآن،
ظنت انها اذا نفذت أمره ستنعم بقربه، لكنه دائماً ما يفضل البعد بقسوة دون الحسبان لمشاعرها.
ومن كثرة تفكيرها وقفت أمام المراءه، تنظر إلى وجهها، الذي أصبح عبارة عن كتلة حمراء من الدماء المحتقنه به، لترى ثيابها المذرية من أثر الطهي.
تأففت بملل و شلحت عنها ذلك الجلباب المخملي.
وقفت مرتدية تلك المنامه السوداء القصيرة والتي تفتن جسدها الأبيض بمنحنياتة، ثم تحركت نحو الخزانة لتجلب لها منامه نظيفة.
و فجاءة انفتح الباب المغلق عليها عنوة، لتضع يدها على صدرها و تلتفت نحو الباب بشهقة عالية.
و من يكن سواه، عاد حبيبها بوجهه الغاضب، رفعت يدها من علي صدرها، تهندت مطمئنه و قابلته بأبتسامه خجله رغم حزنها، فبادلها بنظره غير مفهومه.
اول شئ ظن به و ظهر جيداً على وجهه!!
هي علامة السخرية، هل جاء في تفكيرها انها ستنول رضاه اذا قدمت له نفسها بهذه الطريقة الرخيصة.
رفع شفاه العلويه تعبيراً عما سيقوله، إذ انه هتف…..
ما قولتلك الطريقة دي مش هتجيب معايا، يا بنتي انا غير اللي عرفتيهم قبل كده.
رمته بنظرة جامدة مغلفه بالحزن، و رغماً عنها
علا صوتها، و تغلب عليها الغضب السكندري.
وانت كل ما نتخانق معايا هتقولي كلامك اللي زي السم ده،
لاء بص بقى يا ابن الناس، لو انت شايف اني بت شم… و مش قد مقامك العالي، يبقى نفضها سيرة بقى و تطلقني.
تلك الغبية وضعت نفسها بمئزق كبير دون أن تدري، إذ وجدت نفسها ترتم بالأرض،
حين فجائها بصفعه مدويه، لتترك اصابعه بصمتها على وجنتها الحمراء لتزيد من التهابها.

 

لم يكتفى بهذا فقط، بل شبك اصابعه في تموجات شعرها، ضاغط عليه بقوه، ساحلها خلفه الي فراشهم.
اوقفها بجانبه ضامم رأسها بكفه الغليظ يرتطم بها داخل صدره، و كأنه يعذب نفسه قبل أن يعذبها هيا.
احنى مالك رأسه قليلاً بأتجاه اذناها،
ليهمس لها و هو يملس بسبابته فقط على ظهرها العاري، ليشعل لهيب قلبها حتى يري مدى شوقها إليه.
فوقي لنفسك بقى و اعرفي انتي متجوزة مين، انا مش متجوز طفلة صغيرة هاقعد كل شوية اقولها كخ و عيب،
و افهمي انك كل ما هاتقلي أدبك، هايكون ده عقابك،
ليلقي بها على الفراش بقوه، ملقي الغطاء عليها، ليخفيها تحته و لا يظهر منها شئ، و
اتجه هو ليبدل ملابسه.
بدئت تخرج عن شعورها، تلك النمرة المتوحشه، لن تقبل بأن يتمادى معها بهذه الطريقة،
نفضت الغطاء عنها، قفذت من علي الفراش بمرونه فائقه، لتراه يقف امامها وقد ارتدي بنطال رياضي و مزال جزعه العلوي عاري.
جرت نحوه سريعاً، تنبش اظافرها في كتفه و ظهره، و صرخت فيه.
و انت فاكرني هاسكتلك، لاء و حياة ربنا لوريك.
ااااه!
كانت هذه صرخة مالك المتألم من تلك الخدوش التي فعلتها به صغيرته النمرة.
تراجعت للخلف خطوتان، واضعه يدها على ثغرها تكتم شهقاتها،

 

حين رأته ينقض نحوها بعين سوداء متوحشة كظلام دامس، ألقت نفسها به.
مالك بصوتٍ مريب، ايه اللي انتي عملتيه ده؟
مع انها كانت تواري عيناها منه، الا انها تصنعت الشجاعه متسلحه بصوتها العالي هاتفة….
و انت ايه اللي انت عملته ده؟ مش انت اللي بدئت بأنك تمد ايدك عليا.
و اكسر رقبتك كان…
فاجئها بضم معصمي يديها في كفه الكبير خلف ظهرها، قابضاً على شعرها ضاممها اليه بقوه مكملاً…
وبعدين لما انتي بتعرفي تدافعي عن نفسك اوي كده،
معاملتيهاش مع اللي قبلي ليه، و لا كل اللي حكتيه كان كدب، اصلك بتقولي حاجه و افعالك بتقول حاجه تانية خالص يا شذى.
طلقننننني…
صرخت بها شذي المنهمره دموعها، بدئت تخرج عن سيطرتها بالفعل،
إذ بدئت تقف على قدمه و تضغط بأصابعها عليه تاره، و تركل ساقيه تاره، و تنتفض بجسدها داخل قبضته تارة أخرى، متصورة انها هكذا تؤلمه.
ما زادت حركتها الغير منتظمه الا شوقه إليها، حركتها السريعة أفلتت مشاعره، ثبت رأسها رافعها باليد الاخري لتثبت عيناها على عينه العاشقة.
مالك بصوتٍ هادئ
عيدي كده كنتي بتقولي ايه يا شذى.
كان يظنها ستخجل مما يفعله، لكنها قاومته بشراسه، إذ انقضت على ذراعه،
قاضمه اياه بأسنانها لينفضها من يده و هو يحاول ان يخفى ابتسامته مما تفعله تلك اللعينه.

 

اتجهت نحو الفراش و تمددت عليه مدثره نفسها بالغطاء جيداً، و همست بحزن….
متحاولش تلمسني تاني، و طلاما انت واخد عني الفكره دي و مش عايز تخرجها من راسك يبقى تطلقني، يا دكتور.
امسك بيده جهاز التحكم عن بعد الخاص بمكيف الهواء، واداره على الهواء الساخن، حتى لا تمرض شقيته بردائها الخفيف.
تمدد بجانبها مدثراً نفسه هو الاخر، متحدثاً برعونه.
بكره تصحي بدري وتحضري شنطة السفر لينا، عشان هانروح اسكندرية، و اعملي حسابك احنا هنروح النيابة تشهدي في القضية،
و هانقعد هناك لحد ما تخلصي امتحانات و لو ان انا مش عارف اساساً انتي ها تمتحني ازاي و انتي مش بتزاكري اصلاً.
مالكش دعوه.
قالتها صغيرته و هي تعطيه ظهرها.
اتكلمي بأدب.
قالها مالك و هو يوجهها له بسهوله.
رفعت رأسها عن وسادتها ناظره له بعين دامعه.
عارف يا مالك انا هاروح اشهد زور، واطلع اشرف من السجن بس عشان اخلص منك.
رفع حاجبه الأيمن غير متفهماً عليها.
يا سلام و هاتخلصي مني ازاي بقى انشاء الله
اخفضت رأسها على الوساده مره اخرى مكمله له.
ماهو انا لما اشهد زور، انت مش هيعجبك الحال، و هتقعد تقولي حرام و حلال، و انا مش هاسمع كلامك، فتروح مطلقني بقي و اخلص منك.
شذي.
برغم كل ما حدث بينهم الا انه ينطق اسمها بهذا الحنان.
لتنظر في عينه بحب هامسة له.
نعم يا حبيبي.

 

اعمليها و اشهدي زور في النيابة و صدقيني قبل ما تخرجي منها هاكون مطلقك.
هذه المرة أعطاها هو ظهره، و استعد للنوم غير عابئ بها و لا بمشاعرها الحزينة.
❈-❈-❈
لكن بعد مرور ساعه تقريباً، ظنت انه ثبتَ في نومٍ عميق، عندما انتظمت أنفاسه او هذا ما كانت تظنه.
و في هدوء تام ملست بسبابتها على موضع جراحه التي افتعلتها رغماً عنها.
شذي هامسه له بحب
انا اسفه و الله، بس انت اللي خلتني اعمل كده، اوعي تطلقني يا مالك انا بحبك و عايزك تحبني،
مش عايزة حاجه من الدنيا دي غيرك انت بس.
ظلت هكذا الي ان غفيت هي الاخري، و عوضاً من ان تلمس جسده باصبع واحداً فقط، مدت ذراعها و احتضت خصره من الخلف، و أنفاسها الحاره تلفح جلده الساخن.
ليستدير هو على ظهره، يدث ذراعه تحت جسدها المرمرى، يرفعها على صدره بحنان.
لتقيد ساقيه عندما رفعت قدمها عليهم، و كأنها تشعر هكذا بالراحة اكثر.
همس مالك ضاحكاً
و لو صحيتي دلوقتي مش هتصرخي في وشي، و تقوليلي طلقني.
شذي بنوم: امممم حبني
مالك متقبلاً دعوتها
بحبك يا روحي انتي دنيتي كلها
❈-❈-❈
و مع اذان الفجر على صوت رنين هاتفه، لتتذمر بنصف افاقه، غير واعية لما تقوله.
اف افصل الصوت ده بقى يا مالك.
ملس علي شعرها الذي يتلفح به، امسك الهاتف و اغلقه و هو يأمرها بهدوء.

 

يلا قومي بلاش دلع خلينا نتوضا عشان نصلي الفجر.
استوعبت حقيقة وضعها، اعتلي صدرها بغضب.
شذي بحماقه
اوعي سيبني
مالك بسخرية
انا سايبك على فكره انتي اللي مقيدة حركتي…
صرخت في وجهه
لاء انت اللي استغليت اني نمت و عملت كده
بلحظه قلبها على الفراش و هب من عليه بنشاط لم يعهده منذ ايام مبتسماً بسخرية لها.
ليه هو انا اللي كل شوية اقول ثم بدء يقلد صوتها….
مالك حبني
قذفته بالوسادة الصغيرة بغيظ و صرخت
كداب انا ماقولتش كده.
قرر أن يزيد من اغاظتها مردفاً: بأمارة ما اتأسفتي و انتي بتحطي ايدك على الخرابيش دي مش كده
رفعت الغطاء على وجهها بخجل و اردفت بهمس لم يسمعه
كنت صاحي و سمعتني يا وغد.
يلا قومي بلاش دلع عشان نصلي…

 

انفزعت و قفزت من علي الفراش، مطيعه أمره واتجهت لترتدي اسدالها.
و بعد أن ارتدو ملابسهم، كاد ان يفتح الباب، الا انها اوقفته بخجل.
بلاش خليني انا هنا.
مالك متعجباً منها…
بلاش ايه، بلاش تصلي، انتي عبيطه يا بنتي، و لا عايزة تجنيني؟
شذي بعين جاحظه: بلاش شتيمة و قلة ادب على الصبح.
مالك بعنف :شذيييي اتعدلي في كلامك.
يا مالك افهمني، بصراحه بقى انا مكسوفه انزل تحت دلوقتي و اتقابل مع باباك.
تذكر هو غضب والده الغير مبرر منها، ربما يكون قال لها كلمه احزنتها أيضاً.
وضع يده على وجنتها برفق مطمئناً لها.
هو في حاجه حصلت بينك و بين ابويا انا
معرفهاش؟
هزت رأسها يميناً و يساراً بالنفي.
ليكمل هو….
طب تعالي ماتخفيش كده، انا معاكي اهو و يا ستي ادخلي اتوضي انتي الأول و اطلعي
على هنا،
و انا هادخل بعدك و احصلك و اصلي بيكي هنا.
انت مش هتروح الجامع؟
لاء من هنا و رايح الفجر هنصليه سوي هنا.
ابتسمت بحب و اوقفته بطفوله متمسكه بذراعه :يعني مش هطلقني.
مالك ضاحكاً :لاء حكاية الطلاق دي بقي نشوفها بعدين.
❈-❈-❈
ترجل على الدرج يدعو ربه و يستغفره، مستعداً للوضوء ليؤدي صلاته، اندهش عندما وجد ابنه يجلس على الاريكة لا يفعل شيئاً.
الشيخ حسان
الله انت لسه هنا يا مالك دانا قولت هالقيك سبقتني على المسجد.

 

نظر الي والده مبتسماً
صباح الخير يا حاج انا لسه هاتوضي و هاصلي الفجر هنا.
تعجب والده من كلامه، هذه أول مره منذ سنين يفعلها….
ليه يا مالك دانت عمرك ما عملتها، اوعي تكون تعبان يا بني ومش عايز تقول.
مالك مطمئناً له
لا اطمن يا ابويا، انا كويس الحمد لله، انا بس هاصلي هنا مع شذي، يعني عشان ماتنمش و تروح عليها صلاة الفجر.
الشيخ حسان منفعلاً بغضب
و انت مالك و مالها، تصلي و لا ماتصليش ما هي حره.
مالك مبرراً
مراتي يا حاج و مسؤلة مني و هتسأل عنها يوم القيامة.
و هي فين بسلامتها انشاء الله.
في الحمام بتتوضي يا حاج.
كده كده وحضرتك قاعد مستنيها لما تخلص بقى.
و دي فيها ايه بس يا ابويا، انا مش فاهم انت ليه زعلان كده
سخر الشيخ حسان منه مبتسماً
لا وانا هازعل ليه…..
لله الأمر من قبل و من بعد.

 

❈-❈-❈
وقفت في الروق تستمع الي كلام ابيه، و كرهه الواضح لها، الي ان قال كلمته المعهوده و ذهب،
لتري زوجها يتقدم نحو الرواق بقلق واضح على وجهه.
مالك مرتاباً في أمرها، لربما تكون قد استمعت إليهم….
الله انتي خرجتي طب مالك واقفه كده لية، دانا قلقت عليكي لتكوني نمتي جوه و لا حاجه.
رفعت عينها له بحزن، ثم احنت رأسها مره اخرى، لتشعره بوغزة داخل صدره.
انتي واقفه كده من امتى يا شذى.
شذي بهدوء عكس ما بداخلها
من ساعة باباك ما نزل.
الان وضحت امامه الرؤيا، لقد استمعت الي كلمات ابيه الكارهه لها،
و وقفت وحدها منكسره على ما استمعته.
حاول أن يغير الموضوع سألها
اتوضتي يا شذى؟
اكتفت بكلمه واحدة ومازال وجهها عابث
ايوة
طب ممكن تطلعي تفردي سجادة الصلاة في اوضتنا، و انا هاحصلك على طول.
رفعت عيناها له مردفة بلسان حالها الحزين
متحاولش تغير من روتين حياتك ولا تقلل من تدينك عشاني،

 

احنا كده كده هانسيب بعض و مش هتتسئل عني، انا هاطلع اصلي فوق اه و انت روح المسجد زي ما انت متعود.
مالك محاولاً ايقفها دون أن يلمسها
لاء يا شذي انتي هاتعملي الي قولتلك عليه، ممكن تقولي حاضر زي ما عوتديني.
شذي بصوت منكسر
حاضر يا ابيه.
تعمدت ان تعيد له لقبه، لتشعره بمدى ثورتها الكامنة بداخلها،
و اتجهت نحو غرفة الطهي تتفقد شئ ما داخل البراد.
ضم حاجبيه و هتف
ابيه تاني يا شذى، طب انتي بتعملي ايه عندك دلوقتي؟
أخرجت من البراد صحن من حلوى الأرز و تركته امامه على المائدة.
مافيش حاجة انا كنت بطلع ليك طبق رز بلبن اصلي عرفت من خالتو انك بتحبه فاعملته بس بطريقتي،
قولت يعني لا تكون جعان و لا حاجه.
ابتسم لها بمودة ممتن لها، هو فعلاً عاشق لهذه الحلوى المصرية، شعبية الأصل.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ساكن الضريح)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى