روايات

رواية ديجور الهوى الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى الجزء الحادي والثلاثون

رواية ديجور الهوى البارت الحادي والثلاثون

ديجور الهوى
ديجور الهوى

رواية ديجور الهوى الحلقة الحادية والثلاثون

-راحة قصيرة-
-هدنة من الحرب النفسية-
___________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين.
__________
‏لا تُناقشوا المفتون بِما هو مفتونٌ به 🤍.
#مقتبسة
‏أحبك رغم قلقي الدائم من كل شيء، رغم الأيام والخيبات والمسافة وقلة الحيلة، رغم كل الأشياء التي تقف وتحول بيننا، أحبك، بغض النظر، عن المسافة الفاصلة بيني وبينك، وعن الأزهار التي ماتت في صدري، وأنا أنتظرُك أُحبك
‏رُغمًا عن عثراتي والحِدّة التي تعلو ملامحي، والقسوة التي في قلبي أُحبك، رُغمًا عن حيرتي معك
‏وعن أشياءَ كثيرة تُثير فيني غيرتي، أُحبك
‏رُغمًا عن هذا القَلْب المعطُوب..
#مقتبسة.
_____________
“بالقاهرة”
لأول مرة استعمل كمال أسلوب شقيقه وهو الهجوم والتهور في إلقاء الخبر على والدته، وجد أن المماطلة لن تأتى بأي نتيجة جيدة، حتى التمهيد لم يعد له طاقة ليفعله الآن..
لذلك كان يعطيها صدمة تلو الأخرى..
“حسن اغتصب أفنان، وفهد ابن حسن مش داغر، وهلال صاحبه وابوه عملوله ورق باسم ثائر وافنان كانت حامل وابنك خبى علينا”
“في بيتنا ولما شريف عرف متحملش وقتله”
وعند سماعك الحقيقة تمر بعدة مراحل أولها عدم الاستيعاب والانكار، ثانيها هو صدمة حقيقية حينما تبدأ في تقبل ما سمعته، ثالثها هو اللوم والعتاب لذاتك قبل أن يكون للغير..
كيف لم تفهم!!
كيف لم تشعر بابنتها الوحيدة؟!!
كيف لم تفهم وجع ابنها وظلت ترفض رؤيته أو حتى الحديث عنه أو معه وكأنها تعاقبه على تهوره…
هل إلى تلك الدرجة كانت عمياء لا تفهم أولادها؟!
نعم هي فهمت بأن هناك شيء غريب بأفنان خلال تلك السنوات، وفي تلك الاجازة التي تأتي بها في كل عام دون زوجها وكانت الصدمة الأكبر حينما عاد الاثنان وثالثهما طفل لا يعلم عنه الجميع أي شيء، وكانت بالفعل هناك الكثير من الأفكار تحاول ترتيبتها وتخمينها ولكن لم يصل عقلها إلى تلك النقطة أبدًا..
استرسل كمال حديثه بنبرة هادئة يحاول تخفيف حدة صدماته:
-امي اللي قولته صعب أنا عارف، ومن كتر ما هو صعب احنا سكتنا وخلاص اللي غلط في حاجة غلط واللي حصل حصل احنا مش هنتكلم مين فينا غلط في ايه ومين فينا كان صح في ايه احنا عايزين نبص على اللي الجاي ونحاول نحل الوضع.
هتفت منى بيأس وصوت مبحوح والدموع تهبط من عيناها:
-هو في بعد اللي قولته حل يا كمال؟!!..
قال كمال بجدية بحاول بث الأمل فيهما:
-اه، هلال عنده حلول بخصوص شريف.
كان شريف يكز أسنانه يتعهد بأنه سوف يدب شجار مع هلال الذي يشتكيه إلى عائلته كطفل صغير بل يتواصل معهم دون أن يخبره بشيء على الرغم من تحذيره له، أخذ يفكر إلى أي مدى أخبرهم ياترى!
غمغم شريف بنبرة فاترة:
-انا مش هروح اسلم نفسي ولا هقول اني قتلته علشان اختي، لو هروح هقول اني قتلته وبس، محدش يجيب سيرة افنان ارحموها، انتم متعرفوش هي مرت بأيه.
صرخ في نهاية حديثه رغمًا عنه متناسيًا شمس وكل شيء…
فهو خط الدفاع الاول رغم انه الأكثر ضررًا!!
هتف كمال بنبرة هادئة:
-مش هنجيب سيرة افنان هلال قالي انه هيدخل من ناحية انها قتل خطأ وده كان بشهادة الشهود وقت الخناقة مهما كان عدد السنين اللي ممكن يتحكم عليك بيها أرحم من انك تعيش عمرك كله هربان؛ وجدك هيدفع الدية لفردوس عن موت اخوها.
تمتم شريف بسخرية واستنكار شديد:
-وهي هتاخد حق اخوها؟!
تحدث كمال بنبرة عملية:
-بعد ما تعرف الحقيقة اكيد هتشغل عقلها والدليل دلوقتي أسهل، فهد موجود..
صرخ شريف بصوت جهوري:
-انتَ بتهرج؟! فردوس مين اللي تعرف بوجود فهد؟!! أنتَ عايز تفضح اختك في سبيل أن الهانم تفضل معاك صح…
نهض كمال هو الاخر يحاول أن يتمالك نفسه بصعوبة:
-أنتَ بتقول ايه يا شريف؟! دي اختي زي ما هي اختك، وبعدين انها تعرف قتلته ليه مش احسن ما تكون في نظرها واحد اهوج قتل اخوها وبدور تجيبه ازاي؟!.
هدر شريف بعنف كبير:
-ملكش فيه، أنا محدش يفرق معايا، يفكروا زي ما يفكروا.
تمتم كمال بنبرة جادة:
-أنا بقول فردوس تعرف ونحاول نرد على اسئلتها مقولتش فضيحة دي مش اختك لوحدك ولا الوحيد اللي خايف عليها بس أنتَ مش مستوعب ده
قال شريف بنبرة جنونية:
-لا محدش بيفكر في أفنان زي ما أنا بفكر فيها، فردوس لو عرفت وعملت تحليل لفهد هتتجنن ووقتها هتثبت قدام الكل أنه ابن اخوها تبقى ساعتها بتفضح اختك، بتفضحها بعد ما داغر نفسه معملش كده وسكت…
استرسل حديثه وهو يهدر بغضب كبير ونبرة متألمة لكنها صادقة ويعي كل شيء يخرج منه:
-الناس مش بترحم، محدش بيرحم، الرحمة دي بتاعت ربنا بس، اختك مش هتعرف تفتح عينها في حد وكل واحد هيألف قصة من دماغه لأن كل واحد بيصدق الفيلم اللي على مزاجه وأنا مش هسمح بده.
ليسترسل حديثه وهو يهذي:
-اعيش عمري كله هربان أو حتى اتعدم ولا ان حد يتكلم على اختي ووالله يا كمال لو عرفت فردوس اللي أنا متاكد انها مش هتسكت واختك اتفضحت بسببها او حصل اي حاجة والله أنا مش مسؤول عن اللي ممكن اعمله فيها، هخليها تحصل اخوها…
صرخ كمال باسمه لا يتحمل حقًا!!
“شريف”..
كان كمال ينظر له بعدم تصديق إلى اي مسخ قد وصل شقيقه؟!!! حتى ان والدته كانت تنظر له بتوتر بسبب كلماته القوية وتهديده الواضح والصريح جعلها تقلق بشكل كبير..
-أنتَ اتجننت يا شريف، اتجننت بجد وخلاص مبقتش عايز تفكر في أي حاجة كل حاجة بالنسبة ليك قتل، وبعدين أنتَ فاكر اني هسمح ليك تقرب من فردوس؟!.
قالها كمال بنبرة جادة وقوية، صلبة إلى أقصى درجة ليتحدث بعدها بتأكيد على كلماته:
-فردوس مش هتشيل شيلة أخوها أنتَ سامع، فردوس برا الحسابات كلها، فردوس خط أحمر، دي اكتر واحدة اتأذت في الموضوع ده كله.
ضحك شريف بسخرية ليقول بعدها:
– اه اكتر واحدة اتأذت فعلا…
ليبتلع ريقه ويقول بعدها متهكمًا:
-عارف المشكلة فين؟! المشكلة أن فردوس خط أحمر كل مشكلتك أنها تكون كويسة أنها ترضى، دي لو عملالك عمل مش هتكون كده، ده اخوها اغتصب اختك في بيتنا، في بيتنا واستغفلنا ومعملش حساب لحد، وأنتَ تقولي فردوس خط أحمر؟!، ياخي ملعون أبوها على اخوها…
حقًا كمال يفقد زمام السيطرة على نفسه، ورأت منى هذا في عينه لتتحرك بسرعة بمقعدها المتحرك وتقف بينهما ليعود شريف بضعة خطوات ليصبح خلف مقعد والدته بحركة تلقائية منه يفصح لها المجال ليس خوفًا من شقيقه.
هتفت منى بتوتر:
-ممكن تهدوا وتراعوا انكم قدامي على الأقل ناقص تمسكوا في بعض قصادي، احنا محتاجين نتكلم بالعقل شوية…
الهروب هواية لديه بل أصبحت موهبة منقحة وأسلوب مكتسب ليقول:
-انا داخل أحضر العشاء.
وبالفعل رحل..
فهو لسنوات اعتاد الهروب وصنع الطعام ببراعة ومهارة كبيرة، حتى ان أي أمرأة تزوجته كانت تشعر بالدهشة من براعته في الطبخ وحبه له، فهو حينما يشعر بالضيق يذهب لصنع أي شيء قد يخرج غضبه….
أخذ شريف يحضر الطعام وكمال يجلس مع والدته التي أخذت تحاول تهدئته رغم أنها هي أكثر من تحتاج هذا، هي التي عرفت حديثًا وتحاول الاستيعاب ولكنها تعلم جرح شريف لشقيقه بكلماته تلك التي لا يحسب حسابها…
____________
‘الشرقية’
في المستشفى.
كانت تجلس فردوس برفقة إيمان على المقاعد الحديدية الخاصة بالانتظار أمام الباب الخاص بالطوارئ فتتواجد أفنان في الداخل منذ وقت طويل…..
بينما داغر يقف خلف الباب يرفض الجلوس..
فهو ينتظر بأن يخرج أي طبيب أو أي شخص قد يستطيع أن يبث الطمأنينة به…
مازال لا ينسى ما رأه….
الدماء تسيل من راسها فاقدة الوعي تمامًا حملها وقتها وذهب إلى المستشفى بأقصى سرعة ولحقه توفيق برفقة فردوس وإيمان وبالطبع فهد الذي رأى داغر يحملها بتلك الهيئة لم يتحمل ولم ينتظر كما كان يرغب توفيق بل أخذ يصرخ ويبكي بأنه يريد الذهاب معهم من أجل والدته…
قلب داغر كان يتألم بشكل مخيف، وكأنه على وشك أن يفقد وعيه أن لم يخبره أحد بأنها بخير!!!!!!!!!
لم يكن يومًا شخصًا يظهر مشاعره، أو حتى يشعر بأنه من الممكن أن يكن ضعيفًا في أي موقف جاد، لكن الآن هو يشعر بالهشاشة بشكل رهيب ومخيف جدًا….
أما فهد يجلس بجانب جده توفيق يبكي بذعر رهيب ولا يستطيع توفيق إيقافه مهما تحدث بكلمات هادئة لذلك لم يكن يرغب في إتيانه…
بينما إيمان كانت تنظر للصغير بريبة!!!
هل إلى تلك الدرجة تقبل داغر زواجه من أمرأة مانت على علاقة بشخص قبله، بل وأنجب منها بتلك السرعة بعد الحادثة؟!…
هذا الطفل يزيد عمره عن الست سنوات……
هناك شيء غريب ومخيف ولا ترغب في تصديق مخاوفها…
لم تتحمل فردوس بكاء الصغير لتنهض وتجلس بجانبه وأخرجت منديل ورقي من حقيبتها ورفعت رأسه بابتسامة حنونة لتقوم بمسح دموعه وتخفيف وجهه، وعلى الرغم من أنه لم يعتاد عليها إلا أنه ترك لها فعل ما تريده لسبب لا يعلمه.
مسحت فردوس دموعه بحنان قائلة بأقصى نبرة هادئة قد امتلكتها يومًا:
-متقلقش يا حبيبي ماما هتكون كويسة ان شاء الله.
تحدث فهد بصوتٍ مفتور وتساؤل يرغب في أن يقوم أحدهم بالرد بالاجابة التي يرغب سماعها ولا يرغب في غيرها:
-بجد هتبقى كويسة؟!.
لا تعرف فردوس حالتها…
لم يخبرهما أحد شيء منذ أن أخذوها على الفراش المتحرك (الجرار) متجهين بها نحو الطوارئ…
فلا تعرف شيء ولكنها مُجبره أن تبث الطمأنينة في الطفل المتواجد أمامها:
-ان شاء الله يا حبيبي هتكون كويسة.
من وسط بكائه قال بنبرة خائفة فهو يخشى الحياة من دون والدته كأي طفل تحديدًا طفل مثله مر بعمليات ومراحل علاجية طويلة ولم يحيا طفولة طبيعية، بل دومًا والدته معه وتحرص عليه، هو لا يعرف للحياة معنى من غيرها..
– بس هي اتأخرت اوي.
فكرت فردوس في كلمات منمقة تستطيع قولها له:
-يعني هي وقعت زي ما أنتَ عرفت ولازم الدكاترة يعملوا معاها اللازم علشان تقوم وتبقى زي الفل واكيد شوية وهيطمنونا عليها….
حينما أنهت حديثها ألقى فهد نفسه بين أحضانها، لتحاوطه بذراعيها بشعور غريب، ومخيف جذبته إلى أحضانها بقوة لتشعر بأن هناك شيء بداخلها يندمل، هناك شيء يقوم بتضميده، احتضنها هو أكثر حينما شعر بدفئ جسدها..
الطفل هو أول من يشعر بفطرة الشخص الذي يتواجد أمامه وأن يشعر بقلبه حقًا..
قبلت فردوس رأسه واحتضنته مواسية أياه بتلك الطريقة تحت نظرات توفيق السليطة الذي يقوم بالتسبيح في سبحته التي لا تغادر يده وترافقه طوال الوقت؛ يحاول أن يجعل الوقت يمر بأي طريقة حتى يخبره أحد بما يتواجد في حفيدته……
بدأ فهد يشعر بالراحة في حضنها الدافئ، وبدأ يتوقف عن البكاء تدريجيًا، جعلها تشعر بمشاعر غريبة مختلفة عليها، لا تدري سببها الحقيقي!!
حاولت تفسيرها بأنه رُبما نظرتها الشهور الماضية اختلفت قليلا، واحاديث دعاء المستمرة عن حملها وابنتها، وعن الانجاب بصفة عامة جعلتها تشعر بتلك المشاعر الحساسة تجاه الأطفال…
لن تنكر منذ مدة يراودها الأمر حينما بدأت في الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية وسماع النساء عن إتيانهن في أوقات دروس اطفالهم واحاديثهم المستمرة عن محاولاتهم في خلق أجواء خاصة بهم والابتعاد عن مسؤوليات المنزل حتى ولو لمدة ساعتين، وما قبل الذهاب إلى (الجيم) بدأت تنتبه أن أغلب معارفها وصديقاتها التي كانت على علاقة بهن منهم من تمتلك ثلاثة أطفال أو اثنين، ومن بعدهم أحاديث دعاء وبعدهم هذا الطفل الذي بين أحضانها الآن جعلها تعود إلى ذكرى مرت عليها سنوات بعد عقد قرانها بكمال بعدة أيام والذي يصادف يوم مولدها…
-قبل الحريق الذي شب في المنزل-
…..عودة إلى الماضي…..
هذا اليوم تنتظره كل عام..
تحديدًا منذ أن ولج كمال إلى حياتها، الذي لا يكف عن إرسال لها عبارات الغزل والهدايا المميزة والقيمة معنويًا قبل أن تكون ماديًا وذلك في الأيام العادية التي لا تصادف أي مناسبة، فإذا كان الأمر يتعلق بيوم مولدها هنا الأمر يختلف ويختلف كثيرًا جدًا…
فهو تنتظر منه شيء مميز وتعلم أنه سيأتي بشيء يستحق الانتظار، حتى أنها أحيانًا تشعر بالخجل من نفسها بأنها يوم مولده لا تستطيع التفكير فيما قد يسعده او لديها فن اختيار الهدايا مثله، هو بارع بها………..
اليوم يوم مولدها الاول بعد عقد قرانهما بالأسبوع الماضي، بالتأكيد سيكون الأمر مختلفًا سيبدع حبييها بشكل كبير هي متأكدة من ذلك.
كما أنه اخبرها بأنه سيذهب معها لتناول العشاء في الخارج لأول مرة، رُبما لأنه لم يكن يستطيع الخروج معها كثيرا في السابق وحتى لو سنحت الفرصة يكون مبكرًا جدًا، ولكن الآن هي زوجته ولم يعترض حسن بل وافق على مضض..
مما جعلها تجلس في فوضى احدثتها في الغرفة اخرجت كل ما يتواجد في خزانتها من ملابس حتى باتت الغرفة عبارة عن ملابس مُلقاه في كل مكان…
تحاول انتقاء أفضل شيء، ترغب في أن تكون جميلة..
أنيقة، رقيقة في عينه….
تريد كل شيء أن يكون مميزًا اليوم تلك خروجتهما الأولى الرسمية بعد عقد القران وفي يوم مولدها…
ومن كثرة حماسها كادت أن تبكي فهي لا تجد شيء مناسب حسب ظنها تستطيع أن ترتديه…
صدع صوت هاتفها لتتحدث فردوس مجيبة عليه بلهفة واضحة للأعمى:
-الو يا حبيبي.
جاءها صوته العذب:
“ايوة يا قلبي، بتعملي ايه كده؟! “.
تمتمت فردوس بنبرة حزينة:
-مش عارفة البس ايه، حاسة اني معنديش حاجة مناسبة البسها بليل وانا خارجة، بفكر انزل اشتري حاجة واجي بسرعة ايه رايك؟!!.
باستنكار كان يعقب عليها:
“فردوس هو كل خروجة نفس حوار اللبس ده؟! وبعدين تنزلي فين واحنا خارجين انتِ علشان تجيبي طرحة بتقعدي بالساعات كده هنخلي العشاء الاسبوع الجاي”.
عقبت فردوس برقة موضحة موقفها:
-ما انا من ساعة ما لبست الحجاب وأنا أغلب هدومي حساها مش نافعة..
فطوال فترة الخطبة كان كمال يحاول اقناعها بارتداء الحجاب، ووافقت على مضض قبل عقد القرآن بمدة بسيطة، لأنها بدأت بالاقتناع بحديثه وبأخذ تلك الخطوة التي تأخرت بها…..
ومن ضمن الأسباب أنها لا تستطيع رفض شيء يريده كمال أبدًا، مهما كان هي تنفذ ما يرغب به كان مطيعة رغم مشاكستها ولسانها الطويل إلا أنها كانت تحب إرضاءه..
“ما أنتِ نزلتي معايا مرتين، ونزلتي مع صحابك اكتر من مرة واشتريتي حاجات أنتِ بس اللي مقتنعة أن معندكيش لبس، ومعندكيش حلقان اللي مجنناكي، وياريت بلاش لفة الطرحة اللي بطلعي منها الحلق علشان هشدك منه ساعتها اقطعلك ودنك”
اعترضت فردوس على حديثه وبشدة:
-أنتَ مش شايف أنك بتيجي عليا وتحديدا في يوم زي ده؟!
بلؤم كان يسألها كمال:
“يعني ايه يوم زي ده؟!”.
تحدثت فردوس بعصبية اختفت رقتها على الدوام:
-والله أنتَ مش عارف؟!! اومال أنتَ هتخرج معايا ليه؟!.
عقب كمال بخبثٍ متصعنًا أنه ينسى يوم مولدها:
” احنا خارجين علشان مخرجناش من ساعة كتب الكتاب”.
تحدثت فردوس بتحذير منادية أياه باسمه:
-كمال….
“قلب كمال”.
حسنًا هنا حسم الأمر لا تستطيع أخذ موقف والاستمرار به حينما يناديها بتلك الطريقة…
لذلك تحدث كمال لا يرغب في مضايقتها أكثر:
“كل سنة وأنتِ طيبة يا حبيبتي، انا يعني هنسى عيد ميلادك؟!”.
-وأنتَ طيب يا كمال وبعدين ما أنتَ اللي بضايقني اهو.
“بحب اناغشك، وبعدين مش هتنزلي تاخدي هديتك”
عقبت فردوس بصوت خجول وهادئ:
-خليها بليل لما اشوفك..
ثم استوعبت حديثه لتعلق باستغراب:
-وبعدين انزل فين؟!.
“انا تحت البيت عندك، انزليلي”.
هتفت فردوس بارتباك طفيف ورفض:
-يعني خليها بليل لما اشوفك احسن، حسن مش هنا وبعدين انا مش عارفة..
“هديتك الأساسية والورد هتاخديهم بليل، بس دي حاجة لزوم بداية اليوم اللي كله مفاجأت، انا مالي حسن مش هنا هو انا بقولك انا طالع؟! وبعدين ما صباح الفل أنتٍ خلاص مراتي واللي جاي تحصيل حاصل، انزلي بقا وبطلي رخامة انا اصلا ورايا كذا حاجة لسه اعملها الاول”
قالت فردوس باستسلام:
-ماشي خمس دقايق وابقى عندك…
-مستنيكي، سلام.
-سلام.
أغلقت المكالمة بينهما ومن بين الفوضى التي احدثتها كان يجب عليها البحث فورًا عن الاسدال الخاص بالصلاة أو حتى عباءة اي شيء ترتديه فوق ملابسها المنزلية لتركض بعدها وتهبط على الدرج حتى وصلت إلى بوابة المنزل وهي ترتدي عباءة سوداء وحجاب مزركش لا يناسب العباءة لكنها وضعته فوق رأسها فكان ليس من السهل إيجاد أي شيء بسرعة بعد الفوضى التي احدثتها….
فتحت بوابة المنزل لتجده يقف أمامها يرتدي قميص ابيض وبنطال أسود ومصفف شعره بعناية وبيده حقيبة كرتونية خاصة بالهدايا…
ابتسمت له فردوس بخجل متمتمة:
-تعبت نفسك.
عقب بجدية حقيقية وهو يلج إلى الداخل ويغلق الباب خلفه:
-انا فعلا تعبت نفسي.
كانت وقاحته في الإجابة جعلتها تنسى دخوله، بالتأكيد حينما تخبر المرأة حبيبها بأنه قد اتعب نفسه من أجل تفكيره بها لا ترغب في الاجابة بأنه فعل!!.
ليست تلك الإجابة المنتظرة…
لكن الإجابة المنتظرة بالنسبة إليه كانت أنه سحبها إلى أحضانه بحنان تاركًا قُبلة فوق خصلاتها بعد أن انزلق حجابها الحريري التي لم تقوم بتثبيته على أي أساس……
ليتحدثت بنبرة شبة هامسة بجانب أذنيها التي تلمع بحلق ذهبي اللون كبير وبه بعد الفصوص السوداء….
-بس دلوقتي تعبي راح…
حاولت أن تتملص من بين أحضانه بخجل كبير قائلة برفض طفيف لذلك التقارب لأنها ببساطة لم تعتاد عليه بعد:
-كمال أنتَ قولت..
قاطعها ببراءة لا تليق به في الواقع ويداه تحتضن خصرها بقوة:
-قولت مش هطلع وفعلا مطلعتش انا لسه عند الباب يعني انا مش كداب وقد كلمتي، وبعدين انا بس بقولك كل سنة وأنتِ طيبة.
قالت فردوس بجدية وخجل يكاد يفقدها وعيها وهي تحاول النظر في أي جهة اخرى غير عينه:
-ما تقولها عادي بلسانك.
كانت نبرة وقحة بالنسبة لها وهو يتحدث:
-ما انا قولتها كتير، مش جه الوقت اقولها بطريقة جديدة وأحلى وامتع.
وجدته يهبط برأسه قليلا ناحية وجهها لتكون الأسرع حينماووضعت الحقيبة على وجهها لتسقط القبلة بدلا من وجنتيها على الحقيبة قائلا بضيقٍ:
-كده برضو؟!.
تمتمت فردوس بتمنع:
-ايوة كده، يلا بقا يا كمال مش كنت وراك مشاوير.
قالتها وهي تبعد الحقيبة عن وجهها ليتحدث هو بجدية:
-ايوة ورايا بس عادي ممكن اتاخر شوية، وبعدين فين وأنتَ طيب؟!! .
تحدثت فردوس بابتسامة واسعة ونبرة عاطفية:
-وأنتَ طيب يا كمال ربنا يخليك ليا، وكل سنة نحتفل سوا مع بعض ان شاء الله، لغايت ما سناني تقع كده هفضل على قلبك.
ترك قُبلة على أنفها وأخرى على وجنتيها بحرارة وأنفاس ساخنة ولكن هنا حده حتى لا تغضب ورُبما لأن كل شيء في وقته أجمل بكثير..
فتلك القُبل البسيطة لا تطفئ أشواقه في الواقع هي تقوم بإشعالها أكثر ولكن لا بأس قد اقترب وجودها في أحضانه إلى الأبد…
-بإذن الله؛ انا همشي بس يارب بليل اما اجي متلطعنيش تحت انا بقولك اهو.
-حاضر المرة دي اوعدك مش هتاخر.
تمتم كمال ساخرًا:
-نفس البوقين بتوع كل مرة ربنا يستر.
انهى حديثه ليفتح البوابة ويتحدث قبل أن يغادر:
-شوفي الهدية وأنا اول ما اركب العربية هكلمك، سلام.
أغلقت الباب خلفه مودعه أياه:
-سلام.
من فضولها ولهفتها في رؤية أولى هداياه كانت على وشك فتح الحقيبة إلا أنها قررت أن تصعد وتخلع تلك العباءة أولا ووقتها سيتصل بها وتقوم بفتح الهدية وهو معها على الهاتف…..
فصعدت على الدرج بحماس كبير وتوجهت صوب غرفتها وخلعت تلك العباءة وانتظرت بصعوبة لمدة ثلاث دقائق حتى اتصل بها لتجيب عليه بالفور ليسألها بصوت هادئ..
“ايه يا حبيبي شوفتي الهدية؟! “.
أجابته بحماس ودلال:
-لا هفتحها معاك دلوقتي وانا بكلمك.
“ماشي”.
فتحتها فردوس لتجد صندوق كرتونى عليه بعض الرسومات الكرتونية لولا عرض وطول، وبُعد العلبة لظنت بأنها دمية أو شيء من هذا القبيل ولكن حينما فتحت العلبة وجدت منامة أطفال بالكاد لطفل حديث الولادة باللون البيضاء ومعها قبعة من اللون الابيض وحذاء مطرز بشكل أنيق جدًا لتعقب باستغراب..
-ايه دا؟!
“هي محتاجة ترجمة؟!”.
اردفت فردوس ساخرة:
-شكلك غلطت في العنوان يا حبيبي، ايه دا يا كمال؟!.
ببساطة كان يجيب عليها…
“قولت لازم اول عيد ميلاد ليكي يجي علينا واحنا خلاص مكتوب كتابنا لازم تكون فيه هدية مميزة ويعدين احنا كلها أسابيع لو اخوكي بطل مماطلة ونعمل الفرح، لان الخطوة بيوافق عليها بطلوع الروح”
ابتلع ريقه وتحدث بنبرة عاطفية ومحبة، شغوفة إلى أقصى حد في تكوين عائلة معها بل أن تحمل جنينًا في أحشائها منه:
“فقولت اعبر عن اول امنية ليا في عيد ميلادك ده، ان شاء الله السنة الجاية نحتفل بعيد ميلادك ومعانا ابننا او بنتنا الله أعلم بقا جيبتها بيضاء علشان اكون محايد”
لم تعقب من فرط عذوبة كلماته وخجلها الكبير في الوقت نفسه ليتحدث كمال..
“ايه روحتي فين؟!”.
أجابته بنبرة هادئة:
-بسمعك يا حبيبي.
“طب وهتفضلي تسمعي بس؟! انا عايز خمسة عشر عيل وده اكيد مش هينفع تفضلي تسمعيني بس هنحتاج مجهود اكتر من كده شوية”.
خرجت منها ضحكة خجولة ثم قالت بسخرية:
-خمسة عشر؟! ليه ده الارنبة مبتعملش كده علشان اعمل انا، يلا يا كمال روح شوف أنتَ رايح فين.
“هنشوف كلام مين اللي هيمشي”.
-رايح فين دلوقتي؟!.
” هروح اجيب افنان من الجامعة الأول بالمرة، انا مبحبهاش ترجع لوحدها وبعدها هروح الشركة مع جدو”.
……عودة إلى الوقت الحالي……
ابتسمت رغم عنها بهدوء بعد تلك الذكرى…
كل ما تبقى في عقلها هو ذكريات…
لم تعد فردوس المفعمة بالحب ولا القادرة على الاستمرار في حياتها، تغير كل شيء في لحظة…
تذكرت أنه برغم تخليها عن جهازها بأكمله إلا أنها لم تتخلى عن هدايا كمال لم يطاوعها قلبها التفريط في أشياء قام هو بنفسه بجلبها من أجلها…
تغير كل شيء بها، ما عادت هي….
أمام الباب الخاص بالطوارئ خرج أحد الأطباء ليستوقفه داغر قائلا بلهفة:
-طمني يا دكتور…
عقب الطبيب بنبرة عملية:
-احنا عملنا اللازم كان في كسر في الرجل الشمال، وطبعا دماغها كانت مفتوحة احنا خيطناها وعملنا ليها اشاعات وغيره علشان نتأكد ان كل حاجة في المخ كويسة والحمدلله..
ليسترسل حديثه بتوضيح:
– هو بس هنحتاج ننقل دم لأن اصلا الانيميا عندها نازلة خالص، وبيجبسوا رجلها، واول ما تفوق هنبدأ ننقل ليها الدم وغيره وننقلها أوضة تانية، حضرتك مين لأن عايزين حد يمضي ويخلص شوية إجراءات.
-أنا جوزها.
عند توفيق…
جاء بكر بعد اتصال أتى من زوجته الممنوعة من الخروج تخبره بما حدث لحقه باتصال بوالده ليخبره بمكانهم فأتى على الفور مذعورًا وهو يقول:
-بابا، أفنان مالها؟!.
تمتم توفيق بضيقٍ:
-وقعت من على السلم وهي في الطوارئ..
جاء داغر بخطوات منزعجة وقلقة مازالت قلقة جدًا مدام لم يراها…
وأخذ يخبرهم بما قاله الطبيب لهما منذ ثواني..
______________
‘ بالقاهرة ‘
في الرواق كان شريف يراقب الوضع ليجدهما جالسين في الخارج بصمت…
فوضع المفتاح في باب الغرفة التي أغلقه على شمس الذي كان على وشك أن ينسى وجودها حقًا….
وهي حينما شعرت بالمفتاح يوضع في الباب ذهبت لتجلس على الفراش في نهاية الغرفة ليلج شريف غالقًا الباب خلفه، لتتحدث شمس بضيقٍ واختناق رهيب بعد استماعها لكلمات بسيطة لم تستمع الحوار كله ولكن ما سمعته كان مفيل بأن يقلب عقلها، قاتل….
شريف…
-أنا عايزة امشي، خرجني من هنا وإلا قسما بالله هصوت وافضحك.
تمتم شريف بنبرة فاترة وجامدة، لم يعد يهتم بأي شيء:
-عايزة تصوتي صوتي، وبعدين اخرجك اوديكي فين؟! ولو مشيتي هتروحي فين؟!، اصبري لغايت ما يمشوا.
هزت رأسها بموافقة لا تدري لما تعطيها له ولكن معه حق هي ليس لديها مكان ولو خرجت من هنا سوف تذهب إلى عائلتها ليفعلوا بها كل ما يأتي في خاطرهم..
خرج شريف من الغرفة ليجد باب المرحاض مُغلق يبدو ان أحدهم فيه فأغلق الغرفة عليها مرة أخرى وذهب ليسترسل صُنع طعامه بهروب واضح للأعمى وبعدها وضع الطعام على الطاولة وأخذ يحثهم على الجلوس لتذهب والدته على مضض ولولا إلحاحها لم يكن ليجلس كمال فهو يشعر بالغضب الكبير من شقيقه…
وشريف تصنع انه ذهب للمرحاض ليقوم بتخضير طبق ويذهب خلسة إلى الغرفة ويضع الطبق أمامها ويخرج في صمت وبداخله ألف احتمال تجاهها ولكن ليحدث ما يحدث لم يعد يهتم…
وكان الوقت قد تأخر ورغب كمال في أن يذهبا لكن استعطفه شريف وتوسل لهما بأن يجلسا حتى الصباح لعله يشبع منهما وتحديدًا من والدته، تحدث وقتها بلهفة لا تناسب أبدًا ما قاله أمام شقيقه منذ ساعة تقريبًا…………
وكان كمال يرى شوق والدته الواضح وضوح الشمس لذلك تحامل على نفسه حتى بعد الفجر ووقتها سينطلق، متعهد بلقاء أخر في القاهرة لكن ليس مع شريف بل هلال….
فهو يعلم جيدًا بأن هناك أمرأة تتواجد بالداخل ولم يرغب في أصابته بالحرج ولا حتى في تشويه صورته أمام والدته يكفي ما حدث حقًا، يكفي ما عرفته حتى الآن…
كان جده محق وهلال محقًا حينما أخبرهما بأن هناك خطبٍ ما بشريف ولم يصرح تحديدًا ما يتواجد فيه.
فهو سمع تلك المحادثة البسيطة حينما كان يذهب إلى المرحاض ولكن لم يكن بوسعه حقًا تزويد الطين بلة كما يقولون الأمور سيئة إلى أقصى درجة…
_____________
….بعد مرور ساعتين….
كان داغر يجلس بجوار الفراش التي تتواجد عليه أفنان تحاول أن تستيقظ وعلى الأريكة يجلس بكر وتوفيق……..
أما فردوس تجلس برفقة فهد الذي نام في احضانها من كثرة البكاء، وبجانبهما ايمان التي لم تعود إلى منزلها حتى الآن رغم إصرار فردوس عليها بأن تذهب حتى لا يغضب والدها أو والدتها ولكنها رفضت الذهاب مما جعلها تشعر بالاستغراب قليلا لما هذا التصميم كله؟!!..
هي ليست صديقة مقربة إلى أفنان أو تعرفها من بعيد أو قريب لتكون جالسة ومهتمة إلى تلك الدرجة…
تأوهت أفنان بألم بدأت تشعر به مع الاستيقاظ:
-دماغي وجعاني اوي وكتفي.
كان كفها الذي لا يتواجد فيه المحلول بين يديه….
أجابها داغر بنبرة خافتة:
-معلش كتفك في كدمة بس ودماغك اتخيطت والمحلول في مسكن هيريحك شوية…
تمتم توفيق بنبرة هادئة بعد أن حمد ربه بأنها بخير:
-ألف حمدلله على السلامة يا بنتي.
تحاول أفنان تذكر تفاصيل الحادثة هي كانت تهبط على الدرج وبعد ذلك حديثها مع ايمان لا تتذكر سوى أنها وجدت نفسها تطيح، أكثر من هذا لا تتذكر..
-الله يسلمك يا جدو.
ليعقب بعده بكر بنبرة عاطفية فتحديدًا أفنان لها معزة خاصة في قلبه لأنها تربت على يده بعد وفاة شقيقه تعلق بها جدًا وكان وقتها في العشرينات من عمره كان يستوعب كل شيء ويشعر بالمسؤولية الكاملة تجاهها وكأنها ابنته، البيت بأكمله كان يجاهد أن يعوضها عن والدها……
-الف سلامة عليكي يا حبيبة عمك مش المفروض تاخدي بالك اكتر من كده شوية يا بنتي؟!.
لم يعطيها داغر فرصة للرد ليتحدث بنبرة غاضبة ليس لكونه يريد ازعاجها ولكنه خائف لم يكن يتخيل فقدانها كان عقله يصور إليه ابشع المشاهد والسيناريوهات..
-هي رايحة جاية زي النحلة في البيت ولا بتهتم لا بأكلها ولا بنفسها، كل حاجة عندها نقص فيها ومش حاسة وقبل ما تقع أنا نبهتها أن العباية بتتجرر وراها وسهل جدًا تكعبلها بس هي مسمعتش الكلام.
تحدث توفيق بخبث ومرح محاولا تخفيف حدة حديث داغر:
-اللي يشوفك وأنتَ صوتك ملعلع كده مشوفكش بس من ساعة وأنتَ شوية وهتعيط وعمال تتخانق معاهم علشان محدش عايز يطمنا…
أسترسل الحديث بكر خلف والده:
-اه جوزك بيعمل علينا نمرة يا أفنان في العادي بس وقت الجد طلع قلبه، قلب قطة.
أصابوه بالحرج ورغم الالم إلا أنها ابتسمت رغمًا عن أنفها، ولكن فجاة سألت عنه:
-فهد فين؟!.
عقب بكر بنبرة هادئة:
-مع فردوس برا مفيش حد غيرها فضل يهديه بصراحة كتير خيرها، هخرج اجيبهولك.
وبالفعل خرج بكر ليظل توفيق يراقب المشهد ويد أفنان التي مازالت بين يدي داغر، داغر ذلك الرجل السليط التي لا يستطيع التعامل جيدًا مع المرأة الوحيدة التي أحبها بصدق، بل يخفي مشاعره خلف جدار من الجفاء والعتاب الدائم، دون أن يعرف ما يدور بينهم يستطيع الشعور به وبافعاله..
فُتح الباب وولج فهد بأعين ناعسة بعد أن جعله بكر يستيقظ ولكنه رغم عيناه جاء يركض متحمسًا رغم عينه المنتفخة وخلفه ولج بكر وفردوس وإيمان….
وعند دخول إيمان انزعجت أفنان ولكن لم يدعها طفلها تعطي تركيزًا كبيرًا لها بعدما اقترب منها وحاول أن يحتضنها وكانت هي تحاول مبادلته ولكنها لا تستطيع تحريك جسدها هناك ألم ينتشر بجسدها كله…
هتف فهد بنبرة عاطفية:
-انا كنت خايف اوي عليكي يا ماما..
-انا بخير يا حبيبي متقلقش.
وحينما رغبت في دس أصابعها في خصلاته لتداعبه كما أعتاد منها لاحظت أخيرًا وهي تسحب يدها بأنها كانت طوال الوقت بين يديه…
سحبت ببطئ وحل هو عقدته حينما شعر بما تريده لتعبث في خصلات فهد تاركه قبلة على رأسه التي يضعها على صدرها ويحتضنها…
هتفت فردوس بود حقيقي:
-حمدلله على سلامتك يا أفنان.
-الله يسلمك يا فردوس.
تحدثت إيمان بعدها:
-الف سلامة ربنا ميورناش فيكي حاجة وحشة ابدًا ويخليكي لابنك وجوزك.
هنا الاختناق يزداد عند داغر…
فيشترك داغر وشريف في شيء واحد رغم اختلافهما الكبير في كل شيء، إلا أن الشيء الوحيد الذي يشترك به مع شريف هو كرهه الشديد لحسن وكل من يخصه…
تمتم بكر بهدوء:
-انا هقوم اوصل بابا وايمان وفردوس وفهد البيت وهجيبلك هدوم واجي…
هنا تحدثت أفنان بفزع:
-هو أنا مش هروح ولا ايه؟!!.
عقب داغر بتوضيح للوضع:
-لا الدكتور قال مفيش خروج.
تمتمت أفنان برفض:
-أنا مش عايزة أبات في مستشفى أنا عايزة اروح واللي هيعملوه هنا نعمله في البيت.
تحدث بكر بنبرة حنونة وهو يقترب منها ويقف من الناحية الآخرى من الفراش:
-لما يظبطوا كل حاجة هتروحي.
غمغمت أفنان بنبرة منزعجة:
-يعملوا اللي يعملوه بس يروحوني ومباتش هنا.
كانت تصر بشكل كبير، لأنها تخاف المستشفيات لا تحبها أبدًا اختبرتها أكثر من مرة مع طفلها وكان هذا من جهة، ومن جهة أخرى هي تعلم جيدًا بأن من سيكون المرافق لها هو…
وهذا لا تطيقه أبدًا أو ليس بالمعنى الحرفي بقدر ما أنها لا تأمن تقلباته هي تريد الذهاب إلى بيتها فقط…..
ليتحدث داغر بنبرة حاسمة:
-احنا هنسال الدكتور وهو اللي هيحدد تروحي ولا لا بس يكون في علمك لو خطر أنك تروحي واحسن أننا نستنى هنستنى…
________________
بعد وقت أخذ بكر فردوس وإيمان تركهم وأخبرهم بأنه سيتوجه ناحية (الجراج) ليأتي بالسيارة ووقتها يقوم بتوصيلهم وتوصيل والده وفهد إلى المنزل الذي مازالوا بالداخل…
تمتمت إيمان بسؤال استنكاري:
-صحيح مقولتيش ليه ان افنان رجعت ومخلفة كمان؟!.
سألتها فردوس بنبرة مقتبضة منزعجة فهي تشعر بالصداع الشديد فأوشك الوقت أن يتجاوز الثلاثة صباحًا وقامت بإلقاء حجة على والديها بأن فردوس هي المريضة ورغم صراخ والدتها في الهاتف إلا أنها لم تهتم:
-هتهمك في أيه أن افنان جت او مخلفة ولا مخلفتش؟!.
قالت ايمان على مضض:
-معاكي حق فعلا مش هتفرق أنا بتكلم عادي.
هتفت فردوس باستغراب:
-وبعدين ابوكي من بدري بيتصل مروحتيش ليه؟! وكدبتي عليه كمان..
أردفت إيمان بحجة غير منطقية:
-يعني محبتش اسيبك لوحدك معاهم.
خرجت ضحكة ساخرة من فردوس عقبت بعدها بتهكم صريح:
-هيعملوا ليا ايه؟! وبعدين انا عايشة معاهم يعني في بيت واحد من سنين جاية تخافي دلوقتي…
ولحسن الحظ جاء بكر بسيارته ووقف أمامهم ليتوقفا عن الحديث بينهما ويركبا السيارة ليأتي توفيق مع فهد بعد رحلة اقناع من الجميع بأنه ليذهب وينام مع جده وفي الصباح سيجد والدته في المنزل…
ونهاية الحديث كانت هو أن الطبيب كتب لها خروج في الصباح الباكر بعد ثلاثة أو أربع ساعات من الآن، بعد إصرار أفنان المميت…
وكان بكر سيأتي لهما بملابس في الصباح ليرافقهما إلى المنزل وظل داغر معها وهي حاولت النوم حتى وقت الرحيل، حتى يسمح لها بالخروج…..
______________
في السابعة صباحًا….
بعدما أخذت فردوس ملابس من خزانة أفنان بعشوائية حتى ترتديها أثناء عودتها، وضعتهما في حقيبة وأعطتهم إلى بكر…
فهي لم تنم طوال الليل حتى بعد عودتهما…
وكانت اندهشت من نفسها قبل أن يندهش الجميع بأنها طلبت الذهاب مع بكر لمساعدة أفنان، ليس لديها سبب حقيقي أو منطقي لطلبها، كانت حتى اثناء خطبتها بكمال علاقتها بأفنان ليست بالقريبة أو البعيدة فقط علاقة سطحية، والآن من المفترض أنها تكره جميع من في المنزل..
ولكنها تعرض المساعدة، أليس هذا جنون؟!!
حاولت التبرير أمام نفسها بأن النساء في تلك المواقف تحتاج بعضهن؛ وتحتاج من يساعدها أكثر من زوجها كما تسمع..
لا تعلم شيء سوى أنها أرادت تقديم المساعدة حتى أنها هي بنفسها من ساعدت فهد بتبديل ملابسه وجعلته ينام بجانب الحاج توفيق في غرفته ولم ترحل إلا بعد أن ذهب في النوم ووقتها تركت الغرفة ليدخل صاحبها ويجاور ابن حفيدته…
وفي الثامنة صباحًا كانت أفنان على فراشها تساعدها فردوس على الحركة والنوم بعد أن بدلت ملابسها بمساعدتها أثناء وجود داغر بالأسفل..
كانت أفنان ممتنة جدًا إلى فردوس، ممتنة بشكل كبير أنها لم تترك تلك الخطوات ليفعلها داغر….
وقتها ستموت خجلًا بلا تفكير، ولأن بالرغم من ان الكسر في ساقها ورأسها موضوع عليها الشاش الطبي وملفوف بعناية إلا أن جسدها به أكثر من كدمة في مكان مختلف ومازالت تشعر بألم في انحاء جسدها حتى ذراعها ما عادت تستطيع تحريكه؛ كتب لها الطبيب الكثير من الأدوية من أجل قدمها ورأسها وبجانبهم العديد من الفيتامينات والمقويات أخبرها بأن عليها أن تهتم بصحتها أكثر التي على ما يبدو هي مهملة فيها..
حينما قامت فردوس بوضع الغطاء عليها تمتمت بنبرة هادئة عكس طبيعتها التي اكتسبتها مؤخرًا والأفعال التي تصدرها للجميع وكأن تلك الليلة الطويلة أجبرتها أن تعود إلى فردوس الرقيقة، المراعية، المساعدة تحت أي وضع:
-محتاجة حاجة تاني؟!.
هزت أفنان رأسها بنفي ثم قالت بنبرة صادقة:
-شكرًا يا فردوس تعبتك معايا.
-العفو مفيش تعب ولا حاجة، أنا همشي بقا علشان اسيبك تنامي وعلشان داغر اكيد برضو محتاج يدخل يغير هدومه وينام كلنا من امبارح محدش نام، ارتاحي وخلي بالك على نفسك.
أنهت حديثها ورحلت تاركة أفنان تراقب رحيلها بصمت، لم يكن في أحلامها حتى تتوقع مساعدة من فردوس!!!
أقصى ما تمنته أن تأتي أي أمرأة تعمل في منزلهم لمساعدتها رغم صعوبة الوقت ان يأتي أحد منهم مع بكر.
لكنها تفاجأت حينما جاءت فردوس معه، ووقتها أخذت تساعدها في تغيير ملابسها وكل شيء بينما أثناء ذلك كان داغر وبكر ذهبا لشرب القهوة، وأخذ بكر يعطيه الكثير من النصائح بل يلومه على كونه يترك زوجته تهمل في صحتها بهذا الشكل كما تحدث الطبيب؛ بل وقام ممارسة دوره الابوي تجاهها وهو يخبره بأن يظهر لينه إلى زوجته يظهر خوفه عليها؛ وألا يمارس دور الرجل الأخضر كما يسميه طوال الوقت..
كان داغر في الواقع هو يجلس معه يهز رأسه متصنعًا الانصات بالنسبة له بكر مسكين لا يعرف أي شيء ولا يعرف حقيقة الأمر يظن بأن الحياة بينهم طبيعية!!
وفي عقله بأن شريف الذي أعتاد المصائب والمشاكل من الممكن أن يجعله الجنون يصل إلى هذا الشيء وكان بالفعل الغالبية من لا يعرفون صحة الأمر يظنون أن الأمر شجار بين الشباب وتصرفات شريف المتهورة دومًا أعطتهما البرهان على هذا…
بعد رحيل فردوس ولج داغر إلى الغرفة بأعين متعبة لم يخفي عليها اقترابه منها بين الحين والاخر أثناء تصنعها النوم وهي تجده يحاول التأكد من أن المحلول يسير بشكل جيد ومنتظم؛ وحينما يشعر بأن رأسها مالت من فوق الوسادة يأتي ويقوم بتعديل وضعيتها، ساعات قليلة اظهرت اهتمام حقيقي ينكره أمامها، ولا يرغب في الاعتراف بأنه لم يتخلص من حبه الأول لفتاة استمعت للغزل من شاب أهوج، ماجن استطاع المساس بها وهتك برائتها وعفتها…..
لكن لم تكن تلك الأفكار في رأسه حينما وجدها ملقية أسفل الدرج برأس تفور وتخرج منها الدماء فاقدة للوعي وقتها تغيرت المعادلة، كانت الخسارة أقوى من غرور وكبرياء رجل شرقي يعاقبها باحترافية كما يعتاد في بعض الأوقات وتغلبه قسوته.
وجدته يتوجه صوب الخزانة يأخذ ملابسه وبعدها إلى المرحاض، ثم جاء ليجاورها في الفراش في نصف جلسه، في صمت تام، الكلمات تتوقف في حلقه لا يدري ما الذي يجب أن يقوله في تلك اللحظة…
ورُبما كان الإرهاق حليفه الآن الساعة الثامنة صباحًا ولم يخلد إلى النوم منذ ليلة أمس مراقبته لها أثناء نومتها جعلته يخشى تركها والاستسلام للنوم والإرهاق..
سألته أفنان باهتمام ونبرة خافتة وهي على وشك الذهاب في للنوم:
-كلت؟! أنتَ مكلتش حاجة من امبارح.
هتف داغر بنبرة عادية:
-مش جعان شربت شاي بلبن تحت مع بكر، هنام ولما اصحى هأكل.
وبعدها حاول كلاهما الاستسلام إلى النوم، ولتبقى الكلمات والحديث إلى حين الاستيقاظ…
فقط راحة وهدوء الآن..
______________
المنوم قد انتهى هذا ما لاحظته بعد أن تركت غرفة أفنان وداغر وعادت إلى غرفتها…
ورُبما هي لا تريد النوم!!
ليس فقط أرق بل رغبة شخصية منها، تشعر بالضيق الشديد لم تتلقى منه أي اتصال طوال أمس أو حتى رسالة منه، فحتى حينما يكون في منزله الآخر لا يكف عن الاطمئنان عليها حتى ولو برسالة نصية قصيرة….
قررت أن تبادر هي تلك المرة أرسلت له رسالة، اثنان، ثلاثة!!!!
تقريبًا خمس رسائل بعشوائية لتجذب انتباهه ليس بهما معلومة او شيء واضح وهو لم يجب عليها بأي شيء بل لم يرى رسائلها من الأساس…
هناك شيء لا تفهمه…
في التاسعة صباحًا كان يلج إلى غرفتها بعدما أوصل والدته إلى غرفتها وساعدتها ام شيماء الذي اتصل بها حينما اقتربا من المنزل لتأتي ولم تتاخر كانت أمرأة لطيفة ودودة تقدر اهل المنزل وتحبهم بعيدًا عن عملها في منزلهم، وكانوا هما يقدرون ذلك بل هي تشكل جزء من عائلتهما وكانت في الغالب رفيقة للسيدة منى منذ أن مرضت…
ولم يقابل احد الجميع يلتزم التواجد في غرفته وهو لا يرغب في رؤية اي شخص يريد النوم فقط، رغم أنه يجافيه…
فتوجه صوب غرفته مع فردوس كان يظن بأنها نائمة منذ ساعات طويلة لكن الواقع كان أنها جالسة على الفراش تعبث في هاتفها…
أغلق كمال الباب بعد أن انتبهت له لتضع الهاتف بجانبها وتنهض من الفراش تقترب منه بضعة خطوات، ليسألها كمال وهو يرفع حاجبيه بنبرة مرهقة:
-ايه اللي مصحيكي دلوقتي؟!.
لا تدري بما تخبره؟!!
فاخبر توفيق الجميع بألا يخبرا كمال إذا عاد في الصباح أول شيء فليتركوه يعلم حينما تستيقظ أفنان وتخبره بأنها بخير بنفسها حتى لا يزعجها بالتاكيد هي تريد الراحة هي وزوجها…
كانت الاجابة من فردوس بسيطة تحمل أكثر من معنى ومعنى ولكنها حقيقية نوعًا ما:
-عندي أرق.
بعد تلك الليلة الطويلة والمشاعر الغريبة والمتناقضة التي كانت تشعر بها كانت ترغب في وجوده، ولم يكن يومه وليلته سهلة هو الآخر بل أصعب الليالي التي مرت عليه…
رأي لهفة وتنهيدة خرجت منها رغمًا عنها ولأول مرة يشعر بأنها تريده، يشعر بأن امرأته ترغب في عناق وهو يرغب به جدًا الآن، هو متعب رُبما وجودها بين ذراعيه فقط قد يفيده، محافظًا على رغبة حمقاء رغم انه يتفهمها بعقله بين الحين والاخر إلا ان قلبه لا يجد سبب لبعد عاشق عن معشوقته أبدًا….
أقترب منها ساحبًا أياها إلى أحضانه بقوة واسترسل برفق وبادلته هي رفعت يديها ووضعتها على ظهره تربت عليه وكأنها تواسي شيء لا تعلمه وهو يداوي بها جروح يعلمها جيدًا بعناقه هذا، صدق حدسه هي ترغب في عناقه هو أكثر من يفهمها.
كانت هادئة ودافئة رُبما الذعر والهيئة التي رأت افنان بها اثناء سقوطها وفي المستشفى أصابتها بالذعر توترت وكأنها تشعر بالخوف من الفقد من القلق من حدوث شيء لها أو له، لا تدري أي هذيان تمر به تلك الليالي.
ابتعد كمال عنه بعد وقت طويل واقتراب لا يروي أبدًا عطشه له ولكنه يحاول الصبر، الصبر دومًا بأن هناك راحة في نهاية المطاف يخشى أن تكون تلك الكلمات ما هي أمل كاذب حتى يستطيع العيش..
تمتمت فردوس بارتباك طفيف وعتاب:
-انا بعتلك أكثر من مرة مردتش عليا.
أجابها بصدق فهو لم يتجاهلها عمدًا بل طوال اليوم لم يعبث في هاتفه من الأساس:
-معلش مكنتش مركز في الموبايل.
سألته باهتمام حقيقي تكنه ناحية والدة زوجها منى:
-عملتوا أيه عند الدكتور؟!
عقب كمال بجدية وهو يذهب ناحية الخزانة يخرج ملابس له:
-يعني هو طالب اشعة وتحاليل نعملها وكده من جديد.
تمتمت فردوس في سرعة بديهة:
-عملتوها يعني؟!، أصل انتم اتاخرتم اوي.
أخذ ملابسه ثم أقترب منها مرة أخرى قائلا:
-يعني هي كانت متنشنه شوية، ومضايقة فقولت اخليها يوم تاني.
-طب اتاخرتوا ليه؟!.
هتف كمال بنبرة كاذبة:
-يعني حبيت اخرجها شوية واخليها تلف دي فرصة ماما مبتخرجش من البيت اصلا.
هزت رأسها بتفهم فحديثه يبدو منطقي إلى حد كبير ومع ذلك شعورها يجعلها تعلم ان هناك شيء ولكنها نفضت مشاعرها تلك رُبما هو صادق حقًا تلك المرة وهي من اعتادت الشك…
فصعدت إلى فراشها وهي تسمع صوت خرير الماء في المرحاض، وبعدها توقف لتمر خمس دقائق تقريبًا ليخرج من المرحاض وهو يقوم بتخفيف خصلاته بالمنشفة بعد ان ارتدي ملابسه في الداخل، والتقط هاتفه الذي كان قد تركه على المقعد عند إتيانه وفتحه ليجد الكثير من الرسائل من داليا ايضًا لم تكن فردوس الوحيدة التي تندهش من اختفائه، لذلك أرسل عدة رسائل سريعة إلى داليا ليخبرها بعودته في المنزل الآن وأنه حينما يستيقظ سيأتي لها…
ثم وضع الهاتف على الشاحن، على الوضع الصامت لا يرغب في الأحاديث مع أي شخص يريد صمت…
صعد بجوارها في الفراش يعطيها ظهره يفكر بكل ما حدث معه كلمات شريف التي طعنته، حتى جده رغم أنه في أغلب الأوقات لا يتحدث في تلك النقطة يرى في عينه اتهام بأنه يفعل هذا من أجل فردوس….
الجميع يتهمه بحبه لها وكأنه عليه ان يعاقبها على ذنب شقيقها رُبما جده هادئ لكن شريف لا وألف لا يتحدث بما لا يفهمه….
يكره فردوس بل كل من له علاقة بحسن الشيء الوحيد الذي لم يكرهه وهو يخصه هو فهد كان حالة خاصة بالنسبة له…
كادت فردوس أن تتحدث وبمجرد أن سمع همهمه منها وتنهيدة تعطي إشارة على أنها سوف تتفوه بشيء قال كمال بأكثر نبرة جادة سمعتها منه:
-لو ناوية تقولي اي حاجة أنا مش قادر اسمع اي كلمة.
فهو يعلم بأنها تتفنن باغضابه لكن الآن لن يتحمل…
وغير ما يتواجد في عقله من أفكار تكاد تكون معروفة هناك شيء يشغل عقله، شقيقه الذي يقوم باخفاء أمرأة في منزله، هل تغيرت أخلاقه؟!!…..
هو كان يوافق بزيجاته تلك على مبرر واحد وأساس واحد أنه زواج لكن ما الذي يحدث؟؟!..
من جهة أخرى حديث والدته طوال الطريق يرافقه، فهي تسانده وتجد أنه محقًا فردوس يجب أن تعلم ولكن شريف محقًا من جهة يجب عليهما التأكد قبل اي شيء بأن فردوس لن تفتعل المشاكل لن تقوم بفضح صغيرتهما.
تمتمت فردوس بصدقٍ:
-وأنا مش عايزة أتكلم.
استلقت وولته ظهرها هي الأخرى لتمر عدة دقائق وصوت الأنفاس عالية، لا تعبر عن اشخاص تستعد للخلود إلى النوم….
فنهض كمال بسبب الضوء البسيط المنبعث من بين الستار فأغلقه جيدًا لعل عتمة الغرفة تجعله يشعر بالاسترخاء رغم أنه يعلم بأن الاسترخاء هو أمر شبه مستحيل بسبب كل الأمور التي تتواجد في عقله ووجوده مع أمراة يعشقها في فراش واحد وبينهما ألف حاجز وحاجز…
جاورها مقتربًا تلك المرة، أليس من حق المحب عناق وشعوره بدفئ حبيبه للحصول على نوم هادئ..
وكانت الصدمة له أنها لم ترفض لأنها تحتاجه، لن تكابر تلك المرة، لن تقوم بتهشيم رجولته للمرة الألف وتبتعد كما أعتادت لتخبره أن بينهما دم تشم رائحته حينما يقترب منها قررت ألا تحارب ولو لمدة ساعات….
______________
تفرك يدها بتوتر بعد أن اخرجت ملك من حقيبة ظهرها شهادات تخرجهما التي أتوا بها أخيرًا…
أردفت بشرى بنبرة متوترة:
-بقولك ايه ما تدخلي تديهم ليه أنتِ ليه ادخل أنا يعني؟!.
تمتمت ملك ببنرة ساخرة:
-هو هيأكلك يا بشرى يعني وبعدين أنتِ مكبرة الموضوع هتلاقيه نسى أصلا ان مفيش حد في حياتك.
وما ان أنهت حديثها أنفجرت ضاحكة تحت تلون وجه بشرى بالأحمر القاني بخجل رهيب حقًا لا تعلم ما الذي قالته وقتها….
هتفت بشرى بضيقٍ:
-بطلي رخامة وبعدين مدام لسانك طويل كده أنا هديله شهادة التخرج بتاعتي انا بس ايه رايك بقا؟! ابقى ادخلي أنتِ يا بايخة اديله بتاعتك.
تمتمت ملك بمكرٍ ونبرة خافتة:
-اوك معنديش مشكلة انا عموما كنت مشتركة معاه في المسرحية مش عليا شبوهات.
كادت بشرى أن تبكي حقًا..
لتتحدث ملك بجدية تلك المرة:
-بهزر معاكي والله؛ وبعدين يعني هو اكيد مش دماغه صغيرة ولا فاكر اصلا والله فكك وخشي عليه بقلب جامد ارمي شهادات التخرج في وشه وتعالي..
هي معها حق لي عليها أن تخجل أكثر من ذلك…
فأخذت شهادة ملك ووضعتها أسفل شهادتها الموضوعة في ملف شفاف تظهر معلوماتها وختم جامعتها واسمها بالتفصيل…
وجدت باب مكتبه مفتوحًا وهو يجلس على المقعد يتحدث مع شخصًا ما على الهاتف..
“أه كويس ابعتلي طيب اسمه والعنوان والتفاصيل اللي عرفتها علشان معرفش ضاعت وسط الرسايل، بس ابعتهم دلوقتي ها”.
بعد أن ولجت كانت على وشك الرحيل وتأتي مرة أخرى لولا إشارة يده التي أخبرها أن تبقى ليتحدث مع المتصل بهدوء:
“حلاص تمام مستنيك دلوقتي ابعت وأنا هبعتهاله”.
“سلام”.
أغلق المكالمة ليرفع بصره ناظرًا لها نظرة ذات معنى وهي أن تخبره ما عندها وبالفعل أقتربت بضعة خطوات من مكتبه ووضعت الشهادات أمام عينه قائلة بنبرة رسمية بعض الشيء:
-شهادة التخرج بتاعتي انا وملك اهي.
هتف هلال بنبرة ذات معنى وهو ينظر إليها:
-كويس الواحد كان فاقد الأمل أنه يشوفها.
حاول مداعبتها ولكنها تحدثت بنبرة مرتبكة الآن ليست عفوية:
-عن اذنك.
ليشير لها بالذهاب وهو يقول:
-اتفضلي واقفلي الباب لو سمحت وراكِ.
-حاضر.
وبالفعل رحلت وأغلقت بشرى الباب خلفها….
ليأخذ الشهادة ويعدل وضعها لتكن أمام عينه وكانت شهادة بشرى هي التي تتواجد أمام عينه بالتحديد….
نطق اسمها بلا وعي وباهتمام:
“بشرى منير عبد الحكيم ابراهيم سند”.
تزامنًا مع قراءة اسمها سمع صوت رسالة وصلت له وبالتأكيد جاءت من صديقه الذي كان يحدثه منذ دقائق…
كان محتوى الرسائل المعلومات التي يريدها من اجل شريف وكان أولها اسمه…
“منير عبد الحكيم ابراهيم سند”…..
هنا فتح عينه على أخرها….
ماذا؟!!!!!..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ديجور الهوى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى