روايات

رواية ديجور الهوى الفصل الثالث 3 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى الفصل الثالث 3 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى الجزء الثالث

رواية ديجور الهوى البارت الثالث

رواية ديجور الهوى الحلقة الثالثة

اذكروا الله
_________
– الحكمة القديمة مازالت سارية: فحيث يوجد حُب، يوجد حُزن .
– إليف شافاق 📚.
فكيف أملِكُ قَلبي والقلبُ رَهنٌ لَدَيْهِ؟
– الحَمداني.
رغم أنهم يموتون من الحنين فإنهم لن يعودوا مطلقًا.
– إدوارد غاليانوا 📚.
“من قال أن الكلمات لا تفعل شيئا؟ إنها تلمس وتُغرق وتُنقد وتُدفئ، تجعلك تطير وتتسع، وأحياناً تلصقك في الأرض لتتمزق”
‏- أحمد خالد توفيق
______________
رحمه صوت والدتها سوسن من الإجابة التي فتحت الباب دون استئذان حينما وجدت الفتيات تقف في الخارج وهي تقول:
-يلا يا بنتي النمرة…
بريبة سألها ثائر:
-نمرة أيه يا شمس؟!.
نظرت شمس لوالدتها تحاول استيعاب ما يحدث فهى ولجت إلى الغرفة دون استئذان وتحدثت بنبرة مرتفعة ووصلت إلى ثائر وهذا علمته حينما قام بسؤالها..
أدركت سوسن أنها اخطأت من نظرات ابنتها التي تحولت وتغيرت تمامًا وكأنها على وشك أن تنقض عليها، فألتزمت الصمت فهي تعرف غضب شمس التي كانت تحاول إيجاد رد مُقنع اي شيء تستطيع الرد به، ولم يتحمل ثائر الصمت أكثر من ذلك.
كرر ثائر سؤاله:
-نمرة أية يا شمس؟!!!!!..
تحدثت شمس محاولة قول الشيء الذي خطر في عقلها:
-معلش يا ثائر أصل نمرة الدكتور متسجلة على موبايلي ولازم نكلمه قولتلك خالتي تعبانة هقفل دلوقتي وهكلمك تاني كمان شوية سلام..
لحسن الحظ خرجت حجتها منطقية بعض الشيء..
فتحدث ثائر بنبرة عادية وبتقدير:
-ماشي مع السلامة أبقي طمنيني عليها.
-ماشي مع السلامة.
أغلق ثائر المكالمة وهنا نهضت شمس وتحدثت في انفعال رهيب فهي كانت على وشك انهاء الأمر بسبب تصرفات والدتها:
-أيه اللي عملتيه دق؟! أنتِ عارفة لو مكنتش لقيت حجة أقولها كان هيحصل اية؟!.
تمتمت سوسن بلا مبالاة:
-وأنا أيه عرفني أنك بتكلمي حبيب القلب اللي طلع لينا في البخت ده وبعدين أحنا محكومين بوقت محبكش يعني الرغي والسهوكة اللي أنتِ فيها دي ياختي دلوقتي لما تروحي أبقي كلميه.
قالت شمس متجاهلة حديثها بلهجة لا تقبل النقاش وصوت مرتفع يصل إلى الخارج:
-تاني مرة متدخليش عليا الأوضة غير لما تخبطي ولو شوفتيني بتكلم في التليفون يبقى تسكتي…
كادت سوسن أن تتحدث ساخرة من تلك التصرفات وكأن ابنتها باتت مراهقة لا تدري حقًا سر تمسكها بتلك العلاقة الغريبة من نوعها فلا هي تصلح له ولا هو يصلح لها، وحقًا للمرة الأولى تجد ابنتها مهتمة برجل بتلك الطريقة، فهي لم تفعلها حينما كانت مراهقة….
ولج عبده إلى الغرفة حينما وجد الباب مفتوحًا، عبده في أوائل الخمسينات من عمره تزوج والدة شمس حينما كانت شمس تبلغ من العمر بضعة أشهر فقط وهو من كانت يمتلك مركز التجميل بجانب هواياته الموسيقية المختلفة….
-في أيه يا جماعة صوتكم عالي كده ليه؟!.
تمتمت سوسن بسخط:
-الهانم عاملة أزعرينا علشان دخلت عليها من غير ما اخبط وهي بتكلم المحروس…
-مدام أنتِ عارفة أني بكلمه كان لازم تمسكي لسانك.
هتف عبده بنبرة حيادية فهو يرى أعين شمس المشتعلة ويعلم جيدًا جنونها من الممكن ألا تستكمل الليلة وتقضي عرضها فهي فعلتها في مرة وتحمل الكثير من الخسائر:
-معلش يا بنتي هي مش قصدها وتاني مرة مش هتدخل بالطريقة دي تاني وهتاخد بالها..
ونظر إلى زوجته نظرة فهمتها جيدًا وهي أن تلتزم الصمت، ثم قال:
-متزعليش يا بنتي أنتِ عارفة أمك هي جديدة عليكي يعني؟! وممكن يلا بقا علشان اتاخرتي….
__________
قرب الفجر..
سارت فردوس بخطوات غير محسوسة في الغرفة وهي تشعر بالتوتر الرهيب….
أصطدمت قدمها بالمقعد ولكنها كتمت تأوهها بصعوبة وأستمرت حتى وصلت إلى (الكوميدنو) المتواجد بجانب فراشه لتجد هاتفه وضعت يدها عليه، تحاول كتابة بعض الرموز التي ألتقطتها أثناء تناوله الطعام في الصباح، كانت تقوم بتجربه حظها ولعنت نفسها قائلة بنبرة هامسة حينما وجدت أن الرمز خاطئ:
-غبية، في رقم ناقص.
“٦.٩.٢.٨٨.٩٠”
أخذت تقوم بكتابة الرمز بعد أن أخبرها وهو ينظر لها فهو لم يكن قد ذهب للنوم بالرغم من تأخر الوقت لكنه مستلقي بالغطاء…
فتح معها الهاتف بسهولة لتضحك بكل سذاجة ولكن حينما استوعبت الأمر خرجت منها شهقة وسقط الهاتف من يديها وهي تجده ينظر لها فهناك ضوء خافت ينبعث من الأباجورة المتواجدة فوق (الكوميدنو) الآخر….
سألها كمال بتسلية وهو مستلقي على حافة الفراش وهبط بنصف جسده العلوي ليأتي بالهاتف ليجد بأنه لم يحدث شيء له:
-يعني بدل ما تقوليلي شكرا بتوقعي الموبايل أفرضي الشاشة حصلها حاجة؟!.
كانت على وشك أن تركض لكنه قرأ ذلك في عيناها فأمسك بطرف إسدالها التي ترتديه بقوة مانعًا أياها من الحركة بل جذبها ناحيته في لمح البصر لتسقط وتجلس على طرف الفراش مُجبرة…
تمتم كمال في نبرة هادئة:
-ممكن تفسير منطقي للي بتعمليه؟!!..
أبتلعت ريقها بتوتر رهيب ودون أن تنظر له عقدت ساعديها وقالت في كبرياء:
-أنا حرة عادي جيت اعمل مكالمة ومعيش رصيد الباقة لسه متجددتش.
نظر على الساعة المعلقة على الحائط ثم قال في سخرية لاذعة:
-هتكلمي مين الساعة ثلاثة ونص الفجر؟!.
أردفت فردوس بانفعال أحمق وهي تنظر له:
-وأنتَ أصلا أيه اللي يصحيك لغايت دلوقتي؟!.
-فردوس بلاش استعباط وقولي جاية تعملي أيه في اوضتي وماسكة موبايلي ليه؟!.
تحدثت فردوس بكل بساطة وهي تنظر له:
-يعني أي راجل مصري مراته بتفتش تليفونه ده شيء طبيعي يعني مش أنتَ أول واحد مراته تفكر تعمل معاه كده.
خرجت منه ضحكة ساخرة وهو يعتدل اكثر ليكون في مستواها:
-بعد سبع سنين ونص جاية افتكرتي تقلبي في موبايلي علشان تشوفيني بخونك ولا لا؟!!!!!! وبعدين من امته عندك المشاعر اللي بتتكلمي عليها دي؟! دي تقريبا مشاعر غيرة وحب استطلاع عن الناس اللي علاقتهم طبيعية ومش محتاجة اقولك أنتِ مخلية شكل علاقتنا ازاي…..
أنهى حديثه باستنكار رهيب…
ثم أسترسل كمال حديثه بتهكم:
-وبعدين بلاش جو مراتك ومش مراتك وأنك بتغيري عليا علشان مش هصدقه احنا مش عيال صغير وبعدين لو جاية تدوري على حاجة في موبايلي، مش هتلاقي حاجة من اللي في دماغك.
تحدثت فردوس بانفعال:
– هيجي يوم وهجيبك أنتَ وأخوك وهقفشك اليوم ده قرب أوي.
بهدوء شديد أجاب عليها:
-اديني مستنيه معاكِ يا فردوس علشان أشوف أخر الحكاية دي أيه؟!
تحدثت فردوس بوجع رهيب:
-مفيش أخر لحكايتنا يا كمال لأن مكنش ليها أول هي خلصت من قبل ما تبدأ، أنا موت مع أخويا يا كمال وأنتَ دفنتني بأيدك أنتَ وكل واحد هنا في البيت عارف شريف فين وساكت، بس الكل هيدوق من نفس الكأس اللي شربتوني منه أنا واثقة في عدالة ربنا وساعتها هشوفكم وهقول حقي رجع.
تمتم كمال في مواساة باردة:
-عمرك أطول من عمري، وبعدين أنتِ اللي شربتي نفسك يا فردوس من الكأس اول واحدة ولا رضيتي تبعدي ولا عرفتي تقربي عايزة تعيشينا في النار معاكِ واديني عايش .
ضحكت فردوس بسخرية ثم غمغمت وهي تنظر له:
-أنتم لسه معشتوش في النار، قلبكم ولا اتحرق ولا اتوجع زي ما قلبي اتوجع.
تحدث كمال بجدية شديدة:
-أنتِ مش عارفة تتعايشي مع الوجع وأنتِ عارفة مصير اخوكي وقادرة تزوريه حتى لو هو تحت التراب، أحنا بنحاول نتعايش على مصير واحد مش معروف ولا قادرين نشوفه ولا هنقدر في يوم نشوفه هو ضيع نفسه ووجع قلوبنا كلنا.
أمسكته فردوس من ياقته قائلة بجنون:
-بطل تحسسني أن اخوك متبقاش بجح.
تمتم كمال بنبرة هامسة وهو يحاول إبعاد يدها عن ياقته:
-خلاص أهدي يا فردوس.
أبعدت يدها عنه وكانت على وشك النهوض ليمسك معصمها بكف يده فتحدثت في نبرة منفعلة:
-خير ياريت تسيبني امشي ولا لقيت حاجة ولا نيلت معلش ازعجتك.
هل سيكون طلبه سخيف؟!
هل يصدق أحد أن هناك رجل يرغب في النوم في أحضان زوجته بعد مرور سبع سنوات من زواجهم؟!!
وينتظر موافقتها؟!!.
هو نفسه لو أخبرته أحد بذلك لوصفه بالمجنون..
-ممكن تنامي في حضني.
غمغمت فردوس برفض رغم تتوقها لذلك…
ولكنها مندهشة من طلبه:
-والله؟!! أنتَ ليك نفس تهزر؟! مين دي اللي تنام في حضنك؟!!..
-أنتِ وبعدين أنا مليش نفس أهزر بس حاولي، مش يمكن أعصابك تهدى؟! وحضني يريحك؟!.
-يا سلام.
تمتم كمال برغبة يعلم أنها لن تنفذها:
-يوم واحد أفصلي من الدنيا ونامي في حضني مش كتير على فكرة العالم مش هينهار.
-ولو قولت لا؟!.
غمغم كمال بنبرة عادية:
-شيء متوقع منك، بس نظام الكون مش هيتقلب علشان ساعة أروح فيها في النوم وبعد ما أنام امشي مش همنعك، خيبي ظني او مرة ووافقي
بالرغم من كلماته ومشاعره الفياض كان على أتم الاستعداد لسماع رفضها لكنها على العكس، تحدثت فردوس بنفاذ صبر:
-طيب اتفضل نام يلا.
لم يصدق حقًا موافقتها ولكنه انتهز الفرصة فجذبها ليجعلها تستلقي بجانبه على الفراش قصرًا، وحاوطها بذراعيه وأحدى ساقيه مما جعلها تتحدث ساخرة:
-عارف يا كمال لو قصدك أن……
قاطعها كمال مكملا في خبث:
-قصدي هيكون ايه هو أنتِ مستقلية بنفسك علشان أعمل حاجة مش على هواكِ مع أن ممكن يكون على هواكِ وده موضوع تاني خالص.
ضربته بقبضتها في صدره دون تفكير وكانت يديها قوية ليتأوه كمال في تلقائية قائلا:
-بطلي غباء.
صمتت وأغلقت عيناها ونامت على أحدى جانبيها حتى لا تنظر له، فهي حقًا خجلة جدًا من وجودها بين أحضانه بتلك الوضعية، خجلها شيء غير منطقي كعلاقتهما بأكملها…
-ياريت تنام بسرعة علشان أول ما تنام أنا هقوم أمشي.
غمغم كمال بمكرٍ:
-عيني مش راضية تقفل.
-حاول تقفلها وتنام بدل ما اقفلهالك أنا عمرك كله.
__________
في الصباح الباكر…
تململت بين أحضانه، حينما بدأت في الاستيقاظ، استوعبت بأن هناك جسد يحاوطها، فتحت عيناها لتجد أن رأسها عند صدره تقريبًا ويحاوطها بذراعيه فانتفضت وخرجت منها صرخة افزعته وجعلته يستيقظ من نومته بهلع:
-في أيه؟!.
تحدثت وهي تبتعد عنه قدر المستطاع وتحاول أن تتزن فهى مازالت لم تفق جيدًا:
-أنتَ اللي في أيه؟!.
قاطعها وهو يقترب منها محتجزًا أياها بين ذراعيه قائلا بتسلية:
– محسساني إني مشربك حاجة؟! وبعدين أنتِ نمتي امبارح قبل ما أنا أنعس حتى وصعبتي عليا اصحيكي فشفقت عليكي وسيبتك نايمة في اوضتي يعني المفروض أنتِ اللي مديونة ليا.
وضعت يدها على صدره لتبعده عنها تلك المسافة التي اقتربها خطر جدًا…
وجودها هنا خطر أكبر…
قالت بخجل شديد وغضب من نفسها كيف ذهبت في النوم حقًا؟!..
-المفروض كان تصحيني حتى لو انا روحت في النوم.
-كنت هصحيكي بس زي ما قولت صعبتي عليا غطيتك وسيبتك تنامي علشان أنا طيب، فضلت اتأملك لوقت كبير سبحان الله اللي يشوفك وأنتِ نايمة زي الملاك ميشوفكيش وأنتِ صاحية يا حبيبتي، حتى لما حضنتك لقيتك بتحضنيني…..
قاطعته فردوس بتهور رهيب وهي تقول بانفعال مبالغ فيه:
-أنتَ عملت فيا أيه؟!! وبعدين انا استحالة أكون حضنتك.
تحدث كمال بإيحاء:
-مش حضنتيني بس حاجات تانية بس أنا مش عايز أكسفك وأقولها.
صرخت فردوس بغضب وهياج مبالغ فيه:
-كمال انا بحذرك أنا…
تمتم كمال بابتسامة ظهرت على وجهه رغمًا عنه:
-يعني هكون عملت فيكي أيه؟!! أنتِ عبيطة صح؟!! أما أنتِ زي ما أنتِ باسدالك للعلم أنتِ روحتي في النوم مش اتخدرتي علشان تشكي إني عملت فيكي حاجة ربنا يهديكي.
نهضت من الفراش في غضب وتوجهت صوب المرأة تعدل من هيئة إسدالها ثم وضعت الحجاب الخاص به فوق رأسها ونظرت له بغضب ثم رحلت دون قول كلمة واحدة أكتفت بنظراتها…
خرجت من الغرفة تنظر حولها وكأنها أرتكبت جريمة بأنها كانت في غرفة زوجها…
كانت تنظر ناحية الجانب الأيمن بعد أن أغلقت الباب، فجاءت دعاء ” زوجة بكر” البالغة من العمر ستة وثلاثون عامًا، من الناحية اليسرى قائلة بهدوء وهي تقلد حركاتها أثناء استكشافها المكان:
-صباح الخير.
شهقت فردوس بفزع قائلة بانفعال:
-في أيه خضتيني؟!!.
تمتمت دعاء ساخرة هي ترمقها من أعلاها إلى أسفلها باستغراب فهي لا تصدق ما رأته فردوس تخرج من غرفة كمال:
-خضيتك ايه أنا بقول صباح الخير أنتِ اللي خارجة تتسحبي ولا كأنك حرامي.
أبتلعت ريقها فردوس بقلق وتمتمت:
-هتسحب كأني حرامي ليه ان شاء الله؟! وبعدين كل الحكاية أني جيت علشان أقوله اني عايزة انزل اشتري شوية حاجات و…
قاطعتها دعاء في تسلية ومرح:
-بس أنا مسألتش على فكرة، أكيد يعني مش ضاربة مني لدرجة هسأل واحدة خارجة من اوضة جوزها أنتِ كنتي بتعملي أيه ده حتى تكون عيبه.
تركتها فردوس لأن ليس لها مجال للنقاش مع أهل هذا المنزل..
ولأنها تشعر بالخجل وكأنه ليس زوجها….
رُبما هذا نابع من الحدود التي رسمتها له امام الجميع وكأن عكس ذلك تصبح كارثة بحقها…
توجهت صوب غرفة نومها وهي تشعر بالغضب كيف تذهب في النوم بتلك الطريقة؟!!!….
______________
أخبرته أحدى النساء التي تعمل بالمنزل بأنها أدخلت الفطور إلى غرفة السيدة منى، فذهب إلى غرفتها وبعد أن دق الباب وحصل على إذنها بالدخول وفتح الباب بابتسامة مشرقة تزين ثغره ووجهه لا تخرج تقريبًا إلا مع والدته…
-صباح الخير يا منى هانم مش ناوية تتواضعي شوية وتنزلي تفطري معانا؟!.
أنهى كمالحديثه وهو يقترب منها وهي جالسة على الفراش، أمسك كف يدها وقام بتقبيله ثم لحقه بالكف الآخر وجلس بجانبها، فهى لا تغادر غرفتها إلا عند الضرورة كالذهاب للطبيب وأشياء طفيفة جدًا.
فهي أصيبت بالكثير من الأمراض مرض تلو الآخر كالجلطات وغيرها وأشياء كثيرة أدت إلى أصابتها بشلل نصفي أثر على الجزء السفلي من جسدها، كل تلك الأشياء أصابتها بعد ما فعله شريف وهروبه منذ ذلك اليوم لم تسلم حالتها النفسية التي أثرت على جسدها وصحتها بشكل كبير، حتى أن الأدوية والعلاجات الطبيعية وغيرها من محاولات الأطباء لم تجدي نفعًا معها وكأنها مستسلمة تمامًا لقدرها، قلبها المفتور أثر على كل شيء بها…
عرض عليها كمال أكثر من مرة أن يتصل بشريف من أجلها ولكنها ترفض، حتى أنه يخبرها بأنه يشتاق لها ورفضت أيضًا، فهي أمرأة تعرف الحق والعدل ولكنها أم وها هي تتألم بين الجهتين…
في أحدى المرات أستجابت إلى عاطفتها الأمومية وإلى حديث كمال وتحدثت معه لرغبتها في سماع صوته لا أكثر….
ابتسمت له منى ابتسامة باهتة كحياتها وروحها ثم غمغمت:
-صباح النور يا كمال، أنتَ لسه مروحتش الشغل؟! أنا قولت زمانك مشيت يا ابني.
تحدث كمال بهدوء مجيبًا عليها:
-لا مش رايح النهاردة البنك رايح على الشركة علطول فقولت الحقك قبل ما تفطري وتنزلي تفطري معانا.
غمغمت منى في رفض:
-أنتَ عارف يا كمال أني مبحبش انزل واقعد على السفرة تحت معاكم، أنا بكون مرتاحة كده يا ابني ياريت مضايقنيش وتطلب الموضوع ده وتحرجني….
يتفهم تلك الرغبة ولكنها يجب أن تتغير مرت سنوات وهي مازالت تشعر بعزة النفس الطاغية عليها بهبوطها على الكرسي المتحرك….
لا يتواجد أحد في المنزل قد يزعجها هو متأكد من ذلك بل الجميع يتمنى أن يفعل أي شيء قد يرضيها ويجعلها تخرج من تلك العزلة التي فرضتها على نفسها..
تمتم كمال بهدوء:
-خلاص يا امي اللي يريحك.
هتفت منى بنبرة حانية:
-عامل ايه مع فردوس؟!.
تحدث بنبرة عادية متذكرًا فعلتها ليلة أمس التي ازعجته ولكنه حاول ان يمرر الموقف بطريقة لينة حتى لا يزيد من حدة الصراع بينهما:
-اهو الحال زي ما هو يا امي أنتِ عارفاها وعارفة دماغها، وكل شوية تعمل مشاكل مع اللي شغالين في البيت ومع دعاء، ومعايا انا شخصيًا.
هتفت منى محاولة التهوين على ولدها البكر:
-معلش يا ابني اللي حصل ليها مش قليل، اصلا كفايا أنها لسه على ذمتك.
حقًا هو ينسى هذا الأمر بالرغم من عشقه الكبير لها أحيانًا يتناسى أنها زوجته بسبب الحواجز التي تبنيها بينهما طوال الوقت…
-ياريتها كانت وافقت على الطلاق بعدها كانت ريحت واستريحت.
كاذب!!
إذا وافقت على الطلاق لم يكن ليشعر بالراحة أيضًا…
تمتمت منى بصدقٍ:
-فردوس بتحبك سيبك من أنها بدور على شريف وبتحاول توصل له، مفيش سبب مخليها في البيت ده وعلى ذمتك غير أنها بتحبك وعايزة تبقى معاك.
خرجت ضحكة ساخرة منه قائلا:
-بلاش يا امي الكلام ده، فردوس اتجننت ولا بقت بتحبني ولا بتحب حتى نفسها ولا عارفة هي عايزة أيه.
-صدقني يا ابني والله بتحبك أنا عارفة بس هي مش عارفة تنسى ومش عارفة تخلي قلبها يتحكم وخايفة أنها لو استسلمت للأمر الواقع وتعايشت معاه انها تكون بتخون اخوها؛ فردوس تعبانة نفسيا هي نفسها مش مدركة لده.
هذا الحديث لا تكف والدته عنها..
هي الإنسانة الوحيدة على أي حال التي تتعامل معها فردوس بطريقة جيدة وأحيانًا تكن قريبة منها وتقضي وقت معها، أعترفت أمامه في احدى المرات بأن والدته هي الشخص الوحيد النقي في هذا المنزل والتي هي على يقين أنها لا تعرف مكان شريف أو حتى تقوم بمساعدته رُبما كان هذا السبب أن العلاقة جيدة بينهما نوعًا ما…..
-مبقاش الكلام له لازمة يا امي بتحبني أو مبتحبنيش النتيجة واحدة طول ما هي مصممة على اللي في دماغها ولا هتريحني ولا هي هترتاح، دي بتحلف أنها هتقتل شريف لو شافته.
تمتمت منى بعقلانية رغم أن الجملة التي قالها كمال لم يتقبلها قلبها:
-أعتقد أي حد مكانها هيعمل كده، فردوس يوم فرحها حضنت أخوها ميت وهي عارفة أنه شريف اللي قتله، منتظر منها أنها لما تشوفه هترحب بيه يا ابني؟!.
هتف كمال بجدية فوالدته هي أكثر شخص يتحدث معه عما يدور بخلده وبقلبه:
-عمي بكر جايبلي عروسة وعمال يقول أتجوز وبقاله فترة مصمم على الموضوع ده لا بيرشحلي عروسة كمان.
-قول لفردوس الكلام ده.
ضيق كمال عيناه بعدم فهم:
-أقول لفردوس ايه؟!.
-قولها أنك هتتجوز، يمكن ساعتها تحس أنك هتروح منها وتبدأ تفوق لو مفاقتش أنتَ من حقك تنبسط يا ابني وتتجوز وتفرح بشبابك عمك مش غلط، حرام تتعاقب علشان اللي اخوك عمله.
ثم أسترسلت حديثها قائلة:
-أفنان وحشتني اوي اتصلي بيها يا ابني.
_____________
-مالك يا فهد مكشر كده ليه؟!.
يجلس فهد على الأريكة يتصنع مشاهدة التلفاز فهو لم يذهب إلى المدرسة اليوم بسب باستيقاظ افنان متأخرة على غير العادة، لكنه في الحقيقة غاضب جدًا وحينما أنتهت أفنان من غسل الصحون أتت للجلوس معه، بينما ثائر كان يجلس في المقهى..
هتف فهد بغيظ طفولي وكأنه سوف يستطيع أن يكذب على والدته ويخبرها أنه لا شيء، ولكنه لا يعلم أن الأمهات بمجرد النظر على وجه أطفالهم يشعرون بما ينتابهم…
-مفيش حاجة يا ماما.
داعبت أفنان أنفه بأصبعها قائلة وهي تقلد ملامحه المقتضبة:
-كل ده ومفيش حاجة؟!.
ثم أسترسلت حديثها وهي تداعب خصلاته الناعمة:
-قولي ايه اللي مضايقك كده هتخبي على ماما حبيبتك؟!
ببراءة شديدة أجاب عليها وكأنها قالت كلمة السر وضغطت على الزر الخاص به:
-أنا زعلان من بابا.
تألم قلبها حينما يأتي الحديث إلى تلك النقطة لا تجد ما تقوله بسهولة هي عاجزة حقًا…
هتفت أفنان بنبرة هادئة:
-ليه بس يا حبيبي؟!.
قال فهد بضيق شديد:
-كده علشان هو مبيحبنيش ولا بيفكر يشوفني.
حاولت أفنان إيجاد أي تبرير:
-لا بيحبك و بيجيب ليك هدايا كل شوية ويبعتها.
-بس مش بيفكر يكلمني ولا يشوفني.
تحدثت أفنان بالحجة التي تحاول قولها دائمًا:
-قولتلك يا فهد بابا في مكان مفيهوش شبكة ودايما مشغول.
-صحابي اللي باباهم مسافر بيكلمهم دايما ومفيش حد باباه قاعد في مكان مفيهوش شبكة.
ماذا تفعل حقًا؟!.
فهو كلما يكبر تزداد تساؤلاته وأسبابها تكاد تصبح غير منطقية مع مرور الأيام..
حقًا ماذا فعلت بها الدنيا؟!..
هتفت أفنان بهدوء:
-خلاص متزعلش أنا هبعت له رسالة أقوله أنه يكلمك قريب ماشي؟!.
سألها فهد بشكٍ:
-بجد؟!.
هزت أفنان رأسها كاذبة ولكن لم يكن بوسعها فعل أو قول شيء أخر سخيف ستتحدث مع ثائر وتحاول إيجاد حل معه في القريب العاجل….
-ايوة بجد يا حبيبي بس أياك تفكر أن بابا مش بيحبك، بابا بيحبك اوي…
صدع صوت هاتف أفنان فنهضت وغمغمت حينما وجدت اسم كمال على الشاشة:
-انا داخلة أعمل مكالمة وجاية، وحضر نفسك علشان هنعمل كيكة الشوكليت اللي بتحبها مع بعض..
____________
في المساء…
يجلس كمال في المكتب يقوم بمراجعة بعض الأوراق وجد هاتفه يعلن عن اتصال نظر عليه في البداية بلا مبالاة ولكن سرعان ما فتح عيناه بذهول لا يصدق حقًا بعد غياب طويل داغر يتصل به..
ترك الأوراق وألتقط هاتفه مجيبًا عليه:
-ايوة يا داغر.
أتاه صوت داغر الهادئ:
-الو يا كمال ازيك؟! ايه اخبارك؟!.
تجاهل كمال أسئلته وحينما سمع صوته بدأ يشعر بالطمأنينة قليلا، فتحدث:
-فينك يا داغر مختفي ليه؟! ولا بترد على الرسايل ولا المكالمات ولا أي حاجة؟!!!….
تمتم داغر بضيق:
-كنت مضغوط الفترة الأخيرة ولا عايز أتكلم ولا عايز أعمل اي حاجة، حقك عليا…
قاطعه كمال بتوضيح:
-براحتك أنا مقدر أنك ممكن تكون مشغول في الشغل او في حياتك بس على الأقل تبعت رسالة تقول اي حاجة متكنش مختفي كده، احنا قلقنا عليك.
سأله داغر باستغراب ورغبة في سماع إجابة يعرف أنها مستحيلة:
-أنتم مين؟!.
أجاب كمال عليه بعفوية:
-أنا وجدو، متتصورش كان قلقان عليك ازاي.
قال داغر بابتسامة باهتة:
-اه.
ثم حاول توضيح سبب غيابه:
-أنا طلقت منال.
تحدث كمال في انزعاج:
-ليه كده خير حصل ايه بس؟!.
باقتضاب أجاب داغر عليه:
-يعني حاجات كتير لما أجي مصر هقولك، أنا جاي مصر قريب جدًا علشان في شوية حاجات لازم أحلها وأولهم موضوع أفنان ان شاء الله….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ديجور الهوى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى