روايات

رواية خطايا بريئة الفصل التاسع 9 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الفصل التاسع 9 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الجزء التاسع

رواية خطايا بريئة البارت التاسع

رواية خطايا بريئة
رواية خطايا بريئة

رواية خطايا بريئة الحلقة التاسعة

أنّ المرأة يسحرها أولًا الأمان الذي يزرعه الرجل من حولها، بعدها كل شيء يأتي من تلقاء نفسه.
———————–
– كيفك يا بنت “غالية” توحشتك؟
ابتلعت غصتها و همست بجزع:
– خالي!!
– چرى ايه يا جلب خَالك مش هتسلمي عليا وتحبي على يدي ولا إيه؟
هزت رأسها بِبسمة باهتة وتقدمت في ثبات تصافحه متجاهلة جملته الأخيرة :
– اهلًا يا خالي القاهرة نورت
زفر بقوة عندما لم يروقه سلامها البارد الخالي من الإحترام بتاتًا بالنسبة له وهدر وهو يطالعها بنظرات خبيثة من أخمص قدميها حتى رأسها:
– منورة بناسها يا بت “غالية”وين چوزك وكيف مهملك مايعة إكده
شملت ذاتها بنظرة عابرة بعدما تفهمت المغزى من حديثه وكادت تجادل ولكن اتى رد “يامن” ملاحق لها :
– أنا هنا أهوه يا حاج “عبد الرحيم” نورتنا
قالها “يامن” وهو يخرج من المرحاض عاري الصدر يلف منشفة عريضة حول خصره وأخرى صغيرة يجفف بها شعره، لتشهق هي في خفوت وتزيح بنظراتها بعيدًا مما أثار ريبة “عبد الرحيم” وهو يرد سلام” يامن” بِبرود دون لباقة :
– اهلًا بالغريب ليحول نظراته لها ويتسأل بخبث بَين:
– مكسوفة من چوزك إياك
استغرق الأمر ثانية واحدة كي تلاحق الموقف بهز رأسها وقولها بمكر لا يضاهيها احد به:
– لا يا خالي انا بس خوفت يبرد علشان الشباك مفتوح
لتهرول إلى النافذة المفتوحة وتغلقها ببسمة متوترة تحت نظراته الفاحصة
ليهز رأسه وهو يلتقط طرف جلبابه ويقول وهو يتوجه نحو الأريكة المقابلة للفراش ويجلس عليها:
-عندك حج يا بت “غالية” چوزك بَرّدك ومن حجك تنخلعي عليه
تناوبوا النظرات المتوترة بينهم قبل أن يضيف” عبد الرحيم” وهو يسند ظهره بأريحية ويطوف بعينه محيط الغرفة :
– بس الأوضة زينة وعفشها مليح
ليركز نظراته على الفراش ويقول بخبث بَين و بنوايا بعيدة كل البعد عن البراءة :
– بس السَرير ده ضيج حبتين بيساعكم ده يا ولاد
ابتلعت هي غصة بحلقها وتوارت خلف ظهره وهي تتفهم الغرض من سؤاله، بينما “يامن” نظر لها نظرة مطمئنة وهدر بكل ثبات :
– اه يا حاج كله تمام، وكويس أن الأوضة عجبتك أصلها ذوق” نادين” وكل حاجة من اختيارها هي
قال آخر جملة وهو يجذبها من خلف ظهره ويحاوط خصرها ويضمها إليه بطريقة اربكتها، ولكن دائمًا ما يكون ردود أفعالها سريعة، لتسايره وتبادله بإحاطة خصره ايضًا ورغم توترها والرجفة التي انتابتها عندما لامست جسده تحت يدها إلا أنها استحضرت بسمتها المعهودة التي حاولت أن تكون أكثر دفء أمام عينه من أجل أن يكتمل المشهد الدرامي أمام ذلك الذي كان يتآكلهم بنظراته وتحمحم قائلًا بنبرة غليظة مستنكرة:
– اتحشم وروح استر نفسك وألبس خلجاتك يا غريب والله عار عليك تستجبلني وأنت زلط إكده
تنهد “يامن” بثبات بينما كادت هي ان تبتعد عن مرمى يده ولكنه ضغط أكثر على خصرها كانه يود ان يطمئنها ويجعلها تتمسك بثباتها كونه بجانبها وسيتولى الأمر ليرد بنبرة قوية مبطنة بمغزى وصل للآخر بكل وضوح :
– والله يا حاج أنا في أوضة نومي ومع مراتي، وانت على راسي، بس المفروض كنت استقبلك في الصالون مش هنا
زفر “عبد الرحيم” انفاسه دفعة واحدة وهو يلعن بسره ذلك الذي يدعوه غريب كونه احرجه بلباقة وخرب تخطيطه فكم تمنى أن يجد شيء واحد فقط يدل على أن حياتهم ليست طبيعية كأي زوجين، ليتحمحم يجلي صوته بخشونة ثم قال وهو ينهض من جلسته :
– عندك حج يا غريب بس اعذرني كنت متوحش بنت خيتي ومجدرتش أصبر لما أمك فتحتلي باب الدار وچريت أدعبث عليها
لم يشغله حرف واحد مما تفوه به غير نعته بالغريب مما جعله يهدر قائلًا بنبرة جادة وبملامح ثابتة:
– “يامن “اسمي “يامن” يا حاج مش “غريب” واظن سهل ميتنسيش
ضاقت عين “عبد الرحيم” وعقب بنبرة مغتاظة بشدة :
-واه مغلطتش في البخاري إياك
قطع حديثه دخول” ثريا “وقولها بوجوم شديد :
– أنت هنا يا “عبد الرحيم” انا عملتلك الشاي وخرجت ملقتكش
أجابها بِخبث وهو يتناوب نظراته بينهم وكأنه يسبر أغوارهم :
– كنت بَطُل بدي اطمن على بت خيتي
لترد نادين بنبرة متسرعة مهزوزة تضاهي رجفة جسدها :
– انا كويسة الحمد لله يا خالي وفي احسن حال مع جوزي
هز “عبد الرحيم” رأسه بخيبة أمل وهو ينظر لهم نظرات مشككة وكانه يريد ان يخترق بها دواخلهم
لتتدخل “ثريا” بتهكم بعدما لوت شدقيها :
– أديك اطمنت والحمد لله تعالى بقى أشرب الشاي بتاعك قبل ما يبرد
وسيبهم يكملوا لبس ويحصلونا
أومأ لها وسبقها بِخطواته لتنظر هي لهم نظرة مطمئنة وتلحق به مغلقة باب الغرفة خلفها، ليزفر هو أنفاسه دفعة واحدة بإرتياح بينما هي جلست على أقرب مقعد قائلة بعيون زائغة وبجسد ينتفض :
– انا خايفة
أجابها بنبرة مطمئنة وهو يجثو امامها و يحاوط ذراعيها بحنان :
– انا معاكِ وخوفك ملوش داعي
صوبت نظراتها المشتتة إليه وقالت بتوجس:
-زيارته غريبة وكلامه أغرب
تنهد وهو يمرر يده على طول ذراعيها كي يهدئها قائلًا بنبرة حنونة بثت بها بعض السَكينة :
– اهدي هو مش اول مرة يزورنا اكيد شوية وهيمشي انا عايزك تثقي فيا هو ميعرفش الاتفاق اللي بينا احنا قدامه زي اي اتنين متجوزين وحياتنا طبيعية لازم نأكد له ده
طالعت ناعستيه بضياع وتساءلت بذعر حقيقي وهي تكوب وجهه بين يدها :
– وافرض عرف ان جوازنا على الورق وبس هتسيبه ياخدني معاه؟
نفى برأسه بقوة وكانه ما تقوله هي المستحيل بعينه وهدر بنبرة قاطعة وهو يصعد لمستواها و يجاورها جاذب رأسها يدفنها بين ثنايا صدره قائلًا بنبرة واثقة مطمئنة:
– مش هيعرف ابوكِ الله يرحمه أمني عليكِ ومستحيل أخل بوعدي ليه ولا ليكِ
ليأتيه سؤالها الذي اشعره لأول مرة انها تود ان تنتمي له :
– افرض اخدني وغصب عليك تطلقني؟
نفى برأسه من جديد وكأنه على حافة الجنون وقال بِفطنة:
– خالك كل اللي يهمه الفلوس و هو عارف ان كل املاكك بأسمي، مستحيل يعمل كده…
اهدي ومتخافيش انا جنبك يا “نادين” مستحيل اسيبك
قال جملته الأخيرة وهو يطبع قبلة حنونة على قمة شعرها ويضمها له أكثر مما جعلها دون ارادة منها وكأنها بحاجة لذلك العناق حاوطته وأغمضت عيناها كي تزيح كافة الافكار السوداوية بعيدًا عن رأسها، بينما هو كان في قمة سعادته فكم يعشق سكونها بين يديه وتلك الحالة الفريدة التي هي عليها الآن ليغمض عينه ايضًا ولكن وهو يلعن تلك الخفقات الصاخبة التي تفضحه دائمًا وتزعزع ثباته أمامها، وبالفعل تأكد أنه افتضح عندما انتفضت بعيدًا عنه وهي تشعر بتوتر بالغ فيبدو أنها تيقنت لتوها أن تلك الحرارة التي كادت تحرقها منبعثة من جسده التي كانت تجول بعيناها عليه الآن دون وعي، ليبتسم هو و كأنه يقرأ أفكارها مما جعلها تتراجع خطوتين للخلف وهي تضع خصلة من شعرها خلف اذنها وتتحاشى النظر له، كم أراد أن يشاكسها ويستغل الموقف لصالحه ولكنه كعادته كبح أفكاره العابثة جانبًا، و تفهم خجلها ببسمة هادئة وغير سير الحديث كي لا يزيدها عليها:
-اول مرة تيجي أوضتي من نفسك! كنتِ عايزاني؟
اومأت له وأخبرته بتوتر وهي تواليه ظهرها وتجاهد تلك النبضة العاصية بخافقها :
– كُنت جاية أصحيك
طالع ظهرها لوهلة مستغرب ذلك التغير المفاجئ وهدر قائلًا وهو ينهض يرتدي ملابسه :
-بس انا صاحي من بدري وعملت رياضة كمان
جعدت حاجبيها المنمقين باستغراب فتلك المعلومة لم تكن تعلمها عنه ربما لأنها لم تنهض باكرًا مثله ولذلك لم تلحظ ممارسته للرياضة قط، لتخبره وهي مازالت تواليه ظهرها :
– انا بكره الصحيان بدري …بس قولت ألحقك علشان تكون معايا وانا بجرب العربية بس خالي بقى الله يسمحه نشف دمي
ضيق ناعستيه وباغتها بسؤاله وهو ويتذكر جملة “عبد الرحيم “التي أغاظته :
-هو أنتِ كنتِ هتخرجي كده بلبسك ده؟؟
نفت برأسها واخبرته بملل وهي تقلب عيناها :
– لا طبعًا انا عارفة تعليماتك كويس انا كنت هلبس بليزر طويل علشان متتعصبش كالعادة
لثوانٍ لم يصلها رده حتى انها كانت تشعر بحركته اثناء حديثه ولكن الآن صوت خطواته يقترب شيء فشيء لتحتبس انفاسها وتغمض عيناها وهي تسير لخارج الغرفة :
– انا هستناك برة
لتتأوه بقوة عندما كادت تتعثر بطرف الطاولة التي تتوسط غرفته ولكن يده سندتها وجذبتها لترتطم بجسده عوضًا عن ارتطامها بالأرض، شعرت صدره العريض الخشن تحت راحيتها التي استندت بهم الآن دون قصد كي تتفادى السقوط لتفتح عينها بترقب شديد ووجهها يشتعل كجمر ملتهب تحت نظراته التي تتفرس بها باستمتاع شديد وبسمة متسلية تزين محياه قائلًا:
– انتِ مجنونة ؟؟؟
بتجري ليه
أطلقت سراح انفاسها المحتبسة ما أن رأته ارتدى بنطاله وقميص يبدو انه لم يسنح له الوقت لإغلاق أزراره وثأثأت بنظرات مهزوزة وبقلب يرتجف لا تعلم ما به:
– قولت علشان تلبس كُنت هستناك برة …………
= انا لبست خلاص خليكِ دقيقتين وأخرج معاكِ
كادت ان تتذمر كعادتها ولكنها وجدت ذاتها تهز رأسها بطاعة، ليبتسم هو ويبتعد كي ينهي ارتداء ملابسه أمام نظراتها الثابتة التي لا تنم عن أي شيء سوى تشتتها
——————–
أما هي فظلت ملازمة غرفتها منذ عودتها وحمدت ربها كون زوجة أبيها تبيت اليوم عند والدتها، فكانت حريصة للغاية أن لا يراها أحد واكدت على الحارس عدم اخبارها وبالفعل لم يجادلها وكأنه مدين لها باعتذار مسبقًا أغمضت عينيها بقوة وهي تدعوا الله ان لا يفتضح أمرها ولكن كيف و “مُحبة” تجلس فوق رأسها وتنهال عليها بأسئلتها:
– ريحي قلبي وقوليلي حصل ايه؟
وكنت فين؟ ودم مين ده اللي على هدومك؟
سؤالها الأخير حاز على كافة أنتباهها مما جعلها تنهض تتفقد ملابسها التي نزعتها عنها فور وصولها، لتغمض عيناها بقوة وهي تشعر بتقريع الضمير مما أصابه بسببها لتقرر أن تحدثه تطمئن عليه وبالفعل تناولت هاتفها وطلبت من “مُحبة”بلطف:
– داده انا كويسة ومحصلش حاجة متقلقيش…….. هحكيلك بعدين بس ممكن تسبيني دقيقة لوحدي
انصاعت لها “مُحبة” وغادرت وهي تهز رأسها بعدم رضا بينما هي نقرت على شاشة هاتفها وطلبت رقمه وانتظرت بتوتر بالغ أن يجيبها
في تلك الأثناء كان هو ممدد على فراشه يستجدي النوم كي يهرب من تساؤلات شقيقته التي صرعت بها رأسه وهلعها منذ رأت هيئته الرثة حين عاد للمنزل، ولكنه طمئنها واخبرها انه شجار بسيط وجرحه سطحي وقد تم تقطيبه ولا داعي للقلق؛ لتتركه بمفرده كي ينال قسط من الراحة التي لا يعلم أين السبيل لها بعد ما حدث زفر في ضيق وهو يتناول هاتفه وعلم هوية المتصل لينتفض من فراشه ويظل يمسد جبهته بتردد كبير حسمه بقوله وهو يفتح الخط :
– خير حضرتك
ابتلعت غصتها وتسألت وهي تشعر بخزي من نفسها :
– أنت كويس؟
-تمام
– وجرح ايدك ؟
– قولتلك بسيطة كلها كام غرزه مش مستاهلة
-انا كنت قلقانة وحابة اطمن عليك
ألجمه حديثها و لا يعلم بما يجيبها، لتستأنف هي بِعرفان :
– انت حد جدع اوي وانا بجد آسفة
قالت جملتها و كادت تغلق الخط لولآ انه باغتها بأخر شيء توقع ان يصدر منه :
– بلاش تأذي نفسك
فرت الدموع من فيروزتاها أجابته بنبرة مختنقة بعبراتها يسودها اليأس:
-نفسي ملهاش قيمة عندي ولا عند أي حد
زلزلت قاع قلبه للمرة الثانية وظل يتسأل لمَ كل هذا اليأس ولمَ فضوله اللعين يدفعه لاستكشافها، حقًا لا يعلم كل ما يعلمه أنها خالفت توقعاته وأثبتت له كالجميع انها ليست محل ثقة.
– بكرر اسفي مرة تانية …
جملتها تلك انتشلته من مداهمة افكاره وإن كاد يجيب اغلقت الخط دون ان تنتظر رده مما جعله يلقي بالهاتف بِجانبه ويلعن تحت انفاسه فحقًا هي تشتته للغاية فماذا يفعل هل يخبر ابيها وينصاع لرغبة ضميره أم يصمت كي لا يضعها بموقف سيء يزيدها سوء على سوءها
———————-
ظل يطالعها بنظرات كارهة وهو يحتسي كوب الشاي الخاص به مما جعلها تسأله بنبرة جادة لا تحمل شيء من الود :
– خير يا “عبد الرحيم “أيه سر الزيارة المفاجئة دي
غص برشفته وسعل بخفة ثم قال بخبث:
– واه ده دار چوز خيتي الله يرحمها واچي وجت ما حب يا “ثريا”
حانت من “ثريا” بسمة هازئة وقالت متهكمة :
– هو انت كنت بتجي بيته تسأل عليه وهو عايش علشان تيجي بعد موته … ده انت ياراجل مكلفتش خاطرك وحضرت دفنته
احتدت نظراته بمكر وقال متحججًا:
– جولتلك كان حداي مصالح واعرة ومجدرتش أدلى وجتها
لوت “ثريا” شدقيها وقالت متهكمة :
– انت مجتش علشان عرفت أن كل املاكه بقت بأسم ابني وكل تخطيطك راح على الهوا
زمجر غاضبًا وعقب بحدة :
– إيه حديتك الماصخ ده تخطيط إيه اللي تجصديه لو في حد خطط فهو أنتِ يا “ثريا” خدتي الراجل من على مرته وعصتيه عليها وخلتيها موتت روحها من جهرتها، لع وكمان اجنعتيه يكتب كل اللي وراه واللي جدامه بأسم ابنك ويچوزه البِنَية
تهجم وجه “ثريا” عندما استحضر هو تلك الذكريات البعيدة التي لطالما تشعر نحوها بالحزن والأسى الذي انعكس على نبرتها الآن:
– حسبي الله ونعم الوكيل
ده اللي عقلك المريض صور هولك أنما الحقيقة ربنا وحده اعلم بيها وقادر ينصفني
ارتفع جانب فمه ببسمة هازئة وهمس بسره :
– تجتل الجتيل وتمشي في چنازته مرا واعرة
في تلك الاثناء دخل” يامن “برفقة “نادين” لغرفة الصالون ليجد والدته منكسة الرأس ويظهر الحزن بَين على قسماتها ليتسأل بوجل :
– في ايه يا امي مالك؟
نفت برأسها وبالكاد ابتسمت بسمة عابرة واخبرته وهي تنهض :
– سلامتك انا هروح احضر الفطار اقعد مع خال مراتك
ليقاطعهم “عبد الرحيم” وهو ينهض :
– لع أنا مش جاعد هروح الترب أجرا الفاتحة ل “غالية ” وبعدين ورايا كذا مُصلحة إكده وهعاود في الليل أبيت معاكم واتوكل الصبح بمشيئة الرحمن
ابتلعت “نادين” غصتها بتوتر بالغ واخبرته بِمجاملة عابرة تخالف رغبتها :
– خليك أفطر معانا الأول يا خالي ملحقتش أقعد معاك
ربت “عبد الرحيم” على ذراعها قائلًا :
– هعاود تاني يا بنت “غالية “وخليها عشا عاوز وكل من يدك واشوف ليك نفس في الطبيخ كيف أمك ولا وكلك ماصخ كيف المصاروة
تناوبت النظرات بينهم بضياع، فهي لا تفقه شيء بتاتًا في أمور إعداد الطعام، ولم تجرء قط على دخول المطبخ او حتى التجربة، ولعلمه بذلك أبتسم هو بسمته المطمئنة ذاتها و حسها انه سيتولى الأمر مما جعلها تتلعثم قائلة بتوتر :
– هااا…. اه… حاضر يا خالي هطبخلك احلى أكل
– تسلمي يا جلب خالك
ليغادر هو تاركهم يتنفسون الصعداء وتقول “ثريا” وهي تتنهد بضيق:
– انا هروح احضر الفطار علشان متأخرش على “رهف”
ليعقب هو وهو يطالع تلك التي ارتمت على احد المقاعد و تتنفس براحة أكبر منذ خروج خالها :
– لأ يا امي متتعبيش نفسك انا و”نادين” هنفطر برة وبالمرة هروح المطعم اجيب اكل من هناك علشان بليل
أومات “ثريا “وتحركت لغرفتها بينما “نادين” أزاحت التوتر الذي سببه خالها لها جانبًا وهبت تصفق بحماس وكأنها عادت لطبيعتها لتوها :
– اكيد هنروح بالعربية الجديدة مش كده
ابتسم و وافقها ببسمة واسعة :
– ايوة يا مغلباني بس بشرط تسوقي بعقل انا مش مستغني عن عمري
هزت رأسها و هرولت تحضر سترتها بحماس ظهر جلي على قسماتها وما زادها غير فتنة بعينه وهي تسحبه للخارج بحماس طفولي وكأنها مازالت تلك الطفلة ذات الجدائل الطويلة التي عشقها منذ الوهلة الأولى.
—————————
أما هي فقد دخلت غرفتها بخطوات واهنة والحزن يكسو ملامحها، متأثرة بتلك الذكريات البعيدة الذي تعمد “عبد الرحيم “أن يضعها نصب عيناها من جديد لتجلس على طرف فراشها وتلتقط صورة زوجها الراحل وتعود بذاكرتها لما حدث منذ عدة سنوات مضت
فكان والد “يامن” أحد مزردين المواد الغذائية التي يتعامل معهم “عادل” من اجل مطعمه وكانوا تربطهم صداقة قوية انعكست عليهم بشكل إيجابي وجعلت “ثريا” تتقرب منها ويتبادلون الزيارات والمجاملات فكانت “غالية” شخص مريح غير متكلف بالمرة
وطالما كانت البسمة لا تفارق ثغرها، وبعد وفاة زوج “ثريا” لم تتركها “غالية” قط بل تقربت منها و واستها وتوطدت علاقتهم أكثر ببعض حتى انها كانت تقص لها كل شيء حتى عن مرضها الذي اخفته عن الجميع واولهم زوجها،
حاولت “ثريا” إقناعها أن تخضع للعلاج ولكن “غالية” لم تقتنع قط وخاصةً عندما علمت ان مرضها الخبيث نسبة الشفاء منه لن تتعدى عشرون بالمائة ولذلك كانت تنتظر مصيرها المحتوم بأي وقت مما زاد حالتها النفسية سوءٍ وحين علم “عادل” بالأمر أصر على خضوعها للعلاج ولكنها تمنعت وبشدة وكان ذلك سبب خلاف دائم بينهم، حاولت “ثريا” حينها أن تخفف عنها ولا تتخلى عنها وتساندها كما فعلت هي حين وفاة زوجها ولكن “غالية” فاجأتها برغبتها حين قالت لها :
– أنا مش خايفة من الموت يا “ثريا” بالعكس انا كل يوم بستناه أنا بس اللي مخوفني هو بنتي و”عادل” هيعملوا ايه بعدي
تنهدت “ثريا “و واستها بنبرة حزينة متأثرة :
– ربنا يخليكِ ليهم يا “غالية “بعد الشر عليكِ… لو بس تسمعي الكلام وترضي تاخدي جلسات العلاج
ابتسمت “غالية” بشحوب واخبرتها بيأس :
– مش عايزة اتعذب على الفاضي و عايزة أشبع من “نادين” الكام يوم اللي فضليلي في الدنيا وافضل جنبها مش وسط المستشفيات والكيماوي والعيَنين
-مش يمكن يكون في أمل
حانت منها بسمة باهتة لابعد حد واخبرتها بيأس تمكن منها:
-ويمكن لأ…
المهم دلوقتي إني هطلب منك طلب واوعي ترديني مكسورة الخاطر
– ماعاش ولا كان اللي يكسر بخاطرك
– عايزاكِ أنتِ اللي تربي بنتي بعد موتي
ربتت “ثريا “على يدها وقالت بحسرة وبحزن حقيقي :
– بلاش سيرة الموت، محدش هيربي بنتك غيرك
نفت “غالية “برأسها وترجتها بعيون تفيض بالدمع :
– ريحيني يا “ثريا “و وافقي
تنهدت” ثريا” وتساءلت بعدم استيعاب ودمعاتها تنسل بحسرة على صديقتها:
-( لا حول ولا قوة إلا بالله) عايزاني اوافق على ايه بس؟
لترد “غالية” بإصرار وبكل رضا :
– تتجوزي “عادل”
تلك الجملة كانت كفيلة ان تزلزل كيانها وتعيدها للوقت الحالي وتجعلها تشعر بقلبها يعتصر بين ضلوعها بسبب ما حدث بعد ذلك فكم تمنت ان يكون مصيرها مختلف ولكن خانتها عزيمتها وجعلتها تكرر إنهاء حياتها بنفسها عوضًا عن انتظار الموت أن يأتيها… نفضت دمعاتها وهي تترحم عليها وتدعوا لها بالمغفرة ثم نهضت كي تستعد لكي توافي “رهف” كما وعدتها
—————————-
جلست على طاولة الطعام بعيون ساهمة متغاضية عن ثرثرة “دعاء” التي كادت تصيبها بالضجر لولآ صوت والدها الذي أتاها نجدة لها :
– صباح الخير يا” ميرال”
نهضت وعانقته بقوة قائلة بإحتياج وبنبرة واهنة :
– وحشتني يا بابي
ربت “فاضل” على ظهرها وقال بحنو:
– ده هو يومين بس اللي غبتهم يا بنتي لحقت اوحشك
هزت رأسها بين احضانه التي هي حقًا بحاجة لها ولأحتواءه وقالت مؤكدة :
-متسافرش تاني وتسبني
اجابها والدها ببسمة حنونة :
– حاضر يا ستي مش هسافر تاني ولو سافرت هاخدك معايا طالما بوحشك
صكت “دعاء “اسنانها واعترضت:
– ايه الدلع ده! هو انت بتسافر تتفسح ولا علشان الشغل
خرجت “ميرال “من احضانه تنظر لها بإستياء لم تكترث الأخرى
وأضافت بخبث وهي تنظر له نظرات ذات مغزى يعلمه جيدًا :
– ودراستها والجامعة اللي بقالها كذا يوم مش بتروحها…المفروض انك تعارضها و تخاف على مستقبلها اكتر من كده
هز “فاضل” رأسه وأيد زوجته:
– “دعاء” عندها حق مستقبلك اهم
ليه مش بتروحي الجامعة
كم شعرت بالخذلان من حديثه التي أثبت به أن زوجته هي صاحبة السُلطة الأكبر على قراراته، مما جعلها تنظر ل “محبة” التي تقف بالزاوية تحسها أن تساندها وهي تجلس على طاولة الطعام من جديد وتتلعثم قائلة:
– كنت تعبانة شوية
ليتساءل “فاضل” بحدة :
– وليه محدش بلغني
لتلاحق “محبة” الحديث التي تابعته من بادئته وأدركت بفطنتها أن أحد الخدم يتلصص لصالح “دعاء” لذلك تعمدت اغاظتها:
– حقك علينا يا بيه أصل كنت ملخومة بيها و”دعاء” هانم من ساعة ما سافرت وهي عند ولدتها ومتعرفش حاجة
أومأ “فاضل” بتفهم بينما ظلت” دعاء” ترشق “محبة” بنظرات مغتاظة جعلت “محبة” تشعر ببعض الارتياح
وخاصةً عندما وجدت “فاضل ” تجاهل حديث تلك الصفراء و وظل يربت على ظهر ابنته بحنو ويطمئن عليها في حين “ميرال” كانت تبتسم ببهوت وتخبره انها اصبحت بأفضل حال،
ولكن دائمًا تأتي الرياح بما لا تشتهيه السُفن فقد اندثرت بسمتها الباهتة و تهدجت انفاسها بذعر بَين حين رأته يقترب من جلستهم ويهدر قائلًا في عملية شديدة :
– حمد الله على سلامة حضرتك يا “فاضل” بيه
– اهلًا يا “محمد” اخبارك ايه؟
– تمام يا فندم انا جيت علشان…
قطع حديثه عندما تعلقت عينه بها يرى تلك النظرة الراجية بفيروز عيناها وكم كان يجاهد ضميره حين استأنف بعملية شديدة تحت نظرات الجميع المترقبة :
– علشان اطمن على آنسة” ميرال” واشوف إذا هتخرج النهاردة او لأ
تهللت أساريرها وهي تنظر له بامتنان حقيقي ثم هتفت وهي تلملم أشياءها :
– انا بقيت كويسة …وهروح الجامعة
هز رأسه لها واستأذن بأدب وسبقها إلى الخارج بينما هي قبلت وِجنة “مُحبة “دون عن الجميع وهرولت تلحق به لتدعوا “مُحبة” بسرها :
– ربنا يصلح حالك ويريح بالك يا بنتي
—————————
– شكرًا
قالتها بإمتنان حقيقي وهي تصعد للسيارة، مما جعله يتنهد بملامح واجمة وهو يتحاشى النظر لها :
– انا متعودتش اشوف الغلط واسكت عليه والاستثناء ده مش هيتكرر تاني والمفروض انتِ اللي تعرفي مصلحة نفسك …
اومأت له واخبرته بندم :
– انت عندك حق اوعدك مش هعمل كده تاني انا ساعات بيبقى عزيمتي ضعيفة و استسلم لكن وعد مش هأذي نفسي زي ما طلبت مني
هز رأسه بملامح مازالت واجمة وأخبرها بإقتضاب :
– تمام
ابتسمت ببهوت وقالت بِعرفان للجميل وهي تراه يشعل مقود السيارة بيده المضمدة :
– انت جدع اوي وعمر ما في حد عمل علشاني كده ابدًا وعلشان كده نفسي نبقى صحاب
نظر لها نظرة غامضة لم تستشف منها شيء ثم قال بعملية شديدة وبكامل صوته الأجش المفعم بالكبرياء وهو ينطلق بها:
– آسف مفيش حاجة في قاموسي اسمها اصحاب … انا هنا سواق جنابك وبس واللي عملته أي راجل عنده نخوة كان مكاني كان عمل زيه واكتر منه كمان
احتل الحزن عيناها وتراجعت للخلف تحتضن حقيبتها إلى صدرها وكأنها تستمد منها القوة، فكم طعنها قوله وأكد لها أنها سيئة ومرفوضة و الجميع ينفر منها ويتخلى عنها
بينما هو لعن نفسه ربما للمرة الألف بعد المائة انه احرجها ولكن هو لا يريد أن يقحم نفسه بها أكثر ويتوهم بشيء يستحيل حدوثه، فهو يعلم ذاته تمام المعرفة ويعلم أن ليس باليسير ابدًا ان تتمكن أنثى أن تزعزع ثباته وتجعله يخالف ضميره لأول مرة بحياته من أجلها
—————————
كم كانت تود أن تحلق بالسماء من شدة سعادتها عندما اخبرها الطبيب بذلك الخبر السار، وكم شعرت بالامتنان لتلك السيدة الحنون التي شاركتها فرحتها وسعادتها واهدتها الكثير من النصائح بشأن سلامتها قبل ان توصلها وتغادر لمنزلها وها هي تجلس بأنتظاره تهيأ له الأجواء كي تخبره متغاضية عن كل ما حدث وهي تظن أنه باعتذاره منها بلأمس سيعود لسابق عهده.
وعندما اتى استقبلته بلهفة كعادتها وانتظرت ان يستفسر منها عن زيارتها للطبيب ولكنه لم يكلف ذاته حتى بمكالمة هاتفية او حتى سؤالها عند وصوله مما جعلها تشعر بالضيق من عدم اكتراثه، وظلت تنظر له نظرات معاتبة وهو يجلس بجوارها على الاريكة بردهة منزلها ويسلط كافة تركيزه على هاتفه مما جعلها تتنهد بصوت مسموع لفت انتباهه وجعله يتساءل ببرود:
– مالك يا”رهف” مش على بعضك ليه ؟؟
رفعت نظراتها له واخبرته بعتاب وهي تزيح الهاتف من يده لتستحوذ على انتباهه:
– أنت ليه مكلمتنيش النهاردة في التليفون؟
مط فمه ورد بلامبالاه:
– عادي يعني مجاش في بالي
ابتلعت غصة مريرة بحلقها وأضافت بنبرة متخاذلة:
– بس انا قولتلك إني رايحة للدكتور الصبح
أغمض عينه بقوة وبرر بذلك السبب الواهي الذي لا يكف عن ذكره:
– اه نسيت معلش كان عندي اجتماع طويل وكنت مشغول
تعلقت رماديتاها الضائعة به تود لو تجد الصدق بعينه ولكن لم تجد شيء يقنعها بحجته فمنذ كذبته السابقة وهي اصبحت تشكك بكل كلمة تصدر منه، نفضت افكارها سريعًا وارغمت ذاتها على التصديق حتى لا تفسد سعادتها، ولكنه لم يكتفي بذلك الصراع اللعين الذي يضعها به بل زادها عليها بقوله باستخفاف:
– قالك ايه اكيد مش حاجة خطيرة يعني اكيد قالك انك مهملة في اكلك وكتبلك على شوية فيتامين مش اكتر
ارتفع جانب فمها ببسمة متخاذلة وردت مستنكرة :
-لأ يا” حسن” اطمن مش حاجة خطيرة
هو فعلًا كتبلي على فيتامينات بس مش علشان انا مهملة في اكلي علشان حاجة تانية
تأفف هو بسأم وهدر بنفاذ صبر :
– أففففف، ماتتكلمي علطول من غير لف ولا دوران انا اتخنقت من الملل بتاعك ده
غامت عيناها من عصبيته الغير مبررة وقالت ببسمة باهتة وبنبرة تلاشت منها سعادتها بفضله وبفضل نظراته القاسية المترقبة :
– انا حامل يا “حسن” …
أبتلع ريقه بحلق جاف ثم تسأل بنظرات مهتزة :
– أنتِ متأكدة!
أكدت ببسمة باهتة :
– ايوة يا “حسن” الدكتور أكدلي وحتى ماما “ثريا” كانت معايا
– كويس
قالها وهو ينهض يوليها ظهره بنبرة مقتضبة وبملامح واجمة ؤدت سعادتها على الأخير وجعلتها تتساءل بترقب:
– أيه اللي كويس …..أنت مش مبسوط إني حامل
مرر يده بخصلاته الفحمية وأخبرها بعتاب وهو يتناول علبة سجائره ويشعل واحدة وينفث دخانها بقوة:
– أنتِ ليه مخدتيش رأي قبلها
أجابته بصدق :
– أنا مكنتش مخططة لده بس أنت عارف إني ساعات بنسى أخد الحبوب
حانت منه بسمة ساخرة وصرخ بِسخط:
– علشان انتِ مستهترة يا هانم انا زهقت منك…على العموم اللي حصل …حصل
أدعت هي الثبات وقالت بنبرة صامدة بالكاد خرجت منها :
– انا مش مستهترة وبعدين دي ارادة ربنا وحرام نعترض عليها
تأفأف هو هدر بغيظ وهو يلوح بيده :
– أنا مش معترض و مش هقدر اغير مشيئته
قبضت على قميصه القطني من الخلف وقالت بنبرة راجية متأملة:
– أنا مبسوطة يا “حسن “بلاش تكسر فرحتي انا نفسي يبقى عندي ولاد كتير منك ونفسي كلهم يطلعوا شبهك، نفسي يبقى ليا عزوة و انا وانت نربيهم سوا ويبقوا أحسن ناس في الدنيا
زفر أنفاسه دفعة واحدة ورد عليها بنبرة جامدة خالية من أي مشاعر وهو يطفئ سيجارته في المنفضة أعلى الطاولة :
– تمام يا “رهف” ……مبروك
لم يمنحها فرصة حتى للرد بل تفوه بتلك الكلمات الجافة وغادر من أمامها إلى غرفة النوم تاركها تنهار على أقرب مقعد، تنزع عنها قناع التماسك والصلابة التي تدعيها دائمًا وتشهق بحرقة جثت على صدرها و تنفجر باكية بدمعات حارقة متألمة تنعي فرحتها التي وئدها هو ببراعة، فنعم يوجد كثيرون مثلها يتوقعون الكثير ولا ينالون إلا الخذلان ومع ذلك يصمدون كي يحيوا بسلام في حين أن دواخلهم أرق من ورقة شجر ذابلة في خريف رجل لم يقدر قط، ولكن ياترى الى متى؟!
————————-
داخل الحرم الجامعي وخاصًة بالكافتيريا جلست هي وحيدة شاردة بعد انتهاء محاضراتها تسترجع حديثه الذي مازال يتردد برأسها بلا انقطاع فكم شعرت بالخزي من نفسها وم فعلتها، تقسم انها تجاهد كي لا تستسلم للأمر لكن دون جدوى تجد ذاتها مسلوبة الارادة نحو تلك الحبوب التي تجعل طنين رأسها يهدأ وحقًا حينها كانت بأشد الحاجة لها ولذلك لم تفكر في عقبات الأمر، ورغم انه احرجها بمنطقه الغريب ذلك التي بالكاد تتفهمه إلا أنه جعلها تشعر نحوه شعور غريب لم تستطيع تفسيره قط.
( انا هنا سواق جنابك وبس واللي عملته أي راجل عنده نخوة كان مكاني كان عمل زيه واكتر منه كمان)
شعرت بالضيق عندما تكررت جملته مرة أخرى داخل رأسها مما جعلها تتساءل هل حقًا حديثه صادق هل أي رجل غيره كان سيفعل ما فعله لا تظن ذلك فهي تعرفت على الكثير و لم يفعل أحد من أجلها شيء يذكر أو حتى قام بنصحها كما فعل هو لتحين منها بسمة ساخرة متألمة وتبرر لذاتها ربما العطب بهم و لم يصح اطلاق عليهم لقب رجال من بادئة الأمر
أما على الجانب الآخر كان يحاول مرارًا وتكرارً ان يتواصل معها ولكن دون جدوى تتجاهل كافة اتصالاته مما جعله يزفر انفاسه بِغيظ شديد ويدس هاتفه بجيبه و يتوجه للكافيتريا وعندها لمح “ميرال” تجلس منفردة بذاتها تأرجح كوبها بين اناملها وساهمة في نقطة وهمية في الفراغ لا يعلم لمَ وجد ذاته يقترب منها فربما شيء من بقايا ضميره هو من ساقه لها ليقول بنبرة ماكرة وهو يجلس بجانبها :
– ازيك يا”ميرال”
نظرت له نظرة جانبية ثم أجابته بإقتضاب :
– كويسة
نظر لها نظرة متفحصة يرى كيف تبدل حالها وذبل جمالها واصبحت صورة شاحبة بلا روح لتلك التي كانت مفعمة بالطاقة والنشاط ليتسأل :
– مش باين انك كويسة…… ؟
حانت منها بسمة هازئة من سؤاله وكأنه يهتم وتسألت بضعف :
-أيه صعبانة عليك بعد ما سبتني ؟؟
زاغت سوداويتاه وأخبرها بظنه العقيم نحوها الذي هيأه له شيطانه حينها وجعله مبرر قوي لتركها :
– مش عايز اتكلم في اللي فات انا معتقدش إني فرقت معاكِ وأكيد مش هتغلبي وهشوفي غيري
غامت عيناها وشعرت بوخزة بقلبها من إهانته ولكنها لملمت شتات نفسها قائلة كي تحافظ على بقايا كبريائها :
– أنت فعلًا مفرقتش ويمكن “منه” عندها حق أنت مجرد وهم وانا كان نفسي اصدقه لتغتصب بسمة ثغرها وتستأنف :
– وانت عندك حق هشوف غيرك بس المرة دي هحاول اختار صح وعمري ما هفكر ارجع لواحد زيك
احتدت نظراته وهدر منفعل وهو يقبض على يدها بقوة آلمتها :
– اللي زي ده كنتِ هتموتي وترجعيله ولا نسيتي ……وعلى فكرة بقى انا اللي ميشرفنيش حتى يتقال إني كنت على علاقة بيكِ …….انا معايا اللي أحسن منك وبحبها وقريب اوي هرتبط بيها
استفزها حديثه للغاية مما جعلها تنهض تنفض يده و تثور بغضب وهي تلوح بوجهه بطريقة لفتت كافة الأنظار لهم وجعلت الهمهمات تتعالى حولهم :
– طالما بتحبها جاي تسأل عليا ليه ………عايز مني ايه ؟
احتدت سوداويتاه وزمجر غاضبًا :
= اهدي على نفسك انا غلطان إن واحدة زيك صعبت عليا و كُنت بحاول أواسيكِ
حانت منها بسمة هازئة وقالت وفيروز عيناها يطلق شرار لا مثيل لها :
– شكرًا اوي وفر مواساتك لنفسك لما اللي انت فاكرها احسن مني تسيبك وتديك اكبر مقلب في حياتك …….لتميل على أذنه قائلة كي تشتت عقله وتضغط على كبرياءه ك :
– فُوق ….قبل فوات الآوان …”نادين” مصيرها، وحياتها مربوطة بغيرك وعمرها ما هتضحي بكل حاجة علشان تبقى معاك واكيد هتسيبك
أغمض عينه بقوة يحاول ان يتمالك زمام نفسه بعد حديثها وهو يستغرب كيف علمت بأمر “نادين” مما جعلها تلاحظ تشتته و تبتسم بتشفي وتغادر بخطواتٍ ثابتة تخالف ما تشعر به إلى الخارج، بينما هو أحتل الغضب عينه وظل يضغط على قبضة يده بعصبية مفرطة وهو يلعنها ويلعن تلك الشكوك التي أثارتها بعقله
اقترب “فايز ” احد رفاقه المقربين وكاتم أسراره ما ان وصل لتوه ولاحظ الحالة التي هو عليها :
– في ايه مالك …….؟
نظر لصديقه ثم هدر بغضب شديد والشكوك تتأكل عقله :
-بنت ال… دي حلال فيها الفضيحة فورت دمي
تنهد صديقه وهو يجلس بجواره وأخبره بسأم :
– تاني مش خلصنا بقى من حكايتها وشبكت مع اللي انت عايزها
– ما هو ده اللي مخليها هتتجن إني مع “نادين” وقال ايه عاملة قلبها عليا وبتنصحني وبتقولي هتسيبك
ليقول صديقه بإستغراب:
– بصراحة مش قادر استوعب ازاي كانوا أصحاب وبيحقدوا على بعض كده
قال “طارق” بعد أن أزاح كوبها التي تركته بغيظ:
-محدش يعرف السبب بس كان لازم أعمل نفسي مصدق اللي اتقال عليها علشان اخلع بشياكة و أبقى مع “نادين”
ليجيبه صديقه بِجدية :
– أنا معاك أن “نادين” تستاهل بس يمكن “ميرال ” عندها حق متنساش أنهم كانوا اصحاب وهي تعرفها اكتر منك …….وبعدين انا لغاية دلوقتي مش عارف انت ازاي قابل على نفسك الوضع ده …..يا ابني اللي تبقى مع راجل وتصاحب عليه واحد تاني دي تبقى مش تمام وتتوقع منها أي حاجة
زفر” طارق “بحنق وكأن حديثه صديقه يرفض ان يخترق عقله وقال بإقتناع تام:
– هي مغصوبة عليه ومش بتحبه وبعدين هي عجباني اوي وهموت عليها
لتحتد سوداويتاه ويضيف بتوعد قاتل عندما تذكر تجاهلها له:
-متقلقش انا هعرف أخليها زي الخاتم في صباعي…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى