روايات

رواية حياة نور الفصل الثالث 3 بقلم سارة أسامة نيل

رواية حياة نور الفصل الثالث 3 بقلم سارة أسامة نيل

رواية حياة نور الجزء الثالث

رواية حياة نور البارت الثالث

رواية حياة نور الحلقة الثالثة

<الفصل الثالث>
انقضت ساعات النهار سريعًا، وحل المساء، وتوشحت السماء بالسواد وهي مازالت حبيسة جُبها، والألآم تتآكلها ببطء لكن قلقها على أولادها سيطر على آلام جسدها.
تقاوم لدأب صدوع روحها؛ حاولت كثيرًا أن تتكيف مع تلك الحياة وتُغيّر زوجها لكن كانت كـ من ينحت في الصخر.
أمُرها لا يُعنيها، كل ما يُعنيها أطفالها فقط، فالأمر لم يعُد يتوقف عليها الآن.
وهُنا تغلبت أمومتها على ضعف حواء بداخلها وهذا هو المُتحتم عليها لتُنقذ أطفالها من هذا الوحل.
وقفت تستند على الحائط المليء بالصدوع والباهت لونه، لـ تصل لخارج المنزل كي تبحث عنهم وتُنقذ ما يمكن إنقاذه.
إلا أنها تفاجأت وهي على عتبة المنزل بدخوله كالإعصار، ووجهه البغيض يملأه الإستياء الدائم، يجُر وراءه “حمزة وحفصة” الغارقون بثيابهم الرَثه المُتسخه.
طالعتهم بألم يجثم فوق قلبها وتلاحقت الدموع من بين جفونها..
جذبهم هذا القاسي بعنف وكأنهم ليسوا من صُلبه وألقاهم نحو “نور” التي فتحت ذراعيها لتلتقفهم بين ثنايا أحضانها عَلها تستطيع محو أي ذكرى سيئة قد حُفرت بعقولهم الصغيرة، خفق قلبها حُزنًا عندما أخذ الأطفال يتشبثون بها بقوة كما يتشبث الغريق بقشه.
نظرت له بأعين مُثقلة بـ أطنان من الغضب، ليبُصق كلماته القاسية بوجهها:-
– إعملي حسابك ده هيحصل كل يوم، خليهم يتعلموا حاجة تنفعهم، أنا مش مخلفهم عشان أصرف عليهم ولا عشان يتعلموا والكلام الفاضي ده..
كل واحد هنا يشتغل بـ ُلقمته..
ما تسمعه أشبه بسُم قاتل يتخلل لـ أذنها فـ يُصيبها بالصمم، ما يقوله هذا الرجل لا يُمثل إلا تلوث سمعي، فحتمًا هذا كابوس مُزعج لن ترضخ له ولن تستطيع القبول به بأي حال من الأحوال.
تركت صغيريها وأسرعت نحوه ساقطة على ركبتيها تحت قدميه، وأخذت تقبل يده برجاء قائلة:-
– أنا بترجاك بلاش كدا، دول عندهم لسه ست سنين وعيالك، أنا مستعدة أشتغل ليل ونهار أخدم في البيوت إللي تحددها وأزرع في الأراضي كمان بس بالله عليك سيبهم يتعلموا ويدخلوا المدارس وأنا مُتكلفه بكل حاجه تلزمهم.
سحب يده بعنف، ودفعها بقدمه لترتمي على الأرض الصلبة بعنف ألامها.
ابتسم إبتسامة شيطانية وهو يُخبرها:-
– إللي أنا عايزه هو إللي هيكون، وزي ما قولتي دول عيالي وأنا حر فيهم …أق.تلهم أضربهم أنا حر … أعمل فيهم ما بدي.
وعلشان ترتاحي شوفي بعينك.
قالها وهو يتوجه إلى الأطفال المنكمشين ببعضهم البعض بخوف وتوجس بعد أن جذب سوطًا بيده…
وبشهامة طفل وبراءة تقدم “حمزه” أمام توأمه “حفصه” ليحميها خلف ظهره.
اعتدلت “نور” بـ وهن سُرعان ما توسعت حدقتيها برعب حينما رأت ما هو عازم عليه، وقبل أن يُلامس السوط أجسادهم كانت ترتمي على أطفالها كـ حصن منيع لئلا يُصيبهم أي أذى.
ابتسم بـ شر وقذارة عندما رأى هذا لـ يزيد من حِدة جلده وانهال عليها بالجلدات المُوجعة دون أدنى شفقة وخوف من الله، وظل على هذا الحال حتى آلامه زراعة غير مبالي بصراخها وتوسلها له، وصرخات أطفاله التي تصم الأذن.
لم تنبس “نور” إلا بجملة واحدة بداخلها الذي تمزق:-
– حسبي الله ونعم الوكيل في كل ظالم ومفتري، ربنا ينتقم من الظالم.
ثم تركهم وذهب دون ان تهتز له شعره.
اعتدلت بألم ونظرت لأطفالها المُختبئين خلفها وأخذت تتفحصم لتعلم ما أصابهم، وتسائلت من بين دموعها:-
– عمل فيكم أيه يا حبايبي، في حاجة بتوجعكم.
وضع كلًا من “حمزه وحفصه” كفيهم على وجنتيها وأخذوا بإزالة دموعها الرطبة
وقال “حمزه” ببراءة:-
– إحنا كويسين يا ماما بس أنتِ متزعليش ولا تعيطي.
قبلته من جبينه بحنان أموي وقالت:-
– أنا كويسة يا حبيب ماما، بس قولولي هو أخدكم وداكم فين؟ وعملتوا أيه؟
قلبت “حفصه” شفتيها لأسفل بحزن، وأخبرتها بصدق:-
– وداني عند واحده شريرة وخلتني أعمل حاجات كتير وأشيل حاجات تقيلة وسخنة أووي يا ماما لغاية إيدي ما تعورت كتير ونزلت دم، وكمان وقفوني في الميا وفضلوا كل شويه يشدوني من هدومي من هنا كدا لغاية ما يخنقوني.
قالت الجملة الأخيرة وهي تُشير إلى ملابسها من الخلف.
أمسكت “نور” كفيها الصغيرتان بتلهف لِـ تشعر بأن أنفاسها قد سُلبت منها عندما رأت كفيها مليئة بالحروق والجروح الدامية التي لا يستطيع بالغ تحمُل حُرقتها، عكفت على تقبيل كفيها بحنان وأسف وبكاء مرير على قلة حيلتها وأردفت:-
– أنا أسفه يا قلب ماما، حقك عليا يا عيوني ياريت كان فيا أنا.
وسحبتها لِـ أحضانها، وأخذت تربت على شعرها وملابسها المُبتله بحنان، لن يجدوه إلا بين ثنايا هذا الصدر الحنون.
تأملت صغيرها “حمزة” والذي لم تختلف حالته عن شقيقته “حفصة”، ملابسه ممزقة مليئة بالغبار وخصلاته ووجهه المُتراكم عليه الأتربة..
جذبته هو الأخر بداخل أحضانها وشددت عليهم بحنان..
بعد قليل…..
كانت قد حممتهم وأبدلت ملابسهم بأخرى نظيفة ثقيلة لتحميهم من شدة البرودة، بعد أن داوت جروحهم وملئت بطونهم الصغيرة.
وقد عزمت “نور” على مغادرة هذا الظلام للأبد، لـ تفر من ظلام الجهل لـ نور العلم.
وحينما دقت الساعة التاسعة وبعدما اشتد الظلام، وسكنت الحركة، وآوى سُكان البلدة إلى فراشهم؛ أخذت بجميع كل ما يتعلق بها وبطفليها من ملابس وأوراق شخصية بحقيبة سوداء، وقررت الرحيل دون رجعة إلى الأبد..
هذا هو الخَيار الأخير، والحل الأمثل…
تحاملت على نفسها وكبتت ألامها لتقف ثابتة شامخة، عازمة على تغيير مجرى حياتهم للأبد
وقالت بقوة افتقداتها منذ سبع سنوات بعد زواجها من هذا المتسلط الجاهل الذي قتل بداخلها كل شيء جميل:-
– خلاص يا نور مفيش حل ألا ده، على الرغم من إن هتحصل مجز’رة وحر’ب بعد ما تمشي من هنا والكلام هيتقال عليكِ بالكوم، بس لو بقيتي هنا يوم واحد كمان حياة عيالك هتتدمر زي ما حياتك إدمرت بالظبط..
لازم تنقذيهم من الوحل ده … لازم تبقى أقوى ومتضعفيش يا نور لأن حمزة وحفصة محتاجينك.
البلد دي سلبت منك كل إللي تملكيه وهتعمل نفس العمل مع ولادك بس على تقيل كمان.
زي ما أمك حاربت علشانك لأخر نفس أنتِ كمان حاربي علشانهم لأخر نفس.
نظرت إلى “حمزة وحفصة” اللذان يناظرونها بتعجب وعدم فهم بعدما رأوها تحزم أمتعتهم.
جلست على عقبيها أمامهم، وأحكمت ملابسم الثقيلة حولهم، نظرت لهم بحنان وقالت بجدية:- – حمزة، حفصة؛ إنتوا دلوقتي كبرتوا، أنا عايزاكم تفهموا إللي هقوله كويس.
إحنا لازم نهرب من هنا، لأن زي ما إنتوا شايفين كدا … هنا مش هتقدروا تتعلموا ولا تعيشوا كويس، وهتتعبوا وتعانوا كتير …. وأنا مش هقدر أحميكم من بطش أبوكم … فلازم نمشي من هنا..
نظر لها الأطفال بفرحة وعدم تصديق، وقال “حمزة” بإيجاب:-
– أيوا إحنا عايزين نمشي من هنا يا ماما.
أيدته حفصة قائلة:-
– وأنا كمان يا ماما، وكدا بابا مش هيضربنا ولا يضريك تاني.
ابتسمت لهم بألم، وأيقنت أن هذا هو القرار الصائب..
٠•☆☆☆☆☆•٠
بعد قليل كانت قد نجحت في الفرار من المنزل _عفوًا_ بل الجُب الذي كانت أسيرته.
شقت طريقها بين طُرقات البلدة، الظلام والسكون يُخيمان على الأرجاء، نسمات الهواء الباردة تصتدم بوجهها لتُشعرها بأنها أخيرًا قد
نالت الحُرية.
أثناء سيرها مرت بِـ شجرة التوت وساقية الماء، نظرت بشوق يُغلفه الحزن، فتلك هي الذكرى الحسنة الوحيدة ببلدتها، هُنا بدأ وانتهى كل شيء.
هُنا رأت “علي” للمرة الأول..
وهُنا فارقته ورأته للمرة الأخيرة..
فَـ هُنا كان مُلتقى القلوب وتآلفها.
أدارت ظهرها، فهذا ماضي وسيبقى ماضي، ولا سبيل لعودته البتة..
شددت على أيدي أطفالها لتُذكر ذاتها بما عليها،
وظعنت حيث طريق اللاعوده…
فماذا سيكون في انتظار نور من مفاجئات..؟!!
٠•☆☆☆☆☆•٠

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حياة نور)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى