روايات

رواية حكايات سنفورة الفصل الخمسون 50 بقلم روان رمضان

رواية حكايات سنفورة الفصل الخمسون 50 بقلم روان رمضان

رواية حكايات سنفورة الجزء الخمسون

رواية حكايات سنفورة البارت الخمسون

رواية حكايات سنفورة الحلقة الخمسون

قطع كل هذا دخول والده وهو يصفعه على وجهه بشدة حتى كاد أن يسقط تحت صدمة الجميع، بينما زين نظر له مصدوماً وكأنه يحاول إستيعاب ما فعله، هل تلقى صفعة من والده؟ أبيه الذي طوال حياته يتخذه صديقاً له ولم يرفع صوته عليه حتى يضربه في أكثر وقت يحتاجه فيه!!،
لقد خذله العالم ومن بينهم كان أبيه الحبيب، الا يكفيه ما به؟ لم تكن مجرد صفعة تلقاها، بل كانت بمثابة درس قاسِ حصل عليه جعله يعود لواقعه مجدداً، واقعه المرير الذي يخلو منها، وكأن كل ما مر به كان حُلماً… وللعجب، فهو ممتن لتلك القسوة الذي جعلته يعود أدراكه من جديد ويسترد ثباته الذي خسره منذ إختفائها واصبح الضعف هو صديقه الوحيد.
أمسكه من ثايبه وهو يتحدث بحدة حاولاً افاقته:
“لو اعرف إنك مش اد الأمانه مكنتش جوزتهالك، اقول اي لخويا اللي مات وسابها أمانه في رقبتي لما اقابله وانا مقدرتش احافظ على بنته ، كنت فاكرك راجل وهتقدر تحميها مش تقعد تعيطلي هنا زي العيال الصغيرة، ياخسارة تربيتي فيك”
بينما الجميع لا يصدق حديثه، فقد ظنوا بأنه سيكون أول الداعمين له، ولكن ما حدث كان العكس، لم يتحدث زين بحرفاً واحداً، احتدت نظراته وهو يضغط على يديه بشدة حتى برزت عروقه،
نظر لوالده قليلاً قبل أن يرحل فكانت نظراته مليئة باللوم والعتاب والخذلان، نعم فهو قد خذله في أكثر وقت يحتاجه فيه، ولكن أيضاً نظرته كانت محملة بالإمتنان!!.
رحل من أمامه دون التحدث بشىء، بينما أقتربت منه زوجته وهي تقول بغضب:
“انت ايه اللي عملته دا، انت معندكش قلب، دا بدل ما تقف جنبه وتقويه وتسانده تعمل فيه كدا، حرررام عليك ياخي”
نظر لها قليلاً وقد شعر بالندم، جلس على المقعد وهو يضع وجهه بكلتا يديه بحزن، اقتربت منه عايدة وهي تضع يدها على كتفه قائلة بهدوء:
“متسمعش لكلامها… اللي عملته دا هو الصح”
ثم تركته ورحلت هي الاخرى تتابع عملها وتنظر امامها وتفكر بشىء ما حتى اتخذت قرارها وهي تخرج هاتفها من جيب بنطالها وقامت بالضغط على آخر رقم هاتفها حتى اتاه رده، لتجيبه وهي تقول بعجالة:
“كفاية لحد كدا، نفذ اللي اتفقنا عليه”
أغلقت معه الهاتف وهي تنظر لنقطة ما أمامها وقد أحتدت نظراتها وهي تقول بوجهِ خالي من التعبير:
“الظاهر البت دي بقت خطر عليك يا زين، أحيانا مصدر قوتك، بيكون هو نفسه مصدر ضعفك… كفاية ضعف لحد كدا وخلينا نشوف قوتك بقى”
اما عن زين جلس في المسجد وهو يستند برأسه على العمود وهو يغمض عيناه وقد توقف عقله عن التفكير، لم يصلي حتى ركعتين تحية المسجد كما تعود دائما، ولم يعد ذلك الشخص البشوش الذي يحبه الجميع، هو حتى لا يعلم ماهذا الضعف الذي حل عليه ولأول مرة بحياته يتوقف عقله عن التفكير ولا يستطيع التصرف بشىء، شعر بمن يجلس جواره وهو يقول:
“هون على نفسك يابني.. أخرتها متر في متر”
نعم صوته بل وجملته الشهيرة أيضاً، فتح عيناه مسرعاً وقد بات يشك بأن هذا الرجل من وحي خياله لا يأتيه إلا حين يشتد به الكرب، رفع نظره له وهو يقول ببسمة حزينة:
“دايما عارف اوقاتك يا شيخ توفيق، مبتجيش الا وانا شايل الهم”
ابتسم له العجوز وهو يفهم ما قد يرمي إليه قائلاً:
“حظي الحلو اسمع مشاكلك اللي مبتحكهاش لحد ياعم زين، ها أحكيلي انا سامعك”
ظهر الحزن على وجهه وهو يقول بألم:
“الدنيا مش عايزاني افرح ياشيخ توفيق، كل ما بقول خلاص هفرح بلاقيني برجع لورا أكتر، وكأن انا والسعادة اعداء ملناش نصيب نتجمع”
توقف يأخذ أنفاسه ثم أكمل وهو يبتلع ريقه بحزن قائلاً:
“لكن تعرف المرادي اي اسوء حاجة، اني لأول مرة في حياتي احس بعدم رضى، مش راضي عن اي حاجة وكاره كل حاجة حواليا وعلشان كدا انا مخنوق وتعبان و.. وضعيف بالشكل دا، انا والله هكون راضي باي حاجة تانية بس مش فيها هي.. الا هي ياشيخ توفيق، حتى.. حتي ساعة ما كانت تعبانة انا كنت راضي بس يكفي انها كانت جنبي ومطمن عليها حتى لو لقدر الله حصلها حاجة برضو كنت هكون مطمن عليها، لكن دلوقتي انا قاعد معرفش عنها اي حاجة وحاسس بالعجز ومش قادر أفكر حتى ولا عارف اعمل اي، معرفش غير إني مش هكون كويس إلا وهي جنبي”
تنهد شيخه وهو يستمع له وقد استشف من حديثه بأمرها، ليقول وهو ينظر له:
“وهو انت فاكر يا زين الاختبار هيجيلك ازاي؟ قدام واحد جاي يقولك علي مسلسل حلو تسمعه ولا أغنية؟ ولا قدام واحدة متعرفهاش جاية تعرض نفسها عليك؟ الاختبار مش هيجيلك في حاجة انت مش بتحبها ولا على هواك ومش بتفكر فيها من الاساس، الاختبار هيجيلك في أكتر حاجة انت بتحبها وهنا بقى بيكون وقت الأبتلاء الحقيقي، بتقول لما كانت تعبانه لو كان حصلها حاجة كنت هتكون مطمن عليها لانها هتكون بين ايدين ربنا، طب ودلوقتي هي مش بين ايدين ربنا برضو؟ كل شىء قدر ومكتوب ودا اختبار ليك وربنا مش هيبتليك بحاجة الا وانت بتحبها، امال هيكون اختبار ازاي؟”
“بس الاختبار المرادي صعب عليا لدرجة مش قادر اتحمل وحاسس اني مش راضي عن اي حاجة”
“مفكرتش لو واحد من اللي انت بتديهم دروس عن الصبر والإيمان سمعك وانت بتقول كدا هيقول اي؟ لما انت مش قادر تعمل بكلامك عايز الناس تقتنع بيه وتعمله ازاي؟ الأختبار اللي بيكون عبارة عن بلاء لازم يكون صعب واوي كمان، وكل ما ربنا بيحبك كل ما الابتلاء بيذيد، والا مكنش اشد الناس ابتلاءاً كانوا الأنبياء، والرسول اشرف الخلق اللي حياته كلها كانت ابتلاءات، كل ما هتلتزم وتقرب من ربنا كل ما ابتلاءاتك هتذيد طالما نويت تدخل الجنة يبقى لازم تتعب علشانها وإلا لمبقاش فيه جنة ونار،
مش لازم ربنا يختبرك برضو، مش يمكن انت بتعمل كدا رياء او علشان حبيت جو الالتزام؟”
رفع نظره له بصدمة وهو يهز رأسه، هل يعقل بأن يكون كل ما فعله كان رياءاً؟ بالتاكيد لا، ويلك يازين، انتفض قلبه برعب مجرد سماع تلك الكلمة، تابع شيخه مجدداً بعدما رأى تعابير وجهه وقد توصل لما يريد وهو يهتف:
“استغربت ليه؟ مش كلنا معرضين للرياء، مش يمكن انا كمان اللي بعمله دا رياء؟ هتعرف إنك ملتزم يا زين التزام حقيقي ولا لا مش بصلاتك وصيامك لا، دا بصبرك على الابتلاءات لإن دا هو الجهاد الحقيقي وخليك عارف إن الابتلاء مش هيكون غير في أكتر حاجة انت متعلق بيها، لازم تصبر وتكون راضي كمان من قلبك حتى لو جواك حزين، لكن مدرك تماماً إن دا الخير ليك وإنك راضي بيه مهما تكون النتيجة”
انتهى الشيخ من حديثه لتكون تلك ثاني صفعة يتلقاها اليوم، نعم هي أكبر إختبار بالنسبة له ولكنه فشل به ولم ينجح وقد استسلم لمصيره، ليسأله وهو يبتلع ريقة قائلاً:
“بس انا مكنتش راضي وكنت ناقم من جوايا على اللي حصل، كدا انا فشلت في الإختبار؟”
هز رأسه نافياً وهو ينظر في عينيه قائلاً:
“لأ.. لسه معاك وقت وانت لسه في الإختبار، استغفر ربنا وجدد توبتك ورضاك بأي حال هتكون عليه وكل حاجة هتحصل معاك انت راضي عنها، ربنا لو مبيحبكش يازين مكنش بعتني ليك في الوقت دا تحديداً علشان أقولك الكلام دا”
(عايزة اقولكم حاجة بما إن اغلبنا عنده مشاكل وابتلاءات كتير، اى حد بيقرأ الكلام دا يعرف إن ربنا بيحبه، وإلا ربنا مكنش سخرني ليكم مخصوص علشان اقولكم الكلام دا او يلهمني بيه، علشان الكلام دا مش شطارة مني خالص بل هو توفيق من ربنا سبحانه وتعالى)
“قوم يا زين، أقبل على ربنا بقلب جديد بكل رضى وحب وانت هترتاح، قوم ادعي ربنا وارجع لصدقاتك وصلاتك، أكتر وقت هتدعي فيه ربنا من قلبك مش في رمضان ولا القيام ولا حتي وانت قدام الكعبة، بل أكتر وقت هتدعي فيه ربنا من قلبك هو وقت المصائب والشدائد علشان انت أكتر وقت محتاج فيه للدعاء وفي أشد الحاجة ليه”
أومأ له بهدوء ثم قام من مكانه بعدما ودعه وصلي ركعتين توبة أولاً وجلس يقرا قرءان وقد شحن نفسه وعادت له طاقته المليئة بالإيمان والصبر، عادت شخصيته الصبورة والراضية، تذكر حديثها عندما كانا فوق السطوح وعلمت بأمر الصورة التي يضعها بغرفته وكلامها يردد بآذنه:
“دا مش مبرر ليك يا زين يخليك تغضب ربنا علشان حد حتى لو كان الحد دا انا، عصيت الخالق لأجل مخلوق؟
مش يمكن كان ربنا قبض روحي في اي لحظة؟ مهما بلغ حُبك ليا يا زين… أوعى تعصي ربنا علشاني أو علشان اي حد مهما كان”
لاحت منه ابتسامة خافته وهو يتذكرها، يتذكر كل تفصيلة بها ومواقفهما معاً، حينما كان يشاكسها وحينما يخجلها، تذكر يوم شفائها وركضهم سوياً في الطريق بين السيارات، تذكر عندما رآهم والده في منزله، وأيضاً يوم رآها بغرفته عندما كانت تدور حول نفسها بثيابها الفضفاضة لأول مرة،
أختفت بسمته وهو يتذكر آخر لقاء بينهما وهو يغمض عيناه بألم حين صرخ بها وابكائها، لقد اشتاق لها بشدة، لم يكن ليتخيل بأن حياته دونها ستصبح مملة هكذا، يفتقد طيفها في المكان وضحكاتها التي تسعده وخجلها عندما يشاكسها متعمداً احراجها.
ذهب منزله مجدداً ثم أول شىء فعله أخذ حماماً سريعاً وهو يرخي اعصابه قليلاً كي يستطيع التفكير بهدوء وقد استودعها عند الله وقد هدئ كثيراً عن ذي قبل وهو يطمئن نفسه بأنها مازالت بخير وسوف تعود له من جديد.
خرج بعدما انتهى وقد عاد له ثباته من جديد وعادت شخصيته القوية مجدداً واستعاد صبره بطريقة أدهشت الجميع من التغيير الذي طرأ عليه فجأه بعدما شاهدوا لحظات انهياره لأول مرة ولكنه لم يهتم، بل عقله أصبح يعمل بشكل جيد كي يستطيع ايجادها.
وجد من يقترب منه، رفع نظره ليجد أبيه يقف أمامه ليطرق رأسه أرضاً ثم هم ليرحل ولكن أوقفه صوته وهو يهتف:
“زين”
توقف عن السير وهو يستدير له ولكنه مازال ينظر أسفل، ليقترب منه وهو يقول بحنين:
“طول عمرى بعتبرك صاحبي وحبيبي مش بس ابني، في الغالب الابن اللي بيستمد القوة من ابوه، بس للاسف دا محصلش معايا وانا طول عمرى اللي بستمد القوة منك وبتعلم منك الصبر كمان وعمرى ما شوفتك ضعيف او حزين بالعكس، كل حاجة بتحصل معاك بلاقيك راضي وصبور وقوي ومفيش حاجة بتهزك لحد النهاردة، لأول مرة في حياتي احس بالعجز والإنكسار وانا شايفك بتضعف قدامي ومستسلم ومش قادر أعملك حاجة، مكنتش مستحمل اني اشوفك كدا وكنت عايزك ترجع قوي زي ما اتعودت أشوفك دايما”
توقف عن الحديث وهو يشاور على يده ثم أكمل بنبرة أخنتقت بالدموع:
“ياريتها كانت انشلت يا زين قبل ما تتمد عليك”
رفع نظره أخيراً وهو يقترب منه ويقول بلهفة:
“بعد الشر يابابا متقولش كدا، انا مش زعلان منك بالعكس، القلم دا هو اللي فوقني، انا..انا كنت حاسس كأني كنت غايب عن الواقع او بحلم حلم وهصحى منه وكنت محتاج اللي يفوقني واللي عملته دا هو اللي فوقني ”
توقف عن الحديث وهو يبتلع ريقه ثم تابع ببسمة ممزوجة بألم قائلاً:
” انا استودعتها عند ربنا، وواثق انها بخير وهترجعلي تاني”
اقترب منه والده ثم أحتضنه وهو يربت على كتفه قائلا بحزن وألم:
“هترجع..إن شاء الله هترجع بخير
🌸( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )🌸
وقف في الظلام وهو يرى شخصاً ما يعطيه ظهره ولا يظهر منه شىء، حاول ليث رؤية وجهه ولكنه فشل، فهو يشعر بأن هذا الشخص يعرفه، ولكنه لا يعلم من هو بعد.
اقترب منه هذا الشاب والذي لم تتبين ملامحه بعد ثم قام بلكمه فجأة من دون سابق إنذار، ليشعر ليث بالغضب الشديد منه، هم ليسدد له نفس الضربة ولكنه فشل، شىء ما داخله لا يعمله يمنعه من فعل ذلك.
قام الشاب بضربه مرة أخرى هنا وقد ذاد غضبه وقد فك حصاره وظل يحاول ضربه حتى استطاع وهو يلكمه بشدة، ولكنه شعر بالندم ولم يكن عليه فعل ذلك، ومازال لا يدرى سبب هذا الشعور.
أبتعد عنه الشاب ثم وقف مكانه مرة أخرى وقد تبينت ملامحه، نظر له ليث بصدمة ولا يصدق كيف يكون أمامه وهو من المفترض أنه ميت!! هل عاد ياسر من الموت أم هو يحلم؟، تحدث بلهفة وقد نسي ما فعله منذ قليل وهو يهتف:
“ياسر.. انت رجعت، ماما وبابا هيفرحوا اووي، تعالي يلا معايا علشان يشوفوك”
كان يتحدث بفرحة ولهفة وحديثه غير مرتب، حاول ليث التقدم منه ولكنه لم يستطع، وكأن أحداً ما يكبل حركته ولكنه لم يهتم وهو يكمل حديثه بسعادة قائلاً:
“انا فرحان اووي يا ياسر علشان شوفتك ورجعت تاني، واخيراً هنكون مع بعض ونتجمع كلنا من تاني”
كان ياسر يقف ثابتاً وهو يسمع حديثه بوجه خالي من التعبير، ليتحدث أخيراً وهو يهتف:
“مبقاش ينفع يا ليث، انا مكاني مش وسطكم، سلملي على ماما وقولها إني بحبها اووي، و.. وقول لبابا إني كان نفسي أقعد معاه وانت كمان ياليث.. كان.. كان نفسي أحضنك على الأقل”
هز ليث رأسه يرفض ما يقول وهو يهتف:
“تعالى معايا وقولهم انت بنفسك، هم هيفرحوا بيك اووي وانا وانت هنكون صحاب ومع بعض على طول”
نظر له بحزن وقد سقطت دمعة من عينيه وهو يهتف:
“الوقت اتأخر، وانا لازم امشي… قول لحور تسامحيني ياليث، انا أذيتها كتير… رغم إني مستحقش تسامحيني، بس انا طمعان في عفوها”
تراجع للوراء قليلا وليث يحاول الإقتراب منه وهو ينادي بأسمه كي لا يرحل ولكنه تبخر فجأة في الهواء ولم يعد له أثر، بينما هو كاد أن يجن وهو يحاول إيجاده ولكنه فشل.
“لييث… يالييث”
نادتهك حور وهي تهزه في محاولة لإفاقته وهي تراه يتململ في الفراش وملامحه متهجمة ويهذى بحديث غير مفهوم، استيقظ من نومه بفزع وجبينه متعرق بشدة ويحاول أخذ أنفاسه بصعوبة، بينما هي راقبت تعابير وجهه بقلق وهى ترى الشحوب بادي عليه، تحسست وجهه وهي تهتف بقلق:
“ليث.. انت كويس؟”
ظل ينهج بشدة كما لو كان يجرى منذ زمن وهو يقول من بين أنفاسه:
“انا خايف… خايف اووي ياحور:
نظرت له بجهل وهي تحاول فهم حديثه ولا تدرى ما به، أمسكت يده برفق وهي تهتف بترو:
“خايف من اي؟”
هز رأسه بالنفي ثم ابتلع ريقه وهو يقول:
“مش عارف…بس انا خايف و.. وحاسس إني مش كويس”
ورغم أنها لا تفهم ما به ولكنه اقتربت منه أكثر ثم وضعت رأسه على صدرها وهي تضمه إليها بحنان كما تضم الأم صغيرها وأخذت تمسح على شعره برفق تحاول بث الأمان داخله وكأنها تخبره بأنه ليس وحيداً وهي معه، ظلت تقرأ عليه بعض آيات الله وقد ظنت بأنه رأى كابوساً، هي حتى لم تسأله عن السبب، ولكنها أرادت طمأنته فحسب.
هدئ قليلاً وقد شعر بالتحسن وأنتظمت أنفاسه، خرج من أحضانها وهي ينظر لها بإمتنان لتبادله النظرة ببسمة وهي تقول:
“بقيت أحسن دلوقتي؟”
أومأ لها ولا يوجد كلام يوفي إمتنانه لها، ليقول بصدق:
“شكراً يا حور.. شكراً جداً ليكي”
نظرت له بضيق زائف وهي تقول:
“اي شكراً دي، فيه حد يشكر مراته برضو؟ وبعدين انا اصلا مبحبش الشكر الناشف دا”
نظر لها قليلاً بإستفهام وقد ذهب عقله لشىء آخر ليسألها وهو يضيق جفونه:
“امال عايزاه بأية؟”
“توديني على عربية كبدة وتسيبني عليها”
طالعها بذهول ما لبث حتى ضحك عليها وهو يقول:
“انتِ مش طبيعبة يا حور، قال وانا اللي دماغي راحت بعيد”
نظرت له بشك وهي تقول:
“دماغك راحت فين؟”
“لا متاخديش في بالك لما تكبري هبقى أقولك”
صمت قليلاً ينظر لها تحت تعجبها ليكمل مرة أخرى وهو يدخل أكبر قدر من الهواء داخل رأته قائلاً:
“حور انتِ سامحتي ياسر؟”
لقد بدات الخيوط تترابط أمامها الآن، هو كان يحُلم بأخيه اذا، لم تجيبه وهي تفكر بالسؤال، هل هى سامحته بالفعل؟
لا تدرى ولكنها عانت بشدة بسببه، لقد ارهبها هو وحامد وكانا مصدر خوف لها وبالتحديد ياسر، فهو يطاردها منذ زمن ودائماً كان يبث الرعب داخلها كلما راته، فهي لا حول لها ولا قوة من بطشة، لذا كان من الصعب عليها مسامحته بسهولة.
“انا اتأذيت كتير منه يا ليث، صدقني كان صعب عليا أقدر اسامحه بعد اللي عمله معايا وقتها لانه مكنش سهل كل اللي اتعرضتله بسببه، وبعدها حاولت مفكرش فيه، لكن الزمن كفيل إنه يغير الإنسان ومشاعره تهدى كمان من ناحية اللي اذاه، يعني انا دلوقتي مش زي وقت ما كان عايش وبيأذيني، علشان كدا انا هسامحه لأنه بقى بين ايدين ربنا”
وأخيراً تنهد براحة وقد علم سبب زيارة أخيه له، ابتسم بألم وهو يتذكر تفاصيل حلمه الجميل الذي جمعه به، ليته استطاع ضمه ليشبع شوقه منه، ليته ظل يحلم به وقتاً أكبر، مشاعر عديدة داخله ويشعر أنه مضطر، وحين لاحظت حور تعابير وجهه سألته مجدداً قائلة:
“مالك يا ليث؟”
“كان نفسي أحضنه ولو لمرة واحدة ياحور، ك.. كان قدامي طول المدة دي وانا معرفش إنه اخويا!!، كان نفسي اقوله اني طول عمري كان نفسي يبقى ليا اخ، ويوم ما يبقى ليا اخسره؟ انا قلبي وجعني اووي”
نظرت له بحزن شديد وهي تعلم ما يشعر به جيداً، فهي يومياً تبكي على اخيها ووالداتها لوحدها، ولكن على الأقل هي شبعت من حنانها ولو قليلاً، على عكسه هو.
وضعت يدها على قلبه وهي تقول:
“ربنا يبعد عنك اي حزن ووجع يا ليث، هو في مكان احسن مننا إن شاء الله، محتاج إننا ندعيله بس وإن شاء الله تجتمع معاه في الجنه”
وقفت من مكانها ثم أمسكت يده وأكلمت حديثها:
“قوم نصلي ركعتين قيام وندعيله بالرحمة، وبكره نروح نطلع صدقات على روحه”
ابتسم برضى داخلي وهو يطالعها، نعم هي أكبر نعمة حصل عليها ولو ظل يحلم طوال حياته لم يتصور بأنها سيحصل عليها بالنهاية، فالإنسان لا يُحرم من كل شىء ودائما يأتي عوض الله افضل مما نتخيل.
توضأ هو الآخر ثم شرعوا في الصلاة وظل يدعو لأخيه بالرحمة وأيضاً يحمد الله على نعمة وجودها وأن يديمها الله له حتى انتهوا، بينما حور كانت تشعر بالسعادة الشديدة وكم تمنت أن تصلي خلف زوجها في جوف الليل.
“ودلوقتي يلا علشان تأكلني كبدة”
نظر لها بصدمة، كيف سيذهبا في هذا الوقت، ليقول بدهشة:
“دلوقتي؟”
وضعت يدها أمام صدرها وهي تقول بعناد:
“ايوه دلوقتي، ومليش دعوة انت وعدتني”
طالعها قليلاً وأمام نظراتها المترجية لم يستطع الرفض، ليقول بقلة حيلة:
“يلا وأمرى لله روحي البسي يلا”
تهللت اساور وجهها بفرحة، بينما هو هم ليرتدي ثايبه وهو يعطيها ظهره تزامناً مع أحتضانها له من الخلف وهي تقول بصدق:
“انا بحبك اووي يا ليث”
استدار لها بصدمة وهو لا يصدق ما سمعه وقد شعر بالصدق من نبرتها، هي تحبه كما يفعل، لا لن تكون مثله ولكن لا يهم، يكفي فقط أنها تبادله ولو بعض المشاعر، ليكون أسعد شخص وقد تناسى حزنه وكل شىء وهو يقول بصدمة:
“قولتي اي؟” ”
“لأ هي بتتقال مرة واحدة بس”
نظر لها بغيظ ومن داخله يشعر بالسعادة وهو يهتف:
“طب مفيش خروج بقى”
🌸سبحان الله وبحمده… سبحان الله العظيم🌸
“الكبدة دي طعمها حلو اوي يا ليث، قولتلي كبدة اي؟”
تحدثت حور وهي تجلس جواره بالسيارة بعدما جلب لهم ليث الكثير من “سندوتشات الكبدة” وهي تأكل بنهم كما يفعل هو الآخر ويتلذذ بطعمها متناساً كم كان يكره طعام الشوارع ومن المستحيل أن يأكل منه، الآن يجلس جوارها وهو يأكل ومستمتعاً بذلك ايضا، ليقول بهدوء وهو مازال يأكل:
“على حسب، لو هوهوتي بعدها تبقى كبدة كلابي، اما لو نهقتي تبقى كبدة حميرى”
تعالت ضحكاتها بشدة وهي تتذكر كلماته عندما سألها اول مره عن نوع الكبدة الذي يتناولها لتجيبه بنفس الأجابة، بينما هو شرد في ضحكتها قليلاً ثم تحدث بترو:
“تعرفي يا حور، ربنا لما بيبتلي حد بحاجة بيرزقه بحاجة تانية اضعاف اللي اتحرم منها، بسأل نفسي لو مكنتش قابلتك وخدتي بأيدي كان زماني عامل ازاي دلوقتي؟ انا دلوقتي بس اتأكدت إن ربنا بيحبني علشان رزقني بحورية زيك تاخد بأيدي للجنة ومسبنيش غارق في الدنيا لحد ما اموت وانا مش عارف انا عايش ليه حتى، انا مبسوط اوي ياحور لمجرد اني حاسس ان ربنا بيحبني، علشان لو مش بيحبني مكنش بعتك ليا، علشان واحدة زيك نعمة في حياه اي حد”
صمت قليلاً ثم أستدار بجسده نحوه وهو يقول بتسآل وحزن:
“بس تفتكرى انا استحق حب ربنا ياحور وانا وحش كدا؟،
أمسكت يده برفق ثم قبلتها وهي تنظر له ببسمة قائلة:
” انت مش وحش يا ليث بالعكس، دا انت احن زوج في الدنيا، بقي فيه واحل ينزل مراته في نص الليل علشان بس قالتله عايزة تاكل كبده للعلم اني كنت بهزر اصلا، وكمان احن ابن في الدنيا، كل الحكاية بس إن الدنيا جات عليك شوية وانت استسلمتلها بس بعدين عرفت غلطك وقررت تتغير وتصلح دا مش كدا؟”
هز رأسه يؤكد لها وهو يبتسم، بينما هي أرادت أن تجعله يثق بنفسه مجدداً وهي تهتف:
“تعرف لما اتقدمتلي ساعتها كنت رفضاك نهائي ومش مواقفة عليك علشان كنت شايفك بعيد ومتناسبنيش، بابا وقتها قالي إن ممكن انت تكون الخير ليا عن الشخص اللي انا حاطه مواصفاته في دماغي ومش هقبل بأقل من كدا، ربنا اللي هيئلي كل الاسباب تحصل علشان نتزوج، ورغم إني مكنتش شايفك مناسب ولو بواحد في المية إلا إني صليت استخارة ودعيت ربنا إنك لو خير يقربك مني ولو شر يبعدك عني وعلشان كدا لما اتجوزنا بقيت متيقنة إنك هتكون الخير ليا”
توسعت بسمته وهو يسألها قائلاً:
“وطلعت فعلاً الخير ليكي؟”
غمزت له بطرف عيناها وهي تجيبه بمشاكسة:
“طلعت أحلى خير كمان”
🌸قد يتوب الفاجر، وينْتكسُ الصّالح
فلا تغتر بنفسك نسأل الله السلامة والثبات على الحق🌸
“عمرك عملتي عمل صالح ياروان خالص لوجه الله لو وقعتي في مشكلة ينجيكي منها؟”
سألها زين وهو جالس جوارها بينما هي تتكأ عليه، رفعت رأسها نحوه بإستفهام ولم تفهم حديثه، ليكمل كلامه مرة أخرى موضحاً لها قائلاً:
“مسمعتيش عن قصة أصحاب الصخرة؟”
هزت رأسها له بالنفي، ابتسم بهدوء وهو يقص عليها أمرهم هاتفاً:
“دول بقى ياستي كانوا تلاتة مع بعض في نفس المكان واتقفل عليهم صخرة في غار وهم ميعرفوش بعض، طبعا حاولوا يشيلوا الصخرة باي شكل من الأشكال مقدروش لحد ما يأسوا منها وعرفوا إنهم مستحيل يعرفوا يشيلوها لو فضلوا عمرهم كله يزيحو فيها، لحد ما واحد منهم قال يدعوا ربنا بعمل هم عملوه وكان خالص لله.
فضلوا يفكروا لحد ما واحد منهم قال إنه كان ليه ابوين كبيرين وهو كان كل يوم وهو راجع بعد ما يجيب اللبن لازم يعدي يسقيهم هم الاول وبعدين يروح يسقي زوجته وعياله، في مرة أتاخر وراحلهم لقيهم ناموا خشى إنه يصحيهم بعد ما ناموا، مرضيش يروح وفضل قاعد لحد ما الفجر أذن وعياله حواليه جعانين بس هو كان عمال يصبرهم لما يسقي أهله الاول وفعلا فضل سهران جنبهم لحد ما الفجر أذن وسقاهم وبعدين ادى لعياله، رفع أيده ودعى ربنا لو كان العمل دا خالص لوجهه الكريم الصخرة تنزاح وبالفعل الصخرة انزاحت شويه ودخلتلهم نور بس يقدروا يشوفوا بيه،والمطرة كانت بتمطر حاولوا إنهم يمدوا أيدهم يجيبوا ميه يشربوا بيها لكن مقدروش لحد ما قالوا انها مش هتنزاح غير بنفس الطريقة اللي انزاحت بيها أول مرة.
واحد تاني منهم فضل يفكر لحد ما حكى إنه كان تاجر معروف ومرة كان شغال عنده ناس وواحد منهم مشي قبل ما ياخد أجرته، فهو شاله فلوسه على جنب لحد ما يرجع بس الراجل مرجعش، جه عليه وقت مكنش معاه فلوس وافلس وجه قدامه تجاره بالمبلغ بتاع الراجل بس خايف ياخد منه، زوجته قالتله ياخده ولما الراجل يرجع هيكون وقتها بقى معاه فلوس ويبقى يدهاله، وبالفعل وافق وكبر تجارته وبقى عنده ثروة كبيرة من الماشية وبعد سنين رجع الراجل وطلب منه فلوسه، قاله إن كل اللي قدامه دا من فلوسه وياخد اللي هو عايزه والراجل أخدهم كلهم، هنا دعى ربنا لو كان العمل دا خالص لله الصخرة تنزاح وبالفعل الصخرة انزاحت أكتر،
لدرجة مدوا اديهم وقدروا يشربوا من المطرة اللي كانت نازلة بس لسه مش عارفين يخرجوا.
بصوا للراجل التالت اللي معاهم واللي كان رافض إنه يتكلم بس هم أصروا عليه لحد ما اتكلم وبدا يحكي، الراجل دا كان ليه بنت عمه وهو كان غني ومعاه فلوس وكان بيحبها حب شديد، او يقال بيحبها كما يحب الرجل النساء واكتر من مرة كان بيحاول إنه يختلى بيها بس هي كانت بتمنعه، لحد ما في مرة كانت في أشد الحاجة للمال ولجأت ليه، كانت محتاجة مبلغ كبير وساعتها هو استغلها وقالها هيديها مقابل إنها تمتعه بيها، ولإنها مكنش قدامها حل واقفت، بعد ما خلاص اختلى بيها ويقال انها كانت معاه على الفراش وقبل ما يهم بيها قالتله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحق، ساعتها تركها فعلا واداها الفلوس وسابها، هنا دعى ربنا لو كان العمل دا خالص لله ينجيهم من اللي هم فيه وبالفعل الصخرة انزاحت خالص وقدروا إنهم يخرجوا واللي خرجهم كان قوة عملهم الصالح، علشان كدا كلنا لازم يكون عندنا عمل صالح بينا وبين نفسنا عملناه لوجه الله يكون قوى لدرجة إننا لو كنا مكانهم كنا قدرنا خرجنا أو لو اتحطينا في موقف زيهم ”
أستيقظت من غفوتها وهي تمسك رأسها بألم وتنظر حولها بتعجب لتجد نفسها مازالت بمكانها، كيف رأته اذا؟، لا تدرى أكان حلما ام أن زين قص عليها هذه القصة من قبل، كل ما تعلمه أنها تتذكر كل كلمة تحدث بها، ابتسمت بحنين له، فحتى وهي بعيدة عنه لم يتركها بل اتاها بحلمها وكانه يخبره بأنه معها حتى ولو لم يكونوا بنفس المكان، شعرت بالقوة والأمان حتى باتت تشم رائحته بالمكان او هذا ما يُخيل إليها.
زينها الحبيب والتي أشتاقت له بشدة، ترى ما حالته الآن وهاهو اليوم الثالث لها في هذا المكان الموحش والتي قد بدأت ان تستسلم وتشعر بالخوف وتهتز عزيمتها ولكنه آتاها أولاً ليعيد لها شجاعتها مجدداً، أرجعت ظهرها للوراء وأسندت رأسها على الحائط ومازالت يديها تلتف حولها الحبال وهي تتذكر منذ أن أختطفها في هذا اليوم عندما تركت زين وغادرت وقبل أن تصل لسيارته وجدت من يجذبها ويكمكم فمها بسرع البرق ثم بعدها غابت عن الوعي لتستيقظ وتجد نفسها هنا ولا تعلم من اتى بها إلى هنا.
وجدت الباب يُفتح ويدخل هو بخطوات متمهلة نحوها لتتوسع عيناها بصدمة وهي تهتف:
“عمرو!!”
بينما هو اقترب منها وهو يبتسم بخبث قائلاً:
“اى رأيك في المفجأة، حلوة صح؟”
ظلت تنظر له قليلاً وهي تأخذ أنفاسها ولم تتخيله أبداً
بينما هو ظل يتأملها ويراقب ملامحها المندهشة منه، ليقول:
“تؤتؤ، مش عايزك تخافي مني لأ”
بينما هي نظرت له ببرود وأردفت بقوة لم تعدها من قبل وللعجيب أدهشتها هي أكثر منه هاتفة:
“ومين قالك إني خايفة؟ انت آخر واحد ممكن اخاف منه ياعمرو، مش هنكر اول مرة لما خطفتني خوفت، لكن المرادي مش خايفة منك”
ورغم تعجبه من حديثها إلا أن ملامح الإستهزاء كانت بادية على وجهه بشدة، ليسألها بتهكم:
“امم هو لحق يقويكي في اليومين دول يعني”
هزت رأسها بالنفي ثم ابتسمت تزامناً مع قولها بقوة:
“مش هو اللي قواني لأ، صلاتي وقرآني هم اللي خلوني قوية ومخفش من واحد زيك، انا قوية بثقي بربنا وانا خارجة النهاردة مصلية الفجر وقارئه اذكارى، اخاف ليه بقى”
“بس أخرسي”
قام بصفعها على وجهها حتى أدميت شفتيها من اثر الصفعة، بينما هو شعر بالخوف الشديد من حديثها وكأنه أخيراً تذكر أن هناك جنة ونار، لم يتحمل حديثها ليصفعها بغضب وكأنه يحاول تهدئه ذاته، تركها وغادر وهو يشتعل بشدة، بينما هي اغمضت عيونها بألم وهي تحمد الله وتدعوه أن ينجيها من بطشه،
استفاقت من ذكرياتها وهي تمسح دموعها، فقد مر يومان ولم تراه بيهما، فقد يأتي من يضع لها الطعام ويرحل، بينما لسانها لم يتوقف عن الذكر والإستغفار، سمعت صوت خطوات تقترب منهما والتي خمنت بأنه هو، ولم يخيب ظنها وهي تراه أمامها ولكنها شعرت بالخوف الجدي هذه المرة، فملامحه لا تبشر بالخير إطلاقاً.
🌸اللهم صل على محمد🌸
كان زين يجلس أمام حاسوبه يسمع الفديو مراراً وتكراراً عله يلاحظ شىء يفيده وهو يصوب عيناه كالصقر وملامح وجهه خالية من التعبير، بينما الشباب يجلسون حوله بعدما عملوا بأمر اخطافها وقد أتوا ليقفوا بجانبه في محاوله لمساعدته في إيجادها، تحدث ليث وهو يقول:
“انا كلمت ظابط كبير ومعروف وفي اقل من اربعة وعشرين ساعه هيعرفنا مكانها وكمان كلمت المدرية يكثفوا البحث ولو ملقنهاش هقلبلهم الدنيا هناك”
أومأ له زين بهدوء وهو يعود بنظراته نحو الفديو مجدداً بينما يجلس بالقرب منه كلاً أحمد ويونس الذان يتابعان بصمت، اما عمر مازال يشعر بالغضب وداخله يشعر بالالم والحزن وهو لا يعلم أين يجدها، لينفزع الجميع عندما هب زين واقفاً بفرحة ولهفة وهو يقول:
“هي ازاي راحت عن بالي دي”
نظر له الجميع بجهل ودهشة، ليكمل حديثه موضحاً:
“السلسة، انا.. انا كنت مديها سلسله علشان اتبع مكانها لو حصلها حاجة مش عارف نسيت ازاي”
هب الشباب جميعهم وهم يقتربون منه وليث يقول:
“طب يلا بسرعه مفيش وقت وهنتبع مكانها في الطريق”
خرج من الغرفه تزامناً مع الوقت الذي وقفت به عايدة وهي تنتفض وتصرخ بمن تحادثه على الهاتف دون أن تنتبه له قائله:
“ازاي تسيبه يقرب منها ياحيوو’اان امال انت بتعمل اييه”
نظر له زين يتعجب يحاول أن يستوعب على من تتحدث حتى توسعت عيناه بصدمة وهو يقترب منها قائلاً بلهفة:
“روان انتِ عرفتي مكانها، مالها حصلها اي، حد عملها حاجة”
كان يشعر بالخوف والتشتت ولكنه انتبه فجأة وهو يهتف:
“لحظه كدا، هو انتِ كنتى عارفه مكانها يا عايدة؟”
ظهر التوتر على ملامحها وهي تقول بعجاله محاوله تغير الموضوع قائلاً:
“مش وقته كلام يا زين، المهم نلحقها دلوقتي”
أوما لها وقبل أن يرحل نظر لها قليلاً ثم قال بنظره مميتة وهو يردف:
“لو اللي في دماغي صح يا عايدة هيكون مقابله صداقتنا كلها… إلا روان يا عايدة، إلا هي”
تركها وسار وهو ينظر أمامه بجمود ولحقه الشباب.
وقبل قليل كانت هي جالسه تفكر فيما سيحدث معها ليدخل عمرو مجدداً وملامحه لا تبشر بالخير ابداً وما إن رأت هيئته حتى شعرت بالخوف الحقيقي هذه المره ولا تعلم لمَ، ولكن يبدو أنه لا ينوى لها الخير، اقترب منها ثم جلس أمامها ومازالت يديها مكبله
ليقول بغضب:
“سيبتك كتير تاخدي وقتك وتكوني قدرتي تاخدي على المكان، المره اللي فاتت هو لحقك، بس المرادي هو مش هيلحقك، هو جاي في الطريق دلوقتي وكمان فيه حراسة على المكان، بس انا برضو عامل حسابي وسابقهم بخطوه”
وما إن انهى حديثه حتى جذبها بقوة ثم أخرجها من المكان وهي تحاول أن تقاومه ولكنه كان أقوى منها ليجعلها تسير معه عنوة وقد ابتعد عن المكان وهي تبكي بألم، ولكنه لم ينسى أن ينزع لها تلك السلسلة التى ترتديها، لينقطع هنا آخر أمل في أن يجدها زين وهو يذهب بها إلى مكان لا يعلمه أحد!!.
كان زين يسير بسرعة جنونيه وهو يتبع مكان وجودها حتى وجودها تتحرك من مكانها وهو ما اشعره بالخوف حتى توقفت مرة أخرى، ليقول عمر برعب:
“معقول يكون عرف بالسلسله؟”
وما إن انهى حديثه حتى رن هاتف عايدة لتجيبه ولكن ثوانِ معدودة لتصرخ لمن تحادثه بغضب:
“ازاي قدر يهرب منكم يا شويه****”
أغلقت معه وقد شعرت بالرعب الحقيقي هذة المره، لقد خرج الأمر عن سيطرتها دون أن تدرى!.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حكايات سنفورة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى