روايات

رواية حب بين نارين الفصل الثالث عشر 13 بقلم نورهان ناصر

رواية حب بين نارين الفصل الثالث عشر 13 بقلم نورهان ناصر

رواية حب بين نارين الجزء الثالث عشر

رواية حب بين نارين البارت الثالث عشر

رواية حب بين نارين الحلقة الثالثة عشر

تسارعت دقات قلبه ، عندما وصل إلى مسامعه صوت صُـراخها يصحبهُ بُـكائها بصوت مُـرتفع ، ركض مراد صوب غرفتها وفتح الباب سريعًا وعندما دلف إلى الداخل صُـعق بـما رأى، حيث كانت لميس تقف في زاوية الغرفة تجهش في بُكاءٍ مرير وشخصٍ ما يقف بعيدًا عنها يحاول تهدئتها وهو يرفع يديه للأعلى مُـستـسلمًا ، كانت الغرفة تغط في ظلامٍ دامس لم يتبين مراد هيئته ولكن نحيب زوجته وبـُكائها الذي يتردد صداه في أُذُنهِ كان كفيلًا ليتبين حالة الزُعر التي إجتاحتها ، على الفور تقدم مراد في إتجاههِ وقبل أن ينطق الأخير بكلمة ، سدد مراد له لـكمة قوية أطاحت به أرضًا فصرخت لميس بشدة :
_ أنت واحد حـقـير !!
رفع مراد رأسه ونظر لها وهو مُـتسع العينين أنعتته بالحقـيـر توا أم أنه يتخيل ؟ ، وقبل أن يرد مراد عليها ، تأوه ذاك المجثي أرضًا وصدر منه همهمه خافته وهو يقول:
_ يخربيت إيدك في إيه يا مراد ؟؟
نظر له مراد بدهشة:
_ رامي !!
نهض رامي بتعب وهو يمسح جانب فمه أثر لـكمة مراد القوية وهو يقول بضجر:
_ أيوة أنا زفت رامي .
قبل أن يكمل حديثه صاحت لميس بغضب شديد وهي تقول :
_ إطلعوا برة !!
حاول مراد أن يهدأ من روعها لكي يفهم ما حدث ولكن صـُراخها جعله يتراجع وسحب معه صديقه خارج الغرفة ، فتهاوت لميس أرضًا وهي تضم ركبتيها إلى صدرها وتبكي بشدة ، بينما في الخارج صدح صوت مراد وهو يوبخ صديقه بشدة :
_ أنت هببت إيه؟؟
نظر رامي بضيق من نبرته التي ينبعث منها الشك أو هكذا خُويل له ، فـرد عليه مُـعاتبًا :
_ في إيه يا مراد ؟ أنت شاكك فيا ؟
همهم مراد بضيق:
_ أنت عارف إني لا يمكن أشك فيك بس فهمني بردو إيه إللي حصل ليه لميس قالت عني حقـير وليه انت هنا ؟ .
أردف رامي وهو يخرج شيء ما من سترته :
_ كنت جايبلك الباسبور بتاعها بإسم جديد خليته عملهولي مستعجل لما إتأخرت عليا وجبت بتاعك بردو وتذكرة السفر ! بس ملقتكش ومكنتش أعرف إنها في الأوضة دي وأول ما دخلت ….
عودة إلى الوراء قبل نصف ساعة من الآن
ترجل رامي من سيارته وهو ينظر للسماء ثم قال:
_ ربنا يستر من إللي جي !!
ثم دخل إلى المنزل فتح الباب بهدوءٍ ثم أخذ ينادي على صديقه ، فسمع صوت في الغرفة المجاورة تنهد بخفوت ثم أتجه إلى مقبض الباب فتحه وهو يقول بصوت مُرتفع بعض الشيء :
_ مراد مراد أنا …
قاطعه صوت أنثوي يأتي من زاوية ما في الغرفة وهو يأن بخفوت ، إنتاب رامي القلق والتوتر قائلاً:
_ مين هنا ؟ مراد مراد !!
لم يتلقى ردًا ، بل زادت تلك الآنات الخافتة ، تداعى على ذهنه أن تكون تلك الأصوات صادرة من زوجة صديقه ، ووهج هاجسً في عقله أن تكون مُصابة أو بها شيء ، فأخذ يتراجع للخلف لا يصح وجوده بالغرفة وصديقه ليس موجودًا ومع إقترابه من الباب إصطدمت قدمه بشيءٍ ما فتعثرتْ قدمه ووقع على الأرض محدثٍ صوت قويًا في الغرفة ، نهضت لميس من على الفراش مَـصعوقةٍ بينما الغرفة مُـظلمة وتسارعت دقات قلبها برعب وإحساس شديد بالألــم ينبعث من قدمها ، ومع ذلك تحاملت على نفسها ونهضت مُنـتصبة في زاوية الغرفة بقربِ الفراش وهي تصيح باكية:
_ مين مين هنا ؟!
حاول رامي النهوض بينما قدمه تؤلـمه بشدة ،حتى نهض وحاول أن يهدأ من روعها ولكنها أخذت تصرُخ بشدة وهي تبكي تزامن ذلك مع فتح مراد لباب الغرفة ثم إنقضاضه على رامي بالضـرب .
عودة إلى الواقع
زفر رامي بضيق ثم ألتفت إلى مراد الشارد بعد ما إنتهى من قصِ ما حدث على مسامعه ، فهتف مراد بتوتر :
_ قولتلي كانت بتتألــم ؟
أجابه رامي وهو يحك زقنه :
_ مش عارف أنا مشوفتهاش بس تقريبًا أيوة هو أنت مش قولتلي إنها كويسه ومفهاش حاجه ؟!
همس مراد بشرود:
_ أيوة بقولك إيه شكلي هأجل السفر دلوقت !!
ضيق رامي عينيه هاتفا بقلق:
_ أنت إتجننت مش لازم تقعد يوم كمان هنا !! رجالة المافيا مش هيسبوك زمانهم دلوقت بيتأكدوا إن البنت ماتت وكمان إحتمال الوسـ* يكون كلمهم عنك !! مراد لازم تمشي من هنا !!
شد مراد على شعره بغيظ واضح وهو يهتف بضيق:
_ عارف ده كله ، كلم جنار إنت بس وقولها إني مش راجع دلوقت في حاجة لازم أعملها الأول ودلوقت سيبني !!
وضع رامي يده على كتفه قائلاً بتوتر:
_ أنا هتابع الوضع من بعيد لبعيد وعزيز معانا بيقولي إن المخفي جاتله أزمة قلبية!!
سأله مراد بضيق وهو يقبض على يده يعتصرها من شدة غضبه :
_ والدتها عامله إيه؟
رد عليه رامي بتوتر:
_ حالتها صعبه أوي بس لسه جنار مقالتش على جديد ؟
_ لا لسه كنت مكلمها ومقالتش حاجه ، يلا يا رامي روح إنت الوقت إتأخر النهار له عنين سلام يا صاحبي !!
أومأ رامي له وتنهد وهو يدعو لصاحبه أن ينتهي من كل هذا على خير ، كاد يذهب إلا أنه توقف قائلاً وقد تذكر شيئا :
_ مراد عربيتك فين لما جيت ملقتهاش هنا ؟
أجابه مراد وهو يدلف إلى المنزل ببرود:
_ فككتها أبقى إبعتلي واحده غيرها الصبح يلا تصبح على خير .
…………………………………….
كانت تجلس على الأرض مُتكورة حول نفسها تبكي بشدة وهي تمسد على قدمها ، قطع عليها بُـكائها دلوفه للغرفة فهبت واقفة متناسية ألـم قدمها ليعقب وقوفها بسرعة، صـرخة ألم إنفلتت منها ، فـ اقترب مراد منها سريعًا وهو يمسك بيدها بقلق وهو يقول لها بصوت مُتلهف قلق:
_ لميس أنتِ كويسه في حاجه واجــعاكي؟؟
شهقة صدرت منها لتدل على مدى ألـم قدمها ، أسندها مراد بيديه ثم إنحنى ليحملها فصاحت به بحدة وهي تقول بضيق:
_ أبعد عني مش عايزة مساعده من واحد بيدخل على مراته رجاله في غيابه ! .
صُعق مراد من ردها وما تظنه به ، هل تراه سيئًا لهذه الدرجة ، تنهد بحزن فقد ألـمـه قلبه من سوء ظنها به ولكن هل رأت منه خيرًا حتى تظن به غير ذلك فـ منذ اليوم الذي أحضرها فيه إلى هُنا ولم تلقى منه غير المعاملة القـاسـية لِـما يلومها الآن على سوء ظنّها به
_ أنتِ فاهمه الموضوع غلط أنا …
قاطعته وهي تصيح بغضب:
_ وإيه إللي أنا فهماه صح ها رد أنا مش فاهمه أنا هنا معاك ليه أنا إتجوزتك إزاي أنت مين ، ميييين ؟؟
أمسك كتفيها يهتف بضيق:
_ هتفهمي بعدين دلوقت وريني رجلك !.
أبعدت يده عنها وصاحت بحدة وهي تقول بصوت غاضب يصحبه إستنكار لما تفوه به :
_ مش هسمحلك أوعى تفكر إني هكشف رجلي قُدامك و…..
قاطعها ساخرًا وهو يقول:
_ بيقولوا إني جوزك؟؟
أردفت لميس بحدة:
_ حتى لو كان مدام أنا مش موافقة على الزيجة دي يبقى ملكش حق عندي فاهم وأنت بالنسبة ليا أجنبي عني !!
حدقها مراد باستنكار وهو يردف بضيق:
_ أنتِ واعية للي بتقوليه ده ؟؟
صاحت لميس وهي تستند على مقدمة السرير وبالكاد تقف على قدميها:
_ أيوة واعية أنا عارفه كويس أنا بقولك إيه وكلامي صح مدام مش …
تهكمت تعابير وجه مراد وهو يرد عليها بضيق شديد:
_ بس أنتِ وقعتي برضاكي وكلامك ده ميعنينيش !!
رمقته لميس بسخط وهي تقول بضيق:
_ أنا مش عارفه ده حصل إزاي وأنا حتى مش عارفه ، ده اسمه تغفيل وجواز بدون علمي ده أصلا مش جواز والعقد باطل ،وسيادتك ملكش أي حقوق عندي ؛ لأني أنا مش موافقه والزواج تم بالتحايل ، ابسط حاجه تقولي أنت مين اصلا ؟؟
قالت الأخيرة بصوت مُرتفع من شدة إنفعالها ليعقُـبـه صوت مراد وهو يصيح عاليًا بعد أن فاض الكيل به :
_ أنا أنا ……
أغلق عينيه وقبض على يده بقوة عندما كاد يكشف لها هويته أكملت لميس ساخرةً:
_ أنا أقولك إنت مين أنت واحد سافل ومعندو…….
رفع يده وكاد يصفعها فإنكمشت على نفسها وأغمضت عينيها بقوة ظننا منها أنه سيقوم بصفعها كما فعل سابقًا ، أنزل مراد يده وقبض عليها بقوة وهو يهتف من بين أسنانه بضيق شديد:
_ متستفزنيش تاني مرة ، و جوازنا صحيح وأنتِ هتوافقي عليه أنتِ فاهمه غصبا عنك ، وأنتِ المفروض من حقي عليكِ تحترميني وده أقل حاجه ومتعرفيش إنك لما ترضيني تبقي رضيتي ربك يا مدام ربنا جعل رضاه من رضا الزوج لما الزوجة تحترم جوزها وترضيه زي ما قال رضا الرب من رضا الأب .
صمت قليلاً يراقب تعبيرات وجهها بعد كلامه فلمح بها حزن شديد لأنها تدرك تماما أن ما قاله صحيح .
*قال الرسول الكريم: (فإني لو أَمرتُ شيئًا أن يسجدَ لشيءٍ ؛ لأمَرتُ المرأةَ أن تسجُدَ لزوجِها ، والذي نفسي بيدِه ، لا تُؤدِّي المرأةُ حقَّ ربِّها حتى تُؤَدِّيَ حقَّ زوجِها).
قال رسول الله: (لو تعلمُ المرأةُ حقَّ الزوْجِ، لم تَقْعُدْ ما حضَرَ غدَاؤُهُ و عَشَاؤُهُ؛ حتى يفرَغَ منه). *
قبضت لميس على يدها تبدد ذلك الحزن الذي ارتسم على عينيها :
_ ده لما تبقى جوزي فعلا !.
رمقها مراد بغيظ شديد ثم اندفع تجاهها فارتدت لميس خطوه للخلف لتستقر فوق الفراش تشهق بخوف ، أعربت شفتيه عن ابتسامة واسعة وهو يميل عليها ينظر إلى عينيها مباشرة وهو يتحدث بهمس خافت بينما هي اشتعل وجهها خجلا :
_ أنا جوزك فعلا بالقانون لكن شرعا معاك حق مليش حق عندك ، بس أنا أقدر اخليك توافقي شرعا كمان لو عايز .
أعقب حديثه بغمزه من عينيه ثم أخفض بصره إلى شفتيها ، رفعت لميس يديها ووضعتهم على صدره تبعده عندما لاحظت نظراته ، لتهتف بخفوت :
_ ابعد عني .
قرب مراد وجهه منها أكثر وهو يلعب بأعصابها يهمس بنبرة رقيقه :
_ متأكدة ؟؟؟.
ابتلعت ريقها الذي جف مكملة حديثها بخفوت :
_ ابعد عني متلمسنيش .
ابتسم مراد بعبث وهو يكمل حديثه بينما يبتعد عنها :
_ اطمني مش هموت عليك انت اخر واحدة في الكون ده تهز لي شعره اصلا .
وكم كان كاذبا في تلك العبارة ، أما لميس فـ على الرغم من أنه ابتعد عنها ولبى رغبتها إلا أنها ك أنثى شعرت بالإهانة من فحوى كلماته .
ثم إستطرد مراد قائلاً بسخرية :
_ وبعدين أنتِ عامية مبتشوفيش أنا مش وريتك قسيمة الجواز إيه مشوفتيش الإسم …
قالت لميس وكأنها تذكرت بالفعل :
_ مُـراد ! .
غمغم مراد بتهكم:
_ أيوة إسمي مراد ماله يعني الإسم مش عاجب سيادتك ولا كنتي مفكرة إسمي إيه بقى عبده كفته !.
قال الأخيرة ساخرًا فـ شهقت لميس بقوة وتجاهلت سخريته،وهي تضع يدها على فمها بصدمه عندما جال في ذاكرتها بعض المُـقتـطفات الصغيرة وأخذت تحدث نفسها قائلة :
_ ينتابُني شعور غريب وكأني أعرفك لكني كنت دائمًا أنفي هذا الشعور مراد مراد هذا هو اسمك …اسمك هذا ذكرني بمن لم يفارق تفكيري ولا مخيلتي حتى بعد ما كبرت وصرت شابة يافعة …
**
قالت لميس بحب وبراءة وهي تضع يدها على كتفه :
_ مش تزعل أنا لميس !!
كان مُتكورًا على نفسه يضم ساقيه إلى صدره وهو يبكي وشفتاه تردِدان اسمًا واحدًا وهو اسم صغيرته”لميس” وفور إحساسه بيد رقيقه توضع على كتفه وتبعها همس خافت، رفع رأسه ونظر إليها كانت تنظر إليه ببسمة لطيفة ، ثم سحبها إلى أحضانه وهو يبكي بشدة.
**
تراجعت لميس للخلف حتى إصطدمت بجدارِ الغرفة وتغاضت عن ألـم ساقها ،وهي تنظر نحوه بدهشة كبيرة بينما هي أخذت تردد بينها وبين عقلها قائلةً:
مستحيل !
حاولت إجلاء صوتها ولكنه خرج مُـتقـطعًا :
_ أنـ..ـت مراد صــ..ـديقي الصـ..ـدوق صح قول ساكت ليه؟؟ ريحني أنت هو صح ؟؟
رفع مراد رأسه ونظر إليها ثوانٍ ثم أشاح ببصره عنها وهو يغمض عينيه ، تحاملت لميس على نفسها وحاولت الاقتراب منه ولكنها وقعت مُـتألمـه ، إلتفت مراد نحوها بهلع ثم أتجه إليها وأمسك بوجهها بقلق وهو يقول :
_ لميس وريني رجلك بسرعه لازم أشوفها؟؟
كانت لميس تنظر نحوه بدهشة لا ترى عيناها سوى صورة ذاك الشاب المـُنـطفئ والحزين الذي ظلت صورته محفورة في ذاكرتها ولم تنسه يومًا ثم قالت بصوت مُـجهد :
_ أنت هو صح رد رد عليا ؟.
أجابها مراد وهو يحملها بيده:
_ مش وقته !!
أنهى كلمته ثم وضعها على السرير واتجه إلى خارج الغرفة غاب بضع دقائق وعاد وهو يحمل بيده شيء ما تبين أنها علبة إسعافات أولية ثم إقترب منها وقبل أن يرى قدمها هتفت بتوتر وهي شبه واعية وما كادت تنطق حتى سحبتها غمامة سوداء لتغلق جفنيها من شدة التعب.
طالعها مراد بقلق:
_ لميس لميس فوقي .
صمت قليلاً ثم تابع :
_ أنا آسف على إللي هعمله بس أنتِ مراتي !!
أنهى كلمته وأخذ يكشف عن مكان إصابة قدمها وصـُعق بما رأى كيف لم يشعر بها كيف تركها هكذا تعاني ورحل بدون أن يطمئن بأنها بخير ، كيف تحملت كل ذلك الألـم وحدها ، كانت قدمها اليسرى مـُصابة بشدة وتنــذف بغزارة يبدو أنها قد دعست على شيء حاد بينما كانت تركض هاربة منه لذلك صرخت بقوة ووقعت على الأرض غائبة عن الوعي في حين ظن هو أنها أغشي عليها من صوت الرصـاص .
تنهد بحزن ثم أمسك قدمها وبدأ يعقمها جيدًا وأزال آثار الـدماء وشرع في لفها بالشاش الأبيض وتضميدها جيدًا حتى إنتهى ثم عدل وضعية رأسها على الوسادة ودثرها جيدًا ثم إنسحب بهدوءٍ من الغرفة تزامن خروجه مع إرتفاع قرآن الفجر إبتسم من بين حزنه وخرج من الغرفة أغلق الباب وجلس على الكرسي الهزاز وهو ينظر للسماء يفكر في الخطوة التالية لتأخذه ذاكرته نحو تلك الأيام التي رافقته طوال حياته وتمنى لو بِـمقدُورهِ إزالتها من ذاكرته يومًا ما ..
عودة إلى الوراء
كانت حالته مـذريه تنساب الدموع من عينيه بحرقةٍ بينما لا زال يجلس على الأرض يضم جسد أخته إلى صدره وهو ينظر نحو والدته التي غابت عن الوعي ، أخذ مراد يهذي بتعب شديد وهو يقول :
_ أنا معاكم مش هسيبكم لميس أنا جيت خليكم معايا فين بابا بطلوا هزار بقى ، يا ماما لميس مش بتتنفس يا ماما خليها تقوم يا ماما كفاية كده …!!
وضع أخته على الأرض واتجه نحو والدته التي أمالت رأسها واستندت على حافة الفراش وقال لها وهو يبكي بشدة:
_ ماما ، ماما إيه الدم ده ماما مش بتردي ليه ؟؟ يا ماما شوفي لميس قومي كده !!
ألتفت إلى أخته وكم أحزنه قلبه على رؤيتها بتلك الحالة فركض إليها وحملها وهو يضمها إلى صدره ويبكي بشدة ويقول بهذيان:
_ أنا آسف آسف يا حبيبتي دلوقت هتدفي وأنا معاكِ هنا مش هسيبك أبدا يا حبيبتي .
صمت قليلاً يبتلع تلك الغصة التي تشكلت في حلقه جراء بُـكائه الحاد ثم تابع :
_بابا هييجي دلوقت وهيساعدنا….
ترجل من سيارته وهو يدعو الله في قلبه ألا تسوء الأمور أكثر ، أخفض رأسه واتجه نحو باب الفيلا الرئيسي فـ وجده مفتوحًا هتف بدهشة :
_ أي ده أمال فين الجارد وعم جمعه ؟؟
أنهى كلمته وهو يتلفت في أرجاء الفيلا بتوتر شديد المكان يسوده هدوء مُريب ، أخذ يسرع خطواته نحو الداخل حتى وصل إلى الباب الداخلي وما كاد يضغط الجرس حتى رآه نصف مغلق إزدادت ضربات قلبه بشدة وأخذ يدعو بداخله :
_ أستر يا رب
ثم دلف إلى الداخل وما كاد يتحرك حتى إصطدمت قدماه بشيءٍ ما وكاد يقع إلا أنه تحامل على نفسه وتماسك ، رفع رأسه ونظر إلى الأرض فوجد حقيبة صغيرة على الفور علم لمن هي؟ فهتف بقلق:
_مراد هو رجع طيب أمال البيت عامل كده ليه ؟؟
إيه الهدوء …..
وما كاد يكمل كلامه حتى وصل إلى مسامعه صوت صُـراخ حاد يأتي من الأعلى
” مراد ”
قالها بشفاه مُرتعشه ثم إتجه إلى الدرج بخطواتٍ سريعة حتى وصل إلى الطابق المطلوب وفور وصوله صُعق بما رأى شهقة قوية صدرت منه وهو يرى هذا المشهد مراد يجلس وحوله بركه من الدمـاء ويضم جسد صغير بين أحضانه ، شعر كما لو أن جميع أطرافه قد شُـلـت وقع قلبه أرضًا ، إقترب منه وهو يقول بقلق بالغ وبداخل عقله يستهجن ما حدث هُنا :
_ مراد إيه إللي بيحصل هنا؟؟
رفع رأسه ونظر إليه وهو يبكي بشدة ويشير على أخته وهو يقول بصوت باكي:
_ عمو أحمد شوف …..لميس ساكته مش بترد عليا هي ….بردانه أوي وأنا بدفيها … بردانه جسمها بارد …. أوي أنا عمال أغطيها وأحضنها وهي مش بتدفي خالص !.
خفتت نبرة صوته وهو يتابع ويقول بنبرة خافته إن دلت على شيء فهو بالتأكيد على ضعفه وعجزه وقلة حيلته :
_ قولي أعمل إيه؟؟
جثى أحمد على ركبتيه وبلا شعور منه إنهمرت الدموع من عينيه بحرقه شديدة وهو ينظر لمراد بألـم ثم دنا منه وما كاد يتكلم سمع صوت إرتطام جسد ما بالأرض لم يكن قد انتبه له عند دخوله الغرفة ، رفع رأسه ونظر إلى مصدر الصوت وجد زوجة صديقه وهي تفترش الأرض ووجهها غارقٌ في الدمـاء .
توتر أحمد ونهض سريعًا ليرى زوجة صديقه فوجد نبضها ضعيف ، رفع رأسه وهو ينظر لتلك العائلة التي تدمرت بالكامل فهو كان قد أتى ليخبرهم بأن محمد قد قُبض عليه بالأمس بتهمة الإتجار في المخـدرات والسـلاح أثناء سفره ، وبأنه كان عميل لإحدى المافيا العالمية وبأن شركاته إنتهت وإنتقلت ملكيتها إلى رجلٍ مجهول الهوية وبتوقيع زوجها على نقل أملاكه ، ولكنه صُـعق بما رأه هُنا :
_ مراد مراد فوق معايا كده وقولي مين عمل كده فيهم والدتك لسه عايشه لازم ننقذها !!
رفع مراد عينيه له يهتف بدموع :
_ ولميس لميس جسمها بارد يا عمو إنقذها !!
وضع العم أحمد يده على رأسه ثم أسرع بإتجاه خزانة الملابس وأخرج منها بعض الفوط واتجه إلى سميرة الغائبة عن الوعي وأمسك بوجهها ووضع تلك الفوطة في فمها ليوقف نذيـفها قليلاً ، ثم إقترب من مراد وحاول إخراج لميس الصغيرة من أحضانه ليرى نبضها ولكن للأسف كانت الصغيرة قد فارقت الحياة :
_ البقاء لله يا مراد قوم معايا يلا !!
صرخ مراد صرخات متتالية وهو يبكي بشدة ويقول
_ لا لا متقولش كده لميس عايشه لأ لااااااااااااااااا .
صفعة قوية هبطت على وجنته جعلته يتسطح أرضًا تبعها قول العم أحمد وهو يقول معتذرا:
_ أنا آسف يا بني إني عملت كدا بس لازم تفوق أمك لسه فيها النبض لازم تنقذها ولازم تعيش علشان تعرف مين عمل كدا في أختك وتجبلها حقها فوق معايا ، أنا عارف يابني كويس إن أبوك لا يمكن يعمل كدا !!
كانت عينيه مُـتسعتان تنساب الدموع منهما بينما زاغت الرؤية أمامه يسمع همسات تصدر من فم العم أحمد ويرى شفتيه تتحركان ولكنه غير واعي لأي شيء مما يقوله ، تركه العم أحمد بعد أن كان يمسك كتفيه وأخرج هاتفه وهاتف أحدهم وهو يقول :
_ بسرعه يا مجدي بسرعه دي كارثة كارثة حرفيًا يلا بسرعة متتأخرش جهزلي طيارة خاصة بسرعة هنروح على تركيا يلا وابقى بلغ البوليس !!
وبعد مرور نصف ساعة وصلت سيارة كبيرة مجهزة بأحدث الأجهزة الطبية ومعها مرافق أخذ العم أحمد والدة مراد ومعه مراد بعد أن أمر المرافق بإعطائه إبرة مهدئة لينام حتى يتمكن من تأمينه هو ووالدته بينما نظر بعينيه للصغيرة لميس بعيون باكية وهو يقول بصوت منفعل من هول ما حدث:
_ هجبلك حقك يابنتي !!
وهكذا تمكن العم أحمد من تأمين حياة مراد عن طريق إبعاده فهو كان يعتقد في البداية أن من فعل ذلك رجال المافيا ولكنه بالطبع لم يصدق بأن صديقه قد يفعل مثل ذلك الأمر وهو أن يعمل معهم أو أن تكون له صلة بهم من المستحيل أن يصدق هذا هو يعلم أن من لفق تلك القضايا ظُـلمًا لصديقه هو ذاك الحقـير عز ولكنه لا يعلم أنه أيضًا هو المتسبب بتلك المجــزرة التي حصلت هُنا على الأقل مؤقتًا وتولى هو كافة الأمور على أن الأم ماتـت مع إبنتها حتى يأمن حياتها بينما مراد قد أخذه معه إلى تركيا حيث يعيش وأرسل والدته إلى إحدى المشافي النفسية لكي يتولوا العناية بها .
ولكن الشيء الوحيد الذي عجز عن فعله هو أن ينقذ صديقه وتبرئته من تلك التهم وذلك لأنه ألتزم بالصمت ولم يدافع عن نفسه فلم ينكر تلك التهم التي وُجهت إليه وساءت حالته بعد ما علم ما حدث لأسرته هذا الشيء الوحيد الذي ظل نادمًا عليه العم أحمد طوال حياته أنه لم يتمكن من إنقاذ صديق عمره ولكنه عتب عليه بأنه إستسلم سريعًا لليأس ..
عودة إلى الواقع ( مازال للحديث بقية)
لم يفق من شروده سوى عندما أحس بيد تمسح على وجهه تلك الدموع التي إنفلتت من عينيه وخانته لتهبط على وجنتيه ، فتح عينيه المُحمرتان من شدة بكائه لم تصدق عينيه ما رأت الآن هتف بدهشه لم يستطع إخفائها:
_ لميس !
أجابته بصوت هادئ وهي لازالت تمسك وجهه :
_ أيوة لميس يا مراد أخيرًا لقيتك !!
نهض مراد فجأةً وأولاها ظهره وهو يقول بنبرة يحاول إظهار فيها تماسكه برغم كل شيء :
_ إيه اللي طلعك وطلعتي إزاي رجلك مصابة مينفعش تمشي عليها دلوقت !!
همست لميس بدموع:
_ طب أرجوك رد على سؤالي وريحني أنت هو صح ؟؟
إرتبك مراد وهو مازال يوليها ظهره ثم تابع مغيرًا مجرى الحديث وكان في نبرة صوته سخرية :
_ دلوقت بتلمسيني مش بينه حرام وأنا أجنبي عنك مع إني جوزك ؟
كررت لميس بدموع : أنا …..عاوزه افهم بس ….قولي انت هو …
قاطعها مراد ساخرًا:
_ أنتِ إيه ؟؟ عمرك ما هتفهميني .
أخفض صوته وهو يكمل ولكن في داخل عقله :
_ زي ماكنتي مش فهماني زمان !!
_ أنا مش فاهمه ..
قاطعها مراد بضيق:
_ سيبيني لوحدي عايزة تعرفي أنا مين أنا إللي عايز أحــرقك أنا إللي كنت من كام ساعة بس كنت هقتلك نسيتي ! .
تجاهلت لميس ما قاله ورددت بأمل :
_ هاسمعك طيب فهمني إزاي بس رجعت تاني ؟؟ وليه طيب عايز تنتقم مني؟؟؟ أنا عملتلك إيه إزاي أنا مراتك؟ حرام عليك فهمني ريحني من حيرتي دي ؟؟ .
أمسك مراد بوجهها بين يديه يهتف بغضب :
_ وأنا مش عايز أريحك أنا مش إللي بتقوليه عليه ده أنا واحد تاني إفهمي أنا عمري ما كنت صديقك ال مش عارف إيه ده عمرنا ما كنا إصحاب إللي يجمعني بيكي هو الإنتقام وبس مش لمجرد إني اسمي مراد على اسم صاحبك ده وبعدين عملالي ملتزمة وانت بتحبي على روحك وبتصاحبي أهو !!
أنهى مراد حديثه وهو يفلت وجهها فـ بكت لميس بشدة وتهاوت أرضًا من شدة تعب قدمها لم يشفق عليها رمقها بضيق فقط فهمست بتحشرج:
_ ده مكنش مجرد صديق ده صديق طفولتي كلها وأنا مشفتوش من سنيين من وقت ما كنت بالاعداية تقريبا ولا أعرف عنه حاجه اختفى من حياتي ، وآه بعزه جدا ومش هنكر ليه في قلبي مكانه كبيرة وبعدين كلنا بشر وبنغلط ، محدش قالك إني ملاك مبيغلطش وحتى لو بحبه زي ما بتقول فده بيني وبين نفسي بس اللي جوايا مخرجش لحد غيرك دلوقت .
………………………………….
كانت لا تزال متسطحة على الفراش مَـصعوقةٍ بما قاله الطبيب أمس عقلها بعد لا زال لم يستوعب أنها لن ترى إبنتها مجددًا ، أخذت تبكي بشده لم يقطع عليها موجة بكـائها الحاد سوى إرتفاع نغمة هاتفها ، لتمد يدها بإرتجافٍ وتمسك به وجدته “special number” رقم خاص بضعفٍ رفعت الهاتف ووضعته على أُذُنها وصلها صوت الطرف الآخر وهو يهتف بهدوء
_ …………
إتسعت حدقة عينها بصدمة كبيرة وهتفت بشفاه مُرتعشه :
_ إزاي؟؟

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حب بين نارين)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى