روايات

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الخامس والعشرون

رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الخامس والعشرون

حبيسة قلبه المظلم
حبيسة قلبه المظلم

رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الخامسة والعشرون

في مركز الشرطة …
وقفت ليلى امام الشرطي الذي أخذ ينقل بصره بين ليلى التي تقف جانبا عاقدة ذراعيها أمام صدرها إلا إنه بالرغم من ملامحها الهادئة كانت نظرة عينيها توحي بكم الغضب والتأهب الذي تحمله داخلها وبين السيدتين الآخرتين واللتين جاءتا الى المركز بتهمة سرقة السوار الخاص بتلك السيدة …
لقد تم إبلاغ الشرطة من قبل السيدة نفسها بفقدان السوار الخاص بها مثلما أبلغتهم عن السيدتين اللتين كانتا عندهما متهمة إياهما بإنهما من سرقتا السوار خاصتها وعندما سارع الشرطة للقبض على السيدتين حيث تم الوصول الى منزل إحداهما قبل وصول السيدتين بسيارتهما بعدما أعطتهم صاحبة البلاغ العنوان حيث وجدتا الشرطة تنتظرهما بعدما تم الإبلاغ عنهما بتهمة السرقة لتسارع الشرطة للقبض عليهما وتفتيشهما فيجدون السوار بالفعل في حقيبة إحداهما والتي تقف مرتجفة تتساقط دموعها بغزارة بينما السيدة جانبها والتي أكبر منها سنا بكثير تقف وهي ترمق تلك الشقراء بنظرات تكاد تقتلها في مكانها ..
حمحم الضابط قبل أن يشير الى ليلى بصوتها الخشن :-
” تفضلي واجلسي يا هانم ..”
تقدمت ليلى بخطواتها المترفعة وجلست واضعة قدما فوق الأخرى أمامه ليتحدث الضابط وهو يعطيها السوار :-
” لقد وجدنا سوارك في حقيبة المدام .. ”
صمت قليلا ثم اضاف وهو يشير الى السيدتين أمامه :-
” والآن هل تودين البدأ في التحقيق أم إنك ستتنازلين ..؟!”
إستدارت ليلى نحويهما ترمقهما بنظرات غامضة قبل أن تعاود الإلتفات نحوه وتجيب :-
” بالطبع .. اريد تقديم بلاغ ضد تلك السارقة التي دخلت بيتي وسرقت السوار خاصتي ..”
صرخت عمتها بقوة :-
” هل جننتِ يا ليلى ..؟! سهام ليست سارقة وانت تعلمين هذا جيدا .. ”
أضافت بنبرة منفعلة وغير مصدقة :-
” هل تودين حبسنا حقا. .. تسجنين عمتك وزوجة ابيك ..؟!”
تطلع الضابط نحو السيدتين بدهشة غير مستوعبا بعد إن هاتين السيدتين تكون إحداهما عمتها والأخرى زوجة والدها ..
تنحنح الضابط قائلا بصوت قوي لكنه حازم :-
” من فضلك يا سيدة .. هذا ليس مكانا مناسبا للأحاديث الجانبية .. لقد تم إبلاغنا بأمر السرقة ونحن بالفعل وجدنا السوار لدى المدام جانبك لذا فالقرار للهانم .. إما أن تجعله بلاغا رسميا ونفتح تحقيق معكما او …”
قاطعته سهام بصوتها الباكي :-
” اريد زوجي .. اريد الإتصال به ..”
صدح صوت ليلى القوي رغم تهكمه :-
” لا داعي لذلك .. لقد إتصلت به وإبلغته بفضائح زوجته المصون وهو في طريقه إلينا ..”
صاحت سهام منفعلة :-
” انا لم أفعل شيئا .. انت من وضعتي السوار في حقيبتي ..”
ضرب الضابط على مكتبه بقوة مرددا بحزم :-
” من فضلكم يا سيدات .. هذا ليس المكان المناسب لنزاعاتكم العائلية … ”
التفت نحو ليلى يسألها مجددا :-
” اذا يا هانم ، هل نفتح التحقيق ..؟!”
” بالطبع .. إبدأ التحقيق فورا ..”
قالتها وهي ترمق عمتها وسهام بنظرات باردة لكنها مليئة بالكراهية والحقد ..
فتح الباب في تلك اللحظة ودلف والدها الى الداخل بملامح قلقة يتسائل بهلع :-
” ماذا يحدث بالضبط …؟! ”
التفت نحو زوجته التي ألقت نفسها بين احضانه تبكي وتردد :-
” ابنتك تتهمني إنني سرقت سوارها .. والله لم أفعل ذلك .. هي من وضعت السوار في الحقيبة ..”
بينما قالت سوسن وهي تتطلع نحو ليلى بحقد :-
” ابنتك تريد حبسنا يا احمد .. لقد جنت الهانم ولم تكتفِ بتلفيق تهمة كهذه لسهام بل تريد حبسنا ايضا .. دعها تتراجع عن البلاغ وإلا سأتصل بأولادي ويتصرفوا هم معها ..”
انتفضت ليلى من مكانها تتقدم نحو عمتها بخطوات مدروسة قبل ان تهمس بصوت رغم خفوته لكنه مليء بالحقد والقوة ايضا :-
” اتصلي بهم .. اطلبي منهم أن يأتو ويروا فضيحة والدتهم المصون وهي في قسم الشرطة ..”
التفتت بعدها نحو والدها تقول بجدية :-
” انا لم ألفق أي شيء لهما ..؟! لم سأفعل ذلك اصلا ..؟! هما من جائتنا بنفسهما الى منزلنا وزوجتك تلك سرقت سواري … ”
صاح الضابط الذي وقف مكانه وقد نفذ صبره مما يحدث :-
” حسنا يكفي الى هنا .. أخبرتكم إن هذا ليس مكانا للخلافات العائلية .. انتم في مركز الشرطة ..”
صاحت سوسن بحنق :-
” انتبه الى طريقتك معنا أيها الضابط .. انت لا تعرف بعد مع من تتحدث ..”
رد الضابط بقوة وعدم إهتمام :-
” ولا أريد أن أعرف .. لا تنسي إنك هنا متهمة مثلك مثل زوجة أخيك فتحدثي بإسلوب أفضل وحاولي أن تستوعبي إن إسلوبي الهادئ الراقي معك هو فقط لأجل سنك الكبير لذا لا تتجاوزي حدودك وإعلمي إنك تتحدثين مع مقدم في الشرطة وليس عاملا عندك ..!!”
تطلعت اليه سوسن بحقد بينما رفعت ليلى حاجبها وهي تبتسم لها بإنتصار قبل ان تسمع والدها يطلب منها بترجي :-
” ليلى ابنتي ، هل يمكننا التحدث قليلا في الخارج ..؟!”
أغمض الضابط عينيه بنفاذ صبر من هذا اليوم الذي يبدو إنه لن ينتهي بوجود هذه العائلة الغريبة بينما نظرت ليلى الى والدها بصمت للحظات قبل أن تومأ برأسها فيشير احمد برأسه الى الضابط يطلب منه السماح له بالتحدث خارجا مع ابنته على انفراد عل وعسى يتم حل الموضوع بشكل ودي ..
خرجت ليلى مع والدها بملامح حانقة .. وقفت أمامه تعقد ذراعيها امام صدرها تسأله بنفاذ صبر :-
” أسمعك .. تحدث ..”
قال احمد بسرعة :-
” لماذا فعلت هذا يا ليلى ..؟! ألم تفكري قبل تصرفك هذا إن من تتهميهما بالسرقة هي زوجة والدك وام أخيك ..؟!”
ضحكت ليلى بإصنطاع قبل ان تختفي الضحكة من كافة معالم وجهها ويحل محلها القسوة والإباء وهي ترد عليه :-
” انا لم أتهمها ظلما .. زوجتك سارقة .. هذه هي الحقيقة ولا تنسى انها من جاءت بنفسها الى منزلنا … انا دخلت الى المنزل وفوجئت بوجودها هي وعمتي .. كانت تجلس وتتحدث مع والدتي بكل صلافة .. ”
” لكنها لم تسرق ..”
قالها بتأني لتصيح رغما عنه :-
” بل سرقت سواري والشرطة وجدوه في حقيبتها .. السوار في حقيبتها وهي أتت بقدميها الى منزلنا … جميع الأدلة تؤكد إنها السارقة واذا كان لديك رأي آخر فدع التحقيق يثبت الحقيقة ..”
” هل تعنين إنك لن تتنازلي عن البلاغ ضدها وضد عمتك ..؟!”
سألها بغضب مكتوم لتجيب بسرعة ولا مبالاة :-
“لن أتنازل مهما حدث .. ”
” ليلى .. ما تفعلينه ليس لائقا ابدا .. لقد عاد سوارك لك .. ماذا تريدين اكثر ..؟!”
أجابت بصوت حاد قوي :-
” أريد لتلك السارقة أن تأخذ عقابها كاملا ..”
هدر بها والدها :-
” تلك زوجتي وما ستفعلينه فضيحة لي ..”
” زوجتك سرا .. لا احد يعلم انها زوجتك سواك انت وأخواتك ..”
خرجت نبرتها هازئة قليلا فهتف بإنفعال مكتوم :-
” تظل زوجتي وام ولدي ولا تنسي إنك إتهمتي عمتك ايضا ..”
قاطعته بعدم إهتمام :-
” اتصل بمحاميك ليأتي ويتولى القضية .. ربما يستطيع اثبات البراءة ..”
كانت تتحدث بإصرار واضح كرغبتها الواضحة بعدم التنازل فقال احمد بتوسل :-
” ابنتي من فضلك .. لأجلي انا ..”
” تريدني أن أتنازل ..”
قالتها بهدوء غريب ليومأ برأسه فهتفت بجدية :-
” نفذ لي ما طلبته منك ..”
ابتلعت ريقها يسألها :-
” ماذا تقصدين ..؟!”
ردت بهدوء وجدية :-
” تنازل لي ولمريم عن ثلثي الشركة .. سجل الفيلا والمنزل الريفي باسم والدتي وكذلك عمارة بإسمي وعمارة لمريم ومعها تنازل عن ادارة الشركة لي ..”
” هل تساوميني يا ليلى ..؟!”
سألها بعينين جاحظتين لتهتف ببرود :-
” هذا ما لدي .. تنفذ لي ما أريده وانا بدوري سأتنازل عن البلاغ ..”
تجمد مكانه لثواني يحاول استيعاب ما تقوله فهمست تخبره بقهر مصطنع :-
” لم أتصور إن الأمر سيحتاج الى كل هذا التفكير منك .. هل تستخسر بزوجتك وابنتيك أن تمنحهما حقوقهما في أملاكك ..؟!”
قال بصوت منخفض :-
” ولكن سهام وولديها ..”
قاطعته منفعلة :-
” الآن أصبح هناك سهام وولديها ..؟! ما زال ولد واحد …. ربما الطفل الثاني سيكون فتاة .. ”
أضافت وعيناها تلمعان بقهر صادق هذه المرة :-
” وماذا عن فاتن ..؟! زوجتك وحب حياتك كما تدعي ..؟! وماذا عني انا ومريم .. ؟! ألا نستحق أن تضمن لنا حقوقنا ..؟! ألا تستحق والدتي بل نستحق انا واختي تعويض بسيط عما فعلته بنا ..؟!”
زفر والدها أنفاسه بتعب بينما هتفت ليلى منهية الحوار بصرامة :-
” لقد أخبرتك ما لدي .. تمنحني ما أريد وفي المقابل سأتنازل عن البلاغ …”
وعندما وجدته صامتا همت بالتحرك عندما قبض على ذراعها هاتفا أخيرا :
” حسنا سأنفذ لك ما تريدين فقط تنازلي عن البلاغ ..”
ردت بحيادية وهي تبعد ذراعها عن قبضته :-
” سأتنازل كليا عن البلاغ بعدما تسجل كل ما طلبته رسميا بإسمي انا ومريم ووالدتي .. رسميا يا بابا ..”
” ولكن هذا سيأخذ وقتا طويلا .. هل ستبقى سهام في الحبس طوال هذا الوقت ..؟!”
ردت ليلى ببساطة :-
” دع محاميك يخرجها بكفالة مبدئيا حتى يأتي موعد الحكم في القضية وقبلها ستكون سجلت كل شيء بإسمي انا ومريم ووالدتي وما إن تنتقل ملكية كل شيء إلينا مع ادارة الشركة سأتنازل عن الدعوة …”
حل الصمت المطبق بينهما لتتبادل ليلى نظراتها الثابتة المصرة بنظرات والدتها الغير راضية لكنها تدرك جيدا إن لا مجال لديه للرفض بعدما حدث وثبوت تهمة السرقة على زوجته ..

بعد حوالي نصف ساعة ..
كانت ليلى تقف على جانب مكتب الشرطي تراقب المحامي الذي دفع مبلغ الكفالة للإفراج عن سهام بينما عمتها خررجت قبلها بعدما وجهت ليلى الإتهام لزوجة والدها فقط خاصة ولا دليل يدين عمتها بشكل فعلي …
تأملها الضابط وهي تقف على مقربة منه تتابع والدها الذي يربت على ظهر زوجته برفق بينما الأخيرة وجهها أصبح أحمرا للغاية وذابلا بوضوح ….
التفتت ليلى نحو الضابط وقالت وهي تتقدم منه قليلا :-
” كم سنة من المفترض أن تسجن بتهمة كهذه ..؟!”
رد بجدية :-
” بما إن التهمة ثابتة عليها فمدة حبسها قد تصل الى خمسة اعوام وربما اكثر او اقل بقليل … عدد السنوات حسب ما يقرره القاضي ”
همست تسأله بصوت منخفض:-
” واذا تنازلت عن القضية ..؟! هل هناك حق عام ..”
ابتسم بإقتضاب ورد :-
” اذا تريدين التنازل فسيكون الأفضل أن تتنازلي الآن ..”
تراجعت قليلا ترد بحنق :-
” لن أتنازل مهما حدث ..”
هز رأسه وقال رغما عنه :-
” المهم أن تكوني واثقة من عدم وجود أي دليل يدينك ..”
عقدت حاجبيها تسأله بعدم فهم :-
” ماذا تقصد ..؟! كيف يدينني وانا من تمت سرقتها ..؟!”
لمعت عيناه بنظرة شيطانية وهو يقول :-
” انا ضابط يا هانم وأستطيع التمييز السارق من عدمه .. انا فقط أحذرك لا أكثر ..”
كتمت غضبها وهي تردد بإستهزاءمقصود :-
” اذا انت برأيك هي بريئة ..؟! طالما تظنها بريئة ، أين دورك يا حضرة المقدم في اثبات برائتها ..؟!”
ابتسم ورد بثقة :-
” ما أراه أمامي هو إنها متهمة بسرقة سوار وجدناه داخل حقيبتها وبالتالي فالتهمة ثابتة عليها لكن عندما يتم تحويل الأمر الى القضاء ويتدخل المحامي الخاص بها ربما سيجد ثغرة معينة في القضية تثبت إنك قمتِ بتلفيق التهمة لها ..؟!”
أضاف ببرود :-
” وظيفتي الأساسية هي القبض على المتهم وتسليمه للقضاء الذي سيحدد براءته من عدمها ..”
منحته نظرات حانقة قبل أن تهتف :-
” سيادة المقدم … ”
صمتت قليلا تتأمل ملامح وجهه التي رغم هدوئها الظاهري تحمل داخلها مكرا واضحا فأضافت وهي تضغط على أسنانها بقوة :-
” لقد أتممت مهمتك على أكمل وجه .. اترك البقية للقضاء كما قلت منذ لحظات .. ”
” انا فقطت أردت التحذير ليس إلا ..”
قاطعته بنزق :-
” مشكور للغاية على مهامك العظيمة لكنني لا أحتاجها ..”
لم يجبها بل اكتفى بإبتسامة غامضة شعرت بها تحمل بعض السخرية لتكتم عصبيتها بصعوبة وهي تنظر لا اراديا نحو اللوحة الموضوعة على مكتبه و التي تحمل اسمه ..
فادي خليل .. هذا اسمه اذا …
” فادي .. يا له من اسم غليظ كصاحبه ..”
تمتمت بها بغيظ عندما تطلعت الى المحامي بنفاذ صبر وهو ينهي الاجراءات ففوجئت بعمار يقتحم المكتب متقدما نحوها يهتف بقلق مصطنع :-
“حبيبتي، ماذا يحدث هنا ..؟! هل انت بخير ..؟!”
تأملته بدهشة من وجوده لكنها قررت مجاراته امام والدها وزوجته كي يدرك والدها جيدا إن عمار خلفها وهذا لوحده كفيل بإثارة قلق والدها ..
” انا بخير يا عمار .. لقد تعرضت للسرقة فقط .. ”
” سرقة ..؟! سرقة ماذا ..؟!”
سألها بتعجب لترد وهي ترمق سهام بنظرات قوية :-
” لقد سرقتني زوجة والدتي .. سرقت سواري لكنني إستعدته منها وهي بدورها ستأخذ عقابها كاملا …”
قالتها وهي تحرك أناملها فوق السوار الذهبي اللامع والمزين بالفصوص الماسية الثمينة ..
تنهد عمار وهو يردد براحة :-
” المهم إنك بخير حبيبتي ..”
أضاف وهو يشير الى الضابط :-
” نحن نريد تقديم بلاغ رسمي يا سيادة المقدم ..”
قاطعه فادي بنفاذ صبر :-
” لقد قدمت الهانم البلاغ .. سيتم إخراج المتهمة بكفالة مالية حتى يأتي وقت محاكمتها …”
التفت عمار أخيرا نحو سهام واحمد ليرفع يده بتحية مشيرا لأحمد :-
” اهلا عمي .. اسف لإنني تأخرت بالتحية لكنني إنشغلت بالإطمئنان على زوجتي .. ”
شعر فادي إنه سيصاب بالجنون حتما مما يراه فما هذه العائلة الغريبة التي يبدو جميع أفرادها حتى الآن مجانين .. بل حتى زوج ابنتهم يبدو مجنونا مثلهم ..

خرجت ليلى وهي ممسكة بيد عمار يتبعهما والدها وزوجته مع المحامي الخاص بهما ..
وجدت عمتها تتقدم نحوها تصيح بها :-
” ماذا فعلت يا قليلة الأدب ومعدومة التربية والضمير ..؟!”
همت ليلى بالرد عندما هدر عمار بسوسن نيابة عنها :-
” اصمتي أيتها العجوز .. لم يبقَ غيرك ليرفع صوته .. كلمة أخرى وسأقدم بك بلاغا للضابط بتهمة السب والقذف …”
قال احمد بسرعة وهي يحاول احتواء الموقف وقد شعر بالإكتفاء حقا من فضائح هذا اليوم :-
” يكفي يا سوسن .. توقفي عما تفعلينه ..”
ثم هتف بعمار :-
” وانت الآخر .. لا ترفع صوتك عليها .. لا تنسى انها أختي وفي عمر والدتك ..”
قاطعه عمار ببرود :-
” عندما تحترم هي عمرها سأحترمه أنا بدوري ..”
أضاف وهو يرمقها بنظرات هازئة بادلته سوسن إياها بأخرى حاقدة :-
” كما إنها ليست في عمر والدتي بل قاربت عمر جدتي ورغم هذا لا تنفك أن تسبب المشاكل هنا وهناك .. واحدة في عمرها يجب أن تفعل أشياء لآخرتها بدلا مما تفعله هي ..”
” انت ..”
قالتها سوسن وهي تهم بالتقدم نحوه لكن أحمد اوقفها بتوسل :-
” يكفي يا سوسن من فضلك .. ”
اضاف وهو يقبض على ذراعها يسحبها خلفه :-
” دعونا نخرج من هنا .. لا ينقصنا مزيد من الفضائح …”
” الفضائح سببها ابنتك المصون …”
قالتها سوسن بحقد دفين بينما سحبها احمد من ذراعها يهدر بها وقد نفذ صبره :-
” هيا نخرج ..”
قاطعته ليلى تذكره:-
” غدا سنكون عندك انا والمحامي .. سأكون عندك في العاشرة صباحا …”
التفت والدها نحوها يرمقها بنظراته المتصلبة عندما شعر بيد زوجته تقبض على كفه وهي تهمس بألم :-
” احمد .. انا أتألم ..”
سألها بقلق وهو يلاحظ شحوب وجهها :-
” ماذا يحدث معك يا سهام ..؟!”
ردت بسرعة وصوت مختنق :-
” أشعر بتقلصات مؤلمة في بطني .. خذني الى الطبيب بسرعة ..”
” تعالي هيا ..”
قالها وهو يسحبها معه بتأني تسير خلفه سوسن والمحامي …
نظر عمار الى ليلى للحظات بصمت لتسأله بضيق خفي :-
” لماذا تنظر الي هكذا ..؟!”
ابتسم بقوة ثم أخذ يضحك للحظات قبل أن يتوقف عن ضحكاته وهو يقول :-
” يا لكِ من شيطانة ماكرة ..”
أضاف وهو يتأمل نظراتها المنزعجة :-
” لم أتوقع أن يصدر كل هذا منك .. انتِ فظيعة يا فتاة .. ما هذا الدهاء ..؟!
هتفت تقصد إغاظته :-
” من عاشر القوم ..”
وجدته يبتسم بتفاخر وهو يقول :-
” هذه نتيجة معاشرة عمار الخولي لسنوات يا ليلى .. لقد صنعت منك إمرأة ماكرة وذكية .. لقد فاجئتني حقا يا فتاة … ”
أضاف وهو يضع يده أمام صدره :-
” بعدما حدث ورأيته اليوم لا يسعني سوى أن أعبر عن إعجابي الشديد بك وبمكرك وذكائك المخيف…”
” يكفي يا عمار ..”
قالتها بضيق ليضيف ضاحكا :-
” لقد أثمرت بك تربية وتعب السنين يا لولا …”
زفرت أنفاسها بحنق بينما اكمل ساخرا :-
” والدك سيصاب بأزمة قلبية بسببك … حتما سيحدث هذا …”
تأففت بضيق وقالت :-
” يكفي يا عمار .. هل تظن إنني سعيدة بما فعلته ..؟! انا مجبرة على ذلك للحفاظ على حقي انا واختي ووالدتي ..”
ابتسم ورد بصدق وبدا وكأنه ينصحها :-
” وهذا ما يجب ان تفعليه .. تمسكي بحقك يا ليلى .. زوجة والدتك حرباء متلونة واذا لم تتعاملي معها بهذه الطريقة ستخسرين أمامها لا محالة .. المثاليات الفارغة لن تفيدك في معركتك معها ..”
أومأت برأسها توافقه لأول مرة بشيء عندما وجدته يضيف هازئا :-
” لكنها كانت تبدو متعبة حقا عندما خرجت من مكتب المقدم .. شعرت إنها ستتعرض للإغماء لو بقيت اكثر ..”
تجمدت ليلى مكانها وقد تذكرت اخيرا ما فعلته دون وعي وتناسته في خضم ما حدث ..
همست بتردد وخفوت :-
” عمار ، يبدو إنني إرتكبت مصيبة دون وعي مني ..؟!”
رفع حاجبه مرددا بعدم فهم :-
” أي مصيبة ..؟!”
التفتت نحوه بملامح فزعة :-
” سهام .. سهام حامل وانا …”
توقفت عن حديثها بملامح هلعة ليسألها بحذر :-
” وانت ماذا ..؟!”
قالت بصوت مرتجف تماما :-
” وضعت لها زيت خروع في القهوة ..”
سكنت ملامحه تماما لتقول وهي تتمسك بذراعه بصدق :-
” لكنني والله لم أقصد شيئا سيئا من تصرفي هذا ..”
” لماذا فعلت ذلك ..؟!”
سألها بضيق لتهتف بسرعة :-
” انا لا اعرف كيف تصرفت بهذه الحماقة .. عمار انا لم أفكر إنه من الممكن أن يؤثر على الجنين ..”
” هل انت مجنونة ..؟! لماذا وضعته أساسا ..؟!”
هدر بها منفعلا لتقول بسرعة :-
” كنت أريد الانتقام منهما بأي طريقة على وقاحتهما في القدوم الى منزلنا .. فكرت أن أضع زيت الخروع الذي كل ما أعرفه عنه إنه يسبب آلاما في البطن وإسهال …”
قاطعها بنزق :-
” هذه تصرفات طفولية حمقاء لا تليق بمثل سيدة في عمرك .. ”
سألته بخوف :-
” الخروع لا يسبب الإجهاض ، أليس كذلك ..؟!”
رد بنرفزة :-
” وهل أنا طبيب نسائية لأجيب على سؤال كهذا ..؟!”
ابتلعت ريقها بقلق بينما سألها هو :-
” كم وضعتي منه ..؟!”
ردت بسرعة وهي تتذكر الكمية التي وضعتها :-
” بضعة قطرات في كل فنجان .. لكنها لم ترتشف سوى القليل منه .. عمتي فقط من تناولته بالكامل ..”
” عمتك تلك فلتذهب الى الجحيم .. هي ليست حامل واذا ماتت سترتاحون منها جميعا حتى والدك سيتخلص من هذه العجوز الشمطاء ..”
” هل هذا وقت حديثك هذا ..؟!”
قالتها وهي تكاد تبكي ليرد بضيق :-
” وماذا تريدين أن أفعل ..؟! لقد حدث ما حدث .. ادعِ ربك ألا تجهض طفلها …”
قالت بصوت شبه باكي :-
” يا إلهي .. هذه جريمة .. ربما يعدموني بسببها .. هذه جريمة قتل ..”
رد بجدية :-
” كلا لن تصل الى الاعدام .. فقط عدة سنوات ولكن والدك سيتنازل بالطبع ..”
قاطعته بعصبية :-
” اصمت من فضلك فأنا ..”
توقفت عن حديثها وهي تشعر بدوار يلازمها فزفر أنفاسه بنفاذ صبر وهو يقبض على ذراعها هاتفا بحنق :-
” حسنا توقفي .. دعينا نذهب الى السيارة كي أعيدك الى المنزل .. ”
” انا بخير ومعي سيارتي ..”
قال بجدية :-
” حسنا اذهبي بسيارتك لكن تذكري إنني عرضت عليك توصيلك لذا انا لست مسؤولا عن أي شيء سيحدث معك بالطريق اذا ما أصابك هذا الدوار مجددا ..”
” ارجوك يكفي .. انا خائفة حقا .. سأكون قاتلة ..”
رد بلا مبالاة :-
” يكفي يا ليلى .. ما هذه الدراما ..؟! قاتلة مرة واحدة ..؟! ثانيا هذه نتيجة تصرفك الأرعن … أين كان عقلك وانتِ تفكرين بهذه الطريقة ..؟! تصرفك غبي واذا فقدت زوجة والدك جنينها ستخسرين كل شيء لإن والدك حينها سيعلم إنك السبب وسوف يساومك بعدم الإبلاغ عنك مقابل التنازل عن قضية السرقة ..”
أضاف وهو يرميها بنظرات نافرة :-
” منذ قليل مدحت ذكائك ولكن الآن يؤسفني أن أسحب مديحي كله .. انت أغبى مخلوقة رأيتها في حياتي .. كنت أظن إنك تعلمت القليل من الشيطنة والمكر لكنك كالعادة تثبتين لي إنك لن تتغيري .. تصرف كهذا يصدر من فتاة رعناء طائشة وليست من إمرأة تجاوزت منتصف العشرينات ومن المفترض إنها تخطط للحصول على حقها من والدها …”
اندفع بعدها مغادرا وهو يردد مع نفسه :-
” غبية .. كلما ظننت إنها تغيرت تثبت لي إنها ما زالت حمقاء وغبية ..”

دلفت ليلى الى منزلها أخيرا بملامح مرهقة عندما وجدت مريم تتقدم نحوها بسرعة وملامح غاضبة تسألها بنفاذ صبر :-
” وأخيرا أتيت .. هل يمكنني أن أعرف ماذا يحدث بالضبط ..؟؟”
ردت ليلى بتعب وهي تهم بالصعود للأعلى :-
” مريم انا متعبة واحتاج الى الراحة … ”
لكن مريم وقفت في وجهها تمنعها من الصعود تصيح بعصبية :-
” تطلبين مني إدعاء المرض لأجل أن تأتي والدتي عندي ثم يحدث أمر السرقة الغير منطقي .. ماذا يحدث بالضبط يا ليلى وماذا تخفين عنا ..؟!”
” إخفضي صوتك يا مريم ..”
قالتها ليلى بتحذير لترفع مريم صوتها أكثر قائلة :-
” لماذا أخفضه ..؟! هل هناك ما يدعوني لذلك ..،؟! ”
قبضت ليلى على ذراعها بعنف وسحبتها بقوة نحو الطابق العلوي وهي تهدر بها :-
” تعالي معي ..”
تبعتها مريم على مضض حتى صعدتا الى الطابق العلوي حيث دفعت ليلى مريم الى الداخل ودلفت بعدها تغلق الباب خلفها بقوة لتجد مريم تصيح بصوت مليء بالحنق :-
” الآن ستخبريني ماذا يحدث بالضبط ..؟! ما سبب تصرفك اليوم ..؟! إلام تخططين ..؟! ”
” ألم تخبرك ماما ..؟! لقد سرقت سهام سواري ..”
قاطعتها مريم بحدة :-
” هذا الكلام يمكنك أن تخدعي به والدتي … أما أنا فلن أصدقه خاصة بعد طلبك الغريب .. انتِ كنت تخططين لكل هذا .. لكن ما سبب هذا المخطط ..؟! لا أعلم ولكنني أريد أن أعلم والآن ..”
قالت ليلى بسرعة ورجاء :-
” مريم ، من فضلك لا تفعلي هذا .. انا لدي ما يكفيني من مشاكل .. لا تتسببي بمشاكل جديدة لي ..”
صاحت مريم وقد بلغ غضبها أوجه :-
” مشاكل مشاكل .. تتحدثين عن مشاكل ترفضين الإفصاح عنها حتى .. انا من حقي أن أعلم ما يحدث بالضبط .. من حقي أن أفهم سبب تصرفاتك التي قمت بها اليوم ..”
” ستعلمين كل شيء لكن في الوقت المناسب ..”
قالتها ليلى محاولة احتواء غضبها لكن مريم لم تهتم وهي تصيح بقوة وانفعال مصرة على كشف سر تصرفات اختها :-
” بل الآن .. ستخبريني الآن عما يحدث وما يجمعك بسهام تلك ولمَ إتهمتها بأمر السرقة ..؟! هل تظنيني غبية لأصدق إنها قد تجرؤ على سرقة سوار موضوعا على رسغك ..”
أغمضت ليلى عينيها بتعب بينما أضافت مريم بإصرار :-
” أخبريني ماذا يحدث بالضبط ..؟! انا من حقي ان أعلم بكل شيء .. ”
” سأخبرك .. ولكنك سوف تسيطرين على أعصابك ولا تقومي بأي تصرف أهوج ..حسنا ..؟!”
نظرت مريم اليها بقلق وقد أدركت إن هناك مصيبة ما تحدث وسوف تعلمها حالا ..
هزت رأسها موافقة على حديث ليلى التي قالت بصوت خرج مبحوحا :-
” سهام … ”
” ما بها سهام ..؟!”
سألتها مريم بنفاذ صبر عندما توقفت ليلى عن إكمال حديثها لتضيف ليلى :-
” عمتك تخطط لتزويجها من والدي .. ”
بهتت ملامح مريم للحظات لكن سرعان ما عاد الغضب يسيطر على ملامحها وهي تصرخ بغضب :-
” ماذا تقولين انت ..؟! ماذا يعني تخطط لتزويجها من بابا..؟! ما هذا الجنون ..؟!”
أضافت وهي تهز رأسها بعدم تصديق :-
” ألم نتخلص من هذا الموضوع ..؟! بعد كل هذه السنوات وما زالوا يريدون تزويجه … ”
قالت ليلى بسرعة :-
” كلا لم نتخلص منه ونعم ما زالوا يريدون ذلك .. يريدون صبيا …”
قاطعته مريم بصوت جهوري :-
” اللعنة عليهم وعلى الصبي الذي يريدونه .. لديهم أكرم ابن أخيهم ايضا .. ما مشكلتهم مع ماما كي يحاولون إيذائها بتلك الطريقة ..؟!”
قالت ليلى بترجي :-
” اخفضي صوتك بالله عليك .. لا يجب أن تسمع ماما حديثنا ..”
” وانت ماذا ستفعلين ..؟! ولماذا إتهمتها بالسرقة ..؟! ووالدك ..؟! ما دوره ..؟! ”
أضافت تسألها بنبرة مجنونة :-
” هل هو موافق ..؟! هل سيتزوجها حقا ..؟! أخبريني كي أتصرف معهما ..”
قاطعتها ليلى بتوسل :-
” اهدئي ارجوكِ .. أتوسل إليك أن تهدئي .. مريم حبيبتي افهميني من فضلك .. بابا لم يوافق بعد وهو لا يعرف إنني علمت بمخطط أخته … ”
صمتت قليلا ثم أكملت بحذر :-
” امنحيني قليلا من الوقت .. بضعة أيام فقط لا غير .. وانا أعدك إنني سأتصرف وأحل الموضوع ..”
ضغطت مريم على فمها بصعوبة تردد بقهر :-
” ماذا لو فعلها وتزوج ..؟! ماذا سنفعل حينها ..؟!”
قبضت ليلى على ذراعها ثم ضغطت على ذقنها بأناملها ترفع وجهها نحوها تهتف بها بقوة وعزيمة :-
” أخبرتك إنني سأتصرف .. فقط ثقي بي وامنحيني بعض الوقت ولا تخبري أي أحد بهذا الأمر .. ارجوك يا مريم .. لا تدمري جميع ما فعلته .. لا تدمري خططي ..”
قاطعها صوت والدتها وهي تنادي عليها ويبدو إنها علمت بقدومها فتنهدت بتعب قبل ان تخبر مريم بجدية :-
” سأتحدث مع والدتي .. ما تحدثنا به هنا سيبقى سرا بيننا .. حسنا ..؟!”
اكتفت مريم بالصمت فقط فزفرت ليلى أنفاسها بتعب حقيقي وهي تخرج من غرفتها تهبط الى الطابق السفلي حيث تنتظرها والدتها التي نهضت من مكانها تسألها بقلق :-
” ماذا حدث في مركز الشرطة يا ليلى ..؟! ”
ردت ليلى بجدية :-
” ماذا سيحدث يعني ..؟! بعدما وجدوا السوار عندها قبضوا عليها وتم التحقيق معها …”
” هل حبسوها ..؟!”
سألتها والدتها بقلق لتنظر ليلى نحوها بإستنكار قبل ان تقول من بين أسنانها :-
” خرجت بكفالة حتى يتم محاكمتها ..”
” تنازلي عن القضية يا ليلى .. لقد عاد سوارك لك ..”
قاطعتها ليلى بحنق :-
” ما هذا الكلام ..؟! ارجوك يكفي حقا .. كفي عن طيبتك المبالغة بها …”
لكن والدتها قاطعتها بجدية وصرامة :-
” هذه ليست طيبة فقط .. انها إمرأة وحيدة وفقيرة وربما كانت تحتاج الى المال و..”
” لا يوجد اي مبرر لفعلتها ..”
قالتها ليلى بإصرار لتصيح والدتها بها بحنق :-
” ليلى ..”
رفعت فاتن وجهها نحو السلم لتجد مريم تهبط درجاته ثم تقف أمامهما تهتف بجدية :-
” ليلى معها حق .. هي سرقت وعليها أن تتحمل نتيجة تصرفها .. ”
” لا تكونا قاسيتان هكذا … ”
قاطعتها مريم بنفاذ صبر :-
” ربما نحن من يجب أن نطلب منك العكس …؟! لا تكوني متسامحة الى درجة التخاذل …”
” مريم ..”
صاحت بها ليلى بتحذير فتأففت مريم بحنق واندفعت خارج المكان عندما تبعتها ليلى بسرعة تنادي عليها ..
” نعم نعم ، ماذا تريدين مني ..؟!”
هتفت بها مريم بعصبية بعدما توقفت مكانها أخيرا لتحذرها ليلى بصوتها الصارم :-
” لا ترفعي صوتك في وجهي هكذا مرة أخرى …”
زمت مريم شفتيها بينما أكملت ليلى تسألها :-
” الى أين ستذهبين ؟!”
ردت مريم بأعصاب مشدودة :-
” الى الجحيم ..”
رمقتها ليلى بنظرات محذرة فقالت بحنق :-
” أريد الإنفراد بنفسي قليلا .. احتاج الى بعض الهواء النقي … ”
” إياكِ أن تتحدثي مع والدي بخصوص أي شيء ..؟! هل فهمتِ ..؟!”
” فهمت ..!”
قالتها مريم بإقتضاب ثم اندفعت خارج الفيلا تتابعها نظرات أختها القلقة وتفكيرها اتجه لا اراديا الى اللحظة التي ستدرك بها مريم الحقيقة كاملة وهي تتأكد من جديد إن ردة فعلها ستكون متطرفة للغاية ..!!

كانت تقود سيارتها دون وجهة محددة وهي تشعر بالإختناق الشديد ..
قلبها يؤلمها بطريقة غريبة …
لم يكن ينقصها سوى أمر زواج والدها من أخرى ..
ألا يكفيها ما يحدث معها منذ مدة .. ؟! غياب اكرم وضغوطات عمار ومشاكل ليلى والآن والدها أيضا ..
شعرت بألم شديد في قلبها فأوقفت سيارتها على الطريق جانبا وهي تشعر برغبتها الشديدة في رؤيته ..
التحدث معه كما اعتادت أن تفعل .. تشتاق له بشدة لكنها لا تستطيع أن تبوح بشوقها هذا لأقرب الناس لها حتى وهي لا تجد مبررا واحدا لتصرفها الدنيء معه ..
سحبت هاتفها تنظر اليه بتردد قبل ان تحسم أمرها وتجري اتصالا به ..
شعرت بنبضات قلبها ترتفع لا إراديا مع صوت رنين الهاتف لكن الرنين انقطع وهو لم يجبها ..
بالتأكيد لا يرغب بالتحدث معها .. هذا ما فكرت به وهذا ما جعلها تتألم أضعافا ..
زاد شعور الإختناق داخلها وشعرت برغبة في الحديث مع أحدهم فلم تجد سوى صديقتها المقربة لتشاركها همومها …
أجرت اتصالا هاتفيا بها فجائها صوتها المرحب كعادته :-
” اهلا مريم ..”
هتفت مريم بسرعة :-
” غادة ، أين انتِ الآن ..؟!”
شعرت غادة بتغير صوتها فردت بسرعة :-
” انا في الجيم ..أمارس الرياضة كعادتي في هذا الوقت من اليوم .. ما باله صوتك هكذا ..؟! هل حدثت مشكلة جديدة معك ..؟!”
” أريد رؤيتك … أحتاج لذلك بشدة …”
جاءها رد غادة السريع والفوري :-
” سآتي حالا .. أين انتِ ..؟!”
أجابتها مريم :-
” سأذهب الى أقرب مقهى او مطعم أجده على طريقي وهناك سأرسل الموقع لك ..”
” حسنا أنتظرك ..”
قالتها غادة بإيجاز لتغلق مريم الهاتف معها ثم تحرك مقود سيارتها مجددا متجهة الى اقرب مقهى او مطعم تجده في طريقها …
بعد مدة جلست غادة أمام مريم تسألها بقلق وهي التي أخذت حماما سريعا وغيرت ملابسها بسرعة أكبر كي تصل إليها بأسرع ما يمكن :-
“أخبريني ماذا هناك ..؟! هل أنت بخير ..؟! لماذا نبرة صوتك متعبة الى هذا وملامحك شاحبة ..؟!”
” انا لست بخير ابدا ..”
قالتها مريم بملامح متألمة لتسألها غادة بقلق أكبر :-
” ماذا حدث يا مريم .. ؟! أخبرني ..”
ردت مريم بوجع :-
” المشاكل حولي لا تنتهي … كل يوم مشكلة جديدة … وغياب أكرم يعذبني … خاصة عندما أتذكر الطريقة التي تحدثت بها معه وكيف تركته …”
قالت غادة بجدية :-
” تصرفك كان خاطئا .. كان عليك أن تخبريه الحقيقة كيف يتصرف بنفسه مع ذلك الدنيء … ”
أضافت غادة بحنق :-
” حتى ليلى يجب أن تعلم بتصرفاته معك .. هو زوجها وعليها أن تدرك ما يفعله بك وتهديداته الحقيرة لك ..”
ردت مريم بسرعة وضيق :-
” ما بالك يا غادة تتحدثين وكأنهما زوجين حقيقيين ..؟! هل نسيت وضع ليلى معه ..؟! ”
” ولكن ما تفعلينه ليس حلا .. لقد تركتي اكرم بسببه .. وترفضين إخبار ليلى .. سيتحكم بك كما يشاء بهذه الطريقة ..”
ردت مريم بسرعة :-
” ومن قال إني سأسمح لك بذلك ..؟! اصبري فقط وسترين ما سأفعله به ..”
هتفت غادة بتحذير :-
” لا تعبثي معه يا مريم .. هذا الرجل ليس سهلا على الإطلاق ونتيجة العبث معه لن تكون مجدية ابدا بل ستكون نتائجها وخيمة للغاية …”
قالت مريم محاولة تغيير الموضوع :-
” ما يثير حنقي الآن هي ليلى .. لقد تراجعت عن دعوة الطلاق بل أشعر إن هناك ما يجمعهما .. ذلك اليوم أوصلها الى المنزل مساءا .. هل تصدقين ذلك ..؟!”
قالت غادة بجدية :-
” ربما تريد إغاظة نديم بهذه الطريقة ..”
هتفت مريم بنفس :-
” كلا ، ليست ليلى من تتصرف بهذه الطريقة .. ليلى ليست سطحية الى هذا الحد وإذا أرادت إثارة غيرة نديم فعمار آخر من سوف تستخدمه لذلك .. صحيح في احدى المرات إتهمتها بشيء كهذا لكنني تقصدت قول ذلك كي أستفزها وتقول الحقيقة ..”
” لماذا اذا تراجعت عن الطلاق بل وأصبحت تتعامل معه على غير عادتها ..؟!”
سألتها غادة بتعجب لتجيب مريم بشرود :-
” وهذا ما أريد أن أعرفه .. هناك ما يجمعهما .. هناك سر بينهما .. سر في حياة ليلى .. ”
قالت غادة بتردد :-
” هل يمكن إنهما قررا فجأة أن يمنحان زيجتهما فرصة جديدة ..؟!”
” ما هذا الهراء يا غادة ..؟! فرصة جديدة مع عمار ..؟! كلاهما لا يطيق الآخر ..”
” ربما تغيرت مشاعرهما او ربما بعد ارتباط نديم بأخرى قررت ليلى أن تمنح عمار فرصة جديدة فهو في النهاية زوجها ..”
لحظات قليلة فكرت مريم في كلام غادة لكن سرعان ما هزت رأسها تعترض على حديثها :-
” كلا ، هذا مستحيل .. ليلى لا تفعل هذا …انت لا تعلمين كل شيء .. عمار دمرها حرفيا …”
اضافت بجدية :-
” كما إنه ما زال يلاحقني .. لقد تحدث معي ذلك اليوم بعدما أوصلها الى المنزل ..”
” انا لا أفهم هذا الرجل حقا .. هل يعقل إنه يحبك فعلا يا مريم..؟!”
ضحكت مريم بخفة وهي تردد بسخرية :-
” يحبني ..!! إنها المرة الأولى التي أرى فيها داخلك جانبا ساذجا او دعينا نقول بريئا قليلا يا غادة ..”
أكملت وهي تلاحظ تجهم ملامح غادة :-
” عمار لا يحبني .. هو فقط يرغبني .. يرغب في إمتلاكي .. هو رجل مهووس ، مريض ومتملك .. يريد أن يسير الكون بأكمله على مزاجه … يرى إنني طالما أعجبته فيجب أن أصبح ملكا له كغيري … هذا الرجل مريض بحق وأنا سأكون علاجه بإذن الله ..”
ضحكت غادة مرغمة وهي تردد :-
” ماذا ستفعلين به ..؟!”
ردت مريم وهي ترفع ذقنها عاليا :-
” سأجعله يكره صنف النساء بالكامل بسببي بل سأجعله يكره نفسه ايضا ..”
سيطرت الجدية على ملامح غادة من جديد وهي تقول :-
” سأقولها مجددا .. لا تلعبي بالنار يا مريم .. ابتعدي عنه واكتفي بإخبار أكرم او حتى والدك بتصرفاته معك .. هذا الرجل مخيف ويمكنه أن يفعل الكثير ..”
زفرت مريم أنفاسها قبل أن تهتف بحزن :-
” انا حزينة للغاية يا غادة .. هذه الفترة تسيطر علي كآبة شديدة ولا أشعر بالرغبة في فعل أي شيء ..”
صمتت غادة قليلا تتأمل ملامحها التي تشير بوضوح لمدى كآبتها لتهتف بعد لحظات :-
” دعينا نسافر …”
عقدت مريم حاجبيها تهتف بها :-
” نسافر ..؟!”
هزت غادة رأسها تضيف :-
” نعم .. نسافر .. سياحة يعني .. ألسنا في عطلة ..؟! لنسافر إسبوعين او ثلاثة الى الخارج … صدقيني السفر سوف يساعدك كثيرا وسترفهين عن نفسك حينها….”
نظرت مريم الى بتفكير قبل ان تقول :-
” ربما بالفعل السفر سيكون جيدا لي هذه الفترة .. انا أحتاج الى الإبتعاد قليلا عن هنا ..”
قالت غادة بحماس :-
” رائع .. أين سنسافر اذا ..؟! اختاري انتِ المكان هذه المرة …”
لمعت عينا مريم بتفكير قبل ان تردد بجدية :
” لا أعلم .. اوروبا ..؟! ايطاليا مثلا ..؟! أم فرنسا …؟!”
قالت غادة بدورها :-
” ايطاليا رائعة .. فرنسا كذلك .. اسبانيا ايضا .. ويمكن أن نسافر الى الإمارات .. دبي رائعة ..”
قاطعتها مريم بجدية :-
” لقد سافرنا مرتين الى هناك مسبقا يا غادة وسافرت مع عائلتي مرتين ايضا ..”
قالت غادة بسرعة :-
” لكن دبي رائعة وبها أماكن ترفيه كثيرة … ”
قاطعتها مريم بجدية :-
” كلا ، اريد مكانا مختلفا ..”
” لماذا لا نسافر الى تركيا ..؟!”
زمت مريم شفتيها وهي تردد بعدم اقتناع :-
” تركيا يا غادة ..؟! لقد سافرت هناك اكثر من مرة ..”
” اذا اليونان ..؟! تعرفين إنني أريد رؤيتها منذ وقت طويل …”
اعترضت مريم بسرعة :-
” العام الماضي كنت هناك ..”
ردت غادة وهي تمط شفتيها :-
” كنت مع عائلتك وليس معي .. كما إنني لم أذهب الى اليونان مسبقا سوى مرة واحدة عندما كنت في التاسعة من عمري لهذا انا لا أتذكر أي شيء منها والجميع يقول إنها رائعة ..”
بدت مريم غير راضية عن هذا الخيار فزفرت غادة أنفاسها بضيق قبل ان تردد بحسم :-
” حسنا انت لا تريدين اليونان لإنك سافرتِ العام السابق هناك .. لذا أفضل خيار لنا ستكون تركيا .. سنسافر الى هناك لمدة اسبوعين .. برأيي نذهب الى الجنوب التركي فهناك البحر رائع ..”
” حسنا موافقة ..”
قالتها مريم بجدية لتتنفس غادة الصعداء وهي تردد براحة :-
” أخيرا ..”
اضافت تسألها بجدية :-
” نسافر نهاية الأسبوع ، ما رأيك ..؟!”
هزت مريم رأسها موافقة وهي تقول :-
” سيكون افضل .. تولي انتِ أمر الحجز سواء الطائرة او المنتجع هناك ولا تنسي أن تختاري أفضل منتجع هناك والطيارة سنجلس في فئة رجال الاعمال ورواد المجتمع ”
” تتحدثين وكأننا نسافر معا لأول مرة .. لا تقلقي سأحجز لك في منتجع أروع ما يمكن .. الليلة الواحدة به تكلف ثروة ..”
توقفت غادة عن حديثها وهي ترى ملامح مريم التي أضيئت فجأة بعدما صدح صوت رنين هاتفها ..
قفزت مريم من مكانها وهي تحمل هاتفها تصرخ بسعادة :-
” أكرم يتصل بي ..”
ثم اتجهت خارج المكان وأجابت عليه بلهفة :-
” اكرم ، كيف حالك ..”
جاءها صوت أكرم الهادئ :-
” اهلا مريم ، انا بخير .. ماذا عنك ..؟! اعتذر لإنني لم أجب على اتصالك لكن هاتفي لم يكن معي وقتها ..”
ابتسمت مريم وهي ترد :-
” لا عليك ..”
أضافت بصوت متشنج قليلا :-
” ظننت إنك لا ترغب بالإجابة على مكالماتي ..”
قال أكرم بسرعة :-
” ما هذا الكلام يا مريم ..؟ لم لا أجيب عليك ..؟! مهما حدث بيننا تبقين ابنة عمي .. ”
قالت وهي تعض على شفتيها :-
” انا كنت أريد فقط الإطمئنان عليك …”
” انا بخير يا مريم .. أخبريني عنك .. هل انت بخير ..؟!”
ردت وهي تشعر بدموعها تترقرق داخل مقلتيها :-
” كلا انت لست بخير … لست بخير أبدا يا أكرم ..”
سألها أكرم بقلق :-
” ماذا حدث يا مريم ..؟! هل حدثت مشكلة ما معك ..؟!”
أخذت مريم نفسها ثم قالت :-
” سأخبرك ولكن لا تخبر أحدا …”
” أسمعك ..”
ابتلعت ريقها ثم قالت :-
” عماتك يردن تزويج والدي .. ”
” ماذا ..؟! هل أصابهن الجنون ..؟! أي زواج بعد هذا العمر ..؟!”
هتفت مريم بصوت حزين :-
” تخيل يا أكرم .. لقد اختاروا العروس ايضا .. سهام .. تعرفها بالطبع ..”
” سهام من ايضا ..؟!”
صمت للحظة ثم قال بعدم تصديق :-
” سهام ابنة خالهم .. انت تمزحين ..؟!”
قالت مريم بسرعة :-
” ابدا لا أمزح .. يريدون تزويج والدي من سهام كي تنجب له الصبي اللعين ..”
هتف أكرم بسرعة :-
” ما هذا الجنون ..؟! لقد جنوا تماما ..”
” ماذا أفعل مع هؤلاء الساحرات الشريرات أخبرني ..؟!”
قالتها بحنق ليرد بسرعة :-
” لا تفعلي شيئا .. عمي لن يهتم بهن كالعادة .. ”
” ولكنني أشعر بالخوف من أن يفعلها …”
قالتها بخوف حقيقي وشعور غريب داخلها يخبرها إن هذه المرة مختلفة للغاية عن سابقتها ..
قال أكرم بسرعة :-
” بالطبع لن يفعل … لم يفعلها وهو شاب يا مريم فكيف سيفعلها بعد كل هذه السنوات ..؟! والدك لو أراد لكان تزوج بعد حادثة والدتك منذ أعوام وإدراكه عدم قدرتها على الإنجاب مجددا .. لم يكن لينتظر كل هذا الوقت ..”
” هل هذا رأيك يا أكرم ..؟!”
سألته بصوت متأمل ليقول بجدية :-
” لا تقلقي يا مريم .. عمي لا يمكن ان يفعلها .. لا تنسي كم يحب والدتك ويحترمها .. ”
” نعم أعلم ..”
قالتها بصوت متألم لتسمعه يضيف :-
” لا تسمحي لأوهام كهذه أن تسيطر عليك وبالنسبة لعماتك فأنا سأتحدث معهن ..”
” حقا يا أكرم .. ؟!”
” بالطبع يا مريم ، لا تقلقي ..”
” لا نريد منهن شيئا سوى أن يبتعدوا عني ويكفوا عن محاولتهن في إيذاء ماما ..”
قالتها بصدق ليهتف بجدية :-
” أخبرتك ألا تقلقي .. انا سأعرف كيف أتحدث معهن ..”
” شكرا كثيرا يا اكرم ..”
قالتها بنبرة رقيقة ممتنة ليأتيها صوته الرخيم :-
” على الرحب والسعة يا ابنة عمي ..”
حل الصمت المطبق بينهما لتسمعه يسأل أخيرا :-
” هل هناك شيئا آخرا تودين قوله قبل أن أنهي المكالمة ..”
قالت بسرعة ونبرة صوتها بدت حزينة قليلا :-
” كلا ، انا فقط أردت الإطمئنان عليك والفضفضة معك قليلا .. ”
” حسنا … أبلغي سلامي للجميع ..”
قالت بدورها :-
” وانت ايضا أبلغ سلامي لعمي وزوجة عمي ..”
” إعتبريه واصلا اذا ..”
ودعها بعدها منهيا المكالمة لتتطلع الى الهاتف بملامح سيطرت عليها السعادة في تلك وفكرة إنه اتصل بها بعدما رأى اتصالها أراحتها كثيرا بل عدلت مزاجها كليا ..

بعد مرور ثلاثة ايام
” مساء الخير ..”
رفعت وجهها بسرعة تتأمل وقوفه أمامها بهيئته الأنيقة المعتادة وملامحه الجذابة يبتسم لها بخفة وعيناه تتأملانها بإهتمام صريح ..
” صباح النور ..”
قالتها بصوتها الجاد الرزين محاولة السيطرة على دهشتها من رؤيتها له اليوم تحديدا وهو الذي كان يشغل تفكيرها طوال الأيام السابقة …
تقدم نحوها وأشار الى الكرسي المقابل لها يسألها :-
” هل يمكنني الجلوس ..؟!”
ردت بسرعة :-
” بالطبع تفضل ..”
ابتسم لها وهو يجلس قبالها يسألها وعيناه تحاصران عينيها بقوة :-
” كيف حالك يا غالية ..؟!”
ردت وهي تبتسم بلباقة :-
” انا بخير الحمد لله .. وانت كيف حالك ..؟!”
رد بجدية :-
” بأفضل حال ..”
أضاف بنبرة أبطأ :-
” وأنتظر جوابك أيضا …”
تلكأت في جوابها للحظات قبل أن تجيب بعدها بصوتها الجاد الرزين :-
” أحتاج المزيد من الوقت يا فراس .. قرار كهذا ليس سهلا ..”
هتف بمرونة :-
” على راحتك بالطبع .. انا سأنتظر جوابك بلهفة دائما وأبدا ..”
ترددت للحظات لكنها قالت أخيرا :-
” ولكن رغم كل هذا هناك ما أحتاج أن أعرفه منك …”
” بالطبع يا غالية .. ”
قالها بهدوء ورزانة تليق به قبل أن يضيف :-
” هل تحبين أن نتحدث هنا أم الأفضل أن نذهب الى احد المطاعم ..؟!”
ردت بسرعة :-
” لا هذا ولا ذاك .. اليوم لا يمكننا التحدث ..”
” كما تحبين … ”
قالها بهدوء قبل أن يضيف متسائلا :-
” هل هناك شيئا ما تريدين قوله قبل أن أغادر …؟!”
صمتت للخطة توازن الأمور في عقلها قبل أن تقول أخيرا :-
” اليوم خطوبة أخي .. يعني اذا أردت يمكنك القدوم ..”
ابتسم وقال :-
” إذا هذه تعتبر دعوة رسمية منك ..؟!”
قالت بجدية :-
” نعم هي كذلك وفرصة أيضا للتعرف على عائلتي .. والدتي وأخي وبقية افراد العائلة ..”
أضافت بعدها بسرعة :-
” ولكن ستأتي كصديق فقط … يعني موضوع الخطبة وما شابه سنتركه لاحقا ..”
ضحك مرددا :-
” بالطبع لن أفتح موضوع خطبتي لك مع أخيك في يوم خطبته يا غالية .. ”
” هما يعلمان إنك تريد الزواج مني ..”
قالتها بجدية ليكمل عنها :-
” لكنهما يرفضان بسبب وضعي كرجل مطلق ..”
هزت رأسها موافقة لتتفاجئ به يسألها :-
” وماذا عن عمار ..؟! ما رأيه هو الآخر ..؟! يعني بما إنه أخيك الأكبر فرأيه هو الآخر مهم بالطبع …”
صمتت لوهلة قبل أن تجيب بهدوء لا يخلو من الحزم :-
” عمار لا دخل له في هذا الموضوع .. ”
تأملت دهشته لتضيف بهدوء :-
” عمار فقد حقه منذ سنوات في إبداء قراره بأي شيء يخصني .. ربما انت لا تعلم حتى الآن طبيعة العلاقة بيننا لكن اذا ما إرتبطنا رسميا ستعرف بالضبط ما أعنيه ..”
هز رأسه متفهما ثم منحها إبتسامة رسمية قبل أن يسألها :-
” اذا أين ستقام الحفلة ومتى موعدها ..؟!”
أجابته :-
” ستقام في الفيلا عندنا … ”
أضافت تخبره بموعد الحفلة قبل أن تنهض بدورها وهي تقول :-
” انا ايضا يجب أن أغادر الآن ..”
أضافت وهي تنظر الى ساعتها :-
” لم يتبقَ سوى بضع ساعات على موعد الخطبة .. يجب أن أسارع لتجهيز نفسي قبلها ..”
هتف وهو يراها تقف أمامه ببذلتها الخضراء الأنيقة المكونة من بنطال كلاسيكي أخضر اللون فوقه سترة من نفس اللون يوجد أسفلها قميص كريمي اللون من قماش الساتان :-
” أتطلع شوقا لأرى إطلالتك الليلة .. ستخطفين أنفاسي كالعادة ..”
” سنرى ..”
قالتها وهي تبتسم برقة قبل أن يغادران سويا المكتب حيث رحلت هي في طريقها الى صالون التجميل بينما ركب هو سيارته بدوره منطلقا الى منزله …
هبط من سيارته بعد حوالي نصف ساعة ودلف الى المنزل ليسمع صوت يألفه جيدا فتغضن جبينه بإنزعاج رغما عنه وهو يتقدم الى الداخل …
” مساء الخير ..”
قالها بهدوء متأملا إياها وهي تجلس بجانب ابنه توليه كامل إهتمامها وعلى جانبها تجلس اخته الصغيرة التي أجابت تحيته بتأهب بينما رفعت هي عيناها أخيرا لتلتقي بعينيه بنظرة طويلة قبل أن تهمس بخفوت :-
” مساء النور ..”
نقل بصره بين أخته وبينها ليسأل بغلظة :-
” أين أمي ..؟!”
ردت أخته بجدية :-
” ليست هنا .. ذهبت لزيارة صديقتها المريضة ..”
” جيد ..”
قالها بإقتضاب قبل أن يشير الى أخته بصوته الآمر :-
” خذي تميم من فضلك واصعدي به الى غرفته فأنا أريد التحدث مع عهد لوحدنا قليلا ..”
نظرت اخته الى عهد بتردد لكن الأخيرة ابتسمت لها بهدوء قبل ان تنحني نحو طفلها تقبله من وجنته وهي تخبره :-
” تميم حبيبي إذهب مع عمتك الى غرفتك ..انا ووالدك نريد التحدث بمفردنا ..”
تطلع الى والده بنظرات نافرة قليلا قبل أن يقبل والدته وهو يهمس لها بينما كفه يقبض على كفها بتملك :-
” سأراك مجددا ، أليس كذلك ..؟!”
ابتسمت فبرزت غمازاتها الواضحة جدا وهي تجيب بنبرة حنونة :-
” بالطبع ستراني دائما يا حبيبي ..”
نهض الولد من مكانه ثم وقف يمنح والده نظرات صامتة قبل أن يستدير لوالدته وهو يقول :-
” سأصعد مع عمتي لأنك تريدين هذا ..”
ثم منحها قبلة في الهواء قبل أن يسير مع عمته خارج المكان تاركا والده بملامح محتقنة من تصرفات ابنة بل و نظراته الكارهة النافرة الذي بات يرميه بها كلما رآه ..
” لماذا أتيتِ ..؟!”
صدح سؤاله أخيرا بصوته الفظ كالعادة لتنهض من مكانها وتقول بجدية :-
” من الجيد إنهما غادرا .. فأنا أتيت خصيصا لرؤيتك والتحدث معك ..”
سار نحو الكنبة المقابلة لها وجلس عليها واضعا قدما فوق الأخرى متسائلا بإستهزاء :-
” حسنا ، وما سبب رغبتك برؤيتي يا مدام عهد ..؟! وبماذا ستتحدثين معي ..؟!”
عقدت ذراعيها أمام صدرها تسأله بهدوء :-
” ستتزوج إذا …”
ابتسم ملأ فمه وهو يجيب :-
” نعم سأفعل ..”
” مبارك لك ..”
قالتها بنبرة حيادية لم ترضيه لكنه أخفى ذلك وهو يتسائل مجددا بتهكم :-
” هل أتيت الى هنا بنفسك لتباركي لي زواجي ..؟!”
ردت بنفس الهدوء والجدية :-
” بل أتيت لأتسائل عن القادم وعن وضع ابني بعدما تتزوج …”
” عم تتحدثين بالضبط ..؟! لا شيء سيتغير .. الوضع سيبقى كما هو عليه الآن …”
كان يتحدث ببساطة ولا مبالاة مغيظين لكنها تمسكت بأعصابها وهي تتحدث بنفس الهدوء والرزانة :-
” ولكن أنت ستتزوج وتميم من المنطقي أن يعيش معي بعد زواجك .. ليس من المعقول ان يعيش معك انت وزوجتك بينما انا موجودة وأعيش لوحدي ايضا فقط مع والدتي .. من الأفضل للجميع أن يتربى الولد معي وهذا سيكون أفضل لعروسك ايضا ..”
” لا تحشري العروس بيننا .. ”
” ماذا يعني لا أحشرها بيننا ..؟! هي ستصبح زوجتك … وربما ترفض وجود تميم .. أساسا يحق لها أن ترفض وجوده ..”
” لن ترفض .. لا يمكنها أن تفعل ذلك .. ”
قالها بصوت قاطع لتهتف بعدم تصديق :-
” بل يحق لها ان ترفض … تميم ليس يتيم الأم وبالتالي هي غير مجبورة على وجوده معها ورعايته وأمه على قيد الحياة وهي الأحق بكل هذا ..”
أضافت تسأله بملامح شاحبة :-
” أنت بالتأكيد لن تمنح تلك المرأة الحق في تربية ابني بينما انا ما زلت موجودة وأحق به من الجميع ..”
انتفض من مكانه هادرا بها :-
” انت فقدت جميع حقوقك في ابنك عندما تطلقتِ مني يا عهد .. ”
هزت رأسها تردد بعدم تصديق :-
” هو ابني .. ابني انا .. انا والدته وأحق واحدة به.. لماذا تصر أن تحرمني منه يا فراس ..؟! الى متى سوف تستمر في معاقبتي ..؟! وعلام تعاقبني من الأساس ..؟! ”
أضافت وصوتها يتحشرج لا إراديا :-
” أنت حرمتني من طفلي لسنوات … جعلتني أراه كل مرة بصعوبة … لم كل هذا ..؟! لإنني طلبت الطلاق ..؟! لإنني طالبت بأبسط حقوقي .. انت الآن ستتزوج .. ستعيش حياتك كما ينبغي .. ”
تقدم منها وعيناه تلمعان بحقد دفين يهتف بشراسة :-
” نعم سأتزوج .. سأتزوج من فتاة رائعة .. جميلة بل فاتنة .. من عائلة ثرية .. مثقفة وذكية … فتاة مثالية في كل شيء وتناسبني من جميع النواحي .. تماثلني في المستوى المادي والإجتماعي والثقافي … ليست مثلك … هي افضل منك بكل شيء وأرقى منك بألف مرة ..”
رفعت ذقنها تردد بكبرياء :-
” هنيئا لك بها .. اتمنى حقا أن تسعد معها .. ربما هي تستطيع أن تحقق معك ما فشلت انا به ..”
قالت جملتها الأخيرة بغصة قبل أن تضيف بجدية وهي تسيطر على رغبتها بالبكاء :-
” أبارك لك زيجتك مقدما ومن أعماق قلبي .. انا لا أريد منك شيء يا فارس كما إنني لست عدوتك فلا تتعامل معي على هذا الأساس .. انا كل ما أريده هو ابني .. طفلي وحيدي … ”
” ابنك سيبقى هنا في منزل والده .. في رعايتي انا … ولدي يستحق أن يحيا أفضل حياة يا عهد … وانت بحياتك المتواضعة ستظلمينه ..”
هتفت بحدة :-
” لا تكذب .. ليس هذا هو هدفك الأساسي من إصرارك على حرماني منه .. انت تنتقم مني … ”
تقدم نحوها اكثر حتى لم يعد يفصل بينهما سوى القليل ليهتف بملامح سيطر عليها الجنون بتلك اللحظة :-
” نعم أنتقم منك .. اذا كان سيريحك فسأقولها ومرارا ايضا .. انا انتقم منك يا عهد لإنني أكرهك .. أكرهك أكثر من أي شيء ..”
” أنت مريض .. ومرضك يزداد مع مرور السنوات .. ”
قالتها وهي تكافح دموعها اللاذعة ليصرخ بها بقوة بعد كلماتها الأخيرة :-
” اخرجي من هنا .. اخرجي حالا ..”
ثم قبض على ذراعها يدفعها بقسوة وهو يصرخ بصوت جهوري مخيف :-
” اياك ان تدخلي هنا مجددا … إذا رأيتك مجددا هنا سأقتلك بيدي هاتين ..”
” فراس ..”
صدح صوت أخيه الحاد وهو يندفع الى الداخل غير مصدقا لما يراه ..
أخوه يطرد طليقته من منزلهم بطريقة مهينة للغاية ..
جذب عهد خلفه صارخا بأخيه الأكبر :-
” هل جننت يا فراس ..؟! كيف تفعل بها هذا ..؟!”
صاح فراس وهو يشير نحوها بنبرة مجنونة :-
” إخرجها من هنا حالا .. لا أريد رؤيتها أمامي ..”
” اهدأ يا فراس .. هذه أم ولدك الوحيد ..”
قالها أخيه محاولا السيطرة على غضبه لكن فراس بدا كالأعمى وهو يصيح به هذه المرة :-
” اخرجها من هنا يا فادي .. إخرجها قبل أن أقتلها .. لقد تجاوزت كل حدودها معي ..”
همست عهد بنبرة باكية وهي تتحرك بعيدا عن فادي متجهة نحو باب الخارج :-
” دعني أذهب يا فادي .. اساسا انا كنت ذاهبة ..”
أضافت تطلب منه بصوت مترجي :-
” فقط إهتم بإبني جيدا من فضلك .. أعلم إنه يحبك كثيرا … هو أمانة لديك يا فادي ..”
اومأ فادي برأسه بلا وعي يتابعها وهي تخرج باكية قبل أن يعاود ببصره ناحية أخيه الذي بدأ يهدأ تدريجيا وقبل ان يتحدث فادي كان يوقفه بإشارة من يده :-
” إياك أن تقول كلمة واحدة حتى .. انا لست مستعدا لسماع أي شيء في هذه اللحظة ..”
ثم اندفع بخطوات سريعة نحو الطابق العلوي مقررا الإنفراد بنفسه قليلا محاولا السيطرة على إنفعاله المخيف ..

في قصر الهامشي …
طرقات على باب جناحها جعلتها تنتفض من مكانها بتوتر عندما تكررت الطرقات عدة مرات فهتفت بصوت ضعيف خائف قليلا :-
” ادخل …”
عادت الطرقات تتكرر ويبدو إن صاحب تلك الطرقات لم يسمع صوتها الخافت عندما سمعت صوتا رقيقا يهتف من الخارج :-
” جيلان .. هل أنتِ مستيقظة ..؟!”
تقدمت نحو الباب وفتحتها ببطأ لتجد نفس المرأة التي إستقبلتها عند قدومها اول يوم أمامها تبتسم لها بهدوء وهي تقول :-
” مساء الخير .. لم أتسبب في إيقاضك أليس كذلك ..؟!”
ردت بخفوت :-
” كلا انا مستيقظة منذ مدة …”
” هل يمكنني الدخول ..؟!”
سألتها همسة وهي تتأمل خجلها المفرط بل وتوترها الشديد لتهز جيلان رأسها وتسمح لها بالدخول عندما تقدمت همسة الى داخل الجناح وإلتفتت لها تقول وهي تبتسم لها:-
” أتيتِ الى هنا منذ ثلاثة ايام ولكننا لم نتعرف على بعضنا جيدا فأنت لا تخرجين من جناحك سوى في اوقات الطعام ..”
أضافت بصوتها الهادئ الرقيق :-
” فكرت أن أتي إليك بنفسك كي أتعرف عليك عن قرب وأيضا كي أطلب منك الخروج من الجناح قليلا ..”
كانت قد قررت همسة داخلها أن تتركها في اول ايام على راحتها فإحترمت إنعزالها داخل جناحها مكتفية فقط بالهبوط الى الاسفل وقت تناول الطعام حيث تتناول وجبتها بسرعة وتصعد الى جناحها مجددا مكتفية ببعض الكلمات البسيطة التي ترد بها على سؤال راغب المعتاد عن أحوالها وسؤالها هي الأخرى ..
لكن اليوم وبعد مرور ثلاثة أيام شعرت إنه لابد من التقرب منها وإخراجها من عزلتها التي لا تناسب عمرها أبدا فهي في عمر يجب عليها أن تمرح به وتسعد دائما بدلا من الإعتكاف هنا في جناحها لوحدها ..
” ما رأيكِ أن تخرجي معي الى الحديقة الخلفية ..؟! الجو هناك رائع حيث يوجد مكان مخصص للجلوس أسفل مظلة كبيرة .. أعددت الكيك أيضا ومعه عصير البرتقال الطبيعي …”
نظرت لها جيلان بتردد وحيرة فأضافت وهي تبتسم لها :-
” هل تودين تغيير ملابسك اولا ..؟! فستانك لا يحتاج الى التبديل لكن إذا أردتِ سأنتظرك في الأسفل ..”
ردت جيلان بصوت خافت :-
” كلا لن أغيره .. سأنزل هكذا ..”
” هيا بنا اذا …”
قالتها همسة وهي تشير لها أن تتحرك أمامها لتسير جيلان أمامها بالفعل حيث خرجت من الجناح تتبعها همسة التي أخذت بعدها تسير جانبها وهي تخبرها :-
” سيف ونزار في الخارج ايضا … هما يلعبان في الحديقة منذ الصباح .. سوف نستمتع معهما أيضا .. صحيح هما مشاغبان لكن سوف تحبينهما كثيرا .. انا واثقة من هذا ..”
لم تعرف جيلان تقول فإكتفت بإبتسامة مهزوزة عندما هبطت مع همسة الى الطابق السفلي ومنه الى الحديقة الخلفية الذي بدت رائعة للغاية بتلك الأشجار الرائعة والورود الملونة بينما في أحد جوانبها الواسعة كانت هناك عدة مظلات ضخمة يوجد أسفلها ثلاث طاولات تمتد بجانب بعضها وحولهم كراسي تكفي لأكثر من عشرين شخص …
تقدمت مع همسة الى ذلك المكان حيث طلبت منها الجلوس عندما ركض الطفلان نحويهما بسعادة تتبعهما الخادمة حيث طلبت همسة منها أن تجلب الكيك الذي أعدته وعصير البرتقال لهم جميعا ..
التفتت همسة نحوها تبتسم لها ثم عادت تطلب من طفليها الجلوس كي يتناولا الكيك ويشربان العصير معهما ..
” هل أعجبك المكان ..؟!”
سألتها همسة بإهتمام لتهز جيلان رأسه وهي تجيب بخفوت :-
” نعم ، أعجبتني كثيرا ..”
” نحن دائما ما نجلس هنا .. لقد أعد راغب هذا المكان خصيصا للتجمعات العائلية ولنا ايضا نحن سكان القصر إذا ما أردنا الجلوس عصرا او مساءا في الحديقة .. ”
تقدمت الخادمة ووضعت الصحون التي تحتوي على قطع الكيك وجانب كل صحن قدحا كبيرا نوعا ما من عصير البرتقال …
” هيا تناولي الكيك وأخبريني رأيك به .. ”
جذبت جيلان الصحن نحوها وتناولت قضمه من قطعة الكيك بحرج عندما قالت بصدق رغم خجلها :-
” لذيذة للغاية .. وكأنها جاهزة من احد محلات الحلويات الشهيرة وليست معدة في المنزل ..”
ابتسمت همسة وقالت :-
” الف عافية على قلبك ..”
أضاف وهي تشير الى صحنها :-
” تناوليها كلها هيا كي اتأكد إنها أعجبتك بالفعل ولا تجامليني ..”
صدح صوت ابنها الأكبر سيف يخبر جيلان :-
” تناوليها فهي مفيدة للغاية .. بها قيم غذائية كثيرة ..”
نظرت جيلان له بتعجب من إسلوبه وطريقة حديثه التي لا تناسب عمره بينما أكمل أخيه الذي يصغره بأقل من عامين :-
” نعم فهي تحتوي على الحليب المغذي للغاية … ”
ضحكت همسة وهي تخبرها :-
” هما يكرران كلامي الذي أخبرهما به عندما يرفضان تناول الطعام أحيانا .. ”
” يبدو إنهما متعبان في موضوع الطعام ..”
هتفت بها جيلان فشعرت همسة بالسعادة لإنها بدأت تتجاوب معها فقالت بسرعة :-
” كثيرا .. انا أعاني معهما في موضوع تناول الطعام خاصة الأطعمة الصحية ..”
صدح صوت سيف مرددا بثقة :-
” لقد اتفقنا على إننا سنلتزم بتناول كافة الأطعمة التي تطلبين منا تناولها .. ”
أيده نزار وقد بدا موافقا لأخيه الأكبر بكل ما يقوله :-
” نعم .. نحن اتفقنا على هذا خاصة إن طعامك الصحي سيجعلنا نكبر بسرعة …”
ابتسمت همسة وهي تردد ؛-
” رائع .. أنتما ولدان رائعان ومطيعان وسأكافئ كليكما على هذا ..”
صفق الاثنان بسعادة فإبتسمت جيلان لا إراديا وكأن سعادة الطفلين قد انتقلت لها ..
عادت همسة تتحدث معها وجيلان تجيبها رغم الخجل الذي ما زال يسيطر عليها ..
بعد مدة اقترب سيف من جيلان وهو يحمل جهازه اللوحي بعدما نهضت همسة تتفقد شيئا ما يخص طعام الغداء حيث جلس بجانبها يقرب الجهاز منها ويسألها :-
” هل تجيدين هذه اللعبة يا جيلان ..؟!
نظرت جيلان الى شاشة الجهاز لتجد إحدى الألعاب الألكترونية التي لطالما كانت تحبها فهمست بحماس :-
” نعم أجيدها كثيرا ..”
” هل يمكنك الوصول الى المستوى الثالث ..؟!”
سألها بحماس هو الآخر فقالت وهي تبتسم بثقة :-
” هل تمزح ..؟! انا عادة أصل الى المستوى السابع وفي احدى المرات وصلت الى المستوى الثامن ..”
صاح سيف بإعجاب :-
” واااو..”
أضاف وهو يمنحها الجهاز :-
” العبي هيا .. اريدك أن تصلي الى المستوى السابع …”
أخذت الجهاز منه وبدأت تلعب بحماس بينما سيف يراقبها بإهتمام ..
اما خارجا فدلف مهند الى القصر ملقيا التحية على الخادمة بإقتضاب قبل أن يسألها وهو يتجه الى الداخل :-
” من يوجد في القصر ..؟!”
سمعها وهي تجيبه :-
” همسة هانم والطفلان ومعهما جيلان هانم يا بك …”
توقف لحظات في مكانه وهي الذي كان يتوجه بكل سرعته الى الطابق العلوي وتحديدا الى جناحه ليلتفت نحوها ويتقدم بخطواته منها وهو يسألها :-
” كرري ما قلتيه منذ لحظات ..؟! همسة والطفلان ومن ..؟!”
توترت ملامح الخادمة التي لم تفهم سببا لتصرفه هذا فردت بصوت متقطع :-
” جيلان هانم يا بك ..”
” حسنا يمكنك الإنصراف ..”
قالها بشرود متعجبا من وجودها في القصر رغم علمه بإنها لن تعلم بأمر الزواج فهذه الفترة فقد اتفق راغب مع أخيها على أن يؤجلان ذلك الى الوقت المناسب ..
” إلام تخطط بتصرفاتك هذه يا راغب ..؟! لماذا جلبتها الى القصر من الأساس وهي لا تعلم بأمر الزيجة ..؟!”
كان يتحدث مع نفسه عندما صدح صوت همسة المرحب به فإلتفت نحوها يرد تحيتها بشرود قبل أن يقول :-
” زوجك ليس هنا ، أليس كذلك ..؟!”
هتفت بسرعة :-
” هو في طريقه الى هنا .. فالغداء بعد قليل ..”
لم يهتم مهند بحديثها وهو يقول :-
” حسنا .. سأصعد الى جناحي لأخذ شيئا يخصني ثم أغادر ..”
أومأت همسة برأسها متفهمة ثم اتجهت بسرعة تحمل هاتفها تتصل براغب تخبره بمجيء أخيه كما طلب منها مسبقا ..
اما مهند فسار للحظات متجها نحو السلم المؤدي الى الطابق العلوي عندما أوقف احدى الخادمات التي مرت صدفة بجانبه يسألها :-
” أين جيلان هانم الآن ..؟!”
ردت الخادمة بجدية :-
” في الحديقة الخلفية مع سيف بك ونزار بك ..”
هز رأسه متفهما وقرر الذهاب الى هناك بدافع الفضول لا أكثر ..
اتجه الى الحديقة الخلفية ومنها الى مكان المظلات فهي بالتأكيد هناك ..
سمع صوت ابن اخيه يصيح بسعادة :-
” رائعة يا جيلان .. الآن ننتقل الى المستوى الخامس ..”
دلف الى الداخل بهدوء يتأملها للحظات وهي تضع كل تركيزها على الجهاز اللوحي بينما الطفلان يجلسان بجانبها احدهما على اليمين والآخر على اليسار يتابعنها بحماس جعلهما لا يشعران بوجود لكن نزار شعر أخيرا بوجوده فقفز من مكانه يصيح :-
” عمو مهند .. متى جئت ..؟!”
لكن مهند لم ينتبه لسؤاله حيث كان تركيزه منصبا بالكامل على تلك التي انتفضت من مكانها ما ان سمعت صوت نزار يصيح بإسمه وقد تركت الجهاز على الكرسي جانبها .. تقف مخفضة رأسها نحو الأسفل مرتدية فستانا متوسط الطول ذو أكمام مربعة قصيرة بسيط للغاية يناسب جسدها النحيف وسنها الصغير بينما في قدميها كانت ترتدي حذاء مسطح بلون مقارب من لون الفستان ..
انتبه الى أناملها التي تضغط على قماش فستانها بطريقة أثارت تعجبه ووجهها المنخفض تماما نحو الأسفل فلم ير شيئا منه .. كل ما رآه شعر بني طويل مموج قليلا يتعدى طوله منتصف ظهرها وبشرة حنطية تميل للسمار قليلا …
” مرحبا ..”
قالها بصوته الرجولي الرخيم فسمع صوت سيف يجيبه ليبتسم له بإقتضاب مربتا على شعره قبل ان يتقدم نحوها ويقف أمامها مباشرة مرحبا بها بصوته اختار ان يجعله هادئا ناعما قليلا عن قصد :-
” مرحبا جيلان .. انا مهند ابن عمك .. ”
رفعت وجهها أخيرا نحوها ليتأمل ملامحها لا إراديا ..
ملامحها كانت طفولية للغاية لكنها تحمل جاذبية واضحة وأكثر ما يميزها عيناها الخضراوان …
لا يستطيع أن يحكم على جمالها فهي ما زالت في طور الطفولة كما يظهر عليها لكن لا ينكر إنها تمتلك جاذبية وإن لم تكن جميلة بالمعنى الحرفي للجمال …
” ألن تقولي شيئا ..؟!”
قالها متعجبا ليشعر بإهتزاز حدقتيها وهي تجيب بصوت مبحوح للغاية :-
” اهلا ..”
شعر بوجود خطأ ما .. تصرفاتها ليست طبيعية .. تتطلع اليه بخوف واضح داخل عينيها .. لم يفهم سبب خوفها منه وهي التي لا تعلم بعد بأمر زيجتهما أم إنها سمعت عن رغبة أخيها بتزويجها منه ..
هم بالتحدث لكن صوت همسة إخترق المكان تسأله بقليل من التوتر :-
” ماذا تفعل هنا يا مهند ..؟! ظننتك في جناحك ..”
التفت مهند نحوها يرد بفتور :-
” كنت في طريقي الى هناك لكنني أردت الترحيب بإبنة عمي اولا ..”
التفتت مجددا نحو جيلان يمنحها نظرة خاصة قبل أن يقول وهو يبتسم لها بغموض لم تنتبه له جيلان بالطبع :-
” اهلا بك في قصرنا يا جيلان .. نحن سعداء حقا بوجودك بيننا ..”
ردت بصوت خافت لا يخلو من الإضطراب :-
” شكرا ..”
عاد يتأمل كفيها اللذين أخذا يعتصران قماش الفستان بقوة أكبر ليمنحها إبتسامة أخيرة ملتوية قبل ان يشير الى همسة وهو يتخطاها :-
” كان بودي أن أبقى لمدة اطول لكنني مضطر الى الرحيل .. سأخذ ما أتيت لأجله وأغادر .. أوصلي تحياتي لزوجك يا همسة ..”
تنفست همسة الصعداء بعدما رحل لتنتبه الى جيلان بإضطرابها الواضح فتقدمت منها مجددا تطلب منها العودة الى ما كانت تفعله قبل مجيء مهند الذي خرب كل شيء ..

سألت حياة حنين بجدية وهي تتأمل شعرها القصير بالمرآة :-
” هل أتركه طليقا يا حنين أم أرفعه بتسريحة بسيطة ..؟!”
فكرت حنين للحظات قبل أن تقول :-
” برأيي إتركيه كما هو مكتفية بتسريحه فقط .. ”
” وهذا رأيي ايضا ..”
قالتها حياة وهي تلمس أطراف شعرها بشرود عندما تقدمت احدى العاملات تسألها اذا ما حددت بالضبط ما تريده منها فأخبرتها حياة أن تكتفي بتسريح شعرها وتركه على طبيعته وبالنسبة للمكياج فهي لا تريد سوى القليل منه والذي يلائم ملامحها الناعمة التي دائما ما تشعر إن المكياج الثقيل لا يناسبها ..
تأملت حنين التي كانت تتحدث بحماس مع العاملة الأخرى عما تريده منها ثم إنتقلت ببصرها نحو والدتها التي كانت تقلب في احدى المجلات التي تخص تسريحات الشعر بملامح يسيطر عليها الجمود ولم تفهم حتى الآن سبب مجيئها طالما هي ليست راضية عن هذه الخطبة ..
تأملتها قليلا قبل أن تستأذن العاملة للحظات حيث تقدمت منها ووقفت أمامها عاقدة ذراعيها أمام صدرها لترفع أحلام وجهها نحوها بنظرات متسائلة فتسألها حياة بجدية :-
” لماذا أتيت معي الى هنا بل وستأتين الى الحفل ايضا ..؟!”
سألتها أحلام بعدم تصديق :-
” ألا تريدين قدومي ..؟!”
ردت حياة بسرعة :-
” أبدا لم يكن هذا قصدي .. لكنني اتسائل عن السبب الذي يجعلك تأتين معي الى الصالون بهذا الوجه المحتقن الغاضب …؟! ”
” انا لست غاضبة ..”
قاطعتها حياة بجدية :-
” انا لست غبية وأستطيع أن أفهم كل شيء مثلما أفهم جيدا ما تفكرين به ..”
” أليس من حقي أن أرفض شابا لا أراه يناسبك .. ؟!”
أجابتها حياة بهدوء :-
” يحق لك الرفض ولكن في نفس الوقت يحق لي إختيار شريك حياتي وأنت يجب أن تحترمي قراري ..”
أضافت بجدية :-
” رغم كل شيء ورغم كل ما بيننا كنت سعيدة برغبتك في القدوم معي الى هنا وموافقتك على حضور حفل الخطبة لكن الآن وبعدما رأيته فمن الأفضل ألا تحضري لإن وجهك المحتقن وملامحك الغير راضية تؤلمني حقا ..”
” تؤلمك انت أم هو ..؟! تخافين على مشاعره عندما يدرك إنني غير موافقة عليه …”
تأملتها حياة بصمت للحظات قبل أن تجيب بهدوء لكن صوتها كان قوي ثابتا :-
” انا احبه ماما .. لا يهمني ماضيه … ليس فقط لإنني أثق ببراءته بل لإنني أحبه كثيرا .. هو اول حب في حياتي .. مشاعري نحوه أقوى مما تظنين وأنا لن أسمح لك او لغيرك في التسبب بتعاستي أو إزعاجي في يوم مهم لي كهذا … وكما هذا اليوم مهم لي فهو مهم لنديم ايضا لذا من فضلك اذا لا تنوين التخلي عن ضيقك وحنقك فالأفضل ألا تحضري …”
ابتعدت بعدها عنها عائدة الى العاملة التي طلبت منها الجلوس عندما التفتت أحلام نحو حنين فوجدتها ترمقها بنظرات معاتبة للغاية ..
زفرت أحلام أنفاسها ثم رمقت حياة التي سيطر عليها الوجوم وهي تجلس على الكرسي بينما العاملة بدأت بإعداد شعرها …
نهضت من مكانها وسارت نحوها حتى وقفت جانبها حيث وضعت يدها على كتفها وقالت بصوت مبحوح :-
” انا اسفة يا حياة … تصرفي كان خاطئا .. اعتذر منك يا ابنتي ..”
قاطعتها حياة وهي تلتفت لها بينما انسحبت العاملة بعيدا عنهما :-
” لا أريد إعتذار منك .. أريدك أن تفرحي لي .. هذا فقط ما أريده وأحتاجه هذه الليلة … ”
ابتسمت أحلام وقالت بدموع تراكمت داخل عينيها :-
” انا فقط كنت أريد الافضل لك .. ضيقي كان لأجلك ليس إلا ..”
” انا سعيدة جدا اليوم .. ألا يكفيك هذا ..؟!”
أجابت أحلام بسرعة وهي تحتضن وجهها بين كفيها :-
” بل يكفيني للغاية …”
ابتسمت حياة لتتفاجئ بوالدتها تحتضنها بقوة فبادلتها حياة عناقها وهي تشعر إنها كانت تحتاج هذا العناق اليوم تحديدا اكثر من اي شيء …
كانت حنين تتأملهما بسعادة فاقت سعادتها بخطبة حياة في هذه اللحظة …
ابتعدت احلام عنها بعد لحظات تقول :-
” لماذا لا ترفعين شعرك من الأمام قليلا ..”
لكن حنين تقدمت بسرعة وقاطعتها :-
” كلا دعيها تتركه كما هو .. سيكون رائعا مع الفستان ..”
” انت دوما تفضلين البساطة المبالغ بها يا حنين ..”
قالتها أحلام بإمتعاض بينما هتفت حياة بجدية :-
” حنين معها حق .. عندما ترين الفستان ستتأكدين إن تركي لشعري كما هو يليق به أكثر …”
” كما تريدين حبيبتي ..”
أشارت أحلام الى العاملة التي تقدمت نحو حياة وبدأت في عملها بينما اتجهت حنين الى العاملة الأخرى تخبرها بما تريد ..
بعد مدة من الزمن كانت حياة في الداخل تنهي ارتداء فستانها عندما خرجت بعد لحظات بفستانها ذو القصة البسيطة للغاية والأنيقة بنفس الوقت..
كان فستانا أسود اللون يهبط على جانبي كتفيها وينسدل على جذعها العلوي ملتصقا به تماما قبل أن يتسع أسفل خصرها حتى ركبتيها …
من الأعلى هناك بطانة لونها اقرب للكريمي تغطي بداية نحرها ويمتد بحمالات رفيعة للأعلى ..
شعرها القصير منسدلا بحرية ومكياجها الناعم أظهر نعومة ملامحها المحببة ..
” واااو .. تبدين رائعة ..”
قالتها حنين بسعادة وحماس وهي تلتقط عدة صور لها بينما سألتهما حياة وهي تلمس تنورة فستانها بقليل من التوتر :-
” حقا أبدو كذلك ..؟!”
أجابتها احلام هذه المرة ؛-
” بل أكثر من رائعة .. والفستان جميل حقا ..”
” انا اخترته معها ..”
قالتها حنين بفخر لترفع احلام حاجبها تهتف بعدم تصديق :-
” إنها المرة الاولى التي تجيدين انتقاء شيء ينال اعجابي ..”
“ماما ..”
قالتها حنين بعتاب بينما كتمت حياة ضحكتها بصعوبة لتقول حنين بسرعة :-
” هيا دعينا نلتقط لكِ بعض الصور قبل مغادرتنا المكان ..”
وأمام إصرار حنين لم يكن أمام حياة حل آخر سوى طاعتها ..

يسير داخل غرفته ببعض التوتر الذي لا يدرك سببه حتى الآن .. لقد انتهى من تجهيز نفسه وهاهو يجلس في غرفته ينتظر قدوم حياة بينما الحفل في الخارج على وشك البدء ..
لقد اتفقا على حفلا بسيطا يدعوان فيه المقربين فقط كأفراد العائلتين وبعض الاصدقاء المقربين للغاية واختار مع حياة ان يقيمان الحفل في حديقة الفيلا الواسعة ..
من المفترض ان يكون اليوم سعيد للغاية لإن ما يريده يتحقق لكن توتره الغير مفهوم يسيطر عليه ..
سمع صوت طرقات على باب غرفته فسمح للطارق بدخول لتدخل غالية بكامل أناقتها فتطلع إليها معجبا بأناقتها المبهرة كعادتها وذلك الفستان الأحمر بتصميمه الرائع والعقد الماسي الرقيق الذي يزين رقبتها ..
ابتسم وهو يقول :-
” ما كل هذا الجمال يا غالية ..؟! أنت اليوم تبدين رهيبة ..”
تقدمت نحوه تتأمل وسامته اللافتة ببذلته الأنيقة لتهتف بسعادة :-
” وانت تبدو رائعا يا ذو العينان الزرقاوان ..”
ضحك رغما عنه قائلا :-
” هل تتذكرين كم كان لون عيني يغضبك ..؟!”
ردت وارتسم العبوس على ملامحها :-
” وما زال .. كان يجب أن أحمل انا لون عيني والدي .. فأنا فتاة والأحق بهذا اللون المميز ..”
” وهل يوجد ما يضاهي جمال عينيكِ يا غالية ..؟!”
ضحكت برقة ثم قالت بسعادة حقيقية :-
” انا سعيدة لأجلك وأشعر إن هذه بداية طريق محمل بالسعادة والنجاح ..”
” هذا ما أتمناه حقا يا غالية ..”
قالها وهو يتنهد بصوت مسموع لتقول بسرعة :-
” حياة رائعة وطريقك معها سيكون رائعا مثلها بإذن الله ..”
” حياة بالفعل رائعة … أحيانا أشعر إنها رائعة ومميزة للدرجة التي تجعلني لا أستحقها ..”
قالت غالية بسرعة واعتراض :-
” ما هذا الكلام يا نديم ..؟! لا تفكر بهذه الطريقة .. الفتاة تحبك وتريدك وهذا وحده يكفي لتعلم إنك تستحقها كما هي تستحقك ..”
ابتسم دون رد عندما قالت بعدها :-
” سأخرج وأتفقد الحديقة ..”
اومأ برأسه متفهما عندما خرجت من الغرفة تغلق الباب خلفها وهمت بالتحرك الى الخارج عندما تذكرت في تلك اللحظة تفاصيل يوم مشابه لهذا اليوم …
شعرت بغصة قوية في حلقها وأخذت تفكر في ليلى ووضعها فإحتقنت ملامحها كليا وشعرت بالدموع تتراكم داخل عينيها وهي تفكر في ابنة خالها وصديقة طفولتها وصباها واقرب الأشخاص لقلبها …
توقفت مكانها تحاول السيطرة على تلك العبرات التي إن هبطت ستدمر مكياجها تماما فأخذت نفسا عميقا عدة مرات قبل أن تهمس ببحة باكية رغما عنها :-
” سامحك الله يا عمار على ما فعلته بنا جميعا .. سامحك الله … ليس بوسعي أن أقول شيئا آخر ..”

وقفت حياة في منتصف الغرفة التي دلفت اليها ما إن وصلت الى الفيلا تنتظر قدوم نديم بعدما ذهبت غالية تخبره بقدوم حياة …
كانت تنتظره على أحر من الجمر رغم توترها الشديد …
تأهبت كل حواسها عندما سمعت صوت الباب يفتح يتبعه دخول نديم الذي وقف للحظات يتأملها بعينيه من رأسها حتى أخمص قدميها قبل أن يهمس أخيرا بصوته الرخيم وقد بدا مبهورا بها :-
” تبدين…”
صمت قليلا قبل أن يقول بصدق بينما شعرت هي بنبضات قلبها تتوقف في تلك اللحظة وهي تنتظر ما سيقوله :-
” تبدين مبهرة …”
ابتلعت ريقها بتوتر رغم السعادة التي سكنت قلبها لكلمته التي شعرت بصدقها عندما تقدم وعيناه مستمرتان في التطلع إليها ليمد يديه أخيرا ما ان وصل إليها ملتقطا كفيها بكفيه ..
ضغط على كفيها هاتفا بسعادة ظهرت في عينيه هذه المرة :-
” اليوم سنخطو اولى خطوة رسمية لنا معا ..”
ضحكت بتوتر وهي تومأ برأسها ليقترب منها أكثر وهو يطبع قبلة طويلة على جبينها قبل أن يبتعد عنها متأملا إحتقان ملامحها بخجل ليهمس لها متسائلا :-
” هل انتِ جاهزة لنخرج الآن ..؟!”
أومأت برأسها دون رد ليفتح لها ذراعه فتتأبطها وتخرج معه الى الخارج حيث كان الجميع في استقبالهم ..
وقف أمامها وأخرج علبة الخاتم من يده حيث طلب منها أن تمد كفها نحوه ففعلت ليلبسها خاتمها قبل أن تحمل هي حلقته الفضية وتلبسها إياه لتشعر بذلك الخاتم أصبح رباط حقيقي يربط بينهما ..
قبض على كفها يطبع عليه قبلة طويلة عليه قبل ان تنهال عليه المباركات حيث والدته التي باركت لهما بسعادة ومعها غالية ثم والدة حياة التي باركت له برقي وباركت لإبنتها وهي تهمس لها ببعض الكلمات التي جعلتها تبتسم لا اراديا …
زوج والدة حياة الذي بارك لها بنفس الطريقة الراقية ثم بقية افراد العائلة وابناء عمومه …
وأخيرا تقدم نضال والذي أصر على الحضور حيث تقدم نحوهما بعدما انتهى اغلب الموجودين من المباركة فمد يده نحو نديم وهو يرمقه بنظرات اقرب الى التحدي بينما يهتف بقوة :-
” مبارك لك الخطبة …”
رد نديم وهو يقبض على كفه ويعتصره بقوة :-
” أشكرك والعقبى لك ..”
التفت نضال نحو حياة يمنحها إبتسامة شعرت إنها غريبة قليلا وكذلك نظراته لم تكن مريحة عندما مد يده يريد تحيتها والمباركة لها لكن يد نديم قبضت على كفه بدلا عنها يقول من بين أسنانه :-
” نشكرك على حضورك يا نضال .. أنرت حفلتنا المتواضعة ..”
التفت نحوه نضال يبتسم ببرود ثم قال بنبرة شعر نديم انها تحمل بين طياتها السخرية :-
” عقبال الحفلة الكبيرة .. ليلة الزفاف…”
” قريبا جدا ان شاءالله ..”
قالها نديم وهو يبتسم بثقة ليمنحه نضال ابتسامة ملتوية وهو ينسحب أخيرا فيأخذ نديم نفسا عميقا عندما صدح صوت الأغاني في ارجاء المكان فقبض على كف حياة المتوترة يهمس لها :-
” هل ترقصين معي ..؟!”
ابتسمت وهي تهز رأسها موافقة عندما سار بها حيث بدأ بعض الضيوف يرقصون على أغاني الحفلات المعتادة

الاحتياج .. ليس كافي بالنسبة لها وهي تدرك ذلك جيدا مثلما تدرك إن مشاعره نحوها تقترن بالحاجة .. الحاجة فقط حتى الآن وإن كان هذا لا يكفيها حاليا لكنها ستتمسك به .. ستروي حاجته وربما حينها تستطيع أن تخترق قلبه .. تقترن بروحه كما فعل هو بها ..
تحبه أكثر من أي شيء وهي بطبيعتها المحاربة لن تبتعد دون أن تحارب في سبيل عشقها .. دون أن تأخذ فرصتها كاملة فيه .. ستمنح نفسها الفرصة والمحاولة علها تصل الى قلبه فلا يوجد شيء مستحيل خاصة وهي تدرك إن لها تأثيرا خاصا عليه .. تأثيرا ربما يتحول تدريجيا الى عشق يعصف بكيانه كما عصف عشقه بكيانها .. هكذا فكرت وكذلك قررت واليوم خطبتهما التي لم تتوقع ان تعيش هذا اليوم ابدا في السابق .. قررت أن تنفذ ما قررته و تسعد بهذا اليوم المهم والذي لن يتكرر مرة أخرى .. التفت نديم نحوها بعدما ابتعدا قليلا عن مكان الرقص يتأملها مجددا حيث اختارت فستانا بسيطا رقيقا يشبهها .. شعرها القصير يستدير بنعومة حول وجهها الذي زينته بالقليل من مساحيق التجميل .. كانت ناعمة ، رقيقة وزاهية ..
ابتسامتها الفريدة جعلته يبتسم لا إراديا ومنحته شعورا غريبا من السلام النفسي بعدما كانت متوترا طوال اليوم ..
التفتت نحوه بدورها تتأمل نظراته التي تحاصره منذ مدة ..
نظراته تخبرها إنه سعيد ومنطلق ونظراتها تمنحه عشق صافي ونعيم دافئ …
عندما أمسك بيدها يضع خاتمه في إصبعها فشعرت بالخاتم يقيدها به لا إراديا مثلما تقيد قلبها بعشقه …
كان حفلا بسيطا كما أرادت بحضور المقربين فقط …
حفلا حضره أفراد العائلة ومعهم بعضا من الأصدقاء المقربين جدا …
كل شيء كان يسير بسلاسة وهو إختلى بها أخيرا بعيدا عن أعين الجميع …
يبتسم لها بهدوء فتبادله إبتسامته بخجل .. خجل رفيق محبب …
وللمرة الأولى يعانقها … يضمها إليه ويجرب معنى أن تكون بين أحضانه .. دفئها إجتاحه بقوة ووجد نفسها يتنفس بعمق وكأنه وجد ملاذه بين أحضانه ..
كان عناقا مختلفا لم يحرك به غريزة رجولية برغبة جسدية بقدر ما حرك به شيئا من الكمال والسلام ..
شعر نفسه يكتمل معها وبها وهذا كان شعورا عظيما يؤكد له من جديد صحة اختياره ..
اما هي ففوجئت بما فعله لكنها احتضنته بدورها بعفوية مطلقة لا تهديه أحضانها فقط بل روحها وقلبها ..
ابتعد عنها أخيرا يتأمل ملامح وجهها المختلجة والسعادة التي تشع من عينيها فعاد يمنحها إبتسامة جذابة قبل أن يسرق قبلة خاطفة من وجنتيها ثم يهمس لها بصدق شعرت به :-
” انا سعيد للغاية يا حياة … ”
لم يكن يدرك إن بكلماته البسيطة تلك منحها أملا جديدا ورغبة في حياة كاملة معه أساسها الحب الذي ستحصل عليه منه يوما ما …
” وانا ايضا سعيدة ..”
قالتها برقة فأطلق تنهيدة طويلة قبلما يعاود تأملها مجددا بنظرات تحمل مشاعرا مختلطة …
هم بالإنحناء نحوها بنية تقبيلها هذه المرة ورغبته بالحصول على قبلة منها سيطرت عليه للغاية لكن صوت نحنحة خافتة أوقفته عما يريد قوله عندما وجد غالية تتقدم نحوهما بحرج وهي تهتف بتردد :-
” يجب أن تعودا الى الحفل يا نديم .. يمكنك الإنفراد بها كما تريد بعد الحفل ..”
أضافت بصوت قلق قليلا :-
” كما إن عمار وصل منذ لحظات …”
نهض من مكانه بسرعة وفعلت حياة المثل عندما تأمل نظرات أخته الزائغة ليسألها بتحفز :-
” هل فعل شيئا ما ..؟!”
نقلت بصرها بينهما قبل أن تهمس بتردد :-
” وليلى أيضا وصلت قبله بقليل …”
تجمدت حياة مكانها بينما حاول نديم أن يسيطر على أنفاسه المضطربة قبل ان يهمس بصوت هادئ :-
” اهلا بهما …”
ثم سارع يقبض على كف حياة وهو يقول :-
” هيا نعود الى الحفل يا حياة .. كما قالت غالية يمكننا الانفراد ببعضنا بعد انتهاء الحفل ورحيل الضيوف ..”

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى