روايات

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثلاثون 30 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثلاثون 30 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الثلاثون

رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الثلاثون

حبيسة قلبه المظلم
حبيسة قلبه المظلم

رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الثلاثون

في صباح اليوم التالي ..
كانت تسير داخل غرفتها التي خصصتها والدتها لها في منزلها .. متوترة لأقصى حد ومشاعرها متخبطة كليا ..
من المفترض أن تستعد لأخذ حمامها قبل أن تخرج وترتدي ملابسها ثم تغادر حيث منزل نديم فهناك ينتظرنها أخصائيات التجميل حيث سيتم تجهيزها كاملا هناك بعدما رأى الجميع إن هذا أفضل من ذهابها الى مركز التجميل نفسه ..!!
دخلت حنين الى الغرفة لتجدها في تلك الوضعية الغريبة فتقدمت نحوها تخبرها :-
” ألم تدخلي الى الحمام بعد ..؟! ”
ردت حياة وقد توقفت أخيرا عن حركتها المضطربة تواجه أختها :-
” سأفعل … ”
شعرت حنين بتغير ما في أختها التي كانت تتصرف بشكل طبيعي صباحا عندما استيقظت وتناولت القليل من الطعام اثناء وجبة الفطور أما الآن فبدت مضطربة ، متوترة بل وجزعة بشكل واضح ..
تقدمت نحوها وقبضت على كفيها تهمس بجدية :-
” ما بالك يا حياة ..؟؟ لا داعي لكل هذا التوتر .. إنها ليلة زفافك ومن المفترض أن تكوني سعيدة ..”
” انا لست بخير يا حنين ..”
قالتها بصدق وهي تتماسك بكفي أختها بدورها وقد رأت حنين دمعات رقيقة تظهر داخل مقلتيها ..
هتفت حنين تتسائل بعدم تصديق :-
” لماذا تقولين هذا ..؟! مالذي حدث يا حياة …؟! هل حدث شيء ما لا أعرفه ..؟! أنتِ تبدين مضطربة للغاية ..”
قاطعتها حياة وهي تمسح عينيها بأطراف أناملها تمنع دموعها من التساقط :-
” لا أعلم .. انا فقط أشعر إنني لست بخير .. هناك شعور لا أفهم ماهيته لكنني لست مرتاحة أبدا ولست سعيدة ..”
تجمدت حنين مما سمعته على لسان أختها في اليوم الذي ستتزوج به من الرجل الذي تحبه ..!!
همت بالتحدث وقول شيء رغم عجزها عن صياغة اي شيء مناسب في خضم أوضاع كهذه لكنها قبل أن تتحدث كانت مي تقتحم الغرفة وهي تهتف بسعادة :-
” عروسنا الجميلة، ماذا تفعل …؟!”
ثم انتبهت لملامح حياة الحزينة وملامح حنين المرتبكة لتشعر بقلبها يهوى أسفل قدميها من فكرة أن يكون نديم تراجع عن قراره ..!!
تقدمت نحويهما تسأل بسرعة والقلق يسيطر على ملامحها :-
” ماذا حدث ..؟! ما بالكما تقفان هكذا ..؟! ”
ثم أشارت الى حياة تسألها بإهتمام :-
” حياة ، هل انتِ بخير ..؟!”
لم تجبها حياة بل اتجهت نحو السرير تجلس عليه واضعة وجهها بين كفيها تقاوم دموعها التي تهدد بالهطول …
تضاعف قلق مي التي تقدمت تسأل حنين بعصبية :-
” تحدثي يا حنين .. مالذي حدث ..؟!”
أجابتها حنين بصوت مضطرب :-
” لا أعلم .. هي تقول إنها ليست بخير وإنها ليست سعيدة ومضطربة وأشياء كثيرة ..”
سألتها مي هامسة :-
” هل تحدثت مع عريسها ..؟!”
ردت حنين بسرعة ونفس الهمس :-
” كلا ، لقد كانت جيدة صباحا وتناولت فطورها معنا … سبقتني الى هنا قبل قليل لتأخذ حماما طويلا قبل أن نذهب الى الفيلا وعندما دخلت الى الغرفة وجدتها على هذا الوضع ..”
رفعت حياة وجهها وقد سمعت ما قالته حنين رغم إنخفاض صوتها فقالت ببحة :-
” لا يوجد شيء .. انا فقط أشعر بعدم الراحة .. بعدم السعادة .. انا خائفة بل مذعورة .. هكذا فقط وبدون سبب محدد …”
تقدمت مي نحوها وانحنت أمامها كالقرفصاء تقبض على كفيها تخبرها بجدية :-
” هذا الشعور طبيعي جدا وتمر به أي عروس خاصة إذا لم يكن هناك سبب محدد او شيء ما حدث جعلها تشعر هكذا ..”
ردت حياة بملامح مختنقة :-
” لم يحدث أي شيء صدقيني .. انا كنت على ما يرام .. دخلت الى غرفتي وإستعديت لأخذ حمامي ولكن فجأة داهمني شعور غير مفهوم لكنه قلق ومضطرب .. شعور لا أفهم سببه ولا ماهيته بالضبط لكنني غير مرتاحة أبدا وخائفة جدا من هذه الليلة …”
” أنت خائفة من الليلة عموما أم مما سيحدث بعد انتهاء الزفاف ..؟!”
سألتها مي بعملية لترد حياة بسرعة :-
” بالطبع لا أقصد ذلك الأمر ولم أفكر به أساسا .. أنا أتحدث بشكل عام .. أشعر إن هذا اليوم سيكون تعيسا .. او أشعر إنني لست بخير او ربما قراري كان خاطئا .. لا أعرف ما هو شعوري بالضبط ولكن أيا كان فأنا لست بخير ..”
قالت مي بجدية وقد بدأت تتفهم مخاوفها :-
” حبيبتي اليوم زفافك .. هذه المشاعر طبيعية لأي عروس … من الطبيعي أن تخافي وتتوتري وتقلقي وكل شيء .. هذا طبيعي جدا .. اليوم زفافك .. لا تنسي هذا .. حاولي السيطرة على مشاعرك هذه من فضلك .. حاولي أن تشغلي نفسك بتحضير حاجياتك والعناية بنفسك لأجل الليلة وتذكر إن كل ما يحدث بإرادة الله وإرادة الله فوق أي شيء والله لن يخذلك أبدا لإنك فتاة جيدة وطيبة ولا تستحقين سوى كل خير ..”
هزت حياة رأسها موافقة وهي تمسح وجهها بكفيها لتأخذ بعدها نفسا عميقا فتخبرها مي بجدية :-
” هيا انهضي واذهبي الى الداخل لتأخذي حماما طويلا دافئا ومنعشا ..”
قالت حنين بدورها :-
” لقد جهزت الخادمة الحمام لك منذ قليل .. ادخلي هيا وخذي وقتك كاملا ونحن سننتظرك هنا ..”
هزت حياة رأسها موافقة ثم نهضت من مكانها وهي تأخذ نفسا طويلا قبل أن تتجه نحو الحمام ..
دلفت الى الداخل وأغلقت الباب خلفها لتستند على الباب تتأمل الحمام الذي أعدته الخادمة بعناية وجعلته يليق بعروس في يوم زفافها ..
سارت نحو الداخل وجلست لا إراديا على حافة حوض الإستحمام حيث أغمضت عينيها للحظات تتخيل أحداث ليست جيدة ستحدث الليلة فعاد شعور عدم الراحة يغزوها مجددا ..
فتحت عينيها بسرعة تنهر نفسها على أفكارها السوداوية هذه مقررة أن تزيح تلك الأفكار من عقلها ولا تنجرف وراء مشاعرها الغير مبررة ..
نهضت من مكانها تتأمل المكان مجددا قبل أن تهم بخلع ملابسها إستعدادا لأخذ حمام طويل ومنعش يبدد مشاعرها تلك ..!!
………………………………………………………
في الخارج ..
سألت مي بأهتمام :-
” هل حدث شيء ما يا حنين ..؟! البارحة مساءا او اليوم صباحا ..؟!”
ردت حنين بسرعة :-
” لم يحدث شيء أقسم لك .. انا كنت معها منذ الليلة الماضية وكانت عادية جدا ..”
قالت مي تؤيدها :-
” وانا تحدثت معها في حوالي الساعة الحادية عشر وكانت طبيعية جدا حتى مازحتها وطلبت منها ألا تتوتر فنهرتني ومازحتني أيضا …”
صمتت مي بتفكير بينما سألتها حنين بإهتمام وهي تلاحظ تغضن ملامحها :-
” هل تفكرين بشيء محدد يا مي ..؟!”
ردت مي بجدية :-
” لا أعلم .. ربما تكون حالة طبيعية أصابتها فجأة دون سبب محدد كما تقول وربما هناك شيء تخفيه عننا ..”
سألتها حنين بقلق :-
” شيء مثل ماذا ..؟!”
ردت مي بجدية :-
” لا أعلم ، ربما جائها اتصال او رسالة عندما كانت لوحدها هنا قبل مجيئك ..”
” هل يعقل ذلك ..؟!”
هتفت حنين بعدم استيعاب لتجد مي تسأل بسرعة :-
” أين هاتفها ..؟!”
” لا أعلم ولكنه هنا ..”
قالتها حنين وهي تبحث عنه بعينيها عندما استدارت لتجده على طاولة التجميل فأشارت إليه تخبر مي عن مكانه ..
تقدمت مي نحو الهاتف وحملته تنظر إليه بتردد لتسألها حنين بجدية :-
” ماذا ستفعلين ..؟! ألن تفتحيه وتنظري فيه ..؟!”
قالت مي بتردد :-
” أشعر إن ذلك لا يجوز رغم إن دوافعي ليست سيئة فأنا أبحث عن سبب تقلب مشاعرها فجأة .. ”
نظرت تسأل حنين :-
” هل أفتش الهاتف ربما أجد مكالمة او رسالة أم سيكون عيبا ..؟!”
هزت حنين كتفيها بعدم معرفة وهي تقول :-
” لا أعلم حقا لكن نيتك طيبة ..”
صححت لها مي :-
” نيتنا نحن الإثنتين يا حنين ..”
عارضتها حنين :-
” انا لست صاحبة الفكرة …”
قاطعتها مي بحنق :-
” انظري سأفتحه .. اساسا حياة لا تهتم حتى إنها لا تضع رقما سريا على هاتفها بل وتسمح لي بإستعماله عندما نكون سويا دون إستئذان ..”
أضافت بتردد:-
” نيتي طيبة فعلا وانا فقط سأبحث عن اي مكالمة او رسالة .. يعني لن أفتشه بالمعنى الحرفي …”
فتحت الهاتف ثم دخلت الى قائمة المكالمات تبحث عن مكالمة من رقم غريب فلم تجد أي شيء مريب ..
اتجهت نحو الرسائل العادية فلم تجد سوى رسائل من أشخاص معروفين تجاوزتها ودخلت الى بقية حسابات مواقع التواصل تنظر بسرعة فقط علها تجد رسالة من شخص غريب لكنها لم تجد شيئا ..
أغلقت الهاتف ووضعته مكانه تردد :-
” لا يوجد شيء غريب .. لا مكالمة ولا رسالة ولا اي شيء ..”
” ربما حذفت المكالمة او الرسالة..”
قالتها حنين بمنطقية لتهتف مي بجدية :-
” لا أظن ذلك .. يبدو إنه إضطراب إعتيادي وخوف من خطوة مهمة كهذه ..”
هزت حنين رأسها موافقة ثم قالت :-
” سأخرج ملابس لها كي ترتديها عندما نذهب الى منزل خطيبها …”
بينما وقفت مي تبحث عن سبب تصرفات حياة تحاول استنتاج شيء من تصرفاتها ..
بعد مدة خرجت حياة من الحمام وهي ترتدي روب الإستحمام وتلف شعرها بالمنشفة ..
اتجهت نحو المرأة تنزع المنشفة عن شعرها القصير وتبدأ بتجفيفه ..
حملت المشط تسرح شعرها عندما وقفت مي جانبها تسألها بإهتمام :-
” هل أصبحتِ أفضل الآن ..؟!”
ردت حياة وهي تتنهد بصوت مسموع :-
” نعم أفضل .. الحمد لله ..”
ابتسمت مي بدعم بينما قالت حنين بجدية :-
” لقد جهزت لك البنطال والتيشرت .. ارتديهما عندما نذهب الى هناك ..”
شكرتها حياة بينما قالت مي تشير إلى حنين :-
” وانتِ إذهبي وخذي حماما سريعا وبدلي ملابسك .. أليس من المفترض أن تأتي معنا ..؟!”
” نعم سآتي بالطبع ..”
قالتها حنين وهي تهم بالخروج عندما التفتت تشير لحياة :-
” ضعي من هذه المستحضرات والكريمات ..”
ثم خرجت بسرعة متجهة نحو غرفتها عندما قالت مي :-
” لا تضعي شيئا .. العاملات هناك سيضعن لك ما تحتاجينه ..”
هزت حياة رأسها موافقة بعدما انتهت من تصفيف شعرها لتتجه نحو الملابس التي وضعتها لها حنين فوق السرير تجذبها وتتجه نحو الحمام لترتديها ..
بعد مدة خرجن الفتيات الثلاثة من غرفة حياة تستعدن لمغادرة المكان حيث فيلا عائلة نديم ..
وجدن أحلام في الأسفل والتي هتفت وهي تتأمل حياة بحنو :-
” اختك وصديقتك معكِ .. انا أيضا سآتي مبكرا ..”
ابتسمت لها حياة دون رد لتجذبها والدتها وتعانقها بقوة قبل أن تبتعد عنها وهي تربت على وجهها بدعم ..
غادرن الفتيات الثلاثة بعدها تتأملهن أحلام وهي تدعو ربها أن تكون هذه الزيجة لصالح ابنتها كما تتمنى ..!!
…………………………………………………………..
كانت تقف على الشرفة المطلة على الحديقة الواسعة في منزلها ترتشف قهوتها بصمت عندما تقدمت مريم نحوها تردد بضيق :-
” ماما ما زالت تخاصمني .. ترفض أن تسامحني ..”
ردت ليلى دون أن تلتفت لها :-
” تستحقين ذلك .. تصرفك لم يكن لائقا أبدا .. ”
” حقا ..؟!”
رددتها مريم بسخرية لتهتف ليلى وهي تلتفت نحوها بملامح منزعجة :-
” تصرفك همجي ومتخلف ولا يمكنك أن تنكري ذلك …!!”
قضمت مريم شفتيها بقوة قبل أن تقول بجدية :-
” انا لم أنسَ صفعتك تلك .. ولن أسامحك عليها .. كوننا نتحدث سويا فهذا لا يعني إنني نسيت الأمر .. ”
هزت ليلى رأسها بعدم إكتراث وعادت ترتشف من قهوتها وهي تنظر أمامها بصمت لتسألها مريم بجدية :-
” هل أنتِ بخير ..؟!”
إلتفتت ليلى نحوها ترسم إبتسامة هادئة على شفتيها تهز رأسها إيجابا وهي ترد :-
” نعم مريم .. انا بخير ..”
شعرت مريم بعدم الراحة من ذلك الهدوء الذي يسيطر على ملامح أختها في يوم كهذا فأردفت تتسائل بتردد :-
” ما زلتِ تصرين على حضور حفل الزفاف ..؟!”
ردت ليلى بجدية :-
” بالطبع .. جميعنا سنحضر .. ”
ردت مريم بغضب مكتوم :-
” تحدثي عن نفسك .. انا لن أحضر …”
هتفت ليلى بقوة :-
” بل ستحضرين يا مريم .. سنذهب جميعا ..”
” لماذا تفعلين هذا ..؟! إلام تريدين أن تصلي ..؟!”
سألتها مريم بعصبية لترد ليلى ببرود :-
” لا أريد الوصول لأي شيء .. أريد أن أتصرف بمنطقية وشكل طبيعي بحت ..”
صاحت مريم بنفاذ صبر :-
” وهل المنطقية تكمن في ذهابنا لحفل زفاف خطيبك السابق ..؟!”
ردت ليلى بنفس القوة :-
” نحن نذهب لحفل زفاف ابن خالتنا والذي يكون أخو زوجي أيضا .. لا تنسي هذا يا مريم ..”
أضافت بجدية :-
” كوني واقعية يا مريم وفكري بمنطقية قليلا … انت ترفضين الذهاب لإنك تكرهين نديم من جهة وبسبب أحاديث الموجودين من جهة .. دعينا نتحدث بواقعية .. الحضور والموجودون سيتحدثون عنا سواء ذهبنا أم بقينا في منزلنا .. لكن الفرق بين الوضعين كبير .. إذا لم نذهب سيتحدثون عن قهرنا وعزوفنا عن الحضور وربما سيشفقون علينا وقسم آخر سيظن إن هناك خلاف عائلي كبير بينما إذا ذهبنا الى الحفل سنثبت للجميع إن جل ما يحدث لا يهمنا والدليل إننا موجودين في حفل الزفاف نشارك ابن خالتنا فرحته …”
هزت مريم رأسها نفيا تعترض على حديثها :-
” قد يكون ما تقولينه صحيح لكن الواقع والسبب الحقيقي لذهابك الى الحفل هو نديم .. انت تريدين أن تثبتي له إنه لم يعد يهمك ولا يعنيكِ بشيء ..”
ردت ليلى دون أن تنفي أو تؤكد حديث مريم :-
” او ربما كي أثبت لنفسي هذا الشيء …”
صمتت مريم ولم ترد فهتفت ليلى بجدية :-
” حاولي أن تجدي فستانا مناسبا لليلة .. تعالي لأجل مظهرنا الإجتماعي على الأقل ..”
زمت مريم شفتيها بعبوس قبل أن تتحرك خارج المكان بعصبية لتعاود ليلى النظر الى الحديقة الخارجية بشرود عندما رن هاتفها فوجدت والدها يتصل بها ..
ردت عليه ترحب بها عندما سألها بعدما رد تحيتها :-
” كيف حالك يا ليلى ..؟! هل أنتِ بخير ..؟!”
ردت بجدية :-
” انا بخير يا أبي .. من الواضح إن هذا السؤال سيتكرر كثيرا اليوم ..”
سمعت صوت تنهيدته المرهقة قبل أن يقول :-
” أريد أن آتي وأتحدث مع والدتك ..”
قاطعته بسرعة :-
” ليس اليوم يا بابا .. أساسا ماما مشغولة وانا كذلك ..”
قاطعها يتسائل بإستغراب :-
” مالذي يشغلكم اليوم ..؟!”
ردت بنبرة عادية :-
” نتجهز لحفل الزفاف ..”
صاح والدها بعدم تصديق :-
” أي حفل زفاف ..؟!”
ردت بجدية ولا مبالاة :-
” حفل زفاف نديم يا بابا ..”
” ما بالك يا ليلى ..؟! هل جننتِ لتحضري حفل الزفاف ..؟!”
قالها والدها من بين أسنانه لترد ببرود :-
” لماذا تقول هذا ..؟! أساسا من الغير طبيعي ألا أحضر الحفل .. زفاف ابن خالتي وأخو زوجي في نفس الوقت ..”
” توقفي عن هذا يا ليلى .. توقفي عن إيلام نفسك بهذه الطريقة ..”
قالها بحنق لتهتف بسرعة تنهي الجوار الذي اتخذ مسارا لا تريده :-
” بابا فستاني على وشك الوصول والسائق يتصل بي .. نتحدث لاحقا ..
ثم ودعته وأغلقت الهاتف بسرعة لتأخذ نفسا طويلا قبل أن تفتح هاتفها مجددا فتتصل بالمركز التجميلي الذي تعتاد التعامل معه تؤكد عليه موعد مجيء أخصائيات التجميل ..
أغلقت الهاتف ثم نظرت الى ساعتها للحظات قبل أن تعزم أمرها وتفتح الهاتف مجددا ترسل رسالة نصية مختصرة له :-
( أريد أن أراك .. سأتواجد في الحديقة الخلفية للفيلا في تمام الساعة الخامسة … هناك حديث هام بيننا … يمكنك أن تعتبره حديث الوداع ..)
أغلقت الهاتف بعدها وأخذت نفسا عميقا من جديد ثم تحركت الى الداخل تستعد لأخذ قسطا من الراحة فينتظرها يوما طويلا وثقيلا للغاية ..
………………………………………………………….
نظرت الى والدتها التي أغلقت هاتفها بعصبية فسألتها :-
” لا يوجد خبر جديد ، أليس كذلك ..؟!”
ردت والدتها بحنق :-
” الشاب لم يستطع إيجادها حتى الآن .. اللعنة أين ذهبت تلك الفتاة ..؟!”
هتفت هايدي بجدية :-
” لا أعلم .. انا قلقة عليها جدا .. ”
” كان عليكِ أن تمنعيها ..”
قالتها والدتها بتأنيب لتهتف هايدي مدافعة عن نفسها :-
” ألم أخبرك بما حدث .. ؟! كادت أن تقتل نفسها ..”
زفرت تهاني أنفاسها بضيق قبل أن تهتف بجدية :-
” ستعود .. بالتأكيد ستعود خاصة عندما تنتهي الأموال التي معها فأنا جمدت رصيدها في البنك ..”
انتفضت هايدي تسألها بعدم تصديق :-
” ماذا فعلتِ ..؟! قمت بتجميد رصيدها ..؟! لماذا يا ماما .. ؟! لماذا فعلتِ هذا ..؟!”
نهضت تهاني بدورها تهتف بحنق :-
” ماذا يعني لماذا …؟! فعلت هذا كي تضطر الى العودة الى هنا بعدما تنفذ جميع أموالها ..”
” يا ماما تصرفك خطأ .. نانسي كانت في حالة غير طبيعية .. وضعها لا يسمح لنا أن نضغط كثيرا عليها ..”
سألتها تهاني بتوجس :-
” ماذا تقصدين ..؟!”
ردت هايدي بضيق:-
” حالتها كانت غير طبيعية أبدا .. لقد جرحت رقبتها بالسكين وكانت ترفض البقاء في المنزل للحظة واحدة وأنتِ بفعلتكِ هذه تضغطين عليها أكثر وربما تتصرف بشكل يؤذيها ..”
” كلا ، بالطبع لن تفعل ذلك ..”
قالتها تهاني بخوف ظهر بوضوح لترد هايدي بقلق :-
” يا إلهي .. كيف سنصل إليها الآن ..؟!”
جلست تهاني بضعف على الكنبة تردد :-
” انا لا أفهم ما مشكلة هذه الفتاة ولماذا تفعل بنا هذا ..؟!”
قالت هايدي بجدية :-
” نحن نتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية ما يحدث …”
” نحن ..؟! لماذا تقولين هذا ..؟!”
سألتها والدتها بعدم تصديق لترد هايدي بتأنيب لنفسها قبل والدتها :-
” نانسي تمر بأزمة نفسية منذ وفاة والدي … بعد وفاته أصبحت تشعر إنها وحيدة .. هي ترى إنكِ تفضليني في كل شيء وإننا لدينا عالمنا الخاص الذي لا تستطيع مواكبته ..”
قالت تهاني بسرعة تدافع عن نفسها :-
” انا لا أفضلك بالطبع عليها .. الفكرة فقط إنكِ أقرب لي من ناحية ..”
قاطعتها هايدي بجدية :-
” ماما انا أفهمك .. انا أقرب لك بالشخصية والتفكير .. لكن نحن فشلنا في احتواء نانسي وتأنيبنا المستمر له ومحاسبتها على كل شيء وعدم إعجابنا بتصرفاتها إنعكس سلبيا عليها ..”
” انا كنت أفعل ذلك لصالحها .. لإنني أريد الأفضل لها ..”
هزت هايدي رأسها موافقة وقالت :-
” وانا ايضا كنت أفعل ذلك لصالحها .. او بالأحرى كنت أظن ذلك والحقيقة إننا ساهمنا في تدمير نفسيتها بل شخصيتها دون أن نعي …”
أغمضت تهاني عينيها بتعب وأخذت تردد :-
” يا إلهي .. أين ذهبت ..؟! ماذا سأفعل أنا ..؟!”
جلست هايدي جانبها بتعب فهي لم تنم لحظة واحدة منذ ليلة البارحة ..
كانت تشعر بالغضب من شقيقتها وبالألم لأجلها والأسوء من ذلك كانت تشعر بتأنيب ضمير شديد لأجلها ..
توقفت أفكارها عند رنين هاتفها لتحمله فتجد نانسي تتصل بها لتقفز من مكانها تردد إسمها بعدم تصديق فتنتفض تهاني من مكانها تتقدم نحو هايدي التي أجابت عليها بسرعة ولهفة :-
” نانسي ، أين أنتِ ..؟! نحن قلقتان عليكِ كثيرا … ”
وصلها صراخ نانسي :-
” من أنتما ..؟! أنتِ وتهاني هانم … من الواضح إنها تشعر بالقلق لأجلي والدليل إنها جمدت حسابي في البنك … هل تظن إنني سأعود الى المنزل بهذه الطريقة ..؟!”
وصل صوتها الى تهاني التي سحبت الهاتف من يد ابنتها بينما نانسي تستمر في صياحها :-
” تحاول لوي ذراعي من خلال ذلك .. انا لن أعود الى هذا البيت حتى لو نمت في الشارع ومت من الجوع ..”
هتفت تهاني بسرعة :-
” بعيد الشر عنك يا حبيبتي .. انا سأعيد حسابك كما هو .. فقط عودي بالله عليك .. انا سأموت من قلقي .. ”
” الآن تذكرتني .. الآن أصبحتِ تشعرين بالقلق لأجلي ..”
قالتها نانسي بصوت باكي لتهتف تهاني بتوسل :-
” عودي يا ابنتي .. عودي بالله عليكِ … ”
ردت نانسي بتحدي :-
” لن أعود وانتِ لن تستطيعي التحكم بي او لوي ذراعي بأي طريقة بعد الآن ..”
” سأعيد لكِ رصيدك في البنك ..”
قالتها تهاني بسرعة لتسمع نانسي تردد بقهر :-
” مقابل عودتي ، أليس كذلك ..؟!”
” كلا انا ..”
لكن نانسي كانت أغلقت الهاتف في وجهها لتجلس تهاني بسرعة على الكرسي جانبها بإنهيار بينما فهمت هايدي إن والدتها لم تحصل على أي إستجابة من أختها فقالت بجدية :-
” اتصلي بالبنك وأعيدي الحساب بسرعة .. على الأقل وجود الأموال معها أفضل .. نانسي ليست في وعيها ويجب أن نجدها في أسرع وقت لكن من فضلك افتحي الحساب مجددا …!!”
هزت تهاني رأسها بطاعة قبل أن تنهض من مكانها وتتجه لحمل هاتفها والتواصل مع مدير البنك بملامح مذعورة ..
……………………………………………………………….
كانت تجلس على سريرها تنتظر قدوم عمار الذي سيأتي ليخرجها من المشفى بعدما سمح الطبيب لها بالخروج ..
أرادت أن تعود الى شقتها لكن عمها عابد وزوجة عمها رفضا ذلك وشجعاها على العودة الى القصر فوجودها بينهم سيكون أفضل لها وعمار بدوره وعدها إنه سيبقى بجانبها ..
لم تتركها همسة طوال اليوم رغم وجود خديجة معها فهي كانت تأتي مبكرا جدا وتعود مساءا ..
زوجة عمها منذ اول يوم تزورها وتتعامل معها بحنو وتحاول دعمها واستمرت في زيارتها يوميا طوال مدة بقائها هنا وكانت تقضي ساعتين او اكثر معها وتخبرها في كل مرة إن الجميع ينتظر عودتها …
عمها كذلك كان يزورها يوميا احيانا مع زوجته وأحيانا بدونها ..
توليب الأخرى كانت تزورها بشكل شبه يومي وتتصل بها اذا ما استطاعت زيارتها تمنحها كلمات كثيرة من الدعم والمحبة ..
وكذلك أبناء عمومها البقية حيث راغب وراجي وفيصل الذي كان يزورها يوميا يحمل معه الكثير من الشوكولاته التي تعشقها ويظل يمازحها حتى يجبرها على الضحك ورغم ذلك تجنب الجميع التحدث في أكثر أمر يثير ضعفها وإنهيارها ..
كانت تتأمل خديجة التي تلملم أغراضها بمساعدة همسة استعدادا للخروج بعد ساعات قليلة …
سمعت صوت طرقات على باب غرفتها فإعتدلت في وضعيتها مستغربة قدوم أحد اليوم تحديدا فلا أحد من عائلة عمها سيأتي كونهم سينتظرونها وعمار سيأتي بعدما ينهي عمله ليخرجها بنفسه ..
حبست أنفاسها داخل صدرها عندما وجدته يدلف الى الداخل ملقيا التحية بخفة لتستدير همسة نحوه بدهشة بينما خديجة إستطاعت أن تتعرف عليه دون أن تراه مسبقا ..
” جئت لأطمن على جيلان ..”
قالها بسرعة ملاحظا دهشة الجميع قبل أن يلتفت نحوها يسألها بنبرة عادية وملامح إعتيادية لا تحمل شيئا مريبا :-
” كيف أصبحت يا جيلان ..؟! هل تشعرين بحال أفضل ..؟!”
انعقد لسان جيلان وسيطر الخوف عليها لا إراديا وفكرة إن الرجل الواقف أمامها هو زوجها سببت لها قشعريرة ورعبا حقيقيا ..
” مهند .. ماذا تفعل هنا ..؟!”
قالتها همسة بهمس وهي تقف جانبه ليرد بصوت عادي مسموع :-
” ألم تسمعي ما قلته يا همسة .. ؟!” جئت لأرى ابنة عمي وأطمئن عليها ..”
أضاف وهو يشير إليها وإلى خديجة :-
” هل تسمحان لي بقليل من الخصوصية مع جيلان فأنا أريد التحدث معها على انفراد ..؟!”
نظرت له همس برفض ظهر في عينيها فقال بهمس :-
” لا تقلقي يا همسة .. بالتأكيد لا أنوي إيذائها مطلقا ..”
” كيف لا أقلق وأنا أعرف الناس بك وبطريقتك الجافة في الحديث و ..”
قاطعها بملل :-
” خذي السيدة التي معك واخرجا من فضلكما … دقائق قليلة فقط وسأغادر .. انا فقط أحتاج الى التحدث معها على انفراد .. بإمكانكما أن تقفا خلف الباب كي تقتحمان الغرفة فورا اذا ما ظهر شيء ..”
” انا لن اترك جيلان لوحدها ..”
قالتها خديجة بقوة لكن فوجئت بجيلان تهمس بحذر رغم رعبها من وجوده :-
” من فضلك يا دادة خديجة انتِ وهمسة .. اتركانا لوحدنا قليلا ….”
لا تعرف كيف تجرأت على قول هذا لكن ربما حديث عمار معها وتأكيده لها إنه في ظهرها وإن هذا الواقف أمامها والمدعو زوجها لن يستطيع أن يمسها بأي أذى منحها قليلا من الشجاعة وهو الشيء الذي أراده عمار منها دائما .. الشجاعة والمجابهة وعدم الإستمرار بالهرب مجددا …
التفت مهند نحوها فتلاقت نظراتها بنظراته التي إخترقتها بقوة لتشيح وجهها بخوف وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة فأشار مهند الى الإثنتين الآخرتين مرددا بسخرية :-
” ماذا الآن يا هوانم ..؟!”
أشارت همسة الى خديجة أن تخرجان فخرجتا بالفعل ليتقدم مهند نحو جيلان التي انكمشت لا إراديا الى الخلف بينما سحب هو الكرسي وجلس جانبها يسألها :-
” كيف حالك الآن ..؟! هل تشعرين بوضع أفضل ..؟!”
ردت بإضطراب وخفوت :-
” الحمد لله ..”
هتف وهو يتراجع في جسده الى الخلف :-
” إذن أدركتِ أخيرا إنك زوجتي ..”
ردت بسرعة :-
” عمار أخبرني إنك لن تمسني بسوء أبدا وهو لن يسمح لك أن تؤذيني مهما حدث ..”
رفع حاجبه مرددا بتهكم بارد :-
” حقا ..؟! وبماذا أخبرك أيضا ..؟!”
أضاف يتسائل :-
” ولماذا إفترضتِ إنني سأوذيكِ ..؟!”
” لا أعلم .. لكنك تبدو شريرا ..”
قالتها بعفوية ليردد بدهشة :-
” أنا أبدو شريرا …”
هزت رأسها تمط شفتيها مرردة بطفولية :-
” نعم ، حتى ملامحك حادة جدا .. انت مخيف بل مرعب أيضا ..”
” كأنك لا تتحدثين عني بل عن شبح ..”
رددها بدهشة لتهتف بجدية :-
” انت دائما كنت ذلك .. أساسا في المرات المعدودة التي إلتقيتك بها كنت أراك عصبيا وحادا في كلامك ..”
” انت لم ترينني سوى مرتين ..!!”
قالها بغضب مكتوم لتردد بعفوية :-
” بل رأيتك قبلها .. عندما كنت صغيرة ..”
” متى يعني ..؟!”
سألها بإهتمام لتردد بتذكر :-
” كنت في الثامنة من عمري وقتها وانت كنت شابا طويلا وضخما قليلا .. أتذكر تلك الحادثة جيدا .. كنت أصغر فتيات العائلة .. يومها كسرت إحدى السنادين الموضوعة في الحديقة وانت جئت وصرخت علي كثيرا وعندما علم والدي بالأمر تشاجر معك وحتى تحدث عمي معه وإعتذر منه نيابة عنك ..”
اللعنة كيف تذكرت تلك الحادثة التي مرت عليها سنوات لا يتذكر عددها ..
” انت لم تنسِ تلك الحادثة التي بالكاد أتذكرها …؟؟”
ردت وهي تهز برأسها :-
” انا لا انسى أي شخص أساء لي ولا أنسى أي شخص قدم لي معروفا ..”
أردفت بنفس العفوية :-
” لهذا انا أكرهك منذ ذلك الوقت ولا أحب أن أراك حتى في زياراتي القليلة لبيت عمي كنت أتجنب رؤيتك ..”
” لهذه الدرجة ..؟!”
هدر بها بحنق لتتفوه بنفس العفوية :-
” نعم فأنا لا أحبك لذا لا أحب رؤيتك فأنت تخيفني ..!!”
هتف وهو يتقدم نحوها فإنكمشت على نفسها أكثر :-
” لكنكِ سترينني دائما بعد الآن فأنت زوجتي يا جيلان ..”
” عمار قال ..”
قاطعها ببرود :-
” توقفي عن ذكر عمار في كل جملة .. انت زوجتي وعمار بالطبع لن يبقى بيننا ..”
ترقرقت الدموع داخل عينيها وهي تقول بصوت مبحوح :-
” لكنك لا أريدك …”
هتف بغضب خفيف :-
” حقا ولا أنا أريدك …”
بدأت في البكاء فشتم داخله ثم قال بعصبية خفيفة :-
” لماذا تبكين الآن ..؟! ماذا حدث أساسا لتبكين ..”
” انا لا أريدك ..”
رددتها من بين بكائها ليهتف من بين أسنانه :-
” وانا كذلك .. أخبرتكِ بهذا منذ لحظات لكن يبدو إنك تنسين بسرعة .. نحن لا نريد بعضنا ولكننا تزوجنا وعليكِ تقبل هذا كما تقبلته انا ..”
رفعت وجهها الباكي نحوه تنظر إليه ببراءة شديدة ليزفر أنفاسه مرددا بينه وبين نفسه :-
” يا إلهي إنها طفلة .. كيف سأتعامل معها لا أعلم ..؟! هذا ما كان ينقصني .. التعامل مع الأطفال .. سامحك الله يا راغب …”
…………………………………………………………….
بعد حوالي ثلاث ساعات …
اوقف عمار سيارته في كراج المشفى وهبط منها متجها الى الداخل حيث الطابق الذي توجد به غرفة جيلان عندما رأى ظهر إمرأة شعر إنه يعرفها تقف أمام المصعد تنتظر هبوطه ليهتف وهو يتقدم نحوها :-
” شيرين ..”
التفتت شيرين نحوه تبتسم له رغم دهشتها وهي تحمل علبة زهرية اللون متوسطة الحجم :-
” عمار..!! انت هنا .. لم أتوقع أن تأتي في وقت عملك ..”
رد موضحا :-
” جئت لأجل جيلان .. اليوم موعد خروجها من هنا ..”
هتفت بتذكر :-
” صحيح …لقد أخبرتني بذلك لكنني نسيت ..”
سأل بعدم استيعاب :-
” من أخبرتكِ بذلك ..؟!”
ردت بعفوية :-
” جيلان ..”
أضافت موضحة عندما رأت الدهشة تغزو ملامحه :-
” انا زرتها أكثر من مرة خلال الأيام السابقة .. يبدو إنها لم تخبرك …”
هتف مسيطرا على دهشته :-
” أبدا لم تفعل ..”
هتفت وهي تبتسم بخفوت :-
” شعرت إنها تحتاج الى الدعم … وفي الحقيقة أثناء زياراتي القليلة أحببتها كثيرا .. هي فتاة رائعة ومحبوبة وخجلها معي بدأ ينطوي تدريجيا … ”
هز عمار رأسه بتفهم قبل أن يجدها تسأله بحذر :-
” انت لم تنزعج من زياراتي لها بإستمرار ودون إخبارك ، أليس كذلك ..؟!”
رد بسرعة وصدق :-
” أبدا ، على العكس تماما .. انا سعيد بذلك ..”
ابتسمت قبل أن يشير هو الى المصعد :-
” وصل المصعد .. لنذهب إليها سويا ..”
دلفا سويا الى المصعد لتقف شيرين بجانبه وهي تحتضن علبتها بينما ينظر هو أمامه بشرود …
وصل المصعد أخيرا الى الطابق المقصود لتخرج هي اولا منه يتبعها هو ..
دلفت الى الغرفة تهتف بحبور :-
” مرحبا جيلان ..”
ابتسمت جيلان بسرعة وهي ترحب بها وقد كانت ارتدت ملابسها كاملة استعدادا للخروج :-
“شيرين .. اهلا بك ..”
اقتربت نحوها شيرين تحتضنها بخفة فبادلتها جيلان عناقها بينما وقف عمار يراقب ما يحدث بقليل من الدهشة ..
يدرك جيدا مدى لطافة شيرين وشخصيتها المحبوبة منذ أن تعرف عليها منذ سنوات مثلما يدرك إنها حنونة بطبعها لكنه لم يتخيل أن تتوطد علاقتها بجيلان خلال أيام معدودة وأن تهتم بزيارتها عدة مرات من الأساس ..
انتبهت جيلان له فهتفت وهي تبتسم له :-
” أنت أتيت …”
تقدم نحوها بعدما ألقى التحية على خديجة يحتضنها بقوة قبل أن يبتعد عنها قليلا يسألها وهي ما زالت بين أحضانه :-
” هل أنت جاهزة للخروج ..؟!”
اومأت برأسها دون رد ليعاود سؤالها :-
“انظري من الأفضل أن تذهبي الى قصر عمك لكن اذا لا ترغبين بذلك ستأتين معي وتبقين حتى تشعرين إنك مستعدة للعودة هناك .. ستأتين وتعيشين في شقتي الخاصة معي هذه المرة وليس وحدك ..”
قاطعته بهدوء :-
” انا سأذهب الى هناك .. انا لن أهرب من أي شيء فيما بعد .. ألم تطلب مني ذلك ..؟!”
كانت تتحدث بهدرء ظاهري رغم إن داخلها يتمنى لو تذهب معه بالفعل ..
” بالطبع .. انا أريد منك ذلك …”
قالها بجدية رغم خوفه لا إراديا عليها ورغم إن المنطق يقول أن تذهب الى منزل عمها إلا إن داخله يتمنى لو يأخذها معه …
” جيد .. اذا دعونا نذهب ..”
قالها بحسم ليسمع شيرين تقول وهي تتقدم نحوها :-
” هذه هدية بسيطة بمناسبة تعافيك ..”
ابتسمت جيلان وهي ترد بحب :-
” شكرا كثيرا ..”
قال عمار بفضول :-
” ألن تفتحي العلبة ..؟!”
” سأفعل ..”
قالتها جيلان وهي تفتح العلبة لتجد مجموعة رائعة من مختلف الألوان بأنواع مختلفة فشهقت بسعادة وهي تقول :-
” ما هذه ..؟!”
ردت شيرين :-
” ألم تخبريني إنك تحبين الرسم .. ؟! هذه الألوان ستساعدك في ممارسة هوايتك …”
انتبهت جيلان الى ظرف صغير موضوع بين الألوان لتحمله وتفتحه فتجده ورقة تسجيل في احد أشهر معاهد الرسم بإسمها هي ..
نظرت الى شيرين بعدم تصديق فقالت شيرين بجدية :-
” هذا المعهد مشهور جدا ويقدم دورات احترافية في مجال الرسم .. حجزت لك مقعدا في الدورة القادمة .. ستبدأ الشهر القادم إذا أردت الذهاب يعني وإذا لا ترغبين فأنتِ بالطبع حرة ولن يزعجني ذلك ..”
” شكرا لك حقا ..”
قالتها جيلان بإمتنان قبل أن تقترب من شيرين وتعانقها بعفوية لتربت شيرين على ظهرها وهي تشعر بغريزة الحماية تتشكل داخلها لا إراديا نحو تلك الصغيرة ..
كان عمار يتابع الموقف بهدوء رغم تخبط مشاعره ولا يعلم لماذا في تلك اللحظة تمنى لو ظلت شيرين في حياته ولم تتركه منذ سنوات كما حدث ..؟!!
كانت تفكيرا غريبا وغير ملائما فطرده من رأسه بسرعة عندما همس :-
” هل نذهب الآن ..؟!”
ابتعدت جيلان من أحضان شيرين وحملت الصندوق وتقدمت أمامهم تتبعها خديجة عندما تحركت شيرين خلفيهما لكنها فوجئت بعمار يجذبها من ذراعها وهو يهمس لها بصوت مبحوح ونظراته تخترق عينيها بقوة :-
” لا أعرف ماذا يجب أن أقول الآن تحديدا .. أنتِ رائعة .. هذا ما يمكنني قوله الآن ..”
تلاقت النظرات بنظرة طويلة شعرت شيرين بقلبها ينبض بعنف مجددا اتجاه هذا الرجل الذي كان يوما حبها الأول بينما شعر عمار لأول مرة برغبة قوية بأن يحتضنها بقوة ويجعلها تشعر بكم المشاعر الموجوده داخل قلبه نحوها في تلك اللحظة والتي لا يستطيع تفسيرها لكنه ليس منزعجا منها بل راضيا للغاية ..!!
……………………………………………………………
كان يقف أمام المرآة مستندا على حافة الطاولة أمامه بكفيه ينظر الى ملامح وجهه الجامدة وكلمات رسالتها تتردد داخل عقله :-
( أريد أن أراك .. سأتواجد في الحديقة الخلفية للفيلا في تمام الساعة الخامسة … هناك حديث هام بيننا … يمكنك أن تعتبره حديث الوداع ..)
هل يفعلها ويذهب إليها أم يتجاهل طلبها ..؟!
ولما سيتجاهل هذا اللقاء ..؟!
ومالذي تريده ليلى منه في يوم كهذا ..؟!
بالطبع لن تطلب منه العودة مجددا او ترجوه ألا يتزوج غيرها فهو يعرفها جيدا ويعرف إنها لا يمكن أن تفعل ذلك …
إذا لماذا تريد رؤيته وما هو الحديث الهام بينهما ..؟!
أغمض عينيه بتعب مفكرا إن تلك الرسالة جائت في وقت استعداده لزفافه اليوم ورغم مشاعره المتخبطة إلا انه كان سعيدا رغم كل شيء وهو يدرك إن حياة ستكون معه بعد الآن ..
الفكرة نفسها بدت مفرحة لكن تلك الرسالة جمدت فرحته ومنذ أن قرأها وعقله مشوش تماما وروحه مضطربة كليا ..
اعتدل في وقفته واتجه نحو الخزانة يلتقط ملابسا له ناظرا لا إراديا الى الساعة التي تجاوزت الثالثة ظهرا بخمسة وعشرين دقيقة أي لم يتبقَ على موعد مجيئها سوى ساعة ونصف تقريبا ..
سمع صوت طرقات على باب غرفتها ليسمح للطارق بالدخول فيجد والدته تتقدم نحوه تسأله بجدية :-
” هل يمكننا التحدث قليلا ..؟!”
هز رأسه بصمت لتتقدم نحوه وتجلس على السرير تشير له أن يجلس جانبها فتقدم نحوها وجلس جانبها وقد أولاها كامل إنتباهه ..
هتفت صباح بجدية :-
” اليوم ستتزوج يا نديم .. ستتزوج من فتاة انت إخترتها بنفسك … فتاة أردتها بقوة .. ”
تطلع إليها بإهتمام لتضيف بنفس الجدية :-
” أنت إخترت الفتاة وأنت خطبتها وعليه أنت ستحافظ عليها وتدعمها في كافة شؤون حياتها وتكون خير زوج لها وتمنحها الأمان والسكينة والسعادة ..”
” وهذا ما سيحدث بالتأكيد ..”
قالها بثقة لتبتسم بضعف وهي تقول :-
” انا لا أعلم بالضبط طبيعة مشاعرك نحوها .. ولا يحق لي التدخل … أعلم إن حياة لها تأثير قوي عليك لكن هذا لا يعني إنك تحبها ..”
تغضن جبينخ بإنزعاج وقال :-
” لماذا تربطين كل شيء بالحب ..؟!”
ردت بملامح حزينة :-
” لإن الحب شيء لا يمكن تجاهله يا نديم .. كونك تريدها لكنك لا تحبها فهذا لن يكفيها خاصة إذا كانت هناك أخرى نالت حبك يوما وربما ما زالت تمتلك قلبك ..”
” أمي من فضلك ..”
قالها ببعض الحدة لتهتف بجزم :-
” انا لم أنته من حديثي بعد .. انظر الي يا نديم .. انا أتحدث عن فتاة منحتك حياتها كاملة بل ووضعت مستقبلها بين يديك .. الفتاة ستترك كل شيء وتسافر معك .. ستفعل كل هذا وواقعيا انت لن تقدم لها شيئا ملموسا حتى الآن ..”
” هي ستكون حياتي كلها ..”
قالها بجدية لترد بهدوء :-
” أعلم إنك صادق في علاقتك معها وأعلم إنك لا تنوي اي سوء لها لكن المشاعر يا بني قد تتحكم بالفرد إجبارا عنه .. انا أعلم الناس بذلك وهذا أكثر ما يقلقني ..”
” مالذي يقلقك بالضبط ..؟!”
سألها بدهشة لترد بقلق :-
” أخشى أن تسيطر مشاعرك عليك مجددا .. أخشى ألا تستطيع الإستمرار في محاربة تلك المشاعر ويأتي اليوم الذي تتغلب فيه مشاعرك عليك فتتسبب بالألم والمعاناة لتلك المسكينة ..”
” أنت تفكرين بطريقة غير معقولة ..”
قالها بعدم استيعاب لترد بجدية :-
” بل أفكر بأكثر شيء معقول ومنطقي .. عدني يا نديم .. عدني إنك لن تؤلمها ولن تمنحها الشعور بالخذلان للحظة واحدة .. عدني إنك لن تتخلى عنها أبدا والأهم أيا كانت مشاعرك ستحتفظ بها داخلك ولن تجعلها تشعر للحظة واحدة بوجود إمرأة أخرى داخلك … ”
” لن يحدث هذا مطلقا .. انا لا يمكنني إيذائها .. حياة آخر شخص أفكر في إيذائه .. كوني واثقة إنني سأحرص على منحها السعادة والأمان وكل المشاعر الجيدة ..”
” هي فتاة جيدة وتستحق هذا وتذكر أيضا إنها يتيمة .. أنت لن تكون مجرد زوجها .. أنت ستكون مصدر أمانها وحمايتها .. ”
تنهد بصعوبة ثم قال بصدق :-
” انت من ربيتني وأنت أكثر من يعلم طبيعتي … هل تشكين للحظة واحدة إنني لن أفعل كل هذا ..؟! كما إن حياة تستحق كل هذا بالفعل .. هي منحتني الكثير من الأشياء دون أن تعي ذلك وأنا بدوري سأمنحها الكثير ليس كرد جميل فقط بل لإنني بالفعل أريد ذلك .. ”
أضاف بصدق :-
” حياة هي حجر الأساس في حياتي القادمة .. بها ومعها ستكتمل حياتي .. لن أقول إنني أحبها .. لن أكذب وأتحدث عن شيء غير موجود لكن يكفيني أن أخبرك إنني أصبحت ناضجا لأدرك إن الحب ليس الأساس وإن هناك أشياء أهم منه بكثير .. نعم انا لا أحبها الحب المتعارف عليه يحدث بين العشاق لكنني لا أتخيل حياتي بدونها …”
وبتلك الكلمات أنهى حديثه مع والدتها والتي لمست الصدق الواضح في كلماته فشعرت ببعض الطمأنينة وهي تدعو الله أن تستمر هذه الزيجة وتجلب السعادة لإبنها كما شعرت دائما وللفتاة أيضا ..
…………………………………………………………..
دلف الى غرفة والده الذي كان يقرأ في كتابه بتركيز عندما رفع وجهه ليراه أمامه فخلع نظارته وابتسم له يطلب منه التقديم ..
تقدم نضال منه مرددا بجدية :-
” انا سأسافر الليلة ..”
سأله والده بدهشة :-
” ستسافر الليلة ..؟! الى كندا ..؟!”
هز نضال رأسه بتأكيد لينهض أشرف من مكانه ويتقدم نحوه يتسائل مجددا :-
” لماذا يا نضال ..؟! ما سبب هذه السفرة المفاجئة ..؟!”
رد نضال بجدية :-
” اشتقت لماما اولا كما إنني أحتاج الى الإبتعاد عن هنا لفترة .. بكل الأحوال أنا سأتنقل دائما بين هنا وهناك بسبب عملي بعد الآن …”
قاطعه والده بجدية :-
” انت لم تسافر بسبب زفاف حياة ، أليس كذلك ..؟!”
رد نضال بحيادية :-
” ربما هي أحد الأسباب ولن أنكر هذا ..”
” هل أحببتها حقا..؟!”
سأله والده بحذر وقلق من أن تكون مشاعر ابنه تحركت نحو حياة عكس ما كان يتوقع فيسمع ابنه يطلق تنهيدة طويلة قبل أن يقول بخفوت ولأول مرة يفتح قلبه لوالده :-
” لا أعلم .. انا فقط أرى بها ذلك الماضي الذي قتلته بيدي ولم أستطع تجاوزه حتى الآن .. في الحقيقة ظننت إنني تجاوزته لكنني عندما رأيتها أدركت إنني لم أتجاوزه مسبقا وإنما تركته مضموما داخلي في أعماق روحي وربما كان هذا خطئي الأكبر ..”
” أي ماضي يا نضال ..؟! أخبرني يا بني .. انا والدك ويمكنني أن أفهمك وأساعدك ..”
قالها والده بترجي ليهتف نضال بشرود :-
” لا أحد يمكنه مساعدتي لإنه لا توجد طريقة للمساعدة من الأساس ..”
” من هي ..؟! من هي تلك التي جعلتك تشعر بكل هذا ..؟!”
سأله والده بجدية وتصميم ليجيب نضال وقد عادت الذكريات تغزو عقله وقلبه دون رحمة :-
” فتاة .. جميلة جدا وبسيطة جدا وبريئة جدا… وانا كنت الوحش الذي إلتهم برائتها بكل وحشية …”
” ماذا فعلت لها ..؟!”
سأله والده بحذر ليرد بجمود :-
” قتلتها ..!!”
تجمدت ملامح والده بينما أضاف بصراحة رغم الألم الذي سكن عينيه الجامدتين بالعادة :-
” قتلتها عدة مرات بغروري وكبريائي وعجرفتي معها .. قتلت روحها المشعة وبرائتها وعفويتها .. قتلت كل شيء داخلها ولم أكن أعلم إنني قتلت معها نفسي ومشاعري وإنسانيتي …”
” من تلك الفتاة ..؟! وأين ذهبت ..؟!”
” ماتت .. ألم أخبرك بذلك مسبقا …”
قالها بصوت جامد ليرد والده بعصبية خفيفة :-
” كيف يعني ماتت .. هل هذا تعبير مجازي أم ..”
قاطعه نضال بملامح جامدة :-
” بل هي ماتت بالفعل .. قتلت نفسها … لم تتحمل كل ما فعلته بها وما جعلتها تشعر به فإنتحرت … رويدا انتحرت بسببي وأنا منذ ذلك اليوم مت معها …!!”
…………………………………………………………
كانت تقف في منتصف الحديقة الخلفية للفيلا والتي تعلم جيدا إن لا أحد سيأتي الى هنا وخاصة في يوم كهذا .. ترتدي فستانا بسيطا وترفع شعرها بشكل ذيل حصان وملامحها خالية تماما من مستحضرات التجميل ورغم ذلك تبدو مشعة ، حلوة وبهية ..
كانت تنتظره وتعلم داخلها إنه سيأتي .. نديم لن يتجاهل رسالتها ولن يرفض طلبها الأخير .. هي تثق بذلك …!!
توقفت عن أفكارها وهي تراه يتقدم نحوها بملامح جامدة لكنها رغم جمودها الظاهر تدرك جيدا مدى تخبط مشاعره وغليانه من الداخل ..
هتفت تستقبله بإبتسامة عادية :-
” مساء الخير ..”
رد بهدوء وهو ما زال يرتدي قناع الجمود على ملامح وجهه :-
” مساء النور ..!!”
” كنت أعلم إنك ستأتي …”
قالتها بجدية ليرد بنفس الجدية :-
” أتيت لأسمع ما عندك .. ”
ابتسمت بهدوء لم يصل لعينيها عندما قالت وهي تتأمل المكان حولها :-
” هذه الحديقة تحمل ذكريات كثيرة .. ذكريات جميلة للغاية …”
دار بعينيه في ارجاء الحديقة والتي كانت مهربا يلجئان إليه للإنفراد بعيدا عن البقية ..
تغضنت ملامحه رغم صمته لتبتسم والذكرى تناوش قلبها مجددا :-
” هنا كنا نهرب انا وانت .. نبقى لوحدنا .. نتحدث كثيرا ونضحك كثيرا … هناك كان اول اعتراف بالحب متبادل بيننا وهنا تلامست أيدينا لأول مرة وهنا تبادلنا قبلتنا الأولى وهنا عرضت علي الزواج … هنا حدثت كل خطوة حقيقية في علاقتنا .. هنا حيث كانت البداية واليوم وفي هذا الوقت تحديدا ستكون النهاية .. نهايتنا ستكون في نفس المكان الذي بدأت فيه قصة حبنا …”
” ما سبب كل هذا الحديث ..؟!”
سألها بتجهم لتبتسم بنفس الطريقة وهي تسأله :-
” هل أصبحت حتى ذكرياتنا سويا تزعجك لهذه الدرجة ..؟!”
رد بجدية :-
” بالطبع كلا .. لكنني لا أفهم سبب مجيئنا هنا وسبب رغبتك بالتحدث معي في يوم كهذا .. لمَ اليوم تحديدا ..؟!”
قاطعته بقوة :-
” لإنه يوم زفافك .. يوم إرتباطك بإمرأة أخرى رسميا .. لإنه يوم نهايتنا .. ويوم بداية جديدة لكلينا .. ”
” ماذا تريدين يا ليلى ..؟!”
سألها بتعب لتجيبه بجدية :-
” أريد إنهاء كل شيء ولكن قبل إنهاء جميع ما بيننا تبقى شيء واحد فقط سأفعله وبعدها ستنتهي ليلى من حياتك … ستبقى ليلى مجرد ابنة خالتك لا أكثر .. وغير ذلك لن يجمعنا أي رابط مهما حدث ..”
” ما هو ذلك الشيء ..؟!”
سألها بإهتمام لتجيب :-
” تبرئة نفسي …”
نظر لها بعدم فهم لتقول بجدية :-
” انا اريد تبرئة نفسي أمامك مثلما أريد تخطيك تماما … ”
أضافت تسأله :-
” هل تعلم أين كانت المشكلة تحديدا …؟!”
سألها بدوره يجاريها في حديثها :-
” أين ..؟!”
ردت بصوت مبحوح :-
” المشكلة إنني دخلت في معركة كنت أحارب بها لوحدي .. والمشكلة الأكبر إنني دخلت هذه المعركة لأجلك ..”
” لا تحاولي أن تبرري ..”
قاطعته بغضب :-
” كف عن عيش دور الضحية لوحدك في هذه القصة .. أنت ضحية وأنا كذلك .. انت عشت بين جدران السجن لسنوات وأنا ..”
صمتت تبتلع غصتها ثم قالت :-
” عشت حبيسة انتقام عمار .. عشت لسنوات مع رجل تحملت منه أحقر الأفعال ..”
أضاف والدموع تتراكم داخل مقلتيها العسليتين :-
” انا لم أندم يوما على شيء بقدر ما ندمت على تضحيتي لأجلك .. صدقني لو كتت تستحق تلك التضحية كما ظننت ما كنت لأندم لحظة واحدة عليها رغم كل ما عايشته من آلام وعذاب …”
همس بخفوت والضعف بدأ يغزو ملامحه :-
” ليلى ..”
” انا لست هنا لأستعيدك .. انا هنا لأجعلك تجرب ذلك الشعور الذي شعرت به مرارا بسببك .. شعور الندم والذي يضاهي شعور الخسارة بل يفوقه ألما وعذابا ..”
.؟!
صاح بإنفعال :-
” أي ندم ..؟! علامَ سأندم ..؟! وعن أي سجن تتحدثين ..؟! انا من عشت في ذلك السجن لأعوام .. انت ..”
صمت قليلا يسيطر على الغصة التي سيطرت عليه للحظة فأكمل يتظاهر بالثبات رغم وجعه المميت :-
” انت كنتِ الأمل الوحيد المتبقي لي .. الشيء الوحيد الذي كان يخفف علي ما أعيشه .. أنت لا تعلمين ما شعرت به عندما علمت بزواجك منه وما عايشته بعدها .. لا تعلمين مقدار الألم الذي ملأ روحي وكياني .. أنتِ قتلتني يا ليلى .. دمرتني وحطمتني .. انا بسببك كرهت كل شيء .. كرهت الحب وكرهت مشاعري نحوك وكرهت نفسي وحياتي .. انا بسببك تمنيت الموت لسنوات … انت قتلتني … فلا تأتي الآن وتبكين على رمادي ..”
صرخت منفعلة والدموع تتساقط من عينيها :-
” انا لم أقتلك .. انت من تظن ذلك .. لكنني في الحقيقة منحتك الحياة .. انت حي الآن بسببي .. لولاي لكان عمار قتلك في السجن دون تردد مثلما أدخلك إليه بتهمة ملفقة ..”
” ماذا تعنين ..؟!”
سألته بصوت متحشرج لترد بنفس الإنفعال :-
” أيها الغبي .. انا تزوجته لأجلك .. لأجل حمايتك .. تزوجته بعدما هددني بقتلك … انا كنت أمام خيارين لا ثالث لهما .. إما أن أتزوجك وأحمي روحك او أرفضه وأخسرك الى الابد لكن المؤسف حقا إنني لم أكن أعلم إنني سأخسرك في كلتا الحالتين ..”
هز رأسه بعدم استيعاب قبل أن يأخذ أنفاسه عدة مرات ثم يسألها بغضب شع في عينيه :-
” لماذا الآن …؟! لماذا لم تخبريني مسبقا ..؟! لماذا اليوم يا ليلى ..؟!”
” كنت سأخبرك .. كنت سأخبرك في ذلك اليوم الذي أخبرتك به عن حقيقة زواجنا الصوري .. لكنك حطمت قلبي بحديثك وقتها وحينها تراجعت عن قول الحقيقة .. ستقول لماذا فسأجيبك لإنك تستحق .. أنت تستحق أن تعيش مخدوعا لسنوات .. تستحق أن تتألم وتعذب وأن تظن إنني غدرت بك وتزوجت أخيك لأجل أمواله بينما انا فعلت هذا لأجلك .. تستحق لإنك لم تحبني بحق .. لم تحبني نصف حبي لك …”
كانت تتحدث بحرقة شديدة ليقول وهو يقبض على ذراعها بقسوة مرددا بصدق رغم إنفعاله الشديد في تلك اللحظة :-
” أنا أحببتك حقا .. أحببتك كثيرا .. أحببتك أكثر من أي شيء ولا يمكنك تكذيب ذلك يا ليلى ..”
” وأنا أحببتك وليتني لم أفعل …”
قالتها وعسليتيها الباكيتين تلاقت بزرقاوتيه لتبتسم من بين دموعها وهي تردد :-
” الآن فقط يمكنني إخبارك إنك لم تعد تهمني أبدا … لم تعد تمثل لي أي شيء … اليوم ليس يوم بدايتك لوحدك .. اليوم هو يوم بداية جديدة لي أنا … لكن دائما وأبدا تذكر إنك خسرت إمرأة كانت مستعدة أن تمنحك روحها فداءا لك … ”
مسحت دموعها بأناملها ثم أكملت بألم خفي :-
” اذهب وتجهز لحفل زفافك .. عروسك تنتظرك …”
أكملت بعدها :-
” صحيح هناك شيء يجب أن أمنحه لك ..”
فتحت حقيبتها وأخرجت منها هاتفا صغيرا وأعطته له وهي تقول :-
” هذا الهاتف لك .. ستجد داخله تسجيلا واحدا … حديث يجمع بيني وبين عمار ويثبت كلامي … إسمعه لإنك ربما بعد لحظات تشك إنني أكذب عليك وأحاول إستعطافك وإذا أردت إذهب وتأكد إن التسجيل صحيح وغير مفبرك ..”
” ليلى ..”
قالها بخفوت قبل أن يتقدم نحوها يسألها بقوة :-
” لماذا اليوم ..؟! لماذا فعلت بي هذا ..؟!”
” مالذي فعلته ..؟!”
سألته مدعية عدم المعرفة لتضيف :-
” جعلتك تتخبط .. تعاني .. تتألم وتندم .. هل هذا ما فعلته بك ..؟! هذا رائع لإن ما تشعر به الآن أنا شعرت به مرارا بسببك … ”
رفع وجهه نحو السماء الذي شعر بها أصبحت سوداء تماما في تلك اللحظة تشبه ذلك الظلام الذي سكن روحه كليا بعدما علمه …
عاد ينظر إليها فمنحته إبتسامة هادئة لا تشبه تلك النار المشتعلة داخلها عندما مدت يدها نحوه تهتف بعينين دامعتين :-
” الوداع يا نديم .. ”
تأمل يدها الممدودة نحوه للحظات قبل أن يجذبها نحوه في عناق أخير ..
عناق وداع … !!
ذلك العناق كان يمثل النهاية ..
نهاية قصة حب عاشت لسنوات طويلة ..
انتهت قصة ليلى ونديم من حيث بدأت .. من نفس المكان التي نشأت به …
هنا كانت البداية وهنا النهاية …
ابتعدت عنه أخيرا بدموع حارقة تراكمت داخل عينها لكنها منعت نفسها من البكاء بقوة وهي تشمخ برأسها أخيرا تمنحه إبتسامة مودعة قبل أن تتحرك بكبرياء جريح خارج الحديقة وهناك في سيارتها سمحت لدموعها بالتساقط كما تشاء …
وفي الداخل وقف نديم في منتصف الحديقة بمشاعر لاهبة روحه تحترق كإحتراق قلبه تماما ..
تأمل الهاتف لينتبه الى تلك الورقة الملتصقة به والتي كتبت بها ليلى جملة عبرت بها عن كل شيء :-
” الحب لا يمكن أن يتحول الى كذبة لكن يمكنه أن ينتهي عندما يأتي الوقت الذي تدرك جيدا إن مشاعرك كانت كثيرة للغاية … كثيرة لدرجة إنها سحقت روحك ودمرت حياتك .. كثيرة على شخص لا يستحق ..!!”

” عريسك موجود الآن مع خطيبته السابقة في الحديقة الخلفية في منزله … بإمكانك الذهاب بنفسك ورؤيتهما سويا هناك ..”
رسالة وصلتها على هاتفها أثناء عمل خبيرة التجميل التي بدأت تضع اللمسات الأولى على وجهها بعدما انتهت من تسريح شعرها …
أغلقت الهاتف ووضعته أمامها بعنف وملامح وجهها تشنجت تماما فأخذت تتأمل وجهها في المرآة حيث كانت في الغرفة التي خصصتها صباح لها لوحدها كي تتزين وترتدي فستانها وتتجهز كاملا بينما ذهبتا كلا من مي وحنين في غرفة مجاورة …
نهضت من مكانها تهمس بلا وعي وهي تحمل هاتفها في يدها :-
” دقائق وسأعود ..”
ثم خرجت بسرعة من المكان متجهة الى الحديقة الخلفية والتي لم ترها مسبقا فإكتشفت إن الفيلا يوجد بها حديقة خلفية معزولة قليلا عن بقية المكان واسعة للغاية ومليئة بالأشجار والورود الرائعة مما جعلها أشبه بمزرعة صغيرة من الواضح إن هناك من يعتني بها بإستمرار وإهتمام شديد ..
وقفت خلف مجموعة من الأشجار الكثيفة تنظر إليهما من بعيد وهما يتحدثان ..
لم تستطع أن تتبين ملامح ليلى لإنها توليها ظهرها لكن ملامح نديم كانت واضحة نوعا ما وليس بشكل شديد بسبب بعد المسافة ..
لاحظت جمود ملامحه في بداية الأمر ثم تغضنها وتشنجها وأخيرا شيء من الضعف ثم الوجع بل شعرت إن ملامحه تحمل ندما واضحا ..
هو يندم على فراقه لها … الأمر أصبح واضحا ..
لكن ما حدث بعدها جمدها كليا حيث وجدته يجذبها نحوه في عناق استمر لثواني ..
شعرت في تلك اللحظة بألم شديد يحرق روحها وكأن هناك سكين حادة اخترقت قلبها المسكين ..
تجمعت الدموع داخل عينيها وهي تعتصر الهاتف في يدها بلا وعي تتابعهما بعدما إبتعدت عنه وودعته لتتراجع الى الخلف فتنصدم بجسد أحدهم الذي قبض على خصرها فورا يعيد لها توازنها ..
انتفضت بعيدا باكية قبل أن تنتبه الى ذلك الشخص الذي همس لها بإهتمام :-
” اهدئي ..”
رفعت وجهها لتجد عمار أمامها يطالعها بهدوء قبل أن يضيف بجدية :-
” تعلمي ألا تبكي على من لا يستحق دموعك ..”
هتفت فورا من بين دموعها التي خذلتها وتساقطت على وجنتيها :-
” انت من فعلت هذا ..؟! انت من أرسلت تلك الرسالة ..؟!”
اومأ برأسه يجيبها ببرود :-
” نعم انا من فعلت .. أرسلت تلك الرسالة كي تأتي بنفسك وتشهدي على خيانته لك .. كي تدركي جيدا حقيقة الرجل الذي ستتزوجينه .. كي تستوعبي إن نديم ليس كما يبدو لك .. ليس ذلك الرجل المثالي الخلوق … ”
هتفت تسأله بعدم إستيعاب :-
” ألا تلاحظ إنك تتحدث عن زوجتك أيضا ..؟! كيف تتحدث عنه وفقط وتنسى إن من كانت معه هي زوجتك ..؟!”
رد بلا مبالاة :-
” لإننا منفصلين منذ مدة وطلاقنا أصبح حتمي وسيتم خلال أيام .. ”
أضاف بنبرة ذات مغزى :-
” وهذه نقطة مهمة يجب أن تنتبهي إليها فليلى بعد أيام ستصبح حرة تماما …”
تراجعت الى الخلف بملامح مبعثرة قبل أن تستدار الى الخلف لا إراديا فتجده يجلس على الأرجوحة الموضوعة في ركن الحديقة مخفضا وجهه نحو الأسفل واضعا رأسه بين كفيه وقد غادرت ليلى المكان ..
عادت تنظر الى عمار فوجدت إبتسامة على ثغره لم تفهم معناها لكنها شعرت إن هذا الرجل أخطر مما تظن …
هذا الرجل يريد تدمير حياة أخيه دائما وبكل الطرق الممكنة ..
دفعته بقوة تتجه الى الفيلا مجددا عندما اندفعت الى نفس الغرفة تتجه نحو حقيبتها لتضع بها أغراضها فتتقدم غالية نحوها والتي علمت من إحدى الخدم إن العروس غادرت غرفتها فجأة فجائت تريد الإطمئنان عليها ..
” ماذا تفعلين يا حياة ..؟!”
توقفت حياة عن جمع أغراضها ورفعت وجهها الذي تلتصق به آثار دموعها ترد عليها :-
” سأغادر ..”
سألت غالية بتوتر :-
” ماذا يعني ستغادرين ..؟! ماذا تقصدين ..؟!”
ردت ببرود تخفي به وجع روحها :-
” سأغادر المكان وحياة نديم بالكامل .. انا لن أتزوجه … لا يوجد زفاف اليوم .. أبلغي الجميع بهذا …”
حاولت غالية إستجماع نفسها وفهم ما يحدث فأشارت الى خبيرة التجميل أن تخرج قبل أن تتجه وتغلق الباب بأحكام وتتقدم نحو حياة التي جلست على السرير بتخاذل …
” ماذا حدث يا حياة ..؟! هل فعل نديم لك شيئا ..؟! هل ضايقك ..؟!”
سألتها غالية بإهتمام لترد بصوت مبحوح :-
” لا أريد الزواج .. لم أعد أريده .. كل شيء سينتهي الآن ..”
” لا يمكن ذلك .. هناك حفل زفاف .. وهناك والدتك وأختك ونحن .. بالله عليك استوعبي ما تقولينه ولا تستعجلي بردد أفعالك ..”
انتفضت حياة من مكانها تصيح باكية :-
” انا لا أستعجل .. انا أنقذ نفسي .. أنقذ قلبي وروحي من زيجة كهذه .. أحمي نفسي من هذا الزواج الذي سيدمرني حتما ..”
سألتها غالية بعدم فهم :-
” ماذا حدث ..؟! لماذا تقولين هذا ..؟! مالذي فعله نديم لتتراجعي عن قرار الزواج فجأة وفي يوم كهذا ..؟!”
ردت حياة باكية :-
” ربما عليكِ أن تسأليه بنفسك …”
” ماذا فعل ..؟!”
سألتها غالية بتوجس لتهتف حياة بحسم :-
” اذهبي بنفسك وإسأليه وهو سيخبرك بالطبع .. ”
” حسنا انتظري هنا من فضلك .. انتظري لدقائق ولا تقومي بأي تصرف بتاتا .. لأجل خاطر والدتك على الأقل ..”
قالتها غالية بتوسل قبل أن تندفع خارج الغرفة تركض نحو غرفة نديم فتفتحها لتجدها خالية ..
أخرجت هاتفها تحاول الإتصال به لكنه لم يجب فخرجت تتجه نحو الخادمات تسألهن إذا ما رأينه ..
شعرت بقلبها يهوى أسفل قدميها وقد سيطرت عليها عدة تخيلات كأن يكون نديم من تراجع عن الزواج او ترك حياة وهرب لكنها نهرت نفسها بسرعة متراجعة عن أفكارها فأخيها لا يقدم على تصرفات كهذه مهما حدث ..
توقفت أنفاسها داخل صدرها عندما فتح الباب الداخلي ودلف نديم لتجد ملامحه ليست طبيعية إطلاقا وهو الذي حاول أن يستجمع نفسه بعد تلك المواجهة المرهقة مع ليلى والتي إستنفذت مشاعره تماما فبقي في الحديقة لدقائق يحاول إستجماع نفسه والسيطرة على مشاعره المضطربة كليا ..
” نديم اين كنت ..؟!”
سألته وهي تتقدم نحوه بلهفة ليسألها :-
” ماذا حدث يا غالية ..؟!”
ردت بسرعة وتوتر نادرا ما يظهر عليها :-
” حياة يا نديم .. حياة ليست بخير ولا أعلم ما بها ..”
تجاهل بقية حديثها عندما اندفع متجها نحو غرفتها تتبعه غالية ليتوقف أمام الغرفة فيستدير نحوها يخبرها :-
” سأدخل إليها وأفهم ما يحدث ..”
ثم دلف الى الداخل تاركا غالية تدعو ربها أن يمر اليوم على خير وأن يتم زفاف أخيها بهدوء ودون مشاكل كما تتمنى ..!

أغلق الباب خلفه بقوة ثم إلتفت نحوها ليتأمل ملامح وجهها الجامدة تماما .. لأول مرة يرى ملامحها تحمل هذا الجمود … وكأنها فقدت الحياة التي كانت تشع منها ..
كل شيء بها كان جامدا بدئا من وقفتها المتصلبة وجسدها الثابت في وقفته ثم ملامح وجهها الصارمة والتي تشع برودا في تلك اللحظة ..
كل شيء بها كان فاقدا للحياة وكأنها تمثال حجري بإستثناء عينيها اللتين بدتا مطفيتين تماما ومختنقتين بدموع حبيسة ترفض الظهور علنا مما جعل اللون الأحمر يملأها تماما ..
” حياة ..!!”
همس بها بعدم إستيعاب لتلك الحالة التي رأها عليها وشعرها القصير مرفوعا الى الأعلى بينما وجهها يحمل آثار المكياج الخفيفة .. ترتدي ملابسها المكونة من بنطال جينز طويل وتيشرت ذو أكمام قصيرة …
كانت في مرحلة الإستعداد كأي عروس ومن الواضح إن العاملة كانت تضع لها المكياج الذي ما زال في بدايته ..
مالذي حدث وجعلها تفعل هذا ..؟! ولماذا تبدو كذلك ..؟!
حاول التقدم لكنه تصنم مكانه وهي تهمس بقوة :-
” إياك أن تقترب ..”
سألها بنبرة مرتجفة وقد شعر إن أعصابه لم تعد تتحمل أي شيء آخر فيكفيه مواجهة ليلى :-
” ماذا يحدث يا حياة..؟! لماذا تتصرفين على هذا النحو ..؟!”
إلتقطت أنفاسها تمنع نفسها من الإنهيار أمامه وهي تردد بجمود :-
” ألم تخبرك غالية قبل دخولك الى هنا عن قراري ..؟!”
سألها بجدية :-
” عم تتحدثين ..؟!”
ردت بقوة وإقرار :-
” لن نتزوج .. هذا الزفاف لن يتم … ”
هز رأسه مرددا بعدم إستيعاب :-
” مالذي تقولينه ..؟! ما هذا الجنون ..؟! ”
أضاف بعصبية :-
” هل فقدت عقلك ..؟! هل جننتِ ..؟!”
ردت بنفس القوة والصرامة :-
” على العكس تماما .. انا لم أفقد عقلي أبدا بل إستخدمته لأول مرة منذ رؤيتي لك بشكل حاسم .. لذا أنا لن أتزوجك ولا يوجد زفاف..”
اندفعت نحو الفستان تجذبه ترميه ارضا وهي تقول بنبرة خرجت باكية رغما عنها :-
” هذا الزفاف لن يتم .. وانا وأنت لن نتزوج …. ”
اندفع نحوها يجذبها من ذراعها بعيدا عن الفستان المرمي على الأرض يهزها بعنف وهو يسألها بعدم تصديق :-
” لماذا تفعلين هذا ..؟! لماذا تغير قرارك فجأة وفي هذا الوقت ..؟!”
أضاف بجدية وتوسل :-
” حياة حبا بالله .. زفافنا بعد اقل من ساعة … الضيوف في الخارج .. الجميع ينتظرنا ..”
صرخت بقوة وبكاء :-
” لا يهمني .. لا يهمني أي أحد بعد الآن .. فليذهب الجميع الى الجحيم .. لن أضحي بحياتي كاملة لإرضاء من حولي .. لأجل الضيوف ووالدتي وعائلتك..”
صرخ متوسلا :-
” ماذا جرى ..؟! أنا لا أفهم أي شيء .. ”
أضاف لاهثا بتعب وهو يحاول إحتضان وجهها لتبتعد عنه فورا بنفور :-
” حياة نحن كنا جيدين ونستعد لهذا اليوم منذ مدة .. كل شيء كان يسير على ما يرام .. مالذي جعلك تغيرين رأيك فجأة ..؟! ما سبب تصرفاتك هذه ..؟!”
” مجنونة .. ربما انا مجنونة .. مجنونة وتراجعت عن الزواج في آخر لحظة …”
هز رأسه نفيا يردد بقوة :-
” كلا الأمر ليس كذلك .. انت بالطبع لست مجنونة وتصرف كهذا لن يصدر منك هكذا دون سبب ..”
هتفت بقوة وصوت مبحوح :-
” من الجيد إنك تعرف إنني لست مجنونة .. إنني عاقلة وواعية .. واعية لدرجة أن أدرك إن زواجي منك هو الجنون بعينه ..”
صاح بإنفعال :-
” لماذا ..؟! متى أصبح إرتباطكِ بي جنونا …؟! ماذا فعلت أنا ..؟!”
سألته بملامح باكية :-
” ماذا فعلت انت ..؟! هل تسأل حقا ..؟! حسنا سأخبرك … ”
مسحت دموعها بكفيها بقوة ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها تسأله بثبات وهدوء مصطنع رغم إنهيارها داخليا :-
” أين كنت قبل قليل …؟! ”
تجمدت ملامحه تماما ولم يجب فسألته مجددا :-
” أجبني .. أين كنت منذ حوالي نصف ساعة يا نديم ..؟! ”
أغمض عينيه بتعب وقد أدرك إنها علمت برؤيته لليلى ..!!
سمعها تهتف بنبرة متحشرجة وعادت الدموع تترقرق داخل عينيها :-
” لماذا لا تجيب ..؟! سأجيب أنا إذا .. كنت في الحديقة الخلفية .. مع ليلى .. تتبادل الأشواق والغرام معها .. اليوم قبل زفافنا بساعتين …”
تقدم نحوها يحاول إحتضانها وهو يهمس لها مترجيا :-
” لا تبكي أرجوكِ .. فقط توقفي عن البكاء وسأشرح لك كل شيء ..”
قاطعته وهي تدفعه بقوة :-
” لا تلمسني .. أخبرتك ألا تقترب .. منذ قليل كنت تحتضنها هي والآن تريد معانقتي .. يا لك من خائن وضيع ..”
صرخ بحزم :-
” توقفي يا حياة .. انا لم أخنك وانت لم تعرفي بالضبط ما دار بيننا ..”
صاحت والدموع سقطت هذه المرة على وجنتيها :-
” لقد رأيتك بعيني .. رأيتك وانت معها .. رأيتكما سويا … رأيتك وأنت تجذبها وتعانقها ..”
قال بسرعة وألم :-
” كان تصرفا عفويا بحت .. ذلك اللقاء كان لقاء الوداع يا حياة .. افهمي ذلك من فضلك ..”
هتفت برفض :-
” لن أفهم .. لن أفهم بعد الآن ولن أضع المبررات .. لقاء وداع ويوم زفافنا وعناق متبادل بينكما .. هل تستوعب شعوري عندما رأيتكما سويا في الحديقة الخلفية ..؟! هل تتخيل موقفي عندما رأيتك تجذبها وتعانقها ..؟! أنت من جذبتها يا نديم .. أنت من بادرت وعانقتها …”
هز رأسه مؤكدا كلامها ويحاول أن يشرح لها في نفس الوقت :-
” أنت تعلمين علاقتي مع ليلى … تعلمين إن بيننا سنوات عشرة طويلة … نعم تصرفي كان خاطئا وشيء مؤلم أن تري ذلك بنفسك لكنكِ بالطبع لم تسمعِ الحوار الذي دار بيننا … انا وليلى انتهينا يا حياة .. انتهينا من حيث بدأنا … إنتهينا بقرارنا نحن الإثنان ..”
” على أساس إنها إنتهت من حياتك منذ زمن ..؟! الآن تقول إن كل شيء إنتهى في هذا اللقاء .. ”
” انا لم أكذب عليك يوما يا حياة .. انا كنت صريحا معك … صريحا منذ اللحظة الأولى .. آخر شيء يمكن أن أفعله هو خيانتك … انا لست رجل خائن يا حياة .. ”
قاطعته بخذلان :-
” ولكنك فعلت .. ربما انت لم تعِ هذا بعد ولكنك فعلت ..”
أضافت وهي تأخذ نفسا عميقا :-
” ما رأيته اليوم كانت الصفعة التي أيقظتني من غيبوبتي .. اليوم فقط إستوعبت الحقيقة بوضوح .. انت لن تكون لي يوما .. ربما جسدك سيكون معي لكن قلبك لن يكون … روحك ليست معي .. وربما عقلك أيضا لن يكون .. وانا لا يمكنني أن أعيش حياة كهذه .. لا يمكنني أن أتزوج بك وأنا أدرك إنك لست لي …”
” حياة ..”
قالها بتوسل لتسحب الخاتم من إصبعها ثم تسحب كفه وتضع الخاتم به تخبره بحسم :-
” كل شيء انتهى .. هذا سيكون أفضل لي ولك ولها أيضا ..”
هز رأسه برفض يجذبها مجددا نحوه يردد بتصميم :-
” لا يوجد شيء انتهى .. انا لن أسمح لك أن تتركيني يا حياة .. انا حاربت الكثير لأصل معكِ الى هنا .. لن أسمح لكِ أن تدمري كل ما فعلته كي نصل الى هذه النقطة أخيرا ..”
ابتعدت عنه تجلس على الكنبة خلفها تبكي وتتحدث من بين بكائها :-
” ارجوك يكفي .. انت تؤلمني بكلامك هذا أكثر .. لا تضغط علي ارجوك .. انا لا يمكنني الإستمرار هكذا .. لا يمكنني أن أتزوجك ..”
تقدم نحوها وانحنى أمامها على احدى ركبتيه يهتف متوسلا وهو يقبض على كفها :-
” لقد وعدتني إنكِ لن تتركيني .. لن تتخلي عني … وعدتني إنك ستتحملين .. لماذا تفعلين هذا الآن ..؟! لماذا تسحبين يديك من يدي بعدما تعانقت أرواحنا قبل كفوفنا وقررنا أن نحيا بداية جديدة … ؟! لماذا تتركيني في منتصف الطريق وأنت تدركين إنني لا يمكنني السير في ذلك الطريق بدونك ..؟!”
” أنت تتوهم يا نديم .. انت بإمكانك أن تسير لوحدك واذا كانت هناك واحدة يجب أن تسير معك في طريقك الجديد فستكون حتما ليلى .. حبيبتك … من تمثل لك كل شيء ..”
” أنتِ كل شيء … انت من أريدها .. أنتِ من إخترتها … انا لم أخدعكِ يوما يا حياة ولم أكذبِ عليكِ يوما في كلمة واحدة قلتها لكِ … الخداع ليس من طبعي .. قلتها مرارا .. أنت تعنين الكثير لي .. الكثير مما لا يمكنكِ تصوره .. حياة أنت ..”
صمت يأخذ أنفاسه قبل أن يهمس بضعف سيطر على ملامحه :-
” انا بدونك أضيع .. أنت وجهتي الثابتة وحياتي القادمة وكل شيء .. انا لا يمكنني أن أسمح لك بالرحيل .. لا يمكنني أن أترككِ وأنت لا يمكنك أن تفعلي ذلك بنا …”
” نديم…”
همست بها بتوسل ترجوه ألا يضغط عليها أكثر بكلامه ليجذب كفها بقوة ويقبله ثم يحتضنه بين كفيه وهو يقول بحزم :-
” عليك أن تدركي جيدا مقدارك عندي … عليكِ أن تفهمي إنك تمثلين لي أهم شيء … الحياة .. !!”
ثم أعاد وضع الخاتم في بنصرها وهو يهمس بنفس الحزم :-
” انهضي وتجهزي لزفافنا ..”
همت بالتحدث لكن قاطعتها صوت طرقات على باب الغرفة يتبعها دخول غالية التي تحدثت تشير إليهما بقلق :-
” ماما ليست بخير .. يبدو إنها علمت بما حدث وإرتفع ضغطها ..”
قاطعها نديم وهو ينتفض من مكانه متقدما نحوها يسألها :-
” ماذا حدث لها ..؟! أين هي الآن ..؟!”
ردت غالية بتوتر :-
” في غرفتها .. شريف معها .. أخبرني إن وضعها أحسن لكن عندما علمت بحدوث مشكلة بينكما ارتفع ضغطها لا إراديا وأنت تعلم إنها تعاني من إرتفاع الضغط المزمن …”
التفت نديم نحو حياة يخبرها بنظرات متوسلة :-
” تجهزي من فضلك للحفل وانا سأذهب وأرى أمي وأطمئن عليها …”
منحها نظرة أخيرة يتوسلها خلالها ألا تتركه وتفعل ما أرادته ثم اندفع خارج المكان متجها حيث غرفة والدته تاركا حياة تتأمل الخاتم الذي وضعه في بنصرها مجددا بجمود وفي داخلها هناك شيء ما مات .. شيء لن يحيا مجددا ..!

دلف الى غرفة والدته يتجه نحوها بقلق وهو يسأل ابن عمه :-
” كيف حالها يا شريف ..؟!”
رد شريف بسرعة يحاول طمأنته :-
” لا تقلق .. أصبحت أفضل بكثير .. ارتفاع في الضغط لكننا سيطرنا عليه الحمد لله ..”
تقدم نحو والدته التي ظهر الضعف على ملامحها فسألها وهو ينحني نحوها :-
” ماذا حدث يا أمي ..؟! هل تشعرين أفضل الآن ..؟!”
لكن والدته قبضت على كفه تسأله بملامح شاحبة :-
” كل شيء بخير .. أليس كذلك ..؟!”
قبض على كفها بدعم :-
” كل شيء يسير على ما يرام .. هيا انهضي وجهزي نفسك .. الضيوف سيصلون بعد قليل ويجب أن تستقبليهم بنفسك ..”
” نديم ..”
همستها بضعف ليهمس بصدق :-
” اقسم لك إن كل شيء سيكون بخير ..”
” انت وعدتني يا نديم …”
قالتها وهي تشدد من قبضته على كفه ليربت بكفه الآخر على كفها يخبرها بجدية :-
” لا تقلقي .. ابنك رجل لا يتراجع عن وعد قطعه على نفسه ..”
تقدمت غالية نحوها تسألها وهي تنحني جوارها من الجهة الأخرى :-
” كيف أصبحت الآن ..؟!”
ردت صباح بخفوت :-
” الحمد لله … افضل بكثير .. اذهبي وانتهي من تجهيز نفسك ..”
قالتها وهي تتأمل شعرها المصفف ومكياجها الشبه كامل لتهمس غالية :-
” لا يمكن أن أتركك ..”
تدخل نديم :-
” اذهبي يا غالية وانتهي من تجهيز نفسك … انا سأبقي هنا ..”
قال شريف متدخلا في الحوار :-
” برأيي أن تذهبان أنتما الإثنان وانا سأبقى معها أتابعها …”
اضاف يشير الى نديم :-
” اذهب الى غرفتك وتجهز لحفل زفافك يا عريس ..”
أضاف يشير الى غالية هذه المرة :-
” وانت ايضا يا غالية بإمكانك الذهاب .. لا تقلقا ابدا ..”
سألته غالية بجدية :-
” هل يمكنها النهوض وتجهيز نفسها فالحفل سيبدأ ..؟!”
رد شريف بعملية :-
” بالطبع .. هي أصبحت بخير وستصبح أفضل عندما يبدأ الحفل وتندمج في الأجواء بالطبع ..”
قالت صباح بجدية :-
” اذهبي انتِ يا غالية .. أنا سأدبر أمري .. لا تقلقي بشأني …”
قالت غالية بسرعة :-
” سأرسل لكِ احدى الخادمات تساعدك إذا ما إحتجتِ شيئا …”
قال شريف وهو يتحرك خلفها :-
” انا في الخارج .. عندما تنتهين من تجهيز نفسك أخبريني كي أعيد قياس ضغطك مجددا …”
اومأت له صباح تشكره بإمتنان قبل ان تستدير نحو نديم الذي تقدم نحوها وقبلها على جبينها يهمس مطمأنا :-
” انهضي يا أمي وتجهزي لحفل زفافي … لن يتم الحفل دون وجودك …”
ثم قبلها مجددا على جبينها ومنحها إبتسامة تناقض ما يشعر به داخله كليا ..!!

بعد حوالي ساعة …
كانت غالية تقف بجانب والدتها تستقبل المدعوين الذين كانوا أكثر عددا من ضيوف حفلة الخطبة التي إقتصرت بشكل حصري على العائلة وبعض الأصدقاء المقربين …
لقد وصل جميع أفراد عائلة والدها منذ مدة وكذلك أغلب المدعوين وهاهي تقف بجانب والدتها تستقبل من يأتي بإبتسامة مرحبة رغم القلق الذي يسيطر عليها لعدة أسباب ..
انتبهت الى عائلة خالها التي وصلت أخيرا ليدخل خالها اولا تتأبط زوجته ذراعه وخلفهما ابنهما الوحيد زاهر …
تقدم خالها يحتضن والدتها بينما احتضنتها زوجة خالها نهاد تحييها وتبارك لها الزيجة …
جاء دور خالها الذي إحتضنها بحب قبل أن يبتعد عنها يتأملها مليا قبل أن يقول :-
” ماشاءالله يا غالية .. تشعين جمالا يا ابنة أختي ..”
ابتسمت غالية بمحبة قبل أن تتبادل التحية مع زاهر الذي حياها وبارك لها الزيجة بعدما احتضن عمته يبارك لها زواج ابنها الوحيد …
تقدمت غالية أمامهما تسير بهما الى الطاولة المخصصة لهم وهي تتبادل الأحاديث مع خالها الذي عاد الى الوطن بزيارة مفاجئة وهو الذي يعيش في الخارج منذ أكثر من عشرين عاما ولا يأتي الى البلاد سوى مرات قليلة آخرها كانت منذ سبع سنوات …
عادت تتجه نحو والدتها تستقبل وسام صديق أخيها المقرب والذي جاء مع عائلته تاركة عائلة خالها تتبادل التحية مع أبناء عمومها ..
مازحها وسام كعادته وهو يسألها عن نديم فلاحظ نظرة في عينيها فهم من خلالها إن هناك شيء غير جيد يحدث معه …
انتبهت غالية الى خالتها فاتن التي تقدمت الى الحفل بملامح هادئة كعادتها تتبعها كلا من ليلى ومريم …
تبادلت فاتن التحية مع صباح وباركت لها بشكل رسمي عندما جاء دور ليلى التي تلاقت نظراتها بنظرات خالتها فلاحظت صباح نظرة جديدة في عينيها ..
ليست نظرة عتاب بل نظرة تجمع ما بين الجمود الواضح ناحيتها وعدم القبول وقد فهمت إنها خسرت محبة ليلى بحق فليلي التي تقف أمامها بكل شموخ تبارك لها الزيجة برسمية شديدة وإبتسامة هادئة تعلو شفتيها بينما نظرات القوة تخترق صباح التي شعرت بخجل لا إرادي من ابنة أختها والتي تدرك جيدا إنها تسببت في إيذائها عدة مرات فقط لأجل حماية ابنها ..
حيتها مريم تبارك لها بإقتضاب بينما اتجهت ليلى نحو غالية التي تطلعت إليها بملامح تحمل الكثير من الخجل والندم فمنحتها ليلى إبتسامة عادية تظهر عدم الإهتمام على وجهها وهي تهتف بجدية :-
” مبارك زواج نديم يا غالية والعقبى لك …”
” شكرا ..”
قالتها غالية بصوت مبحوح وهي تتلقى سلام ابنة خالتها البارد جدا ..
تحركت ليلى بخيلاء وقد جذبت أنظار جميع المدعوين لا إراديا بطلتها الفخمة المشعة تتبعها مريم التي كانت تجاهد لترسم الهدوء وتخفي الضيق عن ملامحها وهي التي أتت الى الحفل مجبرة ..
تقدمت ليلى نحو عائلة خالها ترحب بهم حيث إستقبلها خالها يحتضنها بمحبة وهو يسألها عن أحوالها بإهتمام …
اتجهت بعدها نحو زوجة خالها التي حيتها برسمية غريبة عليها وهي التي اعتادت على الترحيب اللطيف من قبلها عندما كانت تأتي الى البلاد او تسافر ليلى مع العائلة إليهم …
نهض زاهر من مكانه يستقبلها وهو يبتسم لها بهدوء يحييها قائلا :-
” كيف حالك يا ليلى ..؟! لقد مر وقت طويل بل سنوات على آخر لقاء جمع بيننا …”
ابتسمت وهي ترد :-
” اهلا بك يا زاهر … انا بخير وانت كيف حالك ..؟! الحمد لله على سلامتك انت والعائلة ..”
أضافت وهي تتنهد بعفوية :-
” بالفعل لقد مرت سنوات طويلة على تلك الأيام ..”
ابتسم مرددا :-
” نعم أكثر من خمس سنوات .. خمس سنوات مرت لم نلتقِ بها مرة واحدة حتى ..!!”
ظهر القليل من الألم على ملامحها :-
” نعم ، ماذا نفعل ..؟! هكذا هي الأيام .. تجري بسرعة وحياتنا تجري معها أيضا وتتغير بإستمرار ..”
” العمر يجري بنا وكل عام يمر يتغير الكثير بإستثناء شيء واحد بقي ثابتا دون تغيير .. هو جمالك … ”
قالها بجدية وعيناه تتأملان ملامحها الفاتنة ليحتقن وجهها خجلا لا إراديا من إطراءه الذي شعرت به مقصودا لكنها تجاهلت ذلك وهي تفكر إنه ابن خالها ويراها بمثابة أخته الصغيرة ولا مشكلة أن يغازلها او يطري على جمالها خاصة إنه نشأ في الخارج واعتاد على التحدث بإنفتاح واضح …
قبل أن تستجمع نفسها لتجيب على إطراءه صدح صوت مريم تلقي التحية فرحب بها زاهر يسألها عن أحوالها فيتبادلان بعض الأحاديث قبل أن يشير إليها ممازحا مريم التي سألته عن أحواله العاطفية عن قصد فهي تجمعها علاقة قوية مع زاهر الذي كان يدللها دائما أثناء زيارتهما المتبادلة بسبب فرق السن بينهما والذي يتجاوز العشر اعوام ببعض السنوات :-
” أختك هذه لا حل لها .. كل مرة أراها لسانها يزداد طولا ..”
ابتسمت ليلى وهي تحتضن أختها بمحبة :-
” وتزداد جمالا أيضا ، لا يمكنك أن تنكر هذا …”
” الجمال وراثي لديكما … كلتاكما تشعان بشكل مبهر ..”
تنحنحت مريم تدعي الخجل وهي تردد بشغب :-
” يا له من إطراء خاص جدا من أحد أوسم الرجال ..”
ضحك بخفة وعادت أنظاره تتجه نحو ليلى فتبتسم بتشنج وهي تشعر به يحاصرها بشكل غريب غير مفهوم ..
اتجهت بعدها تجلس جانب والدتها التي كانت تتبادل الأحاديث مع خالها بخفوت بينما تبتسم لزوجة خالها برسمية …
جلست مريم جانبها بعدها وزاهر مقابلا لها عندما سألتها زوجة خالها بإهتمام شعرت به مقصود :-
” كيف أحوالك يا ليلى ..؟! وأين زوجك ..؟! ألن يحضر زفاف أخيه ..؟!”
تجهمت ملامح فاتن وتغضن جبين مريم بإنزعاج عندما ردت ليلى بحيادية :-
” في الحقيقة الجميع يعرف إن علاقته بنديم ليست جيدة … ”
أضافت وهي تراهن نفسها إنه سيأتي فعمار الذي تعرفه سيأتي لمجرد إثارة القليل من القلق بمجيئه لا أكثر :-
” هو سيأتي لكنه ربما يتأخر قليلا .. يعني هو ليس مهتما كثيرا بالأمر ولكنه مجبر أن يأتي لأجل المظهر الإجتماعي ..”
” بالطبع يجب أن يأتي .. بالنهاية هذا زفاف أخيه .. انا تسائلت لإنك جئت بدونه .. فكرت إنكما تراجعتما عن قرار العودة .. ألم تقررا العودة مجددا ومنح زواجكما فرصة جديدة كما سمعت …؟!”
رمقها زوجها بنظرات حانقة بينما سيطر الضيق على ملامح زاهر لتبتسم ليلى وهي ترد بدلوماسية :-
” لا يوجد شيء محدد بشكل نهائي حتى الآن .. نحن بالفعل نحاول إعطاء زواجنا فرصة جديدة وألا نتعجل بأمر الطلاق ..يعني سننتظر ونرى …”
قالت فاتن بدورها وهي تمنحها إبتسامة لم تصل الى عينيها :-
” اطمئني يا نهاد … ليلى تستطيع تدبير أمورها جيدا … ”
ردت نهاد بإبتسامة متكلفة قبل أن تتبادل النظرات مع زوجها الذي حذرها بنظراته من التمادي لتهز رأسها بلا مبالاة وهي تعود لمتابعة الحفل من جديد ..

كانت تجلس على الكنبة في غرفتها بملامح هادئة تماما ترتدي فستان زفافها القصير قليلا بقصته البسيطة وشعرها البني مرفوع بتسريحة جذابة تتساقط بعضا من خصلاته الرفيعة على جانبي وجهها …
أختها معها تلتقط الصور بإستمرار مع مي بينما والدتها تتابعها بإهتمام يقلقها ذلك الصمت الغريب والإبتسامة الباهتة التي ترسمها على شفتيها عندما تلتقط حنين الصور لها ..
تقدمت مي جانبها تهمس بخفوت:-
” هل أنت بخير ..؟! ”
هزت حياة رأسها بإيماءة مختصرة عندما سمعن صوت طرقات على الباب يتبعها دخول غالية التي هتفت وهي تبتسم لهن :-
” لقد وصل الشيخ … نديم سيدخل الآن لتخرجان سويا الى صالة الجلوس حيث هناك السيد أشرف وكيلك ووسام وصلاح الشهود وبعض أقاربنا المقربين …”
نهضت أحلام من مكانها تشير الى حنين ومي :-
” إخرجا أنتما أولا …”
خرجت الفتاتان بينما هتفت أحلام بغالية :-
” سأتحدث قليلا مع ابنتي ثم أخرج من الغرفة ليدخل عريسها بعدها…”
” بالطبع يا أحلام هانم ..”
قالتها غالية وهي تبتسم لها وتمنح حياة نظرة داعمة قبل أن تخرج وتغلق الباب خلفها لتقترب أحلام من إبنتها تسألها وهي تقبض على كفيها :-
” أنتِ بخير …؟!”
ردت حياة بصوت مبحوح :-
” نعم بخير …”
” حياة ، اذا كان هناك شيء ما لا أعلمه أخبريني .. ابنتي انا معك دائما وجل ما يهمني سعادتك ..”
منحتها حياة إبتسامة باهتة وهي تدعي إنها بخير :-
” شيء مثل ماذا ..؟! انا حقا بخير .. فقط متوترة قليلا وهذا شيء طبيعي في يوم كهذا .. ألست عروس ومن الطبيعي أن أتوتر …؟!”
قالت جملتها الأخيرة بمزاح مصطنع لتبتسم والدتها بحنو وهي تقول :-
” أجمل عروس .. انا سعيدة بذلك .. ”
أضافت بغصة :-
” لطالما كنت أخشى ألا أكون جانبك وأنتِ عروس .. اليوم تحقق حلم تمنيته طويلا ودعوت ربي أن يتحقق ..”
أدمعت عينا حياة بينما أكملت والدتها ببحة ودموع تراكمت داخل عينيها :-
” انا اخطأت في حقك وحق والدك كثيرا واتمنى من الله أن يغفر لي خطئي هذا يوما ..”
” لا تقولي هذا ..”
قالتها حياة بصوت مبحوح لتحتضنها أحلام وهي تهمس لها بدعم :-
” تذكري إنني دائما هنا معك .. بجانبك مهما حدث .. لا تترددي لحظة واحدة في اللجوء إلي إذا ما إحتجت أي شيء .. انا والدتك وأقرب شخص لك الآن .. لا تنسي ذلك ..”
ابتعدت حياة من بين أحضانها تمسح رموش عينيها بأطراف أناملها بينما هتفت أحلام وهي تبتسم أخيرا :

” سأخرج الآن ليدخل عريسك ..”
انسحبت خارج المكان لتأخذ حياة نفسا عميقا وهي تهمس لنفسها :-
” كوني قوية .. ستتخطين هذا حتما .. ستتخطينه كما إعتدتِ تخطي الكثير مسبقا .. ساعات قليلة وتنتهي الليلة .. تماسكي يا حياة ولا تظهري آلامك لأي أحد ..”
التفتت تتأمله وهو يدخل الى الباب ليتوقف مكانه يتأملها بإهتمام من رأسها الى أخمص قدميها ..
فستانها الرقيق مثلها تماما بقصته الجذابة والذي يلائمها بشكل مبهر .. تسريحة شعرها البسيطة والمكياج الخفيف الذي زاد ملامحها جاذبية ..
كانت تقف أمامه .. عروسه التي أرادها رغم كل شيء .. رغم ماضيه التعيس وعشقه الضائع وألمه اللامحدود ..
كانت هي طوق النجاة الذي وجده في أكثر وقت كان غارقا فيه في ظلامه ..
كانت النور الذي أضاء عتمته والحياة التي أراد أن يحياها بقوة …
تقدم نحوها ببطأ بينما وقفت هي مكانها بجمود وملامح لا تدل على شيء …
وأخيرا أصبح أمامها فإنحنى يطبع قبلة طويلة على جبينها لتغمض عينيها بقوة وهي تشعر بالرفض داخلها لهذه القبلة ..
كل شيء يصدر منه باتت تراه خادعا غير حقيقيا وبالتالي لا يمكنها تقبله ..
” أنت جميلة جدا ..”
قالها وعيناه تتأملان ملامح وجهها الصبوح رغم جموده لتهمس بخفوت :-
” هل نخرج ..؟!”
” حياة …”
قالها بجدية وهو يحاول قول شيء يكسر هذا الحاجز الذي نشأ بينهما في أهم يوم في حياتهما والذي تسبب هو به …
” لا تقول أي شيء .. دعنا نخرج من هنا وننهي هذه الليلة على خير …”
” توقفي يا حياة ..”
قالها برجاء لتهمس بحزم :-
” دعنا نخرج من فضلك ..”
ثم سارت تتقدمه نحو الباب ليهمس بقوة :-
” انتظري …”
توقفت مكانها ليتقدم نحوها ويقبض على كفها قبل أن يفتح الباب ويخرج من الغرفة متجها بها الى صالة الجلوس ..
دلفا الى صالة الجلوس حيث وجدا زوج والدتها الذي سيكون وكيلها ووالدتها بالطبع .. صباح وغالية وكذلك حنين ومي .. وسام وصلاح اللذين سوف يشهدان على عقد القران .. شريف ونادر ابناء عمه موجودان ايضا ومعهما نرمين ابنة عمه الصغيرة والتي تعرفت عليها في الخطبة وقد بدت لطيفة للغاية …
رحب الجميع بهم عندما أخذ نديم مكانه بجانب الشيخ وأشرف على الجانب الآخر حيث بدأت مراسيم عقد القران …
أنهى الشيخ عقد القران معلنا نديم وحياة زوجا وزوجة لتجذب أحلام ابنتها تحتضنها بسعادة فتمسكت بها حياة لا إراديا وقد شعرت إنها لا تريد تركها في هذه اللحظة ..
بدأ كلا منهما يستقبل التهاني حيث عانقت غالية حياة وابتعدت قليلا عنها تهمس لها بدعم :-
” كل شيء سيكون بخير .. كوني واثقة من هذا .. من اليوم أنتِ بمثابة اختي وستجديني دائما معك وجانبك …”
ابتسمت حياة بإمتنان عندما تقدمت صباح نحو حياة تحتضنها بقوة قبل أن تبتعد عنها تتأملها مليا وهي تهمس بصدق :-
” انا سعيدة بك .. سعيدة كونك أصبحت كنتي وزوجة ابني .. اتمنى لكما الموفقية وسأدعو لكِ دائما بالراحة والسعادة كما أدعو له بإستمرار …”
هزت حياة رأسها وهي تشكرها بخفوت تكتم دموعها ليأتي دور حنين في معانقتها والمباركة لها ثم مي ونرمين وبعدها أبناء عم نديم وأشرف الذي بارك لها زيجتها فشكرته لا إراديا على إهتمامه به رغم معرفتهما القليلة ..!!
نديم بدوره تلقى التهاني من جميع حيث احتضنته أحلام لأول مرة قبل أن تقبض على يده تخبره برجاء :-
” ابنتي أمانة لديك … حافظ عليها جيدا …”
” كوني واثقة من ذلك …”
قالها وهو يربت على كتفها قبل أن يتبادل التهاني مع البقية عندما تقدم نحو حياة أخيرا يقبض على يديها يهمس لها :-
” مبارك زواجنا يا حياة … وأخيرا أصبحنا سويا …”
ثم طبع قبلة خافتة على جبينها تبعها بتنهيدة طويلة سمعتها فعادت الدموع تتجمع داخل عينيها والإختناق يملأ روحها دون رحمة ..!!

خرجت حياة الى الحديقة تتأبط ذراع نديم حيث نهض الموجودين لإستقبالهم عندما وقعت عيناها فورا على ليلى وقد ميزتها على الفور لتتلاقى عيناها بعيني ليلى بنظرة طويلة قاطعها صوت الموسيقى الكلاسيكية الذي صدح في المكان بينما جذبها نديم من كفها كي يراقصها رقصتهما الأولى كزوجين ..!!
وقفت ليلى جانبا تتأمله وهو يراقص عروسه وهي تجبر نفسها على متابعة الرقصة كي تؤكد لنفسها مجددا إنه لم يعد لها وتثبت لنفسها إنها تخطته وإعتادت فراقه ..
كانت تتابع حركاتهما التي بدت متشنجة وهمسه الخافت لعروسه التي لا تتجاوب معه عندما شعرت بشخص ما يقف جانبها لتنظر إليه فتجده زاهر الذي همس لها بجدية :-
” أعلم مدى صعوبة الموقف .. أعلم جيدا ما تشعرين به …”
قاطعته بقوة :-
” كلا انت لا تعلم شيئا .. أنت تتوهم فقط ..”
أضافت وهي تنظر إليهما بثبات ظاهري :
” وقوفي هكذا ونظراتي لهما ليست بالمعنى الذي تظنه .. انا فقط أتأملهما وأفكر في مدى غرابة الحياة التي نعيشها وتقلباتها المستمرة .. ”
أضافت وهي تتنهد :-
” الحياة مخيفة للغاية .. لا آمان لها .. يوم ما تجعلك عاليا حد السماء تتراقص بين النجوم واليوم الذي بعده ترميك في قاع الأرض .. ”
هتف بجدية :-
” هذه هي الحياة .. لا تستمر على نمط محدد .. تختلف مع مرور الوقت ومعها تختلف حياتنا ومشاعرنا وأفكارنا وكل شيء ..”
هتفت وهي تمنحه نظرة بعيدة المدى :-
” المشاعر .. المشاعر لو تتغير بسهولة سيصبح كل شيء أبسط وأسهل بكثير …”
قال بجدية :-
” المشاعر تتغير دائما .. في كل مرحلة من حياتنا تتغير مشاعرنا ناحية الكثير ممن حولنا .. بعد كل تجربة جديدة نعيشها تتغير مشاعرنا .. بعد كل سقطة في حياتنا تتغير مشاعرنا .. المشاعر ليست ثابتة والتخلص منها ليس مستحيلا طالما هناك عزيمة داخلنا على ذلك وطالما إننا مدركين إن تلك المشاعر ليست في محلها ووجودها داخلنا مؤذي لنا …”
ابتسمت له بخفوت وهي تهز رأسها بإختصار فعادت تنظر الى حب حياتها الذي يراقص إمرأة أخرى غيرها حلت محلها ونالت ما تاقت إليه طويلا فتسائلت رغما عنها :- هل يأتي يوما وتتخلص من مشاعرها نحوه ..؟! أم إنها ستظل حبيسة هذا العشق المظلم ..؟!

دلفت الى حفل الزفاف تتأمل الموجودين وهي تبحث بعينيها عنه حتى وجدته يقف يتحدث مع احدى الفتيات والضحكة تملأ وجهه ..
أخذت نفسا عميقا قبل أن تتقدم نحوه لينتبه الى قدومها فيهمس الى الفتاة معتذرا قبل أن يتقدم نحوها بسرعة ليقف أمامها يسأل بجدية :-
” أين كنت يا نانسي ..؟! لقد اختفتيت منذ ذلك اليوم ..”
تجاهلت ذكره لذلك اليوم وهي تجيب بخفوت :-
” كنت لوحدي تماما .. بعيدة عن الجميع ..”
” ماذا تعنين ..؟!”
سألها بعدم فهم لترد ببرود :-
” تركت المنزل … والآن أقيم لوحدي في احد الفنادق دون أن يعلم أي أحد بمكاني …”
هتف صلاح بعدم تصديق :-
” ما هذا الجنون ..؟! لماذا تصرفت هكذا ..؟! ”
ردت بضيق :-
” هذا ليس من شأنك .. ”
رفع حاجبه مرددا بتهكم :-
” ومجيئك الى هنا ، ماذا يعني ..؟! ألم تأتِ من أجلي ..؟! أم أتيتِ لرؤية الرجل الذي أحببته لسنوات وهو يتزوج بأخرى …؟!”
” لا تهذي .. بالطبع لن آتي لأجل ذلك .. انا في وضع لا يسمح لي بالتفكير بأي أحد سوى نفسي ..”
قالتها بحدة قبل أن تأخذ نفسا عميقا ثم تقول :-
” أتيت لأراك .. منذ عدة أيام أحاول التواصل معك وهاتفك مغلق لذا قررت أن آتي الى الحفل لإنني بالتأكيد سأجدك هنا ….”
قال بجدية :-
” انا كنت في الخارج الأيام السابقة .. عدت مساء البارحة أصلا لأجل حضور حفل الزفاف …”
” جيد ..”
قالتها بإقتضاب بينما قال صلاح بجدية :-
” لكنني حاولت التواصل معك قبل سفري عدة مرات وهاتفك كان مغلقا ..”
ردت بجدية :-
” انا تعمدت إغلاقه فلم أكن أرغب بالتواصل مع أحد ..”
” ماذا يحدث بالضبط يا نانسي ..؟!”
سألها بجدية وهو يتأمل طلتها الأنيقة بل المبهرة بفستانها الأسود القصير ومكياجها الجذاب خاصة بطلاء شفاهها الأحمر القاني …
كل شيء بها كان يشع جاذبية وأنوثية …
” ما يحدث إنني جئت لأتحدث معك .. انا في أسوء وضع يا صلاح ..”
قالتها بحزن ليهتف من بين أسنانه :-
” لإنك تتصرفين بحماقة كعادتك .. لماذا تركتِ منزلك ..؟! هل لديك مبرر لتصرفك هذا ..؟!”
ردت بملامح متشنجة :-
” لدي مئة مبرر .. انا تركت ذلك المنزل ولست نادمة أبدا على ذلك ولن أعود إليه حتى لو كلفني ذلك عمري … ”
” ما هذا الكلام ..؟!”
سألها بعدم تصديق لترد بعينين دامعتين :-
” انا مستعدة أن أنام في الشارع ولا أعود الى ذلك المنزل يا صلاح .. هل تستوعب لأي درجة لا أرغب بوجودي هناك ..؟!”
” لماذا ..؟! مالذي يجعلك تكرهين منزل والدك هكذا ..؟! هل هناك ما يؤذيك ..؟! ”
سألها بإهتمام صادق لترد بملامح محتقنة :-
” كل شيء هناك يؤذيني ..”
” نانسي ، بشأن ما حدث بيننا فأخبرتك إنني أتحمل مسؤولية ما حدث ..”
قاطعته بصدق :-
” مغادرتي المنزل لا علاقة لها بما حدث بيننا …”
أضافت وهي تأخذ نفسا عميقا :-
” لكن مجيئي الليلة ورغبتي في رؤيتك له علاقة بذلك ..”
” أسمعك ..”
قالها بجدية لتهتف بثبات :-
” انا سأتحدث بوضوح يا صلاح .. ما حدث بيننا قد حدث … انا أتحمل المسؤولية مثلك تماما ولن أرمي مسؤولية ما حدث عليك وحدك … لكن فقط أريد أن أعرف .. هل لديك نية في إصلاح الأمر ..؟! ”
هم بالرد لكنها أوقفته بإشارة من يدها وهي تضيف بنفس الثبات ؛-
” دعني انتهي من كلامي اولا .. انا حديثي واضح .. انا لا أتوسلك أن تنقذني مما أصابني ولن أفعل .. لن أجبرك على إصلاح الموقف .. انا فقط أريد أن أعرف ما تنتويه بصراحة ودون مراوغة … ”
” أخبرتك إنني مستعد لفعل أي شيء لإصلاح ما حدث بيننا …”
سألته بجدية :-
” المعنى ..؟!”
رد بخفوت :-
” سأتزوجك إذا لزم الأمر …”
هتفت بجدية :-
” الأمر لا يحدث بالإجبار .. انت غير مجبر على الزواج بي إذا لم تكن راغبا بذلك .. أتفهم إن زواجك مني سيكون بسبب ما حدث بيننا ولكن حتى هذا أنت غير مجبر عليه ..”
أضافت :-
” انا فقط لا أريد منك سوى جوابا نهائيا صادقا دون لف ودوران .. لا أريد أن تمنحني آمالا كاذبا .. كن صريحا معي يا صلاح .. هل تريد أن تتزوجني حقا وأنت مقتنع تماما بقرارك هذا ..؟! أم إنك ما زلت مترددا ..؟! لا أريد جوابا منك الآن .. لكنني أريد جوابا حاسما وصادقا في أقرب وقت من فضلك كي أستطيع تدبير أمري بعدها … ”
أحذت نفسا طويلا ثم قالت منهية الحوار :-
” أمامك ثلاثة أيام وتمنحني جوابك .. فكر جيدا من فضلك وإن لم تكن واثقا من رغبتك بالزواج فلا تتزوجني …!!”
همت بالتحرك بعيدا لكنه أوقفها يسألها :-
” إلى أين ستذهبين ..؟!”
ردت بجدية :-
” سأغادر … لقد جئت لسبب محدد وانتهيت منه لذا يجب أن أغادر الآن ..”
” في أي فندق تقيمين الآن ..؟!”
سألها بجدية لترد بهدوء :-
” ليس مهما ..”
” نانسي هذا غير منطقي أبدا .. على الأقل أخبريني بمكان إقامتك …”
تمتمت بجدية :-
” سأخبرك .. ”
أعطته اسم الفندق ليزفر أنفاسه ثم يسألها مجددا :-
” والى متى تنوين البقاء هناك ..؟!”
ردت بصدق :-
” لا أعلم .. الآن أنتظر قرارك وعلى أساسه سأحدد القادم ..”
قال بحزم :-
” لا يجوز أن تقيمي في الفندق .. عودي الى منزلك او منزل أحد أقاربك ..”
” أقاربي ..؟! أي أقارب بالضبط ..؟!”
سألته بمرارة ليهتف بجدية :-
” عمك مثلا .. طالما تكرهين وجودك في منزل والدك الى هذا الحد فإذهبي عند عمك وابقي هناك ..”
” انا لم ألتقِ بعمي سوى في المناسبات الرسمية يا صلاح .. علاقتي به رسمية جدا …”
قاطعها :-
” لكنه عمك .. أخو والدك .. وإذا ذهبت إليه لن يردك خائبة ..”
نظرت إليه بعدم اقتناع ليهتف بصدق :-
” جربي فقط أن تذهبي إليه وتتحدثي معك ستكتشفين إنه أحرص الناس عليك فأنتِ إبنة أخيه … مكانة العم كبيرة ومهمة .. إسأليني أنا .. أعمامي كانوا بمثابة الأب الثاني لي وحتى بعدما رحلا أبناء عمومي كانوا بمثابة أخوتي .. هم سندي في النهاية … وجود الأقارب مهم جدا يا نانسي وتجاهلهم بهذه الطريقة غير صحيح .. مهما حدث يظل هذا الرجل عمك ومسؤول عنك ولا يمكن ألا يحافظ عليك ويحميكِ ويرعاكِ ..”
” أعدك إنني سأفكر في كلامك ..”
قالتها بخفوت قبل أن تهم بالمغادرة لتسمعه يسألها بإهتمام وهو يشير الى نديم وحياة :-
” ألا تشعرين بالحزن وأنت تنظرين إليهما …؟!”
نظرت إليه بصمت دام للحظات قبل أن تقول بجدية :-
” الشعور الوحيد الموجود داخلي الآن هو الفراغ .. الفراغ لا غير ..”
ثم تحركت راحلة يتابعها بأنظاره مفكرا فيما دار بينهما وقراره الحسم بخصوص وضعيهما ..!!

شارف الحفل على الانتهاء عندما تقدم عمار الى الحفل يتبادل التحية مع بعض الموجودين قبل أن يصل الى طاولة أبناء عمومه فيتبادل التحية معهم جميعا ثم ينتبه إليها وهي التي ظلت تتأمله بحذر منذ قدومه حيث تجلس وحدها على احدى الطاولات بجانب أختها الجامدة تماما ووالدتها التي تتبادل الأحاديث مع خالها وزوجته ..
منحها إبتسامة باردة فكزت على أسنانها بغضب قبل أن يتجه بثقة نحو طاولتهم لتحتقن ملامح مريم بغضب ..
وقف أمام الطاولة ملقيا التحية:-
” مساء الخير …!”
رفعت فاتن وجهها نحوه وكذلك البقية ليرد الجميع تحيته عندما حيا عمار جمال مرحبا به فبادله جمال التحية قبل ان يتجه نحو ليلى وينحني نحوها يهمس لها :-
” كيف حالك يا زوجتي العزيزة ..؟! أراكِ في أبهى حلة الليلة وكأنكِ عريفة الحفل ..”
تأملته بنظرات جامدة وتمنت في تلك اللحظة لو تغرس تلك السكين الموضوعة أمامها على الطاولة داخل قلبه …
منحها إبتسامة باردة قبل ان يتجه نحو مريم ويمد كفه نحوها يحييها :-
” كيف حالك يا مريم ..؟!”
ضغطت مريم على أعصابها وهي تمد كفها نحوه ليقبض عليه بقوة فتجيب من بين أسنانها :-
” اهلا ..”
انحنى نحوها اكثر يهمس لها دون أن ينتبه أحد :-
” تبدين فاتنة يا مريوم لكن عندما نتزوج لن أسمح لكِ بإرتداء فساتين قصيرة كهذه فأنا رجل غيور جدا ولا أسمح لأي شخص أن يرى ممتلاكاتي …”
تلاقت عيناها الحادتان بعينيه المبتسمتين ليضيف وهو يعتدل في وقفته :-
” سأبارك الى العروسين وأغادر بعدها ..”
أشار الى ليلى :-
” تعالي معي ..”
نهضت من مكانها وسارت جانبه دون أن تتأبط ذراعه لتنتبه حياة عليهما أولا فتتغضن ملامحها بتجهم يتبعها نديم الذي تجهمت ملامحه كليا من رؤية عمار الذي لم ينتبه الى مجيئه ..
” مبارك لك يا أخي الصغير زواجك .. بالرفاه والبنين ..”
قالها وهو يمد كفه نحوه لينهض نديم مجبرا ويلتقط كفه يضغط عليه بقوة دون رد فيتجه عمار نحو حياة يرميها بنظرات لا تخلو من السخرية وهو يبارك لها :-
” مبارك الزواج يا هانم ..”
ردت حياة تحيته بخفوت عندما وضعت جل تركيزها على ليلى التي همست دون أن تمد يدها نحو نديم :-
” مبارك الزواج ..”
ثم تقدمت نحوها فلاحظت الجمود الذي كسا ملامحها لتهمس وهي تمد كفها نحوها :-
” مبارك الزواج يا حياة …”
تأملت حياة كف ليلى الممدود للحظات ونديم يتابع الموقف بتشنج وعمار بإستمتاع قبل أن تلتقط كفها وهي ترد بصوت بالكاد يسمع ونبرة باردة :-
” أشكرك يا ليلى ..”
هتف عمار بجدية :-
” إعذراني لكن يجب أن أغادر فلدي موعد هام الليلة .. المهم إنني باركت لكما ..”
قالها وهو يمنحهما إبتسامة ذات مغزى قبل أن يتقدم نحو نديم يهمس لها بتهكم :-
” ما بال عروسك لا تبتسم يا عريس ..؟! هل أغضبتها بهذه السرعة ..؟!”
تطلع إليه نديم بقوة قبل أن يقول ببرود :-
” أصبحت تحشر أنفك في كل شيء .. من رأيي أن تركز على حياتك أفضل وخاصة عملك فالقادم لن يكون جيدا لك على ما أظن ..”
ابتسم عمار بثقة متجاهلا تهديده المبطن رغم إدراكه إن أخيه ينوي إعلان الحرب قريبا ..
اما ليلى فظلت تتبادل النظرات مع حياة والتي اقتربت منها تقول بخفوت مستغلة إنشغال نديم مع عمار :-
” يوما ما قدمتِ لي نصيحة كان علي الأخذ بها لكنني لم أفعل واليوم بسببك أدركت صدق نواياكِ بفضلك أيضا ..”
” ماذا تقصدين ..؟!”
سألتها ليلى بعدم فهم لتهتف حياة بجدية :-
” ربما تسببت بتعاستك .. ربما ترين إنني سرقت حب حياتك منك لكنني لم يكن في نيتي كل هذا .. انا لم أسرقه منك لإنه لم يكن معك من الأساس .. طبعا هذا ما كنت أعلمه وما فهمته عن قصتكما … انت تركته وتزوجتِ بأخيه .. هذا كل ما أعلمه وما زلت لا أعلم سواه .. يحزنني إنني تسببت بتعاستك حتى لو بدون قصد .. يؤلمني إنني تسببت بجرح قلبك لكن ما يخفف علي الأمر إنني لم أتقصد ذلك وإن كل شيء حدث دون تخطيط أما أنتِ ..”
صمتت قليلا ثم همست ببحة موجوعة :-
” انت تعمدتِ ذلك … انتِ سعيت ِلعدم إكتمال سعادتي … دمرتي فرحتها في بدايتها .. ومع ذلك انا لا ألومك لإنني فعليا تأكدت إن هناك الكثير ما أجهله … الكثير الذي ربما لو عرفته ما كنت سأعيش هذه الليلة ولا سأتزوج هذا الرجل الواقف جانبي ..!!”
منحتها ابتسامة أخيرة وهي تقول :-
” يوما ما ستفهمين معنى كلامي وربما حينها سيكون هو معكِ ولن أغضب منك ولا سأحقد عليكِ حينها لكن رغم كل هذا لن أسامحكِ لإنك إخترتِ هذا اليوم تحديدا لتدمير فرحتي بينما كان بإمكانك أن تفعلي هذا مسبقا لربما حينها كان يمكنني التراجع دون تردد ..”

جلست على سريرها بتعب وعقلها ما زال يردد كلمات حياة الغامضة المريبة ..
هل علمت بمقابلتها مع نديم وما جمعهما من حديث ..؟!
حديثها كان يدل على ذلك وهي التي تعمدت أن تلتقي به في مكان منعزل كي لا يراهما أحد …
تغضن جبينها بتفكير في حديث حياة والذي يؤكد إن لديها علم مسبق بلقائهما دون أن تنتبه لمريم التي دخلت الى الغرفة ووقفت تتأمل ملامح أختها التي تدل على تفكيرها بشيء مهم جدا ..
” ليلى ، بماذا تفكرين ..؟!”
توقفت ليلى عن أفكارها وهي تلتفت نحوها تجيب بجدية :-
” لا يوجد شيء مهم ..”
” لا تكذبي علي … أخبريني بما حدث اليوم .. انا أختك وأقرب شخص لك ومن الطبيعي أن أعلم ما يدور معك ..”
أضافت تسألها بجدية :-
” ماذا كانت تخبرك زوجة نديم بك ..؟! ”
نظرت لها بدهشة لتضيف مريم بجدية :-
” رأيتها وهي تتحدث معك .. لم يكن حديثا عابرا .. ماذا قالت لك ..؟! هل أزعجتكِ في حديثها ..؟!”
” قبل أن تعرفي ما قالته عليكِ أن تعلمي إنني أخبرت نديم بكل شيء ..”
قالتها بجدية لتهتف مريم بعدم تصديق :-
” أخبرته بسبب زواجك من عمار وهذه التفاصيل ..؟!”
هزت ليلى رأسها دون رد لتهتف مريم متسائلة بإستغراب :-
” كنت أظن إنك تناسيت الأمر .. فاجئتني حقا .. لكن لماذا اليوم بالذات ..؟! لماذا لم تخبريه مسبقا ..؟
نهضت ليلى من مكانها وسارت نحو النافذة تتطلع الى الظلام من الخارج وهي تتحدث :-
” كنت سأخبره .. في ذلك اليوم الذي كشفت لها سرا مهما يخصني وكنت سأخبره بالحقيقة كاملة لولا ما فعله …”
” عم تتحدثين بالضبط ..؟!”
سألتها مريم بعدم فهم لترد ليلى بجدية وهي ما زالت تتأمل الخارج المظلم من خلف نافذة غرفتها :-
” يومها دار حوار بيننا … حوار مؤلم .. قاتل .. يومها شعرت لأول مرة إنه لا يستحق تضحيتي ولا يستحق كل ما فعلته لأجله .. ومنذ ذلك اليوم تغلب كبريائي على حبي الشديد له وقررت أن أذيقه قليلا مما عشته .. أن أجعله يتجرع مرارة الألم والندم الذي أعيش به منذ فترة طويلة بسببه ..”
” انتِ لم تختاري هذا اليوم تحديدا لتجعليه يترك خطيبته ، أليس كذلك ..؟!”
سألتها مريم بحذر لتلتفت ليلى نحوها تردد :-
” على العكس تماما .. انا اخترت هذا اليوم تحديدا كي لا يمكنه التراجع عن زيجته .. دعست على قلبي العاشق له وشوقي الشديد فقط كي أثأر لكرامتي التي دعسها هو بكل قسوة .. اخترت هذا اليوم كي أجعله يشعر بالعجز وأنا أكثر من يعلم إنه لن يتركها في منتصف الطريق لإن أخلاقه لا تسمح بذلك .. ”
” انتقاما مميزا ..”
قالتها مريم بإعجاب رغم حزنها على حال أختها التي جلست بجانبها تضيف :-
” كل ما أردته أن أرى الندم على ملامحه والعجز داخل عينيه ورغم إنني حققت ما أريده لكنني لا أشعر بالراحة خاصة بعد كلام حياة لي ..”
” ماذا قالت لك ..؟!”
سألتها مريم بإهتمام لكن صوت طرقات على باب غرفتها أوقفها عن الحديث لتنهض ليلى من مكانها وتفتح الباب فتجد الخادمة أمامها تخبرها :-
” محامي عمار بك في الأسفل .. يريد رؤيتك لأمر طارئ ..”
نهضت مريم من مكانها تنظر الى اختها بدهشة والتي تأملت ملابسها وتأكدت من إحكام روبها الطويل قبل أن تخرج من الغرفة وتهبط الى الطابق السفلي لتجد المحامي في انتظارها حيث نهض من مكانه يرحب بها مرددا بحرج :-
” أعتذر عن قدومي في وقت متأخر كهذا لكن عمار بك أصر أن أسلمك كل شيء اليوم ..”
” تفضل …”
قالتها ليلى بهدوء بينما مريم تقف جانبها بتحفز ليعطي المحامي ليلى ملفا وهو يخبرها :-
” في هذا الملف ورقة طلاقك رسميا من عمار بك وأوراق أخرى بكافة حقوقك ”
فتحت ليلى الملف وجذبت ورقة الطلاق تتأمل المكتوب فيها والذي حلمت به طويلا ..
لقد منحها عمار حريتها في الوقت الذي أراده …
ظلت تتأمل الورقة للحظات قبل أن تضحك بقوة تحت أنظار مريم المدهوشة بينما تحرك المحامي مسرعا بعدما إعتذر مرة أخرى عن مجيئه في وقت كهذا …
توقفت ليلى عن ضحكاتها تضيف :-
” لنرى ماذا يوجد ايضا ..؟!”
تأملت الشيك الذي يحمل مبلغ نصف مليون دولار وورقة سحبتها لتجده كتب لها :-
” عزيزتي ليلى ،
أعلم كم كنت تتوقين للحصول على هذه الورقة ..
ها أنا حققت أمنيتك أخيرا ..
ربما تأخرت لكنني حررتكِ في النهاية كما كنتِ تتمنين دائما ..
انتِ قدمتِ لي معروفا كبيرا بزواجك مني …
حقا أنت كنت الهدف الصائب والرهان الرابح …
وتقديرا لخدماتك العظيمة منحتك هذا المبلغ كتقدير مني على وجودك ومساعدتي في تحقيق إنتقامي لسنوات تحملتها انتِ بكل هدوء و صبر …
زوجك السابق
عمار الخولي ”
إعتصرت ليلى الورقة بين يديها بقوة وهي تشعر بكلماته تطعنها بقسوة لتلعنه عدة مرات داخلها وهي تتمنى أن تأخذ ثأرها منه يوما وإن كان ذلك يبدو حلما بعيدا للغاية ..!!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى