روايات

رواية ثري العشق والقسوة الفصل التاسع 9 بقلم آية العربي

رواية ثري العشق والقسوة الفصل التاسع 9 بقلم آية العربي

رواية ثري العشق والقسوة الجزء التاسع

رواية ثري العشق والقسوة البارت التاسع

رواية ثري العشق والقسوة الحلقة التاسعة

أحببتُكِ وأنا على يقين أن قلبي لا يعرف للحب قواعد ولا حدود .
أحببتُكِ وأنا على يقين أن حبي كسجنِ الدولفين الأسود لا نجاة منه إلا بالموت .
أحببتُكِ بظلامي وجمودي وقسوتي يا نارة اشتعلت بقلبٍ ظنّ أنّ ليس له وجود
صقر الجارحي
❈-❈-❈
في شقة نارة
تجلس شاردة أمام نافذتها إلى أن تخرج مايا من الحمام لتذهبا إلى ميلانو .
دموعها تسقط كأنها ليلة مطر شتوية أصرت على أن لا تتوقف ، إلى الآن لا تصدق ، انفجرت أمام عيناها الكنيسة بكل ما فيها ومن فيها ، تحمد الله أنها نجت هي وشقيقتها ولكن ماذا عن الباقين ، كيف كان شعورهم حينها وعن أولجا تلك العروس التى كانت منذ أيام تخبرها بمعانتها وخوفها ، ليتها كانت تعلم لربما تغير مجرى الأمور ، أولجا صديقتها التى لم تكتمل سعادتها .
كيف لبشرٍ أن يسعون لموتِ أبرياء هكذا ! ، لا تستوعب أن هناك يداً بشرية يمكنها أن تخطط وتنفذ هذا العمل الإرهابي البشع ، تلك ليست يداً بشرية على الإطلاق ، تلك لم تكن سوى يد من أيادي إبليس اللعين .
خرجت مايا والتى لم تكن حالتها أفضل من حالة نارة ، خرجت بعد أن غسلت وجـ.هها الباكي ولكن ما زالت دموعها تسقط ، ما مر بهما اليوم لا ولن يمحى من ذاكرتهما أبداً ، أحداث صعبة لا يمكنها تحملها ولولا وجود نارة معها لكانت الآن في يدِ من لا يرحمون .
ابتلعت لعابها واتجهت تجلس جوار شقيقتها ثم تحدثت بشرود وهي تنظر للنافذة قائلة بنبرة مستنكرة :
– ناردين ، هو اللي حصل معانا النهاردة ده حقيقي ؟ ،، ولا إحنا في حلم ولا إيه ؟
رفعت ناردين كفها لتنفض دموعها المعلقة ثم تحدثت وهي أيضاً تنظر للخارج بقلبٍ متألم وصوتٍ هامس ضعيف :
– حصل يا مايا ، حصل وكل اللى شوفناه حقيقة عشناها .
لفت نظرها تطالعها لتعود وتتساءل بحزن وترقب :
– طيب هنعمل إيه دلوقتي ، وهنقول لمامي وبابي إيه وهو في حالته دي ، أنا قلقانة عليه جداً بس مش قادرة أتحرك ، عايزة أنام يمكن أنسى كل ده .
نظفت حلقها لتلتفت تطالع شقيقتها وتتمـ.سك بكفيها مردفة بنبرة حزينة ووهن :
– مش هنقول لبابا حاجة خالص ، حالته متسمحش أصلاً ، ماما أكيد لازم تعرف بس بابا لاء ، وبيتهيألي يا مايا جه الوقت اللي تقبلي إننا ننزل مصر بقى ، لازم نبعد عن هنا شوية ، لازم يا مايا أنا مبقاش عندي قوة تحمل ، من فترة بعدت عن بولونيا بعد ما واحد اتقتل قدامي وقولت يمكن بسبب شغله الغلط واللي عرفناه عنه بعد كدة ، رجعت بولونيا لأني بحبها وقولت أدرس فيها ، بس من بعد اللى حصل النهاردة قدام عيني أنا مش هاجي بولونيا تانى أبداً ، أنا مبقاش ليا هنا ذكريات حلوة أحب أفتكرها ، خلاص كفاية كدة أوووي .
قالتها وهي تعتصر عيناها الممتلئة بالدموع لتدعمها مايا ولأول مرة تردف بقبول :
– معاكي حق يا ناردين ، هنا مبقاش أمان ، خلاص أنا موافقة ننزل مصر الفترة دي ، وقومي يالا نرجع ميلانو ، خلاص مبقاش ينفع نستنى .
أومأت لها وتركت يـ.دها تلتفت حولها تنظر للمكان لثواني ، تتذكر لحظاتها وأوقاتها في كل ركنٍ ، نعم أحبت هذا المكان بصدق وتلك النافذة وهذا الأثاث والآن عليها الرحيل .
تنفست لعل هذا الهواء يحمل عنها عبء صـ.درها ثم تحدثت وهي تقف :
– تعالى يالا .
تحركتا تسحبان حقيباتيهما اللتان جهزاتها قبل ذهابهما إلى الزفاف الذي لم يكتمل .
تغادران هذا المكان بلا عودة ، خرجتا للشارع حيث المارة واستقلتا السيارة بعد أن وضعتا حقيبتيهما في الخلف ، زفرت نارة تحفز حالها ، حقاً لا تقوى على القيادة ولكنها مجبرة فيجب عليهما الذهاب لميلانو في أسرع وقت .
تحركت تستقل مكانها وتقود بهدوء لتصلا إلى وجهتهما بينما هذا الذي يتابعهما ظل خلفهما بعد أن أخبر رئيسه بخط سيرهما وأمرهُ أن يأمنهما إلى أن تصلا .
❈-❈-❈
بعد عدة ساعات في المشفى
وبعد أن وصلتا نارة ومايا
تجلس نارة على يسار والدها ومايا على يمينه وهو ممتد على فراشه وحالته كما هي .
تبكيان وهما يتمسكان بكلتا يديه وتتابعهما آسيا باكية أيضاً ، بكائهن صامت ولكن الأفئدة تتألم على هيأته ، يتحدث إليهما بجهدٍ كبير وهو يحاول أن يبتسم ليريحهن قائلاً :
– كفاية عياط بقى ،، فيه إيه كدة يا بنات ؟ ،، أنا عايز أشوف القوة اللى أنا زرعتها فيكم .
انحنت ناردين تقبل يـ.ده مردفة بنبرة يشوبها الحزن والحنين :
– القوة بنستمدها من حضرتك يا بابا إنت وماما ،، إحنا من غيركوا زي ورق الشجر اللي وقع فروعه ،، بس أنا متأكدة إن حضرتك هتبقى كويس .
لفت تطالع آسيا متسائلة بنبرة مترجية :
– صح يا ماما ؟ ،، قولي لبابا إن ال illness ده مبقاش زي الأول وإن علاجه بقى أسهل ومضمون .
لم تكن تريد من آسيا إخبار شفيق بذلك ، بل كانت تريد سماع ما يطمئنها هي .
تنهدت آسيا تطالعها بصمت ،، منذ أن أتيتا وعلمتا حقيقة مرض والدهما وهما تبكيان خصوصاً مايا التى تنتحب بشدة لدرجة أنها لا تستيطع التحدث خصوصاً بعد ما مر بهما اليوم ، كل هذا كثيرٌ جداً عليها ،، فهي مدللة أبيها ،، كم كان يدللها ويلبي طلباتها مهما بلغت ويميزها عن الجميع لذلك فهي الأكثر صدمةً وذهول .
ربما نارة الآن تبدو قوية ،، تبدو أكثر تقبلاً للأمور ولكن ما خفي كان أعظم تماماً ،، هى هشة كثيراً وتحتاج إليه ،، تحتاج إلى تلك العائلة ،، تعلم وتتذكر جيداً هذا اليوم منذ الصغر عندما تبناها من تلك الدار بعد أن تخليا عنها والديها أو ربما فقدتهما لا تعلم ولكن منذ تلك اللحظة وإلى الآن وهما يغمرانها بالحنان والعاطفة التى بها استطاعت أن تصل إلى ما هي عليه ،، فراق أحد ضلعيها سيسبب شرخاً كبيراً داخـ.لها لا تعلم كيف ستتجاوزه مستقبلاً ،، هما عائلتها الحقيقية التى لها كل الفضل والإمتنان عليها .
فقط تتمنى أن يمد الله بعمرهما ، فلو كانت الأعمار تهدى لكانت حتماً أعطته من نصيبها ، لن تقدر ولن تتحمل فقده مهما أظهرت القوة ، خاصةً في هذا الوقت بعد كل ما عايشت من أحداث ، ليته بحالة جيدة لكانت اختبأت داخل أحضانه وسردت له كل ما يعتـ.لي صـ.درها وما تشعر به وما مرت به هي وشقيقتها ، ليتها تشكي له حال أبرياء فقدوا حياتهم أمام عـ.ينيها ولولا قدرة الله لكانت الآن من بينهم ، حقاً تريد الصراخ ، تريد التعبير عن ما تشعر به ولكنها مكبلة بحالته وبمرضه اللعين هذا .
تحدث شفيق بأنفاس مثقلة معبئة بالألم :
– كلمي الدكتور يا آسيا ،، أنا عايز أروح معاكم البيت حالاً ،، شوفي اللازم إيه وهنعمله هناك بس روحوني .
أومأت آسيا لتريحه وتنفذ مبتغاه وتحركت للخارج لتبلغ الطبيب وظلت نارة تنظر إليه مستنكرة فقدانه ومايا تقابلها صامتة تماماً فقط تبكي وتطالعه بعيون ناطقة ، تتمنى أن لا يتركها .
❈-❈-❈
استطاعت الشرطة الإيطالية خلال ساعات قليلة القبض على رجلان من الذين ظهروا في الفيديو وجاري البحث عن الأخران اللذان ساعدوهما في وضع تلك المتفجرات .
كما وجدوا في منزله متفجرات من نفس النوع الذي استخدمه في تفجير الكنيسة وغيرها من الأسحلة الحديثة التى مؤكد لا يستطيع جلبها وشرائها بمفرده لذا سيكون التحقيق مرهق فالمباحث الإيطالية تعلم جيداً أن اعتراف هؤلاء على زعمائهم يعد دربٍ من دروب المستحيل .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
رن هاتف ميشيل ليخبره أحدهم بالأمر الذي سيشكل خطراً عليه وعلى عائلته ورؤساءه أيضاً .
فبرغم تأكده أن هؤلاء لن يذكروهم أبداً ولكن القبض عليهم يعد خطأً فادحاً في مسيرة ميشيل الإجرامية ،، وهذا ما لم يتقبله أبداً ،، فهو دائماً معروف بنزاهة إجرامه .
قانون غريب ومختل يجمع بين الوفاء والإجرام ،، قانون هؤلاء المافيا ، فهم حتى وإن قُتلوا لن يذكروا إسم أحدٍ من زعمائهم ،، ليموتوا ويموت معهم سرهم ، وهذا ما ساعد هؤلاء الأشرار على الإنتشار ،، ربما كان الخوف هو المانع الأول والأخير من الإعتراف عليهم ،، خوفهم على عائلاتهم وأطفالهم وزوجاتهم ،، وربما كان خوفهم على أنفسهم فهم يوقنون أن المافيا تشبه الأشباح وبسهولة يمكنها إختراق جدران السجون والوصول إليهم وتصفيتهم في الحال ،، لذلك هم مجبرون على الصمت .
ولكن هذا لن يعفي ميشيل أمام حلفائه ،، مؤكد سيتم توبيخه وسيعلمون أن صقر لم يكن القائد لتلك المهمة كما أمروه ،، فميشيل لم يخبرهم برفض صقر وتولي داروين شقيقه المهمة بل خدعهم ،، فبالتالي سيكون العقاب وخيماً .
أغلق الهاتف بعد أن تلقى الخبر ولم يحرك ساكناً حتى رن هاتفه الخاص يعلن عن إتصالاً من أحد الزعماء فاهتز رعباً وأصيب بالشلل لثواني كأنه لا يعي شيئاً ثم قرر الإجابة بيـ.دٍ جاهد لتحريكها .
أجاب بصوت ظهر مهزوزاً وهو يقول :
– أسمعك أيها الجنرال ؟.
تحدث الجنرال بنبرة ضخت الرعب فيه قائلاً :
– تعلم ما عقوبة المخادع في قانوننا ؟ .
تحدث متلعثماً وكأن الحديث يركض بسرعة على لسـ.انه فيسقط دون رحمة قائلاً :
– أقسم لك لم أخدعكم ،، فقط حاولت تنفيذ العملية بسلام ، فصقر لم يقبل قيادتها وقمت بتنصيب أخي داروين ،، من المؤكد أن هناك خائناً ،، وسوف أعلمه وأقتص منه ومن عائلته بأكملها .
صمتٍ لثواني كاد يفقده حياته وسبب له ارتفاع غير مسبوق في الأدرنالين وهو ينتظر مصيره ثم تحدث الجنرال قائلاً بجمود :
– أجلب لي عرضاً يقنعني بالإعفاء عنك ،، وإن لم تفعل فتعلم جيداً ما مصيرك ، عرضاً قيمته تساوي حياتك .
أغلق الجنرال وترك ميشيل يزفر كأنه كاد يغرق وطفى لتوه ،، طلب عرضاً قوياً ،، حسناً عليه أن يأتى بعرضٍ يساوى حياته وحياة عائلته وإلا فإن هؤلاء لا يمزحون وسينتهوا منه ومن تلك العائلة .
رفع هاتفه بعد ثواني وطلب رقم صقر الذي هو في أمَس الحاجة له الآن .
كان الأخير ينتظر إتصاله حيث أجاب قائلاً ببرود ولا مبالاه لعلمه مسبقاً بالأمر :
– ماذا هناك ؟
تحدث ميشيل متلهفاً بجمود :
– أريدك الآن فوراً .
تحدث وهو يتمدد على سريره في منزله الخاص قائلاً بأريحية وثبات :
– ليس الآن ،، سأراك صباحاً .
أغلق قبل أن يتحدث ميشيل بينما الآخر ألقى الهاتف غاضباً ولاعناً صقر بلعنات لاذعة ينفث بها عن غضبه فحياته على المحك وهو لا يبالي ! ،، أهذا جزاء المعروف والتربية العظيمة ؟!.
أما صقر فيتمدد مشبكاً يـ.ديه خلف رأسه يفكر مجدداً بعد أن درس خطواته وحسم أمره للقادم .
فكما علم عن نارة أموراً لا تعلمها عن ذاتها علم أيضاً بقرار أهلها العودة إلى مصر وتحضيرهم لأوراقهم ،، ويعلم جيداً قوانين المافيا ،، ولذلك جمع بين الأمرين وسيستغل القدر لصالحهُ ،، وليقدم عرضه الذي درسه جيداً ولينتقي ميشيل ثمن حريته وحياته .
لذا ابتسم بخبث وزفر يغمض عينه لينام أخيراً بعد أن هدأت أفكاره .
❈-❈-❈
في اليوم التالى استيقظت نارة في منزل والديها ،، في الأصل لم تنم بل كانت فقط تغلق عينـ.يها أو تريحهما بعد يوم أمس أو دهر أمس ،، فما رأته في ذلك اليوم لم ترهُ في حياتها كاملة ،، كلما تعمقت في التفكير فيه تشعر بحلـ.قها يضيق ورأتـ.يها تتضخم فيصعب تنفسها .
تجهزت وتوجهت للخارج لترى والدتها ولتطمئن على والدها بعد أن عادوا فجراً إلى المنزل حسب إرادة شفيق .
كانت آسيا تجلس تطعمه بعض السوائل بالملعقة بينما وجههُ يبدو شاحباً جداً .
اتجهت تقبل والدتها ثم انحنت تطبع قُبـ.لة على جبـ.ين والدها فوجدته بارداً ،، ابتعدت تتمعن النظر به حيث كان يطالعها بغموض ويبتسم ،، بادلته ولكن خانتها عينـ.يها بدموعٍ هاربة إلى وجنتيها لتقع منها أرضاً في حزنٍ شديد ،، تشعر أنها ستفقده ،، كما تشعر آسيا أيضاً بذلك .
تحمحمت لتنظف حلقها ثم تحدثت قائلة لتلطف الأجواء قليلاً :
– ممكن أخدك برا في الجنينة شوية ؟
ابتسم لها وأومأ مرحباً بالفكرة وأشار بيـ.ده لآسيا أن تكف عن إطعامه فيبدو أن الحديث أصبح مجهداً عليه ، وبالفعل تحركت نارة لتساعد والدتها في اصطحابه للخارج .
جلسوا مجاورين لكرسيّهِ النقال على طاولة في الحديقة المزدهرة بورودٍ ملونة ،، الجو اليوم مميز ،، والشمس تبدو متصالحة مع الغيوم ،، والأجواء ساكنة ولكن هناك قبضة تعتصر أفئدتهن خوفاً عليه ،، حتى مايا التى لأول مرة تطلب من ربها وتترجاه أن يمد عمره ،، مايا التى دائماً ما تمردت على العبادات والطاعات ها هي تجلس في غرفتها باكية وراجية ربها ،، ربما ما تفعله تناقض ولكن الإنسان لا إرادياً مسخراً لإرادة الله عز وجل مهما أنكر ذلك ،، فهو واقعاً عليه القدر والموت والكوارث دون أن يعلم بأمرهما ودون قوة منه لردها ،، وهذا تسخير لعظمته .
تحدثت آسيا إلى نارة بترقب وحزن :
– أنا جهزت كل الأوراق المطلوبة يا ناردين علشان نرجع مصر في أقرب وقت ،، بس أنا قلقانة من مايا ،، مش عارفة إزاي أقنعها إن دي رغبة بابا ،، وإن مينفعش أبداً نرجع مصر ونسيبها هنا لوحدها .
نظرت نارة لوالدها وربتت على يـ.ده التى تسـ.كن بين يـ.ديها ثم عادت لوالدتها قائلة باطمئنان :
– متقلقيش يا ماما ،، المهم دلوقتى نتمم إجرأتنا بسرعة ونلحق نسافر .
لا تعلم لما تفوهت بذلك ولكنها تخشى فقدان والدها في تلك البلد الغريب حتى وإن كانت كبرت بها ،، ولكن دوماً كان داخـ.لها حنين لموطنها الاصلي مصر ،، هي منه وإليه ،، وتريد أن تعود إليه مع أسرتها كاملة ،، لا تأمل أن تترك أحدهما هنا أبداً .
أومأت آسيا لتخونها دموعها التى تحاولت إخفاؤها على شفيق الذي لم يكن يسمعهما أو يدعي ذلك ،، بل كان ينظر لجمال الطبيعة من حوله .
أتت من خلفهم مايا تطالعهم بترقب ثم تحدثت قائلة وهى تفرك يديها بملامح حزن جعلتها تبدو كمن بلغت الخمسين من عمرها :
– أنا موافقة أرجع مصر .
نظرت لها نارة بهدوء وأومأت مؤيدة بينما تفاجأت آسيا ، أما شفيق فقد ابتسم وزفر أنـ.فاسه بارتياح يغمره وهو يشكر ربه جهراً أن إبنته أخيراً قبلت العودة معهم دون إجبار .
❈-❈-❈
في القلعة التى يحتمي بها ميشيل وعائلته العريقة .
يجتمع جميع ذكورها تحت هذه القبة للتشاور في أمر العرض البديل الذي سيقدم كقربان لضمان حياتهم بعد ذلك الخطأ الفادح ،، فبرغم تأكده بعدم إفصاح رجاله عن أحدٍ منهما إلا أن المافيا تعتبر هذه خيانة ولن تغفرها .
كان يجلس بين عائلته يحرك سـ.اقيه بغضب ،، فصقر لم يأتى إلى الآن والجميع ينتظره .
نظر ميشيل إلى ماركو بغضب وتساءل :
– أين هو إلى الآن ؟ ،، ولما لست معه ؟
طالعه ماركو بحقدٍ قائلاً بنبرة جليدية :
– لست رقيباً عليه ،، ليأتي وقتما يريد .
لم يكد يكمل حتى فُتح الباب ودلف صقر يخطو بينهم ببرود واضعاً يـ.ديه في جيبي بنطاله الأسود الذي يلتهم الجزء الآخير من قميصه الأسود يزينهما حزام جلدي فحمى ، وحذاءٍ كلاسيكي نفس اللون مع تسريحة شعرٍ چذابة وعطر flowr يفوح المكان ويخترق أنوفهم المتعالية ليبدو كما لو كان آتيا من حفلة مميزة لتوه .
خطى بثقة وجلس مجاوراً لماركو الذي يبتسم خبثاً عليه بعد أن رآى نظرات ميشيل الحاقدة الذي لم يستطع كتم غضبه حيث قال بحدة وتوبيخ :
– بت مؤخراً تتمرد كثيراً على أوامري ،، أحدثك ليلاً تغلق الهاتف في وجهي ، ثم تأتى وكأن زفافك كان أمس ولا تبالي بما حدث معنا ؟ ،، اعلم أن هذا ليس في صالحك .
زفر صقر ووضع قـ.دماً فوق الأخرى ثم نظر لميشيل بقوة وتحدث بثبات وخبث :
– وأنا الذي أفكر طوال الليل في مخرجٍ لك بعد أن علمت ما حدث ؟ ،، يا للأسف يا معلمي ،، أتشكك في إنتمائي لموراكو ؟
تمعن ميشيل في عينه ليرى السخرية ولكن صقراً بارعٌ في إظهار ما يريد على ملامحه فباتت الجدية مرتسمة على معالم وجهه وهو يتابع :
-ولكن هذا لن يغير حقيقة أن أمرك وأمر تلك العائلة يهمنى ،، لذلك حاولت إيجاد حلاً سيشفي غليلِ حلفائك ومؤكد سيجعلهم يعفون عنك بل ربما قاموا برفعك .
إستطاع بحديثه أن يمـ.تص غضب ميشيل ويطمئنه فدوماً كان لديه حلول لأصعب المشاكل التى واجهتهم على مر حياته المظلمة معهم ،، لذلك عاد ميشيل يسترخي في جلسته ويردف متسائلاً :
– وما هو هذا الحل ؟
زفر قليلاً وسعى ليحقق رغبته ،، فعليه إظهار أن الأمر بالنسبة له لا يشكل فارقاً وليختاروا هم بأنفسهم ما يريده لذلك أظهر اللا مبالاه وتحدث بعيون ثابتة تعزز موقفه :
– إذا أردت أن تقضي على عدوٍ فعليك بنقطة ضعفه ، واذا أردت أن تتحالف مع صديق فعليك بإستغلال مصدر قوته لتظهر له ولاءك ،، ونحن جميعاً نعلم ما مصدر قوة حلفائنا ، ألا وهو السـ.لاح ،، هم يسعون لإنتشاره في البلاد ،، خصوصاً البلاد العربية ،، يسعون لدخوله إلى مافـ.يا العرب حتى يحققون أهدافهم في القـ.ضاء على هؤلاء التابعين ،، ولذلك فكرت جيداً ووجدت مقترحاً أعتقد أنهم لن يرفضوه أبداً .
تنبهوا جميعهم لذلك وانصتوا وباتت وجـ.وههم مترقبة عندما استرسل صقر :
– تعلمون أن فرع الشركة المصرية التابع لنا لا يعمل بشكلٍ سليم ، ومدراؤه الذين وليتهم أمره يخطئون باستمرار ولا يستطيعون إدارتها ، وأنت يبدو أنك أهملتها ولم تعد تهتم لأمرها ، لذا سنربطها بشكرتنا الأم هنا نستورد من خلالها السيارات قانونياً والأسلحة خفياً ،، سنحقق لهم هدفاً يسعون له منذ زمن ألا وهو دخول أسلحتهم إلى مصر بشكلٍ آمن ومضمون بدلاً عن صفقاتهم التى دوماً يتم إعدامها من قبل المخابرات المصرية .
شرد ميشيل في تلك الخطة التى لم تكن في حسبان أي شخصٍ منهم ،، كيف سيحدث ذلك ومن سيتولى إدارة تلك الشركة التى بالفعل أهملها وسلم أمرها ليتابعه سام إبن شقيقه ، تلك الشركة التى كانت تمتلكها مارلين سابقاً ، ويبدو أن صقر قرأ أفكاره فأكمل طارقاً على الحديد الساخن :
– ولأني أمتلك الجنسية المصرية يمكنني إدارة تلك الشركة مؤقتاً إلى أن أمرر بعض الصفقات من خلالها ثم أعود مرةً أخرى ،، المهم عندى حياتك .
قال الأخيرة وهو يتعمق في عينه ليؤكد له صدق حديثه الماكر بالرغم من نبرته الساخرة .
بينما ميشيل توقف عن التفكير عند تلك النقطة ،، فهو لا ولن يسمح بمغادرة صقر وعودته إلى مصر أبداً ،، يخشى أن يُهدم كل ما بناه ،، يخشى تمرده ،، يخشى إنقلابه ،، يخشاهُ وبشدة لذلك وقف يهز رأ سه ويردف برفضٍ قاطع :
– لااا ،، لن تغادر ولن تذهب إلى أي مكان ،، ستظل هنا معي .
تابعه صقر بصمت ولم يظهر انفعالاته ،، عليه أن يظل ثابتاً أمامه ، غاضباً من نبرة التملك التى يتحدث بها ميشيل ، ولكن لا يظهر غضبه ، ليحقق هدفه بهدوء وبرود .
بينما ميشيل أصبح يتحرك بينهم ويفكر ، ثوانى مرت حتى توقف يتحدث وهو يطالعه :
– يمكننا التخطيط لتفجير أحد المساجد ، ومؤكد بعد إنفجار الكنيسة سيبدو الأمر إنتقاماً طائفياً ،، وستقوم فتنة بين الديانتين ،، وهذا أيضاً يريده حلفاؤنا ،، نعم هذا كل ما في الأمر ،، لم نضطر أبداً لما قولته .
اشـ.تعلت نيـ.ران صقر داخـ.له مرة أخرى ولكن لحسن الحظ فهو يمتلك جـ.سداً يبدو كجبلٍ جليدي يخفي ما داخـ.له حتى لو كانت جمرات ملتهبة لذلك وقف يعدل من وضع ساعته الفاخرة وتحدث بثبات وهو ينظر لها ويهز منكبيه كأن الأمر لا يعينه :
– حسناً مثلما تريد ،، فقط أردت تقديم المساعدة ،، أعرض على حلفائك الأمرين ودع لهم الإختيار ،، وأظن أن تفجير مسجد لن يشفى غليلهم من ما حدث ،، ولكن سأدع الأمر لك ولهم ، وحين تقرر أخبرني بقرارك ،، الوداع .
قالها والتفت يغادر بثبات وقد ارتسمت على وجههُ ابتسامة ثعلب ماكر وخبيث وهو شبه متأكد من قرار الحلفاء والعائلة .
ربما الوحيد الذي يدرك أن هناك مغزى من حديثه هو ماركو ولكنه التزم الصمت وهو ينظر لعائلته ويتابع ويستمع إلى أرائهم وتأييدهم لرأي صقر عكس ما يريده ميشيل الغاضب .
تحدث داروين بانزعاج وغضب :
– لما ترفض هذا الحل الذي اقترحه علينا ؟ ،، إنه الحل المناسب تماماً ، عن أي مسجد تتحدث ميشيل ؟ ، هل فقدتُ عقلك ؟
نظر ميشيل له بغضب وتحدث من بين أسـ.نانه مهدداً :
– لا أحد يتفوه بحرف وإلا أفرغت طلقات سلاحي في رأ سه ، لا أحد منكم يعلم خطورة عودة صقر إلى مصر ، مؤكد سنجد مخرج وخطةً ترضي رؤسائنا وستنجو العائلة ولكن إن عاد صقر إلى مصر حتماً ستكون هذه نهايتنا جميعاً .
نظروا جميعاً لبعضهم وتعجبوا من حديث ميشيل ، يعتقدون أن الأمر ليس بتلك الأهمية ولكن هو اعتقاده مخالف تماماً ، يعلم جيداً قدرات صقر وذكاؤه لذا سيعمل دوماً على إبقاؤه نصب عينه .
أما صقر فوصل للخارج وخطى يستقل سيارته وهو ينظر للقصر بغموض ليردف قبل أن ينطلق :
– حان وقت العودة .
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوع
تستعد أسرة شفيق للعودة لوطنها الأصلي ،، فقد جمعن أغراضهن وضبطن أمورهن واتممن أوراق سفرهن وها هن يودعن منزلهن وزهورهن وحياتهن السابقة .
أصبحت حالة شفيق أفضل قليلاً من قبل أسبوع وذلك يبدو بسبب حماسه لعودته لوطنه ،، لقد ظن أنه لن يراه مجدداً ،، ولكن يبدو أن الله سيحقق رجائه . ( بقلم آية العربي)
تحركوا جميعهم متجهين إلى المطار حيث يجلس شفيق ومعه آسيا في سيارة صديقه مسعود بينما نارة ومايا تستقلان سيارة زو جة مسعود التى صممت إيصالهن مع زو جها .
بعد مدة وصلوا إلى مطار ميلانو وأتموا إجراءات عودتهم وودعوا أصدقائهم ثم صعدوا على متن الطائرة المتجهة إلى مصر ولم يكن هم فقط على متنها بل كان هناك الكثير غيرهم ومن بين الكثير هناك شخصاً مكلفاً بمراقبتها كظلها إلى أن ينهي سيده أعماله ويذهب بنفسه إليها .
❈-❈-❈
أما صقر فيقود سيارته عائداً لمنزله بعد أن رآها قبل مغادرتها ،، أراد أن يحفظ ملامحها التى لن ينساها ولكنه أراد تزويد مخزون ذاكرته حتى لا يتراجع مقدار ذرة عن ما نوى .
فبرغم عدم حصوله على قرار ميشيل وحلفاؤه إلى الأن وهذا أصابه بالإحباط قليلاً ولكن عليه التمهل وحساب خطواته بمنتهى الدقة حتى لا يكشف أمره ويعرضها لخطرٍ ثانٍ ، مؤكد تسرعه وظهور لهفته للعودة سيتسبب في شك ميشيل والبحث خلفه وهذا أخر ما يريده فقط لأجلها آمنة .
حتى ولو لم يختر ميشيل عرضه سيجد ألف خطة بديلة وسيغادر مصر ،، لم يعتد طيلة حياته أن يترك شيئاً بات عائداً له ،، بات ضمن ممتلكاته ، فهو متحكم ومسيطر لأبعد درجة يمكن تخيلها ، وليعترف أنه لم يكن ليضعها في طريقه بل هي من وضعت ذاتها ،، هي من اقتـ.حمت منطقته المبعثرة ،، هي من دفعت بوابة قصره المظلم ودلفت تخطى بإرادتها ، لم يكن ينتظرها ولكن بعد أن أتت باتت جميع لحظاتها حقه المكتسب وسيحصل عليها ، بات لها أثراً على عقله و …. وقلبه .
❈-❈-❈
بعد ثلاثة أشهر
تجلس نارة في المكتبة التاريخية تقرأ إحدى الكتب بتمعن وحولها الكثير من مثيلتها اللاتى يحببن القراءة .
المكان هادئ والأصوات شبه معدومة حتى لا ينشغل العقل بها ،، تركيز تام للقراء وكأنهم يقومون بطقوسٍ علمية غريبة .
لقد بدأت تخرج من منزلها منذ أسبوعين فقط ،، بعد أن توفى والدها منذ شهرين ،، كانت قد تحمست وتأملت في شفاؤه بسبب تحسن حالته المزاجية بعد عودته مصر .
تلك البلد الجميلة التى وجدت فيها الأمان والإحتواء والدفء ، دفئاً لم تجده في شوارع ومدن إيطاليا كاملة ، هنا ترابط غريب منذ أن وطأت قدماها مصر وكأن أهلها يمسكون كفوف بعضهم ليشكلوا سوراً عالياً لا يقهر .
ولكن خالفهم القدر وفاجأهم بموت شفيق صباحاً في إحدى الأيام حيث ذهبت لتوقظه بعد أن أحضرت له فطوره لتطعمه ولكن طال نداؤها له فوضعت صينية الطعام واتجهت بخطى مهزوزة إليه بعد أن دقت طبول الخوف قلبها ولكن ما إن اقتربت منه وهزته حتى انسدلت يـ.ده متدلية فاقدة للروح .
صرخت صرخةً مصحوبة بندائها عليه وبكاءاً حاداً تبعه هروع آسيا ومايا إلى الغرفة .
ثلاثتهن يقفن عاجزات عن التصديق ، نعم يعلمن تدهور حالته ولكن أملهن في شفاؤه كان هو الحاجز لإستيعابهن ،، الأمر مؤلم وصعب ولكن لا مفر منه .
لذلك لم تتجاوزن حزﻧهن بسهولة ،، إلى الآن آسيا تشعر بالإنكسار والعجز وعدم الآمان ،، إلى الآن تستيقظ مفزوعة ظناً منها أنها مستهدفة ،، فقدت حـ.ضنه الذي يحتوي على آمان العالم لها ،، لذلك هي خائفة ،، ضاعت قوتها التى كان يوصيها بها ،، فقدانه يعد خسارة كبرى لسنين حياتها ولكنها راضية منتظرة لحظة وصولها إليه حيث تعتبر أنه سافر في رحلةٍ بعيدةٍ ،، عليها فقط أن تسعى لتنفيذ وصيته .
أما مايا فساءت حالتها النفسية ،، وبدلاً عن التعقل زاد تمردها وعنادها ،، تأثير موت شفيق عليها لم يكن تأثيراً إيجابياً ،، باتت تعارض وتقذف الكلمات وتسئ لشقيقتها ووالدتها ،، يبدو أنها احتمت في درع التمرد والعناد لتخبئ ضعفها وحزنها وانكسارها ،، يبدو أنها تعاني وهذا ما استشفته نارة لذلك فهي تحاول جاهدة أن تصاحبها وتصبر عليها ،، ولكن آسيا لم تكن في الحالة التى تسمح لها بتحملها ،، كانت تبكي وتعاتب ولكن هذا ما زاد الأمر إلا سوءاً .
وأما عن نارة فهى الوحيدة التى تدعي القوة والثبات ،، هي التى تتحمل عبء شقيقتها وحزن والدتها لتخرجهما من يمّ الحزن بسلام ،، هي التى تقود القارب بنفسٍ مجهدة وقلبٍ باكٍ كل ليلة ولكن عليها أن تصل ،، تبحر في وسط العزلة والخوف واليتم والألم دون رفيق يساعدها ومع ذلك فقد تعهدت أن لا تستسلم أبداً ، وهذا ما بدأت تلاحظه آسيا ، لذلك كان عليها أن تفعل شيئاً .
ولكن لرحمة الله ولأن دائماً يأتى اليسر مع العسر ، جاء الرفيق على هيئة فتاة خلوقة تدعى خديچة ، محجبة وتجاور فيلتهن حيث تعيش مع أسرتها الصغيرة المكونة من أمٍ وأبٍ وشقيق أصغر منها ،، ألتقت بها وهي تلقى بالمهملات خارج جدار الڤيلا عند صندوق القمامة في نفس الوقت التى خرچت خديچة لتلقي القمامة أيضاً ورأتها والقت عليها السلام فردت نارة بابتسامة هادئة فبادلتها خديچة بأخرى جميلة وبدأت الأسئلة معها .
منذ تلك اللحظة وقد باتت تتحدث معها عبر مواقع التواصل بعد أن أرسلت لها خديچة طلب صداقة .
أحبت نارة صداقتها خصوصاً أنها وجدت فيها الفتاة المتواضعة الناعمة والخجولة والغير متعصبة في الدين كغيرها ممن رؤوها بدون حجاب وحكمن عليها بالمظهر فقط .
لتبدأ رحلة صداقتهما سوياً وتبدأ خديچة في تقديم عرض مميز تعشقه نارة ألا وهو الذهاب للمكتبة التاريخية لقراءة واستعارة بعض الكتب القيمة .
وها هي خديچة تجلس على إحدى المقاعد أمام نارة في تلك المكتبة .
إنتهت لتوها من قراءة كتابها ووقفت تعيد مقعدها مكانه بهدوء ثم تحركت تضع الكتاب مكانه في وسط مجموعة لا تحصى من الكتب القيمة ثم تحركت تجاة نارة وانحنت إلى اذ نها تردف بهمـ.س :
– نارة أنا خلصت ،، هستناكى برا .
إنفصل التركيز عن نارة وتنبهت لصوتها فالتفتت تطالعها وابتسمت وتحدثت بنبرة لينة :
– دايماً بتقرئي بسرعة ،، أخر واحدة تبدأ وأول واحدة تخلص .
إبتسمت خديچة على هذا الإطراء والمدح بالنسبة لها ثم تحدثت بثقة وهدوء :
– المهم تكون المعلومة وصلت ،، يالا هستناكي برا بس متتأخريش عليا .
أومأت لها نارة وعادت تكمل قراءتها بينما غادرت خديجة صالة القراءة لتنتظرها في الخارج .
بعد دقائق خرجت نارة تبتسم حتى وصلت إليها ثم قالت بحرج :
– معلش بقى يا ديچا أنا تعباكي معايا ،، بس هانت إن شاءلله كلها كام يوم واشتري عربية .
زفرت خديچة متحدثة بعتاب محبب :
– ياستى هو أنا شيلاكي على را سي ؟ ،، وحدي الله يا نارو يا حبيبتى إحنا أخوات وعربيتنا واحدة ، يالا بقى نروح ؟
اومأت نارة وتحركتا الإثنتان باتجاه سيارة خديچة واستقلتاها وانطلقت خديچة عائدة إلى المنزل .
❈-❈-❈
في دار الأيتام
تجلس السيدة لبنى على مقعدها خلف المكتب وتقابلها آسيا التى أتت لتقابها .
بعد تبادل السلام وبعد أن علمت بموت شفيق من خلال الجريدة تحدثت لبنى بأسف وعزاء :
– البقاء لله في وفاة زو جك يا مدام آسيا .
أومات آسيا وتابعت حديثها التى أتت من أجله قائلة :
– ونعم بالله يا لبنى هانم ،، بصراحة أنا جيالك النهاردة علشان أعرف منك مكان الشاب اللى كان بييجي يزور نارة دايماً قبل ما نسافر ؟ ،، اللى هو كان إسمه عمر .
ضيقت لبنى عيـ.نيها وتساءلت بتعجب :
– تمام بس ليه عايزة تعرفي مكانه ؟
زفرت آسيا وتحدثت بحزن وملامح مجهدة :
– دي وصية شفيق الله يرحمه ،، هو طلب منى أدور عليه وأطلب منه لو يقبل يساعدني ،، المهم يكون قريب من البنات بس من غير ما نارة تعرف إن ده عمر ،، لإن أكيد هي مش فاكراه ولا فاكرة الملجأ وأنا مش حابة إنها تعرف لا هي ولا مايا أختها .
تنهدت لبنى بتعجب ثم شردت قليلاً وعادت تتساءل :
– غريبة إن شفيق بيه يطلب طلب زي ده قبل وفاته ،، مع إنه كان بيشتكي من تعلقه بنارة زمان ،، بس أنا ما عليا غير إني أوصلك بيه هو شخصياً وإنتِ تتكلمي معاه وتشوفي هو يوافق يساعدك أو لاء .
أومأت آسيا تردف بهدوء وثقة وامتنان بعد أن علمت حب لبنى الشديد لعمر وتعلقها به :
– أكيد ، تأكدي إني مش هضغط عليه أبداً ، شكراً ليكي .
انتبهتا لطرقات على باب المكتب فسمحت لبنى للطارق بالدخول .
فتح الباب وفجأة ظهر عمر يبتسم من خلفه وهو ينظر لـ لبنى التى أتى لرؤيتها ككل يوم قائلاً دون أن يتعرف على آسيا :
– أمي ،، عاملة إيه ؟
نظرت له متفاجئة ثم نظرت لآسيا التى تطالعه بصمت ثم عادت له وقالت :
– أهلا يا عمر أزيك ،، تعالى يا حبيبي ادخل .
دلف عمر يلقي السلام على آسيا التى نظرت متفاجئة للبنى تسألها بعينيها عنه فأومأت لها الأخرى تبتسم مؤكدة لها أن هذا هو إبنها عمر .
بينما جلس عمر يطالعها بتعمن ثم قال متسائلاً :
– حضرتك مشغولة ؟
هزت لبنى رأ سها وأردفت بترقب :
– كنا بنتكلم عنك ،، أنا وآسيا هانم .
ضيق عيـ.نيه وشرد للبعيد يفكر ثم اتسعت عينه وتحدث قائلاً بذهول وهو يشير عليها بسبابته :
– حضرتك والدة نارة ؟
أومأت له مبتسمة وقالت مصححة بهدوء :
– أيوة يا عمر أنا والدة ناردين ،، وجيت علشان أعرف مكانك ،، اللؤى نصيب فعلاً .
قطب جبـ.ينه متعجباً ثم تساءل بتوتر :
– خير يا فندم ؟ ،، هي نارة كويسة ؟
تنهدت تومئ ثم قالت بقلق خوفاً من رفضه لعرضها :
– هقولك يا عمر .
❈-❈-❈
في منزل سامح .
بقى الحال كما هو بين عفاف وزينب التى تحاول جاهدة تهدأة الأوضاع وعدم افتعال المشاكل بحكمتها وذكائها واستطاعت أن تتغاضى عن أموراً كثيرة لذا بات سامح يقدرها ويسترد هو حقها بطريقته الحنونة .
كانتا تقفا في المطبخ تحضران طعام الغداء كعادتهما حيث أن سامح قد غادر ليشتري بضاعةٍ لمحله . ( بقلم آية العربي)
رن هاتف زينب برقمِ والدها فالتقطت قطعة من مناديل المطبخ الورقية وجففت بها يـ.دها ثم تناولت هاتفها وفتحت تجيب بترقب :
– سلام عليكم ، أزيك يا بابا .
تحدث والدها بنبرة يشوبها الحزن :
– زينب ، ينفع تيجي دلوقتي يابنتى ، والدتك تعبت تاني .
انتابها القلق وتساءلت بتوتر :
– مالها ماما يا بابا ؟ ،، طمني حصلها مضاعفات تاني ؟ .
تحدث بهدوء كي لا تحزن :
– تعالي بس يا زينب ، متتأخريش .
أغلقت معه وتوغلها القلق ووقفت شاردة تفكر في حال والدتها لتتساءل عفاف بترقب :
– خير يا بنتي إيه اللي حصل ؟
تحدث بصوت متحشرج وعيون لامعة على وشك البكاء :
– ماما يا طنط شكلها تعبت تاني ، أنا مكنتش عايزة أسيبها بليل وأجي بس بابا قالي روحي .
ربتت عفاف على كتفها تهدأها ثم قالت بنبرة مطمئنة :
– متقلقيش هتبقى زي الفل ، طيب كلمي سامح استأذنيه وروحي شوفيها .
أومأت وضغطت رقم زو جها لتهاتفه ولكن وجدت هاتفه مغلق لذا تحدثت وهي تستعد للتحرك خارجاً :
– سامح تليفونه مقفول ، أنا هطلع ألبس وأروح يا طنط وخدي بالك من ريما .
تحركت لتوقفها عفاف وتتحدث بنبرة معترضة لا داعي لها :
– ميصحش يا بنتي تروحي من غير إذن جـ.وزك ، ده حتى حرام .
التفتت زينب تطالعها بتعجب ولم تجد كلمات تحالفها لترد لذلك تنفست بقوة علها تهدأ قليلاً ثم التفتت تغادر لتصعد شقتها بصمت ، هي الآن ليست في حالة تسمح لها بتقبل نصائح ليست في محلها .
أما عفاف فلم يروق لها الأمر ولكن التمـ.ست لها العذر نسبةً لحالتها واعتقدت أنها تلك المرة على صواب في ما قالته نسبةً لفهمها للشريعة الإسلامية .
❈-❈-❈
عادت نارة المنزل ودلفت فلم تجد أحداً سوى العاملة التى تساعدهن في شئون المنزل .
رحبت بها وصعدت لغرفتها الرائعة التى تعد مسكنها الآمن ،، كل شئٍ بها أختارته بحب عندما أتت ، الأثاث أبيض ووردي والأغراض بسيطة وراقية تبعث في النفس الراحة والهدوء
دلفت تضع أغراضها على الطاولة الدائرية التى تحمل مزهرية زجاجية داخـ.لها وروداً ملونة طبيعية تفوح منهما رائحةً طيبة .
تنهدت بقوة كأنها فقط تتنفس هنا ثم أتجهت إلى حمامها لتغتسل وعادت بعد دقائق ترتدي بيجامتها البيضاء تاركة خصلاتها النارية منسدلة كالشلال المموج على ظهرها ، تحمل دورق به مياة لتسقي ورودها التى زرعتها حول سياج شرفتها .
أزاحت الستائر وفتحت الباب الزجاجي ودلفت ولكن لاحظت عند قدميها وردة حمراء ملقية تبدو سقطت من السماء وملتصق بها ورقة .
تعجبت من ما تراه وذادت دقات قلبها لتقرع كالطبول بدهشة ووقفت متجمدة كأنها تقف على جليد القطب الشمالي ، تستوعب ما تراه أم هيّئَ لها .
انحنت تتلمـ.سها للتأكد أنها حقيقة ،، شهقت بخفة ثم اعتدلت تنظر لها ثم جالت المكان بأنظارها يميناً ويساراً تبحث عن فاعل فلم تجد أحداً .
رفعت الوردة لأنفها لتفوح منها رائحة التوليب الرائعة ،، تنهدت وفتحت عينيها بعد أن أغلقتهما ثم فتحت الورقة بيدٍ مرتعشة ومشاعر مفرطة لتجد فيها ما جعلها تجحظ وتشهق
جملة كتبت تلك المرة باللغة الإيطالية محتواها
( كنتُ أظنُ دوماً أن الشَمسَ تختفى فقط عِند سقوطِ المطر ،، ولم أكُن أعْلم أنها ستختَفي تماماً مع رحِيلكِ ) ( اشتقتُ لكِ )

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ثري العشق والقسوة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى