روايات

رواية مملكة سفيد الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم رحمة نبيل

رواية مملكة سفيد الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم رحمة نبيل

رواية مملكة سفيد الجزء السادس والثلاثون

رواية مملكة سفيد البارت السادس والثلاثون

رواية مملكة سفيد
رواية مملكة سفيد

رواية مملكة سفيد الحلقة السادسة والعشرون

صلوا على نبي الرحمة .
_______________________
نفس الوقفة ونفس نظرات الصدمة وعدم التصديق، نفس كل شيء يُعاد وكأن الزمن توقف عند تلك اللحظة وظل يعيد نفسه مرات ومرات .
لكن هل حقًا تتشابه المرتان ؟!
شتان بين مرة قضتها بقلبٍ وجل قلق انتهت بحرب وكارثة كبرى، ومرة تقضيها بقلبٍ مضطرب متلهف ستنتهي بانتمائها له هو، الرجل الوحيد الذي شعرت أنها لا تنتمي لسواه .
نظرت تبارك لنفسها في المرآة تتأمل ثوبها الابيض الذي أحضرته لأجلها كهرمان، لا تصدق ما تبصره، الأن فقط يمكنها القول إنها سعيدة، من اعماق قلبها سعيدة .
ابتسمت تبصر شريط حياتها منذ قابلت سالار يمر في المرآة امامها، منذ تلك اللحظة التي كانت تجلس في الاستقبال حتى تعود صديقتها وابصرت جسدًا يخيم عليها، وملامح صهباء مبهرة تطل أمام عيونها، ورجل ينظر لها بشكل لا تفهمه، ومن ثم أخرج من فمه اغرب جملة قد تسمعها في حياتها ..
” جلالة الملكة، بحثنا عنكِ في كل مكان حتى كدنا نفقد الأمل في العثور عليكِ، والآن وحينما علمنا من الكرة أنكِ بهذا العالم، جئنا على وجه السرعة لأخذك لملكنا ”
أطلقت تبارك ضحكات صاخبة غير مفهومة لمن حولها، وهي تشعر أن الزمن مر سريعًا منذ تلك الجملة الاولى منه وحتى الجملة الأخيرة له وهو يخبرها بشأن زواجهما، يا الله لا تصدق أنها ذلك الوقت كانت ستدفع أي شيء لتهرب منه، الآن هي على استعداد لدفع عمرها بالكامل لأجل كل ثانية جواره .
نظرت كهرمان صوب تبارك تبتسم وقد ادمعت عيونها بتأثر لتلك النظرات السعيدة في عيون تبارك، هي حتى الثانية السابقة كانت تشعر بالخوف مما يحدث حولها والتردد، لكن تلك النظرات في أعين تبارك جعلتها تتنفس الصعداء مبتسمة واخيرًا .
استدارت لها تبارك تقول ببسمة واسعة :
” كيف أبدو ؟؟”
ابتسمت لها كهرمان تجيبها بحنان شديد وكأنها تراقب ابنتها تُزف ورغم معرفتها القصيرة لتبارك، إلا أنها تدرك أي نوع من الأشخاص الأنقياء هي :
” وكأنكِ خُلقتي لتكوني عروس تبارك ”
اتسعت بسمة تبارك أكثر وكأن بسمتها يمكن أن تكون أكبر، فجأة سمع الاثنان صوت الحارس المخصص لغرفة تبارك والتي لم تتغير منذ جاءت يطلب الأذن بدخول بعض النساء لها .
أذنت له تبارك رغم أنها أخبرت الجميع أنها تستطيع تولي أمرها بمساعدة كهرمان فقط ..
فُتح الباب ليطل عليها برلنت التي كانت تسند زمرد والتي تسير بصعوبة كبيرة تقول بحنق :
” برلنت هل أنتِ حمقاء ؟؟ ابعدي يدك عن معدتي يا امرأة، يا ويلي لا ينقصك سوى أن تضغطي على جرحي مباشرة ”
زفرت برلنت وهي تبعد كفها قدر الإمكان عن جرحها تمسك بها بغيظ :
” أقسم إن سمعت منكِ كلمة تذمر واحدة إضافية سألقي بكِ ارضًا ”
اتسعت أعين كهرمان مما ترى :
” ما الذي جاء بكما هنا ؟!”
رفعت زمرد عيونها صوب كهرمان بحنق وغضب :
” ماذا ؟! تريدين حضور الزفاف وحدك، ونحن ملقيات على فراش المرضى في المشفى ؟! أنتِ حقيرة كهرمان ”
صُدمت كهرمان من كلمات زمرد تقول :
” ماذا قلت أنا ؟! أنا فقط متعجبة أنكم تركتم الفراش بهذه الحالة، يالله ستحضرون الزفاف بهذه الهيئة ؟!”
نظرت زمرد لنفسها إذ كانت ترتدي ثوب من اللون الاخضر الباهت مع بعض الاشغال اليدوية البيضاء فقد كان ثوبًا بسيطًا، لكنه جميل، ومن ثم نظرت لبرلنت التي ترتدي فستان من اللون الأزرق الباهر والذي اشتراه لها تميم سابقًا تقول بحنق :
” معها حق، بالله عليكِ برلنت ما هذا الثوب البشع الذي ترتدينة ؟!”
اتسعت أعين برلنت وهي تنظر صوب الثوب الذي ترتديه تصرخ بحنق :
” اياكِ، بل إياكم جميعًا أن يوجه أحدكم كلمة واحدة لثوبي العزيز والذي أحضره لي تميم بنفسه ”
” لهذا أخبرك أنه بشع، يا امرأة كيف ترتدين ثوب بذوق رجالي؟؟”
حدجتها برلنت محذرة إياها أن تتمادى، لكن زمرد لم تهتم، وهي تتحرك ببطء صوب الفراش كي تتمدد عليه وتريح جسدها قبل أن ينهار مطالبًا بالراحة .
وبرلنت تقف في منتصف الغرفة مصدومة من كلمات زمرد التي اصلحتها كهرمان بسرعة :
” يا ويلي ليس هذا ما قصدت حين أشرت لهيئتكما، كنت اقصد الشحوب والتعب الواضح على ملامحكما، وبرلنت لا تهتمي لكلمات زمرد هي تستفزك فقط، ثوبك في غاية الجمال والرقة، اتضح أن تميم يمتلك ذوقًا رفيعًا ”
ابتسمت برلنت بسمة واسعة وهي تستدر صوب تبارك تهم عليها بالمباركة والقبلات وتبعتها زمرد بذلك تهمس لها بلطف لا يناسب الشخصية التي تدعيها أمام الجميع :
” أنتِ تبدين في غاية الرقة تبارك، مبارك لكِ ”
” اشكرك حقًا زمرد، وجودك في عقد قرآني رغم جروحك يعني لي أكثر مما تظنين حقًا ”
ابتسمت لها زمرد بسمة واسعة وقد بدأت كهرمان تعود لعملها في تجهيز تبارك وهي تردد :
” حسنًا كفانا تلكئًا يا نساء ودعونا نكمل تجهيز العروس قبل أن يفرغ الجميع من صلاة الظهر ”
___________________
في المسجد الخاص بالقصر .
كان الجميع مصطف لأداء الصلاة بنفسٍ خاشعة مستقرة مطمئنة لجوار ربها، وبعدما فرغوا دار سالار بعيونه في المكان بأكمله يتأمل المصليين براحة شديدة، ثم خر ساجدًا لربه يشكر نعمه التي أنعم بها عليهم، وأن ابدلهم خوفهم امنًا .
فجأة شعر بيد تربت على كتفه :
” مرحبًا بالعريس ”
رفع سالار رأسه صوب المتحدث ليبصر آزار الذي استقبله بالاحضان والبسمات، يضمه له بحب شديد وهو يربت أعلى ظهره مرددًا :
” مبارك يا بني، الحمدلله الذي أحياني ليوم أراك به وقد كوّنت اسرتك ”
ضمه سالار بحب شديد يهمس بصوت خافت :
” خالي العزيز، اشكر وجودك اليوم جواري ”
” وكيف لي أن افوت يومًا كهذا اليوم، بالله لو كانت حربٌ لأجلتها لأجل زواجك”
ابتسم له سالار يبتعد قليلًا مرددًا :
” وأنا ما كنت لانعم بزواجي وأنت تُحيي حروبك ملك آزار، لشاركتك بها بروحي ”
ابتسم له آزار بتأثر يهمس من بين دموعها المتلألئة :
“عوضني الله بك عن بذرتي الفاسدة سالار، ادامك الله لي وقر عيني برؤية صغارك يا بني ”
ابتسم له سالار بحزن شاب نظراته وقد علم أن آزار ما يزال يستثقل ما فعل نزار، وهو يقدر كل ذلك، ففي النهاية هذا ولده الذي رباه واعتنى به، لذا قرر في نفسه الانتهاء من الزفاف، ومن ثم سيتدخل ليساعد خاله بكل ما يملك لتمر تلك الفترة الصعبة عليه .
أبصر سالار أرسلان الذي خطى للمسجد يخلع نعله، ثم وضعه في مكانه المخصص يتحرك صوب سالار مبتسمًا فاتحًا ذراعيه :
” لو أخبرني أحدهم أنك ستكون أول من يتزوج بنا، لكذبته وسخرت منه ”
أطلق سالار ضحكات صاخبة يستقبل احضان أرسلان بالمثل :
” العقبى لك أرسلان، عسى أن تجد من تجرك جرًا صوب الزواج يا اخي ”
ابتسم أرسلان يربت على ظهره متحدثًا بنبرة ممازحة :
” خسئت، لم تُولد بعد من تجر أرسلان صوب مصيرٍ لا يرتضيه، بل أنا وإن اردتها جررتها صوب ما ابتغيه”
ابتعد عنه سالار ضاحكًا :
” في النهاية النتيجة واحدة ”
هز أرسلان رأسه:
” ربما، لكن لا اعتقد أن هذا قريب ما يزال عليّ الانتهاء من الكثير من الأمور قبل التفكير والانشغال بذاتي ”
صمت يتنهد بصوت منخفض، ثم نظر حوله يقول :
” سأذهب لأرى أين هو إيفان واعود لك ”
هز سالار رأسه وقبل رحيل أرسلان تساءل :
” هل قضيت صلاة الظهر، إذا أردت يمكنك الصلاة بالغرفة الجانبية بعيدًا عن الضوضاء ”
” اقمتها بطريقي مع الرجال سالار ”
هز له سالار رأسه يراه يتحرك صوب إيفان يدرك في قرارة نفسه أنها مسألة وقت وتشتعل الحرب بينهما على الأميرة .
هز كتفيه ببسمة يتحرك غير مهتمًا لكل ذلك :
” الاهم أن يحدث هذا بعد عقد قرآني..”
نظر حوله يبحث عن أحدهم، حتى وقعت عيونه عليه ليقول بصوت عالي يرفع يده مناديًا ذلك الشخص :
” عم شهدان…”
توقف العريف والذي كان على وشك التحرك صوب شيخ المسجد للتحدث معه، ثم غير طريقه صوب سالار مبتسمًا:
” تبدو وسيمًا بهذا الثوب سالار ”
نظر سالار لنفسه إذ كان يرتدي ثياب من اللون البني الغامق، ثم رفع عيونه لشهدان يقول بجدية وبسمة :
” شكرًا لك يا عم، احتاجك في خدمة ”
نظر له العريف بفضول ليقترب منه سالار هامسًا ببعض الكلمات له في أذنه، وهو يشعر أنه لم يعد قادرًا على التحمل أكثر، ليحضروها وينتهوا من كل ذلك ..
_________________
كان إيفان يقف على أحد الجوانب يضم يده لصدره يراقب كل شيء حوله بأعين متفحصة منتظرًا بدء مراسم عقد القرآن، وفجاة سمع صوتًا جواره يهتف :
” مولاي .”
زفر إيفان بحنق مصطنع، ثم استدار لدانيار يقول :
” ماذا دانيار ؟! ”
ضغط دانيار على شفتيه بغضب شديد يمنع نفسه الرد القاسي لعدة أسباب أهمها أنه الملك وشقيقها والذي لا يصدق حتى الآن كيف نال تلك المكانة .
” كنت فقط أود التحدث معك بشأني أنا وزمر….”
” الأميرة زمرد دانيار، ولا تجمع أختي معك في جملة واحدة رجاءً، فهي امرأة غريبة عنك ولا يجوز لك أن تحل لنفسك ذكرها دون حدود بهذا الشكل ”
ضيق دانيار عيونه بسخرية وغضب شديد ولم يكد يتحدث كلمة حتى قال إيفان متعمدًا استفزازه :
” والآن أخبرني ما تريده من أختي لأن الزفاف سيبدأ ”
همس دانيار في نفسه بعدة سبات لا يعلم لمن يوجهها؟! لنفسه التي نبذت زمرد دون وعي وقد كان من الممكن الزواج منها قبل كل ذلك، ام يسب زمرد التي كانت في غاية سعادتها منذ ساعات حين واجه الملك، أم الملك نفسه الذي يلعب دور والد العروس ويعرقل كل محاولاته لها .
” مولاي أنت تعلم ما اريد من اختك، اريدها هي لتصبح زوجتي ”
نظر له إيفان ثواني قبل أن يقول بجدية :
” لا اعتقد أن الموقف والمكان مناسبين لمثل هذه الأحاديث دانيار، لكن اختصارًا لجهودك فأختي ليست فتاة عادية، ولا اقصد بهذا أنها أميرة أو غيره فأنا لا انظر لمثل تلك الأمور الغبية، وأنت في النهاية لست بمكانة متدنية، أنت بالفعل قائد الرماة، أي تمتلك مكانة كبيرة داخل القصر، لكن كل ما في الأمر …”
صمت ينظر لاعين دانيار الذي انتبه بكل حواسه له، ثم قال ببساطة شديدة وبكلمات ينهي بها هذا النقاش في الوقت الحالي :
” أختي أميرة لن ازوجها سوى لمن يحنو عليها، ويدللها كما ادللها أنا، وبما أنه لا يوجد أحدهم قد يحنو عليها مثلي أو يدللها كما أفعل، فلن تتزوج على أية حال، انتهى النقاش دانيار ”
ختم حديثه يتحرك بعيدًا عن دانيار الذي اتسعت عيونه وفغر فاهه بصدمة كبيرة مما سمع، وشعر بنيران تشتغل في صدره هامسًا لشدة غضبه :
” اللعنة عـ …استغفر الله العظيم، الآن صدقت أنها شقيقتك فلا أحد يستطيع إثارة جنوني كما تفعلون، ليخرجني الله سالمًا من بينكما ”
بينما إيفان تحرك في المسجد صوب سالار ليطمئن أن كل شيء يسير على ما يرام، لكنه خلال ذلك قابل أرسلان الذي أوقفه يقول بجدية :
” جيد أنني وجدتك قبل انشغالك إيفان، أردت فقط اعلامك أنني سآخذ كهرمان معي اليوم بعد نهاية عقد القرآن، هذا في حالة لم استطع اخبارك قبل رحيلي، للعلم فقط ”
نظر له إيفان بأعين متسعة وقلب مضطرب وكأنه لم يكن يعتقد أن هذا اليوم سيأتي أبدًا، وكأنه آمن أنها ستظل جواره للنهاية، ابتلع ريقه يرفع عيونه صوب أرسلان الذي كان يتحدث بكلمات مشوشة لم تصل له وكأنه كان يتحدث من على بعد أميال، فقط لا يرى سواها وهي تبتعد عن القصر تاركة إياه يتلمس أثرها بعد رحيلها..
نطق فجأة من بين أفكاره:
” لا ”
توقف أرسلان عن الحديث يقول بعدم فهم :
” لا ؟؟ لن تعطيني صفقة الأسلحة ؟!”
نظر له إيفان بأعين محتارة لا يفهم ما يقول :
” ماذا ؟؟ أسلحة ماذا ؟!”
” أنت ما الذي تقوله إيفان، هل أنت واعي لما قلت منذ ثواني ؟؟ كنت أخبرك أنني أريد شراء صفقة أسلحة لتمويل جيشي بها وأنت فجأة قلت لي لا، ما معنى لا هذه أيها القذر ؟!”
رمقه إيفان بحيرة لا يدرك ما يحدث حوله في اللحظة التي تقدم منهم دانيار يقول ببسمة متسعة وقد وصل له ما قيل :
” مرحبًا ملك أرسلان، أنرت سفيد بوجودك ”
ابتسم أرسلان يرحب بدانيار الذي رمى إيفان بنظرة جانبية يقول وقد أدرك سبب حالته فجأة :
” إذن سترحل مع الأميرة كهرمان ؟!”
” نعم أنا فقط تركتها لأجل البقاء مع رفيقتها المريضة، والآن عليها العودة لبلادها والاستقرار بها ”
اشتعلت أعين إيفان وازدادت سعادة دانيار بهذه النظرات وكأنه سعيد أن انكوى إيفان بنفس النيران التي اشعله بها منذ ثواني .
” خيرًا ما ستفعل ملك أرسلان، تصحبكم السلامة ”
نظر له إيفان بشر فابتسم دانيار يقول :
” هذا القائد يشير لي هناك ؟! اعذروني عليّ الرحيل”
تحرك مبتعدًا بينما عاد أرسلان لإيفان يقول بحاجب مرتفع وصوت جاد أجش :
” ستعطني الأسلحة أم لا إيفان ؟!”
نظر له إيفان وكم ود لو يخبره أن يأخذ أسلحته كلها ويترك له الأميرة …
_____________________
طرقات صغيرة على الباب أدت لانتفاضة جسد تبارك خاصة أنها كانت متحفزة بشكل كبير بعدما سمعت اصوات انتهاء الصلاة في الخارج .
تحركت كهرمان لفتح الباب فقابلت العريف الذي ابتسم لها يقول :
” مرحبًا بسمو الأميرة ”
نظرت له كهرمان ببسمة اختفت خلف لثامها ترحب به :
” مرحبًا بك أيها العريف ”
” إذن هل العروس جاهزة ؟؟”
نظرت له كهرمان بحيرة لثواني قبل أن تومأ بإيجاب :
” نعم هي كذلك في الداخل ”
تنحنح العريف يقول :
” إذن هل لكِ أن تناديها ؟! فأنا من سيقودها صوب زوجها ”
ورغم تعجب كهرمان إلا أنها تحركت للداخل صوب تبارك المرتعبة تقول بصوت حنون مساند :
” تبارك، هيا عزيزتي حان الوقت .”
انتفض جسد تبارك تقول بتوتر شديد :
” هل سالار بالخارج ؟!”
رمقتها زمرد بتعجب تقول :
” يا ويلي الفتاة مرتعبة، هل تُقاد لذبحها أم ماذا ؟؟ هل اجبرك ذلك الرجل على زواجه ؟؟”
نظرت لها تبارك برفض ولم تكد تتحدث حتى قاطعتهما كهرمان بتأفف :
” دعكِ منها تبارك واهدأي الأمر ابسط مما يكون سوف تتحركين صوب المسجد وهناك سيعقد الشيخ قرآنكما وانتهينا، ولا ليس سالار من بالخارج بل هو العريف من جاء لاخذك”
رددت تبارك وهي تتحرك صوب الباب بتعجب :
” العريف ؟؟”
ابتسم العريف حين رآها تطل عليه ليقول مبتسمًا :
” مرحبًا يا ابنتي، تبدين في غاية الجمال ”
رمقته تبارك بنظرات متعجبة، فمن أمامها ليس نفسه العريف الذي يمقت جميع البشر، بل يبدو انسانًا طبيعيًا، ثواني قبل أن تتلاشى تقضيبتها وتتحول لبسمة واسعة .
” شكرًا لك يا عم ”
اتسعت بسمة العريف بشكل جعل تبارك تتعجبها، فهي المرة الأولى لها التي تبصر بها هذه البسمة على وجه العريف، وهو تقدم منها يقول :
” الشخص الوحيد الذي يناديني عم هو سالار، والآن سأتقبلها منه، فأنتِ خليلته ونصفه الآخر في النهاية، صحيح ؟!”
ارتجف جسد تبارك جراء تلك الكلمات التي خرجت من العريف بتلقائية، وابتلعت ريقها تراه يقف جوارها على بُعد مناسب يشير للطريق قائلًا :
” هل تمنحيني شرف اصطحابك صوب المسجد وازفك بنفسي لولدي ؟!”
اتسعت أعين تبارك وشعرت بقلبها يرتجف وعيونها تمتلئ دموع دون شعور، تنظر صوب الفتيات وقد ابتسم الجميع لها بتشجيع، ابتلعت غصة استحكمت حلقها دون شعور تقول بصوت خافت :
” لي الشرف يا عم ”
ابتسم العريف يشير لها بالتحرك جواره، وبمجرد خروجهم من الجناح وجدوا صفين من النساء بسلات الزهور التي بدأت تتناثر فوق رأس تبارك والتي كانت تلتفت يمينًا ويسارًا بذهول لتسمع صوت العريف يقول :
” لم يستطع سالار أن يصنع لكِ زفة ملكية من الجنود وهو ليس بزوجك بعد، لذا اقترح عليه الملك فعل هذا و….”
صمت يقول بمزحة صغيرة :
” اعتقد أن إيفان يمتلك بعض الذوق في النهاية ”
ضحكت زمرد في الخلف وهي تسير مع الفتيات خلف تبارك والعريف، تغمز لكهرمان :
” نعم انت محق الملك يمتلك الكثير من الذوق، لكن البعض مصر على التعامي عن الأمر ”
اشتعلت وجنتي كهرمان تحدق في وجه زمرد بتعجب شديد، فهي بالأمس كانت تلعن بجميع الرجال واليوم تكاد تطلق اشعارًا في حق الملك .
وزمرد التقطت حيرتها تلك وقالت :
” سأخبركم بكل شيء بعد عقد القرآن، الآن لنهتم بتبارك فقط ”
وبالفعل سار الجميع خلف تبارك والتي كانت تشعر أنها تعيش أحلام اليقظة الخاصة بها، بل إن الواقع تجاوز بكثير أحلامها، فمتى رأت هي أحلامًا بهذه الروعة إذا استثنينا أحلامها بسالار، فنعم هذا اجمل من جميع احلام يقظتها وتخيلاتها ليوم زفاف .
كانت أقصى أحلامها أن تنال فارسًا يصنع لها زفاف صغير بينهما بعيدًا عن نساء حارتها والتي لم تكن لتسلم لسانهم حتى يوم زفافها .
في هذه اللحظة وصلت تبارك للساحة أمام المسجد، تحركت بقلب وجل صوب الداخل تتذكر الآن فقط ما شعرت به برلنت وهي تحاول طمئنتها .
وبمجرد أن رأته يقف يتوسط الجميع في المسجد حيث افرغوا لهم المكان بأكمله واختفت النساء خلف الستار شعرت بقلبها يسقط في قدمها وهي تدرك في هذه اللحظة، أنها لم تنل فارس أحلامها المعهود …
بل نالت قائد جميع الفرسان .
ابتسم لها سالار بسمة حنونة لطيفة وهو يشعر أن خطواتها تلك، تخطوها فوق قلبه، رفع عيونه ببطء لها يحاول التنفس بشكل طبيعي، يحاول الاحتفاظ بصورته المعهودة أمام الجميع، حاول وحاول حتى أدرك أنه فشل، فابعد عيونه ببطء عنها صوب الجميع يبتسم لهم يتلقى بسمتهم بطيب نفس، ونظرات إيفان له كانت تعني له الكثير، فقد كان يبدو كمن يشاهد زفاف ولده ..
وفي نفسه كان سالار يدين بسعادته هذه لله ومن ثم إيفان الذي غفر له كل شيء، بل وسارع لمساعدته حتى ولو على حساب نفسه، وهذا يذكره أنه يدين بالكثير لإيفان.
تحرك واخيرًا بعيونه عن العالم حوله صوب عالمه الخاص الذي توقف واخيرًا أمامه برأس منخفضة، ابتسم ولم يتحدث بكلمة حين بدأ صوت الشيخ يصدح لينتبه له الجميع وهو هز رأسه بتحية صغيرة يتركها تتحرك مع النساء خلف الستار، ثم تحرك ليجلس مع الرجال ليتم عقد القرآن..
تحرك العريف يقول بصوت هادئ ردًا على تسائل الشيخ :
” أنا وكيل العروس يا شيخ ..”
وتحرك آزار ليساند ابن شقيقته وكذلك أرسلان وإيفان وتميم ودانيار ومهيار، تحرك الجميع صوب سالار الذي جلس على ركبتيه ارضًا أمام العريف والذي كان يعيش في هذه اللحظة اسعد لحظات حياته .
بدأت كلمات الشيخ تعلو في المسجد حول الزواج وخطبته المعهود، وتبارك تجلس خلف الستار تسمع نفس الكلمات التي ترددت منذ يوم فقط، لكن في هذه اللحظة كانت تشعر بها تلامس قلبها من الداخل، دقائق حتى بدأ الشيخ يبدأ مراسم عقد القرآن وحين بدأ صوت سالار الاجش والذي كان قديمًا يخيفها، يصدح في المكان بكلمات ستربطهما البقية من عمرهما شعرت بنبضات صدرها تنتفض على وقع كلماته حتى وجدت العريف يقترب منها مع أرسلان وإيفان يسألونها الموافقة .
وهي ما استطاعت سوى نطق كلمة خافتة تنظر ارضًا بخجل شديد :
” موافقة ”
ومن بعد هذه الكلمة اختفى الجميع مجددًا واختفت جميع الاصوات من أذن تبارك عدا صوت ضربات قلبها المرتفعة، وصوت الشيخ الذي أعلنها أمام الجميع :
” بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير ”
وبعد هذه الكلمات لم تسمع تبارك سوى صوت المباركات حولها ولم ترى سوى كهرمان التي سحبتها بهدوء شديد لا تدري إلى أين، لكنها سارت خلفها تتقبل التهاني ببسمة واسعة، ترى الجميع ينظر لها بسعادة وحب، نظرات كانت تحتاجها أكثر من أي شيء في حياتها .
وبعد خطوات لا تدري عددها وجدت تبارك نفسها في إحدى الغرف التي لا تدرك هويتها ولم تمر ثواني حتى سمعت صوت الباب يُفتح وهو يطل عليها بهيئته التي سحرتها طوال الوقت، يتقدم منها خطوات جعلتها تشعر أنها ستنهار إن اقترب خطوة إضافية .
وسالار وكأنه تفهم نظراتها تلك فتوقف مبتسمًا يقول بصوت منخفض :
” مرحبًا مولاتي ”
وصوته في هذه اللحظة كان أقرب ما يكون لاحلامها، بل هذا المشهد بأكمله وهذه النظرات والبسمات وكأنها تحيا أحلامها..
” أنت… أنت..هل أنا مازلت احلم ؟!”
رفع سالار حاجبه بتعجب لتهمس دون وعي :
” أنت كما …..تمامًا كما كنت في أحلامي”
اتسعت أعين سالار بصدمة كبيرة لهذه الكلمات قبل أن تتلاشى الصدمة ويحل الإدراك ويتذكر كلمات جارتها تلك عن رجل أحلامها وكلماتها هي سابقًا، فابتسم دون وعي يهمس لها بصوت جعلها ترتجف مستوعبة ما قالت :
” يسعدني الآن معرفة أن زائر احلام امرأتي لم يكن غريبًا عنها، بل كان أنا….”
_______________________
انفض الجميع عن المسجد وذهب كلٌ لعمله سعيد مبتهج بهذه الأحداث التي تدور في المملكة بعد حربٍ كادت تودي بالجميع ..
وهناك حيث كان يتوسط طاولة الاجتماعات مع الجميع عدا سالار بالطبع والذي استثناه هذا اليوم من مهامه، سمع إيفان صوت الحارس يعلن وصول الملك بارق ..
تقدم بارق من الجميع ببسمته المعهودة ونظرات هادئة :
” مرحبًا بالجميع، إنه لمن السار رؤيتكم هكذا دون قتال كعادتكم”
أطلق آزار ضحكات مرتفعة يقول :
” ربما لأن الشخص الذي كان يشعل الشجارات كل مرة مشغول الآن مع عروسه ”
هز بارق رأسه يجلس على مقعده الذي تركه إيفان فارغًا لأجله :
” نعم وبخصوص هذا، مبارك لسالار واعتذر أنني تأخرت، لكن ابنتي كانت مريضة بعض الشيء واضطررت للبقاء جوارها حتى اطمئن ”
ردد أرسلان بصوت خافت مؤازر :
” شفاها الله وغفاها ملك بارق، عسى ألا يريك الله سوءًا في أحبتك ”
” اشكرك أرسلان ولك بالمثل إن شاء الله ”
ابتسم إيفان لحالة الود تلك يقول :
” إذن بما أن الجميع هنا في هذه اللحظة، دعوني ابدأ حديثي بشكركم لتكبدكم عناء المجيء لمملكتي وتشريفكم لي بالحضور ”
صمت ينظر في الوجوه ثم استرسل في حديثه :
” لكن الأمر جد مهم ليعلمه الجميع ”
انتبهت جميع الحوار ودار إيفان بعيونه بين رجاله والعريف وجميع من حضر من طرفه يقول :
” تميم ارسل أوامره بالفعل لتكثيف العمل في مصانع الاسلحة، وسنرسل لارسلان وجميع الممالك ما يكفيهم من الأسلحة بعدما أُستهلكت القديمة في الحرب بالفعل، أما فيما يخص الحرب الأخيرة فلا اعتقد أن هناك حديث يُقال بشأنها وقد وفقنا الله بها، لكن …”
صمت يتنفس بصوت مرتفع ليقاطع أرسلان ما يود قوله هو ويضيف :
” بافل …”
ابتسم له إيفان وقد كان سعيدًا أن أرسلان أدرك ما يريد دون الحاجة للحديث :
” بالضبط، بافل هذا الحقير ما يزال حيًا وأكاد أجزم أنه لن يصمت عما حدث له ولقومه في المعركة الأخيرة وسيعود، والخوف كل الخوف أن يعود دون شعورٍ منا، لذا نحن لن نرخي دفاعاتنا البتة وسنظل في حالة تحفز ليل نهار حتى نتخلص منه ونتأكد أنه لم يعد موجودًا ”
اشتعلت أعين أرسلان بقوة يهمس من أسفل أسنانه :
” ومن أخبرك أنه قد يهنأ لي بالٌ أو يرف لي جفنٌ وهذا القذر حيٌ يرزق؟! لقد دمر بلادي وقتل أبناء شعبي وخرب حياة الاحياء منهم و…قتل أمي وجميع نساء العائلة، ولولا فضل الله عليّ وتلك الفتاة التي ساعدت كهرمان لكنت فقدت اخر من تبقى لي من عائلتي ”
ارتجف جسد إيفان لثانية يبتلع ريقه لهذه الخاطرة البشعة التي مرت به، لولا رحمة الله به لكان عاش هائمًا المتبقي من عمره يبحث عن نصفه المفقود دون أن يعي أنه بالفعل خسره .
انتفض على هذه الخاطرة وهو يسمع صوت أرسلان يقول :
” اقسم أنني لن اصمت حتى أحضره أسفل أقدامي، سأريه من جحيمي ألوانًا لذلك القذر ”
ختم حديثه يضرب الطاولة بشدة، حتى أن إيفان ظن أنها تحطمت، لولا أنه لم يبصر شقوقها بعيونه .
تنهد يقول :
” نجده ثم نرى من سيتخلص منه، فأنا كذلك امتلك ثأري الخاص معه ”
نظر له أرسلان بغضب ورفض أن يشاركه أحدهم ثأره، قبل أن يقول مقترحًا :
” نقسمه بيننا ”
رمقه إيفان ثواني يبحث عن لمحة مزاح تعلو وجهه، لكنه كان جادًا بشكل مرعب جعل إيفان يطلق ضحكات صاخبة :
” يا الله أنت حقًا مختل ”
تنهد بصوت مرتفع ثم مسح وجهه يقول وهو يوجه حديثه لبارق تحديدًا :
” حسنًا سنعتمد فكرة تقسيمه حتى نجده، والآن الجزء الآخر من الاجتماع ”
شعر بارق من نظرات إيفان أن هناك شيء لن يعجبه سيحدث، وقد كان .
” الملكة شهرزاد ”
اشتدت ملامح بارق التي كانت طوال الوقت هادئة، واستحال لون وجهه للأحمر حين سمع اسمها .
انتبه آزار لنظراته تلك يقول بصوت هامس في أذن أرسلان :
” يا ويلي تلك الحرباء هي الشخص الوحيد الذي يستطيع اخراج بارق عن طور هدوءه ”
ابتسم ارسلان يردد بصوت خافت :
” النقطة السوداء في صفحة بارق ناصعة البياض ”
تنفس بارق بصوت مرتفع يقول دون أن يبتسم كعادته :
” ما الذي فعلته هذه المرة ؟!”
نظر له إيفان ثواني لا يدرك أيجب قول ما يريده أمام الجميع هكذا ؟! لكن ما سيقوله مهم للجميع، وسيمهد لهم قراره التالي :
” لقد …لقد قتلت والدتي وأنا اطالبك الآن بالتخلي عن حماية سبز لها لاسقط عقابًا في حقها ”
كلمات كثيرة نطق بها إيفان على مسامع الجميع والتي علت الحيرة رؤوسهم دون فهم لما يُقال والجميع ينتظر تفسير لتلك الكلمات الغامضة، عدا العريف الذي ضم كفيه يتابع ما يحدث بهدوء ينتظر نهاية هذا الحديث .
وبارق انتفض عن الطاولة يصرخ بعدم فهم :
” ماذا قلت أنت ؟! قتلت من ؟! إيفان هل تمزح معي ؟! تتهم والدتك بقتل والدتك !! أي عقل هذا الذي تتحدث به أنت ؟!”
انتفض إيفان في المقابل يتحدث بكلمات هادئة رغم الغضب الكامن بها، لكنه لا يريد أن يجابه الملك بارق والذي يدرك أن هذه المرأة في النهاية من عائلته، وحسب قوانين الممالك لا يمكن أخذ قرار في حق مواطن من مملكة أخرى إلا بعد أن ترفع المملكة الأخرى حمايتها عنه وتتركه لصالح المملكة التي أساء لها وهي من تعاقبه، وشهرزاد ليست مواطن عادي في سبز، بل أميرة من الأسرة الحاكمة .
” هذه المرأة ليست والدتي ولا يشرفني أن أحمل اسمها بأي شكل من الأشكال ”
اشتعلت الأعين بالجهل وبارق نظر حوله بوجه احمر وقد اتقدت عيونه يحاول أن يهدأ :
” أنت لا تحسن الأمور بتحدثك هكذا وبهذه الالغاز إيفان، تحدث بشكل مباشر كي لا يتولى الشيطان الأمور في عقلي ”
تنهد إيفان يقول بصوت جامد وكأن لا مشاعر به :
” ابنة عمك ليست والدتي ملك بارق، بل كانت الملكة آمنة رحمة الله عليها ”
اعتدل أرسلان في جلسته وقد تحفز جسده لما يسمع بينما عم صمت قاتل على الجميع وبارق يحاول معرفة ما يقصد إيفان، والذي ابتسم يكمل دون الحاجة لطلب أحدهم لذلك :
” الأميرة شهرزاد هي من استبدلت ابنتها الرضيعة بي حين ولدتني أمي، وادعت أنها أمي، وهي نفسها من دبرت للهجوم الذي قُتلت به أمي وأختي من أبي وكاد أبي يُقتل به، كل ذلك لتتخلص من آخر شيء يربطني بوالدتي ”
اتسعت أعين بارق وهو لا يصدق مقدار الحقارة الذي وصلت لها ابنة عمه، يهمس بملامح مصدومة :
” أنت… أنت هل …هل أنت متأكد مما تقول ؟!”
هز رأسه يضيف ببسمة كارهة مشمئزة :
” ليس ذلك فقط بل تحالفها مع المنبوذين ذلك الوقت ودخولهم للملكة أتاح لهم الهجوم على كوخ الأمير جوبان وقتله هو وزوجته، ولولا رحمة الله لكان الأمير سالار ضحية لهم، أي أنها بشكل غير مباشر تسببت في مقتل فردين آخرين غير والدتي وأختي وأخي الجنين الذي رحل مع والدتي ”
انهار بارق على المقعد يحاول ابتلاع كل تلك الصدمات، هو سبق وتبرأ منها، لكنها في النهاية كانت وصية عمه له، ولولا أنه ولرحمة الله به لم يكن نوعها المفضل من الرجال لكانت أصبحت زوجته هو، الحمدلله أن أبعدها عنه، لكن ما ذنب الملك تقي الدين ليقع في شرك تلك الشيطانة ؟؟
‘ أنا لا ..لا أصدق أن الحقارة وصلت بها لهذه الدرجة، يا الله هذه المرأة…مخيفة بحق، أنت كيف سمحت لها بالعيش كل ذلك الوقت تحت سقف القصر هنا ؟؟:”
تنفس إيفان بصوت مرتفع :
” للاسف منذ معرفتي بالأمر كنت احاول الإيقاع بها، لكنها كانت حقيرة لدرجة أن أخفت كل الأدلة التي يمكنني إدانتها بها أمام الجميع، لقد أغلقت في وجهي جميع الحجج التي تسمح لي بمعاقبتها، لا استطيع الوقوف أمام شعبي وتوجيه اتهامات فارغة دون دليل، فهي لن تصمت وسترد كلمتي بعشرة ولن استفاد سوى أنها ستصبح أكثر حذرًا ”
تحدث أرسلان بصوت غاضب يضرب الطاولة وكأن الغدر اصابه هو لا إيفان :
” بالله عليك إيفان، دع التعقل جانبًا، بالله لو كنت أنا لاخذت قصاصي منها بأسوء الطرق التي قد تطرأ على رأس إنسان ”
نظر له إيفان بأعين شبه ميتة :
” لكلٍ طريقته في الانتقام أرسلان ”
همس بارق بصوت يحمل خزيًا وعارًا لارتباط تلك المرأة به ولو بالاسم :
” إذن ما الذي جعلك تغير رأيك وتخبرنا بكل ذلك بعد هذه الفترة ؟!”
وكانت الإجابة من إيفان كلمة واحدة :
” أمي آمنة ”
نظر له الجميع بجهل ليوضح لهم بصوت خافت مكسور :
” لقد اكتشفت أنها كانت طوال هذه الوقت حية وتُعذب و…اكتشفت أن لي أخت من أمي نالها من العذاب ما يطيح بالجبال وكل ذلك بسبب تلك القذرة التي تسمى نفسها ظلمًا ملكة أم، لذا قصاصي من شهرزاد سيبدأ…”
____________________
لا السيف يفعلُ بي ما أنت فاعلهٌ
ولا لقاءُ عدوّي مثل لُقياك
لو باتَ سهمٌ من الاعداءِ في كَبدي
ما نالَ مِنَيَ ما نالتْه عيناك…..
«المتنبي»
تراجعت تبارك للخلف بصدمة كبيرة تضع يدها على فمه تحاول إدراك ما تحدثت به، كيف خرج كل ذلك من فمها، ابتلعت ريقها تقول بصوت منخفض :
” أنا لم … أنا فقط ..”
صمتت ولم تجد ما تقوله بعدما اوقعها لسانها في هذا الموقف وسالار ابتسم يقترب منها ببطء للتراجع هي الخطوات السابقة بالمثل وقد نسيت للحظات أنها الآن تقف أمام زوجها ..
” توقفي عن العودة للخلف ”
توقفت تبارك بالفعل وكأنها كانت تنتظر أمره، ليضحك عليها سالار ضحكة قصيرة يقترب منها خطوات إضافية تقربه من حلمه المستحيل الذي تحقق .
” تبدين … في غاية الـ …”
توقف عن الحديث مجددًا وكأنه يعاني مشاكل في اختيار كلماته، قبل أن يبتسم قائلًا ببساطة :
” تبدين تبارك ..”
رفرفت تبارك برموشها تحاول فهم ما يقصد، وقد تلاشى فجأة الخجل الذي كان يحيطها تقول :
” معذرة ؟! ما الذي تقصده بأنني أبدو تبارك ؟؟ وهل كنت أبدو لك سابقًا العريف !!”
حدث بها سالار ثواني قبل أن ينفجر في الضحك بصوت مرتفع جعلها تبتسم دون شعور منها وهو حاول التحدث، لكن بالنظر مجددًا لوجهها المبتسم بشرود وسعادة جعل ضحكاته تزداد وهو يقترب منها يمسك بيدها وقبل أن تفهم ما يحدث جذبها سالار لاحضانه يردد بعد هدوءه من تلك الموجة التي أصابته :
” أنا فقط لا أجد تصنيفًا للجمال افضل منكِ، لذلك أنتِ تبدين تبارك ”
صمت يضمها أكثر هامسًا، دون انتباهه لصدمتها من جملته :
” مرحبًا بكِ في مملكتك مولاي ”
ارتعش جسد تبارك لثواني قبل أن تستكين بين أحضانه هامسة:
” أنا لست ملكـ …”
” ربما لستِ ملكة في سفيد، لكنكِ كذلك في قلبي ”
ختم حديثه يطبع قبلة صغيرة أعلى وجنتها جعلتها تنتفض للخلف وهو ابتسم لها بحنان يمد يده لها مجددًا يدعوها للعودة إلى أحضانه، وهي نظرت له بصدمة :
” أنا آسفة، فقط شعرت بالـ ..”
قاطعها مجددًا :
” اقتربي تبارك، هل ما تزالين تخشيني ؟؟”
نظرت تبارك ليده، ومن ثم لعيونه قبل أن تمسك يده تطيل النظر به هامسة دون وعي :
” ربما كنت أفعل في البداية، فما احتمال أن يقفز رجل ضخم ذو خصلات حمراء وبأعين خضراء ووجه وسيم أمام عيونك في حياتك المملة البائسة يخبرك أن الجميع ينتظرونك في المملكة ؟؟”
ابتسم سالار يقول بصوت حنون :
” ربما حينها كنت اقصد بالجميع، أنا وقلبي ”
نظرت تبارك لعيونه لا تصدق أن من ينطق تلك الكلمات هو نفسه سالار، يالله ذلك الرجل كان جبلًا لا يخفض عيونه ولا يتحرك ولا يبتسم، كان جامدًا بشكل غريب، وإن تحدث كان حديثه مقتضبًا وبشدة .
” لكن لا اعتقد أن الأمر أصبح كما السابق، فإن كان البقاء جوارك مرعبًا بالأمس، فاليوم الرعب الحقيقي هو غيابك عن ناظري ”
تأوه سالار وهو يبتسم لها، يرفع يده بتردد وكأنه لم يستوعب بعد أن كل ذلك أضحى حقه، يتلمس وجنتها بحنان :
” يبدو أنني لست الوحيد الذي تحول هنا، ها أنتِ تخرجين كلمات ما ظننت يومًا أنني قد اسمعها منك”
” صدقني مهما وصلت غرابة كلماتي لك، لن تصل لمقدار غرابة الكلمات التي كنت اسمعها منك في احلامي لاستيقظ على واقعك وأنت تصرخ في وجهي ”
شعر سالار بالفضول يملئه وبشدة :
” ما الذي كنت أفعله بالضبط في احلامك ؟!”
ابتسمت تبارك وقالت بصوت منخفض وخجل جعل سالار يرمقها بأعين متسعة مترقبة :
” ربما لاحقًا أخبرك بالأمر ”
نظر سالار حوله ثم ابتسم لها :
” لا بأس لدي حياة بأكملها لاحياها رفقتك ”
شعرت تبارك أن تلك الكلمات تسقط على قلبها وقع الموسيقى وكم أسعدها أن تسمع هذا منه، وهو نظر لعيونها ثواني قبل أن يبتعد خطوات قليلة يخرج سيفه من غمده بشكل فاجئ تبارك، ثم رأته يطيل النظر لها قبل أن يجلس على ركبته أمامها بشكل جعلها ترمقه بحيرة وهو فقط رفع سيفه لها يقول بكلمات بسيطة ونظرات صادقة :
” تستحقينه وعن جدارة مولاتي ”
هل سمعتم يومًا أو شعرتم أن موجة كهرباء أصابت جسدك بالكامل، لأن هذا ما تشعره تبارك في هذه اللحظة وهي تنظر لاعين ذلك الرجل الذي ما انحنى لاعتى العواصف يومًا، والآن يجلس على ركبتيه يقدم لها سيفه الخاص الذي خاض به كل حروبه …
في هذه اللحظة شعرت أن موجة ذكريات اجتاحتها واعادت لها ذكرى بعيدة عن العقل، قريبة من القلب حين كانوا في طريقهم للمملكة، حين كانوا في بداية الحكاية .
” وأنت بتنتصر في حروبك ؟!”
توقف سالار ونظر لها ببسمة صغيرة يقول بثقة كبيرة وفخر أكبر بذاته وما حققه وهو بالكاد بلغ الثالثة والثلاثين من عمره :
” لم أخسر حربًا في سنوات عمري الثالثة والثلاثين”
” ولا واحدة ؟؟”
” ولا واحدة”
نظرت لعيونه بقوة، ثم همست دون وعي تفكر في عقلية ذلك الرجل الذي يستطيع خوض حروبًا ضارية في ظروف قاتلة دون خسارة واحدة حتى :
” ولو حصل وخسرت في يوم حرب، هيحصل ايه ؟؟ يعني ممكن تعيدوا الحرب تاني ولا كده خلاص ؟؟”
حدق بها سالار ثواني قبل أن يطلق ضحكات صاخبة جعلت أعين تبارك تتسع فهذه هي المرة الأولى التي تراه يضحك بهذه الطريقة، هو فقط كان يمن عليها ببسمات محسوبة جامدة أو ساخرة ..
” حسنًا، لا يوجد شيء يُسمى إعادة حرب، هي ليست باللعبة، لكن إن حدث وخسرت حربًا …”
نظر لعيونها بجدية وقال :
” سأقف بكل شجاعة أمام عدوي وانظر لعيونه و أحييه على مهاراته العالية التي حطمت عزيمتي، سأمنحه سيفي والذي هو شرفي وكبريائي وأخبره أنه كان الأول الذي هزمني، ثم انهض واحارب مرة أخرى، أنا رجل واواجه خسارتي بكل جسارة ولا يضيرني هزيمة مفردة، فبعده نصر بأمر الله سبحانه وتعالى ”
التمعت أعين تبارك بالدموع ليهمس هو لها ببسمة واسعة معيدًا إياها لواقعها :
” فعلتيها وهزمتيني مرات عديدة، فعلتِ ما خسر به أعتى الرجال، نجحتي فيما فشلت به اقسى الحروب، والغريب أنني سعيد بهذه الخسارة إن كان الفائز بها أنتِ، لذا هذا سيفي لكِ، احتفظي به ذكرى فوزك لأنني لن أسمح لكِ بالفوز على قلبي مرة ثانية، يكفيني خيانة واحدة من جسدي ”
همست تبارك وهي تجلس ارضًا مقابله ترفض أن يظل هو منحنيًا ارضًا وهي تقف أمامه :
” سالار ..”
ابتسم لها يهمس :
” نعم ها هي خسارتي تتجدد ولم أكد اقطع وعدًا بالصمود أمامك منذ ثواني ”
صمت ينظر لعيونها هامسًا :
” ما هُزمت يومًا في حربٍ، سوى في تلك التي خضتها أمام عيونك، لطالما كان عقلي قائدًا مخضرمًا لجسدي، لكن العجب كل العجب أنه وحينما بدأت المعركة ضدك ألقى السلاح وانقلب عليّ محرضًا باقي جسدي للانحياز لكِ، وفي النهاية … ألقيت سيوفي، أسقط على ركبتيّ اعزلًا أمام عيونك ارتجي منهم رحمة .”
هنا ولم تتمكن تبارك من التحمل، إذ ألقت بجسدها بين أحضانه، وللمرة الأولى تكون هي المبادرة بالاقتراب منه تهمس له :
” كفاك الله شر الهزيمة يا قائد وإن كانت على يدي، فأنا اتخلى عن مكسبي وارتضي بخسارتي لاجلك ”
ابتسم سالار يضمها له وقد كانت هذه اللحظات أكثر مما تخيل سابقًا، هذا أكثر مما قد يتحمل، يا الله رجل عاش حياته منعزلًا الجميع والنساء، وحين يسقط لامرأة يسقط لسيدة النساء في عيونه …
فاز في حروب السيوف، وخسر في حروب القلوب، كان هذا عادلًا بما يكفي له .
رجل وما استسلمْتُ قَبلُ لفارسٍ
مالي أمام عيونها مستسلِمُ !؟
أأعودُ منتصِرا بكل معاركي
وأمام عَيْنيها البريئة أُهْزَمُ !؟
أنا شاعرٌ ما أسعفتْه حروفه
الحبُّ من لغة المشاعر أعظمُ
لي ألف بيتٍ بالفصيح أجدْتُها
لكنني في حبها أتلعثمُ !
«امرؤ القيس »
__________________________
خرج الجميع من غرفة الاجتماعات بوجوه واجمة وملامح غامضة تخفي الكثير خلفها، تحرك إيفان بهدوء شديد صوب غرفته وخلفه أرسلان الذي أراد الحديث معه ليطمئن فقط أنه بخير بسبب كل ما علم منذ ثواني، يشعر بالذنب أنه كان بعيدًا الفترة السابقة عن رفيقه حتى لو كان ذلك البعد دون إرادته .
تحرك خلفه ولم يكد الإثنان يصلا لغرفة إيفان حتى توقفا على صوت شهرزاد الذي ارتفع في المكان بصوت أخرجته طبيعيًا حنونًا مما جذب دهشة أرسلان وهو يستدير ببطء صوبها يهمس بصوت وصل واضحًا لإيفان:
” لكم لون تستطيع تلك الحرباء التلون !!”
أجابه إيفان بصوت منخفض :
” سيدهشك العدد حقًا ”
وحينما توقفت شهرزاد أمامهما قال إيفان ببسمة صغيرة :
” مولاتي …”
” مرحبًا بني اشتقت لك، ألم تفعل ؟!”
” وكيف لا أفعل مولاتي؟! لقد كدت أموت اشتياقًا لأمي بالطبع، لكنها الحياة كما تعلمين ”
نظرت له شهرزاد ليقول هو وقد برع في إخراج كلمات برسائل مختلطة :
” إذن كيف حالك، وكيف قضيتي الفترة السابقة في منزل الجبل ؟؟ اتمنى ألا يكون أحدهم قد ازعجك”
رمت شهرزاد نظرة جانبية صوب أرسلان تقول بصوت منخفض جاد ورسمي للغاية :
” مرحبًا ملك أرسلان”
هز أرسلان رأسه هزة بسيطة ولم يزعج نفسه بالرد عليها قائلًا :
” سأذهب لاخبر كهرمان أن تتجهز لحين تنتهي إيفان، بالاذن منك ”
ختم حديثه يتجاهل وجود شهرزاد بالكامل وهي فقط حدقت في ظهره بغضب متمتمة بضيق شديد :
” أنا حقًا لا اطيقه لهذا الشاب، أخبرتك مئات المرات منذ طفولتك ألا تصادقه، هو حقًا غليظ فظ لا يبتسم، يا الله لا اصدق أنني سأقول هذا، لكنه متجبر أكثر من والدك ”
رفع إيفان حاجبه يقول مدافعًا عن الاثنين :
” لا أبي كان متجبرًا ولا حتى أرسلان كذلك، الأمر يعتمد على مع من يتعاملان ”
نظرت له بعدم فهم :
” ما الذي تقصده ؟! أن والدك وهذا الشاب يتعمدان التعامل معي بهذا الأسلوب الصخري المستفز !! ولماذا يا ترى ما الذي فعلته لهما ؟!”
” لا شيء مولاتي، أخبريني فقط ما الذي تحتاجينه مني حتى اعود لارسلان ”
تنهدت شهرزاد بصوت مرتفع تنظر حولها بحنق :
” ليس هنا إيفان، الحق بي لغرفتي كي نتحدث بشكل لائق ”
أنهت جملتها تتحرك مبتعدة عنه، مفترضة أنه سيلحق بها للحديث، لكن إيفان لم يبرح مكانه يقول بتأفف حاول قد الإمكان كتمه عنها :
” عفواً مولاتي لكنني لستُ متفرغًا في الوقت الحالي، لذا لِمَ لا نختصر كل ذلك وتخبرينني مرة تريدين هنا والآن ؟؟”
اتسعت أعين شهرزاد بشدة وهي تحدق في إيفان وكأنها تبحث به عن ولدها المتعقل الهادئ :
” ما الذي تقصده !!”
” ما سمعتيه مولاتي، أنا حقًا منشغل كثيرًا عقب انتهاء الحرب و…”
قاطعته شهرزاد بقوة وهي ترفض أن يتخطى حدوده معها، ليس وكأنها هي من تفعل ذلك بالفعل :
” عفواً، أولم تتذكر انشغالك هذا حين زوجت قائد جيوشك في هذا الوقت من زوجتك الـ ”
” مولاتي ..”
قاطعها بتحذير شديد اللحظة واعين متقدة بالشر :
” لا تقحمي سالار في حديثنا، ولا تأتي على ذكر زوجته بالسوء أو تجمعيني بها في جملة واحدة، فهي زوجة سالار وعرضه الآن، فلا تفعلي، ثم هذه أمور المملكة لا يحق لأيٍ كان التدخل بها حتى ولو كان الملكة الأم، فما بالك وأنتِ بالفعل فقدتي هذا الحق؟!”
صدمات متتالية تلقتها شهرزاد، صدمة ابو الأخرى حتى كادت تنهار ارضًا، هل هذا ولدها الذي يتحدث لها ؟! هو نفسه من يتبجح أمامها بهذا الشكل ؟!
” إيفان أنت….ما الذي ….كيف تقول هذا لي ؟؟ أنت لم تتحدث معي بهذا الشكل من قبل ”
نظر لها إيفان بهدوء شديد وبسمة :
” أي شكل مولاتي؟! تعلمين أنني طوال الوقت اتحدث بهذا الشكل مع الجميع، أنتِ فقط من اصبحتي حساسة بعض الشيء منذ انتزاع امتيازاتك منكِ وعزلك بالمنزل الجنوبي، والآن يمكنك الذهاب والراحة في غرفتك لأنني في المساء أعقد اجتماعًا مهمًا لجميع من بالقصر سأخبرهم به ما سيحدث في الفترة المقبلة عقب الحرب ”
ختم حديثه يستأذن منها بصوت منخفض ثم تحرك للبحث عن أرسلان وقد قرر أن الوقت قد حان ليقضي لرفيقه بما يريد .
_______________________
بعد بحث قصير واخيرًا وصل لها ..
في غرفة رفيقتها مع جميع الفتيات .
استدعى أرسلان شقيقته لتخرج له وهو يبتسم لها بحب :
” مرحبًا بأميرتي الجميلة ”
” مرحبًا أرسلان، اشتقت لك يا وسيم ”
ضحك أرسلان يميل عليها مقبلًا رأسها بحنان شديد :
” وأنا اشتقت لكِ أكثر مما تتوقعين؛ لذا جئت اعيدك لبلادك كهرمان ”
شعرت كهرمان بارتجافة في قلبها ورغم أنها بالفعل اشتاقت لهواء بلادها وغرفتها، وحياتها السابقة إلا أنها وبشكلٍ ما اعتادت حياتها في هذا المكان مع الجميع، وستشعر بالوحدة إن عادت وتركت زمرد وبرلنت وتبارك و…. إيفان.
وعلى ذكر إيفان سمعت صوته يصدح وهو يقول :
” أرسلان ”
استدار أرسلان صوب الخلف يقول بتعجب :
” إيفان ؟؟ لقد كنت سأنتهي وآتي لغرفتك ”
هز إيفان رأسه وهو يقترب منه في الوقت ذاته الذي اقترب كلٌ من دانيار وتميم من غرفة زمرد والفتيات ليبصروا وقفة إيفان المتحفزة في وجه أرسلان وكأنه جاء يطالبه بحياته .
مال دانيار والذي يدرك كل شيء يحدث بطريقة ما يهمس لتميم :
” أركض وأحضر القائد سالار حالًا، أخبره أن حربًا على وشك الإطاحة بالمشفى فوق رؤوس الجميع، وإن قابلت مهيار في طريقك أخبره أن يخرج مرضاه من المشفى ”
نظر له تميم بعدم فهم لكن دانيار لم يكن يمزح وهو يهتف بجدية :
” ما الذي تنتظره تميم ؟؟ تحرك وأحضر القائد بسرعة يا رجل .”
وتميم الذي أبصر ما يحدث تحرك بالفعل وهو يحاول تذكر آخر مكان أبصر به سالار .
خرج راكضًا بين الممرات صوب غرفة سالار تحت نظرات الجنود المتعجبين، وحين اقترب من غرفة أرسلان ابصره يمسك بيد زوجته يجذبها خلفه بحنان صوب جناحه لكنه أوقفه يقول بجدية :
” سيدي القائد نحتاجك في المشفى ”
تحدث سالار بعدم فهم وفزع :
” المشفى ؟؟ لماذا؟؟ هل أصاب أحدهم سوءًا ؟؟”
” لا، لكنه سيحدث .”
وفي المشفى .
تقدم إيفان من أرسلان يقول له بجدية :
” أرسلان أنت تعلمني جيدًا صحيح ؟! تدرك أنني رجل لا أحيد عن الحق واتقي الله في جميع افعالي صحيح ؟؟”
تعجب أرسلان حديثه لكنه رغم ذلك قال :
” حشاك أن تفعل إيفان، ما الذي يحدث هنا ؟! هل فعلت مصيبة وتريد أن اساعدك بها ؟؟”
” لا لكنني سأفعل ”
” وما هي يا ترى ؟!”
ألقى إيفان الكلمات في وجه أرسلان دون أي مواراة أو تلميحات، فقط ألقاها بكل هدوء وبساطة :
” سأتزوج شقيقتك ….”
أطلقت كهرمان شهقة مرتفعة تتراجع بسرعة خلف جسد أرسلان تتخذ منه حماية لها من نظرات إيفان التي صوبها نحوها بسرعة كبيرة حين سماع شهقتها، بينما أرسلان كان كمن تضاعف حجمه بالنسبة لها في هذه اللحظة وهو يرمق رفيقه بريبة :
” ماذا قلت منذ ثواني ؟؟”
فتح إيفان فمه ليعيد جملته مجددًا، لكن تدخل سالار في اللحظة الحاسمة اوقف كل شيء، إذ اقتحم المعركة بينهما يجذب إيفان بعيدًا وهو يقول :
” مرحبًا أرسلان، رجاءً تجاهل ما قاله إيفان فهو هذه الآونة يعاني من مزاجٍ غير مستقرٍ ”
نظر له إيفان بسخرية وهو يحاول إبعاده عنه:
” ابتعد سالار ما بك ؟ أنا لا اطالبه بحرب لتخاف بهذا الشكل، أنا فقط اطالبه بشقيقته زوجة لي ”
فجأة اندفع أرسلان يجذب جسد إيفان من بين يديّ سالار بغضب مرعب وهو يصيح في وجهه :
” أيا ليتها كانت حربًا لكنت غفرت لك طيشك إيفان”
نظر إيفان ليد أرسلان بهدوء شديد يحاول إبعادها وهو يتشدق بصوت متماسك متعقل :
” يا ويلي تفضل الحرب معي على اعطائي شقيقتك ؟!”
” أنت…. أنت أيها القذر توقف عن ترديد تلك الكلمات، مالك وشقيقتي إيفان ؟؟ ”
تدخل سالار كعادته في المنتصف وهو يدفع أرسلان للخلف بصعوبة :
” وقت مستقطع رجاءً، فقط امنحه فرصة التحدث وهو سيخبرك كيف فعل هذا ؟!’
” امنحه ماذا ؟! لا أنا لن اقف هنا لاشاهده يكرر حديثه عليّ، كانت لديه فقط حتى يحافظ عليها لا أن يأتي ويطالبني الزواج بها ”
تحدث إيفان من خلف سالار وهو يحاول إبعاده عن وجهه زافرًا بضيق شديد :
” أنت يا رجل كثير للأستفزاز، تشعرني أنني اطالبك بشيء خاطئ”
” وهل هذا مكان مناسب لتطالبني بشيء صحيح إيفان ؟!”
نظر إيفان حوله، ثم عاد بنظراته لارسلان يقول ببساطة :
” أنا فقط أردت إعلامك قبل التقدم بخطوة رسمية”
صمت ثواني ثم قال بجدية :
” إذن ما رأيك بغرفتي ؟!”
صرخ أرسلان بغضب شديد يندفع صوب إيفان يصرخ بجنون وهو يجذبه من ثيابه وسالار في المنتصف يحاول دفعهما بعيدًا عن بعضهما البعض :
” توقفا، فقط توقفا عن هذه الأفعال بالله عليكما ”
كان كل ذلك يحدث على مرأى ومسمع من الجميع، حيث الفتيات مرتعبات مما يحدث والخوف يعلو وجوههن دون فهم أو إدراك أن ذلك يحدث دائمًا بينهم.
وتبارك فقط تراقب بأعين فزعة تخشى أن يُصاب سالار بضربة طائشة من أحدهما .
بينما دانيار وتميم ومهيار الذي جاء لتوه مصطحبًا ليلا كي يفحصها يشاهدون بأعين مترقبة لما سيحدث ..
وفي النهاية استطاع سالار وبخبرته الواسعة في فض الشباك بينهما، أن يبعد أرسلان عن إيفان وهو يصرخ بهما :
” فقط توقفا، الله ابتلى المملكتين بملكين مثلكما، يا الله يا مغيث ”
زفر إيفان وهو يحاول أن يدافع عن نفسه :
” أنا ما عرضت هذا الأمر بهذه الطريقة سوى لأنني علمت أنك ستأخذها وترحل فقط أخبرك قبل الرحيل وبعدها سآتي لمملكتك أطالب بها حسب المتعارف عليه ”
اعترض أرسلان بأعين متعجبة :
” وماذا في ذلك ؟! هذه شقيقتي ستعود لبلادها، هي كانت هنا ضيفة حتى تتحسن الأوضاع وانتهى كل شيء والحمدلله ”
” هي ليست ضيفة أرسلان هي ستكون ملكة هذه البلاد ”
استدار سالار صوبه يرمقه بغضب شديد :
” حقًا ؟؟ هل تحاول أن تثير غضبه أكثر إيفان ؟! توقف عن كلماتك هذه ”
ولم يكد إيفان يخبره أن كلماته هذه فقط ليوضح ما يحدث وما سيحدث لارسلان والذي كان كالثور الهائج بنظراته وتشنجات جسده .
فجأة توقف أرسلان عن كل ما يفعل وهو يتنفس بصوت مرتفع يجذب له كهرمان التي كانت تنظر ارضًا بخجل .
” إذا أردت أن تتقدم لشقيقتي، الأميرة كهرمان ستأتي إلى مملكتي تترجاني القبول وتتوسلني، ومن ثم تعود لمملكتك بعدما ارفضك وألقي طلبك في وجهك ”
اشتعلت ملامح إيفان يقول ببسمة غاضبة :
” تحلم، ليس الملك إيفان من يُرفض وخاصة منك أرسلان”
” وخاصة مني ؟؟”
ابتسم يقول باستفزاز وعناد يسير باوردته مجرى الدم :
” يبدو أنك ستحتاج أكثر من مجرد توسل احمق لتنال شقيقتي ولن تفعل إيفان ”
تقدم إيفان وقد أصبح في هذه اللحظة نسخة أخرى من أرسلان وقد بدا في الحقيقة أكثر عنادًا منه يقول من أسفل أسنانه:
” إذن نعلنها حربًا ؟!”
” لك ذلك أيها القذر الـ ”
” توقفا …فقط توقفـــا، لعنة الله على الكافرين ”
كانت تلك صرخة سالار الذي حال بينهما يصرخ في وجه كلٍ منهما :
” هل جننتما ؟؟ تعلنان حربًا لأجل شيء يُمكن أن يُحل في جلسة نقاش ودية ؟!”
نظر له إيفان ساخرًا، لكن سالار لم يهتم وهو يصرخ بهما وقد جن جنونه أن يتم مناقشة أمر كهذا بهذا الشكل وفي هذا المكان :
” ألم تتعظا أم يجب أن يُقتل أحدكما مجددا ليبكي الآخر على اطلاله ”
نظر إيفان وارسلان لبعضهما البعض بحنق وسخرية، قبل أن يسحب أرسلان يد كهرمان صوبه يقول بجدية :
” من يبتغي وصال شقيقتي، عليه أن يبذل أكثر من مجرد طلب في طرقات المشفى إيفان، أختي تُقطع بحار لأجلها عزيزي، لذا فقط كلف نفسك وتعال إلى مملكتي لتطلب ودها، حينها لنرى بأي الطرق سأرفضك ”
ختم حديثه ببسمة خبيثة مستفزة لإيفان الذي بادله البسمة بأخرى مشابه يقول بجدية :
” أوه حقًا، يبدو هذا مناسبًا لي، حسنًا لك ما تريد، كم أرسلان امتلك أنا ؟!”
أجابه أرسلان ببسمة مثيرة للاستفزاز:
” واحد فقط فالعالم بأسره يمتلك أرسلان واحد ”
ختم حديثه يتحرك بكهرمان بعيدًا عن الأعين وخلفه صوت إيفان الذي قال بعناد وسخرية :
” هذا من حسن حظه للعالم ”
فجأة وقبل رحيل واختفاء أرسلان أبصر النظرة الأخيرة لكهرمان، نظراته وعيونها جعلته يلين ويتناسى كل ما صدر من شقيقها في لحظات، يبتسم لها بسمة صغيرة وهو يهز رأسه وكأنه يعدها ضمنيًا أن الحرب الباردة التي أعلنها لم تنتهي، فهي لم تبدأ بعد …
__________________
مستغل وهذا ما يبرع به، فعندما أبصر الجميع يرحل منذ ساعة تقريبًا وانتهى هو من عمله في الجيش عاد مجددًا ليرى أين وصل حوارهما الاخير قبل أن يقتطعه الملك .
توقف أمام الباب يطرقه بهدوء منتظرًا ردًا من الداخل، وجاءه الرد من برلنت التي فتحت الباب تقول ببسمة :
” نعم تفضل ؟؟”
” مرحبًا برلنت، عسى كل امورك بخير، فقط كنت أتساءل إن كانت زمرد مستيقظة فأنا أريد التحدث معها ”
نظرت برلنت خلفها صوب زمرد التي انتفض جسدها بحذر حينما وصلها صوت دانيار، لتبتسم باتساع فهي أحبت أنه لم يستسلم لكلمات إيفان يتوقف عن المجئ .
هزت رأسها في إشارة منها أنها ترغب في رؤيته وكذلك فعلت برلنت التي تأكدت من وضع زمرد حجابها، ثم تنحت قليلًا تقول :
” تفضل ..”
دخل دانيار للمكان يتأمل ملامحها الحبيبة بشرود، ثم تأكد أن الباب مفتوح وبرلنت تجلس على مقعد جواره رفقتهما، اقترب من الفراش يقول :
” مرحبًا”
ابتسمت له زمرد بسمة صغيرة :
” مرحبًا ”
صمت ينظر حوله وهو يحاول البحث عن مدخل لحديثه، وقد بدأ اليأس يملئ صدره حقًا :
” إذن زمرد للمرة الأخيرة، هل توافقين على الزواج بي ؟؟”
نظرت له زمرد وقد شعرت بأنقباض صدرها من كلماته تلك، هل يأس من المحاولة معها بهذه السهولة ؟؟
والرد جاءها من عقلها هي موبخًا إياها بسخرية، أي سهولة تلك، لقد سلك الرجل كل طريق يؤدي لكِ وأنتِ لم تفعلي سوى أنكِ اغلقتي جميع هذه الطرق بوجهه .
” هل تخبرني أنني إن رفضت هذه المرة لن تحاول مجددًا ؟؟”
ابتسم لها دانيار يجيب ببساطة :
” وما نفع المحاولة في شيء لن احصل على نتيجة ترجى منه ؟؟ أعني، هل عرضي مرة أخرى سيغير شيئًا من رأيك ؟؟ ”
تنفس ببسمة لا معنى لها حقًا :
” يا ويلي زمرد أنا تلقيت عدد مرات رفض منكِ لم اتلقاها في حياتي بأكملها وهذا رقم قياسي لو تعلمين، أنا فقط لا أريد المحاولة في شيء ميئوس منه، لذا إن لم نكن سنحرز تقدمًا في هذا، فلنتوقف، فقط لنتوقف ”
نزلت دموع زمرد دون شعور منها وهي تهمس بصوت موجوع :
” لكنني اريدك أن تحاول من اجلي دانيار، اريد فقط الشعور أنني… أنني مرغوبة من أحدهم ليحاول من اجلي مرات ومرات دون يأس، ألا استحق ذلك !!”
نظر لها دانيار بحزن لدموعها تلك يقول بجدية :
” بلى، تستحقين، تستحقين أن افني حياتي في طلبك لي زمرد، لكنني فقط …. أنا فقط اريد كلمة تخبرني أنني بعد كل هذا الركض سأصل لخط النهاية واجدك ”
ختم حديثه وهو يقترب ليجلس على ركبتيه جوار الفراش يقول بصوت خافت :
” أريد فقط إشارة واحدة أنكِ لن تتخلي عني أو ترفضيني بشكل نهائي، وأنا سأعيد الكرة مرات ومرات دون يأس زمرد ”
نظرت دموع زمرد تقول بصوت خافت :
” أنا لا انتظرك في خط النهاية دانيار، أنا بالفعل أركض معك ”
ابتسم لها دانيار يتحدث بصوت هامس حنون :
” هل اعتبر هذا الرد نعم ؟؟”
ضحكت زمرد من بيت دموعها تقول :
” نعم ”
شعر دانيار بقلبه يكاد يتوقف من الصدمة، لا يصدق أنها قالت نعم حقًا، ابتلع ريقه يقول بصوت خافت :
‘ مجددًا زمرد رجاءً، هل قلتي نعم ؟! ”
ابتسم زمرد ترددها لأجله مرة أخرى:
” نعم، إن وافق أخي، فنعم دانيار ”
انتفض جسد دانيار بسعادة كبيرة وهو يتحرك بعيدًا عنها بعض الشيء هامسًا بحماس شديد يتحرك صوب الباب :
” لا تفكري بهذا الأمر، هو سيقبل شاء أو ابى، يكفيه أنه يتذوق الآن ما أمر به، الله يمهل ولا يهمل ”
رمقته زمرد بحنق شديد وقد كرهت داخلها أن يتحدث بهذا الشكل على إيفان والذي رغم فترة تقربها القصيرة، إلا أنه نجح بامتياز في دوره كأخ لها .
” لا تتحدث بهذا الشكل عن أخي دانيار ”
” بالله عليكِ لا توصيني على شقيقك، بل اوصيه بي خيرًا”
ابتسمت له تقول :
” هو يحاول اسعادي وإن علم أن ذلك يسعدني فلن يقف في طريقك دانيار ”
التوى ثغر دانيار بسخرية :
” يا ويلي لم أكن أدري أنكِ بريئة وحمقاء بهذا القدر زمرد، شقيقك سيتفنن بإذلالي، لكن لا بأس طالما أنكِ تسانديني بالفعل ”
ابتسمت له زمرد بسمة واسعة وهي تراقبه يتحرك للخلف بعدما القى لها نظرة أخيرة توحي بالكثير ورحل هكذا بكل بساطة آخذًا قلبها معه .
____________________
” حينما يأمن عدوك ويستكين، يكون ذلك أكثر وقتٍ مناسب لتضرب ضربتك ”
ابتسم أحد الرجال الذين يجاورون بافل وقد نالت تلك الخطة دعمه هو والقليل من الرجال معهم ممن وافقوا على الانضمام لهم، رغبة في إطفاء نيران ثأرهم .
وبافل تحرك صوب المرأة التي كانت تتمد على إحدى الارائك تراقب ما يحدث بانتباه متسائلًا :
” هل يمكنك أن تتولي هذا الأمر موري ؟!”
ابتسمت له موري تقول بصوت خافت :
” هذا يعتمد على ما ستمنحني بافل ”
امتدت يد بافل صوب وجهها يتلمسه بلطف شديد :
” حياتي إن أردتِ ”
” احتفظ بحياتك فما لي من حاجة بها، أنا فقط أريد ألف قطعة ذهبية و….”
صمتت تقترب منه هامسة بصوت منخفض :
” رأس اختك القذرة تحت قدمي ”
ابتسم لها بافل بسمة خبيثة يقول بصوت مريب مرعب لمن يعلمه :
” القطع الذهبية سهل أمرها، أعطيكِ إياها قبل أن تتحركِ خطوة واحدة، أما فيما يخص رأس زمرد، فلا أظن أنني يمكنني إحضارها، فآخر مرة رأيتها كانت حينما تخلص شقيقي منها ”
رمقته موري بسخرية لاذعة :
” هل رأيت روحها تخرج أمام عيونك ؟؟”
ضيق بافل عيونه يرمقها بريبة لتكمل هي له :
” هذه الفتاة لن اصدق أنها رحلت إلا حينما أراها بعيوني تلفظ أنفاسها الأخيرة ”
زفر بافل وقد كان لا يهتم بكل ذلك، هو فقط لا يهتم سوى بقصاصه :
” لا بأس إذن، اعدك إن وقعت أمام عيوني قتلتها واحضرت رأسها لكِ أسفل قدمك، حسنًا ؟؟”
نظرت له موري ثواني قبل أن تبتسم فجأة :
” اتفقنا إذن بافل ….”
___________________
فرغت من صلاتها ترتكن صوب الفراش مبتسمة براحة شديد وهي تحمل مصحفها تقرأ به براحة شديدة، راحة استشعرتها في كل حرف تنطق به .
حتى سمعت صوت طرق على باب غرفتها، وحينما نهضت تأذن للطارق بالدخول، ابصرته يدخل غرفتها بكل قوة كعادته، ولأول مرة يدخل غرفتها وحده ويغلق الباب خلفه .
ابتسم لها سالار يقول بصوت هادئ :
” السلام عليكم مولاتي ”
” عليكم السلام يا قائد ”
صمتت ثواني قبل أن تقول :
” لعل خيرًا ما جاء بك هنا !!”
ابتسم لها سالار يتقدم منها ببطء شديد قبل أن يبصر نظراتها الشاردة به وبمظهره العبثي بعض الشيء، فهذه المرة الأولى له التي يخرج عليها أو على أحد بمظهره المبعثرة هذا، انتهى لتوه من الاستحمام وقرر بشكل متهور أن يأتي يستغل امتيازاته الجديدة كزوجها .
وهذا لم يساعد تبارك على التركيز أبدًا، خصلاته الصهباء الرطبة وثيابه العادية بعيدًا عن ثياب الحروب وثيابه الرسمية كانت أكثر مما يمكنها التحمل بالفعل .
وهو فقط توقف أمامها ينظر لحجابها:
” هل يمكنني ؟؟”
نظرت له ثواني بعدم فهم وهو ابتسم يمد يده صوب رأسها بغية نزع الحجاب لتتراجع تبارك دون شعور بسرعة للخلف، وهو رفرف برموشه يقول بكلمات جادة :
” لا تقلقي سأنظر لخصلاتك فقط ”
نظرت له تبارك بريبة:
” فقط ؟؟ أنت كنت عايز تعمل ايه اكتر من أنك تشوفها ؟؟”
” هل تخجلين مني تبارك ؟؟”
هزت تبارك رأسها دون تردد ليبتسم لها بطلف :
” لا تقلقي، لن يسوءني رؤية خصلات شعرك بأي حالة كانت، أنا فقط أريد رؤية كيف تبدين دون حجاب .”
صمت ثم قال بتفكير :
” ستكون هذه المرة الأولى لي في حياتي أن أرى امرأة دون حجاب غير والدتي .. أو ربما الثانية ”
ضيقت تبارك عيونها بشك :
” المرة الثانية ؟؟ أنت شوفت مين غير والدتك !!”
أجابها سالار بهدوء وهو ما يزال يحدق بحجابها بشرود وكأنه يفكر في طريقة لنزعه عن رأسها، لا ينتبه بنظراتها المرتابة في أمره:
” أنتِ، تلك المرة حينما كنتِ بحديقة القصر في جزء النساء ووقع عنك حجابك رأيتك بخصلاتك الهائجة تلك ”
أبعد عيونه عن رأسها يتحدث بجدية غير منتبهًا لنظراتها المصدومة تلك :
” هل تلك هي طبيعة خصلاتك أم أنها كانت حالة استثنيائية ؟؟”
وتبارك شعرت كما لو أن أحدهم ربط لسانها بالفعل، تحاول الحديث مرات عديدة وتفشل، حاولت وحاولت حتى خرج منها كلمات مختنقة بخجلها :
” أنت…هذا ليس …هذا محرج ما قلته ”
نظر لها سالار بعدم فهم :
” لماذا ؟؟ ”
صمت ثم قال بصوت خافت وكأن هناك من يتلصص عليهم :
” أخبرك شيئًا ؟؟ أنا احببت خصلاتك الهائجة لا بأس”
وهذا لم يزد تبارك إلا ريبة منه تهمس في نفسها بقلق :
” هو ماله عامل زي رجل الكهف اللي عمره ما شاف ست في حياته ؟؟”
وسالار لم يكن يهتم بكل تلك الأفكار في رأسها وهو يركز على أهدافه الواضحة أمامه، ألا وهي نزع حجابها، ودون أن يشعر أو يعطي لها إشارة كانت أصابعه تتحرك لفك حجابها وتبارك حتى لم تستوعب الأمر لتعترض أو توافق فقط وجدت أنامله تخلع حجابها وهي فقط نظرت له متسعة الأعين ترفع يدها لترتيب خصلاتها شاكرة الله أنها مشطتها منذ ساعات فقط، ولولا خصلاتها الأمامية الهائجة لكان شعرها في هذه اللحظة مثاليًا .
لكن يبدو أن خصلاتها شبه المثالية تلك لم ترق سالار الذي نظر لها بتفكير يقول :
” كان أجمل في المرة السابقة ”
حسنًا هذا الرجل مريب أكثر مما كانت تتخيل، مريب بشكل مريب في الحقيقة .
وسالار لم يهتم وهو يقول ببسمة لها محاولًا أن يصلح جملته السابقة :
” لكنكِ تبدين جميلة دون حجاب”
ختم حديثه يربت على رأسها وكأنه يتحدث مع ابنته الصغيرة، وتبارك تنظر ليده دون كلمة، بينما هو نزع يده يقول ينظر لغرفتها :
” إذن هذه هي غرفتك ؟؟”
هزت تبارك رأسها وهي تحدق بوجهه شاردة في ملامحه في انتظار الخطوة الثانية منه والتي جاءت سريعة وهو يبتسم لها بسمة صغيرة يقول بلطف :
” تبدو جميلة، هل تريدين رؤية غرفتي ؟؟؟؟؟”
_________________
وعملًا بمقولة ضرب الحديد وهو ساخن ..
وعلى بُعد خطوات كان إيفان يتوسط عرشه وقد جمع كل من بالقصر ليخبرهم بآخر التطورات، مستبعدًا سالار لأجل عقد قرآنه الذي حدث اليوم، يكفيه معاناته معه وارسلان الحقير الذي أخذ اميرته ورحل، لكن صبرًا لينتهي ويريه.
ابتسم يدور بعيونه بين الجميع يتأكد أنهم موجودين، حتى أبصر شهرزاد تتحرك داخل القاعة بكل كبرياء وهي ترفع رأسها تتحرك صوب مقعدها تقول ببسمة مقيتة :
” اعتقد أن مقعدي قد نظفه أحدهم بالفعل ؟؟”
ابتسم لها إيفان يهز رأسه ثم قال بكل بساطة وهدوء شديد :
” نعم مولاتي، لقد نُظف بالفعل ”
تحركت شهرزاد بتكبر صوب المقعد ترفع طرف ثوبها كي تتوسطه، لكن وقبل أن تفعل أوقفها إيفان يقول :
” ليس هنا مولاتي، فهذا المقعد بالفعل مشغول”
” مشغول ؟! مشغول لمن ؟! هذا مقعدي أنا”
منحها إيفان بسمة أوسع من السابقة يهمس لها بكل جدية :
” ليس بعد اليوم ”
وقبل أن تعرب شهرزاد عن حيرتها التي علت ملامحها بالفعل، أبصرت إيفان يبعد عيونه عنها يقول بصوت جهوري .
” نحن لم ننتهي من الأخبار الجيدة اليوم، فبالإضافة لزواج القائد سالار لدينا المزيد ….”
صمت ثواني يتأكد أنه حاز اهتمام الجميع يقول بغموض وبسمة واسعة ونظراته تتحرك صوبها هي تحديدًا :
” لدينا فرد جديد في العائلة الملكية عليكم مقابلته …”
صمت ينظر حوله لنظرات الجميع والذين توقعوا القادم، الملك الآن سيعلن زواجه أو ربما حديثه هذا يخص انضمام سالار وتبارك لعائلة سفيد الملكية، لكن إن ظن البعض أن إيفان يمكن توقعه يومًا، فليعيدوا التفكير مئات، بل ملايين المرات .
ابتسم لهم إيفان يقول بصوت جهوري وهو يشير صوب بوابة القاعة وعيونه لا تترك أعين شهرزاد المترقبة :
” رحبوا معي بالاميرة زمرد، شقيقتي ….”
_____________________
ضربة ستصيب من تصيب، وتسقط من تسقط، والغلبة في النهاية، للأقوى ….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مملكة سفيد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى