روايات

رواية بيت القاسم الفصل السابع عشر 17 بقلم ريهام محمود

رواية بيت القاسم الفصل السابع عشر 17 بقلم ريهام محمود

رواية بيت القاسم البارت السابع عشر

رواية بيت القاسم الجزء السابع عشر

رواية بيت القاسم
رواية بيت القاسم

رواية بيت القاسم الحلقة السابعة عشر

” في معركة الحب لا يوجد منتصرين.. فالكل خاسر”
.. دخلت فاطمة غرفة قاسم دون أن تطرق بابها كما اعتادت، الوقت أصبح عصراً، وهو على حاله منذ أمس، وقد توقعت منه ثورة ولكن للغرابة كان انسحابه هادئ..محبط!!
لم يُخفي عنها نظرة خيبة أمل أحتلت حدقتيه فهي أمه وأدرى الناس به، كان صمته غريباً.. بعد أن أنهت حنين كلامها ظل صامتاً أمامها يرمقها بنظرات غريبة، طال صمته، وتحديقه بها وكأنه.. كأنه يراها للمرة الأولى بحياته.. صوت أنفاس الجميع مابين ثائرة ومصدومة كان يغطي على الجو العام للبيت.. وقطعه هو وبكل هدوء غادر دون أن ينبث بحرفٍ واحدٍ..
وقتها كرهت حنين.. الابن ومن بعده الطوفان..
وحنين جرحته وأهانته أمام الجميع وهو.. هو لايستحق هذا أبداً..
اقتربت من فراشه وكان هو مستلقي على جانبه ظهره لها، يتغطى بشرشف خفيف رغم حرارة الجو. . تعلم أنه يدّعي النوم، كان يغمض جفنيه بشدة، وجنتيه شبه مبتلتين وكأنه كان يبكي..
قاومت موجة بكاء ستنتابها على حال ولدها.. وربتت على ظهره..
– قاسم.. قوم اتغدى انت مكلتش حاجة من امبارح..
ولم يرد.. ظل على وضعه عدا عن انكماش ملامحه الذي زاد وكأنه كان يتوجع..
آلمها قلبها من رؤيته هكذاا، ستبكي.. اختنق حلقها بالكلام لحظات.. ولكنها قاومت واقتربت من مكانه، بكفها تمسح على جبينه المتعرق..
-ولا يهمك يابني.. انا من بكرة هدورلك على عروسة.. والله لاجيبلك ست ستها…
وكانت نبرة الأم عالية تتابع دون أن تشعر بأن كلامها يزيد من جرحه..
– ودي مين دي اللي متحبكش، دانتا سيد الرجالة ومفيش ف حنيتك حد..
وأكملت بسكين كلامها تذبحه دون شفقة..
– في داهية.. تبقى تورينا اللي هتتجوزه هيبقى عامل ازاي بنت ناهد دي..!!
أغمض عينيه يبتلع آلامه وانهزامه كرجل وانكمش أكثر بنومته تحت غطاءه،
فتهندت وقد يأست من أن ينهض..أردفت وقد غلف الألم نبرتها..
-قوم ياقاسم كل أي حاجة بالله عليك…
رد باقتضاب وكان صوته متحشرج بسبب زعيقه بالأمس وعدم كلامه اليوم..
– مليييش نفس.. سيبيني وانا شوية وهقوم..
…………
“بيت كمال”..
.. دلفت غرفته بهدوء خطواتها بعد أن طرقت وأذن بالدخول دون سؤال عن من يطرق بابه، وقد انتهو من تناول الغذاء من نصف ساعة ، ومن سوء حظها كان لتوه قد أنهى حمامه يقف أمام مرآته يمشط بأصابعه الغليظة خصلاته القصيرة المبتلة، يرتدي سروال بيتي خفيف عاري الجزع وفقط منشفة بيضاء صغيرة معلقه على إحدى كتفيه ذكرها بهيئته تلك ببطل الأفلام الرومانسية والروايات الهابطة التي كانت تقرأها ، كتمت شهقة خجولة بصدرها واستدارت عنه توليه ظهرها على استحياء تهمهم باعتذار لم يهتم به من الأساس، فهو الآخر كان ذهنه مشحون بماحدث بالأمس وما آلت إليه الأمور، وقد خرج الجميع عن السيطرة..
قطع تفكيرها الخجول.. يهتف ببساطة وكأنهما زوجان عاديان..
-ناوليني القميص..
-نعم..!
و”نعم” تلك لم تكن استنكار، كانت دهشة من جرأته.. بالأمس لم يعجبها مافعله كمال معها.. ليأتي الآن ويطالب بأشياء أخرى والله اعلم بالمرة القادمة ماذا سيطلب؟!
وطالت ريم بوقفتها تنظر له باتساع عسليتيها الذاهلتين، ليهتف بنبرة أعلى مشددة..
– القمييييص..
يشير بسبابته على الفراش فتنزع نظراتها منه للقميص الموضوع وكانت أقرب إليه فعلاً.. فمالت بجزعها تسحبه وخطوتان مرتبكتان وكانت قريبة منه تناوله إياه..
ارتداه على مهل دون أن يحيد بنظراته عن انعكاسه بالمرآه أمامه وقد بدا أمامها بالفعل مشغول بشئ آخر، رفت بعينيها وحاولت بنظراتها الابتعاد عنه، ولكن رغماً عنها تأملته بطول قامته لاحظت أنه يفوقها على الأقل بعشر سنتيمترات ومنكبيه العريضين، وسمار بشرته،
وانتبه هو على حضورها الصامت فرمقها باستفهام أجفلها
-فيه ايه؟!
أجلت صوتها، جاهدت أن تكون النبرة ناعمة طبيعية..
-حاتم جاله جواب استدعاء ولي الأمر..!
.. حاتم صغيره، ابنه الأوسط ذات السبع سنوات مؤخراً لاحظ تغير سلوكه وتمرد خفيف بتصرفاته.. اندهش وسألها باهتمام..
– ليه هو عمل إيه؟
-مقالش…
– مقالش ولا انتي أصلاً مسألتيش..؟
يلّمح بعتاب.. يلقى عليها ذنب تغيره .. عبست ملامحها واحتدت نبرتها رغم نعومتها..
-وعلى أي أساس انا اللي أسأل واهتم .. وانت دورك إيه؟
هتف بجدية يُقحم الحروف برأسها..
– على أساس انك قولتي إنك هنا عشان الأولاد
لا الأولاد مرتاحين ولا أنا.. ولا انتي…!
.. حسناً لن تبكي أمامه، كانت لا تملك إجابة فـ للأسف كلامه صحيح
رمشت بعينيها عدة مرات لاتقوى على الرد ، زمت ثغرها وقد احتقنت قسماتها حرجاً، تعطيه ظهرها تنوي الانصراف.. تُتمتم
– عنئذنك…
…………
..” غرفة قاسم..”
.. صوت جَلبْه بالأسفل جعله ينهض من مكانه، وقد ظل بوضعيته تلك ولا يعرف كم الساعة الآن، تطلع على الساعة المعلقة على الجدار أمامه وجدها السابعة مساء ً، وأصوات متداخلة بالأسفل تزيد من جنون صداعه ، اعتدل قليلا يركز بضيق عينيه، تقريباً الأصوات تأتي من بيت جده..
انتفض من مكانه وقد اُنقبض قلبه، نهض يتعثر بين طيات الغطاء، ووقف على قدميه الحافيتين بصعوبة فشعر بفقدان اتزان.. ولكنه قاوم وسحب نفس عميييق لصدره يهدأ من روعهِ
اتجه نحو خزانته يخرج منها سروال رياضي وقميص كي يرتديهم وينزل لبيت جده……
……. صفق الباب خلفه بعد أن ارتدى ملابسه باستعجال رغم تعبه البادي على جسده ووجهه، يطوي درجات السلم مسرعاً للنزول وقد تعالى الصياح بوضوح لأذنيه..
وعند وصوله لباب جده المفتوح على مصرعه وقف مبهوتاً، والمشهد غريب عليه وكأنه يشاهده عبر شاشة عرض ..
جده القاسم مستنداً إلى عصاه الأبانوسية ومعالم وجهه محتفنة بغضب نادراً مايظهر وقد اعتاد وجهه المجعد على الحكمة والهدوء، تجاوره والدته تتخذ وضع الدفاع وكمال يقف بالمقدمة وبالأسفل تحديداً بعد ثلاث أو أربع درجات تقف امرأه وجهها مألوف إليه ولكن لايعرفها.. خصلاتها مصبوغة بالأصفر ترتدي قطعة قماش صغيرة على رأسها، عيناها عسليتان ماكرتان بهما تجاعيد خفيفة من طرفيهما توحي بأنها كبيرة سناً ترتدي فستان بلون المشمش صيفي لا يتماشى مع جسدها ولا عمرها..
صوت جده الغاضب جعله يفيق من ذهوله وتفحصه
-اتكلي ع الله ياناهد انتي ملكيش بنات هنا..
ناهد.!! يشعر بأنه سمع الاسم من قبل يضيق بعينيه، يعتصر ذهنه عله يتذكر.. لحظة واحدة وأتته الإجابة..
-حنين بنتي ياحاج برضاك غصباً عنك هي بنتي.. بنتي اللي رجعتلي وطلبت أنها تكون معايا…
.. وصدمة أخرى نالها.. لكمة بمنتصف وجهه، استدار برأسه وتلك المرة إنتبه لوجود حنين تقف خلف جدها بخطوة وبجوارها حقيبتين إحداهما زهرية كبيرة وأخرى توازيها حجماً بلون أسود.. تقف بلهفة الوصول لأمها وقد اتخذت القرار..
سأل الجد يواجه الصغيرة بعينيه يرجو أن تنصره..
-إيه رايك ياحنين..؟
طأطأت برأسها أرضاً، والموقف بات أسوأ ولم تتخيل بأسوأ كوابيسها أن تضع جدها بتلك المقارنة مع أمها..
همهمت بخفوت..
-عايزة ماما.. عايزة أعيش معاها..
ورغم انخفاض نبرتها الا إنها وصلت لمسامع قاسم فزلزلت قلبه.. يرمقها بنظرات ضبابية وعاد الصداع لرأسه من جديد..
هتفت بها فاطمة بحقد وغضب..
-هي دي شكراً اللي بتقولهالنا يابنت ناهد..
نظر الجد صوبها وقال محذراً.. يستعمل كارت الترهيب علّها تتراجع..
-لو خرجتي من البيت ياحنين وروحتي معاها انسى انك تدخليه تاني..
دون أن ترفع رأسها وتواجهه.. سقطت دمعة من عينها تلتها أخرى.. لا تعلم ما سيحدث معها غداً ولكنها تريد أمها تريدها وبشدة.. تفتقد حضنها، بالأساس لم تجربه كي تفتقده ولكنها تريد التجربة حتى وإن كان بالمقابل خسارة عائلتها جميعهم…
ابتعدت عنه تجر خلفها حقيبتيها بإشارة واضحة بأنها اختارت والدتها.. فنكس رأسه واستند على عصاه يتشبث به مخافةً أن يقع.. وقد كسرته رد فعلها فتراجع…
ونزلت تتبع والدتها التي سبقتها للخارج وقد تجاوزت قاسم دون النظر في وجهه المصدوم.. فاستفااق ولحق بها يلهث بجنون رافض..
يهتف باسمها بلهفة أنبتها فالتفت له.. بنظرات منكسرة ترمقه لوهله ثم توزع نظراتها في اللاشئ،
التقط أنفاسه، ويوجه مجرد من أي انفعال وهدوء لا يتناسب مع الموقف قال..
-انتي لو مش عيزاني.. خلاص أنا كمان مش عايزك.. بس متمشيش من هنا..
واخر كلامه أمسك بكفها.. لمسته تلك أرجعتها بذاكرتها لأكثر من ثلاثة عشر عاماً.. وقتها كانت بعمر الخامسة وقد تركتها أمها وحيدة بعد أن تزوجت ورفض زوجها وجودها معه فجائت بها لجدها، ولم تنتظر حتى أن يأخذها منها بل تركتها بحقيبة ملابسها على البوابة وقتها كان المطر شديد وشدَّ أكثر مع نزول دموعها، وأجفلت على صوت فتح البوابة يخرج منها صبي بهيئة رجل مد كفه لها فتشبثت به.. يربت على وجنتها بحنو تفتقده بعد أن مسح عبراتها.. يقول بنبرة مراهق..
-تعالى اطلعي معايا.. من هنا ورايح انتي هتبقى زيك زي نيرة..
وعادت من ذكراها البائسة رافضة مستنكرة.. رجعت خطوتان للخلف تهز رأسها رفضاً ودموعها تتساقط
-لأ أنا عايزة أروح معاها..
هتفت أمها باسمها من الخارج تستعجلها..
-حنييين يللا..
رفضها أشعل النار بصدره وكأنها.. وكأنها غرزت خنجراً بمنتصف قلبه..
انفلتت أعصابه واقترب يمسكها من ذراعها بعنف أوجعها، يهدر بها..
– روحي معاها وبكرة هتعرفي أن ناري أرحم من جنة أمك ..
ثم نفضها عنه وكأنها لا تعنيه، وقد أنهكت من المواجهه، فاستكملت طريقها دون أن تنظر ورائها.. ولو فقط كانت نظرت خلفها لوجدت صنم تركه قلبه وركض خلفها راكعاً…..
…. وعند خروجهامن البيت التفتت خلفها تنظر للبيت كله بندم وحسرة،جدها وعائلتها التي احتوتها وقت ان نبذها والديها، أجمل أيام عمرها واجمل ذكرياتها..
ولكن أمها أهم من كل شئ، أكملت سيرها لأمها إلى كانت تستند إلى سيارة دفع رباعية سوداء اللون للحظة لمعت عيناها بانبهار تم وأده مع اقتراب رجل سمين يرتدي بذة رمادية ومن ساعة معصمه وعطره الثقيل تبين مدى ثراه،
اقترب منها حتى بات ملاصقاً لها فاختض جسدها رعباً.. يربت على وجنتها يتحسسها نعومتها بخشونة كفه..
-بنتك حلوة زيك ياناهد…..!
………………….
.. “ليلاً، بعد منتصف الليل”
كان أكرم مستلقياً على فراشه مستيقظاً.. وقد عاد بعد مغادرة حنين، وقصّت عليه نيرة ماحدث تفصيلاً..
تربيتة على كتف جده كمواساه، وبحث عن قاسم ولم يجده، وعلم بخروجه فطلب هاتفه وكان بالمنزل لم يأخذه معه.. جلس قليلاً مع نيرة التي كانت تحتضن ملك صغيرته وتطعمها، قبّل الصغيرة بضعة قبلات صغيرة وتركهم وصعد لشقته..
مهموم يتأمل السقف بشرود.. يتلاعب بالحلقة الفضية التي تلتف حول بنصره ليرتسم أمام ناظريه صورتين إحداهما بعينين بلون الزيتون الأخضر وخصلات بنية قصيرة فيبتسم بـ حنين، والثانية فتنته بخصلات سوداء كالظلام طويلة تصل لخصرها وملامح خمرية تشبهه، هو لم يقارن بالأساس بينهما هو يريدهما..
يريد دفا البيت مع نورهان، وحب العمر والتفاهم مع جيلان…!
قطع تأمله رنين هاتفه بنغمة خصصها لها.. نغمة كانا يستمعان لها سوياً أيام الجامعة ..
انتصب بجسده يجيب..
– أيوة ياجيجي…
ولقب دلالها لأنه أهملها الأيام الماضية، يشعر بتقصير تجاهها فيحاول تعويضه..
– وانتي كمان وحشتيني..
هو ليس كاذب.. هو مشتت، غاضب..!
غضبه كان بسبب نورهان بالتأكيد وسؤال بجح يتردد صداه “لماذا لا ترضى بالوضع”..
وصمت يستمع لها فيجيب متنهداً..
-مفيش شوية مشاكل ف البيت هناا…
ويبدو أنها اقترحت اقتراح أعجبه فتحرك من فراشه يسحب مفاتيح شقته وسيارته..
– ياريت أنا جايلك أهو….
…… بعد ساعة كانا يجلسان سوياً بحديقة أمام منزلها.. قد اعتادا بزمانهما الجلوس بها دون علم الأهل،
يجلس أمامها يستمع لصوتها العذب وقد قرر أنه لن يترك مشاعره لنورهان والتي يبدو بأنها لم تعد تريده،
تهمس له..
-فاكر لما كنت بترن عليا عشان انزل ونتقابل هناا..
وابتسم.. ابتسامته كانت صافية.. تنهد بصوت مسموع
– طبعاً فاكر.. أنا كل حاجة حلوة عشتها معاكي فاكرها..
-مش عايز تقولي زعلان ليه..!
تقترب منه بجلستها حتى ارتطمت ركبتها بركبته بخفة، لم تتراجع أو تعتدل
وهو لم يتأثر.. بصوت مشوب بالألم..
– انهاردة قاسم أخويا خسر حب عمره.. أنا الوحيد اللي ممكن أكون حاسس بيه دلوقتي..
-وايه كمان مزعلك…
-نورهان….
قال الاسم وصمت.. صمت فتنهد وايتدار بوجهه يخفي عنها نظراته يخشى أن يفتح أمره..
جزت على أسنانها بـ غلٍ ولكنها لم تبين..
– مالها؟!
استفهمت، فقال وهو ينظر في اتجاه آخر..
– خايف أكون بظلمها..!
-بتظلمها..؟
استنكرت موقفه وقد استائت.. استطردت
– طب وأنا مش خايف لتكون بتظلمني..؟
-أنا مش عايز أظلم حد معايا.. افهميني ياجيلان..
– فهماك.. وعشان أريحك لأ انت مظلمتهاش
.. ثم تابعت بقهرٍ تضرب بسبابتها صدره ..
انت ظلمتني أنا لما أعرف من أصحابنا انك اتجوزت وأنت كنت واعدني أن أنا هكون مراتك.. إنت خذلتني يااأكرم ودي مش أول مرة..!!
-غصب عني..
قالها وكان صادقاً.. ولن يقول أسباب هو قرر الستر وكفى..
-واحنا فيها، وادينا رجعنا لبعض.. فين المشكلة بقى..!
يمسح جبهته بارهاق.. يردف
– نورهان مصرة ع الطلاق..
قالت بنفاذ صبر..
– طب ماتطلقها وتخلص..
رمقها بنظرة غريبة.. وكأن النجوم تتراقص بسوداويتيه هكذا خُيّل لها..
– مينفعش أطلقها، دي أمانه.. انتي متعرفيش نورهان دي تغرق ف شبر مية.. غلبانة جدآ متعرفش تعمل حاجة لوحدها..
اكفهرت ملامحها، ولم يعجبها سير الحديث.. بضيق قالت..
-طب والعمل.. انت هتفضل معلقني معاك كتير كدة..
وفعلاً كان حائراً.. سألها..
-شورى عليا أعمل إيه.؟
اقتربت ومالت بوجهها ، تهتف بخبث جاهل هو به..
– سيبها يااأكرم.. ولما تتربى ابقى رجعها..
وأشاح بوجهه عنها، يفكر بكلامها، ولم تعطه الفرصة وقد قررت طرق الحديد وهو ساخن..
– ماما مستنياك بكرة ع الغدا هي وخالو عشان تحديد ميعاد كتب الكتاب…
……………….
… على سطح البيت بعد عدة أيام.. كان يقف أمام خزائن الحمام الذي يقوم بتربيته.. الجو أصبح أكثر حرارة، والسماء صافية عكس الخراب بداخله ،
اقترب على مهل من خزانة خشبيه ملونة بالأحمر بها ثلاثة حمامات كانت تخصها هي.. هي حنين طفلته وحبيته التي رحلت…
يزفر بألم وقد سائت حالته الصحية، لا يريد الذهاب لطبيب وأمه تضغط عليه، لا أحد يشعر به..
لا أحد يشعر بالنيران المتأججة بصدره.. وأمه لا تنفك تبحث عن عروس مناسبة له..
عروس ستأخذ بقايا رجل، رجل دون قلب..
فتح الخزانة وقد دمعت عيناه أمسك باحداهن برفق من جناحيها.. حمامة بيضاء ذات جناحين رمادية، تأملها وقد شرد بأخرى كان يتمنى بأن ترى حماماتها بعد أن أهتم بهم لأجلها..
رغم ضيقها الذي ترسمه بأنها لا تحب الحمام أو الطيور عامة ً، إلا أنه يعلم أن بداخلها طفلة تفرح بتلك الهدايا..
سحب شهيقاً طويلاً لصدره أخرجه دفعة واحدة وهو يلقى بالحمامة بالهواء فتطير بعيداً… بعيداً عن عينيه..
وأمسك بالثانية يدندن بغنوة غناها لها هنا بذات المكان.. وقد تحشرج صوته..
” ياحمام بتنوح ليه.. فكرت عليا الحبايب..”
وقد غصت العبرة حلقه.. ليلقي بالثانية بالهواء يفعل كما فعل بالأولى..
“ياحمام ضاع منك إيه.. دوبتني كدة فوق ماانا دايب”..
وأمسك الثالثة يتحسسها بـ فقد.. اشتاق وسيشتاق.. وسيعتاد على الاشتياق..
” عيباً أجول على نفسي احترت أو أقول وليف روحي هجرني ”
وألقاها يتابعها تحلق عالياً ، كانت حبيسة وكان هو السجان..
” من بين عيون الناس اخترت جوز العيون اللي جتلني ”
.. وأغلق الخزانه، ستغلق للأبد
“دانا ياحمام زيك نايح.. والحزن ده له لو لون وروايح…”
واستدار يغادر دون أن يلتفت.. يغلق باب السطح.. وتلك المرة ستكون بلا رجعة…!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بيت القاسم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى