روايات

رواية غوثهم الفصل الثالث والستون 63 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل الثالث والستون 63 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل الثالث والستون

رواية غوثهم البارت الثالث والستون

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة الثالثة والستون

“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل الثالث والستون”
“يــا صـبـر أيـوب”
__________________
فجر أطل على الوجود فأطلع
فجر أطل على الوجود فأطلع
شمسين شمس سنا وشمس هدى معا
فجر أطل على الوجود
فأطلع شمسين شمس سنا وشمس هدى معا
ظلت مطالع كل شمس لاترى
من بعده شيئا كمكة مطلعا قبس من الرحمن
لاح قبس من الرحمن لاح
فلم يدع لألاؤه فوق البسيطة موضعا
قبس من الرحمن لاح
فلم يدع لألاؤه فوق البسيطة موضعا
ما كان ميلاد الرسول المصطفى.
_”نصر الدين طوبار”
__________________________________
_ألم أخبركِ أنني أخشىٰ الغياب
وأخشىٰ الترك بدونِ أسباب؟
وصرتُ أهتف بكل أملٍ أن تعودي…
عودي لي من جديد فأنتِ بكل الأحباب،
وأعدكِ أن أكون معكِ حينما تكوني أنتِ بعيد،
أعدكِ أن أكون أمامك من جديد،
لطالما سبق وأخبرتكِ أنني هُنا..
فلا تخشي من حولكِ
لأنني حتمًا ودائمًا وأبدًا لأجلكِ هُنا،
أرجوكِ أن تَرُدي…
رُدي وأعطي الجواب،
أجيبي عليَّ ولا توصدي أمام أملي ورجائي الباب.
<“لا غَيب الله بين قلوبنا، ولا بعد بين سُبلنا”>
الخوف في حد ذاتهِ هو إحدى الصور الأخرىٰ للموت الغير رحيم، تخشى كل شيءٍ حولك وكأنك ستلقى حتفكَ لا محالة من وجوب هذا الشيء، كل ماهو حولك يُجبرك على الخوف ويجبرك على الاستسلام، وقلبك الضعيف لم يتحمل انقباضة الخوف هذه، هذا تحديدًا هو شعور “يـوسف” عند وصولهِ للبيتِ ليجده فارغًا منها، وقد أخبرته والدتها أنها لم تأتِ بعد وآخر الحديث بينهما كان منذ ما يقرب الساعتين أو أكثر، لذا اندفع يسألها بقلقٍ تفاقم عن السابق:
_متأكدة يا “مـي” ؟ طب مقالتش ليكِ هتجيب حاجة أو تبص على حاجة ؟ بقالها دلوقتي أكتر من ٤ ساعات برة الشغل على حسب كلامهم.
قلب الأم لم يَكذب ولم يُكذب حدسهِ، ينذرها أن هناك مكروهٌ يصيب ابنتها بكت أمامه وهي تحرك رأسها نفيًا بخوفٍ أرادت أن تركض وتنزل للبحث عنها حتى أوقفها “يـوسف” حينما أعترض طريقها وهتف بنبرةٍ جامدة بنفاذ صبرٍ حينما لاحظ تحكرها:
_أنا هجيبها، مش عاوزك تخافي، وعد إني هرجعلك بيها.
نزلت دموعها من جديد فيما خرج هو من شقتها يتوجه للسطحِ مرة أخيرة آملًا في رؤيتها بهِ، أملًا في تواجدها تنتظره كما اعتادا مؤخرًا، لكن المكان أيضًا فَرُغَ منها ليصبح باهتًا وكأن هي اللون الوحيد المُزدهر بهذا المكان، خرج من بنايتهِ يتوجه إلى بيت “العطار” وهو يراه السبيل الأخير في محاولة إيجادها، ذهب إلى هناك بقلبٍ كاد أن يتوقف عن أدائهِ ورأها محاولة فاشلة بكافة المقاييس لكنه تمسك بالأملِ الكاذب أن تكون هناك.
وصل للبيت يضرب جرسه بأنامل مشدودة جعلت “أيـوب” يترك غرفته والصغير ويتوجه إلى الباب يفتحه ليجد أمامه “يـوسف” يسأل بنبرةٍ ضائعة:
_”عـهد” مجاتش هنا يا “أيـوب”؟.
كرر الآخر خلفه مستنكرًا قوله الغريب:
_”عـهد” !! لأ فيه حاجة ولا إيه ؟ اتخانقتوا مع بعض؟.
حرك رأسه نفيًا ثم هتف بنبرةٍ تشبه سابقتها بِخلاف أن الألم بدا أكثر وضوحًا عليها حين هتف:
_لأ…بس هي خرجت من الشغل وأنا مش لاقيها، مَروحتش ومراحتش عند حد ولا حتى رجعت شغلها وموبايلها مقفول، قولت آخر أمل ليا إنها تكون هنا، بس حتى دا أمل كداب.
انتبه له “أيـوب” وقد جال بخاطره فكرةٌ أخرىٰ لذا هتفها سريعًا مُخمنًا بقولهِ:
_طب يمكن حست إنها مضغوطة شوية راحت بيت والدها؟
كأن حديثه هو آخر ما انتبه له “يـوسف” ليخرجه من هذه الحالة وقد ثبت عينيه عليه وعاد الأمل له من جديد بتواجدها هناك وهو يفكر مليًا كيف لم تخطر هذه الفكرة برأسهِ؟ كاد أن يلتفت ويترك المكان بخطواتٍ سريعة تشبه خطوات اللص بركضهِ بالمسروقات ليوقفه “أيـوب” حينما أعترض طريقه وهتف بنبرةٍ قوية لا تقبل مناقشة:
_استنى هلبس جاكيت وأجي معاك.
لم يتركه كثيرًا ينتظره بل خطف سترته الرياضية السوداء ثم ارتداها بلهفةٍ وخطف هاتفه كذلك ثم ركض له حتى تحرك الإثنان مع بعضهما نحو بيت “عـابد” حتى يبحثون عنها به، وقد توجه “يـوسف” إلى هُناك فورًا وفتح الشقة يبحث عنها بأملٍ ازداد عند وصولهِ وسرعان ما تبخر عند دخوله الشقة ليجدها فارغةً منها حينما بحث عنها في كل ركنٍ بها، اقترب منه الأخر يسأل بقلقٍ:
_مش هنا !!
حرك رأسه نفيًا بخيبة أملٍ جعلت “أيـوب” يتحرك نحو شقة عمها “وجـدي” ثم طرق بابها وخلفه “يـوسف” الذي يتحرك بتيهٍ أعجزه عن كل شيءٍ وكأن الخوف عليها هو مرضٌ أصاب جسده ليشل حركته تمامًا، خرج لهما عمها بوجهٍ يظهر عليه أثر النوم وهو يحاول فتح عينيه يستنبط هويتهما ليقول “يـوسف” بلهفةٍ:
_مراتي فين؟؟ مختفية بقالها ساعات ولو عرفت إنك عملت حاجة فيها وربنا لأكون فاصل راسك عن جسمك.
عقد ملامحه وضاقت المسافة بين حاجبيه يردد مستنكرًا:
_وأنا هعرف منين مراتك فين؟ تلاقيك قليت أدبك عليها ولا زعلتها علشان كدا سابتك ومشيت، هتيجي تعمل هنا إيه يعني ؟.
كاد أن يقترب منه “يـوسف” يفرغ به شحنة غضبه وطاقته السلبية لكن “أيـوب” أعترض طريقه ومنعه عن ذلك حينما هتف يستجدِ الأخر بقولهِ الهاديء:
_اسمع مني مراته غايبة وهو مش لاقيها فلو تعرف حاجة ياريت تقولها أحسن علشان ميحصلهاش حاجة، متنساش إن قبل ما هي تكون مراته فهي بنت أخوك لحمك ودمك، يعني المفروض تكون مسئول عنها قدام ربنا، يا حج لو تعرف حاجة قول أحسن.
بالفعل هو لم يفعل أي شيءٍ ولم يعلم أي شيءٍ لذا هتف بنبرةٍ هادئة يشير نحو الداخل بقولهِ:
_أنا معرفش عنها حاجة، لو عاوزين تدخلوا تدوروا بنفسكم اتفضلوا، مش همنعكم ولو عاوزين شقة عمتها فوق اطلعوا برضه شوفوها هي فوق.
رد عليه “أيـوب” بثباتٍ بدلًا عن الأخر:
_ملهوش لزوم، بس لو عرفت إن حد فيكم ليه يد، حسابه هيبقى معايا أنا مش مع حد غيري ويا ويله اللي ميجيش منه نفسه والدنيا ترغمه.
أغلق الرجل الباب وجلس على المقعد مشدوهًا بعد رحيل الإثنين وهو يفكر أين تكون ذهبت ابنة شقيقه؟ الوقت تخطى منتصف الليل، هل يُعقل أن تكون هربت أو ذهبت لأي مكانٍ تخرج منه عن إطار الأخلاق والقوة التي تُجيد رسمهما أمام الجميع؟ فتاة بقوتها هذه هل يُعقل أن تكون أصابها مكروهٌ؟
في الأسفل وقف “يـوسف” يُتابع البيت بعينيه على أملٍ أن يجدها، انتابه القلق ونهش في قلبهِ، من الأساس هي ضعيفة تحتاج إلى قوته هو وتواجده هو؟ ماذا إذا لم يلحقها وإذا تأخر عنها؟ وقد تذكر أمر سكن “سـعد” في بيتهم لذلك ركض سريعًا وخَلَّفهُ “أيــوب” الذي ركض له بسرعةٍ كُبرى يسأله بلهفةٍ:
_أنتَ رايح فين؟ استنى بس فهمني.
التفت له يهتف بنبرةٍ جامدة أقرب للصراخ:
_مفيش غيره، هو الـ*** “سـعد” جه سكن في البيت اللي قاعدين فيه إمبارح وأكيد قدر يخطفها، أقسم بالله لأكون مموته في أيدي ومخلص عليه وقبلها هجيب مراتي.
ذُهل “أيـوب” من حديث الأخر ورمش بعينيه مُستنكرًا الحديث برمتهِ فوجد الأخر يستأنف سيرهِ بنفس الطريقة ومعه سار “أيـوب” حتى عادا للبناية من جديد وتحديدًا للطابق الثاني ليسأل “يـوسف” بنبرةٍ هادرة من بين شفتيه:
_فين شقة الحج “تـوحيد” ؟؟ أنـهي واحدة في دول !!!
أشار له “أيـوب” عليها ليمسك الأخر زمام الأمور منه ثم طرق على الباب بكامل قوته حتى فُتِحَ له وخرج منه “سـعد” يسأله ببرودٍ:
_خير يا جاري ؟ مزنوق في بصلتين ولا إيه؟.
أمسك “يوسف” تلابيبه يقبض عليها هاتفًا من بين أسنانه بغيظٍ وبأعصابٍ متأججة مثل النيران في محجرها تبلغ أشدها:
_ولا !! مراتي فين، أنطق الحركة دي متخرجش برة وساختك، انطق هي فين بدل ما أقطع لسانك وأنت حي.
حرك كتفيه ببرودٍ يهتف بما يثير غيظه:
_عندك الشقة أهيه أدخل دور بنفسك عليها، لو مش مصدق خد مفاتيح محلي ودور تاني أو روح بيت أهلي يمكن أكون خدتها هناك أو حاجة.
بروده جعل “يـوسف” يضغط على عنقه أكثر بنيرانٍ تفاقمت عن المعقول حيث كل الخيالات التي تعصف بذهن المرء وهو في أوج غضبهِ، كاد أن يقتله ويلفظه أنفاسه الأخيرة مما جعل “أيـوب” يفصل بينهما ثم أبعد “يـوسف” وهتف بنبرةٍ جامدة حينما قبض على تلابيت “سـعد” من جديد:
_اسمع !! المرة دي بفورة معايا ومش هسمي عليك، لو مموتش في أيدي هتبقى عاجز خالص، ضربة واحدة مني هتخليك تموت نهائي، تعيش عمرك الباقي مكسح، لو عملت حاجة قول عليها بالأدب أحسنلك وعيش مرة من غير ماتكون مهزأ.
رد عليه بثباتٍ دون أن يُرمش له جفنٌ:
_والله اللي عندي قولته، هو يشوف مراته دايرة فين ولا عمل فيها إيه يخليها تمشي وتطفش منه، لو عاوزين مساعدة قولولي، عمي وقرايبه برضه موجودين.
حينها ربت “أيـوب” على كتفه يهتف بشراسةٍ لمعت في عينيهِ بقوةٍ هزت ثبات الأخر:
_خليك فاكرهم علشان هتحتاجهم، يلا يا “يـوسف”.
لم ينصت له الأخر بل دار في الشقة بأكملها متجاهلًا لهما وكاد أن يعترض “سـعد” لكن “أيـوب” أوقفه بقولهِ ساخرًا:
_أنتَ فاكرني بقوله يلا ليه؟ علشان يدخل يدور.
كان “يـوسف” يبحث عنها كما المجنون يدور بالشقة بمشاعر متناقضة يريد أن يراها وفي نفس الوقت يخشى أن يراها هنا، قلبه القوي أعلن ضعفه وخوفه عليها، وعيناه كادت أن تنطق باكيةً بقهرٍ عن ألم الفراق، أراد أن يبحث عنها مثل المجنون ويسير الطُرقات هائمًا لكن دون جدوى، لم يجدها أمام عينيه لكن قلبه يحدثه أنها حقًا تحتاجه.
خرج بكتفي متهدلين ينطق بصوتٍ ضاع منه ثباته:
_مش جوة.
لاحظه “أيـوب” وقدر مشاعره لذا أمسك مرفقه بعدما ترك الأخر ثم توجه به إلى الأسفل وأخرج هاتفه يطلب رقم شقيقه “أيـهم” لكن الهاتف كان مُغلقًا، حاول مرة وثانية حتى لجأ إلى مُطابق أخيه وهو “بيشوي”، وما إن أتصل به وصله صوت الأخر ناعسًا وهو ينطق بصوتهِ الأجش:
_إيـه يا “أيـوب” !! فيه حاجة ولا إيه؟.
هتف بلهفةٍ ردًا عليه:
_عاوزك تجيب “تَـيام” وتيجي دلوقتي وتتصل بـ “عبود” تقوله يجيب كل الشباب ويملوا حارة “العطار” قبل ساعة من اللحظة دي، يقفلوا الحارة كلها، مدام “عـهد” مختفية، يلا يا “بيشوي”.
انتفض الأخر بلهفةٍ من فراشهِ وسحب سترته الكُحلية يرتديها فوق ثياب البيت وخطف هاتفه ثم نزل ركضًا يمر على “تَـيام” ومعه الشباب الذين يعملون في وكالة “العـطار” ودومًا وأبدًا ولائهم له هو وذويه.
__________________________________
<“عقرب أجاد الخِفاء في الظلام لينشر سمه”>
دلف “سـعد” بعد نزولهما شرفته يراقب الوضع بعينيه بحالة انتشاء جعلته يفخر بدهائهِ، وقد سبق وترك محله مفتوحًا بالفعل وفقط أغلق الباب الزجاجي ليظهر لهم المحل من داخلهِ، مما يبعد عنهم فكرة تواجدها بهِ، أخرج سيجارته الممتلئة بالحشيش المُخدر ثم أشعلها وهو يتذكرها حينما استفاقت أمامه بعد قبضه عليها في حوزتهِ.
[منذ عدة ساعات قليلة قبل هذه]
تململت “عـهد” في نومتها إثر هذه الرائحة المارة بجوار أنفها وهي تجعد ملامحها وتحاول التغلب على ألم رأسها وعينيها وهي تتأوه بصوتٍ ضعيفٍ حتى فرقت جفونها عن بعضها وكان وجهه هو أول ما وقعت عليه عيناها، أول من ظهر أمامها كان هذا البغيض لينقبض قلبها فورًا وهي تجد نفسها مُلقاة على أرض الشقة وذارعها تم ربطه في مقعدٍ كبير الحجم وقد هتفت هي بنبرةٍ مهزوزة أظهرت خوفها:
_إيـه دا !! أنا هنا بعمل إيه ؟
اقترب منها بوجهها يهتف بنبرةٍ أقرب للهمس:
_أنتِ هنا معايا، وهتفضلي معايا بصراحة، أصل “يـوسف” مستحيل يفتكر إنك هنا، هيروح بيت أهلي أو بيتي اللي هو بيته ولا هيروح المحل ؟ عمره ما هيتخيل إنك هنا، علشان أنا أذكي منه بكتير.
انقبض قلبها بخوفٍ وبدت نظرة الذعر في عينيها واضحةً كما أنها حاولت أن تفتح فمها للتحدث فوجدته يقبض على فكهيا ثم هتف من بين أسنانه بوقاحةٍ:
_ما كنت قدامك أنا !! ها !! رفضتيني ليه؟ دا أنا كنت بتمنى قربك بس، كان عندي استعداد أولع في الدنيا كلها علشان تكوني ليا، لما جه هو فجأة كدا حسيتي إنك بقى عندك قلب وبيحب؟؟ هـا !!.
صرخ فيها حتى بكت هي بضعفٍ وهي ترى نفسها مُكبلة في هذا المكان الذي للأسف حمل ذكرياتها في صغرها والآن يحمل مساويء هذه الذكريات، ضغط أكثر عليها حتى ازددا بكاؤها ليقول هو بنبرةٍ حاقدة:
_الفلوس اللي معاه زغللت عينك !! ولا شكله ولبسه وعربيته؟ أحب أقولك مش هيكمل معاكي وهيسيبك، حياته مش شبه حياتك خالص، هيزهق منك ويرميكي وساعتها هتدوري عليا علشان ألحق استرك من الشارع.
هنا تسلحت بالشجاعة ودفعت كفه عن وجهها وهتفت بنبرةٍ جامدة توقفه عن الحديث عن زوجها بهذه الطريقة:
_علشان أنتَ معدوم الرجولة فاكره زيك، كنت عاوز تضحك عليا في الخطوبة والاسم إنك هتكون جوزي، بس دا بعيد عن أحلامك، أنا مش ليك، أنا ليه هو وبتاعته هو، واسمي بقى على اسمه هو، وبحبه هو، وهييجي وهتشوف.
هنا تحديدًا لم يتحمل حديثها، تُثني على آخرٍ غيره وتعترف أمامه بحبها له؟ قبض على خصلاتها بعنفٍ حتى تأوهت هي بصرخةٍ مكتومة، هذا البغيض يتعدى على حُرمة جسدها مما جعله يضيف باستمتاعٍ وهو يرى دموعها وخوفها منه:
_أنتِ ضيعتي كل حاجة كانت حلوة بينا، كنت بتخيلك في الشقة معايا مراتي وكل حاجة بينا حلوة، بس عندك ودماغك الناشفة دي خليتك تعاندي معايا وتقفي قدام حبي ليكي، اتطلقي منه أحسن برضاكي بدل ما يطلقك هو غصب قدام الناس كلها وتتفضحي.
ثبتت عينيها على وجههِ ليهتف من جديد بنفس الاستمتاع متشدقًا بانتصارٍ لذيذ الأثر عليه:
_أصل أنا محضرلك مفاجأة، صورك هنا مغرقة البيت كله بكل الاوضاع، واد خد مني فلوس كتير بس شغله يستاهل، بكرة بقى تليفونات الحارة كلها والنت هتبقى بصورك أنتِ، وهو هيصدق إنك كنتي معايا وجيتي بالغصب، إيه رأيك؟.
صرخت في وجهه بقهرٍ وعجزٍ جعله ينتصر عليها بعينيهِ ونظراته حتى سبته هي بأهلهِ وبصفت في وجهه، فلم يكن أمامه سوىٰ أن يصفعها بكفهِ بعنفٍ حتى ضُربت رأسها بالحائط خلفها لتصبح مغشيةً عليها تمامًا، بينما هو احتضن وجهها بين كفيه ينطق بآسفٍ:
_شوفتي بقى بتوصليني لإيـه؟.
أنهى حديثه ثم قام بربط ذراعها مرةٍ أخرى من منطقة الكتف حتى اتضح عليه التورم في الحال، وخاصةً من قرب منطقة الكتف وهو يطالعها على الأرض بضعفٍ خُيل له الكثير لكنه تعقل حتى تكون له برضاها وكأن مسألة انفصالها عنه باتت أمرًا لا مفرٍ منه، فأي رجلٍ سيقبل أن تكون زوجته مثل العَلكة تُلوك في كل فمٍ؟.
[عودة إلى هذه اللحظة]
في مرور دقائق أمتلأ الشارع بأكملهِ بالشباب بجوار “يوسف” و “أيـوب” ومعهما “عبدالقادر” على رأسهم ومعه “تَـيام” و “بيشوي” و “فَـضل” و “عُـدي” الذي لم يترك أخيه حتى تحدث كبيرهم بقولهِ:
_قدامكم قبل الصبح، تظهر وتيجي، تلفوا الحارة وأي حارة جنبها تدوروا عند كاميرات كل المحلات ترجعوا عند الشغل تاني وبعد الفجر أنا عاوز أشوفها قدامي واللي عمل كدا يكون تحت رجلي.
تلقوا منه الأوامر وبدأ انتشار الشباب في الحارة بأكملها، لطالما كانت من الأساس بأكملها خاضعةً له هو، حتى الشرطة تدخلها بأمرهِ هو، ومن الطبيعي أن تسير الأمور على هواه هو، أما “بيشوي” فوق يتحدث في الهاتف مع عدة أشخاص من المؤكد سيحتاج لهم حتى وقع بصره على “سـعد” في شرفة شقته مما جعله يُفكر لوهلةٍ أنه حقًا لو كان قام بخطفها لما وقف هكذا ليبدو مُتشفيًا بها، لكن لما أتى إلى هنا حتى يستأجر الشقة ؟.
صدح صوت هاتفه لينتشله من أفكاره حتى جاوب على الهاتف بعدما تنحى جانبًا، أما “يـوسف” فمن يراه لأول مرةٍ يشفق عليه من بعد مجيئه لأمهِ ولقاءه معها، هذا اللقاء القاتل الذي أودىٰ بقوتهِ، يقف الآن مهزومًا أمام الجميع وتلاشى ثباته وظهر عليه الخوف، بدت نظراته تائهة خاصةً بعدما فشل في إيجادها، كان يأمل في كل مكانٍ يذهبه، والآن فقط يحتاج إلى أمانٍ..
انتبه له “أيـوب” ولرعشة كفه وعلم أن سقوطه شارف لا شك في ذلك لذا أخذه من مرفقه ينطق بهدوءٍ يحاول الوصول إلى مراكز استيعابه حتى يجذب انظاره نحوه:
_أنتَ مش هينفع تكون ضعيف أو حتى تبان مهزوز، أطلع فوق أغسل وشك وأشرب مياه و أنزل تاني، كفك بيترعش وشكلك فاضل تكة وتنفجر في وشنا، بلاش دا يحصل، استنى مراتك لما تيجي وأدعي ربنا يردهالك.
طالعه “يـوسف” بعينين ترقرق بهما الدمعِ لكنه أبدًا لن يُظهر دموعه ولن يبكي، سيصمت ويَكُف عن كل شيءٍ، الآن فقط يحتاج إلى أمهِ، هي الحل الأمثل لذا ترك “أيـوب” بدون أي حديثٍ أخر ثم توجه لداخل البناية ومنها نحو شقته فورًا ليجد بها الجميع ومعهم حماته التي ما إن رأته انتفضت من محلها تسأله بأملٍ باكيةً:
_ها !! رجعت ؟؟
رفع عينيه نحوها ونفى ذلك برأسهِ لتبكي هي من جديد بضعفٍ وحسرةٍ على ابنتها وقد ضمت “قـمر” رأسها إلى صدرها وهي تمسح عليها وتقول بنبرة أقرب للبكاء:
_متخافيش هترجع والله، ادعي ربنا يردهالك وخلي أملك فيه كبير، بعدين بصي فيه كام حد مستعد أنه يقلب الدنيا علشانها، متخافيش خليكِ واثقة في “يوسف” من بعد ربنا إنه هيجيبها لغاية هنا سليمة.
حقًا ؟؟! هو من يحتاج القوة وهم يعتمدون عليه؟ هكذا فكر قبل أن ينسحب لداخل غرفته من أمامهم جميعًا أغلق الغرفة ووقف أمام المرآة يفكر بكل إهتمامٍ فيمن يكون قد فعلها غير “سـعد” ؟؟ هل يُعقل أن يكون “ماكسيم” ؟ حتى يضغط عليه؟ أو ربما يكون عمه لكي يستخدمها ضده في سحب الميراث منه، أو ربما يكون “سـامي” حتى يحرقه، أو من الممكن أن تكون “شـهد” !! تفعلها انتقامًا منه فيها؟.
امتلأت رأسه بأفكارٍ عِدة وكَثُرت ظنونه في اختفائها، تكدست رأسه تمامًا كما تتكدس المدينة بعد الظهيرة، أو بالأدق حينما ركضت أفكاره خلف بعضها بداخل رأسه وكثرت التخمينات وكلٌ منهم صوته يعلو فوق صوت الأخر بدون أي شفقة على رأسه حتى كادت أن تموت دماغه والأقرب أن رأسه كانت مثل ركض الحشد الجماهيري من أحد المباني العامة في حالة طواريء رافقها الصراخ، رفع كفيه يضعهما فوق أذنيه يَصمهما عن السمعِ، بات غوغاء رأسه وضجيجها لا يُحتمل، عادت الحالة من جديد تنتابه وكأنها تخبره أنه لن يتغلب عليها.
على الفور تذكر أمر “جَـواد” له حين هتف ينصحه بقولهِ المُغيث له من ألم رأسه في مثل هذه الحالات:
_في الحالة دي يا تصرخ يا تشخبط، أمسك ورقة وقلم وطلع كركبة راسك فيها، خرج اللي جواك في أي صورة تخليك ثابت، علشان لو اللي جواك مخرجش هيكون سبب في تدميرك أنتَ، أعتبرها دوا ليك في كل مرة تعطل فيها.
قام بخطف دفتره وقلمه ثم بدأ في رسم الخطوط بقوةٍ بعدما أغمض عينيه بشدة وكأنه يَسكب أفكار رأسه بداخل هذه الورقة، كان يلهث بقوةٍ وكأنه يركض من نفسه لمكانٍ عند وصوله له وجده رحل من أرضهِ، لذا استمر فيما يفعل حتى تمزقت الورقة وخارت قواه تمامًا.
لحقته “غَـالية” للداخل ثم أغلقت الغرفة خلفها حتى انتبه هو لدخولها وقد واقتربت تضمه لعناقها بصمتٍ، فقط احتضنت صغيرها الكبير وقالت بنبرةٍ مُحشرجة:
_متخافش، هترجع والله بخير، مش أنتَ قولت إنك حبيتها لدرجة بتخليك تسكت عقلك وتسمعك صوت قلبك؟ اسمع قلبك هيقولك إنها راجعة من تاني ليك.
وضع رأسه على صدرها بقوةٍ واهنة، لقد تلاشى ثباته والآن فقط يتمنى أن يبقى هنا بجوار أمه وأن تكون هي فقط مجرد فكرة من وسط زحام أفكاره أهون عليه مما أن تكون بعيدة عنه عينيه وتتأذىٰ وهو يعجز عن اللحاق بها وحمايتها، تُرى يا “يـوسف” هل بُليتَ بذنب الحب؟ أم أن حُبك ذاته هو الابتلاء بعينيهِ؟.
ضمته “غالية” بحماية لها وهي تبكي على حالهِ، صمته وعدم قدرته على الكلامِ والخوف المقروء بنظراتهِ وارتجافة كفه أسفل كفها، كل ذلك انبئها عن حالة ابنها، أما هو فعامل نفسه مثل الجهاز الذي فرغت طاقته ووقف يشحن هذه الطاقة من خلال عناق أمه وحينها سيعود من جديد لكن بشكلٍ أصعب.
__________________________________
<“لم تزورنا في ديارنا، هي فقط سكنت قلوبنا”>
كعادتها حينما يتركها وينام تسهر هي برفقة الصغيرة “جـودي” تلعب معها وتعتني بها وبخصلاتها وقد صدح صوت هاتفها مساءً برقم “ضُـحى” حتى تعجبت هي وتحركت من جوار الصغيرة تجاوب على المكالمة بقلقٍ:
_مساء الخير، خير يا “ضُـحى” فيه حاجة ولا إيه؟
جاوبتها الأخرى بقلقٍ بعدما وزعت نظراتها على النساء:
_مساء النور، أنا آسفة أني بكلمك دلوقتي بس هي “عـهد” مرات يوسف مجاتش عندكم مثلًا؟ يعني فكرت إنها تيجي تقعد عندكم شوية أو حاجة ؟.
انتاب القلق قلب “سـمارة” التي هتفت ردًا عليها بخوفٍ:
_لأ يا حبيبتي، هتكون فين يعني؟ طب هي نزلت إمتى الساعة دلوقتي ٣ الفجر، بقالها كتير؟؟
هتفت الأخرى بأسفٍ وقد ارتسم الإحباط على ملامحها:
_للأسف بقالها كتير أوي من الساعة ٨ أو تسعة على حسب كلام زميلتها يعني، معلش ازعجتك لو عرفت حاجة هطمنك.
أغلقت فورًا وهي تهز رأسها نفيًا لهن وقد وقف “يوسف” على أعتاب الشقة ينتظر الأمل الأخير بعدما هاتف حارس أرضهِ يسأله احتمالية مجيئها إليه لكن الأخر نفى ذلك وأخبره أن الأرض فارغة وهو يحرسها كعادتهِ لم يدخلها أي أحدٍ.
تحركت “سمارة” نحو غرفة نومها لتجده ينام بعمقٍ وحينها جلست بهدوء تجاوره وهي تقول بنبرةٍ هادئة حتى لا تفزعه في نومهِ:
_”إيـهاب”…سي “إيـهاب” اصحى يا أخويا.
انتبه لصوتها فتململ في نومته وقبل أن ينقلب للجهة الأخرى أوقفته هي بسرعةٍ كُبرى وهي تقول بلهفةٍ حتى توقظه:
_يا أخويا اصحى الله لا يسيئك، فيه مصيبة سودا.
فتح عينيه بفزعٍ وسألها بخوفٍ على خَيلهِ الوفي:
_إيه ؟! “عنتر” عملها وهرب؟.
لوت فمها بتهكمٍ ثم هتفت بضجرٍ:
_لأ يا أخويا، سي “عـنتر” بتاعك في الحفظ والصون، بس “عـهد” مرات “يـوسف” مش لقيينها وكانوا فاكرينها جت هنا، أنا أهو بقولك علشان مترجعش تزعق فيا وتقولي أني باردة، شوف بقى هتعمل إيـه.
انتفض في جلسته مُسرعًا لتخبره هي بما أخبرتها عنه “ضُـحىٰ” ليخرج من موضعه يهتف فيها بعجالةٍ حتى تتحرك وتعاونه في إخراج ملابسه حتى يرى ما يتوجب عليه فعله:
_طب جهزي ليا طقم بسرعة، لحد ما أشوف كدا حل.
تحركت من أمامه بسرعةٍ فيما سحب هو هاتفه يحاول التواصل مع “يـوسف” لكن الهاتف لم يكن بتغطيةٍ قوية لذا قرر أن يذهب إليه حتى يقف معه فهو يعلم ما يمكن أن يفعله في غضبهِ خاصةً عند مساس أحبته.
__________________________________
<“المصلحة العامة لن تنفعنا، أترانا من مجلس الدولة”>
نزل “يـوسف” وسطهم من جديد يتابع قدوم الشباب تباعًا خلف بعضهم ينفون قدرتهم على إيجادها، أما هو فاستعاد ثباته وقوته من جديد ليجد “سـعد” لازال في شرفتهِ كأنه يراقبهم !! لما لا من المؤكد يراقبهم حتى يعلم أين هي وقد لفت نظره مشاجرة “أيـوب” و “بيشوي” معًا !!.
لم يصدق نفسهِ حينما وصله صوت “بيشوي” يهتف بنبرةٍ عالية أمام الجميع ينفعل في وجه “أيـوب”:
_خلصنا خلاص يا “أيـوب” !! هنعمل إيه يعني نموت نفسنا طيب؟ مش لاقيينها، يشوف هو مراته بقى راحت فين إحنا ورانا شغل الصبح مش هنوقف حالنا، كلم النُقطة تيجي هنا تدور هي وتغربل الحارة، هنعمل إيـه يعني؟؟.
هتف “أيـوب” بنبرةٍ عالية هو الأخر أمامه:
_متعليش صوتك عليا يا “بيشوي” محدش هنا هيتحرك غير لما مراته تظهر، اللي قولته يتنفذ ويتسمع والرجالة مش هتتحرك من هنا، من إمتى واحنا بنسيب حد؟؟.
تجاهله “بـيشوي” والتفت للرجال يهتف بوقاحةٍ وكأن الأمر لا يُعنيه من الأساس:
_رجالة على بيوتكم يلا ورانا شغل كتير لسه، بكرة بقى نبقى ندور، معلش يا حج الرجالة مش فرض عليها تعمل كدا تعبوا من اللف والدوران خلاص، مفيش في أيدينا حاجة.
أقترب “يـوسف” منه يهتف بنبرةٍ جامدة:
_روح أنتَ يا “بـيشوي” ومعلش تعبناك معانا، مراتي أنا ه‍جيبها بمعرفتي لحد عندي، مش عاوزة مساعدة من حد، روحوا كلكم، يلا يا حج خد ابنك وروح أرتاح.
نظر له “عبدالقادر” بخيبة أملٍ وهكذا نظر لـ “بيشوي” الذي تجاهل نظراته هو الأخر وأمر الرجال بالرحيل حتى اختفى أثرهم وأثره هو الأخر فيما انفضوا تباعًا من حول “يـوسف” الذي لم يبقى معه سوى “أيـوب” وخاله وابن خاله فقط.
مرت لحظات أخرى تبعها صعودهم إلى الأعلىٰ لتفرغ الحارة تمامًا في الأسفل، لم يكن بها أي شخصٍ حتى “يـوسف” تم إقناعه بصعوبةٍ بالغة أن يصعد إلى شقته وقد تبعه إلى هناك “إيـهاب” الذي وصل إليه ليكون بجوار رفيقه لا يتركه في أزمته.
جلس “يـوسف” يضع كفيه على رأسه وبجواره “إيـهاب” الذي حاول بكافة الطرق أن يقدم المعاونة له لكن الأخر عجز حتى عن معرفة الطريق ويتوجب عليه أن ينتظر مرور أربعة وعشرين ساعة لتتحرك الشرطة وتبحث له عن زوجته، حتى البقية تخلوا عنه وأولهم “بيشوي”؟.
أما “أيـوب” فلم يقو على التحدث خاصةً أن زوجته كانت تطالعه بخوفٍ، تطلب منه المساعدة والإغاثة لشقيقها حتى طمئنها هو بنظراتهِ وقد صدح صوت هاتفه برقمٍ جعله يتحرك بلهفةٍ ثم يجاوب على المكالمة ثم عاد من جديد يجاور “يـوسف” بصمتٍ بعد خيبة الأمل التي لاحقته.
في بيت “عـابد” تيقن “سـعد” من فراغ الحارة وتخلي البقية عن “يـوسف” ويأسهم من محاولة الوصول لها، وقد فرح كثيرًا بدهائه حينما استأجر الشقة الأخرى ليُبعد عنه أية شبوهات تبلور الإتهام لمركزه هو، دلف الشقة يراقب هذه النائمة التي تورم ذراعها من كثرة الضغط عليه وسالت الدماء من جانب فمها صفعها على وجهها.
جثى على ركبتيهِ ثم رفع كفه يضغط على وجهها بشدة انتقامًا لنفسهِ، يتلذذ برؤية ألمها أمامه لتؤكد له حجم قوته وقد صفعها على وجهها من جديد ليصاب خَدِها الأخر وقد استفاقت إثر الصفعة لتبكي من جديد فوجدته يقبض على خصلاتها يتشفى بها بقولهِ:
_مجاش يا حلوة، ومش هييجي علشان مش هيعرف ييجي، كدا الناس كلها شهدت إنك مش موجودة ومفيش أي كاميرات تحت شغالة يعني محدش عارف روحتي فين، فجيتي لحد هنا برجلك ليه؟ علشان تقضي الليلة معايا، علشان بتحبيني ومجبورة على الجواز منه، دا الكلام اللي كله هيقوله، ما تيجي بقى نخليه حقيقة؟.
للأسف حركتها مكبلة لذلك عجزت عن صفعهِ لكنها فمها لم يُكبل لذا بصقت في وجهه من جديد باشمئزازٍ من مدى حقارته، لقد تخطى حد المعقول في حقارته، لم يستوعب بعد أنها تخص شخصًا غيره؟ ألم يعلم حتى لو القليل بأمور دينه لكي يستدل على حُرمانية أفعاله؟ أما هو فصفعها من جديد، هذه هي الطريقة التي تُسكتها تمامًا حتى تثبت له قوته
تجهز لكي يتقرب منها وقبل أن يفعل أي شيءٍ تعجب من فتح الباب بهدوءٍ ليطل منه “يـوسف” الذي هتف بنبرةٍ هادرة جمدت حركته أو شلتها أيهما أقرب:
_لو إيدك قربت شعراية كمان، أنا هقطعلك بس مش إيدك، هقطع رقبة أمك ******، إيدك من على مراتــي يـــالا.
التفت له “سـعد” بصدمةٍ جلية على ملامحه لا يصدق أنه أصبح هنا حقًا !! كيف أتى إليه وكيف بهذه السرعة قبل أن يُتمم ما خطط هو له؟ والمفاجأة الأكبر كانت من نصيبه حينما دلف “أيـوب” ثم أقترب منه يضربه برأسهِ ثم سحبه كما البهيم يُكبل حركته على الفور.
بينما “يـوسف” ركض لهذه التي غابت عن الوعي بخوفٍ بلغ أشد أشده أيضًا، وقد توقف قلبه تمامًا وهو يحل وثاقها بلهفةٍ ثم ربت على وجنتيها بلوعةٍ حتى يوقظها وهتف في “أيـوب” بخوفٍ:
_هي مش بترد عليا يا “أيـوب”؟.
جاوبه “أيـوب” الذي كان يربط كفي “سـعد” جيدًا حتى لا يهرب وقد خرج حديثه قويًا بلهجةٍ أمرة:
_خدها على البيت بسرعة، يلا.
خفى “يـوسف” خصلاتها الثائرة وسحب حقيبتها ورفعها بكلا ذراعيهِ وركض بها نحو الخارج ليتجه من بعده “بـيشوي” نحو الشقة يجاور “أيـوب” الذي ربط “سـعد” محلها سابقًا بعدما خلع عنه ثيابهِ، كان الانتقام بداخلهِ كبيرًا بدايةً من اعتقالهِ في مرته الأولى حتى هذه اللحظة التي قام فيها بالتعدي على زوجة رفيقه.
عاونه “بيشوي” فيما يفعله ثم قام بإغلاق كافة النوافذ وسحب منه مفاتيح الشقة بقى عاريًا فقط يرتدي سرواله الداخلي بعدما غفى تمامًا من قوة الضربة التي تلقاها من “أيـوب” وقد هتف الأول يسأله باهتمامٍ:
_هنسيبه هنا ونبلغ !! ولا نروح مع “يـوسف”؟.
انتبه له “أيـوب” وهتف بمقتٍ شديد لم ينفك عن محلهِ بخصوص هذا القذر الفج الذي يجلس أمامه:
_دا ليه دور حلو لسه، أنا حلفت يمين مش هرجع فيه وقولتله فاضل ليه عندي تكة واحدة يوم ما هيعملها ويعدي حدوده، أنا هربيه قدام الكبير قبل الصغير، علشان كدا ليه روقة، خليه مرمي هنا زي الفار في جحره.
تحرك “أيـوب” أولًا وخلفه هذا الداهية كما يلقبونه، شخصٌ يجيد صيد فريسته بكل سهولة وقد انطوت لعبته على “سـعد” الذي صدق تخليه عن “يـوسف” وهذا الغبي لم يعلم إنها فقط طريقة ليوقعه في شباكهِ، أبتسم “بيشوي” بظفرٍ ثم التفت يُغلق الباب لكن قبلها أمسك الحذاء الملقى بإهمال أمام باب الشقة ليقذفه بها في وجهه ثم هتف بعدها بانتصارٍ يسبه سبة بذيئة:
_بالشفا يا ***.
__________________________________
<“لحظة النصرِ وأنتم معنا هُنا”>
لقد أعادها حقًا، أصبحت بين ذراعيهِ، أضحت شيئًا ماديًا يلمسه بيده ويتأكد من صدق تواجدها، دلف بها غرفتها يضعها على الفراش وقد ركضت له نساء العائلة وأولهن أمها التي بكت بلوعةٍ ومعها الفتاة الصغيرة، أتت قبل شروق الشمس لتمحي ظلمة الليل بأكملهِ، رغم سعادتهم بعودتها إلا أن رؤيتهم لها بهذا الوضع المُزري جعلهم يشفقون عليها، وجهها تورم بشدة وجانب فمها ظهر عليه جرحٌ نتيجة الصفعة بالاضافة إلى تورم ذراعها وكفها من عند رسغها.
لقد عانت خلال الساعات المنصرمة وقد دلف الطبيب برفقة “عبدالقادر” الذي استأذن من الخارج حتى سمحوا له أن يدخل لهم، أما الطبيب فاهتم بجرح وجهها وتورم وجنتيها وذراعها ثم قام بربط كفها برابط الضغط حتى تفيق بعد ذلك ثم تحسبًا للقادم أعطاها إبرة طبية في حالة سكونها هذه.
راقبوه وهو يكشف عليها ليشرح لهم أن الأمر فقط في عدة كدماتٍ ستذهب خلال أيام وفقط تحتاج للراحة حتى تفيق ويظهر عليها أثر السابق إذا كان تسبب في أي إنهيارٍ لها، كان “يـوسف” يراقب ملامحها بكل شغفٍ، عيناه تنطق بلهفته وشوقه لها وتسرد حاله في الساعات السابقة عندما اختفت عن مرمى بصرهِ، وقد انسحبوا من الغرفة يتركوه بمفردهِ معها، أما هو فبمجرد اختفاء الجميع عنه قام بفك حجاب رأسها عنها ثم قام برفعها لتكون مستندة بجسدها عليه هو.
ضمها بكلا ذراعيهِ بحمايةٍ وهو يعلم أن القادم في حالة اضطرابها سيكون صعبًا، لذا عليه أن يبقى بقربها وأن يكون معها، جلس يحميها ثم مد كفه يسحب فرشاة الشعر الموضوعة بجوار الفراش يقوم بتمشيط هذه الخصلات الثائرة حول وجهها ثم ضمها مع بعضها بمشبك شعرها وأسكنها بين ذراعيه يشدد مسكته لها وكأنه طفلٌ صغيرٌ عادت له رفيقته المُفضلة من بعد غُربتها عنه.
الآن فقط يستطع أن ينام ويغفو ويتنفس أيضًا، يكفيه أن تكون هي بقربهِ وألا يكون كما كان غريبًا، فحتى وإن غدا غريبًا أمام نفسه، يأتي عند عينيها ويجد هوية وطنهِ.
بالخارج أنهى “أيـوب” الصلاة بالناس في المسجد ثم توجه إلى بيت زوجته يطمئن على الأحوال هناك ليجدها تقريبًا كانت تنتظره على أعتاب الشقة، وما إن صعد لها أقتربت منه تشكره بنبرةٍ باكية وهي تقول:
_شكرًا علشان مسيبتش “يـوسف” وشكرًا على كل حاجة، شكله من غيرها قطع قلبي، بس كنت متطمنة علشان أنتَ معانا، حسيت إنك مش هتأثر وفعلًا مأثرتش، صدق اللي قال إنك زي الغوث، بتنقذ أي حد محتاجك.
ابتسم هو لها ثم هتف بنبرةٍ هادئة متواضعة:
_أنا معملتش حاجة، ربنا جعلني سبب الحمد لله، وبرضه الشكر لله إنه مطولش علينا بغيابها، عاوزك تطمني لو على “سـعد” أمره انتهى بأمر الله تعالى، هيترمي في السجن ومش هيقدر يخرج بس قبلها هيتأدب بأيدي أنا.
هتفت حينها بخوفٍ عليهِ حينما لمحت الإصرار في عينيهِ انتقامًا من هذا المدعو “سـعد”:
_علشان خاطري متأذيش نفسك، مش عاوزة أخاف عليك وأحس بخطورة، لو تقدروا تبلغوا عنه أحسن من سكات يكون أفضل للكل، وبلاش تعمل حاجة عكس شخصيتك.
اندفع يرد عليها بغير تعقل وكأنها لمست أهم الأوتار بشأن هذا الموضوع الذي يشغل بالهِ كثيرًا:
_بس أنا طبعي مش الجُبن يا “قـمر” وشخصيتي مش ضعيفة علشان أعدي اللي حصل منه، أنا بسببه ضاع مني النوم والهدوء وبقيت إرهابي الناس كلها بتجيب في سيرته، بسببه أنا أبويا كان بيفضل شهر ميخرجش من البيت علشان عارف إني جوة بتضرب وبتهان بس، بسببه أخوك ِ وقف تايه مش قادر يتصرف وبنت الناس اللي جوة دي روحنا لقيناه مربطها زي الجواري، أنا مش مسامح ومش هقدر أسكت عن الباطل علشان جربت بلساني محوقش وبالأدب محوقش مفاضلش غير قلة الأدب بقى.
علمت من انفعالهِ بهذه الطريقة أنه لن يرضخ بسهولةٍ ولن يوافق على التراجع، كانت تأمل أن يكون هو الطرف الهاديء فيكفيها نظرات شقيقها حتى الآن التي وبرغم حزنها إلا أنها لمحت إصرار الثأر فيها، لذا هتفت تستجديه أن يتعقل بقولها:
_حتى لو قولتلك علشان خاطري أنا، متدخلش في حاجة؟ وخلي بابا “عبدالقادر” هو يتصرف؟ هتقولي إيه ؟.
هتف بنفس الإصرار مؤكدًا تمسكه برأيهِ:
_هقولك لأ يا “قـمر”، هيتربى ويبقى عبرة لغيره، قدام الكل هأدبه علشان يخطف ستات كويس ويفرح بواسطته على الناس وهو ماشي يدوس عليهم، ومتفتحيش معايا الموضوع تاني علشان أنا مش هسكت.
هتفت هي الأخرى باندفاعٍ بعدما وجدته متمسكًا برأيهِ:
_ماشي يا “أيـوب” عن إذنك بس افتكر أني بطلب منك طلب واحد غرضه هو أنتَ، وأنتَ مش عاوز تسمعلي، ولا راضي تحسبها بالعقل، عن إذنك.
تركته ودلفت غرفتها تهرب من أمامه بضيقٍ اتضح عليها فيما انسحب هو من جديد للأسفل بعدما أغلق الباب، لن يقبل هذه المرة بالسكوت، في كل مرّةٍ كان يسكت لأجل السماح آملًا أن يهتدي الأخر معه أو لربما يكون قدوةً صالحة، لكن هل يتوجب عليه أن يكون دون شخصية حتى يُقتدى به؟ دينه لم يأمره أن يكون ضعيفًا بل طلب منه أن يعتدل في أحكامهِ.
__________________________________
<“لاحقنا ماضي يقتلنا في حاضرنا”>
تمم على أمور صديقه وأطمئن عليهِ وتأكد أنه لم يحتاجه، علم أن صديقه سيكون له رد الفعل الأقوى لذا عاد إلى بيتهِ بعدما أدى صلاة الفجر مع سكان الحارة خلف “أيـوب” ليعود من جديد إلى زوجته يُكمل ساعات نومهِ، وقد ربه أنه ذهب إلى هناك وأعطى “يـوسف” هذه الإبرة الصغيرة التي يفتح بها الأبواب الموصدة جميعها.
وصل إلى فناء البيت ليجد “نَـعيم” جالسًا بمفردهِ حتى أنه لم يسأل عن الأحوال كما المعتاد، فقط بكلماتٍ مقتضبة هتف:
_ها !! طمني جت بخير؟.
كان قد سبق وهاتفه وأكد له أنها عادت من جديد، فأومأ موافقًا وهتف مؤكدًا بحيرةٍ:
_جت الحمد لله بس معرفش “الغريب” ناوي على إيه، لو مقتلهوش وقطع رقبته أو قطع حاجة تانية يبقى الواد دا قلبه طيب بأمانة، مع أني باللي شوفته متأكد إن “أيـوب” لوحده هيعمله نمرة حلوة أوي.
ضحك “نَـعيم” رغمًا عنه لكن الأخر لم يخفى عنه ألمه البائن في نظراته ووجعه وانكسار روحه لذا ترك محله ثم جلس على عاقبيهِ أمامه يهتف بنبرةٍ هادئة:
_مالك بس يا أبويا ؟ مين مزعلك ياعم الناس كلها.
مازحه بكلماته حتى ضحك “نَـعيم” وسحب نفسًا عميقًا وهتف يصارحه بقولهِ كونه يعتبره النسخة الأخرى منه:
_فيه حمل تقيل ظهرلي مرة واحدة، علشان الهم يبقى همين فوق بعض، حاجة حييتني من جديد مستنيها من سنين ولو حصلت أنا ممكن أروح فيها من فرحتي، مستنيها بفراغ الجوف من الصبر زي خيل واقف في ميدان السباق وواقف مستني الطلقة اللي تخليه يتحرك، مش عارف أفرح ولا أحزن بس أنا متعشم في رب كريم.
ربت “إيـهاب” على كفه بكلا كفيهِ معًا وهتف بثباتٍ وقد استشف سبب الحديث وعلم جيدًا المقصد منه:
_لو قصدك أنه يخص اللي غايب يبقى لازم تتعشم في ربنا، هيرجع إن شاء الله، ولو مرجعش يبقى ربنا هيعوضك، أقولك ؟ أنتَ بتحب تأكل، أدبح حاجة لله علشان تأكل الناس الغلابة، فاكر كلامك؟ “اللُقمة تبعد النُقمة”، أديك شايف اللحمة وصلت كام دلوقتي، يبقى نأكل الناس لقمة حلوة تفرحك أنتَ قبلهم، قولت إيه ؟.
لمعت عيناه بفرحةٍ ولوهلةٍ أطمئن قلبه لذا رد عليه يستسحن قولهِ حين هتف بكل راحةٍ:
_قولت لا إله إلا الله، صحيح طمرت فيك الرباية رغم إنك سافل و قليل الأدب وعمرك ما خِشيت من حد خالص.
اعتدل “إيـهاب” في وقفته وهتف بنبرةٍ ضاحكة:
_طب بما إني قليل الأدب فأنا طالع أقل أدبي فوق براحتي، ادعيلي علشان تشيل عيالي على إيدك كدا.
ضحك “نَـعيم” رغمًا عنه وهو يتابع الأخر الذي أقترب منه يلثم جبينه ثم هتف بنبرةٍ ثابتة كأنه يحثه على الثباتِ:
_ربنا يقويك ويقدرك زي ما طول عمرك ثابت مبتحنيش راسك، عاوزك تتوكل على ربنا ومتشيلش هم، وإحنا عيالك أهو في ضهرك كلنا، اللي تؤمر بيه يمشي حتى لو هنتطرد في الشارع بس أبقى ظبطلي مُكنة بس علشان المدام.
لكزه “نَـعيم” في ذراعهِ بعصاهِ بيأسٍ من وقاحته حتى ضحك الأخر وهتف بقلة حيلة:
_علشان منمتش والله، استنى عليا أنام وهصحى واحد تاني خالص، قليل الأدب أكتر من الأول.
أثناء تحركه ضحك “نَـعيم” ثم اعتدل في وقفتهِ يلج لداخل البيت استعدادًا لذبح العِجل حتى يوزعه على الناس، هذه العادة التي اكتسبها من والدهِ يتوجب عليه أن يعاود فعلها من جديد حتى يهدأ باله ويأتي مراده لعندهِ.
كان “مُـنذر” في شقتهِ صباحًا ينتظر قدوم الأخر الذي طلب أن يقابله حتى أخبره أنه يستقبله في شقتهِ، كان يشعر بالضيق كونه عاون في خروج الأثار التي أخرجها “ماكسيم” من البيت، لكنه حتى هذه اللحظة يكسب ولائه، وقد وصل إليه الأخر صباحًا بسعادةٍ واضحة يخبره بعدما دلف الشقة:
_كانت كل حاجة سهلة جدًا والحاجة وصلت عن طريق المينا، المهم فيه حاجات أهم دلوقتي لازم نعرفها أو على الأقل نبدأ نكتشفها، ومحتاج منك مجهود كبير الفترة الجاية.
هز رأسه مومئًا بصمتٍ كطبعه الصامت دومًا ليجده يضيف بهدوءٍ يخبره عن القادم بقولهِ:
_فيه بيوت غالبًا جنب بعض، البيوت دي هي أساس المعبد اللي تحت الأرض بس فيه مشكلة وهي إن صحابها سلموها للحكومة خلاص وخدوا الشقق نظير البيوت دي، “سـامي” حاول بعلاقاته يوصل لحاجة للأسف مقدرش، فاحنا حاليًا عاوزين”سراج” يرجع بعلاقاته تاني مع إدارة البيوت السكنية دي و”أيـوب” يحصن “إسـماعيل” وينزلوا الاتنين مع بعض، قولت إيه ؟..
الحديث صدمه بقوةٍ بل قتله أيضًا، كلماتٌ قاتمة توحي بالخطر القادم عليهم وهو فقط عليه أن يبرع في دورهِ حتى يضمن نجاته، لذا هتف بنبرةٍ ضائعة خوفًا على عمهِ:
_طب والحج “نَـعيم”؟.
رفع الأخر حاجبيه مستنكرًا ليضيف الأخر مُفسرًا بثباتٍ أجاده حتى يمحي ظنونه من رأسهِ إن كانت تساوره تجاهه:
_أقصد هيسكت يعني ؟ دلوقتي “سـراج” معاهم ورجعله تاني، يعني أكيد مش هيرضىٰ بسهولة كدا إنه يضحي بالاتنين، غير كدا أهم حاجة حوار ابنه دا خلاص كدا، مات فعلًا زي ما “سامي” قال؟.
لمعت عينا الأخر بمكرٍ ودهاءٍ وهتف بثباتٍ:
_هو أنتَ فاكر إن “سامي” دا هيفضل كتير يلاوع معايا؟ صدقني مش بالسهولة دي خالص، أنا عارف كل حاجة بس هو لو عارف أني عرفت مش هضمن ولائه، لانه لحد دلوقتي خايف بس من فكرة رد فعل “نَـعيم” لما يعرف أنه كان صاحب أخوه، مش بس كدا دا كل ماضي “شـوقي” عنده هو، علشان كدا كل حاجة لازم تمشي زي المخطط يا “مُـنذر” أي غلطة صغيرة أو خطوة تسبق خطوة كل حاجة هتبوظ مننا خالص، علشان كدا أنا لازم ألعب بيهم كلهم لأن هدفي أكبر بكتير منهم.
كاد أن يندفع ويسأله بلهفةٍ عن مكان ابن عمه، كاد أن يلفظها لكنه عاد إدراجه وتراجع بسرعةٍ كُبرى وحمحم بخشونةٍ وأخفى خلفها وجعه:
_وأنا معاك في كل حاجة، شوف عاوز مني إيه.
أبتسم له الأخر مُستحسنًا ثم أخرج هاتفه ليبدأ في إعطاء أوامره عليه، يريده أن يفعل كل شيءٍ على ما يُرام، يريد أن يحصل على كل ما يريده بحوزته تخليدًا لاسمهِ وسط أفراد عائلته، تلك العصابة الدولية التي برعت في السيطرة على دول العالم بأكملهِ والآن تطمع في السيطرة على ماضيهم.
__________________________________
<“لم أعلم من منا يحتاج الأخر، لكن كلانا ينتظر الأمان”>
الألم بدأ يعصف برأسها ونزل على عينيها، وذراعها الذي حسبته هي مشلولًا، كانت مكبلة بين ذراعيه وصوت الأخر يحدثها وهو يلاصق وجهها، اشمئزت من هذا القرب وشعرت أنه تود الصراخ لكنها تفاجئت بأحبالها الصوتية مقطوعة وصوتها لم يُسعفها لطلب المغيث.
لكنها أيضًا شعرت بأمانٍ غريب وكأنه وقف كمرصادٍ لخوفها، ورائحته كانت تحاوطها، لا تعلم إن كانت تحلم أم لا لكن الأمان حقًا هُنا معه، فرقت جفونها بصعوبةٍ لتجد نفسها تستند بظهرها عليه؟؟ نزلت دموعها تخشى أن يكون هذا المشهد حُلمًا فقط، تخشى أن تكون بقبضة الأخر لكنه استيقظ على صوت نحيبها يهتف اسمها بلوعةٍ:
_”عــهد”..
انتبه لتواجدها بين ذراعيه ويبدو أنه هو من كان يحلم بها أو لربما كان كابوسًا لذا ضمها من جديد له يستمع لبكائها وهي تحاول رفع كفها السليم تضعه على كتفه، مسح على وجهها ورأسها بحنوٍ وسألها باهتمامٍ:
_أنتِ كويسة ؟ طمنيني طيب عملك فيكِ حاجة؟.
بكت بحرقة حينما تذكرت أمر الصور التي أخبرها بها، سيقوم بفضحها إذا سكتت لذا بكت بقهرٍ جعله يلثم جبينها ثم هتف يُطمئن نفسه قبلها بقولهِ:
_أنتِ معايا هنا أهو، محدش هيقدر ييجي جنبك لو على رقبتي حتى، حقك عليا علشان سيبتك لوحدك، أنا آسف، آسف ليكِ أني قصرت، بس بلاش تعيطي خلاص.
حركت رأسها موافقةً ثم اندفعت تسأله بخوفٍ ولازالت تبكي بنفس الانكسار:
_أنتَ مش هتمشي صح؟ حتى لو أنا غلطانة وحتى لو قال أي حاجة صح؟ مش هتمشي؟؟.
بدت وكأنها تتوسله أن يبقى بقربها لذلك ضمها من جديد ورفع كفه يحاوط شطر وجهها بقولهِ المُحشرج:
_هامشي أروح فين بس يا “عـهد” ؟ أنا هنا علشانك أنتِ، هنا أنا لاقي مكاني في الدنيا ومش بالسهل أسيبه حتى لو على رقبتي، حتى لو غلطانة مش وقته خالص، كفاية إنك هنا.
أجاد طمأنتها وأجاد سلب الخوف منها وقد أقترب منها يُلثم وجنتها المتورمة أمام عينيه ولثم الأخرى أيضًا ثم مسح على عينيها قبل أن يقول بنبرةٍ مستفسرة:
_أنتِ كويسة صح؟.
حركت رأسها موافقةً ثم هتفت بصدقٍ:
_لما لقيتك جنبي آه، قبل كدا لأ.
أبتسم نتيجةً لجوابها ثم مسح على رأسها وهتف بنبرةٍ هادئة بعدما انتبه لذلك:
_طب أنا هروح أجيبلك حاجة تاكليها وأعملك حاجة سخنة وأدخل مامتك علشان عاوزة تطمن عليكِ ومكسوفة أكيد علشان أنا هنا، راجعلك متقلقيش.
حركت رأسها موافقةً وهي تبتسم له مما جعله يتحرك من جوارها بلهفةٍ نحو الخارج لتأتي والدتها مهرولةً نحوها وهي تبكي وتصرخ باسمها مما جعل الأخرى تتشبث بها وتبكي من جديد حينما شعرت بعناق أمها، أما الأخرى فأعتذرت منها بقولها:
_حقك عليا والله ما كان في أيدي حاجة أعملها وحكموا عليا أقعد استناكِ، قلبي أتوجع عليكِ أوي يا نور عين ماما، أنتِ كويسة طيب ؟ اتكلمي سمعيني صوتك.
هتفت الأخرى بصوتٍ مختنقٍ نتيجةً للبكاء:
_أنا كويسة متقلقيش عليا، “وعـد” فين؟.
مسحت على رأسها تجاوبها بنبرةٍ باكية هي الأخرى:
_نامت يا حبة عيني، فضلت تعيط علشانك لحد ما نامت في حضني، أنا فضلت قاعدة جنبها واتكسفت أدخل علشان “يـوسف” كان هنا، قولت أسيبه هو برضه مشافش شوية دا كان هيتجنن علشانك.
ابتسمت لها “عـهد” وقد دلف هو من جديد يحمل في يديه صينية معدنية وقال بنبرةٍ هادئة:
_لقيت ماما محضراها علشانك، يلا.
انسحبت أمها فيما جلس هو مقابلًا لها يضع الحساء الساخن مع الدجاج المسلوق وسط الحساء وبجواره زجاجة المياه وزجاجة العصير وما إن جلس أمامها وجدها تضع ذراعها الأيمن على بطنها فعلم أنه يؤلمها لذا أمسك الملعقة يُطعمها بيده وهي تراقبه بعينين ترقرق بهما الدمع، لم تصدق أن يفعل كل ذلك لأجلها، لا يهم ماذا فعل لكن يكفيها أنه فعل كل شيءٍ فقط لأجل اسمها فقط.
تناولت الطعام منه حتى وجدته يقوم بتقطيع الدجاج لها ويطعمه في فمها أما الأخرى فانسحبت بعدما اطمئنت على ابنتها معه وأي طمأنينة هذه؟ طمأنينة لو اجتمع العالم بأكملهِ ليعطيها لها، أما “عـهد” فرغمًا عنها بكت أمامه، بكت بحزنٍ على نفسها وعلى عائلتها وهي تفكر بكل جدية لولا تواجده معها، من كان سيفعل كل ذلك ؟.
سألها بنبرةٍ قلقة حينما رآى بكائها:
_بتعيطي ليه؟ مش بتحبي شوربة الخضار؟.
خرج سؤاله طفوليًا مما جعلها تبتسم من بين دموعها وقد ضحكت بخفةٍ ليضحك معها هو الأخر فوجدها تقول بنبرةٍ مبحوحة وبأسفٍ:
_بفكر لو أنتَ مش هنا مين كان هيعمل كدا علشاني؟ مين كان هيطمني زيك ومين كنت هحس بالأمان في وجوده ومين كنت هستناه بفارغ الصبر علشان، مجرد التفكير في عدم وجودك لوحده خوف.
فاجئته بحديثها حقًا، هذا الذي لم يخبره أي شخصٍ بمدى أهميته ولا يخبره حتى بأهمية تواجده معه، تخبره هي عن مدى أهمية وجوده في حياتها؟ ولم تكن أي شخصٍ بل هي أهم الأشخاص في قلبهِ من بعد أمهِ، هذه التي جعلته يبتسم بعينيهِ ثم أقترب منها يلثم جبينها من جديد وهتف بنبرةٍ هادئة:
_طب يلا كملي أكلك، ربنا ما يبعد بينا أبدًا.
تناولت الطعام من يده بخضوعٍ وهي حقًا تشعر بالجوع، هذه الإبرة التي أخذتها يبدو أنها تسببت في ألم معدتها لذا تناولت الطعام، ولا تعلم هل تناولته لأنه من صنع والدته أم أن الطعام من يديه له متعة خاصة؟ أنهى هو إعطائها الطعام وساعدها على ارتشاف الماء والعصير من بعدهِ وما إن أنهت كل ذلك هتف بفخرٍ:
_حبيب عيوني.
اللقب المُحبب لها منه من جديد ؟؟ إنها أكثر من محظوظة، هكذا فكرت وهي تراقب حركته وما إن حمل الأشياء وكاد أن يخرج من الغرفة هتفت تستوقفه بقولها الذي فاجئته به:
_شكله عملها ووقع فيك يا ابن “الـراوي”.
حقًا !! هل ترد له قوله الذي سبق وأخبرها بهِ يوم أن أعترف لها عن مشاعرهِ؟ أما هي فكتمت بسمتها وأغمضت جفونها من جديد بسلامٍ بعدما عادت له وأصبحت معه وقد بدأ مفعول الدواء في عملهِ ، جاهد هو ليتحرك نحو الخارج وقد تركها خلفه تغمض جفونها ليعود من جديد يسحب حقيبتها وقد فتح الهاتف يضعه بجوارها على الشاحن الذكي في مقبس الكهرباء ثم لثم جبينها وراقب نومها بعدما أخذت حبة الدواء من بين أناملهِ.
كاد أن يتحرك لكنه عاد وأبعد عن خصلاتها المشبك البلاستيكي ثم فرد خصلاتها حول وجهها مما يحب هو هيئتها هذه ويحب أن تبدو بهذه الصورة التي تذكره بجمالها العتيق وكأنها اقتبسته من فترة التسعينات التي يحبها هو بكل ذرةٍ بداخلهِ وقد تركها بمفردها حتى يذهب إلى “أيـوب”.
__________________________________
<“رفقة جديدة تنشأ، نتمنى دوامها”>
وصل إلى بيت “عبدالقادر” بكل ثباتٍ بعدما تأكد أنها نامت حقًا وترك “عُـدي” بالبيتِ برفقة أفراد العائلة، وصل إلى جلوس الشباب مع بعضهم وهم يتناولون الطعام ويمرحون بالكلامِ على “أيـهم” وخاصةً حينما تحدث “بيشوي” بقولهِ:
_الست اتخطفت، والحارة اتقلبت والشباب غرقوها كأنها حالة حرب وعملنا حوار وخطة وجو أكشن وفي الأخر المعلم نايم، فاته نص عمره والله، خليه ينام بقى.
رفع الأخر حاجبه بتعجبٍ ليهتف “أيـوب” بضيقٍ:
_أنا لآخر لحظة كنت هطلع أخبط عليه يقف معانا، بس رجعت قولت خليه يمكن نحتاجه في حاجة أكبر من دي.
هتف “أيـهم” مؤكدًا له ذلك بقولهِ:
_أيوة فعلًا معاك حق، جدع، المهم “سـعد” دا هتعملوا معاه إيه ؟ هيفضل مرمي هناك كدا؟ ولا هنجيبه نضربه؟ أنا من ساعة موضوع “أيـوب” القديم وأنا ساكت للأسف، بس خلاص كدا دوره خلص من حارة “العطار”.
دلف “يـوسف” في هذه اللحظة يقول بثباتٍ:
_اللي جاي بتاعي أنا بقى، كتر خيركم لحد كدا.
انتبهوا له ووقفوا ترحيبًا به وبدأ هو يشكرهم بحديثه ممتنًا لهم على وقوفهم معهِ ثم هتف من جديد يعتذر لهم بقولهِ:
_وأسف على اللي حصل يعني بس أكيد لو أعرف إن الأمور ممكن توصل لكدا كنت وقفتها عند حدها، مراتي لو بقت معايا بعد فضل ربنا، أكيد بسبب وجودكم وخبرة “بـيشوي” بصراحة، شكلك قارح.
ضحك له “بيشوي” فيما وضع “تَـيام” ذراعه على كتف “يـوسف” يهتف بسخريةٍ:
_علشان تعرف إن الرجالة مش في نزلة السمان بس، الرجالة في كل مكان وقت الشدة حتى السوريين اللي زيي.
عقد “يـوسف” ملامحه بتعجبٍ ليهتف “أيـوب” بسخريةٍ:
_آه هو سوري، اتولد هناك وعاش فيها سنتين بس، وبيتمسح في البلد اللي عمره ما زارها تاني.
تحدث “يـوسف” بتعجبٍ من الحديث وقد ظنه يسخر منه:
_دا هزار دا ولا بجد ؟.
هتف “أيوب” بجديةٍ حينما لاحظ حيرته:
_لأ بجد متقلقش، هو أصوله سورية واتولد هناك ونزل مع والده مصر وعو عنده باين سنتين، لأن عمو “صبري” كان ليه شغل معانا هنا كتير فاستقر في مصر، ولو البيه مش سوري مكناش وافقنا على أنه يناسبنا.
ضحك لهم “يـوسف” وقد صدح هاتف “بيشوي” عاليًا برقم الشاب الذي تولى مساعدتهم وقد جاوب الأخر بعدما أمرهم بالصمت ليهتف بلهفةٍ:
_أيوة يا “عـبود” ؟؟ ها إيه الجديد؟.
هتف الأخر بتوترٍ على الجهةِ الأخرى:
_جت عربية تبع الحكومة وخدوا “سـعد” وأنا افتكرت حد فيكم مبلغ عنه بس ابن ****** طلع عامل حسابه ومفطم ناس أنه لو مردش عليهم ييجوا ياخدوه والناس دول تبع قرايبه وخدوه قدام الناس على أساس إن محدش يقرب منه.
أغلق “بيشوي” الهاتف بضيقٍ وهو يَسب بكلماتٍ سيئة جعلتهم ينظرون له ليقول هو بضيقٍ:
_ابن ***** كدا هرب مننا بس على مين؟ هنخلص منه يعني هنخلص منه، ميحلمش أنه يفضل حر بعد اللي حصل.
انتبه “يـوسف” إلى برود ملامح “أيـوب” الذي يبدو أنه في عالمٍ أخر كما لو أنه خطط لهذا الشيء ؟ أم أنه يتهيأ بذلك؟ أما الآخر فشرد للحظاتٍ وهو يفكر في الثأر بكل جدية، لم ينم قبل أن يأخذ حقه كاملًا وبالطريقة التي تُرضيه، أما “يـوسف” فمن الأساس فكرة بقاء الأخر حُرًا وسليمًا أصبحت مستحيلة وحتمًا سيقوم بالثأرِ لها حتى قبل ظهوره.
__________________________________
<“الغيرة دومًا مفتاح القلوب”>
ذهب إلى عملهِ صباحًا مع “مُـحي” الذي لم يذهب إلى جامعتهِ، ذهبا سويًا قبل “إيـهاب” دلف مكانه بثباتٍ يجلس في مكتبهِ وقد فتح هاتفه يتصفحه ليظهر له أول مقطع فيديو عبر صفحتها الشخصية من خلال يوم أمسٍ في عملها، لقد غفل عن تصفح صفحتها بالأمسِ، ظهرت في المقطع برفقة زملاء عملها يتناولون الطعام سويًا حتى أقترب أحد زملائها الشباب منها يسحب طبق المُقبلات من أمامها لتتحدث هي بسخريةٍ وصديقتها تقوم بتصوير الفيديو لهم:
_بنصورك على فكرة وهننزلها، ولا علشان إحنا موظفين غلابة بتيجوا على لقمتنا يعني؟ اطفح بألف هنا.
ضحك لها الآخر وهتف ببرودٍ:
_كلي عيش يا “ضُـحى”.
ثارت أعصابه وهو يراها تضحك أمام الأخر الذي ظل يُمازحها، ما هذا !! ومن هذا؟ وكيف يتحدث معها بهذه الأريحية الشديدة؟ وهي تضحك بسعادةٍ وتبادله الحديث أيضًا؟ فكر لوهلةٍ أن ربما يكون هذا الشخص يريد الزواج منها، لذا بحث عن الأصدقاء الذين قامت هي بالإشارةِ لهم ليظهر له بصورته وحينها بحث في صفحتهِ الخاصة ليجد الخانة المنشودة “Single”.
ظهر الإحباط على ملامحهِ وهو يفكر بخيبة أملٍ أن الوحيدة التي تمنى قربها من وسط النساء، يبدو أن هناك غيره يتمنى نفس القرب، كررها لنفسه ليذكرها أنه حقًا يتمنى قربها لذلك ترك مكانه وسحب هاتفه يركض نحو مكان شقيقه الذي وصل لتوهِ وما إن وقف أمامه هتف بنبرةٍ مسترسلة خلف بعضها بلهفةٍ:
_عاوزك تيجي معايا نتقدم لـ “ضُـحى”.
انتبه له شقيقه وثبت نظراته عليه ليراه لاهثًا بقوةٍ ففهم أنه رآى ما جعله يخشى بعدها عنه لذا هتف متشدقًا بسخريةٍ:
_مع بعض ؟؟ الحمد لله أنا متجوز، روح أنتَ.
سأله مستنكرًا باندفاعٍ:
_يعني مش هتيجي معايا نروح نتقدم؟.
حدثه بثباتٍ يذكره بما يتوجب عليه فعله:
_الواجب إنك تسألها قبل أي خطوة، تتكلم معها مش يمكن فيه حد تاني متكلم عليها، عاوز تحرجنا قدام الناس؟ بدل ما أنتَ قاعد تراقب فيها على التليفون وبتلف وراها في كل مكان شوية، خد خطوة جد، غير كدا مش هقدر.
ضيق “إسـماعيل” جفونه لوهلةٍ ثم هتف يتوعد له بقولهِ:
_لو الموضوع دا تم مش هعزمك على فرحي.
قلب شفتيه مُصدرًا صوتًا ساخرًا ثم هتف ببرودٍ:
_أحسن برضه، هبقى أخد مراتي ونروح نعمل فرح لوحدنا.
كاد أن يصرخ في وجهه من فرط غيظهِ، يريد أن يأخذها لكنه يخشى أن يأخذ هذه الخطوة أو أي خطوة عمومًا، لقد أعتاد أن شقيقه هو من يفعل له كل شيءٍ لكنه يتخلى عنه !! لذا تركه وغادر المكان ليتنهد “إيـهاب” بضجرٍ ثم هتف بقلة حيلة:
_أنا لو معلمتش كدا هتفضل واخد على وجودي.
كان مُحقًا فشقيقه يحبه حد الهوس، من الممكن أن يضع كل العالم في كفة وشقيقه فقط في كفةٍ، يخشى كل شيءٍ بدونهِ حتى نفسه أصبح يأمن لها برفقة أخيه، أخوه هذا الذي يخشى القادم كثيرًا خاصةً إذا علمت عائلتها أنه كان سجينًا، بالطبع سيتم رفض شقيقه لكنه حينها حتى لو تطلب الأمر سينسحب من حياة أخيه لكي يأمن له فرحته.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى