سلسلة الرجال قوامون القصة الثانية 2 بقلم منال سالم
رواية الرجال قوامون الجزء الثاني
رواية الرجال قوامون البارت الثاني
رواية الرجال قوامون الحلقة الثانية (يا صـــاحب السطح .. أَدبر)
انتفخت أوداجه بشدة، واحتدت نظراته وهو يقلب نظراته الكدرة ناحية من هبط عليهم ضيفًا ثقيلاً، بصحبة شقيقتيه، ليزعق في حمئةٍ غريبة:
-ده سطح بمليون جنية…
ثم أرجع ظهره للخلف، وقال متباهيًا:
-هو حد لاقي زيه اليومين دول؟
نظر ناحيته رب الأسرة مُتحيرًا، فما تحدث عنه خطيب ابنته منافٍ للعقل، فإن كان ما اشتراه يصلح للبناء كمسكنٍ للزوجية لما تردد للحظة في دعمه؛ لكنه ابتاع فراغًا لا يفعل به شيء سوى الضحك على الذقون، والادعاء كذبًا أنه يؤسس بيتًا من الصفر، والأدهى أنه لا ينتهي أبدًا من بنائه، ولا حتى فكر في بيعه، إن كان ثمنه كما قدر، ليستفيد بالمال الكثير ويشتري منزلاً ملائمًا بجزء، ويدخر الباقي. بدا من السخافة والحمق تصديق كلماته المشكوك فيها! سحب الأب نفسًا عميقًا ولفظه على مهل ليسأله بهدوءٍ:
-وإنت مابتعبوش ليه لما هو بكده؟
اخشوشنت نبرته وهو يجيبه بسخطٍ:
-عاوزني أخسر فيه؟
لم يستسغ الأب رده المائع، وسأله في تصميمٍ:
-وهتخسر فيه إزاي وإنت بتقول تمنه دلوقتي مليون جنية؟ وعلى حسب ما إنت قولت اشتريته بـ 60 ألف.، يعني إنت تعتبر كده كسبان فيه.
لوى “حمدي” ثغره معقبًا في تهكم، وهذه الابتسامة اللزجة على ثغره:
-إيه يا عمي إنتي هتحسدني ولا إيه؟
لم تبدُ قسمات الأب مسترخية وهو يخاطبه:
-حاشا لله، بس بحسبها معاك بالعقل، وبرد على كلامك إنه سطح بمليون.
نظر “حمدي” إلى أصابع يده معلقًا في برودٍ:
-أنا عاينه استثمار.
كبت الأب غيظه من ردوده السمجة، وسأله بتعقلٍ محاولاً ضبط أعصابه:
-تمام، بس وضع بنتي إيه؟
عاد لينظر إليه في ترفعٍ، وأجاب:
-ما هي كويسة وزي الفل، وأنا مش مقصر معاها.
هنا لاحت سمة خفيفة من الحدة في صوت الأب وهو يخبره:
-يا “حمدي” إنت بقالك 5 سنين على الحـــال ده، معشمنا إنك هتبني السطح أبو مليون، ومافيش حاجة بتحصل.
ارتفع صوت خطيب ابنته إلى حدٍ ما قائلاً:
-هعمل إيه؟ الظروف وحشة معايا اليومين دول.
علق الأب في تهكمٍ محتج، رافضًا الانسياق وراء كذبه الدائم الذي ملَّ منه:
-هي على طول وحشة معاك؟ طب نقول لسنة، اتنين، مش خمسة…
اِربد وجه “حمدي” بالضيق، وتبادل نظرات ذات مغزى مع شقيقتيه اللاتين تحفزتا في جلستيهما، فأكمل الأب متحدثًا بلغة العقل:
-وبعدين اللي اسمعه إنك ماشاء الله شغال في وظيفة حلوة، ومرتبك معقول.
هنا تدخلت الشقيقة الكبرى “مــروة” لترد في تعصبٍ:
-يعني بنتك كانت هترضى بيه لو عواطلي؟
وجه الأب نظراته ناحيتها، وعلق:
-لأ، بس مكانش ده اتفاقنا.
بينما سألته “جهينة” -الشقيقة الوسطى- في وقاحةٍ:
-إنت عمال تتنى وتتفرد، إنت جبتيلها إيه؟
بنفس الصوت الهادئ جاوبها:
-الخير كله مستنيها، بس أشوف منكم حاجة جد.
مصمصت شفتيها وقالت هازئة منه:
-أهوو كلام بنسمعه.
تجاوز عن تلميحها المسيء والمتواري في جملتها، ليخاطبها بتريثٍ عقلاني:
-يا مدام “جهينة”، أنا بنتي مستنية أخوكي بقالها زمن، ونفسنا نتقدم خطوة، يعني ميرضيش ربنا الرابطة اللي مربوطها دي من غير ما حاجة بتحصل.
تكلمت “مروة” في حديةٍ:
-وهو بيعمل اللي عليه وزيادة.
استدار الأب ناحيتها ليرد:
-بس مقعدها جمبه، وإنتو ذات نفسكم معملتوش كده مع بناتكم، سنتين بالكتير وكانوا في بيوت إجوازتهم.
رفعت “جهينة” كفها في الهواء لتصيح في حدةٍ:
-لأ عندك، بناتنا غاليين عندنا، مش أي حد يقدرهم!!!
قطب جبينه مستنكرًا عبارتها الفظة، وسألها في استهجانٍ صريح:
-وأنا اللي بنتي رخيصة يعني؟
قالت “مروة” ببسمة متهكمة لتخفف من فظاظة شقيقتها:
-والله ظروفهم غير بنتك.
لكن لم تبتلع “جهينة” لسانها السليط، واستمرت هاتفة بتبجحٍ:
-دي المفروض تحمد ربنا إنها لاقت اللي يتجوزها بعد السن ده، مش أحسن ما تعنس وتبور، والبنات زي ما إنت شايف على قفا من يشيل، وأنا أخويا مالوش زي، ألف مين تتمناه.
لم يتحمل الأب الإساءة إلى ابنته بهذا الشكل السافر، وكأنما امتلكوا زمام حريتها، فانتفض ناهضًا من موضعه، وقال في لهجةٍ شديدة:
-بنتي لو هتبور يبقى تبور في بيت أبوها، أحسن ما تستنى واحد مش عارف قيمتها.
ثم أشــار بيده نحو باب المنزل طاردًا إياهم بصرامةٍ:
-اتفضلوا .. وشبكتكم هتوصل لحد عندكم.
لاذ “حمدي” بالصمت، وضبط من ياقة قميصه وهو يقوم من مجلسه، بينما ثارت ثائرة “جهينة” لطردها، وصاحت في تشنجٍ، وقد غامت كل تعابيرها:
-احنا غلطانين اللي جينا عندكم من الأول.
علق عليها الأب بجمود وهو يرمقها بنظرة مستاءة:
-والغلط مردود.
انتظر بعد ذلك انصرافهم غير المأسوف عليه، ليستدير ناظرًا إلى ابنته التي خرجت من غرفتها، وجدها تبكي، ووالدتها تربت على كتفها مرددة في تعاطفٍ:
-متزعليش يا بنتي، إنتي الكسبانة والله، ده مايتكبيش عليه.
تقدم الأب ناحية ابنته، وقال مبتسمًا:
-ربك مخلف معوض، صحيح راح أبو سطح، بس بكرة يجيلك الراجل اللي بجد.
ردت عليه الأم في تنهيدة ارتياحٍ:
-ده احنا ربنا نجدنا من هم مكوناش هنخلص منه.
أيدها في قولها، فاستطرد:
-أيوه، ربنا لطف بينا ورحمنا.
زمت الأم شفتيها وتمتمت:
-إذا كانوا كده في الأول، أومال لما الفاس تقع في الراس هيعملوا إيه؟
وجَّه الأب حديثه لابنته مشيرًا بسبابته:
-إنتي شوفي إيه ليهم عندك، وهاتيه وأنا هبعته عند أبو سطح.
قالت الابنة وهي تمسح ما نفر من طرفيها من دموع:
-حاضر.
أكد الأب من جديد وهو يبتسم في تفاؤل:
-أنا عندي يقين إن الخير كله هيجيلك، بس اصبري واحتسبي.
لم تشكك الابنة في كلام أبيها، فلم يمضِ على إنهاء هذه الخطبة بضعة أسابيع إلا وكان قرانها يُعقد على آخرٍ لطالما حلم بأن يرزقه الله بزوجة مثلها.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة السلسلة كاملة اضغط على : (سلسلة الرجال قوامون)