روايات

رواية الحب أولا الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم دهب عطية

رواية الحب أولا الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم دهب عطية

رواية الحب أولا الجزء الرابع والأربعون

رواية الحب أولا البارت الرابع والأربعون

رواية الحب أولا الحلقة الرابعة والأربعون

لمح يزن عند باب الصاغة فتاة محجبة بسيطة تدلف الى الصاغة كانت ترتدي نظارة طبية ملامحها صارمة رغم جمالها
كانت تختلف عن جميع الزبائن اللواتي اعتاد
رؤيتهن هنا بها شيءٍ جذب انتباهه من النظرة الأولى فوقف قليلا يتابع تحركها في قلب الصاغة وبحثها عن شيءٍ بعينه…
رأى من خلفها فتاة في نفس عمرها تتبع خطاها منادية عليها بتذمر….
“ياجنة استني….”
جنة !!….
ردد الإسم داخله وهو يتابع اقترابها بعيناه الزرقاء
حتى وقفت امامه بهدوء تطلب بتحفظ….
“لو سمحت كنت عايزة اشتري خاتم دهب للمواليد..عندكم ؟!!…”
اوما يزن براسه مبتسمًا قائلا
بلباقة…
“ايوا طبعا…. استني ثواني….”
عندما ابتعد يزن عنهما مالت صديقتها عليها
قائلة بهيام….
“يخربيت عنيه ياجنن….انا أول مرة اشوفه هنا….”
التوى ثغر جنة وهي تضرب بالكلمات كخالها
(سلطان)….
“اللي يسمعك يقول مقطعة الزيارات في محلات
الدهب انتي اخر مرة جيتي هنا كانت في خطوبة
أخوكي اللي هو متجوز من عشر سنين أصلا….”
لكزتها صديقتها متبرمة بالغيظ…..
“ياختي بتعيريني على إيه ما الحال من بعضه…قوليلي صحيح خدتي بالك من نظرته
ليكي أول ما دخلتي…”
زمت جنة فمها بقنوط قائلة….
“ممم غني عليا يازهرة كمان …قولي كمان انه حبني من أول نظرة وخلاص واقف على الباب مستني موافقتي…”
ثم استرسلت برفضٍ….
” انا أصلا مش هاخد واحد أقل مني…. شكله
شغال هنا….”
فغرت صديقتها شفتيها قائلة بتهكم….
“شغال إيه يامتخلفة… انتي مشوفتيش الساعة اللي في ايده دا بتمنها يشتري بيتكم وبيت الجيران….ولا لبسه الواد لابس على موضة…. ”
قلدتها جنة بسخرية…..”على الممووضـة….”
لكزتها زهرة ضاحكة….”اتلمي….”
علت ملامحها الصارمة الشديدة وهي تقول…
“انتي اللي تتلمي وتبطلي رغي فاضي… احنا دلوقتي
اهم حاجة عندنا دراستنا… دراستنا وبس… خلينا نخلص الجامعة ونتخرج بقا…….”
قالت زهرة بوجوم…..
“طيب ياختي…. قوليلي هتجيبي خاتم بس لمليكة
بنت سلطان…”
اومات جنة براسها قائلة بجذل….
“اه هديتي ليها خاتم وماما هتجيب ماشاء الله
وتيته هتجبلها حلق دهب..”
ثم إشارة جنة على الطاولة الممتدة التي يقفا أمام سطحها الزجاجي والذي يعرض بعضٍ من المصوغات الذهبية كانت من بينهم سلاسل ذهبية بالاسماء…
“الله شايفه السلاسل دي….تجنن…..”
قالت زهرة وهي تنظر معها باحثه عن اسمائهن
بين هذا العدد بانبهار…
“حلوين بس اسمك واسمي مش موجودين فيهم….”
اقترب يزن منهن ووضع العلبة الكبيرة امامهن على سطح الطاولة الزجاجية كي يختاروا من بين الخواتم الذهبية الصغيرة المعروضة عليهن…..
“اتفضلي يا انسة….اختاري اللي يعجبك…”
قالها يزن وتوقف مكانه بهدوء يتأمل انعاكس
اللون الذهبي على مرآة نظارتها الشفافة وعيناها المتبسمتين وهي تختار بسعادة هدية للصغيرة….
مدت يدها الصغيرة واختارت أجملهن
وارقهن شكلا….
“حلو ده أوي….اي رايك يازهرة….”
نظرت لصديقتها مبتسمة حتى ظهر صف اسنانها الناصع…
قالت صديقتها وهي تختار خاتم اخر قد اعجبها كذلك…
“وده كمان حلو أوي….”
تدخل يزن بهدوء وهو ينظر بدقة الى وجه
جنة…
“بس اللي في إيدك احسن اللي اختارتيه الأول…”
رفعت جنة عينيها تسأله بعفوية….”بجد….”
“بجد…”اوما يزن براسه مبتسمًا بجاذبية اربكتها مما جعلها تسبل جفنيها بحياء وهي تشير على السلاسل الذهبية بحرج…
“خلاص هاخده….هي السلسلة من دي تعمل كام..”
“على حسب الجرام….ثواني….”اخذ واحدة بشكلا عشوائي ثم وضعها على الميزان الصغير واخبرها
وهو ينظر للرقم….”دي عمله ياستي..”
ابتسمت جنة باستحسان…..”يدوبك….”
مالت صديقتها على اذنها سائلة….
“هو إيه اللي يدوبك….انتي معاكي فلوس ومخبية
عليا…”
قالت جنة بهمسًا وصل الى مسامع يزن الذي يدعي
انشغالة بشيء ما….
“لا يابنتي بس ماما عملالي جمعية باسمي ووعدتني هتجبلي سلسلة دهب…وانا عايزة اجيب سلسلة عليها أسمي…..”
رفع يزن عيناه متعجبًا وهو ينظر اليهن….فالمبلغ
زهيد جدًا بنسبة له….بينما يعني لهن شيءٍ ضخم
يحتاج للادخار أشهر في شيء يسمى (بالجمعية)..
نظرت جنة اليه سائلة….”هو في اسم جنة…”
اجابها يزن بعملية….
“الحاجات دي بتيجي مخصوص لو عايزة يعني…”
قالت بنبرة حاسمة….
“اكيد عايزة سلسلة زي دي بس بأسم جنة…”
اوما يزن براسه وهو يخرج الهاتف
من جيبه… “تمام هاتي رقمك….”
دفعت نظارتها على عينيها أكثر
مغمغمة بصدمة….”نعم….”
رد بمنتهى الثبات…
“عشان اكلمك أول ما السلسلة توصل….”
انكمشت ملامحها بتوتر وهي تفكر بعمق..فابتسم يزن ابتسامة خفية وهو يراقبها باعجاب حتى قالت بعد فترة صمت….
“ممكن اديك رقم بابا…..”
تنحنح يزن وهو يقول بنبرة متزنة….
“مع احترامي لباباكي بس انتي صاحبة الحاجة
اكلم والدك إزاي…..”
قالت جنة ببلادة…… ” عادي يعني….”
هز راسه وهو يقنعها بحذق…..
“مش عادي…اطمني انتي مش بتدي رقمك لحد
من الشارع….دا شغل انا هوصي على طلبك وأول
ما يوصل هكلمك….”
مالت عليها صديقتها تقنعها وهي تنظر الى يزن من اسفل جفنيها…..”اديلوا رقمك هو هياكلك يعني….”
بلعت جنة ريقها بتردد وهي تنظر اليه قائلة
بتلعثم…..
“اكتب عندك 01…..”
حفظ يزن الرقم على هاتفه ثم اجرى اتصال بها
وهو يقول بابتسامة جذابة…..
“دا رقمي سجليه عندك…. الدكتور يزن….”
رفعت حاجبها مندهشة….. “الدكتور ؟!!…”
اوما براسه بجدية مضحكة…..
“ايوا دكتور يعني لسه مخدتش القب رسمي بس كلها كام سنة واتخرج….إيه أول مرة تشوفي دكتور واقف
في محل صاغة ؟!…”
ضحكة صديقتها بينما قالت جنة بحيرة
أكبر….
“بصراحة أول مرة….غريبة….”
زم يزن فمه مدعي الأسى وهو يقول….
“هي غريبة فعلا بس حكم القوي على الضعيف..
بلاش تدخليني في تفاصيل….أول ما السلسلة
توصل هكلمك…”
قالت جنة بتحفظ شديد……
“تمام بس انا الفلوس هتبقا جاهزة معايا اخر الشهر
الجاي….يعني لو السلسلة جت بلاش تعرضها للبيع…لحد ما اجي واشتريها منك….”
شعر بنوع من الشفقة نحوها وهي تترجاه بعيناها
ألا يفرط في السلسال ان آتى….
تنحنح يزن وهو ينفض هذا الشعور قائلا
بأسلوب لبق….
“متقلقيش يانسه هي جايه بأسمك…..ومستحيل
ابعها لحد غيرك…..”
تعرقل قلب جنة بخفقات غريبة لأول مرة
تستشعرها….
فاسبلت جفنيها وهي تخرج من حقيبتها المبلغ
المطلوب ثم مدته له….
“شكرا جدا لذوق حضرتك….اتفضل تمن الخاتم…”
وضع الخاتم في علبة صغيرة معه الفاتورة
ثم حقيبة صغيرة عليها شعار باسم
(الصاوي)…
اعطاها يزن الحقيبة سائلا….
“مبروك على القمورة…..هي اسمها إيه….”
قالت جنة بحياء…. “اسمها مليكة….بنت خالي….”
نظر لها نظرة أخيرة….”ربنا يبارك فيها….مبروك….”
أخذت منه الحقيبة شاكرة بحياء
جميل…
“الله يبارك فيك عن إذنك….”
استدارت جنة برفقة صديقتها خارج الصاغة
فاوقفها يزن بالنداء….
“انسة جنة….”
توقفت جنة مديرة وجهها اليه بارتباك….
فقال بنفس الإبتسامة الجذابة لكن بنبرة عميقة
اربكتها بشدة مشعلة وجنتيها بحماقة….
“يارب متكنش اخر مرة تزورينا فيها….”
قالت جنة ببسمة متزنة…..
“هي أول مرة بس أكيد مش الأخيرة…فرصة
سعيدة يادكتور يزن….”
اوما براسه بنظرة خاصة…. “انا أسعد….”
عندما خرجا من الصاغة تعلقت صديقتها في كتفها وهن يسيرا على الرصيف…
ثرثرت زهرة بسعادة…
“عنيه زارقة ولابس ساعة تحل أزمة…وجنتل مان في نفسه كده….وكمان طلع دكتور واسمه يزن..وفوق دا كله مهتم….طب والله مهتم…عايزة إيه تاني ياجنة…..”
تاففت جنة وهي تقول بخشونة….
“عايزاكي تخرسي…ماشيه تحبي على نفسك وعايزة
تجريني معاكي….وبعدين فين الاهتمام دا شغله
يابنتي دا بيكسب زبون معروفة أصلا !! ”
قالت زهرة بلؤم…..
“اه لو طنط اميرة كانت معانا وشافته كانت قرأت الفاتحة معاه قبل ما تطلع من المحل…”
ضحكت جنة معها وهي تقول بسخرية….
“بلاش تفكريني من ساعة ما دخلت الجامعة وهي ملهاش سيرة غير الجواز….زميلك ده ياجنة عنده
كام سنة….طب وده ياجنة شكله مهتم بيكي…طالما
جبلك المذكرات معاه…..أوف كلت دماغي….”
قالت زهرة بخبث….”الست عايزة تفرح….”
قالت جنة بغرور…..
“هتفرح ياحبيبتي… لما اتخرج واشتغل بشهادتي..”
حركت زهرة شفتيها يمينًا ويسارًا
هازئة… “اتنيلي…..اتنيلي….”
صمتا معًا لدقائق حتى استقلا سيارة أجرة كبيرة وقتها شردت جنة قليلا في هذا الوسيم وعيناه
الزرقاء وابتسامته الجذابة….
قالت لصديقتها على نحوٍ مفاجئ دون
مقدمات…
“بس مش غريبة يكون دكتور وبيشتغل
في محل صاغة…”
مطت زهرة شفتيها دون إهتمام…
“يمكن بيصرف على نفسه….مين عالم…”
نظرت جنة لنافذة بفضولا أكبر….
“وحتى لو كده ليه اختار الصاغة بذات
يشتغل فيها ؟!!….”
……………………………………………………..
صعدت على السلم الممتد أمامها بخطوات متأنية أنيقة بينما عسليتاها حادتان كالسهام شعور الغيرة يغزو كل خلايا من جسدها وقلبها يشتعل كالجمار…
من تلك المرأة التي تجلس معه أكثر من ساعة ومالحديث الذي دار بينهما خلال تلك المدة الطويلة…كل هذا حديث عمل ام ان هناك
شيءٍ اخر ؟!!…
احمرت اذنيها قليلا وصدرها أوغر بالغضب
والغيرة عندما راتهما قبل ان ينتبها لوجودها…
تجلس خلف المكتب في الناحية المقابلة لزوجها
فتاة فاتنة حمراء الشعر تصغرها بعدة سنوات
تقريبًا ، ترتدي تنورة قصيرة لفوق الركبة وكنزة
تلتصق بمفاتنها
كانت ملابسها شبه مستفزة لـشـهـد التي ارتفع حاجبيها بتدريج فوق ملامح متجهمة وهي تنظر
الى زوجها.
زوجها الذي كان جالسًا من الناحية الأخرى خلف مكتبه يتحدث في الهاتف وهو ينظر إليها ويبدو المكالمة خاصة بها…..حتى الهاتف يعود لها…..
وقفت شهد تتابع هذا التودد بشفاة مقلوبة بقرف…
اعطى عاصم الهاتف للشابة الفاتنة (تيا..)..فابتسمت
تيا له بنظرة لا تخلو من الإعجاب وهي تتحدث
في هاتفها….
“شوفتي يامامي مش بقولك بيعمل سحر للزباين بتوعه..”
ضحك عاصم وهو يقول بوسامة….
“مش سحر ولا حاجة يانسة تيا….انا احب ارضي
زبايني واقدم حاجة تليق بيهم….”
انهت تيا المكالمة وهي تقول له بنظرة
مسحورة…..
“حقيقي كل البضاعة اللي شوفتها عندك تجنن بس انا حبيت اكتر تصاميمك…انت حقيقي كلمة مبدع قليلة عليك…إزاي قادر ترضي كل الاذواق في تصاميمك بشكل ده؟!…”
رد عاصم بنبرة خشنة هادئة…
“الموضوع مجاش من يوم وليله دي حرفة ورثتها
عن جدي الله يرحمه… وبقالي فيها فوق الخمسة
وعشرين سنة….”
قالت تيا بنبرة ناعمة…..
“بس انت مش كبير لدرجادي ياعاصم…..”
عاصم !!…
برقة عينا شهد بشراسة وهي ترى الأحاديث المتبادلة بينهما بتودد لزج….والتملق المقرف من تلك الشابة الوقحة….
اربد وجهها بالغيظ وهي تجز على اسنانها متقدمة
منهما ، مخفيه انفعالها وشعورها وهي تقول بسلام
فاتر…وابتسامة راقية…..
“السلام عليكم…..”
رفع عاصم عيناه إليها بدهشة…دهشة وجودها هنا فهي لم تخبره ابدًا بانها ستمر عليه….
ابتسم عاصم وهو يرنو اليها بنظرة خاصة مردد السلام وهو ينهض من مكانه بهدوء يشع هيبة
وحب….
“وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته…. اي
المفاجأة الحلوة دي….”
“انت شايف كده….”
القت نظرة على الشابة تيا ثم عادت الى عيناه بحنق..
لم يلاحظ عاصم حنقها بل كان يرنو في النظر الى عينيها الواسعتين الجميلتين كبركتان من العسل
الصافي….تسافر عيناه على ملامحها بشوقًا وعشقًا
لا ينضبا ابدًا…..
قال عاصم وهو يلف حول المكتب مقترب
منها….
“أكيد…مقولتيش يعني انك جاية….”
خفق قلبها بلوعة وهي ترى اللهفة في عيناه قادرة
على أصهار عظامها عشقًا له…..
لكن غيرتها كانت أكبر من هذا المفعول السحري
في نظراته فقالت واجمة…..
“مانت لسه قايل انها مفاجأة….مش تعرفنا….”
نظرت شهد الى تيا بغيرة ، التي نهضت بدورها وهي تنظر اليهما متعجبة من تغير عاصم الجذري ونظرات الحب الامعة التي يخص بها زوجته حتى نبرة صوته معها غير ، أكثر عذوبة ولهفة وحب……
اشار عاصم عليها بتعريف….
“انسه تيا من اهم الزباين عندنا… هي ووالدتها
شوكار هانم… ”
اغتصبت شهد ابتسامة منفعلة قليلا وهي
تسلم عليها….
“أهلا تشرفنا….انا شهد….. مرات عاصم الصاوي….”
اتكأت على الكلمات كنوع من التعريف والتحذير !..
ابتسمت لها تيا برقة قائلة….
“اهلا وسهلا ياهانم….انا حضرت فرحكم مع مامي
بس شكلك مش فكراني….”
قالت شهد.. “لا للأسف مش فاكرة….”
قالت تيا بتفهم….
“ولا يهمك الفرح كان كبير ومليان ناس…المهم اننا اتقبلنا..”
نظرت تيا الى عاصم وقالت بنبرة ذات
مغزى….
“محظوظة بعاصم الصاوي….حقيقي….”
كادت ان ترد شهد لكن عاصم شتت تفكيرها عندما احاط خصرها بذراعه ورد نيابة عنها بنبرة ممتنة
لها وللحب الذي جمع قلوبهما….
“مش هي لوحدها…انا كمان محظوظ اوي بيها…”
قالت تيا ببعض الحقد… “واضح انك بتحبها أوي….”
مالى عاصم على شهد يطبع قبلة على وجنتها
معترف دون ادنى تردد…..
“احنا اتخطينا مرحلة الحب دي من زمان….”
عضت شهد على باطن شفتيها بخجلا وهي
تنظر اليه فبادلها النظرة بعمق توغل الى
وجدانها …
قالت تيا بابتسامة باردة….
“واووو….أول مرة اسمعك بتقول أشعار….”
اخبرها عاصم بنبرة جادة عنيفة بالمشاعر….
“في الحب كل حاجة مباحة…طالما مع الشخص
اللي اختاره قلبك….وشهد كانت الاختيار ده…”
قالت تيا بابتسامة باهته وهي تصافح شهد
للمرة الأخيرة…..
“ربنا يسعدكم ياعاصم….على العموم اتشرفت بمعرفتك يامدام شهد…”
عندما تقدمت تيا نحو السلم مالى عاصم على شهد
هامسًا بالقرب من اذنها بنبرة حارة….
“خمس دقايق بظبط ورجعلك….بحبك…”طبع قبلة
على وجنتها ومن ثم لحق بالمدعوة تيا بخطوات
ثابته…..
وقفت شهد عند سور السلم تتابع تحركهما سويًا
بالاسفل بنظرة حانقة…..
رأت تيا بالاسفل تقف عند احد الوجهات الزجاجية المعروض من خلالها مجموعة من المجوهرات….
وقفت بخيلاء تشاهد المجوهرات ، بتلك التنورة الضيقة والقصيرة وقف عاصم جوارها على بعد مسافة وعيناه على ما اشارت اليه متحدثه معه
باعجاب عن إختياره لكل قطعة هنا…
جزت شهد على اسنانها وهي تخرج الهاتف من حقيبتها…..مغمغمة بغيرة….
“مش فاهمة انا.. نازل يوصلها بنفسه ليه….مهمة
اوي بنسباله ؟!!…..”
اتكات على شاشة الهاتف بعصبية وهي تنظر اليهما
شزرًا محتقنة الوجه….يبدو ان زوجها يبذل قصارى جهده لإرضاء تلك الحمراء العارية !…..
صدح هاتف عاصم برسالة واردة فاخرج الهاتف من جيبة ينظر اليه باستغراب بعد ان راها المرسلة….
(غض البصر يامعلم عاصم….)
ارتفع حاجبي عاصم للأعلى متعجبًا ثم انزلهما
مبتسمًا باعتداد ، رافع عيناه الى مكانها مباشرةٍ
مما جعلها ترتبك فورًا منتفضة انتفاضة خفية بعد
نظرة عينيه القويتان النافذتان عليها ومع هذا تمسكت بسور الحديدي بكلتا يداها تستمد منه الصلابة وهي ترفع راسها للأعلى بإباء دون
ادنى تراجع….
انصاع عاصم لأمرها واكتفى بايماءة مهذبة وهو يودع المدعوة تيا على باب الصاغة….
اولت شهد ظهرها إليه وهي تضع يدها على صدرها
الخافق….ولانت عيناها بنظرة عاشقة…
بالطبع هو لم ينظر للمرأة نظرة مشينة أو غير اخلاقية لكن غيرتها تدفعها لهذا هي لا تريد اي
أمرأه بالقرب منه وهو عمله معتمد على التعامل
مع النساء اي حظ هذا !…..
قبل ان يصعد عاصم إليها أشار ليزن ان ياتي فاقترب منه بتحفظ منتظرًا….
لم تعد علاقتهم كـسابق عهدها كان الصدع أكبر
من رأبه بينهم…لكن يزن يبذل جهدًا في استرداد محبة عاصم وثقته مجددًا….
“ليه أول شهد ما جت مبلغتنيش؟!!…”
قال يزن ببعض التردد…
“ملحقتش هي يبدوبك سألت عليك وعرفت ان
الزبونة معاك بقالها ساعة طلعت علطول….”
ارجع عاصم راسه قليلا وهو ينظر
اليه بحدة….
“آه فهمت….. انت اللي قولتلها طبعا….”
ارتعد يزن خوفا قائلا….
“مش قصدي أوقع بينكم….انـ…..”
تحدث عاصم بخشونة متزن….
“وفين التوقيع… اللي بيني وبينهم شغل…وشهد عارفة ده….بس كان لازم تبلغني انها طالعه…مش اتفجأ كده….بلاش تكرر تاني…”
اوما يزن براسه مذعنًا….”حاضر….”
فقال عاصم بهدوء…
“أبوك بيشتكي منك….ليه لما عازمك مرحتش… ”
دمدم يزن بضجر….
“العزومة في بيته الجديد عند مراته…”
هز عاصم راسه باستفهام….
“واي المشكلة ارضي ابوك وبلاش تزعله منك….”
اوما يزن براسه على مضض…
“حاضر هبقا اعدي عليه لما ابقى فاضي….”
أمره عاصم بحزم…
“اتصل بيه برضو وعرفه…انك لما تفضى هتعدي عليه…”
ثم نظر عاصم للسلم الممتد وقال بخفوت….
“مش عايز حد يطلع فوق….لو في اي حاجة
اتصل بيا الأول….”
ابتعد عاصم عنه صاعدًا درج السلم بينما ابتسم
يزن متمتمًا بلؤم…..”تمام ياكينج….”
داهم انفه رائحة شهية من الطعام فنظر ليرى
المكتب يحتوي على علب من الاطعمة الجاهزة
يبدوا انها احضرتها معها من المطعم…
بحث عاصم عنها بعيناه ليراها جالسة بعيدًا على الاريكة تعبث في الهاتف بملامح واجمة…..
“ليه قلبة وشك يامدام ؟!!….”
سالها وهو يقترب منها جالسًا بجوارها….سحب الهاتف من بين يداها ووضعه جانبا وسالها…
“مالك يـاشـهـد ؟!!….”
“ليه نزلت توصلها بنفسك…..”
سألته وهي تنظر اليه بحنق شديد…..
رد عاصم بهدوء…..
“مش بعمل كده مع اي حد بس دي زبونة مهمة
ولازم اكسبها….”
اربد وجهها بالغيظ وهو تقول من بين
اسنانها…
“لازم تكسبها ؟!!..انت مخدتش بالك من نظراتها وكلامها….ولبسها….”
ارتفع حاجباه متعجبًا من حكمها….
“انا مالي بالبسها….مش معقول هحاسبها على تصرفاتها….انا ليا بتصرفاتي انا…في حاجة
عملتها ضايقتك؟….”
ألجمها السؤال واشعرها بالحرج منه….كيف له
ان يخمد غضبها بسؤال هادئ كهذا….
قالت عابسة….”لا….بس انك تنزل توصلها….”
رد عاصم بصبر متزن….
“مفهاش حاجة والله…قولتلك هي زبونة مهمة وأهلها
ليهم وضعهم في البلد…فـحاجة زي دي لما اعملها متقللش مني بالعكس….سميها حسن ضيافة وتقدير….مش أكتر….”
نظرت له شهد بعسليتان لامعة
بالغيرة….
“بس انت مشوفتش نظراتها ليك….”
اجابها عاصم بجدية شديدة…
“مخدتش بالي أول ما شوفتك قدامي نسيت
مين قاعد معايا أصلا….”
رمشت بعيناها عدة مرات مرتبكه وقلبها اختلج
بين اضلعها فقالت بعنفوان….
“كداب… انت كنت هتاكلها بعنيك….”
ضحك عاصم قائلا بصدمة….
“اقسم بالله ابدا….بلاش ظلم يامفترية…ما كانت
قدامي من زمان…. إيه اللي هيخليها تعجبني دلوقتي…”
توسعت عينيها بدهشة…
“نعم…. يعني هي من زمان قدامك ؟!!…”
اوما براسه بنظرة حانية…
“هي وغيرها كتير…..بس اختارتك انتي…”
اسبلت اهدابها بضيق وصدرها يجيش بمشاعر
عنيفة…
مسك عاصم ذقنها ورفعها الى مستوى عيناه
سائلا برفق…..
“شـهـد مالك ياحبيبتي….”
قالت شهد ما بخاطرها….
“انا مش مرتاحة للشغل بتاعك ده…كل تعاملاتك
مع الستات….”
“ودي حاجة أول مرة تعرفيها….”سالها عاصم وهو يمسك كفها ويطبع قبلة عميقة داخله….
قالت شهد بضعف……”يـاعـاصـم….”
نظر لعسليتاها الجميلة وأسرها في ظلام عيناه
بينما يداه تعانق كفها بتملك….
“قولي ياست الحُسن….سمعك….”
قالت بنبرة خافتة مضطرمة بالحب…
“انا بغير عليك اوي…ولما شوفتها معاك كنت هتجنن
بذات وهي بتبصلك وبتنطق اسمك كده من غير القاب….كان هاين عليا اجبها من شعرها….”
طبع قبلة اخرى في كفها….”يسلملي الغيران……..”
قالت بنبرة متعذبة…..
“انا بحبك ياعاصم ومش عايزة حاجة ترجعنا تاني
للي كنا فيه….”
سحبها عاصم الى احضانه وضمها الى صدره
بقوة ، يود دسها بين اضلعه كي ترتاح ويرتاح
قلبه معها….قال لها بصوتٍ أجش…..
“اطمني ياحبيبتي…..مفيش حاجه هتقدر تبعدنا
عن بعض تاني…..وده وعد مني….”
سحبت شهد اكبر قدر من عطره الى رئتاها
وهي تبتسم بنعومة على صدره…هذا موطنها….ملاذها وحبيبها….
لن تجازف به ابدًا قد عرفت الان قيمة حياتها
معه وقيمة الحب الذي جمع بينهما ولن تغامر
باي منهم…..
“بس اي المفاجاة الحلوة دي مقولتيش يعني
كنا فرشنا شارع الصاوي بالورد….”
اوقف سيل افكارها سؤال عاصم المشاكس
فقالت شهد دون ان تترك احضانه….
“لما كلمتني وقولت انك هتتاخر النهاردة في
الصاغة قولت اعدي عليك واجبلك العشا معايا
نتعشى سوا….”
سالها عاصم وهو يبعدها عنه قليلا حتى ينظر
الى عينيها…..
“هو جاي في وقته….بس انتي اللي عملاه بنفسك
ولا…..”
تاففت شهد وهو تنظر للاعلى بقنوط….
“اه ياربي….مش بحب الموسوسين وخلتني
أعشق واحد منهم……”
ضحك عاصم بسعادة وهو يميل عليها ينوي تقبيلها وهو يقول بحرارة….
“احلى أعترف سمعته منك….”
رفضت شهد مبتسمة….”عاصم حد يشوفنا….”
“محدش يقدر يطلع هنا انا منبه عليهم….”
قالها عاصم ثم أنقض على شفتيها الشهية متذوق الشهد في قبلة عميقة تاق لها منذ ان راها تدلف
إليه بحسنها الغالب وغيرتها التي صبت على قلبه صبابة….
اطلق سراح شفتيها وهو يسند جبينه الى جبينها
لاهثًا معها بصوتٍ عالٍ ويداه مزالت تحيط
وجهها….همست شهد بضعف..
“عـاصـم….”
اخبرها عاصم بنبرة مضطرمة
بالعواطف…
“بـحبـكـ….بـحبـكـ اوي يـاشـهـد……”
قالت شهد بانفاسًا لاهثة…..
“لما بسمع اسمي منك…كأني بسمعه لأول مرة…
مرر ابهامه على وجنتها الناعمة فاغمضت عينيها
وهي تخبره بضعف انثوي….
“حتى لمستك وكأنها أول مرة نفس الرعشة..ونفس
الإحساس…..”
فتحت جفنيها ليرى عينيها الامعة بالدموع
وهي تخبره بحزن….
“انا كنت بدأت أيأس من البعد….مش مصدقة
ان احنا رجعنا لبعض…..”
طبع قبلتان على وجنتيها معتذرًا وهو يقول….
“خليتك تستني كتير يـا شـهـد….بس غصب عني
وجعي منك على قد محبتي ليكي…..انا مش ملاك وعارف اني جرحتك….بس كان غصب عني…
الغضب منك عماني عنك وعن حبك… ”
قالت بغصة مختنقة…..
“مش انت لوحدك اللي غلط….انا كمان غلط مكنتش صريحة من البداية معاك….ود وصلنا لهنا….”
سالها بنظرة حانية وهو يلامس وجنتها
بابهامه…
“مبقاش في اسرار بينا…مش كده ؟!….”
قالت بنبرة شاجنة….
“مفيش اي أسرار بينا كل حاجة انت عرفتها….”
أنقض عاصم على عنقها يدغدغها وهو يقول
بنبرة مرحة….
“وسر جمالك وحلاوتك دول مش هتعرفيني
جيباهم منين….”
ضحكت شهد ضحكة رنانة وهي تبعده
عنها….
“عـاصـم بس…..الاكل هيبرد….”
وقفت امام المكتب وهو معها….قالت شهد
بنبرة حنونة….
“سمي الله يلا وقولي رايك انا اللي طبخه
على فكرة أطمن….”
جلس عاصم على المقعد ينظر للطعام الشهي
المرصوص أمامه ونفس السؤال يطرح نفسه
ماسرك ياجميلة ومالتعويذة التي تلقيها
على طعامك ليكون بهذا الشكل….والمذاق….
مضغ الطعام باستحسان مستمتع بتناغم النكهات
في فمه…..ضحك عاصم ضحكة خافته بعينين شاردتين في البعيد….
“بتضحك على إيه ؟!…”سألته شهد بفصول وهي تجلس بالقرب منه….
سالها عاصم وهو ينظر لها…
“القعدة دي مش بتفكرك بحاجة….”
ضحكت شهد وقالت بتذكر….
“بتفكرني طبعًا يوم افتتاح المطعم…لما جبتلك
الاكل معايا عشان اصلحك…..”
انعقد حاجباه معقبًا….”غريبة انك فاكرة….”
قالت شهد بنبرة عذبة…..
“مش غريبة…انا عمري مانسيت حاجة كانت بينا….”
ثم بدأت في اطعامه وهي تمد يدها له بمعلقة
من الأرز وكانت هذه الخطوة جديد كليا عليها
معه !!….
“خد دي مين أيدي ياحبيبي….”
اخذها عاصم منها مبتسمًا وعينيه تبرق بالسعادة
والرضا معها ، فاليوم يجب ان يعترف ان الابتلاء طهارة للروح وبداية جديدة للمرء !!…
………………………………………………………
في صباح اليوم التالي كانت تقف امام الموقد الكهربائي تعد شيءٍ ما له رائحة نفاذة طيبة…
كانت ترتدي قميص نوم رقيق على قدّها الملتف ترفع
شعرها للأعلى في كعكة فوضوية بجمالا كانت على
محياها ابتسامة متألقة كالنجوم وهي تفكر في ليلة
أمس التي قضتها بين ذراعيه على شموع الهوى
انصهرت اجسادهما متعانقة….
كم اسرها بالحب حينها واذاقها الدلال كما يجب حتى باتت رخوة بين احضانه تتشبث برقبته
متأوهة بالحب تنطق إسمه بضعفٍ من بين قبلاته المتلاحقة على ثغرها….
وكل لحظة كانت تمر بينهما يعترف كلا منهم للاخر عن مدى عشقه وشوقه وعذابة في البعد..البعد الذي أحدث شيءٍ جيد في علاقتهما مع انه أخذ اشياء غالية في المقابل…لكنهما عادا… عادا وهذا يكفي…
اقتحم المطبخ دون احداث بلبلة ثم احاط خصرها بذراعيه القويتين جاعل ظهرها يرتاح على صدره مالى على عنقها يشم عبيرها الأخذ وهو يطبع
القبل على طول جيدها بشغف….
ابتسمت شهد وهي تغمض عينيها مغلقة بيدها
الموقد وهي تقول بنعومة….
“صباح الخير ياحبيبي….”
رد عليها بنبرة شغوفة…..
“”صباح الشهد…..ليه قومتي من جمبي؟!….”
قالت شهد بتورد…..
“قولت احضرلك حاجة سريعة كده قبل ما تنزل الشغل…”
ادارها عاصم اليه برفق حتى اصبحت امام قبلة
عيناه وبين ذراعيه حينها نظر لها بمداعبة
قائلا…
“بس احنا لسه مكملناش كلامنا إمبارح….”
همست باستحياء….”عـاصـم…..”
مزال الحياء يفترسها عند الممارسة مزال جسدها
الغض يرتجف بضعف مطالبًا بحياء كل ماهو دافئ من حبًا لأحتواء منه ، وهو لا يبخس عليها بهذا الشعور بل يعطيها قدر المستطاع وكأنه لم يمتنع يومًا عن حبها وقربها…
مالى عليها بوجهه هامسًا
بحرارة…..
“معاكي ياست الحُسن….قولي…”
قالت بنبرة جادة تقطع الأحلام….
“لازم نفطر عشان كل واحد فينا ينزل على شعله…وبليل نبقا نكمل كلامنا….مع اننا خلصنا
كلامنا كله إمبارح….”
مالى عليها يطبع القبل….
“ندور على حاجة تانيه…احنا هنغلب…”
تملصت منه باعجوبة وهي تحمل طبق الفطائر
الحلو إليه…. “طب يلا أفطر….”
نظر عاصم الى الطبق بشك…. “فين الفطار؟!….”
قالت شهد مبتسمة وهي تنظر للفطائر
الشهية… “ماهو قدامك اهو ياعاصم….”
سالها مستهجنًا…..”دا فطاري؟!!….”
اكدت شهد مبتسمة….
“أيوا….حبيت أغير واعملك بان كيك…..”
زم شفتيه مستنكرًا…..
“عاصم الصاوي يفطر بان كيك ؟!!…”
انكمشت ملامح شهد بحزن قائلة والطبق
بين يداها… “على فكرة طعمه حلو….جرب….”
اخبرها عاصم بنبرة حانية…..
“انتي مبتعمليش حاجة وحشه ياحبيبتي…بس
انا عايز افطر زي الناس فول وجبنة وبيض
وفلافل…الفطار بتاعنا ده….الفطار المتين
مش بان كيك… ”
لوت فمها قائلة بتذمر طفولي…..
“وانا قولتلك انه تغيير ماله البان كيك دا مغذي..
انا حطتلك عليه عسل على فكرة…..”
ضاقت عينا عاصم قليلا وهو ينظر للفطائر
ثم إليها قائلا بمزاح….
“طالما فيه عسل يبقا انا كده اقتنعت…”
“بتتريق ياعاصم…”لكزته في كتفه مغمغمة
وهي تبتعد عنه….
فمسك ذراعها قبل ان ترحل ثم هم بتناول قطعة
من (البان كيك..)…”انا أقدر…استني بس..”
قال باستحسان وهو يأخذ قضمة أخرى
ويكتفي..”تسلم إيدك ياحبيبتي…”
سالته شهد عابسةٍ….”بس انت مكملتش الطبق…..”
اخبرها متحججًا…..
“كفاية كده اصلي ناوي افطر مع حكيم ومينا النهاردة…”
“تمام انا كمان هروح أجهز نفسي للشغل….”قالتها شهد وهي تضع الطبق على الرخامة فأخبرها عاصم وهو يسبقها بالخروج من المطبخ……
“يلا طيب عشان اوصلك على طريقي…..”
وقفت شهد امام مرآة الزينة تهندم ملابسها الانيقة المحتشمة بينما عاصم ينتظرها في صالة الشقة
وهو يحدث الجدة ككل يوم مطمئن على صحتها…
صدح جرس الباب عندذاك فانعقد حاجبيها وهي تخرج من باب غرفتها بحرصٍ شديد إشرابت بعنقها من مكان قريب من باب الشقة لترى عاصم يفتح الباب ويظهر من خلاله عم زوجها (مسعد الصاوي..)
خفق قلبها بخوف فالحالة التي اتى بها (مسعد الصاوي) الان لا تبشر بالخير فكان غائر النظرات أحمر العينين شاحب الوجه حتى قارب على اللون الرمادي….
ربطة عنقه مفتوحة باهمال شعره مشعث ملابسه متسخة بالأتربة وكأنه قضى ليلة أمس على الارصفة…حالته المزرية توحي بالكوارث القادمة
هي تعرفها
نعم تعرف فـورقة الفحوصات التي يمسكها في يده باهمال موجع تعلن عن اخر الأسرار التي تم كشفها وبان البطاقة الرابحة في يد إلهام أصبحت رماد الان !….
“مالك يا عمي…. انت كويس…..”
كان هذا أول شيء نطق به عاصم الذي لم يفهم

بعد ماذا يجري مع عمه ليصل لتلك الحالة….
اهتزت ساق مسعد وكاد ان يسقط ارضًا….فلحق عاصم به ودعمه بذراعيه القويتين حتى ادخله
الى الشقة….ونادى عليها بصوتٍ عالٍ….
“شهد…..اعملي كوباية ماية بسكر بسرعة…..”
“عمي انتي كويس مالك….”
بكى مسعد بقهر وهو يهز راسه بنفيًا….بانه ليس بخير…لم يعد بخير بعد الان….
اقتربت شهد منه بقلق وفي يدها كأس الماء بالسكر
“خد يـاعـاصـم….”
“خليكي جوا دلوقتي…..”امرها عاصم وهو مصوب كامل تركيزة نحو عمه…..
فاومات براسها منصاعة لأمره وهي تبتعد مغلقة غرفتهما عليها بينما اقترب عاصم من مسعد يجعله يرتشف القليل من الماء…..
“بلاش عياط ياعمي اهدى عشان افهم اي اللي حصل… انا لسه مكلم الحاجة نصرة وقالتلي انها بتكلمك من إمبارح وانت مش عايز ترد عليها….
مالك ياعمي مين زعلك فيه مشكلة بينك وبين مراتك….”
هز مسعد راسه وهو جالسًا على المقعد بلا حول
ولا قوة ينظر للبعيد بعقلا قارب على فقدانه من
شدة الصاعقة التي وقعت فوق راسه…حقيقة
صادمة ان يكون كل شيء كذبة كبيرة….
“طلعت كدبة كبيرة…. اكتر من اتنين وعشرين سنة مضحوك عليا….. كنت فاكرة ابني مطلعش ابني….”
توسعت عينا عاصم بصدمة وهو ينظر الى
عمه بشك…..سائلا بتريث….
“انت بتقول إيه ياعمي ؟!!….”
اخبره مسعد بنظرة تائه في دهاليز مفجعة
طاحنة…..
“يزن مش ابني…. عملت تحاليل والدكتور قالي
ان عندي عقم ومستحيل أخلف….”
بلع عاصم ريقة وهو يقول باتزان…..
“ممكن يكون العقم ده من فترة قريبة….”
هز مسعد راسه وهو يعطيه ورق الفحوصات الدقيق
الذي أجرى اياه البارحة….
“التحاليل بتقول غير كده ياعاصم العقم اللي عندي ملوش علاج ومستحيل أكون خلفت قبل كده….انا مولود بيه….”
منذ ان علم الخبر وهو يدور في شوارع المدينة على قدمه كالملسوع من عقرب سام يبحث عن مُسكن للالم دون جدوى حتى اتى بقدماه الى هنا بعد ان ضاقت به الدنيا فأتى لابن أخيه الأكبر بقلة حيلة
يخبره عن صدمة العمر الكبيرة….
بدا عاصم يتفحص الأوراق بعيناه مبهوتًا وعقله
لم يستوعب بعد تلك الحقيقة التي بمثابة نارًا
ستندلع بين الجميع مدمرة و مسببه ضرر جسيم
لكل فرد في عائلته الكبيرة…واولهم يزن !…..
سأل عاصم وعقله يعصف بالكثير من الأفكار ومشاعره تختلط مابين شفقة على الولد لغضب
من تلك الأم الفاسقة..
“امال يزن ابن مين…..إلهام هتعمل كده ليه؟!!…”
الاسئلة تدور في عقول الاثنين بقلة حيلة والغضب
يفترس كلاهما…..
اندفع غضب مسعد دفعة واحده وهو يصيح
بانفعال….
“عشان الفلوس عشان تفضل متعلقة برقبتي..انا
لازم اقتلها واشرب من دمها لازم أعرف مين أبوه…مين اللي خانتني معاه… ”
اوقفه عاصم قبل ان يتحرك من
مكانه…
“اهدى ياعمي لازم نفكر بالعقل….”
انحنى مسعد براسه باكيًا وهو يضع يداه
على رأسه……
“هو انا عاد فيا عقل..بقولك مش ابني…مش ابني….”
سأله عاصم بقلق….”اوعى تكون قولتله حاجة….”
رفع مسعد عيناه يتشدق بسخرية…
“أقوله إيه اني مش أبوك… وانك ابن حـ…..”
قاطعه عاصم بنبرة حادة…..
“عمي يزن ملوش ذنب…. مش لازم يعرف حاجة
لحد ما نعرف مين هو أبوه… وليه إلهام عملت كده….”
بنظرة متوعدة هتف مسعد
بشراسة….
“لازم اقتلها ياعاصم…..لازم اقتلها…”
تحدث عاصم بحزم يرشده للصواب…..
“انت جايلي عشان نلاقي حل… ولو كنت ناوي تقتلها زي ما بتقول كنت رحت ليها بدل ما تجيلي….”
اسبل مسعد عيناه بقلة حيلة انها الحقيقة هو أضعف
من ان يفعلها…شخصيته الضعيفة مستحيل ان تشرع
في القتل ولو عن طريق الخطأ….الحقيقة هو أضعف
من ان يفعل لذلك اتى الى ابن اخيه يطلب العون..
ربت عاصم على كتف عمه يرفع عنه الحرج
وهو يخبره بشهامه…..
“انا في ضهرك ياعمي متقلقش…. اديني بس وقت وانا هجبهالك تحت رجيلك من غير شوشرة…وقتها هنعرف كل حاجة ان كانت ظالمة ولا مظلومة….”
ثم أمره عاصم بحزم….
“ولحد ما ده يحصل مفيش حد لازم يعرف حاجة
بذات يزن….”
هز مسعد راسه دون تعليق….فقال عاصم
بغصة مختنقة….
“دي فضيحة كبيرة ياعمي ومش هتضرك لوحدك…يزن لو عرف هيضيع…ووقتها مش
هقدر اعمل حاجة….”
تابع عاصم بنظرة شاردة متألمة….
“يزن ملوش ذنب ياعمي…ولو فعلا مش ابنك يبقا الذنب ذنب الهام وابوه الحقيقي اللي قبل ينسب
ابنه لحد تاني…بعد ما زنى مع واحده متجوزة…..”
هتف مسعد بهيستيريا متجرع فادحة
الحقيقة…..
“مش قادر اصدق انه مش ابني…إزاي دا إبني…ابني
انا اللي ربيته وكبرته….كبر قدام عيني…إزاي يطلع
مش ابني….إزاي ابقى مبخلفش….إزاي مش ابني…
ازاي…….”
حاول عاصم المواساة ببضع كلمات والغصة
في حلقه تكشف عن سحق قلبه وراء حقيقة
النسب…..
ابتسمت شهد خلف الباب بوجهٍ غارق في الدموع انه البطل المغوار في عينيها فرغم كل شيء يحاول حماية الجميع من تلك الفاجعة ومن بينهم (يزن)يخشى على مشاعره ان علم حقيقة النسب
مع انها تستشعر وجعه والغصة في حديثة….
………………………………………………………
بدت تهدهد صغيرتها بين ذراعيها وهي تسير بها في أنحاء الشقة الواسعة ذهابا وعودة ، أحيانا تغني لها بصوتٍ رقيق واحيانا تترجاها بسأم ان تتوقف
عن الصراخ…..
ان الصراخ بنسبة لتلك الصغيرة نغمة يتم ترديدها
ليلًا ونهارًا بلا توقف…حتى تفاقم الصداع برأس
داليدا واتعبها قلة النوم وكثرة الاجهاد منذ ان
وضعتها وهي تعاني معها….
جلست داليدا على مقعد السفرة وهي تنظر
الى ابنتها والتي اتمت الأربعون يومًا وبدت
أكثر جمالًا كزهرة متفتحة نسخة منها كما أشاد الجميع….لكنها للعجب تميل للغم كوالدها !!..
“نكدية يامليكة…..هتجبيه من برا يعني….”
قالتها داليدا وهي تتثاءب بتعب متابعة بغيظ
وهي تنظر الى ابنتها التي خففت من صراخها
قليلا لكنها لم تتوقف قط…..
“انتي اي حكايتك بظبط….ليه مش عايزة تنامي
غيرتلك من شوية واكلتك وديتك دوا المعدة فاضل اي تاني….نامي بقا طول النهار صاحية….ياربي…”
نهضت من مكانها كالملسوعة وهي تضمها الى
صدرها معتذرة ،اذ ان الصغيرة ارتفع صوت
بكاؤها فور تقريع امها لها….وكأنها تفهم ما
يدور حولها !…
“خلاص انا آسفة…خليكي صاحيه انا معاكي
للصبح…..زي كل يوم….”
زمت داليدا شفتيها حتى لا تبكي وهي تسير بها
في صالة الشقة حتى سمعت صوت المفتاح في الباب يليه دخول سلطان إليهن بعد ان ابتاع لهم الأغراض التي طلباتها داليدا من أجل الصغيرة…..
“لسه برضو بتعيط ؟!!….”
سالها سلطان بحاجب معقود وهو يوزع النظرات عليهن…..
وكأن داليدا كانت تنتظر هذا السؤال حتى تنفجر
في وجهه باكية مثل ابنتها التي ترتاح على كتفها..
بهت وجه سلطان مرتابًا وهو يوزع النظرات عليهن
بقلق فالاثنين كانوا نسخة مصغرة من بعضهن حتى
في البكاء…..
ترك سلطان الاكياس على السفرة سريعًا واقترب
من داليدا يهدأها قائلا…..
“بتعيطي لي بس ياداليدا….أهدي…..”
رفعت داليدا صوتها بالعويل تخبره
بيأسٍ…
“انا خلاص مبقتش عارفه اعمل حاجة منها لا
عارفه أنام ولا عارفه اكل ولا حتى استحمى….”
الأميرة المدللة لا تقف عن الشكوة….الأميرة تكاد
تغرق مع مسئوليّتها الجديدة كأم تراعي صغيرة
تحتاج الى كل دقيقة من عمرها وهذا حق
مشروط عليها….
ابتسم سلطان داخليًا فهو يعلم انها تحاول قدر المستطاع بان تكون امًا جيدة لكن احيانا صبرها
ينفذ وتتذمر كطفلتها شاكية باكية…..
تابعت داليدا بقلة حيلة….
“أعمل إيه غيرلتها واكلتها وادتها علاجها اعمل
إيه تاني ها اعمل إيه….”
ثم اشارت داليدا على نفسها والى الملابس التي ترتديها حيث كانت ترتدي منامة كل قطعة تختلف عن الأخرى شعرها الذي كان في سابق أملس يرتاح على ظهرها أصبح الان مكوم فوق راسها باهمال متشابك مشعث ككومة عنكبوت اما وجهها
فباهت اللون والهلات أسفل عيناها واضحة…بينما
هاتين العينين اصبحا حمراوان مرهقتان عند
النظر إليهما…
“بص عليا كويس دي انا…دانا كنت وردة مفتحه
فرسة… من ساعة ما تجوزتك وانا صحتي وجمالي بقوا في النازل….”
جفل سلطان من هذا الاتهام الصريح
فقال بجفاء….
“وانا مالي ياداليدا….ماهي بنتك برضو…..ودي مسئوليّتك… ”
هتفت داليدا بنبرة محتدة….
“ومسئوليتك انت كمان ياسلطان ولا كله عليا
ساعدني شوية…..”
اشار على الاغراض متجهمًا….
“زي القطط تاكلي وتنكري مش كنت بجابلك
طلباتكم من تحت….”
نزلت دموع داليدا وهي تدب الارض بقدمها
متدلله……
“انا مليش دعوة انا عايزة استحمى…عايزة احط
الكريمات بتاعتي…عايزة اعمل روتين البشرة
والشعر عايزة ارجع داليدا…عايزة ارجع زي ما كنت…”
نظر سلطان للسقف قليلا بسأم ثم عاد إليها
ومد ذراعيه بصبرٍ…..
“صبرني يارب….هاتي مليكة انا هحاول انايمها
على ما سيادتك تستحمي اتفقنا…..”
اتسعت عينا داليدا بعدم تصديق والسعادة
تبرق بعينيها…..
“بجد ياسلطن هتشلها شوية عشاني….”
لانت ملامح سلطان بحنو وهو يقول
بتبرم…..
“دلوقتي بقيت سلطن….اه هشيلها…..خلصي
بقا قبل ما اغير رأيي…واسبهالك واروح انام
زي كل يوم…..”
“واطي وتعملها….”
قالتها داليدا بصوت خافت وهي تعطيه الصغيرة فـقطب سلطان جبينه يسألها…..
“بتقولي إيه ؟….”
قالت داليدا بوجهٍ ملائكي خادع…..
“بقولك ساعتين بظبط وهتلقيني قدامك….”
ركضت من امامه كمن تم اطلاق سراحها ودلفت
الى الحمام فورًا وهي تصيح بسعادة الحرية….
جفل سلطان وهو يتمتم….”ساعتين إزاي!!….”
على صوته وهو يأمرها بصرامة….
“دالـيـدا اقـل مـن ربـع ساعة تبقي هنا…..سامعه..”
لم يسمع صوتٍ لها فكان خرير الماء الرد على
أمره الغليظ…..
ابتسم سلطان وهو ينظر الى وجه ابنته الباكية
هامسًا وهو يسير بها في أرجاء الشقة…
“اي حكايتك ياست مليكة تعبه امك ليه….”
خففت الصغيرة من بكاؤها قليلا وهي تنظر الى والدها بعينيها الواسعة السوداء كالزمرد الاسود
في لمعتهما……
توسعت ابتسامة سلطان حتى شملت وجهه وهو يميل عليها يخبرها سرًا….
“انا عارف انها مجنناكي مخها صغير….هي هبلة
بس مفيش في طيبة قلبها….”
ثرثر سلطان على غير العادة وكأنه ارتاح بالحديث
مع صغيرته….
“امك من اقل حاجة بتشتكي وبتعيط…احنا السبب برضو دلعناها كلنا….اصلها دلوعة العيلة…وابوكي
اكتر واحد دلعها…”
اشار سلطان على نفسه بفخرًا وهو يحدث
ابنته بحنان…
“ايوا….وبكرة ادلعك اكتر منها…ولو طلبتي نجمة
من السما هجبها تحت رجليكي… انتي مليكتي
مليكة قلب ابوكي…..”
ابتسمت الصغيرة وهي شاردة العينين تنظر الى
أبيها بصمتٍ…..
فقال سلطان وهو يداعب وجنتها….
“سكتي يعني..طالعة بتحبي الرغي زي أمك…تعالي احكيلك حدوته صغيرة…عن واحد كان كل همه يتجوز عشان يكمل نص دينه ويخلف عيال يشيله اسمه وبالمرة يفرح أهله…”
وضعها على كتفه ثم مسد على ظهرها بحنان وهو
يسير بها بخطوات بطيئة سارد القصة باختصار شديد…
“كان كل ما يخطب يفركش….كل ما يخطب
واحده ميحصلش نصيب ويسبها…لحد ما وقع
على جدور رقبته واتجوز بنت عمه الصغيرة…البت اللي كانت بتقعد على رجله ويأكلها بايده…..”
“ولا كانت في باله… ولا هو كان في بالها بس
النصيب جمعهم…..وعرف بقا مع الوقت انه كان
بيحبها اوي…بيحبها من زمان كمان….”
اعترف بصوتٍ خافت ونظرة عاشقة عن مدى
عشقه لتلك المدلله التي مزالت ترفض قربه
وتعذب قلبه بالبعد عنها….
نزع الصغيرة عن كتفه برفق ليراها قد غفت على
صوته فابتسم وهو يدلف الى غرفة الأطفال التي تقيم بها داليدا تلك الفترة…..
اقترب من السرير الهزاز الخشبي الذي صنعه
حديثًا لأبنته كهدية لها….وقد نحت اسمها
على الخشب من الإمام بـ(مليكة أبيها..)
وكانت الهدية غاية في الجمال واللطف اسعدت
داليدا وقتها جدًا….
طبع سلطان قبلة رقيقة على وجنة ابنته ثم
وضعها في الفراش الصغير بحنو ودثرها بالغطاء
جيدًا….تارك اضاءة خافته بالغرفة قبل ان يخرج
جاعل الباب موارب قليلا……
دلف الى غرفة النوم وبدل ملابسه مرتدي بنطال
مريح تارك نصفه العلوي عاري….استلقى على الفراش
منتظرها ريثما تكتفي وتخرج له…..
اخذت داليدا وقتها في الاستحمام وفعل الروتين
الخاص بشعرها الذي أصبح كارثي بعد اهمالها
له تلك الفترة الطويلة……
وبعد ان انتهت فترة النفاس منذ أيام قليلة وهي تشعر بانها في أفضل حال….وحين غمر الماء
جسدها ازال عنها العناء والحنق….وحسن مزاجها
قليلًا….
لم تكن الأمومة سهلة كما ظنت في السابق فإن حياة
الأم مرهونة براحة عائلتها واستقرارهم…وان عطاء
الأم لابنائها شيء مفروغ منه واي تقصير يعد
جريمة لا تغتفر…..
نعم الان فهمت شقاء امها معها ومع اخوانها في الصغر حتى الوقت الحالي….تظل الام امًا مهما
كبر ابنائها لا تنسى مسئولياتها نحوهما ، ويبقى
قلبها في لوعة الى الممات…..
نحن نقدر امهاتنا جدًا حينما نصبح مثلهن، والواجبات
التي كنا نظن انها عادية ولا تستحق الشكوه صارت
اليوم واجبات عظمة….فهي تضحية لأمهات اعطت
عمرها وصحتها مقابل إكرام ابنائها ، ونحن نكمل
الرسالة مثلهن…..
لم تكن الأمومة سهلة لكننا نحاول ان نمشي على دربهن بسطاء الأيدي نعطي كما أخذنا…..
خرجت داليدا من الحمام معطرة الجسد تغطي جسدها العاري بمئزر الاستحمام الوردي وبالمنشفة
الصغيرة تجفف شعرها المبلل…..
رفعت عينيها في صالة الشقة بدهشة فقد عم
الهدوء المكان وهذا شيءٍ أصبح نادر بوجود
الصغيرة البكاية….
نظرت من فتحت باب غرفة الاطفال لتجد الصغير تغط في نومًا عميق على فراشها الخشبي الصغير صناعة أبيها لها….
ضاقت عينيها بغيظ أحمق وهي تشعر بالخيانة
فلم تصمت وتنام إلا على كتف ابيها في أقل من دقائق…وهي التي تعافر لساعات طويلة معها
حتى تنام !!….
“ماشي يامليكة لما تصحي…هعضك من التوته…”
ثم ذهبت الى غرفتها ومزالت تجفف شعرها..
وقعت عينيها عليه عند دخولها الغرفة ممدد
على الفراش بانتظارها تارك صدره عرضة
للهواء ولعينيها….
خفق قلبها وهي تراه إزداد وسامة مهلكة عن السابق
أو هذه نظرية قلبها المشتاق له…. نعم مشتاقة وتصر
على البعد وتعذيبه كفارة عن خطأه الذي أحرق قلبها
وقتها….
بلعت ريقها وقد ارتفعت حرارة جسدها فجأة وهي تقدم خطوة وتأخر الاخرى وكأنها مترددة….
“مالك واقفة عند الباب كده ليه….ادخلي….”
اتى صوت سلطان يأمرها بنظرة ماكرة…
فرفعت داليدا وجهها متلاقيه بعيناه ببرود ثم دخلت بجسارة وتحدي بخطوات مائعه…قاصدة إثارة
حفيظته ولا تعلم انها تعجل بالأمر المرغوب !…
حيث ابتسم سلطان منتشيًا وهو يراقب مشيتها
الاشبه برقصة على الطبل وتلك المفاتن التي زاد
حجمها عن السابق…..
أرادت داليدا ان تفتح حديث معه يخفف من تلك المشاعر الحارة التي انتابتها….
“مليكة نامت إزاي معاك….”
اخبرها سلطان باختصار وهو يفترسها بعيناه
بشوق…
“حكيت لها حدوته….”
كانت تقف امام مرآة الزينة تمشط شعرها سالته
ببراءة….
“واي هي الحدوته اللي عملت المفعول الجبار
ده وخلاها تنام معاك في عشر دقايق…”
عقب سلطان بغلاظة…..
“انتي هتنقي علينا ولا إيه….مش كنتي عيزاها
تنام اهي نامت….عايزة إيه تاني….”
قالت من بين اسنانها بغيظ…
“عايزة اعرف اشمعنا نامت معاك ومطلعة
عيني انا من الصبح….”
رد ساخرًا…. “ابقي اسأليها لما تصحى…”
رمقته شزرًا في صورتها المعاكسة
للمرآة…..
“انت بتهزر…..إسمها إيه الحدوته…”
مسد على الجهة الفارغة من الفراش هامسًا
بوقاحة… “تعالي في حضني وانا اقولك….”
قالت بنبرة متحدية….”بعينك…مش هتلمسني….”
رفع حاجبه مستهجنًا….”يعني إيه….”
قالت بشفاة ممطوطة وهي تمشط شعرها
بميوعة….
“يعني هنفضل زي ما احنا كده….أخوات….”
جز سلطان على اسنانه قائلا بلؤم….
“اخوات إيه يام مليكة استهدي بالله وتعالي
جمبي….”
رفضت بعناد…. “قولتلك لا….”
تافف سلطان وهو يحذرها…..
“بلاش تتعبيني معاكي ياداليدا انا صبرت عليكي
كتير….انا راجل برضو وليا طلباتي..”
قالت داليدا بتعنت…
“وانا ست وجرحي لسه مفتوح….”
ابتسم بمهاودة قائلا بملاطفة….
“نخيطه….نخيط أمه….تعالي بس ونداوي جروح
بعض….”
رفضت داليدا بكبرياء….
“لا برضو…مش هتلمسني…ولو مش عاجبك
روح اتجوز….”
ارتفع حاجبه بدهشة معقبًا….
“وياترى لما تلقيني داخل من الباب
بيها…..هتبقي مرتاحة ؟!!…”
انتفض جسدها بقوة مستديره اليه بكليتها
كمن لدغها عقرب هادرة بشراسة….
“دا انا كنت اقتلك واشرب من دمك…..قال
تجوز عليا قال…..”
غمر سلطان الرضا مبتسمًا إبتسامة تعني الكثير
فعضت داليدا على لسانها بغباء وهي تتبادل
معه النظرات بحرج شديد…
لم يحيد سلطان عيناه عنها ناهضًا عن الفراش
مقترب منها ثم وقف امامها مباشرةً وعضلات
صدره القوية الصلبة تلقي تعويذة خطرة امام عينيها…..
فتكون مقاومة مشاعرها امرًا مستحيل فهي تهفو
اليه ببلاهة كقلبها الان….
تلاقت أعينهما بعد لحظة صمت عاصفة بمشاعر
تجتاح قلوبهما بلوعة….
مد سلطان يده مداعب خدها هامسًا
بحرارة….
“مقدرش أتجوز عليكي ياداليدا…انتي عندي
بالاربعه…..انتي اللي في قلبي يابت….”
اغمضت عينيها بضعف أسفل لمست يده الحانية
وكأنها تستسلم اليه اخيرًا بعد طول إنتظار…
“بحبك ياداليدا….معقول مش وحشك….”
مالى عليها يقبل عنقها بشوق يشم عبيرها الجوري
بنهم وكأنه اكسير الحياة بنسبة له…..انها إمرأة
فاتنة برائحة الحب انثى شقية بمذاق الحياة
مزيج صعب الامتناع عنه !….
على صوت دقات قلبها أكثر من السابق وأصبح
جسدها أضعف من ان يرفض هذا الدفئ المتسلل إليه…..
فهمست اليه بعتاب ركيك….”وحشتني بس….”
ألصق سلطان جبينه على جبينها هامسًا
بمشاعر ثائرة….
“هشش مفيش بس…كفاية عتاب ياداليدا…
بعدك عذبني اوي…”
مالى على شفتيها مقبلها قبلة عميقة معها شعرت
بانسحب روحها…..فاحاطت عنقه بكلتا يداها وهي
تبادله التقبيل بحرارة تاركة العنان لمشاعرها في
التعبير عن شوقها له……
لم تمر الدقائق الا ووجدت جسدها يرتفع بين ذراعيه القويتين ثم استلقى ظهرها على الفراش الأملس وهو يعتليها همست إليه قبل ان تغرق في موجاتٍ عالية معه…
“بحبك أوي ياسلطن…..”
…………………………………………………………..
استقلّت شهد السيارة وهي
تقول….
“مساء الخير يامها….”
ابتسمت لها مها قائلة بحفاوة….
“مساء النور…. عاملة إيه بقالك كام يوم مش
بتردي عليا في حاجة عندك ولا إيه….”
قالت شهد بتحفظ…..
“لا عادي الشغل والبيت واخدين كل وقتي….”
قادت مها السيارة وهي تعلق….
“امال لما تبقي أم يابنتي هتعملي إيه….”
وضعت شهد يدها على بطنها بتلقائية وبنبرة
هادئة تجلى بها الحنين……”يجي بس….”
سألتها مها وهي تركز على الطريق أمامها….
“شكلك مستعجلة…بقالكم أكتر من سنة متجوزين
ليه مفكرتيش تكشفي اهو حتى تطمني….”
قالت شهد بشجن…
“حصل حمل قبل كده بس مكملش…”
تأوهت مها معتذرة عن اندفاعها…..
“أوه آسفة…معلومة جديدة بنسبالي..ربنا يعوض عليكي كان اي سبب الاجهاض ؟!!….”
نظرت شهد للنافذة….
“تقدري تقولي زعلت شوية….”
“شويتين تلاته بقا…..” قالتها مها ثم زمت شفتيها
مسترسلة بجدية…….
“على العموم ربنا يعوضك خير… بس انا من رايي برضو تكشفي يمكن تكون حصلت مضاعفات بسبب الاجهاض اسمعي مني هو مش تخصصي بس انا
ليا نظرة…”
نظرت لها شهد بفضول سائلة….
“صحيح انا مسألتش على تخصصك ؟!!….”
قالت مها بتحفز….
“دكتورة في مجال الطب النفسي….”
رفعت شهد حاجبيها معًا بدهشة….
“ممم… متوقعتش خالص يكون دا مجالك…”
قالت مها بملامح منبسطه….
“ليه يعني هما اللي بيدروسوا المجال ده مجانين…”
قالت شهد برقتها المعهودة….
“لا طبعا مش قصدي كده… بس شكلك حد فرفوش
ولذيذ….”
هزت مها راسها متفهمة مجيبة…..
“انا في الشغل حاجة وفي حياتي حاجة
تانية….تعرفي اي أصعب حاجة في العلاج النفسي….”
نظرت لها شهد بفتور فتابعت مها وهي تحاول
جذب انتباهها قدر المستطاع…..
“ان الشخص بيجي معتقد ان عنده اضطراب
نفسي واحد وبعد أول جلسة بكتشف العكس ان عنده اكتر من اضطراب وده تراكم عليه في كل مرحلة من حياته….”
اومات شهد براسها فاضافت مها بعملية….
“فكرة ان الانسان يكتم جواه ويقول انا اقوى انا أقدر انا انا….دي كارثة لانه حرفيا بيبقا على شعره ممكن ينفجر وفجاة انفجارة يسبب آذى ليه وللي حوليه….”
بلعت شهد غصة مسننة في حلقها وهي تسألها
بصعوبة….
“اي رأيك في العنف الاسري…..وكره الأهل لعيالهم….”
اجابتها مها بحرصٍ شديد وهي تنتقي الكلمات….
“شيء موجود ومتوارث..للأسف….بينتج عنه
اطفال غير سوية وعندهم اضطربات نفسية
مهولة…”
“ازاي الانسان يعرفه انه مريض نفسي؟!….”سالتها شهد بسرعة قبل حتى ان تعيد السؤال داخلها كما اعتادت..
قالت مها باسلوب عملي فصيح……
“الاضطرابات النفسية حاجة بديهية بنتعرض ليها كلنا في حياتنا اليومية ممكن تفضل معانا فترة وتختفي…وممكن تكمل جوانا على حسب قدرة الشخص…..
ثم استرسلت مها بنفس البلاغة…
“تعرفي اي هو الاضطراب النفسي ياشهد…هو عبارة عن خلل في الجهاز النفسي خلل في عالمنا الداخلي والعالم الداخلي ده عبارة عن افكار ومشاعر وسلوكيات فمثلا لو في خلل في الافكار فبالتالي بيكون في خلل في المشاعر واللي بينتج عنه بعد كده سلوك الشخص…”
“المضطرب دايما بيكون عنده عائق بينه وبين الحياة…مش قادر ياخد خطوة… العطاء عنده
قليل جدًا مش قادر يدي حاجة للاطراف
التانية… قافل على نفسه ومانع نفسه عن
الحب عن الحياة عن الناس اللي بتحبه….”
“أحيانا الأعراض دي بتاخد يوم اتنين شهر وبتنتهي..
وعند أشخاص تانيه بتكمل وبتزيد وبتكون ناتجة
عن صدمات خاضها الانسان ده في مراحل من
حياته… فبالتالي لازم الإنسان يخضع للعلاج
النفسي ويعرف فين المشكلة…ويعالجها عشان
يقدر يعيش حياة طبيعية….”
ابتسمت شهد وهي تقول دون تعبير…..
“واضح انك دكتورة شاطرة فعلا….بدأت اقتنع….”
قالت مها باسلوب مرح…..
“يبقا خلاص الزيارة الجايه تبقي في عيادتي
ندردش شوية سوا اي رأيك….والموضوع هيبقا
سر بينا اطمني…”
اضطربت ملامح شهد قليلا وهي تفكر في الدعوة
بعمق…..فهي تتمنى ان تجد علاج لكل تلك التشوهات
الداخليه لكنها مترددة قليلًا……
لكن ان تعلق الأمر بصديقة جيدة كـ(مها.)لما لا تفعل
انها فرصة ذهبية بنسبة لها !!…
قالت شهد بتحفز…..
“ان شاء الله….قوليلي بقا هنشرب قهوتنا فينا…”
قالت مها مبتسمة…..
“في كافية حلو اوي على البحر هيعجبك….”
ثم عادت مها تصب تركيزها على الطريق مبتسمة
بارتياح وبدأت اصابعها تضرب على عجلة القيادة
بتناغم شاردة العينين في حديث عاصم لها فقبل
ان يلبي دعوة أبيها (يونس الصاوي) في بيتهم
قد زارها في عيادتها…..
(قولتي إيه يامها….)
نزعت مها نظارتها الطبية وهي تقول ببعض من
التردد…
(انا معنديش مشكلة خالص اتعرف عليها واصاحبها كمان بس حتة اني اقنعها بالعلاج النفسي…مش عارفه هنجح فيها ولا لا….خصوصًا انك لسه قايل
انها شخص كتوم وصعب تاخد منها معلومة خاصة عن حياتها…)
اخبرها عاصم بهدوء موضحًا….
(أكيد لما تبقوا صحاب في الأول الموضوع
هيختلف…وأكيد هتجيبي الموضوع ليها بطريقة
غير مباشرة..مش معقول انا اللي هقولك يادكتورة)
ابتسمت مها معقبة….
(واضح انك بتحبها أوي ياعاصم…)
اخبرها عاصم بنظرة حانية….
(فوق ما تتخيلي يامها….انا نفسي تخرج نفسها
من القوقعة دي وتنسى كل اللي عشته….قسوة ابوها
ورفضه ليها شوهت حاجات كتير جواها… وانا نفسي
تتعالج من غير ما تحس اني ورا الموضوع…)
اومات مها براسها عن اقتناع…..
(اطمن هيفضل سر بينا….وكمان اللي هعرفه منها هيبقا سر بيني وبينها مش هقدر اقولهولك…. بس ليك عندي اني اطمنك عليها أول ما نبدأ جلسات العلاج…)
“حاسبي يامها….”
فاقت مها من شرودها على صوت شهد العالٍ فحركت عجلة القيادة بسرعة تتجاوز حادث مريع كان على وشك الحدوث لولا صرخة شهد المنبهة…..
انحدرت السيارة عن الرصيف متوقفة بقوة مما جعل
رأس شهد يصطدم في الإطار الامامي وتخدش من جبينها…..
هتفت مها بخوف وهي تتفقدها بقلق…..
“آسفة…. آسفه بجد…انا مش عارفه سرحت إزاي كده…انتي كويسه….”
لمست مها الجرح الصغير في جبين شهد
ثم تأوهت بأسف…
“أوف انتي اتعورتي…..”
قالت شهد وهي تتفحص الجرح الصغير
في المرآة الامامية….
“خدش بسيط اطمني…..”
قالت مها وهي تدير المحرك مرة اخرى
متاففة بحنق…..
“بسيط إيه….دي اتجرحت جامد…خلينا نروح
المستشفى هي قريبة من هنا….”
قالت شهد بامتناع…..”مش مستهلة يامها….”
اصرت مها وهي تنطلق بسيارة مرة
أخرى….
“لا مستهلة خليني اطمن…..”
بعد مدة كانت تقف شهد في المشفى في رواق بعد ان تم تطهير جرحها السطحي ووضع لاصقة طبية على جبينها..
اعتذرت مها بحرج شديد…
“انا آسفة ياشهد…. اسفة جدا على اللي حصل….”
قالت شهد بنفسٍ سمحة….
“ولا يهمك يامها حصل خير…. مش هنمشي بقا….”
“دكتورة مها…..”
نادت عليها أحد اصدقائها طبيبة شابة…..فنظرت
مها الى شهد قائلة….
“ثواني ياشهد ورجعالك…..”
ذهبت إليها مها بينما بقت شهد مكانها تنتظرها ريثما
تعود…..وقتها صدح هاتف شهد برنين مميز تخصه
لشخصٍ واحد….
ابتسمت وهي ترفع الهاتف على اذنيها
قائلة بحرارة…..
“كنت لسه بفكر فيك….”
اتى صوته العميق معاتبًا….
(لو كان ده حقيقي….كنت اتصالتي انتي الأول…)
قالت شهد باشتياق….
“انت سبقتني….عامل اي ياحبيبي….”
انه ليس بخير تعلم منذ زيارة عمه ولمدة أسبوعين مروا وهو انسان اخر يتعامل بشكلا آليّ مع كل شيء كثير الصامت والشرود…والغصة في حلقة تشارك كلماته وكأنها اصبحت جزءًا منه…
اجابها عاصم بهدوء…..(الحمدلله… انتي فين….)
اجابت شهد….”في المستشفى…..”
(ليه في المستشفى حصل إيه….)ظهر القلق جلي
في نبرة صوته….
فقالت شهد بتريث مطمئنة…..
“يعني كُنت مع مها…وفي طريقنا للكافية اللي
هنقعد فيه حصلت حادثة بسيطه كده….”
هتف عاصم بخوف عليها…..(حادثة ؟!!…)
قالت شهد برفق….
“أطمن ياعاصم لو في حاجة اكيد مش هرد عليك كده…انا كويسة ومها كمان….”
لم يبدو عليه الاقتناع إذ
أمرها….
(اديني عنوان المستشفى….)
زفرت شهد باستياء….
“يـا عـاصـم…..قولتلك انا كويسة و…..”
شدد على الكلمات بحنق….
(مش هصدق غير لما أشوفك اديني العنوان….)
اغلقت معه وهي تزفر بسأم نادمة على اخباره فالامر
لا يستحق ان يأتي لهنا…..
بعد لحظات…
رفعت عسليتاها لترى مها مزالت تقف مع الطبيبة
تثرثر معها بينما من خلفها رأت من بعيد شخصٍ
ما مألوف بنسبة لها يسير في أول الممر الواقفين
فيه ويتحدث في الهاتف….
“طارق !!….”
قالتها شهد وهي تلوح له بيدها كي ينتبه لها وعندما
راها طارق على وجهه الدهشة وهو يتقدم منها متأنق
في طاقم شبابي رائع مصفف شعره للخلف….
“شهد بتعملي اي هنا…اي اللي حصل لراسك….”
قالها طارق وهو ينظر الى الاصقة الطبية على
جبينها بدهشة…..
قالت شهد بهدوء….
“حادثة بسيطة….الحمدلله…انت بتعمل اي هنا…”
اخبرها وهو يدس كف يده في
جيبه…..
“بزور واحد صاحبي….اي الأخبار….”
قالت مبتسمة……”الحمدلله….”
سالها طارق….
“حادثة بالعربية ولا إيه ؟!!….”
اجابت شهد…. “آه….كنت مع مها و…..”
لوى طارق فمه ساخرًا….
“مها ؟!!….ماهي اللي تركن ركنة زي دي نتوقع
منها كل حاجة….”
“انت بتكلم عليا انا ؟!!….”
اتى صوتها الحانق من خلف ظهره فابتسم طارق
شاعرًا بنشوة بعد استفزازها…..
تقدمت منه مها ووقفت جوار شهد أي امامه مباشرةٍ
ترمقه بعدائيه…
فقال طارق باسلوب مسرحي ساخر…
“اهلا باللي هتاحد أوسكار من ورا ركنتها العظيمة
وسوقتها الهايلة….”
برمت مها فمه بقرف….
“مين الظريف ده ياشهد….”
قالت شهد بحرج وهي تنظر الى طارق
بضيق….
“طارق كان زميلي في المدرسة…ونعتبر جيران..”
قالت مها بنظرة غير ودودة….
“آه اهلا وسهلا….. ياستاذ طارق….”
قال طارق بسماجة…. “اهلا ياستاذة مها….”
شددت مها على الكلمة…
“دكتورة لو سمحت…..دكتورة”
برم فمه مشمئزًا… “واضح انك مهووسة بالألقاب….”
وزعت شهد النظرات عليهما
بحيرة..
“هو انتوا اتقبلتوا قبل كده…..”
وقبل ان ترد مها سبقها طارق بأسلوبٍ لاذع…
“اه شوفتها قدام مطعمك….كانت ركنة عربيتها
ركنة معرفش اركنها….”
جزت مها على اسنانها….. “وبعدين بقا….”
قال طارق ببراءة….
“إيه انا بفكرك بكلامك مش قولتي كده….”
قالت شهد بحزم….
“طارق خف على البنت شوية مش كده….”
اوما طارق براسه….”عشان خاطرك بس….”
رفعت مها حاجبها بعدم رضا….ثم نظرت الى
شهد قائلة…
“مش يلا بينا ياشهد…ولا إيه….”
هتف طارق بتهكم….
“حد قالك قبل كده يادكتورة انك قليلة الذوق.. ”
اتسعت عينا مها بصدمة…..”افندم….”
قال طارق ببرود….
“انتي مش شيفاها واقفة معايا….”
احمر وجه مها بالغضب وهي تقترب منه ، ترفع
اصبع التحذير امام عينيه….
“بقولك إيه أحترم نفسك واعرف انت بتكلم مين..”
وقفت شهد بينهما بقلق……
فقال طارق باستفزاز… “هكون بكلم مين يعني….”
قالت مها بترفع…..
“الدكتورة مها يونس الصاوي….تعرف عيلة
الصاوي ولا مقراتش تاريخ….”
استجهن هازئًا….. “لا مقرأتش….عرفيني….”
قالت مها بغرور….
“دي أكبر عيلة في اسكندرية…وأكبر تجار دهب…”
علق طارق بامتعاض…… “اهلا وسهلا….”
صاحت مها بغيظٍ شديد….
“انت مستفز بجد….هتيجي معايا ياشـهـد….”
قالت شهد بتريث وهي تنظر أمامها….
“استني يامها….عاصم جاي علينا أهوه….”
جفلت مها وسألتها… “مين قاله ان احنا هنا ؟!!…”
سار عاصم في بداية الممر ولم يلمح احدهما بعد فكان مصوب تركيزة بأكمله على شاشة الهاتف
يقلب في الصور التي ارسلت إليه للتو….
تم التقاط صور لالهام على مدار الأيام السابقة
وتم رصد أكثر الأماكن التي تتردد عليها يوميًا
هي النوادي الليلية….
كانت بالصور شبه عارية بتلك الملابس التي
لا تناسب سنها ابدًا ، ايضًا كأس الخمر لا يفارق
يدها ترقص وسط شباب صغار وكأنها مراهقة
لا تهتم بمن حولها ولا بسمعة ابنها ان تم تسريب
تلك الأخبار إليه……
عصف صدر عاصم بالغضب وهو يرفع الهاتف
على اذنه يأمر بخشونة….
“نفذ في أسرع وقت…..”
ثم أغلق الهاتف بملامح واجمه وهو يرفع عيناه القاتمة إليهم فلمح اياهم….
لماذا هذا الرجل بالقرب من زوجته ؟!….
اندفع نحو طارق كالثور الهائج وكل الغضب تشكل
داخله ككرة من لهب نحو غريمة بصورة مرعبة وكأنه على وشك سفك دماؤه الان لا محال…..
“انت بتعمل إيه هنا….”
اتسعت عينا شهد وهي ترى زوجها يهجم على طارق
ممسك بياقة قمصية بهمجية…بعروق بارزة بالغضب ووجه أحمر ينبأ بالخطر القادم بينما عيناه تنفثان نارًا من شدة الغيرة عليها ….
نظر له طارق بهدوء ولم يبدي اي ردة فعل بينما
هتف عاصم من بين اسنانه بغضب أسود…..
“انا مش اخر مرة شوفتك فيها قولتلك تبعد عنها…إيه مبتفهمش….”
اخبره طارق بمنتهى الهدوء….
“انا شوفتها هنا بصدفة…وجيت اطمن عليها…
شهد زي اختي و…”
هزه عاصم من ياقة قميصة بشراسة
مهاجمًا بعداء…..
“اياك تنطق إسمها كده…مراتي ملهاش غير
اخ واحد…..سامع…..”
هتفت شهد بخوف وهي تضع يدها على
ذراعه…..
“عاصم مينفعش كده اهدى…احنا في مستشفى
بلاش تفرج الناس علينا…..”
نظر لها عاصم بغضب ثم عاد الى طارق الذي ظل
صامتًا متقبل موجة الغضب الموجهة نحوه من هذا
المخلوق الغير ادمي…..
تركه عاصم بعد توسلات كثيرة من شهد بينما مها
كانت واقفة خلفهما تشاهد ما يحدث بصمت…
وعدم رضا….
ابتعد طارق بحرج مغادرًا دون إضافة كلمة واحده…وقتها لحقت به مها بلهفة وقلق….ولا تعرف ما فوضى المشاعر تلك……
مسك عاصم وجه شهد بين يداه يتفحصها
بعينيه القلقتين….
“انتي كويسة…..في حاجة وجعاكي….”
قالت بابتسامة رقيقة تعاتبه….
“كويسة…والله كويسة…صدقني انا قبلته هنا
بالصدفة…مكنش ينفع تكلم معاه كدا ياعاصم……”
“صعبان عليكي أوي….”عبس عاصم وهو يترك
وجهها بهدوء مكتفي بنظرة متجهمة لها….
تعلقت بذراعه وهي تقول….
“عاصم…. طارق انسان كويس ومحترم مش
زي ما انت فاكر…..”
صاح عاصم بنفاذ صبر….
“كويس ومحترم لنفسه…. يخليه في نفسه
ماله ومالنا…..انا ناقص…”
ثم نظر من حوله وانتبه لعدم وجود
مها معهم فسألها….”فين مها ؟!!….”
قالت شهد بحاجب معقود..”يمكن راحت وراه !.”
فغر عاصم فمه بضجر….. “نـعـم ؟!!!….”
“أستاذ طارق….”
توقف طارق مكانه وهو يستدير لها قائلا
بوجوم…..
“نعم يا استاذة مها….”
قالت بنظرة صارمة…. “دكتورة لو سمحت….”
نظر طارق الى وجهها قليلا ثم انفجر ضاحكًا ولم يصدق انه ضحك بعد ما تلقى من إهانة وتقريع
بداخل من زوج غير ادمي…. غيور…..
سألته مها مشدوهة….
“انت بتضحك…انا افتكرتك اضيقت من اللي
عاصم عمله…”
قال بابتسامة جذابة ظهر معها الناب
المكسور….
“عشان كده سبتيهم وجيتي ورايا…”
افترسها الحرج وهي تقول بتلعثم….
“يعني حسيت ان رد فعل عاصم قاسي شوية
عليك… فقولت اعتذرلك بنيابة عنه….”
سالها طارق بفضول غريب…
“هو عاصم يقربلك إيه بظبط…”
قالت مها بهدوء….
“يعتبر ابن عمي…. بابا يبقا اخو جده….”
ارتفع حاجب طارق بصدمة…..
“يااه فرق أجيال…”
قالت مها بثرثرة لذيذة…..
“يعتبر انا واختي بيسان أصغر اتنين احنا سته
تلاته بنات وتلاته صبيان….بابا كمان اصغر واحد
في اخواته وكان الابن العاشر…عشان كده يعني..”
اوما طارق بتفهم قائلا دون مواربة…..
“فهمت..اي رايك تعزميني على فنجان قهوة
اهو تعتذري ليا بنيابة عن ابن عمك..وتحكيلي
عن شجرة العيلة بالمرة….”
وافقت مها مقترحة…
“مفيش مشكلة…بس بعربيتي….”
تمتم طارق بتخوف…..
“استرها يارب…شكلنا هنشرب القهوة في السما…”
امتقع وجه مها وهي تلقي نظرة باردة عليه
قائلة بترفع قبل ان ترحل…..
“لا وعلى إيه بلاش احسن…اشربها بمعرفتك…”
لحق طارق بخطاها معتذرًا……
“خلاص يادكتورة بلاش تقفشي اوي كده…
كنت بهزر والله….”
……………………………………………………….
خرجت من المتجر تحمل الاكياس وهي تتحدث عبر
سماعة البلوتوث الى صديقتها تتفق معها على سهرة اليوم في احد النوداي الليلية كما اعتادت مؤخرًا الذهاب لها….
فبعد ان تخلى عنها الجميع وكأنها وباء يجب التنائي
عنه أصبح السهر وشرب الخمر أكثر الأشياء التي تسكن اوجاعها ولو قليل…..
“اوكي نتقابل في نفس المكان….باي.. ”
انهت المكالمة وهي تسير بانفٍ مرفوع في الشارع الشبه فارغ وبين يداها الاكياس تحوي على الاطعمه التي ابتاعتها من المتجر القريب من بيتها….
انتبهت إلهام ان هناك رجلا يتبع خطاها من الخلف
وسيارة سوداء تقف امامها على بعد خطوات قليلة سائقها يقف في الخارج يدعي انه يتحدث في الهاتف..
نعم يدعي وهذا ما جعلها تشك في الأمر وتخاف فكان يتحدث وعيناه تتبعها بنظرة غريبة وكأنه
وجد غايته….حتى
حتى رأته يقترب منها فجأة بعد ان شعرت في اللحظة التالية بمن يكمكم فمها من الخلف بقماشة بها سائل عند استنشاقه فقدت الوعي ولم تشعر بنفسها وهم يسحبوها بمنتهى الهدوء الى السيارة السوداء التي انطلقت الى وجهة معينة….
………………………………………………………….
مسح يداه الملطخة بالشحم وهو ينظر الى المكينة التي بدأت تعمل مجددًا بعد ان اجرى تعديل بسيط في اصلحها….
ساله العامل العجوز بدهشة…
“بسم الله ماشاء الله ياحمزة يابني…. ايدك تتلف بالحرير… اتعلمت منين صيانة مكن التقطيع ….”
اجابه حمزة ببشاشة…..
“الدنيا بتعلم ياعم منعم…مفيش حاجة صعبة… كل
حاجة عايزة تفكير وصبر….”
اوما الرجل مؤكدًا باعجاب…
“عندك حق….ربنا يحميك لشبابك ويبارك في عمرك…”
“تشكر ياعم منعم…..”قالها حمزة وهو يلمح عامل
الصيانة من بعيد ياتي عليهم فغمغم حمزة
بخفوت…
“اهو بتاع الصيانه جه…..لسه فاكر ؟!!…..”
وقف العامل أمامه ناكس راسه باعتذار
وهو يقول….
“معلش ياستاذ حمزة….كنت في وقت الراحة بتاعي
ولسه جايلي خبر ان مكنة التقطيع فيها مشكلة….”
اوما حمزة براسه مقتضبًا وهو يشير على المكينة
بحزم….
“حصل خير يابشمهندس انا عملتها….بس خليك قريب منها برضو يمكن تقف تاني….”
ثم نظر للرجل قبل ان
يرحل….
“تأمرني بحاجة ياعم منعم….”
ابتسم الرجل مندهشًا من اهتمام حمزة
الملحوظ به…..
“تشكر يابني…هو مين اللي يأمر مين بس….”
قال حمزة ببشاشة…
“انت طبعا… هو انا مش زي ابنك ولا إيه….”
لمعة عينا العجوز بتمني وهو ينظر الى حمزة
بفخر…..
“يارب اشوفه زيك…..في يوم من الأيام…..”
توارى الحزن في عينا حمزة وهو يقول
مبتسمًا….
“انا هدعي من دلوقتي ان يكون مستقبلة احسن
مني كمان….انت تستاهل كل خير ياعم منعم…..”
ابتعد حمزة عن الرجل قليلا ثم أراد لفت الانتباه اليه
وهو يقول بنبرة شبه امره……
“نص ساعة ياجماعة وواقفوا شغل… تروحوا تتغدوا
وتصلوا الضهر وبعد كده نكمل شغلنا….”
ثم تابع حمزة بخشونة منوه…..
“على فكرة احنا هنسهر الأيام الجاية على الطلبية دي لازم نطلعها في معادها…..ومتقلقوش كل ساعة هتشتغلوها فوق الوردية بتاعتكم هحسبها ليكم
بمبلغ كويس هيضاف على القبض ….”
هتف احد العمال بامتنان….
“ربنا يباركلك ياسطا حمزة…ويجعله في ميزان حسناتك…”
مالى هذا العامل على رفيقة قائلا بمودة…
“الصراحة هو والاسطا سلطان رجالة عشرة على عشرة…ادب واحترام وتقدير لينا وتواضع كمان
دول بيمدوا ايديهم معانا في الشغل وبيحسسونا
انهم زينا تمام…..مفيش بعد كده الصراحة….”
قال رفيقه وهو يتابع العمل بتفاني…..
“ربنا يهديهم علينا….ان شاء الله نخلص الطلبية دي
ونطلع بمبلغ كويس…انت عارف المعيشة بقت صعبة
إزاي…”
اوما الاخر متبرمًا…”اه انت هتقولي…يلا الحمدلله…”
جلس حمزة خلف مكتبه ورفع الهاتف على اذنه مجري اتصال بها…
من يوم ان خرج عثمان من الشقة متوعد له وهو
ولمدة شهر كامل يكثف اتصالاته بها ويعود للبيت
مبكرًا قبل الخروج بساعتين…..
يشعر بالقلق عليها بعد ان تجرأ والده واتى لعندها
مهددًا بالقتل ان لم توقع على التنازل….
لم يبقى على جلسة المحكمة إلا يومين….وقد مر
شهر كامل ولم يحدث شيء، ربما والده استسلم
للأمر أو يدبر هو والمحامي ما يعرقل حكم المحكمة…
فتح الخط بعد لحظات فقال حمزة بزفرة
حانقة متجهمًا….
“كل ده ساعة عشان تردي ؟!!…مش قولتلك اول
ما ارن تردي عليا حتى لو في ايدك إيه…..تردي وطمنيني الأول…..”
تاففت قمر بضجر قائلة….
(بعمل الاكل ياحمزة…وبعدين انا لسه مكلماك من ساعة ملحقتش يعني…..قلقان كده ليه هو انا هطير…)
هتف حمزة بغيظ…
“قـمـر بلاش العوجه دي… وردي عدل….”
تبرمت قمر بنزق….
(فين العوجه دي…انت موترني باتصالاتك عمال
على بطال مش فاهمة في ايه….)
عبس حمزة واجمًا…
“واضح انك زهقتي….خلاص مش هرن تاني…”
قالت قمر بسرعة وهي تخفف من حدتها
بنبرة حنونة….
(ياحبيبي مش زهقانه منك ولو قعدت عمري كله اكلمك عمري ما هزهق….بس انت كده موترني
وموتر نفسك على الفاضي….ركز في شغلك ياحمزة
ولو في اي حاجة هكلمك….انا قفلة عليا بالمفتاح
زي ما تطلبت ومبقتش اخرج في حته غير معاك..)
هتف حمزة دون تفكير…
“بس انا مش عارف اركز غير معاكي…”
على الناحية الاخرى ابتسمت قمر وهي تخرج
صنية البسكويت من الفرن….
(لو كنت بسمع الجملة دي في ظروف تانيه كنت
فرحت أوي…)
“انا بحبك ياقـمـر….”بدون مقدمات قالها حمزة
بنبرة عنيفة بالمشاعر…
تأوهت بتعب وهي تقول بشوق….
(وانا روحي فيك….. هترجع البيت امتى عملتلك
الغدا اللي بتحبه…. وخبزت بسكوت بالقهوة….)
ابتسم حمزة بجذل قائلا…
“هو دا الكلام…..اهم حاجة بسكوت القهوة…”
قالت ضاحكة بحبٍ…
(عملته حلو اوي هايعحبك….)
اخبرها حمزة بهدوء….
“انا كلها ساعتين وهطلع من الشغل…”
قالت قمر برقة….
(تمام ياحبيبي هستناك….خد بالك من نفسك…)
قال حمزة ببعض الحزم….
“وانتي كمان واوعي تفتحي لحد مين ما كان
من ورا الباب ردي اتفقنا….”
اومات بانصياع….(اتفقنا ياميزو….)
أغلق الخط معها وهو يعود لفحص تلك الأوراق ليرى
تقدم خط الانتاج في الفترة السابقة….
اتى في عقله صورة شهد ولح شعور غريب بسماع
صوتها والاطمئنان عليها….
فرفع الهاتف على اذنه مجري اتصال بها….
فتح الخط فقالت شهد بعتاب…
(واخيرًا سمعتني صوتك…)
هتف حمزة مؤنبًا…..
“مين اللي رانن…لو كنت في بالك كنتي هترني تطمني عليا….”
قالت بوجوم….
(انا مطمنه طول مانت مع مراتك….)
ضاقت عينا حمزة بتساؤل….
“مش بريئه الجملة دي شامم ريحة غيرة…”
قالت شهد بتبرم معاتبة….
(الجواز غيرك…مبقناش بنتكلم زي الأول…)
ابتسم حمزة قائلا بملاطفة….
“الجواز والشغل خدوني منك…بس انتي علطول
في بالي ياسنجابة….عاملة إيه في حياتك..”
قالت شهد بمحبة….
(الحمدلله بخير…..انت اي اخبارك مع قمر
وفي شغلك…)
اخبرها مبتسمًا…
“الحمدلله ياحبيبتي….كله تمام… ”
سألت شهد باهتمام…
(الجلسة امتى صحيح عشان احضر معاك…)
قال بنبرة مهمومة….”كمان يومين كده…”
سالته شهد بنبرة مهتمة….
(صوتك متغير مالك……واوعى تقول مفيش
حاجة….)
اخبرها حمزة دون مواربة…
“يعني سكوت ابوكي مش مطمني….”
قالت شهد بعد تنهيدة…
(انت هتقولي انا كمان مرعوبة بعد اللي قولتهولي..
بس عارف عندي احساس كده ويقين ان ابوك بيهددك مش أكتر….)
شرد حمزة في القلم بين اصابعه وهو
يقول بخفوت….
“مش عارف….انا مش خايف على نفسي انا كل اللي
يهمني قمر……لو جرالي حاجة خدي بالك منها ياشهد
دي وصيتي….”
صاحت شهد مستنكرة بضيق…..
(اي الكلام ده ياحمزة….ليه وجع القلب ده…محدش
هياخد باله منها غيرك….انت جوزها وعيلتها وكل حاجه ليها…..ربنا يخليكم لبعض….بلاش تشاؤم..
ابوك جبان ومستحيل يعمل كده…)
ألح حمزة بنبرة جادة…
“يمكن…..انا بس مش عايز غير وعد منك انك هتاخدي بالك من قمر لو جرالي حاجة…”
تاففت بضيق….(تاني هتقلبها دراما….)
ألح حمزة برجاء….”عشان خاطري اوعديني….”
قالت شهد بنبرة شبه باكية….
(حبيبتك في عنيا….وانت نور عنيا فبلاش توجع قلبي بكلامك ده…..)
ابتسم حمزة بارتياح….
“ربنا ما يجيب وجع ان شاء الله….انتي في
المطعم صح ؟!…. ”
اجابته وهي تقترح…..
(ايوا ما تعدي عليا….نتغدى سوا….)
اعتذر حمزة قائلا….
“قمر بتحضر الغدى في البيت….”
قالت شهد بنبرة حانية….
(خلاص هاتها وتعالى نقضي اليوم سوا…بقالنا يامه
متجمعناش….وانا هكلم كيان تطلع من المكتب علينا
اي رأيك….)
وافق حمزة وهو يقول بمناغشة….
“ماشي..نيجي نقضي اليوم عندك…احنا عندنا كام شهد…بس هندفع بقا ولا الخدمة عندكم بالمجان…”
اجابت باسلوب طريف…..
(مفيش حاجة بالمجان…شخلل عشان تتغدى..)
ضحك حمزة وهو يغلق معها الهاتف بعد الوداع
الحار….
بعد إنهاء العمل….
استقلّ سيارته القديمة الاشبه بقطعة خردة..قطعة
خردة شهدت على مراحل كثيرة في حياته اغلبها عصيبة ومضنية واليوم هي معه تشهد على افضل
ما تمنى من نجاح وحب واستقرار عائلي…..
تمتم بالحمد وهو يخرج بها من المرأب متجه الى
البيت….
واثناء سيره بها على الرصيف المتنائي عن البشر فقط السيارات السريعة من حوله والبحر على
الجهة البعيدة…..
سمع بوق سيارة نقل كبيرة تاتي عليه من بعيد بسرعة الصاروخ من الجهة المعاكسة للطريق والمخالفة كذلك….وكأنها تتعمد الاصطدام
به !!…
في لحظة خاطفة تفادى حمزة الاصطدام باعجوبة ولكن مع الدوران القوي للسيارة لم تتحمل وانقلبت مرتين مصطدمة في سيارة أخرى….
ابتسم سائق (التريلا)وهو يرى توقف الطريق
وتجمهر الناس حول السيارة المنقلبة والتي
بعد فترة طويلة من محاولات الإنقاذ خرج منها
حمزة جثة هامدة بين يدي الرجال غارق في
دماؤه..
رفع السائق الهاتف على اذنه مبلغ
رب عمله…..
“كله تمام يزاهر بيه…..العربية والسواق في
خبر كان….الفاتحة على روحه…..”.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الحب أولا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى