روايات

رواية الحب أولا الفصل الثلاثون 30 بقلم دهب عطية

رواية الحب أولا الفصل الثلاثون 30 بقلم دهب عطية

رواية الحب أولا الجزء الثلاثون

رواية الحب أولا البارت الثلاثون

رواية الحب أولا الحلقة الثلاثون

كانت تقف في المطبخ بصحبة أميرة وحماتها حنان
التي قالت بفرح وهي تقلب في الإناء….
“الف مبروك يا أميرة…عقبال الشهادة الكبيرة….”
تنهدت أميرة بارتياح والسعادة تشع من عينيها فها هي ابنتها الكبرى تنهي الثانوية العامة ملتحقه بالجامعة… قالت بجذل…
“الحمدلله ياماما… كانت أيام صعبة اوي كنت خايفة
متجبش المجموع اللي بتحلم بيه… الحمدلله كده
تقدر تدخل الجامعة اللي هي عيزاها…الف حمد وشكر
ليك يارب…”
ابتسمت داليدا كذلك وهي تمسح دموعها من اثار تقشير البصل…
“الف مبروك ياميرو عقبال التخرج….تبقى الشهادة في ايدها الشمال والعريس في الايد اليمين….”
ثم استدارت داليدا تتابع ما تفعله فاليوم الجمعة
وقد تجمع أفراد العائلة لقضاء يومًا عائلي معًا….
مسحت داليدا دموعها بعد ان انتهت من تقطيع البصل وخرجت قليلًا لردهة البيت تشم بعض الهواء فرائحة الطعام تقلب معدتها فتشعر بالغثيان كلما استطال وقوفها بالقرب منه…
جلست على أقرب أريكة قابلتها وهي تشعر بالدوار فور جلوسها….ثم فلت تاوه صادم من بين شفتيها بعض ان اصطدمت راسها بشيء صلب كالحجر….
أقترب منها أسامة على عجل قائلًا باعتذار…
“انا آسف ياداليدا مخدتش بالي…. انتي كويسه…”
نظرت داليدا الى الكرة الواقعة ارضًا ثم لعينا
الصبي الوسيم….فقالت وهي تحك جبهتها
“احمرت صح؟…”
اكتفى الصبي بايماءة صادقة فمسكته من ياقة قميصة بغضب مكتوم…..
“اعمل اي فيك… مية مرة اقولك ياتلعب فوق السطح
يافي مدخل البيت… احنا لسه مروقين يا أسامة…”
رد أسامة وهو ينزع يدها عنه…
“تيته مش بترضى تخليني اطلع فوق السطح عشان
عشش البط والفراخ… ومدخل البيت ضيق… خلاص بقا المسامح كريم…”
برمت شفتيها غافرة…..
“عفوت عنك.. فين توامك يحيى… حمبوزو لوي بوزو…”
جلس جوارها قائلًا بهمسًا….
“نايم….داليدا كنت عايز احكيلك سر….”
رفعت راسها للأعلى بملل لعلها تتخلص من
شعور الدوار…..
“بتحب بنت جديدة…سجى ولا نوران….”
قال الصبي بابتسامة واسعة… “اسمها جميلة….”
زمت شفتيها بملل أكبر…. “هممم وبعدين…..”
هتف أسامة بحرارة…
“حلوة اوي ياداليدا…دي بتنور في الضلمة…”
نظرت اليه بطرف عيناها مستفسرة…
“انت عندك كام سنة ياوس اوس.”
رد الصبي بعد ان نفخ صدره
بفخر…
“هكمل الاربعتاشر كمان شهرين…..”
تاففت داليدا متحسرة وهي تخبره…
“اربعتاشر ؟! وكل يومين بتحب واحده جديدة
وبرضو حلوة وبتنور في الضلمة….هي لمض بيتكم بايظة وعايز بديل ولا اي حكايتك…دا احنا مكناش عيال بقااا…”
ثم استرسلت بعد ان انكمشت ملامح
الصبي بعبس…
“تعرف انا كنت بكرش على مين وانا قدك يا
أسامة…على يوچين…ومزال فتى أحلامي
يوچين….”
“فتى أحلامك مين يامدام….”
قصف صوتٍ خشن من أحد الزوايا بهذا السؤال
البارد…
فنظرت داليدا اليه بارتياع بينما ضحك اسامة
بتشفي….
“البس عشان تتريقي عليا حلوو… ”
عندما أقترب سلطان منها بقامة طوله الشامخة
وجسده الضخم العضلي ارتدت للخلف في جلستها
قائلة بدفاع….
“دا دا…..دا كرتون….بطل في فيلم كرتون والله….”
جلس سلطان جوارها بعد ان نهض أسامة…
فقال سريعًا بعد ان لاحظ الكدمة الحمراء في جبينها… “اي اللي في وشك ده….”
“أسامة خبطني بالكورة….”اشارة على اسامة كطفلة تشكو لوالدها….فنظر سلطان للصبي شزرًا….
بينما اتسعت عينا أسامة مبررًا بسرعة…
“اي ده….في إيه يامرات خالي اكيد مش قاصد غصب عني والله….”
انحنى سلطان يجلب الكرة والقاها في وجه
اسامة بخشونة….
“اخر مرة تلعب في الصالة خد كورتك وامشي….”
التقط أسامة الكرة بمهارة قبل ان تصطدم
في وجهه….ثم مالى على خاله قائلا بخبث…
“ماشي…أوعى تنسى تحاسبها على يوچين ده لحسان انا سامع كلام مش كويس عنه بيقولوا
والله اعلم مسجل خطر… فخد بالك بقا منها….”
بعد ان غادر أسامة امام أعينهما ألتفت لها سلطان
قائلا بغيرة….”مين دا بقا فتى أحلامك….”
لوحت داليدا براسها تخفي حماقتها….
“ماقولنا كرتون بطل على ورق….عادي يعني دا الكلام
ده وانا صغيرة انا دلوقتي عقلت وبقيت بحب ناس حقيقيه…”
ضاقت عينا سلطان اكثر…فقالت برهبة….
“برضو ممثلين وميعرفوش اني اتخلقت أصلا….”
ثم تلونت نظراتها بلمعة مغرية مضيفة ببطئ شديد وهي تاسره بشقاوة….
“انت برضو اللي في القلب ياسلطن..هحب مين قدك انت…”
ابتسم سلطان مشيح بعيناه
عنها…
“وبقينا بنثبت كمان….”
قالت بدلال…. “من بعض ما عندكم….”
عاد لعينيها فاصطدم بالكدمة مجددًا فلمسها بيده
قائلا باهتمام….
“احمرت اوي…. خبطك جامد ولا إيه….”
قالت بهدوء…
“عشان الكورة ناشفة شويه علمت….”
“استني اجبلك حتة تلج تحطيها….”ابتعد امام
عيناها ثم عاد بمكعب ثلج…..وضعه على الكدمة
باهتمام يسلب به قلبها وعيناها معه….نظر سلطان
لوجهها مستفسرًا بقلق أكبر……
“بقالك كام يوم مش عجباني….مالك يادودا….”
خفق قلبها مع السؤال فانحنت عيناها بارق
قائلة….
“مش عارفه والله ياسلطان تعبانه اوي…حاسه ان رصيد الصحة بقا زيرو… والنفسية بقت تحت الصفر…”
اقترح عليها….
“تحبي نخرج شوية نتمشى على البحر….”
هزت راسها بنفي قائلة بكآبة…
“لو في يوم تاني هقولك يلا بينا بس حقيقي
مليش نفس لاي حاجة…..”
تافف سلطان قائلا بقلق…
“يبقا نروح نكشف ونطمن ونشوف اي اللي وجعك…”
رفضت داليدا قائلة بتذكر…
“بكرة مش هينفع هروح مع جنة اشتري فستان لفرح
كيان….خلاص مفضلش غير كام يوم عايزة أجهز عشان اروح أقف معاها….”
اوما سلطان براسه قائلا….
“حمزة كمان هيتجوز معاها في نفس اليوم…..وقفنا شغل في المصنع لحد مايرجع……”
سالته باهتمام زوجة….. “فاضل كتير في المصنع…”
رد عليها بفتور….
“فاضل المكن وهنبدا شغل بإذن الله….”
سالت داليدا…
“يعني خلاص خلصتوا الأوراق وجبتوا التصريحات….”
أكد سلطان بتنهيدة متعبة….
“اه الحمدلله كل حاجة بقت قانوني وهنبدا الشغل قريب بعد الفرح باذن الله…..”
وضعت يدها على كتف سلطان قائلة
بمحبة….
“ربنا يوفقكم ياحبيبي… انتوا تستاهلوا كل خير ..”
مسك يدها وقبلها قائلا بارتياح…
“ادعيلنا يادودا نحط رجلينا على أول الطريق وربنا
يكرمنا…انا مبسوط ان حمزة خد الخطوة دي…
وبدا يفكر في مستقبلة وحياته….”
قالت داليدا بابتسامة متزنة….
“واضح انه بيحب خطيبته دي أوي… عشان كده عايز
يبدا حياته صح…. ربنا يسعده….”
هتف سلطان مؤكدًا بشفقة….
“التلات اخوات يستاهلوا كل خير ياما تعبوا وقسو…ربنا يهدي ابوهم……”
رفعت داليدا عيناها للأمام لترى (امال)تدلف الى
ردهة البيت برفقة اسامة وابنتها دنيا في يدها
والتي تتخطى الست سنوات….
قالت بعدائية….
“اي اللي جاب الوليه دي هنا….”
انتبه سلطان لوجود امال فنهض فورًا قائلًا
بحزم…
“داليدا اهدي…الست مش جيالك دي جايه لامي واميرة تبركلهم على نجاح جنة…. مفهاش حاجة يعني….”
تعلقت بيده قائلة بغيرة….
“انت رايح فين….. وسيبني….”
نزع سلطان ذراعه بصعوبة عنها قائلا من
بين أسنانه….
“هضايف الست على ما أسامة ينادي امه…”
عندما اقترب سلطان منهن امام عيناها المشدوهة
اتجهت الصغيرة دنيا اليه قائلة بسعادة….
“بابا سلطان عامل إيه…..”
جحظت عينا داليدا بصدمة
مرددة بذهول… “بابا سلطان إزاي ؟!…”
“اهلا يادنيا ياحبيبتي…..”حملها سلطان وقبلها
بحنان فتعلقت الصغيرة في عنقه فرحب
سلطان بامها قائلا من باب الذوق…
“أهلا يام دنيا إتفضلي…..”
رمقته أمال بعتاب قائلة….
“لولا معزتي للحاجة انا مكنتش دخلت البيت ده تاني..” ثم مسحت عيناها من دموع لم تذرفها…
“انا واخده على خاطري منك اوي ياسي سلطان… دا انت حتى مفكرتش تراضيني بعد اللي عملته مراتك فيا…”
انزل سلطان ابنتها ارضًا معتذًرا….
“حقك عليا…. داليدا كانت اعصابها تعبانه شوية…
تعالي ياداليدا….”
اشار لداليدا بان تتقدم فاقتربت منهما بتلك المشية
المائعة ونظرة الباردة حتى وقفت جوار زوجها الضخم الذي كبلها من كتفها خوفًا من ان تتهور
في اي لحظة…
“تصوري… ام دنيا لسه واخده على خاطرها منك..
مش مصدقة انك مكنتيش تقصديها.. وانك كنتي مضايقه شوية وطلعتي عصبيتك عليها غصب
عنك يعني…. ”
لفهما الصمت قليلًا كانت داليدا ترمق المرأه من أول راسها حتى اخمص قدميها بتعالٍ فقالت بعدها بصفاقة…..
“بصراحة انا كنت قصدة….”
عصر سلطان لحم كتفها بين قبضة يده..
فتأوهت داليدا بتمرد….
“الله براحة…. مانا جيالها في الكلام اهوه…”
اغتصب سلطان الإبتسامة لامال التي لوت شفتيها بعدم رضا…
بينما قالت داليدا بإبتسامة انكمشت معها
ملامحها كمن يمضغ ليمون لاذع…
“بس مش انتي طبعًا ياخالتي ام دنيا…دي واحده حربوءة..بتحاول تخرب عليا اما انتي….انتي اكيد بتتمني ليا الخير باين على وشك السمح….”
اكدت أمال باسلوب مائع مستفز….
“اه طبعًا ياحبيبتي حصل خير…. المسامح كريم
وانا قلبي كبير…..”
نظرت داليدا لجسد أمال الممتلئ ومفاتنها
المكتنزة بصورة مستفزة….فغمغمت بحقد
“مش قلبك بس…. دا كل حاجة كبيرة ماشاء الله….”
ثم نظرت داليدا الى صدرها متبرمة سرٍ..
“انا شكلي هحتاج فتامينات الفترة الجاية….”
خرجت أميرة من المطبخ مهللة
بحفاوة…
“اهلا اهلا باموله عامله إيه….”
سلمت عليها امال بحرارة….
“الف مبروك ياميرو لجنة عقبال الشهادة الكبيرة….”
قالت اميرة بمودة وهي تبتعد عنها…
“تسلمي ياحبيبتي…عقبال ما تفرحي بدنيا…تعالي
تعالي ادخلي نورتينا….”
دخلا معًا الى غرفة الجلوس بينما سحبت داليدا
سلطان من ذراعه هاتفه بغيرة….
“سلطان تعالى هنا عيزاك….”
سار معها الى ان دخلا احد الغرف الفارغة
ثم اغلقت الباب بعصبية فسالها سلطان….
“في اي ياداليدا جيبانا هنا ليه…..مالك…”
سالته على نحوٍ مفاجئ…
“انت اي رايك في الست الكيرفي…..”
انعقد حاجباه باستفهام…. “اللي هي….”
قالت بجنون وبانفاسا عالية….
“اللي هي مليانه وكلها امكانيات في اي ركز….”
اجاب سلطان ببديهية… “اه حلوة دي أوي….”
اشتعلت عينا داليدا فجاة فقال مصححًا الخطأ
“ورفيعة جامدة برضو….كل نعم ربنا حلوة..
بس اي سر الاسئلة الهبلة دي..”
دفعته داليدا في صدره بغيرة مجنونة….
“كل نعم ربنا حلوة ؟!…اي الايمان والتقوى دي..انت بتلغوش على الحوار…..انت بتحب مين اكتر….”
رد وهو يكتم الضحكة…”السمبتيك طبعًا…..”
تشدقت بحرقة….
“كداب… انت كنت بتبص عليها من تحت لتحت….”
تشدق بصدمة… “اي الظلم ده محصلش….”
دبت الأرض بقدمها مصممة…”حصل….”
ضحك سلطان ولف عنقها بذراع واحده مقربها
منه وهو يقول برومانسيه….
“انتي هبلة ابص لمين يابت وانتي جمبي….دا
انتي مغطيه عليها…”
زمجرت بتعنت…. “كداب….”
اتكا على عنقها بخشونة فسعلت وهي تحاول نزع ذراعه القوية بينما يقول سلطان بعذوبة…
“اسمعي يام مخ قد كده….انا بحبك واللي بيحب
بجد لو مين بالذي واقف قصادة.. عينه وقلبه مش هيشوفوا غير حبيبه….وانت حبيبي…..”
حل وثاقها بسهولة..فبدأ قلبها يخفق بسرعة
جراء الكلمات والنظرات في عيناه….فسحبها
سلطان من خصرها قائلا بوقاحة…
“بما انك شدتيني من ايدي ودخلتيني الاوضة وقفلتي الباب علينا….يبقا أكيد بتفكري في
اللي بفكر فيه…”
“سلطان….حد يشوفنا…..”
حاولت التملص منه بدلال لكنه لم يعطيها الفرصة
بل مالى على شفتيها كي يقبلها بقوة ويثبت لها
انها المرأه الوحيدة القادرة على اثارة مشاعره
واشعال جسده بنظرة واحدة…..
انكمشت ملامح داليدا فجأه واضعه يدها على فمها
تمنعه من الاقتراب فشعور الغثيان داهمها مجددًا
بعد ان تخلل عطره رئتيها….
خرجت سريعًا راكضة ويدها على فمها….
“داليدا….داليدا……”
لحق بها سلطان والقلق يفتك به فهذا الأمر تكرر
على مدار أسبوع كامل ومزالت ترفض الذهاب
للطبيب متحججة باي شيءٍ تافه…
وجدها تنحني برأسها بتعب على الحوض بعد
ان إنتهت اقترب منها فقالت داليدا بحرج…
“أخرج ياسلطان بالله عليك….”
“انتي هبلة هقرف منك يعني تعالي…”قالها وهو يدعمها لتستند عليه ثم بدا يغسل وجهها وفمها
وهو يأمرها بصرامة….
“احنا هنروح للدكتورة النهادرة….”
هتفت بخوف… “بس…..”
هتف سلطان بجدية صارمة….
“والله لو اعترضتي زي كل مرة هتدخلي العيادة
متشاله على كتفي…”
اسبلت عينيها خانعة….فقال هو بحنو
“خليكي هنا على ما اخلي أميرة تجبلك عباية تلبسيها…”
…………………………………………….
سائل لزج كالهلام سار على بطنها المكشوفة وهي تستريح بظهرها على سرير الكشف بينما سلطان
يقف خلف الطبيبة التي تجلس على مقعد امام
شاشة سوداء….
بدأت تحرك الجهاز على بطن داليدا برفق وهي
تسالها بعملية…
“اخر مرة جتلك الدورة الشهرية كانت امتى
ياداليدا…..”
قالت داليدا بعد تفكير…. “تقريبًا…من شهرين….”
انعقد حاجب الطبيبة…
“شهرين بحالهم ؟!….اي اللي اخرك عن الكشف
كل ده….”
بللت داليدا شفتيها بحرج مجيبة…
“هي أوقات مش بتبقى مظبوطه ساعات بتتأخر..
عشان كده مشكتش في حاجة هو انا عندي اي يادكتورة….”
قالت الطبيبة بمرح طفيف….
“عندك نونه….زعلان ان مامته لحد دلوقتي مش واخده بالها انه بيكبر جواها ومحتاج رعاية
واهتمام اكتر من كده….”
جفلت ملامحهما معًا وهم ينظرا لبعضهما بغباء
منقطع النظير…فنظر سلطان للطبيبة بعدم
فهم… “يعني إيه الكلام ده يادكتورة…”
قالت الطبيبة بابتسامة مدروسة….
“يعني مبروك مراتك حامل في شهرين كمان…كان
المفروض تبدأ متابعة بدري عن كده…بس مفيش
مشكلة هبقا اكتبلها دلوقتي على علاج وحقن
تخفف الترجيع والدوخة شوية… ”
اقترب سلطان من داليدا وانحنى على ركبته ارضًا يمسك يدها سائلا بعينين تشتعل فجاة كالعاب نارية في سماء قاتمة….”يعني داليدا حامل فعلا….”
اكدت الطبيبة وهي تحرك الجهاز على بطن
داليدا….مشيرة برفق…
“هكدب عليك ليه…دا الجنين أهوه النقطة
الصغيرة دي ..وده نبضه عشان تتاكدوا أكتر.. ”
دوى صوت نبضات صغيرة جدًا ومتسارعة كمن يدب
على الأرض بقدمه بتذمر !..
انهمرت العبارات على وجه داليدا حتى غطت وجهها
وهي تطلق شهقة مصدومة ممزوجة بفرحة عارمة والحنين يضوي في عيناها الباكية لهذا الصغير التي لم تعرف بوجوده إلا الان….
نظرت داليدا الى سلطان و رأت في عيناه نظرة
جديدة عنيفة المشاعر دافئة المعاني ممتلئة
بالعشق لها وللصغير القادم…..
“مبروك ياداليدا…. ربنا يكملك على خير….”قالتها الطبيبة وهي تبتعد الى مكتبها….
ساعدها سلطان على النهوض وعندما وقفت امامه
وتقابلت اعينهما لم تمنع نفسها من البكاء في
احضانه….
راتهما الطبيبة هكذا فانسحبت لبضعة دقائق بصمت
مغلقة الباب خلفها….
ضمها سلطان لاحضانه بقوة هامسًا بصوتٍ متحشرج
في غمرة السعادة والحب…..
” مش مصدق ياداليدا….. انتي حامل… اللي سمعناه
ده نبض قلبه…. حامل في شهرين واحنا…. ”
وبخها وهو يبعدها عن احضانه
قليلًا….
“وإزاي مش واخده بالك كل ده…”
مسحت عيناها وانفها بظهر يدها كطفلة
مذنبة….
“ايش عرفني ان دي أعراض الحمل…”
لانت ملامح سلطان مع نظرة عيناها
البريئة وهي تقول….
“نبضه حلو اوي ياسلطان…سمعته…”
هز راسه بتأكيد وعلى محياه ابتسامة رائعة…
تغضنت زوايتي عيناها بارتياع متابعة ….
“انا هبقا مامي..طب إزاي…انا مش هعرف ابقى
مامي ياسلطان…”
طمئنها سلطان بعطف وتفهم….
“بكرة تتعلمي وتبقي أحلى واحن مامي في
الدنيا كلها… مبروك يادودا….”
ضحكة وهي تدفن راسها في صدره بدلال…
“الله يبارك فيك….خدني في حضنك ياسلطان
انا بردانه أوي من ساعة ماسمعت الخبر…”
ازدادت الإبتسامة عمق على محياه فضمها لصدره
يبث بها الحب والطمأنينة…ولسانه يتمم الحمد
والشكر لله…
……………………………………………………………
ابعدت الغطاء عن جسدها ببطئ وهي تنظر الى
ذراع زوجها الذي يكبلها من خصرها وهو نائم.
وكأنها ستهرب منه….
ابتسمت شهد بقنوط وهي تنزع ذراعه ببطئ…عنها ناهضة عن الفراش….
ارتدت مئزرها الحريري الطويل على المنامة المماثلة
له….ثم خرجت من الغرفة تسير على اطراف اصابعها
كالصوص…..
سحبت مقبض الباب خلفها واغلقت إياه بحرصٍ شديد…..تنفسة الصعداء وهي تضع يدها على صدرها
كمن يفعل جريمة شنيعة……
هبطت على السلالم بنفس الحرص حتى لا تصنع
بلبلة في المكان فالجميع نائم والساعة تشير لمنتصف
الليل…..
اثناء ذلك وضعت يدها على بطنها هامسة الى
طفلها المشاغب الذي يدفعها لاختراق القوانين…
“عجبك كده يا أستاذ….أبوك لو صحي دلوقتي
وملقنيش جمبه هيقول علينا إيه بس….”
دلفت الى المطبخ وهي تتحدث اليه دون ملل
او كلل تشاركه الحديث والجريمة كذلك….
“وبعدين….اي الوحم ده…مش فاهمة فين الشوكلاته
والفاكهة اللي المفروض تتوحم عليهم….”
اخذت العلب وبدأت ترصها على الطاولة مغمغمة
بحسرة….
“بتتوحم على مخلل…..مخلل ؟!…”
اخذت طبق ووضعت فيه انواع المخلل التي
وجدتها واكثر نوعين كانت تشتهي تذوقهم الخيار
والجزر….
بدأت تاكل بنهم وكأنها لم تاكل منذ الدهر…كانت
تاكل بشكلا مريع متلذذه بطعم الخضروات المنقوعة بالملح مذاقها شهي ورائحتها ذكية تروقها بشدة…
لم تكن من محبي الاكلات المالحة ولا المخللات
بانواعها لكن منذ ان بدأ الوحم وهي تشتهي كل
ماهو ممزوج بالملح بشكلا مبالغ وخطر… احيانا
ايضًا تزيد في وجباتها العادية الملح حتى تتمكن
من الأكل…..
هذا الأمر أصبح خطر عليها ونصحتها الطبيبة بالابتعاد عن تلك الوجبات المالحة…وحذرها
عاصم خوفًا عليها وعلى الجنين..
وها هي تخترق القوانين بعد يومين من الامتناع
وتعود للمخلات اللذيذة مالحة المذاق التي تلمع
في مائها ذائبة وكانها تذوب في العسل….
رفعت خيارة مخللة على فمها وقضمتها باشتهاء
وهي تئن باستمتاع فمذاقها شهي لدرجة تجعلها
مهما أكلت لا تكتفي وتطالب بالمزيد….
ان علم عاصم سيغضب منها بشدة….
وضعت يدها على بطنها تتحسسها برفق قائلة
بدافع الامومة….
“كله يهون ياقلبي المهم ننبسط انا وانت….”
سمعت صوت خطوات بالخارج تتقدم من
المطبخ فاتسعت عيناها بخوف وهي تحمل طبق المخلل وتجلس أسفل الطاولة تختبئ وفي فمها تتعلق قطعة من جزر المخلل….
بدأت تقضمها ببطئ وعسليتاها متعلقة على باب
المطبخ بارتياب….
دلف عاصم وهو يبحث عنها بعينين ناعستين فانتبه
لعلب المخلل المفتوحة على سطح الطاولة…
تركت خلفها آثر… اين هي ياترى….
اغمضت شهد عينيها بخوف وهي تعض أصابع الندم
ما كان عليها الخروج من الغرفة ماذا ستفعل الان ستكون امامه كطفلة مشاغبة لا تسمع الكلمة !..
راها عاصم أسفل الطاولة تجلس مربعة الساقين تضع امامها طبق المخلل وتاكل منه وهي شاردة العينين تفكر في الخروج من تلك الورطة…
رفع عاصم راسه للاعلى مبتسما فمنذ ان بدا الوحم
وهو يعاني معها بصورة مضحكة….
أنقلبت بشدة هرموناتها في الأربعة أشهر الماضية أصبحت شديدة التذمر سريعة الخصام… وليس البكاء بل الخصام دون حتى ان يفهم مالذي
ازعجها تتركه وتنام وتضع الوسادة بينهما
كحاجز مانع عنه…..
ولكنه في كل مرة يخترق حاجزها وعقلها الصلب ويشبع خديها وشفتيها بالقبل حتى تلين في احضانه مسيطرًا هو على تقلباتها السخيفة التي تخلقها من اللاشي…
حتى انها أصبحت اكثر حرارة في علاقتهما الحميمية
اكثر تجاوبًا واشتياقًا له عن السابق….وكان للوحم تأثير قوي عليها فقد فجر انوثتها المتطلبه للكثير
من الحميمية والتدلل منه….
وهذا كان يرضيه بشدة كرجلا يعشقها بجنون…
اما عن وحم الطعام فهي تشتهي كل ماهو ممزوج
او منقوع بالملح تاكله دون ذرة تردد واحده…
وقد أخذت اكثر من إنذار منه ومن الطبيبة ان المبالغة في الاكل المالح بهذا الشكل خطر على صحتها هي والجنين…..
لكن يبدو انها لا تبالي وكسرت القوانين من جديد
دون مراعية لاي أحد….
هل الوحم يلغي عقلها ويفقدها صوابها لهذا
الحد؟!…
مالى أسفل الطاولة ببساطه وسحب طبق المخلل
من أمامها كمن يعاقب قطة مشاكسة كي تخرج من حجرها وتعتذر…..
“اخرجي من عندك…..”
جملة واحده صارمة جعلتها تجفل في مكانها فانحنت
بخنوع تسير على ركبتها حتى خرجت امامه واقفة
كالمذنبون….
“احنا قولنا اي على المخلل ؟!!….”
قالت وعيناها مثبته ارضًا….
“كنت جعانه…. ولقيتوا قدامي…”
نهض عاصم ووقف امامها قائلًا بعتاب
حاني…..
“مفيش حد بياكل مخلل بطريقة دي.. والتلاجه
مش فاضية وانتي عارفة كده كويس….”
نظرت لعيناه بمسكنة قائلة بحزن…
“ياعاصم انا مش قادرة ابعد عنه… مينفعش يعدي
عليا يوم من غير ما اكل حاجة مالحة… بالله
عليك….”
زمجر عاصم بصرامة…
“بالله عليكي انتي اسمعي الكلام..الدكتورة قالت
كتره غلط….”
قالت شهد بدفاع….
“اديك قولت كتره غلط انا مكترتش انا كلت
وحدتين بس…..”
نظر عاصم للعلب المفتوحة على سطح الطاولة ثم للطبق الممتلئ نصفه بعد ان انهت النصف الآخر
“كل ده وحدتين وكمان كدابة….”
“خلاص بقا هاكل اللي في الطبق ومش هاكل
تاني خالص….”انحنت تاخذ الطبق لكنه ابعده
عنها رافضًا بحزم…..
“لا كتير…. كفاية عليكي دي….”
اعطاها عاصم شريحة من الخيار المخلل…فاخذتها
شهد وقلبتها بين يدها بعدم رضا….
“دي مش هتعمل حاجة ….”
حرك عاصم حاجباه بذهول….
“يعني اي مش هتعمل حاجة ياشهد…انتي ليه
محسساني اني بديكي ممنوعات….”
قالت شهد باشتهاء….
“دي احلى من الممنوعات هات واحده كمان
خليك جدع بقا ياعصوم….”
نظر لها بارتياب….
“عصوم ؟!….”ثم زم شفتيه وهو يعطيها قطعة
اخرى بعطف…..
“اتنين اهم مرضية كده….”
أكدت شهد وهي تمضغ بلذة
كبيرة..
“اه طعمه حلو أوي هات زتونة بقا…..”
رفض عاصم بحزم…. “ولا الهوا تعالي….”
وجدت نفسها ترتفع عن الأرض بين ذراعيه
القويتين…فقالت بخجلا وهي تنظر حولها
“عاصم بتعمل إيه حد يشوفنا….”
سار بها لخارج المطبخ صاعدًا درجات السلم…
واجابها بلا مبالاة….
“مايشوفونا هو انا خطفك… دا انتي مراتي…”
ابتسمت وهي تتعلق في عنقه بسعادة فمالى
هو عليها في لحظة خاطفة متشرب من رحيق
شفتيها الامعة اثار الأكل…
ابتعد عنها معلق وهو يداعب انفها بانفه
بحب….
“طعمها بقا مالح كده ليه…. فين الشهد ياشهد…”
قالت بابتسامة جميلة… “مش عجباك ولا إيه….”
قال بمراوغة جميلة أمام عيناها…
“وهي مسكرة طعم….وهي مالحة طعم تاني
مسكر برضو….”
مالى يقطف قبلة اخرى أشد حرارة من السابقة
وهو يدلف بها الى غرفتهما….
وضعها على الفراش وسحبها لاحضانه وشفتاه
مزالت ترتشف من عسلها المالح…..
ثم بعد لحظات اطلق سراح شفتيها لياخذا انفاسهما المسلوبة معًا همست شهد بضعف وهي تغرز اصابعها في شعره الغزير بمداعبه لطيفة…..
“عاصم…..”
قربها منه اكثر وهو يزمجر بتملك….
“أول واخر مرة تقومي من جمبي ياست الحُسن..
خضتيني عليكي….”
قالت بحرج وهي تدفن جسدها الصغير بين ذراعيه
وصدره العريض…..
“غصب عني ابنك صحاني من احلاها نومه.. ونفسي
راحت على المخلل….”
سالها وهو يأسر عيناها بالحب….
“وافرضي ملقتيش مخلل كنتي هتعملي إيه…”
قالت بعفوية وهي تنظم انفاسها بعد
هجومه العاطفي….
“كنت هاخد اي حاجة تقابلني ازودها بالملح واكلها..”
فلته منه ضحكة صغيرة يائسه فانحنى حاجبي
شهد بحزن…..
“ياعاصم اعمل إيه… غصب عني الوحم جاي
كده…. مش ذنبي والله….”
اوما براسه وهو يتحسس وجنتها بابهامه بتفهم
حاني….
“عارف والله.. وانا غصب عني برضو اني احرمك من حاجة عيزاها بس خلينا نسمع كلام الدكتورة ونخف شوية حوادق هي قالت كلي بس في المعقول….”
قالت بشفاه مقلوبة….. “هحاول….”
سارت يداه على مفاتنها بوقاحة
قائلًا…
“بما اننا صحينا سوا… تعالي احكيلك حدوته…”
حركت اهدابها بخجلا….. “حدوته قليلة الادب؟!….”
اكد وهو يطبع قبلة على انفها
الأحمر…
“بظبط…. تحبي تسمعيها….”
هزت راسها بحرارة قائلة
بجرأه… “احب أوي قول…..”
طالت نظراته العاشقة على عيناها العسلية اسفل الاضاءة الخافته فكانا يشعان بجملًا كشهب
ذهبية…..همس بصوتٍ عذب….
“بحبك اوي ياست الحُسن….”
اختلج قلبها بين اضلعها بعاطفة جياشة..
فقالت بابتسامة مشاغبة….
“دي حدوته رومانسية كده….”
هتف بخبث….
“ما قلة الادب جايه أصبري….”
تخضبة وجنتيها سريعًا فقال هو بضحكة
صغيرة جذابة…
“بموت فيكي وانتي بتحمري كده بتبقي شبه الطماطم الحمرة… عايزة تتكلي أكل…”
رمشت شهد باهدابها للحظة شاردة لبرهة عنه
ثم عادت اليه قائلة….
“تعرف نفسي اكل طماطم عليها ملح ورشة بهارات
بس هنحط ملح كتير عشان تتاكل وتبقا طـ….”
اسكتها عاصم بملامح واجمه….
“شهد ركزي معايا وسيبك من الملح اللي نقعه مخك
فيه من ساعة مالوحم اشتغل….”
انكمشت ملامحها بعدم رضا وقالت
بحدة..
“اي نقعه مخك في ملح دي… قصدك إيه…
لو سمحت انا مسمحلكش وسع كده….”
انتفضت فجأه من مكانها وسحبت وسادة
مربعة ووضعتها بينهما وهي تشن الحرب عليه
بنظرة باردة…فسالها عاصم وهو يكتم ضحكاته
بصعوبة….”بتعملي إيه؟…”
غمغمت بخصام…. “هنام عندك مانع…”
سالها بعبث…. “طب والحدوته….”
قالت بتهكم وهي توليه ظهرها….
“انا كبرت على الحواديت يامعلم عاصم…”
“بس انا بقا مكبرتش يامعلمة شهد….”ادارها اليه
عنوة عنها نازع الوسادة بينهما وملقيها ارضًا…
هتفت بدهشة….”عـاصـم….”
كان آخر شيءٍ تقوله فمن بعدها اغرقها في
طوفان عاطفي عنيف استسلمت داخله مع
أول همسة حب وقبلة حانية….
……………………………………………………..
في صباح يومًا جديد هبطت شهد على السلالم
بحرص وعلى اذنها الهاتف قالت بابتسامة رقيقه..
“ياكيان ساعة بظبط وهتلاقيني عندك…مش هتأخر”
صمتت تستمع لها وبعد ان انتهت ردت شهد
عليها….
“اه هبات الكام يوم دول…اه هقوله اكيد وهأكد
عليه كمان….ماشي سلام ياحبيبتي…سلميلي
على قمر..”
اغلقت الهاتف وهي تزفر بتعب متجهة الى الخارج حيث ورشة عاصم القابعه بجوار السرايا الكبيرة
اثناء سيرها وجدت من يعرقل طريقها بالوقوف
أمامها فرفعت شهد عيناها إليه من باب الذوق
القت التحية….
“صباح الخير….ازيك يا يزن….”
ابتسم يزن وعيناه تتلون بتلك النظرة الغريبة
والمعة المريبة….قال يزن بصوتٍ عذب….
“صباح النور ياشهد…اي أخبارك….مبروك على الحمل…”
وضعت يدها على بطنها بتلقائية…
“الله يبارك فيك….”
ازداد توهج عيناه فقال…..
“لو احتاجتي اي حاجة…انا موجود….”
قالت شهد بمناغشة….
“بس دا مش تخصصك يادكتور….”
وضع يده في جيب بنطالة بزهو…
“اديكي قولتي دكتور اكيد هيبقا مني فايدة…”
قالت شهد بابتسامة متزنة…
“اكيد لو وقفت عند حاجة هبقا استشيرك..واهوه نختبرك بالمرة عشان نطمن بعد كده على المرضى معك..”
ثم استرسلت بفتور…..
“صحيح عرفت من عاصم انك نجحت مبروك
عقبال شهادة التخرج….”
ضاقت عيناه بشقاوة قائلا…
“مبروك كده حاف…مفيش هدية كدا ولا كده….”
عضت على باطن شفتيها بحرج ثم بعد ثانيتين
قالت حتى تحفظ ماء وجهها….
“لا ازاي انا ناوية اجبلك هدية طبعا بس مش النهارده….”
سالها مستمتع برفقتها جدًا…. “لي كده؟!..”
اجابت شهد بهدوء….
“يعني الكام يوم دول هبقا عند اهلي عشان فرح اخواتي وكده…بس وعد هجبلك هدية في اقرب وقت….”
همس يزن بصوتٍ خافض…..
“اديني مستني….انتي الوحيدة اللي هستنا هديتها
على نار…..مع إنك لوحدك أحلى هدية ممكن الواحد
ياخدها….”
رفعت شهد حاجبها بوجل وقد رجعت خطوتين للخلف بصدمة فـتعثرت وكادت ان تسقط على ظهرها…..
تعجل يزن في لمح البصر ومسك ذراعها بقوة قبل
ان تسقط ولفظ بخوف….”حاسبي….”
نظرت شهد الى يده القابضة على ذراعها ثم لزرقة
عيناه واللهفة البادية على وجهه فوقعت في هوة
مظلمة مخيفة وتشوشت الرؤية وتضاربة الافكار
داخلها… ثائرة رافضة تصديق هذا الاستنتاج الـ
المتدني……
“يـزن…..اي اللي بيحصل هنا….”صاحت بها إلهام من أعلى السلم بعد ان رأت هذا التقارب الغير بريء ابدًا بينهما للمرة الثانية….
سحبت شهد يدها بملامح واجمة وعينين جامد
على هذا الشاب غير مصدقة انه ممكن ان يكون
هزت راسها ترفض التصديق فهي لم تكن متهاونة معه ابدًا في التعامل ليفكر بها بتلك الطريقة التي
راتها في عيناه….
انه الأقرب الى عاصم وعلاقتهم رائعة كالاب
والابن ؟!…
رد يزن على امه
ببرود….
“كانت هتقع فـبسندها….”
انسحبت شهد سريعًا عنهما كمن قرصتها
حية…”عن اذنكم….”
بعد ان ابتعدت شهد بخطوات سريعة مسكت
الهام ذراع ابنها وسحبته معها الى غرفة المكتب
الخاصة بوالده……اغلقت الباب ونظرت اليه شزرًا..
“اللي بتعمل دا غلط…”
رد يزن بعناد متهكمًا….
“اي اللي بعمله ياماما….ماقولتلك كانت هتقع…”
هتفت الهام من بين اسنانها بغضب….
“بص لعينك في المراية وانت بتبصلها…انت
مفضوح يابن مسعد…..أوعى تكون….”
هتف يزن بعصبية…. “ايوا بحبها…..ارتاحتي….”
اتسعت عينا الهام ووقع قلبها بين اقدامها
برعب…..وهي تشعر بانه لطمها بقوة….
“انت اتجننت دي مرات عاصم…ابن عمك…”
أردف يزن بنزق……
“اديكي قولتي ابن عمي يعني مش متحرمه عليا
لما تطلق منه….”
شهقة الهام وهي تنظر الى ابنها بعجز وكأنه حالة
ميئوس منها…
“فووق يايزن…انت واعي لنفسك….البت دي عملت
فيك إيه…..”
ابتسم يزن بهوس وهو يتذكر صورتها وهي
تبتسم له…..فقال بجنون….
“قولي معملتش إيه…بقولك بحبها….ومستعد أعمل
اي حاجة عشان تبقا معايا….”
ظلت الهام واقفه مكانها مصعوقة وهي تسمع
هذا الجنون على لسان ابنها الوحيد….فصاحت
بقسوة…..
“انت اكيد جرا لمخك حاجة….انت كده بتضيع
مستقبلك… بضيع كل اللي عملته عشانك… ”
رمقها يزن بنظرة باردة وكاد ان يرحل لكن الهام
تعلقت بذراعه قائلة بغضب أسود…
“رايح فين وسيبني….فوق ياما والله اطربقها
فوق دماغك ودماغها….”
بنظرة ونبرة غير مبالية اجابها….
“ياريت تعملي كده هتقصري عليا المسافة…”
نشبت في ذراعه بقوة وهزت جسده بعنف…
“انت اتجننت لو عاصم عرف… دا يقتلك ويقتلها…”
نزع ابنها يداها عنه قائلا
ببلادة…
“لم يبقا يعرف بقا….سلام…..”
خرج يزن امام عيناها الجاحظة بشكلًا مريع
فوقعت على أقرب معقد متمتمة بكراهية…
“البيت بيتهد فوق دماغي……كل حاجة بتضيع…”
رفعت الهاتف على اذنها صائحة بهيجان…
“عملت اي يازفت بقالك أربع شهور بترقبه مجبتش خبر عدل….”
رد الشاب على الناحية الآخر….
(الله ياهانم مش كنت بتأكد وبجبلك الاخبار السقع..)
مطت شفتيها بازدراء.. “واي هي الأخبار السقع….”
أخبرها الشاب بهدوء…
(الباشا بيتردد كل كام يوم كده على شقة في الـ***
لما استفسرت عليها عرفت انها باسم وحدة ست اسمها چهيان الكيلاني…..)
تلقت صفعة اخرى أشد قسوة من السابقة…
فقالت بصعوبة…. “انت متأكد….”
أكد الشاب بثقة أكبر…..
(الا متأكد دول ساعات بيطلعوا مع بعض منها قدام
عيني يقضوا اليوم سوا….)
“ابعتلي العنوان في رسالة…..”قالتها الهام ثم اغلقت
الهاتف وهي تنظر الى الفراغ بنفسًا سوداء وصدر
مختنق هاتفه بتوعد……
“ماشي يامسعد…..يانا يابنت الكيلاني….”
………………………………………………………..
دلفت شهد الى غرفة الورشة فوجدت عاصم يجلس
على مقعده في فمه مبسم الارجيله وفي يده قطعة
من حجر الزمرد البراق يقلبها بين يده بعينين ثاقبة
زارت الابتسامة وجهها الحزين فاقتربت منه
قائلة بغضب طفيف….
“احنا قولنا إيه على الشيشة يا معلم عاصم….”
رد مبتسمًا وهو يشير لها بان تقترب.
“دا مزاج يامعلمة شهد ومينفعش ابعد عنه…هي
عندي زي المخللات عندك كده…”
ضحكت بحرج وهي تقف جواره…
“طب الوحم ده حاجة مؤقته ومصيرها تنتهي
مش مزاج زي مانت لسه قايل….”
ترك مبسم الارجيله وركنها
جانبًا….
“اتعودت عليها هي والسجاير….”
هتفت شهد بقلق….
“غلط ياعاصم….صحتك ياحبيبي….”سحبها الى
احضانه واجلسها على ساقه قائلا وعيناه تتشرب
من حُسنها…..
“هحاول اخف منها عشان خاطر حبيبي دي بس..”
ثم مالى عليها طابع قبلة الصباح على وجنتها المتوردة….. “صباحك زي الشهد….نمتي
كويس امبارح….”
قالت بعينين جميلتين وهي تعبث في زر
قميصه …..
“اه كويس أوي…انت اللي قومت من جمبي
المرادي أهوه….”
اشار لها على الطاولة القابعة امامهم…
“طلبيه مستعجلة وكان لازم اشتغل عليها…”
اومات شهد برأسها بتفهم…فمسح هو على
وجنتها بابهامه وعيناه تاسرها بالحب…..
“مالك ياشهد شكلك زعلانه…”
“مفيش حاجه ياحبيبي…..”ثم نهضت فجأه ودارت
حدقتاها في المكان قائلة بجذل….
“المكان شكله حلو أوي….وكان الواحد دخل منجم
دهب….”
كانت الورشة رغم صغرها إلا انها تحتوي على كل
ماهو ثمين وباهظ الثمن….تفوح منها رائحة غريبة
ومقبولة كذلك….منظمة بشكلًا رائع كل شيءٍ في صناديق خشبية مخصصه لها….
مسكت شهد احد سبائك الذهب الصغيرة الموجوده في صندوق خشبي متوسط الحجم….سالت بعفوية
“بتصنع من دول الخواتم والسلاسل….”
اردف عاصم بمزاح…..
“اه…..تحبي تاخدي واحده….”
ضحكت بدهشة وهي تنظر الى سبيكة الذهب اللمعة بشدة بين يدها….
“اي ده ؟!! وكانك بتديني شوكلاته…”
“تساوي كام دي….”
ضيق عيناه لبرهة وهو يخبرها بعملية….
” على حسب الوزن…دي سبيكة دهب عشرة جرام
دهب صافي…حاليًا سعرها.*….”
رفعت حاجبها بذهول بعد ان نطق السعر…فقالت وهي تدور بعيناها في المكان…
“يااه….دا انت مش لازم تسيب الورشة كده…”
رد عاصم بهدوء…..
“مقفولة اكتروني مش بتفتح غير ببصمة الايد..
وبكلمة السر….”
سألته بنظرة شقية… “واي هي بقا كلمة السر…..”
سحبها مجددا لاحضانه واجلسها على ساقه
قائلا…..
“تاريخ أول يوم شوفتك فيه زي اللي محفور
على الدبلة…”
اشار على الحلقة الفضية في اصبعه…فقالت
شهد بدلال….
“اي الرومانسية دي كلها….بتحبني اوي كده.. ”
“بموت فيكي….”قالها وهو يدفن وجهه في عنقها
طابع القبل على جيدها…..
قالت شهد بضعف وهي تداعب شعره
باصابعها…”عاصم….”
اكتفى بهمهمات خشنة…فقالت شهد بخفوت…
“انا كلها ساعة وهروح عند اهلي زي ماتفقنا هبات
الكام يوم دول معاهم…انت عارف بقا الفرح والتجهيزات….”
رفع راسه اليها قائلا بوجها عابس….
“مع اني مش بالع حتة مبياتك بعيد عني الكام
يوم دول بس هعمل إيه ظروف وحكمت…”
مررت يدها على لحيته السوداء
المشذبة…
“انا كمان مش حبه ابعد عنك…”
هز رأسه بنفي قائلا وعيناه تسافر فوق ملامحها
الجميلة المتوردة بسعادة الحب….
“كدابة ياست الحُسن انتي ما صدقتي تبعدي عني
وترجعي تقعدي مع اخواتك…. هو انا مش بشوفك
وانتي قاعده معاهم بتبقي عاملة إزاي… ”
سالته بحيرة…. “ببقا عاملة إزاي؟!….”
رد بصوتٍ غلبه الحزن….
“بتبقي حد تاني ياشهد….ببقا نفسي تبقي معايا
كده..”
هتفت شهد مستنكرة هذا الاتهام…
“اي الكلام ده ياعاصم…وانا ببقا معاك ازاي يعني..”
اخبرها بصدق احساسه نحوها….
“بحسك بعيد ياشهد حتى وانتي في حضني..وكأن
في حاجه بتشدك بعيد عني….”
تسمرت مكانها تنظر اليه بتيه…..فابتسم عاصم
مغير الموضوع قائلا بمزاح…..
“مجرد احساس…واضح ان المعسل ده في حاجة..”
ساعدها على الوقوف قائلا بهدوء…
“يلا اطلعي اجهزي عشان اوصلك في سكتي
وبعدها اطلع على الصاغة أكمل اليوم هناك….”
…………………………………………………………….
وصل الى الصاغة منذ ساعة ونصف تقريبًا بعد ان اوصلها وسلم على اهلها مبارك لهما…
كان يجلس خلف مكتبه يقلب في ملفات
الحسابات…فدلف اليه صديقه حكيم الذي هلل
قائلا باسلوب فكاهي….
“اي ياحولم اي أخبارك….”
رد عاصم بترحيب…
“بخير ياحكيم….انت عامل إيه.. قعد….”
هتف حكيم بعتاب بعد ان جلس…
“اي ياعم هو الجواز هيفضل لحد إمتى واخدك
مننا..من ساعة ما اتجوزت من البيت للصاغة ومن الصاغة للبيت اي حكايتك هي المدام حالفه عليك
ولا إيه….”
ضحك عاصم يشاكسه بالقول….
“مش كده ياحكيم بس تقدر تقول لسه عريس
جديد….وفي شهر عسل… ”
فغر حكيم شفتيه قائلا باستنكار….
“فين شهر العسل ده دا كلها كام شهر وتشيل حولم
الصغير….وبعدين مانا عملت شهر عسل اكتر من تلات
مرات مخدتش جمب منكم ليه…كنت بخرج وبروح
وباجي…..في اي ياعصوم دا احنا لينا حق عليك
برضو ياجدع…..”
أغلق عاصم الملف قائلا باستسلام…
“خلاص ياحكيم انت هتاكلني…كده كدا المدام عند اهلها الكام يوم دول عشان فرح اخواتها….رتب انت السهرة وانا هاجي….”
قال حكيم بهدوء…
“سهرتنا على البحر… مش وحشك الصيد ولا إيه…”
ارجع عاصم ظهره للخلف قائلا بايجاز…
“لا إزاي وحشني الصيد وقرك عليا طبعًا كلم
مينا….نقضي اليوم هناك بعد ما نخلص شغل…”
ساله حكيم باهتمام….
“ماشي الكلام….بس انت مالك كده مش عاجبني..”
أطلق عاصم زفرة ثقيلة ثم أخبره بتجهم…
“مش عارف ياجدع الشقة لحد دلوقتي مجهزتش
وكل ما كلم المهندسة اللي مسكه التشطيب تقعد
تتحجج بألف حجة….”
قال حكيم بسرعة…
“غيرها… انت بقالك قد إيه مستني؟!….”
لوى عاصم فمه قائلا بجزع….
“من قبل الفرح بقالي ست شهور مستني…المفروض
كنت استلمها من تلات شهور فاتوا….”
عقب حكيم متعجبًا..”طب غيرها مستني إيه….”
تنهد عاصم قائلا بخشونة….
“مش عايز اقطع عيشها المهندسة دي انا عارفها كويسة ومسكتها شغل قبل كده ليا و لناس حبايبي وكانت بترفع راسي قدامهم والكل بيحلف بذمتها
وشطارتها في الشغل….بس مش عارف خابت لي
كده…. ”
هتف حكيم باستهجان….
“غيرها خليك تخلص….شكلك مش مرتاح في بيت
العيلة….”
قال عاصم بصوت اجوف….
“بيني وبينك ياحكيم انا عايز اعيش انا ومراتي في مكان لوحدنا….انت عارف اللمه بتخلق مشاكل ووجع دماغ وانا كل اللي يفرق معايا في البيت ده الحاجة نصرة ويزن من بعدها….”
ساله حكيم…. “وناوي تعمل إيه….”
عزم عاصم الامر قائلا…..
“اخرها معايا الأسبوع ده….لو فضلت على كده
هديها بقيت حسابها وهجيب مهندس تاني يكمل
الشقة مكانها….”
…………………………………………………………..

وقفت امام المرآة بثوب الزفاف الأبيض تتمايل
يمينًا ويسارًا وعلى شفتيها إبتسامة واسعة وعينيها
الفيروزية تشع ببريق أخذ….
فتحت شهد الباب ودخلت إليها
سريعًا…. “كيان اسمعـ…..”
توقفت شهد عن الحديث وهي تنظر الى اختها الصغرى التي أصبحت عروس جميلة ترتدي ثوب زفاف رائع من تصميم قديم الطراز يبحث عنه
بعض العرائس في العصر الحالي فهو يحمل
الرقة والحشمة والاناقة.. به العروس تكون
كالفراشة البيضاء شديدة الجمال والجاذبية….
“لما حكتيلي في التلفون….جه في دماغي حاجة
تانيه خالص مصدقتش ان الفستان بالجمال ده..”
قالتها شهد وهي تجلس على حافة الفراش تتأمل
اختها بمحبة….
عادت كيان للمرآة تتأمل الثوب بتأني
وهي تقول بهيام….
“كانت مفاجأة حلوة اوي ياشـهـد….”
قالت شهد بتوله… “طب احكيلي من الأول…..”
قالت كيان بعينين متبسمتين….
“ياشـهـد دي تالت مرة احكيلك….”
قالت شهد بمناغشة….
“احكي المرة الرابعة….نظرتي اتغيرت خالص عنه
بعد اللي عمله واللي بيعملوا عشانك…”
اقتربت منها كيان وجلست جوارها قائلة
بوله….
“انتي بتقولي فيها الأربعة شهور اللي فاتوا دول
سليم حرفيا كان بيعمل كل حاجة عشان يسعدني
ويكسب ثقتي….”
سالتها شهد بلؤم…
“وياترى بقا كسبها ولا لسه شوية….”
انحنت نظراتها ارضًا بحزن ….
“كسبها طبعا… بقيت بحبه اوي ياشهد و مش متخليه
اصلا نفسي غير معاه… ساعات بقول لنفسي ازاي بعدت من الأول وعذبته بشكل ده….”
ربتت شهد على كتف اختها بعطف…فاسترسلت
كيان وهي تنظر لعينا اختها….
“سليم جدع وطيب…. وكويس اوي وبيحبني بجد… بس سوء التفاهم وعلاقته القديمة خلتني احطه في مكانه وحشه أوي مكانه ميستحقهاش….”
قالت شهد برفق….
“كل حاجة في وقتها بتبقا احسن…يمكن كل اللي حصل ده ساعدك انك تخفي بجد يا كيان….وان
الاوان إنك تنسي اللي فات وتبداي من أول
وجديد…..”
ترقرق الدمع في عينا كيان وهي تقول
بعزم…..
“دا اللي بدأت اعمله فعلا..انا محتاجه اعيش زي
اي بنت في سني…افرح واحب واعمل عيلة
حلوة….”
بابتسامة صافية أكدت شهد بجذل…
“هيحصل ياكوكي….وقريب كمان انتي تستاهلي
كل حاجة حلوة…..”
مسحت كيان عيناها وهي تقول بضحكة
صغيرة….
“انا من رايي احكيلك عشان منقلبهاش نكد….”
………………………
قبل شهر تقريبًا….
خرجت كيان من بوابة العمارة التي تقطن بها…فوجدت سليم ينتظرها ومعه دراجتها الهوائية…
اقتربت منه بتلك الابتسامة الخاصة والنظرة العاشقة
التي باتت تسكن عينيها وتزدهر يومًا بعد يوم….
“معقول صلحتها…”
قالتها كيان وهي تقف جوار سليم الذي صافحها
بيده وقبلها بعيناه….
وضع يده على الدراجة قائلا
بمرح…
“اي رايك بقت عروسة….”
نظرت كيان الى الدراجة بانبهار والتي عادت
افضل من السابق…..
“مش عارفه اقولك إيه…دا انا كنت مكتئبة بسبب
انها بايظه…”
ثم عادت لعيناه سائلة…..”صلحتها بكام….”
نظر لها سليم ببلادة….”بفلوس….”
هتفت بتصميم…..”ايوا… كام يعني…”
زمجر سليم بخشونة….
“انتي مالك بقا بكام….يلا اركبي…”
“فين عربيتك….”سالته كيان وهي تنظر حولها…
اشار على الدراجة قائلا بايجاز….
“هنركب عجلتك…مشوار خمس دقايق وهنوصل..”
ثم ضاقت عيناه بمناغشة…..
“ولا خايفة عزيزة تقلبنا في السكة….”
قالت كيان بلؤم…
“على حسب اللي بيسوقها على فكرة…”
ابتسم سليم وهو يستقل الدراجة مشيرًا على
المقعد الصغير خلفه….
“طب اركبي وانتي هتشوفي السواقة اللي على حق….”
سالته بتردد… “متأكد….”اوما سليم براسه بابتسامة
تشع ثقة فاستقلت خلفه قائلة بقلق….
“ربنا يستر….”
تحرك بالدراجة بسهولة…فعانق كلاهما هواء الليل
البارد المعطر برياح البحر القريب من موقع بيتها…
سالته كيان ويدها تتشبث في قميصه
برفق….
“اتعلمت منين ركوب العجل…”
رد سليم باختصار….
“مفيش حد مركبش عجل وهو صغير…”
عقبت كيان بتشكيك….
“عايز تقولي ان سليم الجندي وهو صغير كان
بيأجر عجل….”
هز رأسه بنفي وهو مركز على الطريق امامه…
“مش بظبط بس كنت بشارك وانا صغير في نشاطات تبع النادي اللي بروحه وكان من ضمنها Cycling…”
تاوهت كيان وهي تقول بعطف…
“أوه بحس اني اللي بيمارس الرياضة دي بيتفرم
حرفيًا….انا رغم اني بحب ركوب العجل بس مقدرش
أروح بيه مكان بعيد مش اتسابق بيه….تعب رغم
خفتها في الحركة….”
اجابها سليم عن تجربة….
“هو تعود والعضلات مع الوقت بتعتاد على ده..
وبرضو الموضوع مش بيجي من يوم وليله دي تمارين زيها زي اي رياضه في الدنيا…والمسابقات
دي ليها نجومها وجمهورها……”
كان الجو رائع ليلا ساحر وهي معه هكذا خلف الدراجة السماء الامعة بالنجوم فوق رؤوسهما
والرصيف الممتد باعمدة الانارة..
شعرها البندقي يرفرف بفعل الهواء الرطب
وتتوغل الى رئتاها رائحة عطره المميزة بينما
يداها مزالت تتشبث في جانبي قميصه بحرج
شديد ولسانها يثرثر بكل ما يخطر على عقلها
دون حذر…..
فكان سليم دوما معها يتمتع بحسن الاستماع لها والتفهم دون إطلاق احكام سابقة…..
كان حاني ومرعيًا لكل تقلباتها وكان خير مستمع
ومهون عندما تحكي عن ماضيها معه
قالت كيان باسلوب فكاهي….
“بس انت رايق اوي وانت سايق عزيزة انا باكل المطبات أكل…. تحسني بتعارك مع الاسفلت…”
ضحك سليم وهو يصف الدراجة
جانبًا… “وصلنا ياعصفورة….”
ترجلت كيان من الدراجة وهو خلفها…نظرت الى
دار الأزياء الفخم المنير امامها بشكلا ساحر…
دلفت معه للمكان وهي تتأبط ذراعه بحياء…
رحبت بهم أحد العاملات فور وصولهما قائلة
بحفاوة…
“اهلا ياسليم بيه نورتنا..نورتينا ياعروسة.. ”
ابتسمت كيان بمجاملة وبعدها اشارت لهم العاملة
على احد الغرف….
سالته كيان وعيناها تدور في المكان
بعدم فهم….
“هو المكان فاضي كدا ليه…..”
رد سليم مختصرًا….
“انا مأجره الساعتين دول….”
انعقد حاجبا كيان بتساؤل….”وليه بقا…”
“عايز اوريكي حاجة….”قالها سليم وهم يدخلا تلك الغرفة الشاسعة…
التي كانت مظلمة وفور دخولهما انارة فجأة….
نظرت كيان بتردد لزوايا الغرفة لتجد مجسم يقبع
في المنتصف عليه ثوب زفاف أبيض أنيق من طراز
قديم ورغم ذلك خطف قلبها وعيناها فور رؤيته فكان راقي وانيق بشدة…..
محتشم باكمام طويل تزين بالتل يمتزج به الحرير
والتل بذوق فنان رفيع ينزل باتساع بسيط ومقبول
وجدت جوار الثوب صندوق خشبي قديم مزخرف
بالذهب…
نظرت الى سليم بعدم فهم….
“انا مش فاهمه حاجة ياسليم…. اي ده ؟!.”
اجابها سليم بنبرة حزينة متأثرة…
“دي حاجة هالة…. أمي……”
على تعبير الغباء وجهها وهي تساله بتكهن..
“وليه جايبها هنا…..اوعى تقول اني هلبس الفستان
ده….”
شحب وجه سليم وسالها بتردد..
“مش عاجبك….”
اقتربت كيان اكثر من المجسم وبدات تتفحص
الثوب بالمس….
“بالعكس دا تحفه..انا كنت بدور على حاجة كده..”
اخبارها سليم بصوتٍ رخيم…
“انا حابب اشوفك بيه يوم فراحنا..لو حتى أول ساعتين وبعد كده غيري للفستان اللي هتختاريه
النهاردة من هنا….”
جعدت جبينها معقبة….
“وليه فستانين يوم الفرح هي ناقصه فرهده…”
نظر لها سليم بتمعن فقالت كيان وهي تدير
وجهها اليه…..
“اطمن ياسولي الفستان عجبني أوي…..”
ثم استرسلت بتذكر…..
“بس باباك مش هيضايق كده… انت قولتلي قبل كده
انه محتفظ بكل حاجة مامتك ومش بيحب يطلعها
لحد….”
رد سليم ردًا اثلج صدرها….
“انتي مش حد ياكيان انتي مرات ابنه وبنته التانيه… وكمان هو اللي طلبها مني…..من تلات شهور فاتوا وانا اللي اترددت شوية أقولك….”
“وليه اترددت….”استفسرت بفيروزيتاها البراقة
وهي تقف أمامه…..
رد سليم باسلوب لبق….
“خوفت ترفضي…. بس زي ما اتفقنا برضو هجبلك فستان فرحك من هنا….”
رفضت كيان بشدة…
“لا طبعا…. هي مصاريف وخلاص….”
عقب سليم بهدوء حاني….
“مش حتة مصاريف ياكيان…. دي رغبة بابا انه يشوفك بالفستان ده وانا مقدرش أرفض حاجة
ممكن تفرحه أكتر في يوم فرحنا…”
قالت كيان بقناعة….
“وانا الفستان عاجبني اوي ومش عايزة حاجة
تانية….”
اصر سليم بحزم….
“يبقا تاخدي تمن الفستان الجديد و تصرفي
في فلوسه زي مانتي عايزة….”
تشدقت بدهشة….. “برضو ياسليم…”
أكد بثبات…. “دا حقك ياكيان….”
“طب ايه اللي في الصندوق ده….” اتجهت اليه كيان
وفتحت اياه بحرصٍ شديد….
فاخبرها سليم اثناء تأملها لمحتوى
الصندوق…
“دي هدية بابا ليكي… مجوهرات أمي….”
رات مجموعة من المجوهرات الثمينة القيمة ذات
طراز قديم وذوق رفيع كل قطعة منهم تحمل
ذكرى خاصة ومميزة باصحابها……..قالت كيان
وهي تغلق الصندوق وتضعه مكانه برفق….
“مش شايف انهم كتير اوي عليا…”
اخبرها سليم بصوتٍ تمكن منه العشق…
“مفيش حاجه تكتر عليكي ياعصفورة…بس اسمعي شرط بابا انك متفرطيش فيهم….وان لما ربنا يكرمنا بـبنت تديهم لها في يوم زي ده….وتوصيها نفس الوصية انها متفرتش فيهم…. اتفقنا… ”
بابتسامة متفهمة قالت….
“طبعا اتفقنا..الهدية مش بتتباع دي بتتهادى
للحبايب بس….”
ثم نظرت كيان للمكان من حولها ثم له
وقالت… “مش عارفه اقولك إيه…..”
مسكها سليم من ذراعيها بكلتا يداه قائلا وهو يأسر
عيناها بالنظرات وقلبها بالكلمات….
“على إيه ياعصفورتي….دا انا اللي مش عارف اقولك
إيه بعد موافقتك دي حبك زاد في قلبي الضعف
قناعتك وطيبة قلبك وحبك ليا و لبابا…كلها حاجات كلمة شكرا مش هتوفي حقك…”
تسارعت نبضات قلبها فقالت بابتسامة رغم
جمالها حزينة….
“انا اللي لازم اقولك شكرا وجودك انت وباباك مالي
عليا حياتي….عمو طيب وحنين اوي وغالي على قلبي جدا ووجوده بيعوضني عن حاجات كتير
حلوة فاتتني…..وانت كمان ياسليم قلبي بيتعلق
بيك يوم بعد يوم….وحياتي بقت عبارة عنك
انت….ومش متخيلها من غيـ….”
اوقفها سليم بعينان تفيضان عشقًا…..
“بس لحد هنا واستوب….انا مش عايز افتكر اي حاجة تانيه غير الكلمتين الحلوين دول…..”
تبادلا النظرات وتبسما معًا….فصدح هاتف سليم
فجأه معلن عن اتصالا….
أخرج الهاتف من جيب بنطاله ثم وضعه على اذنه
بعد ان علم بهواية المتصل….
ضاقت عينا سليم فورًا بمشاكسة وهو ينظر الى
كيان ثم تافف قائلا للمتصل…..
“ايوا يابابا…وافقت طبعًا بالعافية كانت رفضة تلبسه…..”
اتسعت عينا كيان لبرهة بصدمة ثم على
صوتها وهي تحاول خطف الهاتف منه….
“لا ياعمو بيكدب عليك….انا أول ما اشوفت
الفستان عاجبني اوي والله…..”
ابتعد سليم عنها متابعًا بغلاظة….
“كدابة يابابا دي قالتلي شكله مش قد كده….”
اوشكت كيان على البكاء وهي تضربه في
كتفه بقبضتاها الصغيرة..
“ياسليم بطل هزار….هات التلفون….”
اعطاها سليم الهاتف ضاحكًا…فقالت سريعًا
وهي تضع الهاتف على اذنها….
“اوعى ياعمو تصدقه والله عجبني أوي….”
رد والده بصوتٍ يشع دفئا…
(انا متأكد انه عجبك….مبروك ياكيان…)
انزلت الهاتف عن اذنها فسالها
سليم…. “إيه قفل معاكي؟!..”
رفعت عيناها عليه بقوة والشرر يتطاير
منها……
“في حد يهزر الهزار ده…افرض صدقك…”
ركضت خلفه بجنون فقال سليم بتريث وهو
يكبح الضحك…
“اعقلي ياعصفورة….هو عارف اني بهزر….”
………………..
اطلقت شهد ضحكة عالية فور ان انتهت
كيان من سردها للموقف…..
“طب والله عسل وباباه طيب أوي…..”
نهضت كيان من مكانها وهي تعطي لاختها
هاتفها قائلة بسعادة….
“صوريني ياشهد كام صورة…..”
سألتها شهد وهي تنهض وفي يداها
الهاتف….
“اوعي تكوني هتنزليها على النت….”
“لا اطمني للذكرى بس….”ثم اردفت كيان وهي
تقف بزاوية مختلفة…..
“حاولي تبيني الفستان على قد ما تقدري….”
التقطت شهد عدة صور لاختها بزاوية مختلفة مظهره
جمال الفستان عليها بقدر الإمكان…
ثم اخذت كيان منها الهاتف وارسلته لشخصٍ بعينه..
وفي المكان المرسل اليه.. التقط المستشار هاتفه
بعد ان أعلن عن وصول رسالة صوتية…فتحها وهو
يحتسي القهوة وفي يداه كتاب يقراءة بتأني….
(عمو صباح الخير….عامل إيه يارب تكون بخير..
انا بعتلك صوري بالفستان بعد مظبط المقاسات
وقسته….قولي رأيك…..شهد بتقول انه حلو أوي
عليا وانا شايفه كده… بس رأيك برضو مهم….)
ابتسم المستشار وترك الكتاب من يده ثم
أمسك الهاتف وشرع يقلب في الصور التي
ارسلتها كيان….
ابتسم مصطفى بحزن وهو يكبر الصورة اكثر متأمل
الثوب الملائكي عليها….تنهد وهو يسترجع الذكريات مع هذا الثوب الذي هاجره كصاحبته…..
أرسل لها المستشار بحنان أبوي….
(زي القمر ياكيان لايق عليكي أوي وكأن هالة اشترته ليكي مخصوص…تتهني بيه يابنتي….)
…عطية
………………………………………………
وقفت على أطراف اصابع قدميها تجلب شيءٍ من أعلى الرف فوجدت ذراع رجوليه تمتد اعلاها وتجلب العلبة لها…..
ابتسمت وهي تعطي له الفرصة كي يبتعد عنها لكنه بوقاحة لم يبتعد بل ظل خلفها مباشرة دون ان يلمسها…
“وبعدين معاك ياحمزة….”
همس بالقرب من اذنها بشوق…
“كنت مستني حضن بعد الغيبة دي… خيبتي أملي…”
ابتعد خطوتين عنها فاستدارت هي باشتياق تنظر
لجسده الفتي الصلب وقامة طوله بهذا الطاقم الشبابي الأنيق….فـتلاقت بعسليتاه بعد لمحة
سريعة على هيئته الجذابة…فقالت بحزم…
“مفيش بينا حاجة رسمي عشان اخدك بالحضن…”
قال حمزة بوقاحة وهو يقترب منها
خطوة…. “وقبل كده…”
خفق قلبها بشدة وسارت بُنيتاها بنهم على ملامح وجهه الوسيمة ثم لشعره الناعم وللخصل القصيرة المتناثرة على جبينه بهمجية محببة للعين ، معذبة للقلب كلما تلقفها بشوق…..كل مابه يعذب قلبها ويهفو اليه دون حياء…..
وبعد لحظة تامل كانت الاقصر والاجمل بين
كلاهما.. تداركت نفسها فسحبت نفسًا متهدج
قائلة…
“تقدر تقول لحظة ضعف وراحة لحالها…وعهدت نفسي بعدها اني مقعش في الذنب دا تاني….”
برم شفتيه قائلًا بانتصار…
“كلها ساعتين وتبقي حلالي….”
تخضبة وجنتاها قائلة….
“انت برضو مصمم تكتب الكتاب يوم الحنة….”
اجاب بايجاز…”احنا متفقين من شهر فات….”
قالت قمر بتعجب….
“ايوا بس اي المشكلة يعني لو كتبنا الكتاب يوم الفرح مع كيان وخطيبها…”
رد حمزة بفتور…. “الاتفاق كان كده….”
عقدة حاجبيها باستفهام….. “اي اتفاق ؟!….”
رد حمزة بمنتهى الثبات….
“اتفاقي مع خالك….اني اكتب عليكي قبل الفرح بيوم..”
ثم رفع حاجبه الايسر سائلا….
“وبعدين النهاردة من بكرة مفرقتش كتير هو انتي مش فرحانة ولا اي ياقمراية….”
قالت بعفوية الحب كـماءًا يجري في منابعة….
“أكيد فرحانة دا اليوم اللي حلمت بيه من أول ما حبيتك..”
ثم عضت على شفتيها بعد ان ازداد توهج عيناه
خطرًا….فقال حمزة بعد لحظات من ضبط النفس..
“على سيرة حبك ليا امتى اتاكدتي انك بتحبيني….”
لانت شفتيها في بسمة حزينة….
“مش عارفه…..يمكن من قبل انت ماتاخد بالك أصلا
اني عايشة معاك في نفس البيت…”
قال بندم…. “انا كنت أعمى على كده….”
قالت مصححة…. “أعمى وغبي….”
فغر شفتيه فاسبلت قمر اهدابها بحرج وهي تكبح
ضحكاتها….فابتسم حمزة وهو يهز راسه معترفًا…
“في دي عندك حق انا غبي اني ضيعت الوقت ده كله
من عمري من غيرك….بس بكرة اعوض كل ده وانتي
في حضني….”
شهقة قمر وهي توبخه بنظرة حازمة….كأم غضبت على ابنها فجاة بعد ان القى لفظ بذيء….
“حمزة احترم نفسك…”
زفر حمزة نفسًا هادرًا قائلًا بخفوت…
“معقول فرحنا بكرة…انا بحلم باليوم ده من ست شهور فاته….”
قالت قمر بغيرة…..
“ست شهور بس وقبل كده كانت فين احلامك يا استاذ؟!….”
اجابها بصوتٍ خافت عميق….
“كنت تايه…..تايه ياقمري وملقتش نفسي غير في
حضنك….”
اختلج قلبها بين اضلعها وعيناها تنظر اليه..فمسك
حمزة يدها وعيناه تأسرها قسرًا في عالمه…
“فاكرة لما زورتك في شقتك أول مرة وقولتلك اني لسه بدور على الوطن اللي احبه…..”
اومات براسها متبسمة…
“فاكرة طبعا…..ويترى لقيت الوطن ده ؟!…”
اتكأ على كفها بينما عسليتاه تعرف مجال عيناها…
واخبرها بهمسًا….
“هو اللي لقاني….وانا ما صدقت الاقي وطن بعد
الغربة وتوه اللي كنت فيها قبلك….”
رفع كفها الى فمه وطبع قبلة عليه…فشعرت بضعف
يسري في جسدها فدعمت نفسها وسندت على الرخامة خلفها…فقال حمزة بهمسًا اجش…
“نظرت عينك بتجنني ياقمري… بيهم بحس اني
اخر راجل في الكون….”
فتحت عيناها وتلاقت بعسليتاه والنظرة القوية
بهم دغدغت قلبها اكثر من الكلمات المعسولة…
فقالت دون تفكير….
“ودي حقيقه انت في عيني وفي قلبي الاول
والأخير ياحمزة…..”
عم صمت مجنون بعد جملتها المؤكدة…فسحبت
يدها فجأه وابتعدت جالسة على مقعد امام الطاولة القابعة في منتصف المطبخ…..وبعد نحنحة قالت…
“مقولتش برضو غايب ليه الفترة دي كلها…أربع شهور
بحالهم بشوفك بالعافية بالخطف….”
وقف بالقرب منها ساند على حافة الطاولة وهي جواره على المقعد جالسة….
“ما على يدك ياقمر…..المصنع وتجهيزات الشقة…انتي ذات نفسك مكنتيش فاضية وانتي بتفرشيها….”
قالت قمر بملامح منبسطه…
“بس اي رأيك اتفرشت حلو اوي والديكور يهبل ياحمزة..”
اكد حمزة بجذل… “شوفتها…. ذوقك حلوو…..”
ارجعت خصلة هاربة خلف اذنها قائلة بتأثر….
“مش ذوقي لواحدي…بصراحة شهد وكيان ساعدوني
أوي….وكيان اكتر واحده تعبت معايا…دي كأنها بتعمل
شقتها….اهتمت بحاجات كتير وفرشنا سوا والحاجات
اللي بتبقى ناقصة تقعد تكتبها وبعدين تنزل تجبها
واحنا فوق…وتطلع بيها… اكتر من مرة عملت كده.. ”
مسحت عبارة تجمعة في عينيها فجاة…فعقبت
بتعجب….
“مكنتش اعرف انها بتحبني اوي كده….او يمكن عملت كده عشان بتحبك…..”
اردف حمزة بدفاع حاني….
“عملت كده عشان بتحبنا احنا الاتنين….كيان مش وحشة ياقمر…..”
رفعت قمر عيناها اليه قائلة…
“عمري ماقولت انها وحشة ياحمزة…..انا عارفه انها فالأول مكنتش مستلطفاني عشان ان غريبة وسطكم….بس بعد كده يعني بقينا صحاب…..”
فابتسمت باستياء مضيفة…
“رغم ان لسانها لسه متبري منها…بس يلا كله
يهون علشان بحبها…”
مالى حمزة فجاة عليها محاول لثم تلك الشفاة الشهية فتداركت قمر الوضع وقفزت عن مقعدها
مزمجرة….
“بس ياحمزة… احترم نفسك…..”
تافف حمزة وهز ينظر الى ساعة معصمه..
“هي عقارب الساعة واقفه ولا إيه…كل ده لسه أربعة…..”
سالته بقلب مذعور…. “المأذون معاده سته….”
اكتفى بايماءة بسيطه….دخلت شهد اليهما قائلة
بسرعة….
“انت فين ياحمزة….سلطان برا هو ومراته….”
عدل حمزة ياقة قميصة قائلا….
“طب خدي مراته دخليها جوا وانا هطلع معاه
الشقة اللي فوق…..”
قالت شهد بتنهيدة ارتياح….
“انا مش عارفه لولا الشقة اللي فوق دي احنا كنا عملنا إيه…..”
“جت نجدة المكان هنا مش مستحمل…”قالها حمزة
وهو يميل على خد قمر فجأه طابع قبله عليه امام
عينا اخته دون حياءًا هامسا بالقرب من اذنها….
‘”اشوفك كمان ساعتين ياقمراية….ساعتها البوسة
مش هتبقا هنا خالص…. ”
ابتعد عنهن بخطى هادئة…فقالت شهد بلؤم…
“انتي سايبه الدنيا كلها.. وجايه تقفي معاه في المطبخ…”
قالت قمر بوجنتين حمراوان كدم الغزال…
“كنت بحضر الشربات والله… ولقيته في وشي….”
قالت شهد برفق وهي تشير لها بالخروج…
“طب يلا يدوبك قدامنا ساعتين على ما تجهزي
قبل ما المأذون يجي.. والناس تهل….”
………………………………………………………
كانت تجلس على حافة الفراش ترتدي ثوب الحنة الرقيق كان من اللون البنفسجي الفاتح يلائم جسدها ويبرز جمال قدها ترفع خصلات شعرها الغجري الأسود للأعلى بمشابك لؤلؤية أنيقة ويتدلى الباقي على ظهرها حرًا يتراقص بجنون….تضع زينة رقيقة متقنة زادت وجهها اشراقًا…. اما بُنيتاها الكحيلة أصبحت وجهةٍ للجمال مع ظلال اهدابها الكثيفة أشبه بسهام حارسة….
قالت داليدا وهي تطلع على قمر بعد
ان إنتهت…
“بسم الله ماشاء الله زي القمر فعلا….”
قالت كيان بغيرة على صديقتها….
“انا عروسة انا كمان ياولية انتي…ولا الحمل
عملك حول…”
ضحكت داليدا وهي تجلس بالقرب من صديقتها الغالية طبعت قبلة على وجنتها قائلة….
“وانتي قمر اربعتاشر ياموكا….مين يقدر يغطي عليكي..”
ضحكت قمر بعد ان غمزت داليدا لها سرًا…
فوقفت كيان امام المرآة تتأمل نفسها بثوبها الأبيض
المغطى بالترتر الامع حتى اخر الخصر ثم ينزل باتساع الى الكاحل بقليل ترفع شعرها للاعلى في
لفة انيفة تزينها بطوق من الياسمين الابيض.
وتضع زينة تلائم جمالها وسحر اطلاتها اليوم….
التقطت كيان صورة لها وارسلتها اليه وكتبت
عليها…(اي رأيك في لوك الحنة….حلو….)
اتت رسالته مع قلب أحمر….
(حلو اوي ياعصفورتي…بس اي اللي بيلمع جمب
عينك ده….)
ارسلت والابتسامة تزين ثغرها….
(دا استرس…اي رأيك مخلي شكل عيوني حلوة…)
رد سليم بصيغة أمر…
(لا عيونك أحلى من غيره…شيليه…..)
نظرت للمرآة مجددا…..(انت شايف كده…..)
بعث رسالة حارة بالاشواق….
(انا شايف اني لازم اكتب الكتاب مع حمزة النهاردة…)
ضحكت بدلع مرسلة…..(كلها سواد الليل يامتر….)
نظر الفتاتان لبعضهما بخبث وهم يتابعا ملامحها المنبسطه وضحكاتها الرنانه وهي تقرع باصابعها
على شاشة الهاتف بخفة وسرعة….
(كتير عليا برضو….)خفق قلبها بجنون وهي
ترسل…(انت لسه في المكتب….)
رد برسالة مختصرة…
(بخلص شوية شغل عشان الاجازة اللي هاخدها…)
تنهدت كيان ترسل ببراءة….
(تصور ان ده اخر يوم هبات فيه على سريري…)
اكمل لها برسالة وقحة….
(ومن بكرة هيبقا سريرك هو حضني….)
تخضبة وجنتاها بشدة…فارسلت
(انا مضطرة اقفل شكل الماذون جه برا…)
أرسل سليم بلهفة….
(ابقي كلميني بليل بعد ما تخلصي سهرتك…)
ضحكت دون صوت….(حاضر….سرانغي….)
ارسل له بجزع…(وانا سرانغي اكتر والله….)
اغلقت الهاتف ثم نظرت للمرآة وبدات تنزع النجمتين
الامعتان بجوار عينيها….
فقالت قمر بمناغشة وهي تغمز لداليدا….
“اي دا اي ده والله وبقينا بنغير رأينا في كلمة..
هو اللي قالك شليه صح….”
ضحكت داليدا وهي تتابع مشاكستهن باستمتاع..
بينما قالت كيان بحرج..
“قالي اني احلى من غيرها…”
قالت قمر بلؤم…. “ما قولنا كده من الأول…حكم….”
جزت كيان على اسنانها وهي تنظر لقمر بحنق….
“خليكي في حالك… انا و خطيبي مع بعض ايش حشرك بينا..”
اجابتها قمر ببلادة….
“طب مانتي بتحشري نفسك بيني وبين حمزة…
حد اعترض….”
تاففت كيان بوجوم….
“خلاص ياستي اديني سيبالك الجمل بما حمل ارتاحتي…”
قالت قمر بابتسامة خبيثة…
“طب والله هتقطعي بيا يابت ياكيان….”
اثارة حفيظتها اكثر فقالت
بمقت….
“انتي بقا لا…. هرتاح منكم كلكم…..”
اشارت داليدا على نفسها
بمسكنة… “حتى انا ياكيان….”
تخصرت كيان قائلة بتكبد…..
“انتي اولهم ياداليدا عشان تشكري في خصمي قدامي…”
رفعت قمر حاجبها بغيظ…
“يابت بطلي صفار…..حرباية ملونة ياساتر…”
هزت كيان راسها بانصياع…
“حاضر ياعقربة هبطل صفار….”
وزعت داليدا النظرات بينهما بتخوف….
“ماشاء الله عليكم…دا انتوا بتموتوا في بعض…..”
وقبل ان تعلق أحدهما برد لاذع تستفز به الأخرى سمعا معًا صوت الماذون في الخارج….
نهضت قمر بخوف وهي تنظر الى كيان تلقائيًا
تطلب العون…..
“الماذون جه ياكيان..هو…..هو انا المفروض
اطلع….”
اكدت كيان بنظرة حانية….
“ايوا هنطلع سوا…شهد في المطبخ بضايف الناس
هطلع معاكي وبعدين اقف مكانها عشان ترتاح شويه…”
سالتها قمر قبل ان يخرجا….”كيان الميكب باظ…..”
قالت كيان بتلقائية وهي تمسك يد
قمر…. “زي القمر والله يلا بينا بلاش توترينا…”
ثم نظرت الى صديقتها قائلة قبل ان تفتح الباب…
“يلا يادليدا….جوزك هتلاقيه برا بيشهد على الجواز….”
اومات داليدا براسها وهي تخرج معهن بابتسامة جميلة تشع فرحة بالخير لهن…..
…………………………………………………………
اثناء اجراءات عقد القرآن كانت( قمر) تجلس بالقرب
منه على بعد خطوات على مقعدها يقف حولها شقيقتاه وزوجة صديقة المقرب بوجوهن تشع بالفرح والخير لها يشاركوها جزءًا من السعادة وكأنها شقيقتهن الرابعة…..
الوحيدة التي كانت تمسك قمر بيدها بقوة والاجراءت تتم كانت (كيان..) !!!
وكم طبع هذا في نفسه شعورًا جميلًا ممتنًا لاخته
الصغرى التي جرحها يومًا باقسى الكلمات….
زفر حمزة نفسًا حار وهو يعود ملتقف بعيناه ملامح وجهها الجميل وعيناها الكحيلة المظللة.. ثوبها
البنفسجيّ الرائع وشعرها الغجري المرفوع للأعلى بمشابك براقة ثم يتدلى خلف ظهرها متراقصًا
بجنون يفتنه كي يقترب ويلامس موجاته….
هيئتها كـعروس تفتح شهيته أكثر يود لو….لو نال
منها بتأني ، مستمتع بالآه من بين شفتيها الفاغرة
بضعف في احضانه…
يالهو من شعور يود تجربته مع الجنية المغوية…
تلاقت عيناه بعيناها الجميلة المتلألأة بالحب أثناء
ترديده خلف المأذون ويده بيد والده الوكيل عنها
مزالت نظرتها الخاصة تروقه بشدة نظرة تشعره بانه محور حياتها وبان حياتها بأسرها تسير في فلكه هو ، ملك له وحده !…
وكم ترضية بشدة تلك النظرة الخاصة وهذا
الشعور الحصري…
انطلقت الزغاريد من داليدا بعد ان مضت قمر على قسيمة الزواج وحمزة كذلك ثم الشهود والذي كان من ضمنهم سلطان الذي اخرسها بنظرة صارمة…
جعلها تبتلع ريقها مغلقه فمها على الفور….
تبادلا الاثنين التهنئة من الجميع ثم أقترب حمزة
بعدها منها ووقف امامها… فعضت قمر على باطن شفتيها بخجلا والسعادة تعلو وجهها المتخضب
غير مصدقة انه أصبح زوجها الآن….
احاط حمزة خصرها بيداه بتملك ثم ألصق شفتاه
في جبينها طابع قبلة طويلة وحانية عليه مما
اثار داخلها مشاعر عدة فجعل الدموع تتجمع في مقلتاها وتسيل على وجنتيها….
فلم تتوقع ان يستجيب الله دعاؤها ويلين قلبه
العاصي لها متشبع من حبها….
اخذها حمزة فجأه في احضانه ودار بها على مراى من الجميع فتعلقت قمر في عنقه بكلتا يداها
واخفت وجهها في كتفه بحياء…..
صفقت داليدا وكيان لهما بسعادة وتشجيع وابتسمت شهد بمحبة وهي تردد سورة الفلق سرًا…
انزلها حمزة برفق فلمست الأرض بحذاؤها ثم رفعت عيناها الى عسليتاه بحرج شديد….فطبع حمزة قبلة على وجنتاها الاثنين مهنئًا بعدها بصوتٍ عذب
“مبروك ياقمري….والله وبقيتي حلالي يابت…”
ضحكت بخجلا مسبلة العينين…..
“مبروك لينا احنا الاتنين… ”
أبتسم عثمان بسماجة وهو يرى ابنه يتقن الدور
بصورة جيدة جدًا فنظر الى المحامي (زاهر) والذي كان شاهدًا على عقد القران واخبره…..
“حضرت كل حاجة يا زاهر….”
اوما زاهر براسه قائلا بخفوت…
“كله تمام.. شوفلنا انت بس مكان رايق بقا نتكلم
فيه بعيد عن الدوشة دي….”
“وهو كذلك….”ثم نظر عثمان لابنه واشار له
بان يقترب……
…………………………………………………..
بعد خمس ساعات من الطبل والرقص والزغاريد انتهت ليلة الحنة بسلام وخرج المدعوات من الشقة بعد التهنئة والمباركة الطيبة للعروسين واللتين كانتا نجمتين الحفل خطفا الانظار فور ظهورهن واشعلا الليلة بالرقص واللهو والمزاح
حتى حمزة لم يفوت الرقص مع العروس بالعصا امام الجميع كما فعل في حنة شقيقته سابقًا…لكن الفرحة
في رقصتهما والمشاعر حينها كانت تختلف…
كانا يرقصا معًا واعينهما مشتبكة كقلوبهما يدورا معًا
في دائرة مغلقة يحرك هو العصا بحرفنه من حولها
وتميل هي بخصرها بدلال على الاوتار الصاخبة….
حتى حاصر خصرها وقتها بعصاه بخبث غامزًا لها فلم يتوقع ان تجاريه بجرأة وتعلق يداها بعنقه مائلة معه غير مبالية بالعصا التي تقيدها بالقرب من احضانه…..
رقصا معًا لساعات اغنية تلو الأخرى مرة معها ومرة مع شقيقتاه ومرة مع اخته العروس فقط واحيانا الجميع معًا…..
كانت ليلة رائعة صاخبة بالحب وسط مشاعر
عائلية وفرحة عارمة تشارك بها الجميع….
قالت كيان وهي تجلس على الاريكة بتعب….
“كان يوم متعب اوي…تصوري بعد الفرهدة دي
الفرح لسه بكرة….”
ثم مسكت الهاتف وبدأت تبحث عن الصور والفيديوهات التي صورتها داليدا لهم جميعًا..
فقالت وهي تشاهدهم..
“الله علينا ولا نجوم السيما….تعالي شوفي الصور تجنن..”
قالت قمر بارهاق وهي تتجه الى الحمام….
“لا مش قادرة…انا هدخل الحمام اخد دش وغير هدومي..”
نهضت كيان متجه بتكاسل الى غرفتها….
“تمام…كده كدا هبعتهم على تلفون حمزة يختار منهم
صور يحطها في الالبوم للذكرى….”
تصادفت قمر مع شهد التي خرجت من المطبخ للتو
تحمل صنية من المشروبات….
“راحه فين ياشهد….ارحمي نفسك انتي تعبتي معانا اوي النهاردة….”
قالت شهد بابتسامة صافية….
“تعبكم راحه… هتعب لمين غيركم… ربنا يسعدكم وتمملكم على خير… ”
ابتسمت لها قمر بمحبة….
“يارب ياحبيبتي…طب هاتي الصنية دي عنك انتي هتوديها فين…..”
قالت شهد بايجاز….
“حمزة معاه ناس فوق…..فقولت اطلع لهم حاجه يشربوها..”
سالتها قمر….. “ناس مين….”
مطت شهد شفتيها….. “مش عارفه مقالش….”
قالت قمر بهدوء.. “طب خليكي هطلعه انا….”
رفضت شهد….
“مينفعش ياقمر…دا انتي العروسة….”
قالت قمر بتصميم وهي تاخذ منها الصنية بحرس..
“واي فيها يعني هديها لحمزة من على الباب وهنزل
مش معقول هتطلعي السلالم دي وتنزلي….حمزة دا بيهزر هو مش شايف انك حامل…..”
“طب على مهلك……”قالتها شهد وهي تراها تتجه الى الخارج بها….
وصلت بعد لحظات الى باب الشقة التي اجرها حمزة لمقابلة الرجال بها للمباركة كما فعل في حنة شهد….
رفعت قمر قدمها وكادت ان تطرق على الباب لكن الحوار بداخل جمدها فجعلها تقف مكانها مبهوتة…
هتف زاهر من الداخل بصرامة…
“متفضلش تلف ودور ياحمزة احنا بقالنا ساعة بنتكلم… زي ما ضمنت حقك بشقتين اللي اتكتبه باسمك بيع وشيرى وورث امك اللي بقا كله في حسابك احنا كمان عايزين نضمن حقنا ولا مفكرنا مغفلين هتعرف تاخد كل ده من غير مقابل..”
قال حمزة بتهكم….
“المقابل امضتها…. تنازل منها على ورث امها مش
ده اللي اشترتُني بيه…”
سالت دموع قمر وهي تسترق السمع من خلف الباب المغلق ويدها تتشبث بصنية بقوة جبارة….
تحدث المحامي بخشونة….
“حلو لحد ما يجي التنازل وصل الامانة اللي هتمضي عليه على بياض هيفضل معانا ضمان لحقنا….ماهو احنا برضو مش ضمنين انك تنفذ الاتفاق للاخر…..”
هتف حمزة بملامح وحشية….
“انا لحد دلوقتي ماشي على الاتفاق بالحرف الواحد ولا مش واخدين بالكم….”
انتفضت انتفاضة قوية على اثرها انسكب بعض من
العصير على الأرض…..وكأن قلبها المجروح اصابه
فجأه سهم مسمم بالغدر…..
تحدث عثمان بمهاودة…..
“واخدين بالنا وشايفين انك مش مقصر… بس عايزين النتيجة امضتها ولا كل الفلوس اللي ادفعتلك دي هتبقا على فشوش…..”
نظر حمزة لوالده بكره شديد فقال المحامي بحزم…
“امضي ياحمزة لو مفيش في نيتك الغدر من ناحيتنا
هتمضي على الوصل من غير مناهدة….قولت إيه…..”
تافف حمزة قائلا بجزع…
“قولت لا إله إلا الله…. هات القلم خلينا نخلص….”
بعد ان مضى حمزة على الايصال…اخذه المحامي
قائلا بمكرٍ….
“برافو عليك الوصل هيفضل معانا لحد ما تجيب تنازل رسمي منها على الورث ساعتها هديلك الوصل تصرف فيه بمعرفتك…. ولو خلفت الاتفاق بينا…..انت عارف انا اقدر اعمل إيه بالوصل ده…. ”
نهض حمزة قائلا بسأم…
“من غير تهديد ونبي…عشان بخاف أوي…..”
انتفض حمزة بقلق وهو يتجه الى الباب بعد ان سمع
صوت زجاج يهشم….
فتح حمزة الباب فوجدها تنحني على ركبتها بهيئة العروس الجميلة كما هي لكنها تختلف الان فقد تلاقت عيناه بعينيها المجروحتين الحمراوان كالدم تنظران اليه بصمتٍ وجد صداه في نفسه….كانت هناك قطرات دم على قطع الزجاج….أمعن النظر ليجد يدها تنزف قطرات من الدم بعد ان مسكت قطعة حادة من الزجاج في محاولة منها للملمت الفوضى التي سببتها….
انحنى جوارها يمنعها من المتابعة فهي تجرح يدها
أكثر..
“بتعملي إيه ايدك اتعورت…اي اللي وقعها كده…”
بنفس النظرة الجريحة التي جمدت الدموع في حدقتاها قالت بصعوبة من بين طيات الوجع….
“القطة خضتني وانا طالعه السلم فوقعت الصنية مني غصب عني…..”
دعمها حمزة بيداه كي تنهض عن الأرض….
“حصل خير تعالي معايا جوا…اغسلك إيدك….”
“لا انا هنزل اغسلها تحت…..”رفضت وهي تسحب نفسها بقوة من بين يداه وبها انسحبت روحه بخوف
وشحب وجهه مع النظر الى وجهها المبهوت والنظرة
المنكسرة الحزينة في عينيها الحمراء…..
هبطت قمر على السلالم بسرعة وعيناها تسيل بالدمع وكل عصب في جسدها ينتفض بالغضب والكراهية…
“قمر…..قمر…..”لحق بها حمزة درجتين فقط ثم
سمع زاهر يعلق على الامر مع والده….
“تفتكر سمعتنا ؟!….”
تجمد حمزة مكانه ودار العالم من حوله فجاة بصورة قاتمة مرعبة…وهو يهز راسه يرفض تصديق انها اكتشفت الأمر بتلك الطريقة القاسية المؤلمة….كان على وشك ان يخبرها ، ان يخبرها بكل شيءٍ اخفاه الأشهر الماضية عنها لكن القدر سبقه ووشى السر بابشع الطرق ايذاءا……
دخلت قمر الحمام فورًا واغلقت الباب عليها ثم فتحت صنبور الماء ومع الخرير الهادر تركت العنان لشهقاتها الموجوعه ولدموعها الحبيسة تعبر عن الانتكاسة الكبرى معه….
قلبها مزال في دوامة بين الحقيقة والكذب بين الحب والخداع….. بين الحبيب والعدو…كل شيءٍ
كان عبارة عن كذبة كبيرة مجرد اتفاق استغلها
ليصل لاهدافه اغتال قلبها بأسم الحب……
اللعنة على قلبها فهو حب من لا يرحم….
وضعت يداها على اذنيها بقوة مغمضة عيناها بوجع
والدموع تغرق وجهها بغزارة.. تتمنى ان تستيقظ من هذا الكابوس وتعود من حيث اتت الى امها وابيها وعالمها الصغير….
انها تتجرع مرارة الندم الان على هذا الحب المؤذي
الذي أعتنقه قلبها يومًا بغباء !…
…………………………………………………………….
ترجلت من سيارتها أسفل عمارة شاهقة تقبع في منطقة سكنية مرموقة المستوى….
استقلت المصعد بعد ان علمت من حارس العقار رقم الشقة التي تقطن بها (چيهان الكيلاني..)حديثًا وسرًا….
وصلت امام الشقة وببرودة أعصاب اتكأت على جرس الباب ثم انتظرت بوجهًا مترفع ظهور غريمتها على اسم رجلا واحد….
فتحت الباب وظهرت امامها غريمتها….چيهان الكيلاني التي كانت تصغرها بسنوات عدة وتتميز عنها بجمالًا خاص يجذب الجميع لها من النظرة
الأولى….
بشرتها قمحية صافية ناضرة وعيناها بنية متوهجة كالجمر واهدابها كثيفة… شعرها أسود حريري يلمع بشدة مرتاح على كتفها كشعر فرسة جامحة تسر العين ملامحها شديدة الانوثة جسدها يعزف كمنجة نحيف لين ذي مفاتن بارزة بسخاء مقبول……
ظلت الهام تنظر اليها وتقيمها بنظرة باردة….فمالت چيهان على حرف الباب بيدها قائلة بميوعة….
وعهر في عينا الهام التي انتظرت ذرة خوف او
ندم من وجودها هنا…
“اهلا يالومي….اي المفاجأة الحلوة دي….”
قالت الهام بابتسامة محتقرة…. “متأكد انها حلوة….”
اكدت الاخرى بضحكة لئيمة…
“تجنن كنت مستنياها من بدري…اتأخرتي اوي عليا…”
تناثر الغضب على وجه الهام فجاة فسالتها
بعنف…. “مين معاكي جوا…..”
ردت چيهان بسهولة…
“جوزي ادخلي أعرفك عليه… تعالي….”سحبتها چيهان بقوة للداخل مرحبة بها بحفاوة…
لدرجة ان الهام شكت في كل المعلومات التي اخذتها
سابقًا عن زوجها…..فبدأت بوادر الارتياح تظهر على وجهها حتى
حتى رأت مسعد يرتاح على الاريكة عاري الصدر يرتدي سروال قصير فقط وبين يداه ثمرة موز يقشرها وهو يدندن بنشوة منادي على
زوجته…..
“مين ياچيچي…..”
صاحت الهام من خلفه بقسوة…..
“انا…..انا يامسعد….”
“الهام…..”انتفض مسعد ناهضًا من مكانه بقوة كمن لدغته حيه فوضعت چيهان يدها بخصرها تنظر لهما بوجهٍ عابس متابعة العرض بملل واضح…..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الحب أولا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى