روايات

رواية الحب أولا الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم دهب عطية

رواية الحب أولا الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم دهب عطية

رواية الحب أولا الجزء الثالث والعشرون

رواية الحب أولا البارت الثالث والعشرون

رواية الحب أولا الحلقة الثالثة والعشرون

كان وصف الرعب والترهيب وصفًا بديهيًا لمن يحكي
حكاية لفيلم مخيف حضرة قبل النوم ، او لقصة استوقفته في احد المنتديات المعروفة عن القصص الاكثر واقعية في العالم…..
لكن هل جرب أحد ان يصف شعوره عند حضور الموت عند النظر في عيني عزرائيل في وحشة
الظلام الحالك، هل جربت الركوع رهبة وعجز امام الشيطان !..
هي جربت..
جسدها كله الان يضخ عرقًا…او موتًا… ترتجف ترتجف وكانها تحتضر…تشعر بغصة حادة كالعلقم مريرة ولاذعة كالصدى تقف في منتصف حلقها يصعب عليها ان تزدرد ريقها في حضور راهبها، بينما انفاسها تتلاشى بوجل وكانها سجينة في صندوق مظلم بلا منفذ !……
جالسه على عقبيها اسفله يدها تعصر تحت حذاؤه
القوي تكتم تاوهها وهي تنظر اليه بخوفًا والدموع
تتجمع في مقلتاها بغزاره وتهبط واحدة تلو الاخرى
بضعف….
ضعفًا بان يرحمها ويشفق عليها ولان يدها تكاد تكسر تحت حذاؤه وهو يتابع عصرها وكانها عقب سجارة فرغ منه للتو…..
بصوتٍ خفيض سالها وعيناه تنهال منها قسوة
وبغض… “بتعملي اي هنا…انطقي…..”
نزلت دموعها وهي تقول بصوتٍ
متقطع….
“أيدي……سيب ايدي هتكسر…..”
لم يراف بها بل اتكأ أكثر فصرخة مجيبة بصعوبة…
“بدور على طقم الالماظ….ولقيت العقد في الدرج
وخدته…ا…..”
قاطعها وهو يرفع حذاؤه عن يدها ويسحبها من شعرها يكاد يقتلع جذوره رافعا وجهها في
مواجهة نظراته البغيضة…..
“يعني انتي اللي سرقة نسخة مفتاح الاوضة…
من سلسلة المفاتيح…..”
قالت بنبرة تضاهية بغضًا..
“وانت اللي سرقة طقم الالماظ….”
نفضها عنه بقرف قائلا بتكبد….
“دي أقل حاجة اخدها بعد المصاريف اللي صرفتها عليكي انتي واخواتك…..”
عقبت مستنكرة…. “مصاريف ؟!….”
لمعة عينا عثمان بالقسوة…فاضافت هي بنبرة
مزدرية…..
“انا فاكره ان حمزة بدا يشتغل وهو عنده اتناشر سنة..وده لانه مكنش عارف يسعف ماما ازاي ويجبلها بقية العلاج اللي انت استخسر تمنه فيها وبقيت تجيب نصه تقرييا بالعند..”
التوت زاوية شفتي عثمان بإبتسامة باردة
فقالت هي بهدوء الصقيع..
“مع انك في الوقت ده كان معاك تسعفها وتوديها احسن المستشفيات….لكنك اهملت فيها….كنت بتعجل بموتها بالبطيء…”
في وسط عتمة الغرفة والضوء الخافت الذي
يكاد ينير جزءًا من وجوههم…..
اخبرها بكرها ينبع من عيناه
القاسية….
“تعرفي ان فيكي شبه كبير منها….”
سالته بفتور… “عشان كده كرهتني….”
بدون تردد اجاب بجفاء….
“انا كرهتك من قبل ما أشوفك…..”
وكانه القاها برصاصة سامة لم تقتلها لكنها جعلتها تتجرع مرارة الموت !…..
تابع عثمان بعينان تشعان قتامة مخيفة….
“كنتي لعنه وجودك بوظ كل حاجة…عجزني وخلاني إرجع أكمل في علاقة بيعها من البداية….”
اولها ظهره بجسد يتشنج بعصبية…
فقالت شهد بعينين حمراوان غير مستوعبتان
بعد….
“مش مصدقه….حبك ليها…يخليك تكره بنتك…يخليك تبيع مراتك وابنك…..يخليك تدمرني سبعة وعشرين سنه..وتسببلي عاهة مستديمة….”
هتفت بغضب مكتوم….
“إزاي أصلا بتحب وانت جواك الشر والغل ده كله…”
نظر لها عثمان نظرة من المفترض ان ترعبها
لكن غضبها كان أكبر وعتابها اليه كان اقوى من
ان تصمت أمامه…..
“طب وانا ذنبي إيه…ذنبي انا واخواتي إيه….”
اطرقت براسها وهي تلعق شفتيها والدموع
تنهمر من مقلتاها بغزارة….
“يمكن ماما غلطت انها كملت في وضع زي ده
وكان اختيارها….لكن احنا اي هو ذنبنا في القصة دي….محدش بيختار اهله…. وانا واخواتي مخترنكش ولا اختارنا تضحيتها ليك… التضحية اللي بسببها بندفع تمنها لحد دلوقتي….. ”
نظرت اليه بعيون مندية بالدموع….وبقلب
مقهور قالت…..
“كنت مجبور تعيش معاها تمام…خونتها مع صاحبتها يبقا اكيد لقيت فيها اللي ملقتهوش في كريمة….كلها حاجات ممكن تحصل وتنتهي بالطلاق….حتى لو اجبروك تكمل معاها….مش ذنبي ولا ذنب أخواتي
ولا ذنبها انها حبتك….عشان تعمل فينا كل ده…. ”
قالت بنظرة نافرة من قصةٍ متعفنة النوايا….
“مش ذنبنا ان الهام بصت لمستوى اعلى وسبتك…ولا ذنبنا انك اكتشفت في الاخر انك خسران…. خسرتها وخسرت نفسك وخسرتنا معاها…. ”
لم يجد عثمان ردًا امام هجوم كلماتها فانصاع
لها مقتضبًا….
فتابعت شهد بابتسامة متحسرة….
“انا عارفه ان خُسارتنا مش فارقه معاك….ومش مهم خالص نكرهك او نحبك أهم حاجة تدوس علينا وتكفرنا….”
ثم اسرسلت بحيرة من تلك القسوة….
“بس ليه…يعني في نهاية هتوصل لايه….احنا مش اعدائك المفروض ان احنا ولادك… ”
اشاح عثمان بوجهه….. فقالت شهد بتكبد يشوبه
مذلة الحياة….
“جربت مرة تسالنا احنا محتاجين إيه…غير الفلوس اللي كنا بناخدها منك بالاكراه….حمزة ليه كان بيهرب من المدرسة ليه كان بيبات برا البيت بالايام والشهور
وليه كان بيرجع مدروخ باليل ومش قادر يسند طوله….من كتر القرف اللي كان بيشربه…..”
اسبلت اهدابها متذكرة تلك الأيام البشعة باحداثها
عندما كان اخيها في سن المراهقة وخضع لتلك الممنوعات مع صحبة السوء مجرب انواعا كثيرة
من السموم…..
لا تعرف كيف اقتلع حمزة عنها وابتعد عن اصدقاؤه
وعدل عن هذا الطريق…..
تتذكر فقط اليوم الذي اتى به ليلا بملابس مبللة
من اثار الأمطار دلف حينها الى الحمام بدل ملابسة
وتوضا وصلى وسجد لوقتا طويل يبكي !…
وعندما سالته وقتذاك اخبرها انه كان على وشك ان يرتكب ذنبا كبير…لكنه تراجع ونجاه الله في الوقت
المناسب !….
اضافت شهد بوجع….
” وجه وقت على كيان مكانتش بتخرج فيه من اوضتها شهور…..جربت تفسر نظرتها ليك؟…..”
زار الاكتئاب كيان أكثر من مرة في فترة المراهقة
والجامعة على مراحل متباعدة وفكرة الانتحار
كانت تحوم حولها دومًا لولا تراقب شهد لها لكانت
استسلمت كيان لأحد نوبات الضعف وتركت شيطانها يقودها للجحيم ؟!….
تابعت شهد الحديث وكانها تمضغ الحصى
قبل ان تقذفة عليه…..
“طب انا فكرت مرة فيا….كرهك ليا وكلامك الوحش عني ومعايا هز قد إيه ثقتي في نفسي…. بقيت كل يوم اقف قدام المراية ابص على نفسي واقول هو
انا بابا ليه بيكرهني اوي كده….بابا ليه بيتمنالي الموت….”
نزلت دموعها وهي تضيف بوهن…
“من قبل ما ودني اليمين تتصاب..والبس السماعة..
وانا كنت حاسه اني مش زي اي بنت…حاسه نفسي وحشة ومنبوذة بس بسبب نظراتك وكلامك ليا….”
مسحت دموعها بظهر يدها قائلة…
“بيقولوا دايما ان البنت حبيبة ابوها…وبيكون اقرب حد ليها اكتر من أمها…في مرة في المدرسة الاستاذة كانت بتوقف الطلاب وبتسالهم اي هو الاب في حياتكم…”
“والاجابات كانت مختلفة من طالب للتاني في اللي قال سند…و امان…وحماية…ولما جه الدور عليا لقتني بقولها بكل عفوية ولصغر سني…كابوس…”
اهتزت حدقتا عثمان…فتابعت شهد تتجرع
الالم ببطء….
“الاب في حياتي هو كابوس…لو زرني مرة مااحبش اشوفه تاني…ولو الكابوس اتكرر في حياتي اكتر
من مرة.. ده معناه ان الموت بيزورني كل دقيقة
وكل ثانية….”
بللت شفتيها وهي تاخذ انفاسها بصعوبة…
“يمكن يكون كلامي وجعك… بس انت مقدمتش ليا غير الوجع…. عمرك في يوم حضنتني يابابا…
طبطبت عليا..”
قالت بصوتٍ لا معالم له من كثرة الأوجاع….
“سالتني مالك اي اللي وجعك اي اللي تعبك…احنا التلاته كنا محتاجينلك أوي في كل مرحلة من عمرنا.. كنا مستنينك تفوق من وهمك وترجع تلمنا حوليك بجد….مش مجرد انك تعايشنا في شقة وتدينا قرشين….”
فهزت راسها بنزق قائلة بتهدج…..
“لكن انت معملتش كده ففات اوان ان احنا نستناك..ومبقاش فارق معانا أصلا….انت بنية الف سور بينا…واحنا ساعدناك بعد كده انك تعليه…..”
عندما توقفت عن الحديث بدات تنهت و صدرها يعلو ويهبط بانفاسا مضطربة والوجع ينخر في جوف الفؤاد…..
بينما قال عثمان بصوتٍ خال من الرحمة
“مرفعه حلوة عجبتني بس مدخلتش ذمتي بنكلة…”
اقترب منها وفرد كفه امامها بسطوة….
امرا بترهيب….
“هاتي العقد…والمفتاح… وانا هكون رحيم بيكي وهعديلك كل اللي سمعته… ولي عملتيه…. ”
رفضت وهي تضع قبضة يدها خلف ظهرها….
“انا مش هديك العقد…انا هاخد العقد وبقية الطقم…”
كبلها عثمان بيداه بقوة قائلا بغضب…
“يبقا عايزة تموتي…وحشك الضرب وقلة القيمة..زيك زي اللي جابتك مكانتش بتمشي غير بكده…..”
كانت تحاول الفرار من بين يداه وهي تقول
بعنفًا….
“دي حاجاتي وملكش اي حق انك تسرقها مني…”
هتف عثمان ببغضا……
“ولا وبقا ليكي حق يابنت كريمة….لا وجايه تحسبيني وتسرقيني كمان…هاتي العقد يابنت****…”
سحب العقد من بين قبضتها بصعوبة ثم القاها
خارج الغرفة بعد عدة دفعات…..
“الاوضة دي متدخلهاش تاني اخرجي برا…..برا
يابنت الكلب…”
اغلق الباب في وجهها…فشعرت في تلك اللحظة
وكانها جثة مجمدة ملقاه في احد الخزائن تنتظر
تصريح الدفن !….
فعلمت انها لم تنبذ مرة واحدة لسوء توقيت نزولها
للدنيا بين والدين اوشكا على الطلاق فربطة هي العلاقة بوجودها الغير مرحب به…فكانت لعنة كما
اخبرها الان ،لعنة تستحق النبوذ طوال عمرها..
لم يحرك حديثها مشاعره بل لم يرى وجعها
المثخن بجراح الماضي ، وكانها كانت ضبابيةٍ باوجاعها ودموعها كانت ضبابية امام عيناه
الكارهة….
………………………………………………………………
حانت منه نظرة عليها فوجدها تنام بجواره تلف جسدها العاري بالغطاء غارقة في نومًا عميق بعد ليلة أمس العاصفة بالحب والحميمية المتبادلة بينهما…
لانت شفتاه في إبتسامة صافية رائقة وهو ينظر لسقف الغرفة مفكرا في احداث ليلة أمس بتفاصيلها….
كانت كقطعة هُلام ذائبة تحت حرارة أفعاله….. تلين مع قبلة تذوب مع همسة ، تئن باسمه بين الحين والاخر حتى لا يتركها لضعفها…..
جسدها كان مغويا… همسها كان متغنج…تأوهاتها كانت تطرب جسده المحموم في حضرتها….
اشتعل بافعالها… جن بقربها…فكان ينسى احيانا انها المرة الأولى لها !…..
كان همجي في قبلاته… شرسا في لمساته.. وقحا في همساته..ورغم ذلك كان يروقها كان واضحا انها
تحبه في كل حالاته وتتقبلها بترحاب…..
ذاب في قطعة من الجنة بين ذراعيها…كانت جميلة فاتنة قدّها الانثوي شديد النعومة غض….معطرة بالورد ، انها أمرأه معجونة بالورد هكذا يراها….
لم يتوقع ان تنتهي الليلة وهي ترتاح في احضانه عارية بعد جولة طويلة منهكه من ممارسة الحب بينهما لأول مرة….
اين كانت تلك الصغيرة امام عيناه، منذ عامين فقط كان يظن انه سيسلمها لزوجها بنفسه…
كان غبيًا حينها فمن سيحظى بالمدلله سواه….هي امرأته وابنته وحبيبته….هي النصف الذي كان يبحث عنه في بيوت الاغراب ونسى ان يفتش في بيت عمه عنه !..
لكنه وجدها الآن وأصبحت في احضانه ، فعليه البدء من جديد وقبلها يمزق تلك الصفحة التي تنغص حياتهما معًا ؟!…
سمع تاوها بجواره وتقلبها على جانبها واضعه كفها على صدره العاري…..
فخفق قلبه وازدرد ريقه والرغبة تلح من جديد…
لم تكتفي بل بدأت تتحسس صدره وهي تئن
بتعب…”سلطان بس….”
ابتسم سلطان وهو يمسك يدها بين قبضته
بامتلاك….
“انا جيت جمبك….انتي اللي جايبه ايدك عندي….”
فتحت داليدا عينيها الناعستين تنظر اليه بألق حميمي لم ينطفئ منذ ليلة أمس…
عضت على شفتها وهي تنظر الى صدره العاري ثم لجسدها أسفل الغطاء…..فشهقة وهي تختبئ تحت الغطاء…محاولة إلا تتذكر جنونهما ليلة أمس…..
ففعل مثلها وهو يضحك ثم ضمها الى صدره هامسًا
بجوار اذنها…”صباحية مباركة ياعروستي….”
قبل عنقها ثم وجنتيها الاثنين ثم سحق شفتيها في قبلة طويلة وعميقة…
جعلتها تغمض عيناها مستجيبة له بضعف وجسدها يعرف سلطانه يسلم الرايا دون ذرة مقاومة ! احاطت عنقه بيدها مداعبة شعره باصابعها بدللًا وهو يلتهمهاها باسنانه وشفتيه….
ضحكة داليدا وهي تحاول ان تتخلص من هذا الاعصار الجارف الذي يسحبها اليه دون إرادة منها..
ضحكتها وتملصها منه لم يدوم إلا ثواني ووجدته يشرف عليها بجسده الرجولي الضخم هامسًا بشقاوة….
“ماتيجي نلعب عريس وعروسة تاني انا حبيت
اللعبة أوي…..”
عضت على شفتيها وفلتت ضحكة رنانة من بينهم
ففقد صبره امام انثوتها الباذخة وافتتن امام نظرة عيناها الضاحكة فمال عليها يرتشف من حمرة شفتيها رشفة تلو الأخرى حتى ثمل منتشيًا في احضانها….
………………………………………………………………
كانت ترتدي قميصا حريري طويل يزين بالريش الناعم من عند الكتف وشريطٍ يحيط خصرها
النحيل….تطلق شعرها المندي قليلًا خلف ظهرها بانسيابيّه….
كانت شهية هذا الصباح متوردة بروح متوهجة بالحب…تقف هكذا تعد الفطور وعلى ثغرها ابتسامة رائعة تعبر عن روعة مشاعرها بعد ما حدث بينهما…
الامر اشبه بحلم وردي جميل تتمنى ألا تستيقظ
منه أبدًا……
حانت منها نظرة على باب المطبخ فوجدته يدلف إليها وهو يرتدي طاقم رياضي أنيق ويضع المنشفة حول عنقة باهمال وخصلات شعره تقطر ماءا……
اقتربت منه داليدا بعفوية ووقفت على اطراف اصابعها ثم سحبت المنشفة وجففت بها شعره
وهي تقول بعفوية… “كده هتبرد على فكرة…..”
سحبها من خصرها والصقها في جسده قائلا
بمزاح…
“طب نشفي كويس لحسان انا مناعتي ضعيفة….”
ضحكت وهي تنظر الى جسده الضخم بشك..وكانه قرا المسطور في عينيها فقال ببراءة….
“المناعة ملهاش دعوة بحجم الجسم…..”
قالت بوجنتين متوردة…. “بس انت مناعتك كويسة….”
بنظرة عابثة اخبرها وهو يميل على وجهها….
“مين قالك….دا مناعتي ضعيفة اوي بذات قصاد الحاجة الحلوة……”
دفعته في صدره وهي تبتعد عنه
بخجل….
“بطل بقا….وتعالى اعمل معايا الفطار…. ”
“ومالوا عروسة ولازم تدلع…..”اتى رده سريعا وهو يرفعها بخفة بين يداه واضعها على رخامة المطبخ…
شهقة داليدا بصدمة…. “بتعمل اي ياسلطان…”
“هعملك الفطار…خليكي هنا….”قالها وهو يطبع قبلة سطحية على شفتيها ثم اخذ ثمرة خيار ووضعها
في يدها قائلا….
“وخدي دي اتسلي فيها لحد ما أخلص…..”
ضحكت وهي تقضم من الخيارة سائلة
بشك… “متأكد انك هتعرف تعملنا فطار…”
قال سلطان وهو يقوم بفتح الخبز ووضع الجبنة
بداخله…..
“مش هغلب يعني رغفين سايحين في جبنة تركي
وكوبيتين شاي…..عايزه حاجة تانيه….”
هزت رأسها بإبتسامة شهية…. “لا كده تمام أوي…..”
ركز فيما يفعله فبدات هي تمضغ الخيار وهي تتابعه
بعيناها ثم بعد لحظات نادته بدلال….”سلطن…..”
كان رده همهمات خشنة….
فتابعت داليدا….
“انت أجازة النهاردة مش كده….”
نظر لها بعد ان وضع الخبز بالجبنة
في الميكرويف…
“المفروض انزل كمان ساعة…..”
مطت شفتيها قائلة….
“لا خد اجازة النهاردة…. وخرجني بالله عليك”
اقترب سلطان منها ووقف امامها قائلا وهو يلف
خصلة من شعرها المندي حول اصبعه…
“انا افتكرت عاوزاني اخد اجازة عشان نقعد
مع بعض أكتر….”
“ماحنا برضو لما نخرج هنبقا مع بعض…سلطن انا زهقانه وعايزة اخرج….”قالتها وهي تئن بدلال…..
سالها سلطان…. “وعايزة تخرجي فين بقا يادودا….”
هتفت بابتسامة متوهجة وعينين براقتين…
” مركب في البحر….نقضي فيها اليوم اي رأيك…”
“موافق…بس نفطر الأول….”قالها وهو يتجه الى
الميكرويف ثم اخرج طبق الخبز بالجبن ووضعه
امامها…..
“اي حكاية الريش ده….”
ضحكت داليدا وهي تعبث بريشات الناعمة على
كتفها…..قائلة بعفوية شهية…
“اي رأيك….كنت هموت والبسه في قمصان نوم
كتير اوي عجباني ومكنتش عارفه هلبسها إمتى….”
لمعة عيناه بألق النشوة فقال بوقاحة….
“اديكي هتلبسيهم…عايز اتفرج عليهم كلهم….ماتيجي نعمل بروفا… واهوه أقولك مين فيهم احلى من التاني….”
قالت داليدا بحرج…. “لما نرجع من الخروجة الأول…”
“طب يلا بينا….”
“خلصت…..”
“أسهل واسرع فطار…..”أشار على الطبق جوارها….
فمسكت لقمة من الخبز واكلتها فقالت هي تمضغها
بصعوبة وعلى عجلة……
“ممم سخنه أوي بس طعمها حلو…تجرب….”
نظر الى جانب ثغرها الملطخ بنقطة جبنة صفراء ذائبة شهية للجائع لم يقاوم كثيرًا فباغتها مائلا عليها في لحظة وامتصها بالسانه وشفتيه بشهوانية جعلت داليدا تجفل وتتوقف عن المضغ ……
رفع سلطان عيناه اليها مدعي البراءة وهو يتلذذ في
طعم الجبنة على لسانه..”مم….الجبنة سايحة اوي….”
عضت على شفتيها وهي تبتلع اللقمة بصعوبة وقلبها
يخفق بجنون……
………………………………………………………………
كان يبحر بهما المركبي في زُرقة المياة كان المنظر خلاب سلبها من الوهلة الاولى…..وضعت يدها في الماء وحركتها بسعادة وهي تنظر الى سلطان الجالس
جوارها يتاملها تارة وتارة اخرى يتأمل المكان من حوله والابتسامه تزين محياه….
ابتسمت داليدا بسعادة وهي تتمتع بنظر الى الطبيعة
كذلك حيثُ امتداد البحر من حولهما وبعض المراكب المصفوفه في نقطة بعيدة….
الهواء المنعش الممزوج برائحة البحر المالح….زرقة
السماء الصافية المنعكسة على البحر ، جوٍ مبهج
جعلها تقف مبهورة امام إبداع الخالق….
“مبسوطه يادودا….”
سالها سلطان وهو ينظر لها فكانت متأنقة بثوبٍ ربيعي جميل والحجاب ملتف حول وجهها بجمالا زادها نضجا وبهاءا…..
اتسعت ابتسامة داليدا حتى شملت وجهها
وهي تقول بعفوية…
“اوي أوي ياسلطان….مش أول مرة نركب مركب
سوا فاكر لما كنت بقعد ازن عليك في الاعياد عشان
اركبها….”
اوما براسه وهو يمط شفتيه مستهجنًا….
“فاكر وفاكر انك في مرة روحتي من ورايا وركبتيها
مع بنات صحابك….”
ضحكة بلؤم قائلة….
“قلبك اسود لسه فاكر…..الكلام ده كان من تلات
سنين….”
لم تلين ملامحه عندما قال…..
“ولو بعد عشر سنين هفضل فاكر….يومها رجعتي هدومك كلها ماية..”
قالت داليدا بتذكر وهي تعقد حاجباها بأسى…
“اختل التوازن بتاعنا على المركب…تلاته من صحابي وقفه مرة واحده عشان يغيروا امكانهم هوب…لقينا نفسنا كلنا في الماية..”
زم شفتيه معقبًا….. “من اعملكم سلط عليكم…..”
ضافت عيناها بشقاوة قائلة….
“دا عشان روحت من وراك بس…..واضح انك كنت بتدعي عليا….”
“طول عمرك عنيده وتعباني….”خبط سلطان على ركبته بخفه وهو ينظر للمركبي الذي يوليهم ظهره…
فقالت داليدا بجدية…..
“لا بس الكلام ده كان من تلات سنين ياسلطن…انا دلوقتي عقلت وبقيت بسمع الكلام….”
عقب بنبرة واهية…..
“بكرة نشوف…المواقف هي اللي بتبين وبذات
معاكي انتي….”
هتفت داليدا بثرثرة لذيذة…..
“ماهو انت برضو غريب….ليه مرة واحده كده قولت
مفيش ركوب مركب ومفيش مرواح للبحر كان لازم
تفهمني عشان اعذرك واسمع كلامك….”
لكزها في كتفها قائلا بتسلط….
“تسمعي الكلام غصب عنك مش هبررلك انا كل حاجة…”
ضحكت داليدا مصرة…..
“لا بجد.. ليه مرة واحده قولتلي مفيش مرواح
للبحر تاني…..”
لوى شفته مستهجنًا……
“عشان المشاكل اللي بعملها بسبب حضرتك…ولا ناسيه ان اي عركه كانت بتحصلي بسبب معاليكي..”
قالت بابتسامة عذبة…..
“مش ناسيه…بس انت كنت بتضربهم من
أول بصة…”
هتف باستنكار….
“لا استنى لما يبحلقه فيكي….”
هزت رأسها بنفي موضحة….
“مش القصد بس ممكن تكون نظرة بريئة…”
عقب بسخرية لاذعة…..
“مفيش راجل بيبص لواحده نظرة بريئة…إلا لو كانت الست الوالدة هتفرق !…. ”
ضحكت بعذوبة وهي تنظر للبحر الممتد
امامهم…
“مش مصدقة ان بعد دا كله اتجوزنا…”
“ولا انا….”رد بحيرة ناظرًا لأبعد نقطة تبصرها عيناه…
نظرت اليه بتساؤل….. “أوعى تكون ندمان….”
نظر لعيناها التي تلمع كالحجر الأسود تحت
شمس المغيب…….
“اخاف انتي اللي تكوني ندمانه بعد اللي حصل بينا
إمبارح….”
تخضبة وجنتيها فقالت بانكار…..
“اكيد مش باين عليا الندم…بدليل اني طلبت نخرج النهارده ونغير جو…. ”
عقب بدهاء…
“لو مش ندمانه… تبقي مبسوطه….”
“انت ليه مصمم تحرجني ياسلطن….”ازداد احمرار وجنتيها فاشاحت بوجهها بعيدًا عن محور عيناه..
فمسك كفها قائلا بجدية وعيناه تجوبان على
ملامحها وعيناها بتأني……
“عايز أعرف انتي عايزاني زي مانا عايزك ولا لا….”
رمشت بعيناها جافلة…. “عندك شك في ده…”
هز راسه بصلابة….
“مفيش حاجة عملتيها تثبت ليا العكس….”
غامت عيناها بالحزن وهي تنظر اليه بدهشة تشعر
بانها تعود معه لنقطة الصفر من جديد…..
فقال سلطان بعد لحظة بصرامة….
“بلاش البصة دي ياداليدا انا عايز نحط نقطة ونبدا
من أول السطر… قولتي إيه….”
عقبت بضجر….
“قولت ياما انت غبي ياما بتتغابى….”
نداها بحزم…. “داليدا…..”
فقالت بتبرم خافت وهي ترمقه شزرا……
“إزاي مش فاهم يعني كل ده….معقول هسلملك من غير ما اكون واثقة ومتاكده اني هكمل معاك للآخر
انا كمان عايزه ابدا معاك من جديد وننسى اللي
فات….”
سالها بشك….. “متأكده….”
اومات براسها بعنفوان…..
“متاكده ميه في المية اني عايزة أفضل معاك العمر
كله….عايزه افضلك معاك لحد ما اشيب….”
ابتسم سلطان فقالت هي بدلال….
“قولي صحيح لما ابقى عجوزة…هتفضل تحبني..”
برم سلطان شفتيه مستنكرًا….
“مش عارف بصراحه بس اكيد انا هبقا قفة في شوال فرق خمستاشر سنة برضو…”
انكمشت ملامحها بضجر… “اي التشاؤم ده….. ”
ضحك سلطان وهو يلف ذراعه حول عنقها
بقوة ويضمها اليه هكذا…..
“خلاص افردي وشك ده…هفضل أحبك حتى لو بقيتي مركبة طقم سنان…. حلو كده….”
سعلت داليدا وهي تحاول ان تتخلص
من ذراعه… “هتخنقني ياسلطان…..”
حل سلطان وثاقه عن عنقها قائلا بجزع…
“انتي بسكوته كدا ليه…انشفي كده…هتتخنقي
من حضن….”
برمت داليدا شفتيها ممتعضة…
“انت بتسمي ده حضن….دا انا نفسي راح… ”
ابتسم سلطان بسخرية وهو يشد الوشاح
ليغطي بشرة عنقها الظاهرة….
“اعدلي الطرحة دي….مش بطوليها ليه…”
عدلت حجابها قائلة بعفوية…”هي الموضه كده….”
رمقها سلطان بامتعاض قائلا…..
“يبقا اسمى موضة بقا مش حجاب…..فكري تلبسي
الخمار احسن…او النقاب هيبقي احلى….”
رمشت بعيناها بعدم تصديق….
“النقاب ؟!….انت بتغير ولا إيه….”
اوما براسه وعيناه تبث شعورا حميمي في
نفسها… “مش عايز حد يشوفك غيري….”
ابتسمت بخلاء متدلله…..
“محدش بيشوفني غيرك….ومش بخرج غير
معاك….”
هربت من عيناه وهي تثرثر بجذل…
“قولي ياسلطان لما ابقى عجوزة هتخرجني
كده وهتجبلي الأكل اللي بحبه…..”
تبسم سلطان قائلا بعينان تفيضان عشقًا…..
“هعملك اللي انتي عيزاه من دلوقتي مش لازم لم تعجزي….المهم تفضلي في حضني… ”
تسارع نبض قلبها فوضعت يدها على صدره
النابض بقوة في حضرتها….وقالت بتغنج..
“وانا عايزه أفضل في حضنك العمر كله…اي
رايك… ”
سحبها لاحضانه برفق وضمها الى صدره
بضعف هامسًا بعاطفة جياشة بالقرب من
اذنها…..
“رايي اني بحبك…بحبك أوي يا دودا..”
اغمضت عيناها وجسدها ينصهر بين ذراعيه
القويتين وقلبها يتجاوب مع خفقات قلبه العالية أسفل اذنيها….والبحر والنسيم وشمش المغيب جميعهما يشاركا قلبها لحظة موثقة بروعة الحب…
انه التكامل التي كانت تبحث عنه سابقًا وأخيرًا
حظت به مع شخصًا لم يمر على المخيلة
يومًا ولو بالخطأ !..
انها طلاسم الحياة ، واختيارات القدر فلم يكن
يومًا على الحب سلطان وليس كذلك على
النسيان حاكم !….
انها الحياة وطلاسمها المعقدة ؟!…..
………………………………………………………….
تطلعت الى يدها بعينين باردتين فقد ربطة كفها بضمادة طبية تساعد في تخفيف الكدمة الزرقاء التي نتجة عنها أمس بعد ان دعست أسفل حذاء والدها بتجبر دون ذرة رحمة منه……
اتكأت على موضع الالم وهي تغمض عيناها بقوة.. هذا الوجع لا يضاهي وجع قلبها وروحها الملتاعة بالاحزان…..
كم هو مؤلم البوح لمن خلى قلبه من الإنسانية لمن
مات شعور الابوة بداخله…. لمن ظن انه لن يدفع
فاتورة ظلمه وتجبره يومًا..
لو كانت تشكي لجماد لكان رحمها بصمته وقدم الموساة بنفس الصمت….
أحيانًا يكون في الصمت رحمة ، في الصمت غاية.. نجد في الصمت أنفسنا ، نعترف بالاخطاء ونكتشف
الحلول اذ طال الصمت ، في الصمت مؤازرة لا
يدركها إلا من اعتنق الصمت بصبرٍ….
شعرت بيدٍ حانية تلامس ضمادة يدها وتعانقها
بحنان……
ففتحت عيناها الباردتين وعطره كشف عنه وخفق قلبها قبل ان تبصره بنظراتها……
“عاصم…”
همست باسمه وهي ترمش عدة مرات وكانها تنعش
جزءًا بداخلها قد مات ليلة أمس…..
“مالك ياشـهـد….ومال أيدك…..”
وكأن صوته بلسم يدواي جراحها…
تركت يدها بين راحته وكانا يجلسا بقلب المطعم على أحد الطاولات الشاغرة والمنعزلة قليلا ولانهما كانوا
صباحا فكان عدد الزبائن أقل……
قالت وهي تهرب من محور
عيناه…
“وقعت عليها أمبارح بليل….”
سالها بحاجب معقود…..”أزاي….”
عضت على باطن شفتيها وهي تخبره….
“صحيت اشرب الفجر واتكعبلت فخدت الوقعه عليها…..”
قلب في كفها برفق…. “وحصلها حاجه…..”
اجابت بفتور….. “كدمة بسيطه…..”
اسر عيناها بنظرة ثاقبة..
“متاكده ان هو ده بس اللي حصل…عنيكي بتقول غير كده….”
تدرك كم هو صعب ان أحكي لك عن اسراري ممن أشكو لك ياعاصم ؟!…من والدي ماذا اخبرك عنه اكثر
مما اخبرتك به ،يكفي ان اخبرك بان ابي طامعا في مالك…فهل يجب ان أخبرك أيضًا بسنوات شقائي
معهُ هل عليَّ ان أبوح لك بحرمانِ من أقل
الحقوق كأبنة
هل افصح عن أمر إصابة اذني اليمنى واخبرك
عن تفاصيل الحادث وان السبب هي زوجة عمك
التي أساسا هي عشيقة والدي سرًا، وقد خانة
امي وغدرة بها يومًا تحت مسمى الصداقة
ام اخبرك انني رغم حبي لك أحاول ان اصل لها
عن طريقك لأنتقم !….
قالت بهدوء ميت….
“حصلت مشكلة بيني وبين بابا… وشدينا مع
بعض شوية…”
انكمشت ملامحه عابسًا… “بسبب…”
قالت مقتضبة….. “طقم الالماظ…..”
تافف عاصم قائلا بضيق…
“ما خلصنا من القصة دي ياشهد.. قولتلك اني
هعوضك بس لما نتجوز…. اي لزمتها تفتحي الموضوع ده تاني معاه….”
لمعة عيناها الباردة…..
“لاني لقيت العقد في اوضته…..”
هز راسه مستفسرًا…. “وبعدين…..”
لوت شفتيها مستهجنة….
“زعق معايا وطردني من اوضته….”
سألها بتعجب….. “لدرجادي….”
اومات براسها بأسى ويدها المصابة مزالت بين
راحتيه…..
“علاقتنا من زمان كده…عمرها ما كانت عادية..علطول
في بين حروب مش بتنتهي….”
مسد على يدها بحنان قائلا…
“بكرة ينتهي كل ده لما نتجوز….وهعوضك عن كل
حاجة…”
سالته بشك….. “تفتكر….”
ابتسم ابتسامة عميقة جذابة وهو يخبرها
بعطف….
“مش هتكلم كتير عن نفسي….بكرة لما نتجوز هتعرفي….إحنا هنكون عوض لبعض ياشهد..”
وكانه عانق روحها الباردة بعدة كلمات فشعرت
بدفء الحب يتسلل إليها عبر تلك العيون
النافذة بحب وحنان العالم….
فاضاف عاصم ويداه تمسد على كفها
المصاب….
وعيناه تبث عدة مشاعر هي كل ما تحتاج
اليه الآن……
“انا شايف فيكي اهلي وحياتي ياشـهـد انتي
دنيا جديدة عايز اعشها…. وانتي كمان لازم تشوفيني
حبيبك وسندك واخوكي وابوكي وكل حاجة ليكي
في الدنيا….ولا إيه ياست الحُسن…”
جميل هذا شعور لكنه مخيف !….
سحبت يدها وهي تقول
بحياء…
“أكيد…..تحب تفطر معايا….”
اوما براسه بهدوء….
“ومالو نفطر ونروح مشوارنا….”
لاحت علامات الاستفهام على محياها….
“مشوار اي ده؟….”
اخبرها ببساطه وعيناه لا تحيد عنها…
“شقتك…مش المفروض تشوفي شقتك وتقولي رايك
فيها….عشان مهندس الديكور يبدأ يشتغل ويشوف
حبا تعملي اي فيها….”
فغرت شفتيها قائلة بتعجب….
“شقتي؟!…انا كنت فاكره انك هتعيش في بيت
العيلة….”
وضح عاصم بهدوء ….
“بيت العيلة هيفضل مفتوح هنروح ونيجي عليه طبعًا….. بس الشقة لينا هتكون خصوصية اكتر
عشان نبقا براحتنا من غير إزعاج…. ولا إيه….”
احمرت وجنتيها وعضت على شفتيها جراء هذا التلميح العابث…فغمغمت بحرج…
“مم…واشترتها امتى الشقة….”
راته ينظر لشفتيها الحمراون للحظات بجرأة لم تعهدها عليه من قبل…ثم اجابها….
“من فترة قصيرة…المهم هتيجي معايا تشوفيها
ولا لا….”
نظرت لسطح الطاولة بتردد….
“هقول لحمزة…. عشان يجي معايا…”
بنظرة جادة اخبرها بخشونة….
“واضح انك ناسيه ان احنا كتبنا الكتاب من كام
يوم….”
اهتزت حدقتاها بتردد… “مش ناسيه بـ..”
قاطعها وهو يلتهماها بنظراتٍ
مبهمة….
“لا ناسيه بس انا هفكرك متقلقيش….”
رمشت عدة مرات بوجل….
“مش فاهمه الجملة دي….تقصد إيه….”
اسبل اهدابه وهو يقول بهدوء….
“اقصد اني جعان هتفطريني ولا نفطر برا…”
لوت شفتيها باستياء….
“على اساس انك بتاكل برا هقوم احضرلك
الفطار بنفسي…..”
عندما نهضت مبتعدة عنه زفر زفرة الظمئًا وما
أصعب الظمئ الى الهوى……
…………………………………………………………….
أدار المفتاح في الباب ومن ثم فتحه مشيرًا لها
بابتسامة رائعة….
“سمي ياست الحُسن..وادخلي برجلك اليمين شقتك…”
اومات براسها مبتسمة ومن ثم خطت بقدمها
اليمنى باسم الله…..
تطلعت في زوايا الشقة الفارغة فكان موقعها رائع
قريب من البحر تراه من شرفة منزلها على بعد مساحة….شاسعة الشقة ومساحتها منظمة بشكلًا
رائع وفخم تؤهل لعمل ديكور عصري كما تشاء…
بدا عاصم يعرفها على كل ركنًا بالشقة والغرف الموجوده بها… وكانت معه مأخوذة بانبهار
فتلك كانت شقة احلامها بمساحتها وموقعها
القريب من البحر….رسمت معها الاحلام في كل
ركنا بها…
وجودها هنا وتلك الاحلام التي تطرقت الى عقلها
جعلتها تنسى ليلة أمس باحداثها المريرة…
“اي رأيك عجبتك.. الشقة….”
اخبرته بابتسامة جميلة….
“عجبتني أوي ياعاصم… حلوة أوي….مفهاش
غلطه.. ”
“لا فيها غلطة….” اخبرها على مضض وهو يطلع
على الحوائط البيضاء حولهم….
نظرت اليه فاسترسل……
“هتاخد وقت على ما تجهز… ممكن اربع شهور
على الأقل….”
قالت شهد بلا مبالاة…. “واي المشكلة نستنى….”
هز عاصم راسه بنظرة حازمة….
“لا انا مش بقولك كده عشان تقوليلي نستنى…احنا هنتجوز اخر الشهر ده…. وده كلام مفهوش نقاش..”
سالته متخصرة…… “وهنعيش فين بقا….”
اجاب بجذل…. “هنعيش في الشارع…”
عقدة حاجباها..فضحك عاصم مضيفًا بعبث
“ما انتي اللي سؤالك غريب….كده كدا قدمنا اجازة طويلة بعد الجواز….”
“قصدك شهر العسل…” رمشت بعيناها بحياء لذيذ في عيناه….
فأكد وهو يقترب منها محيطها بذراعيه…
“انتي ونصيبك بقا… شهر اتنين تلاته… نفضل في اجازة لحد مالشقة تخلص… اهم حاجة نتجوز اخر الشهر ده….. ومفيش تاخير ولا يوم واحد….ولا يوم
واحد تاني هتبعدي عن حضني…. ”
انهارت اعصابها امام تلك الكلمات بينما يداه
تحتوي خصرها بشوقا……قالت شهد وهي
تحاول الفرار منه ومن مشاعرها…..
“عاصم أبعد شويه…..”
قربها عاصم منه أكثر فبقت اجسادهما ملتصقة
في بعضها بحميمية مفرطة…..
“ابعد إزاي انا حالف افكرك اننا اتجوزنا…. لحسان شكلك ناسيه….”
قالت وهي تزدرد ريقها…. “مش ناسية…. انا فاكره….”
مالى عليها يشم عبيرها الطيب جوار
عنقها… “فاكره ايه بظبط….”
“انك بقيت جوزي…..”زادت وتيرة انفاسها وتحرك صدرها علوا وهبوطا باضطراب امام عيناه
المشتهية…….
“واي كمان….” سارت يداه على ظهرها فارتجفت بين ذراعيه وكم كانت رجفتها العذراء تثير مشاعره الرجوليه نحوها اكثر من ذي قبل….
جلت صوتها وسط طيات الضعف…..
“عاصم احترم نفسك… وابعد شوية…”
قربها اكثر منه وضمها بقوة وعندما مالى على
شفتيها ابعدت وجهها وهي تقول بزعر….
“عـاصـ..”
اختفى اخر حرفٍ من اسمه بين ثنايا شفتيها بعد
ان عانقها بشوقًا…عناق دافئ لزج غريب..يبث شيء
في الروح وكانه ينعشها……
هذه أول قبلة تتلقاها في حياتها…كم كانت رائعة شديد السخونة مزيج بين الحب والحنان قبلة
من رجلا سخي المشاعر حنون محب بالفطرة……
سارت شفتيه على وجنتيها يقبلها ويتكأ عليها بشفتاه
مداعبا بحنان…. فابتسمت وقلبها يخفق على أوتار
الهوى…..
مد يده وسحب رباط شعرها وتخلل نعومته باصابعه
مخبرها وهو يشم عطر شعرها الزكي….
“بحب شعرك اوي ياشـهـد……”
مالى يشم عنقها رائحتها الطيبة التي تسكر حواسه
كان عطرها مزيج من رائحة البحر وعطر الزهور…
طيب زكي خفيف على الانف لكن آثره كالوشم
يطبع في الذهن ولا ينسى…..
قبل ثغرها قبلة سطحية ثم بدا يتحسس وجنتيها الناعمتين باصابعه برقة كلمسات الورد قائلا
وهو ينظر لعسليتاها البراقة المذعنة اليها بكل جوارحها….
“انتي أجمل واحده شفتها عنيا…..والست الوحيدة
اللي اتمناها قلبي…انتي يا ست الحُسن والجمال…
انتي اللي اتمناها قلبي…وأخيرًا وصلك وبقيتي
حلالي…..مراتي.. ”
ضاعت في الغزل الصريح فاغمضت عينيها ويداه
تحتوي وجهها الجميل…..وعطره الرجولي وانفاسه
الساخنة تتخلل لرئتاها فتخلق فوضى العشق وما
أجمل منها فوضى !….
فوضى تحتاج لان تفعلها فترتاح وتشعر بلذة
الحب وثمل الهوى….
ثملة هي الان بين يداه مشاعرها وقلبها في حالة
سكر كل ذرة بها تطالب بالدفء بالحب بدلال…
تطالب بـعاصم
بملامح متشبعة بالعشق أخبرها وعيناه تطوف
على وجهها المشع جمالًا خجلًا….
“خطفتيني من أول يوم شوفتك فيه..من أول يوم وقعت عيني في عيونك….وانا اتشقلب حالي…
عملتي اي فيا ياشـهـد….اي سرك ؟….”
“لو عرفته مش هيكون سر……”قالتها وهي بين يداه
تحلق في عالم غير العالم….عالم هادئ جميل وردي
بمذاق الشهد……
همس ساحقا شفتيها بمشاعر ثائرة…..
“مصيري أعرف كل حاجه ومن بين شفيفك دول
هتحكيلي…..”
اعطاها قبلة كانت تتوق لها منذ بداية الحديث وكانها
اشتاقت لهذا الدفء من جديد….دفئا يبث بها الحياة
وكم هي بحاجة لمن يشعرها بالحياة والذات بها….
عانقة عنقه بكفها الصغير الرقيق فطوق هو خصرها
بحب رافعها لمستواه حتى يتعمق اكثر في قبلاتها
الشهية مذاقها كالشهد…حلوة وشهية وطرية الملمس…..
بعد لحظات اطلق سراح شفتيها بصعوبة بعد ان طلبت القليل من الهواء….
لمس كاحلها الأرض فوقت تاخذ انفاسها المسلوبه
لاهثة بقوة بين ذراعيه بوجنتين حمراوين كشعلتين متوهجتين ، وعينين خلابتين كنجميتن متلألاتين
“عـاصـم….”
نادته بشفتين حمراوين ومتورمتين قليلا من طوفان
قبلاته عليهما…..
نظر اليها لاهثة ببطء ويداه تحسس خصرها بتولة
فقالت وهي تشعر بخطٍ من الصقيع يتخلل عمودها
الفقري…….
“احضني ياعاصم…..احضني….”
وقف مشدوه لثوانِ امام هذا الطلب..نعم استجابت
للقبلات واستكانت بين يداه لكنه هو من بادر بهذا
واخذت وقتها حتى استجابت معه….لذلك طلبها
سمره قليلا وصوتها الراجي اجفله لوهلة فهذا
الحلم الذي لم يتطرق اليه أبدًا !…
ان تتوق (شهد) لعناقه يصبح الواقع
حلمًا يجب اقتناصه…..
لذا كان الرد هو عناقا حانيًا يحتويها بمعنى الكلمة
يدفئها يطمئنها ويريحها من معمعة الحياة، كما كان يعانقها عندما كانا يرقصا على أوتار البيانو……
وهي أدمنت هذا القرب ووجدت ملاذها بين ذراعيه
فلم لا تاخد القليل من تلك المشاعر التي تتوق اليها
منذ زمنا بعيد……
عندما ضمها الى احضانه وربت على كتفها بحنان أبوي تلقائيا بدات تترقرق الدموع في عينيها ولم تمنع شهقة بكاء تسللت من بين شفتيها الحمراء…
وكانها لم تكن تحتاج إلا لهذا كي تنفجر دون توقف
كان رائعا متفهمًا لم يخرجها من احضانه ويبدا وصلة
الاسئلة بل تركها، تركها تفرغ اوجاعها ودموعها على قميصه في احضانه وكان هذا اقصى طموحه معها
ان تكشف هذا الجانب الموجوع الضعيف داخلها
اليه….وتبوح له…..
تركها لدقائق تفرغ اوجاعها ودموعها بينما صدره تضخم بمشاعر سوداوية هائجة بالغضب شاجنة
بعد رؤيتها منفظرة القلب حزنًا بهذا الشكل المأساوي….
ربت على ظهرها وهو يهدأها….
“اهدي ياحبيبتي….مفيش حاجه تستاهل الدموع
دي كلها…اهدي وخلينا نتكلم….”
رفعت وجهها الى عيناه وهي تمسح دموعها
بضعف لم تحبذ وجوده هنا امام عينا عاصم
سالها وهو يرفع كفها المصاب امام أعينهما…
“هو اللي عمل كده في ايدك ياشـهـد صح….”
غافلها بالسؤال فوقفت متسمرة للحظات تنظر اليه
بوجل….وكانها طفلة تخشى ان تفشي أسرار بيتها
للاغراب….
سالها وهو يلامس وجنتها بحنان…..
“خايفه من اي ياشهد….انا جوزك ياحبيبتي
اقرب حد ليكي… لو محكتيش ليا انا هتحكي
لمين بس….”
وكانه يحاكي طفلة يجاريها في الحديث حتى تفصح عن مبتغاه ، ليست ساذجة…
لماذا يعاملها كـساذجة ان أرادت البوح ستبوح وان
لم ترد لن تفعل وحتى لو استعمل معها القوة !….
لكن لِم العناد….هي تضعف الان امام نظراته وكلماته
فبدأت تحكي بالفعل احداث ليلة أمس حديث والدها
قسوته عليها دون ان تتطرق لقصة إلهام….
ايضا افصحت لم يكرهها والدها، لانها ربطة علاقة
زواج منتهية الصلاحية ربطتها مدى الحياة فكانت
النتيجة اذنيها وعمرها وشقاء ثلاثتهما عمرًا بأكمله
لم تحكي له عن تفاصيل اصابة اذنيها بل لم تطرق
للموضوع أصلا..حكت فقط اشياء بسيطه واحتفظت بالباقية في صندوقها المظلم….
أوغر صدره غضبًا وغيظ…..وهو يسألها
“وبعد كل اللي بتحكيه ده بتماطلي في معاد
الفرح…..”
نظرت اليه بصمت فتابع بضراوة…..
“ازاي عيزاني اسيبك معاه بعد اللي حكتهولي…دا ممكن ياذيكي….”
رمشت شهد بعيناها عدة مرات ثم قالت بهدوء يتوارى خلفه القهر….
“مش لدرجادي وبعدين انا عشت معاه سبعة وعشرين سنه مش هتيجي على شهر كمان…”
تحدث عاصم بتسرع….
“احنا ممكن نتجوز خلال اليومين دول… ونشتري شقة جاهزة… ونخلي دي لحد ماتفرشيها على
ذوقك…”
ابتسمت بذهول قائلة….
“عـاصـم……انت كده هتندمني اني قولتلك….”
بنظرة نافذة جادة أفصح….
“انتي محكتيش كل حاجه ياشهد…انا متأكد ان في
حاجات تانيه اكتر من اللي حكتيه…”
اسبلت اهدابها هاربة من عيناه…فأوما براسه
متفهما بصبرٍ….
“بس انا مش هضغط عليكي…. هتحكيلي برضو
وبمزاجك…..”
لوت شفتيها بتبرم…
“الثقة الزايدة دي بضيع صاحبها….”
اخبرها بثقة…. “معاكي انتي في محلها….”
نظرت لعيناه قليلا فسالها هو بجدية….
“قولتي ايه….”
هزت راسها بجدية تضاهية حاسمة الأمر برفضا
قاطع….
“قولت لا طبعًا…. اخر الشهر مش بعيد…مش مستاهله
كل الخوف ده انا كويسة… وبعدين في نهاية ده ابويا
مش عزرائيل….”
كاذبة… كيف تبثِ الطمأنينة اليه وقلبك يعتنق الخوف كل دقيقه وكل ثانية في كنف عثمان الدسوقي ؟!….
سبعة وعشرون عام من المذلة والمهانة والوجع وتدعي انكِ بخير…كاذبة….كاذبة……
اسبلت اهدابها وهي تمسح دموعها الجافة
على خدها قائلة بمرح زائف….
“كفاية نكد بقا انا تعبت….مش المفروض اقولك
عايزة أعمل إيه في شقتنا….”
مسكته من يده وسحبته الى أحد الزوايا مشيرة
الى الجدران والاشياء التي تود فعلها هنا وهناك…
ظل ينظر اليها بصمت مبهم عازم النية على ايقاف
تلك المهزلة فلم تعد حرة الان أصبحت زوجته عرضه
وكرامته وعلى والدها ان يتعامل من الان وصاعدًا على هذا النحو ؟!…
…………………………………………………………….
خطى بخطواتٍ مستقيمة تشع رجولة وهيبة صالة
الشقة وعيناه الصقريتين تطلع في زوايا تلك الشقة الفخمة والمكان المرموق القابعة به….
عكس الشقة التي تمكث بها شهد مع شقيقيها كانت أقل في المستوى بمراحل…..
سؤالا يطرح نفسه الان هل والدهما بهذا القدر من
الدونية ؟!….
ما الذي يدفع الأب ان يحرم أولاده من حياة مرفهة بامكانه ان يوفرها لهم بسهولة ؟!….
بخيل مثلًا ؟!…
ديكور الشقة وفرشها وموقعها وملابسه الفخمة وسيارته الفارهة جميعها أشياء تكشف بانه
رجلا سخي على نفسه…..
لكن ماذا عن ابنائه لماذا ينبذهم بهذا الشكل….
“اتفضل يامعلم عاصم.. سي عثمان مستنيك جوا”
قالتها مُهجة وهي تشير على أحد غرف الجلوس…
اوما عاصم براسه بملامح متصلبة وهو يدلف الى الغرفة بخطواتٍ مستقيمة……
عندما ابصره عثمان نهض مرحبا به بحرارة
مشيرًا على المقعد جواره قائلا….
“أهلا أهلا يامعلم عاصم نورتنا يا راجل…. قعد
واقف ليه…..”
ثم ساله عثمان بحفاوة زائفه….
“تشرب إيه….اجيبلك قهوة ولا عصير….”
رد عاصم وهو يحل زر سترته….. “قهوة كويس…..”
أمر عثمان بصوتٍ جهوري….. “القهوة يامُهجة….”
اعطاه كامل تركيزة وهو يضيق عيناه
بشك…..
“خير طلبت تشوفني…تكونش شهد زعلتك…فـ جاي
تشتكيلي منها…..”
لاح على وجه عاصم تعبير غريب وهو يحدج به….فاضاف عثمان بجفاء….
“انا عارفها نكديه زي اللي جبتها….امها برضو فضلت ورايا لحد ما كرهتني في صنف الحريم….”
دون ذرة مرح عقب عاصم….
“مش باين انك كرهته…بدليل انك متجوز….”
أكد عثمان بابتسامة بذيئة المعاني…
“ماهو ده اللي انت هتعمله بعد سنة واحده من الجواز…. هتجوز مرة واتنين وتلاته ماهو واحده
بس مش كفاية بذات لو نكدية وزنانه….”
جاش الغضب في صدره لكنه تحلى بالصبر
قائلا بتحفظ……
“شهد ست الستات…هي عندي بستات الدنيا دي كلها..”
وكان الإجابة لم ترضي والدها فقال بتبرم…
“والله ؟!….طيب بما انكم زي سمنة على عسل اوي كده اي سبب زيارتك ليا….”
سحب عاصم نفسًا طويلا ثم نظر اليه
بجدية قائلا بحزم…..
“اسمع ياحمايا…. بنتك دلوقتي مبقتش بنتك بس بقت مراتي كمان كرامتها من كرامتي…ولو حد داس لها على طرف وزعلها…كانه زعلني انا وبالجامد كمان…”
جفل عثمان وجحظت عيناه قائلا
بدهشة…
“وانت جاي تسمعني الكلام دا ليـ….”
قاطعه عاصم بحزم شديد الخطورة….
“انت عارف انا جاي اسمعك الكلام ده ليه….”
زاد اتساع عينا عثمان جراء هذا الهجوم…
فتابع عاصم قائلًا بمروءة…..
“اللي عملته فيها امبارح وصلني….وهي لا كانت غلطانه وقتها ولا تستحق تضرب…أصلا مش من الرجولة انك تستقوى على حد ضعيف بذات لو واحده ست حتى لو الست دي تبقى بنتك هي برضو مأجرمتش عشان تعمل اللي عملته…”
اهانه عثمان وهو يرمقه شزرًا…
“وانت بقا اللي جاي تعملني الرجولة…”
حل الصمت لثوانِ وعاصم ينظر اليه بصدمة
تمتزج بالخطر….خطر مما تفوه به وربما يدفع
ثمن تهوره غالي……
“لا حول ولا قوة الا بالله.. لولا انك أبوها واحتراما
لسنك… مكنتش استنيتك لما كملت الكلمة….”
ازدرد عثمان ريقه بتخوف….فقال عاصم بوجها
اربد غضبا رغم ان صوته لم يعلو عن الطبيعي…
“عيب تقل من نفسك كده…. عيب الجملة اللي قولتها دي لو عملنا قعدة عرفي هتدفع عمرك قصادها….. عيب انت مش قاعد مع عيل صغير…انت قاعد مع عاصم الصاوي.. عاصم الصاوي اللي قعد مع ناس لو تعرف اسميهم شعرك يشيب…..مكنش في حد فيهم
يستجرا يرفضلي طلب…”
شعر عثمان بالاختناق وسط هذا التهديد
الصريح…..
فاسترسل عاصم وهو يقول بنبرة صارمة
واعده…
“بنتك ضيفه عندك الكام يوم اللي فاضلين…تعاملها بما يرضي الله…او متعملهاش خالص المهم تبعد عنها وايدك متترفعش عليها….ومتفكرش انها لو حصلت تاني هاجي اخد وادي معاك كده في الكلام..لا ساعتها هتصرف….تصرف مش هيعجبك….وهيخسرك كتير أوي…تمام ياحمايا… ولا إيه…”
هاج الغضب في حدقتا عثمان فجأه
فهدده قائلا…..
“انت مفكر ان كتب الكتاب ده خلاك تملكها…انا
ممكن اطلقها منك دالوقتي…انا ميتلويش دراعي…”
“صدقني ولا انا…جرب كده تبعدها عني…
وساعتها…”ثم جاشت مراجلة بالوعيد وهو
يسترسل بصلابة …
“خلي الكلام مفتوح لحد هنا….. اصل اللي بيتكلم عمره ما بيعمل…وانا طول عمري بعمل من غير كلام كتير….. ”
انتصب عاصم واقف امامه بطوله الشامخ المهيب
قائلا بترفع صلب…..
“ياريت تحفظ الكلمتين اللي لسه قايلهم لك….”
نظر له عثمان بغيظ….فاضاف عاصم بخشونة…
“كرامة بنتك من كرامتي… ولو مستها يبقا انت كده
بتعاديني….وانا اللي بيعاديني مش بيشوف النور..”
خرج من الغرفة بعد ان القى اخر تهديد صريح
في وجهه وكانتا عيناه الصقريتين مستعرتا
بالوعيد…وعيد ان استهون به خصمه سيبدأ
في عد الخسائر القادمة والاضرار الجسيمة !…
………………………………………………………..
كانت منعزلة في مكانها الخاص (الشرفة..) جالسة على المقعد تضع السماعة في اذنيها وتسند بمرفقيها
على السور وعيناها غائرتين شاردتين في مكانا بعيد
تستمع للحنًا مميز الإيقاع معبرا عن الحب والغرور!
هذا الغرور الذي ينتابنا عندما نظن اننا امتلكنا الحب وأصحابه ومع أول اصطدام تقتلنا الحقيقة تذبحنا
الاقاويل فـنقف امام المرآة بوجه المهرج الذي أبدع
في اضحاك الناس عليه وليس معه !….

شاردة هي في عالمها ، ضائعة في دهاليز الأفكار
تختنق في صندوق الحكايات الوردية….
عاشت حياتها باكملها تتنقل بين الكتب على أمل ان
تجد فارسها في واحدًا منهم…
كانت من الموهومات في البحث عن البطل المثالي بين الصفحات ،للأسف لم تجد فارسها بينهم و لم تقع في حبهم لمجرد انهم يحملا كل سيمات الوسامة
المطلقة ، ولم تفضل ان تكون القسوة دليل الحُب لديهم….
لماذا في الروايات تكون القسوة دليل الحُب والكمال
هو المظهر الخارجي….لماذا لا نهتم بتجميل الجوهر الداخلي فهو الذي يستحق اظهاره للقراء !..
انها متناقضة حد اللعنه، ماذا عن قصتها هي…
أول انجذب لها كان في عيناه الهمجيتين الساخرتين ثم لرجولته الفتية الى وسامة تقسم انها راتها يومًا بين سطور الروايات…..
ام دليل الحُب في قصتها فهو مفقود ، فان قصتها
فاترة…..فاترة جدا فتور يؤلم قلبها على تلك المشاعر
التي تكنها له وحده….
لماذا هو فاتر معها ، لماذا لا يحبها ، ولماذا يريد الزواج منها لمجرد انها عروس مناسبة….
تكره الزيجات المعتمدة على نظريات ثاقبة….تعشق
فطرة الحب المؤلفه بين قلوب الأحبة ، انها تعشق الجنون رغم انها لم تعتنقه يومًا
الا ان قصة والديها كانت مولعة بالحب المتبادل بينهما عاشا معا على هدف واحد وهو تقديس علاقتهما والحفاظ على هذا الحب….
كانت ترى والدتها في عين والدها كلما سمع اغنية
قديمة أو ديوان شعرٍ لأحد الأدباء الكبار
كانت عيناه تتلألأ كالالعاب النارية عندما يراها
تضحك تتحدث تتناقش…..تغني…..
وان بكت تدمع عيناه معها وان غضبت منه تنقلب
الدنيا في عيناه ولا يهدأ إلا عندما يراضيها ويطيب
خاطرها…..
لذلك كان مابينهما اقوى من ان ينتهي بالموت فرحلت
امها حزنا على فراق والدها بعد سنوات من المثابرة
بدونه رحلت……
فلماذا لا تتمنى رجلا كوالدها يدللها حبًا ويهيم
بها عشقًا….
من ارتوت بالحب منذ الصغر لن تقبل بقطرة منه
هذا ليس عدلًا ؟!..
سحبت السماعات من اذنيها والقتها جانبًا وهي تاخذ
انفاسها بضجرًا فقد ثقل صدرها وازداد صداع راسها
من كثرة التفكير……
من يوم ان عادت معهم وهي في دوامة من الأفكار المتلاحقة مزالت لم تعطي قرارها النهائي في طلب
الزواج ….ويبدو انها حتى الان عاجزة عن فعلها…
تنحنح رجولي اوقف سيل الأفكار داخلها…اقتحم خلوتها ببساطه..وحمل مقعدا ووضعه جوار مقعدها جالسا بجوارها بصمتٍ دون ان ينطق بحرفٍ واحد..
جيد هذا جيد….لم ينقصها إلا وجوده…..فيأثر عليها
عاطفيًا من مجرد نظرة من عسليتاه الضارية….
خطيرة عيناه ووسيم هو بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، عابث وهي تكره العبث لكن منه يشبه قصيدة من الغزل !…
اغمضت عيناها بقوة هل يجب ان تلعن قلبها الان ام
الحب الذي استوطنه قسرًا ؟!…
من منا قادر على ان يحزم مشاعره ويمضي دون تأثر
بالحب ، لماذا يكبلنا الحب الى هذا الحد ولا قدرت
لنا على المواجهة !…
وكانه انزعج من ضجيج افكارها فسألها
عابسًا…
“بتفكري في إيه ياقمراية….”
حانت منها ابتسامة صغيرة منكسرة المعاني…
سالها حمزة وهو ينظر لجانب وجهها…
“من ساعة ما رجعنا وانتي متغيرة معايا…هو موضوع
الجواز ده هيبعدنا عن بعض ولا إيه….”
ازدادت الإبتسامة وجع….
“واحنا من امتى كنا قريبين ياحمزة….”
ها هو يتجرأ كالعادة ويمد يده ماسكا ذقنها
ليدير وجهها إليه…..
“مالك ياقمر…. اي اللي عملته مضايقك اوي كده…”
اهتز حدقتاها وهي تنظر الى يده الدفئة
هل بشرتها…فقال حمزة وهو يمرر ابهامه على
ذقنها بعفوية…..
“انتي مش موافقة عليا…لو مش موافقة قولي عادي مش هزعل..مش هتجوزك جبر خواطر يعني…”
ابعدت يده عنها برفق وهي تقول
بتبرم…
“قول الكلام ده لنفسك….”
“يعني إيه مش فاهم…..” لاح التعجب على محياه….
فقالت بضجر من بين
اسنانها….
“يعني ليه عايز تجوزني…..”
اخبرها حمزة وهو ينظر لبنيتاها….
“قولتلك انك عجباني…. ومناسبة ليا… وكفاية انك
بنت عمتي….”
تاففت بجزع…”مش ده اللي عايزة اسمعه منك….”
برم شفتيه بعدم فهم.. “امال عايزة تسمعي إيه….”
دبت الغيرة في قلبها فقالت بلوعة…
“انت لسه بتحب خطيبتك صح…. واكيد عايز تجوزني عشان تغيظها….”
اوما حمزة براسه ضاحكا بهزل….
“انتي بتقولي فيها دي هتتغاظ أوي… بذات لم تشوف القمر اللي انا اختارته…”
صاحت بعنف…. “انا مش بهزر ياحمزة….”
بصوتٍ باردٍ أجاب….
“انا بقا بهزر علشان دا مش كلام ناس عاقلة…”
لم تعقب بل عقدة ساعديها أمام صدرها
فاضاف حمزة بهدوء….
“اي المشكلة يعني اني كنت خاطب قبلك كنت بخونك معاها مثلا.. دي حاجة حصلت قبل ما
اعرفك ملكيش حق تحاسبني عليها…”
اومات براسها بصمتٍ كئيب فقال حمزة
بمناغشة…
“زي مانا محسبتكيش على اشيف كده….ياترى هتعزميه على فراحنا.. ماهو ابن عمك برضو…..”
قالت قمر بتمرد…..
“انا معنديش عمام…بابا وحيد وملوش أخوات..”
أومأ براسه بفتور سائلا….”واي حكاية اشرف ده…”
زفرت قائلة بضيق…. “كنت بشتغلك…. ارتاحت..”
هز راسه مجددًا بزهوٍ….
“أحلى راحة…. يعني انتي عمرك ما حبيتي قبلي…”
ارتجف قلبها وكانه اصابه بماس كهربائي جعلها تجفل للحظات وهي تنظر لعسليتاه المغرورتان…..
“قبلك ؟!.. معنى كلامك اني بحبك….”قالتها
بزمجرة فرد بثقة….
“أكيد ماهو انا اتحب برضو….ولا إيه… ”
زمجرت قمر بنفي…..
“مش ولا…. انا كمان لو هوافق عليك دا لانك ابن
خالي محترم ومؤدب و….”
اوقفها حمزة هازئًا….
“هششش محترم ومؤدب في جملة واحده…
مين ضحك عليكي وفهمك كده….”
لمعة عينا قمر بالعنفوان…
“معنى كلامك انك مش هتحترمني بعد الجواز.. وهتقل ادبك وطول إيدك…..”
لاح الاستهجان على وجهه فعقب محتقر
تفكيرها…..
“ليه متجوزك عشان امدك ؟!..انتي متعرفنيش كويس ياقمراية…. انا اللي تجوزني اشيلها في عيوني…”
سالته بوله….”وبنسبة لقلبك ياحمزة….”
ضاع في جمال عينيها مجيبًا بمراوغة…
“هي وشطارتها لو عرفت توصله.. يبقا حلال
عليها…”
سالت بعد تنهيدة….”وان معرفتش ياحمزة….”
اجابها مبتسمًا… “هتعرف….. السكة ما توهش….”
اشاحت بوجهها ناظرة للبعيد بصمتٍ…فتأملها حمزة
قليلا من أول شعرها الغجري الطويل حتى اطراف
عبائتها البيتي الجميلة……لم يمنع نفسه من طرح
هذا السؤال فصمتها يستفزه وبعدها عنه يحيره !..
“اي اللي محيرك ياقمراية…”
لم تنظر اليه بل تضخم صدرها بمشاعر كثيرة
وهي تستسلم في نهاية المطاف لمشاعرها
بجملة واحدة……
“انا موافقة ياحمزة…. موافقة نتجوز…..”
جفل لوهلة بتشكيك….. “متأكده….”
لوت فمها واجمه…..”غيرت رأيك….”
اجاب بجدية بالغة….
“دي الحاجه الوحيدة اللي مينفعش اغير فيها رايي….”
نظرت اليه بتعجب محاولة ان تستشف صدق جملته…. “ليه يعني….”
بملامح رصينة اجابها….
“بكرة هتعرفي…. وساعتها هتشكريني….”
رفعت حاجبها وهي تحاول فكة شفرة
حديثه..
فقطع حمزة وصلة التفكير تلك بإبتسامة
مرحة….
“مش ناويه تعمليلي فنجان قهوة…بمناسبة
الخبر الحلو ده… ”
اسبلت اهدابها بوجوم….
“مانا بعمل وفي الاخر مش بتعجبك…مع انك بتشربها…..”
غمز حمزة ضاحكا بمناكفة….
“بنكشك ياهبلة…هي لو مش عجباني هطلبها
منك ليه…..”
رمقته بشزر هاتفه….
“انا مش هبلة ياحمزة ولم لسانك ده..”
برق لها بعيناه قائلا بخشونة….
“لا عشان نبقا على نور انا اقول اللي انا عايزة واعمل اللي يعجبني…”
زمجرت بعنفوان…
“دا في شرع مين ده ان شاء الله….”
اشار على نفسه بغرور… “في شرعي…..”
زمت شفتيها باستخفاف…. “على نفسك….”
خبطها في راسها من الخلف
قائلا…
“بطلي العوجه دي يابت هخنفك….”
لكزته في كتفه بقوة….. “ولا ما تقدر…..”
“اه يالمضه…..”هز راسه ضاحكا بانتشاء….
ابتسمت قمر بدورها وتوهجة وجنتيها خجلا انها وافقت على الزواج منه مزالت لا تصدق بعد انها
اختارت سعادتها رغم شكوكها المبينة ؟!…
من تتحدي ياقمر ، ام انكِ تنتظري المعجزة !….
امرها حمزة بصوتٍ هادئ…
“قومي اعملي قهوة بقا…..”
اومات براسها ناهضة….وشعور الفتور منه يستوطن قلبها حزنًا……
قال من خلفه بعبث… “شوية وجاي وراكي…..”
خفق قلبها فأومات براسها مرحبة بابتسامة لطيفة….
عندما ابتعدت نظر للبعيد متنهدا بتعب وقلبه يعتنق
شعورًا مختلف عن ما سبق بعد قرارها الأخير..شعور
شعور بالسعادة !….
…………………………………………………………..
بعد مرور ثلاثة أسابيع…..
كانت تقف مع العمال بقلب شقتهما تتابع العمل وتشرف عليه…..ففي غضون ثلاثة أسابيع كانت تواظب على زيارة الشقة للإشراف على العمل
والتاكد من ان كل شيء اختارته من المهندسة
المتخصصة بالديكور يتم تنفيذة بدقة…
كان لها ذوقا مميز في إختيار ألوان الحوائط ونوع
الارضية….ساعدتها المهندسة كذلك في إختيار
ديكور يلائم ذوقها ومن بين ملايين التصاميم
اختارت ما يميزها…..
تقدمت منها المهندسة (آلاء) والتي تشرف ليلا ونهارا
على شغل العمال محاولة الإنجاز في خلال الثلاثة شهور القادمه كما اتفقت معهما…..
“مكنش لي داعي تتعبي نفسك بشكل ده..”
قالتها المهندسة آلاء وهي تشير الى احد الزوايا البعيدة عنهما نسبيا حيثُ يجلس العمال بجوار بعضهم وكل منهم يمسك علبة تحتوي على
وجبة متكاملة شهية اعدت من تحت يدي شهد
وقد احضرتها لهم…ولم تكن المرة الأولى ففي
كل مرة تأتي الى هنا تجلب لهم وجبات من
مطعمها…..
ابتسمت آلاء باناقة قائلة باستياء…
“حضرِتك كل مرة بتعملي كده..ونفس الكلام بقولهولك….هما بيبقا معاهم اكلهم….”
قالت شهد بتبسم….
“واي المشكلة زيادة الخير خيرين…الناس دي بتتعب أوي…..دا كفاية انهم بيشتغلوا ليل ونهار…”
هزت آلاء راسها موضحة…
“هما متعودين على كده…اكل العيش بقا…”
نظرة شهد للزوايا من حولها…
“بس الله ينور…..الشغل ماشي كويس اوي….”
قالت آلاء بعملية….
“ان شاءالله كمان أسبوعين هتبان اكتر..احنا لسه بنقول ياهادي….حبه برضو اوري حضرِتك الخامات
الجديده اللي جت…..”
اتجهت معها شهد الى أحد الغرف…فبدات تفتح
آلاء العلب وتريها الاشياء الخاصة بارضية الشقة
والتي اختارتها شهد بعناية….
“تجنن يآلاء…طلعت احسن من اللي في الصورة
كمان…”
قالت آلاء بابتسامة عملية….
“أكيد على الطبيعة احلى ولما تغطي أرضية الشقة
هتبقا احلى واحلى…..”
صدح هاتف شهد فهزت راسها بايجاب…
“ان شاء الله….هرد على المكالمة دي وارجعلك.. ”
ابتعدت شهد قليلا…
“خدي راحتك….”قالتها آلاء بتهذيب وهي تخرج من الغرفة باكملها تاركه لها مساحة من الخصوصية….
وضعت الهاتف على اذنها فاتى صوته الشغوف
باهتمام…..
(بتعمل اي ست الحُسن من غيري…)
ابتسمت بعذوبة مجيبة بصوتها
الموسيقي…
“في شقتنا…..انت فين….”
شقتنا…..ايقاعها مختلف على اذانه وقلبه
فكانت صيغة المشاركة معها في كلمةٍ واحده
متعة لا يحظى بها كثيرًا في احديثهما العامة..
ورغم ذلك رد مقتضبًا…..
(اي اللي خلاكي تروحي لوحدك…. مش احنا اتفقنا نروح سوا….)
“ايوا اتفقنا امبارح بليل..ورنيت عليك الصبح لقيت
تلفونك مقفول فافتكرت انك سبقتني….”
تحدثت بهدوء وهي تسير بلا أهداف الى زوايا
الغرفة الشاسعة ورائحة الدهان والخامات الجديدة تزكم انفها وتضيف متعة خاصة في حوارهما الان….
قال عاصم بعدم رضا….
(كان صعب يعني تستني لحد ما افتح التلفون
وارجع اكلمك….)
سالته بهدوء….. “وليه كنت قفله…”
اخبرها بفتور….
(فصل شحن من امبارح..نمت ونسيت اشحنه..)
سالتها بلؤم…. “وفصل شحن ليه….”
تكاد تقسم انه ابتسم مع تذكر المكالمات المسائية
التي لا غنى عنها بينهما…..
(مش كنت برغي مع ست الحُسن ونامت وسبتني
بتكلم كالعادة….)
عضت على شفتيها بخجلا انها تكره ان تظهر امامه بصورة المراهقة الحمقاء لكن رغما عنها أحيانًا كثيرة
تنام على صوته وكانه يسرد لها قصة قبل النوم !..
الامر يزعجها من نفسها اكثر منه ازعاجه منها خصوصًا مع التكرار اكثر من مرة وتبقى الحجة واهية ولا تستعمل غيرها….فقالتها دون ادنى
تردد……
“غصب عني كنت جايه هلكانه من شغل المطعم….”
اتى صوته جادًا لأبعد حد…
(مش ان الأوان نقفل المطعم ياشهد…وننهي
القصة دي….)
تغضنت زاوية عينيها حزنًا…الى انها قالت
برجاحة عقل….
“دي مش قصة دا اكل عيش ناس…..والمطعم بقا شغال كويس أوي…يعني حرام اقفله وهو باب رزق
ليا وللناس الي معايا….”
تافف عاصم واجما…..
(باب رزق ليكي…..شهد انتي بقيتي مراتي ومسئولة
مني….ليه مش مستوعبة ده….)
اجابت بصوتٍ متزن….
“مستوعبة ياعاصم….بس انا اتعودت اكون حُرة ومستقلة ماديا…..”
هتف عاصم مشدد على كل حرف
بحمائية…..
(يعني اي حرة ومستقلة….انتي مراتي افهمي..
يعني مسئولة مني وطلباتك كلها مجابة واذا كان على الاستقلال المادي….انا هفتحلك حساب في البنك وهحطلك فيه مبلغ محترم ….)
قالت شهد برفض تام…..
“لا طبعا اوعى تعمل كده انا مش عايزة فلوس..”
سحب نفسًا طويلا بقلة صبر…
(فلوسي هي فلوسك…نفسي توصلك ياشـهـد…)
ساد الصمت بعد جملته فحاولت ان تلطف
الجو فقالت…..
“امشي معايا واحده واحده ياعاصم….انا محتاجه
وقت على ماتعود على ده….”
عندما لم تجد منه ردًا اضافت….
“اصل اللي عشته سبعة وعشرين سنة مستحيل
يتغير في كام شهر…..”
“وبلاش تقولي اقفلي المطعم…انا عايزاه يفضل مفتوح حتى لو هبشره من بعيد…خلي مفتوح
وخلود وبشير يدروه….المهم منقطعش بعيش
البنات اللي شغاله فيه….لو سمحت….”
لم تتوقع ان يلين بتلك السهولة وهو
يدللها بحب….
(لو سمحت انتي ارحميني من طيبة قلبك….اللي
بتخليني هتجنن عليكي اكتر….)
ضحكت شهد غير مستوعبة…..
“رهيب وانت بتنقلنا من موضوع للتاني…”
تنحنح عاصم قائلا بجدية…..
(الموضوع ومافيه اني مش عايز اتكلم في حاجه سابقه لاوانها….بعد الفرح نشوف موضوع
المطعم والشغل…اتفقنا…..)
اومات شهد براسها قائلة ببراءة….
“تمام…اكيد هيكون في وسيلة اقنعك بيها….”
هتف عاصم بخفوت وقح….
(كل الوسائل مباحة بعد الجواز ياست الحُسن
بس انتي فتحي مخك معايا….)
خفق قلبها بلوعة الحب وتخضبة وجنتيها واذنيها كالعادة عندما تغضب او تخجل….وكانه راها في
تلك اللحظة فقال بيقين……
(اكيد خدودك وودانك احمره دلوقتي……)
همست من بين اسنانها….. “عـاصـم….”
ضحك عاصم بانتشاء قائلا…..
(لي لما بتضايقي او بتتحرجي خدودك وودانك بيحمروا ؟!….)
قالت بتمرد انثوي……
“مش عارفه والله خلقة ربنا….عندك اعتراض..”
نفى بكلمات ممطوطه بالمكر وتسلط
الرجال…….
(أبدًا أبدًا ياست الحُسن…انتي تحمري زي مانتي
عايزة طالما معايا ومني انا…..)
ابتسمت بحياء….
“وبعدين معاك…اي حكايتك النهاردة….”
هتف عاصم بحرارة……
(الحكاية ومافيها ان كلها ايام ونول المراد…)
زمت شفتيها ومزالت قشرة البرود تسيطر
عليها…تفقدها لذة السعادة بهذه الزيجة لذا
ادعت المرح قائلة….
“مم هنيالك يامعلم عاصم….”
هتف عاصم بطرافة…..
(الله يهنيكي يامعلمة شهد…ما تتفضلي معانا…)
فلتة من بين شفتيها ضحكة رنانة برقة الملكات مشعة بجمال الحسناوات كالحنًا مميز الايقاع
لم تتقنة آلة موسيقية ولم يكتشفه موسيقار !..
فافصح عن تأثره بمدى روعة ضحكتها
قائلا….
(آه من ضحكتك ياست الحُسن….اااه…)
غيرة مجرى الحديث بوجه
خجول….
“قولي هتعدي عليا ولا هروح لوحدي….”
تحدث عاصم بصوت اجش….
(مقدرش طبعا… انا في السكة شوية وجاي اي
أخبار الشغل عندك..الأمور تمام….)
تنفسة الصعداء وهي تراه أخيرًا يفتح
حوارٍ عاديا فقالت بهدوء…..
” بصراحه كله تمام…المهندسة آلاء قايمه بشغلها
على اكمل وجه….والعمال بينجزه….”
جلى صوت عاصم بجدية قصوى….
(أكدي عليها ياشهد ان مش اهم حاجه عندي بس
انها تخلص في خلال تلات الشهور….الأهم ان الحاجه تتعمل صح من غير كروته…)
اكدت شهد وهي تخبره برجاحة
عقل……
“دا اللي انا خايفه منه رغم ان شغلهم كويس وباين
انهم بيراعوا ضميرهم فيه… بس شغل تامن شهور إزاي هيخلص في تلات شهور ياعاصم…..”
تحدث عاصم بحزم…
(هيخلص ياشـهـد……آلاء من اشطر المهندسين في مجالها…..وانا متأكد انها هتعمل اللي طلبته وبزيادة
كمان….مش أول مرة اتعامل معاها…)
رفعت حاجبها بتبرم…
“والله دا واضح انها معرفة قديمة….”
شعر بالارتياح والرضا جراء جملتها الغيورة….
لكنه خفف من وطاة الوضع قائلا….
(معرفة شغل دماغك مترحش لبعيد…البنت مؤدبة
وبنت ناس وانتي بنفسك ارتاحتي في التعامل
معاها الاسابيع اللي فاتت…حصل….)
مطت شفتيها والغيرة تزعزع ثباتها…..
“حصل هي فعلا محترمه ولبقه في الكلام…عمتا
شغلها هو اللي يهمني مش هناسبها….”
عقب عاصم بدهاء الثعالب…..
(قاسية انتي أوي ياست الحُسن وفيها اي لو نسبناها مثلا…)
هتفت من بين أسنانها بقوة… “عاصم….”
أبتسم بنشوة الانتصار….(بتكلم عن أخوكي….)
قالت ممتعضة وهي تعرف انه يستنزف صبرها باسلوب التلاعب هذا….
“اخويا خطب خلاص…وهيتجوز بعدنا بكام شهر..
خلاص حدد فرحه هيبقا مع كيان….”
اوما عاصم بجذل..
(مبروك عليهم…ومبروك وعلينا…)
ابتسمت باستياء وهي تغلق الخط بعد لحظات
فوجدت آلاء تدلف الى الغرفة التي تقف بها قائلة بتهذيب…
“آنسة شهد…في واحده برا عايزة تقابل حضرِتك..”
سالتها شهد بتعجب…. “مين دي….”
اخبرتها آلاء بهدوء…. “بتقول اسمها الهام…..”
جفلت شهد وتسمرت مكانها للحظات بعينين متسعتين قليلا من هول المفاجأة….. مرردة
الاسم بجفاء…. “إلهام !….. اي اللي جبها ؟!..”
كانت تفف بكامل اناقتها تطلع على أرجاء الشقة
بترفع وتقييم…. ترتدي طاقم كلاسيكي مجسم
على جسدها وتطلق شعرها الاشقر القصير
حرًا على كتفها…..
اقتربت منها شهد بخيلاء وبخطوات رشيقة وقفت
امامها مرحبة بابتسامة باردة كعيناها….
“أهلا أهلا بام يزن…..دا اي المفاجأة الحلوة دي
معقول جايه تبركيلي بنفسك على الشقة……..”
قالت الهام بترفع وهي ترمقها بازدراء…
“حاجة زي كده…. بس حلوة الشقة طول عمر عاصم
ذوقه حلو ومش بيجيب غير الغالي…. بس مش عارفه المرادي استرخص ليه….”
اظلمت عينا شهد وقد سقط قناع الهزل عن وجهها
وهي تسالها بكراهية شديدة…”جاية ليه يالهام…..”
نظرت الهام للعمال الذين بدأو بالعمل حولهن
فقالت ببراءة…. “معقول هنتكلم هنا ؟!…”
انكمشت ملامح شهد بمقت وهي تشير على الشرفة
بنفاذ صبر…..
ابتسمت الهام ببرود وهي تتأمل البحر البعيد
من خلال شرفة الشقة الواقفة بها بصحبة
شهد……
“الفيو من هنا حلو أوي…..كان طول عمري نفسي
اعيش جمب البحر….. تعرفي شقتي القديمة كانت
قريبة من البحر….لما كنت انا وامك جيران..آه إزاي نسيت مانتوا لسه عايشين فيها لحد دلوقتي… ”
ثم استرسلت بلؤم….
“هو ازاي عثمان سيبكم عايشين فيها لحد دلوقتي..
غريبة انه مبعهاش…يكونش بيحن لايامنا… ”
ازدادت نظرات شهد برودة وهي تجيب
بهزل….
“ممكن برضو….وياترى انتي بقا بتحني لايامكم
سوا….”
هزت الهام راسها بترفع….
“مستحيل….في حد يحن للفقر والعوزة….”
برمت شهد شفتيها بامتعاض…فقالت إلهام
بعد ثانيتين……
“تعرفي ياشهد ان وجودك زمان كان مكسب كبير
ليا….”
رمشت شهد عدة مرات جافلة فأكدت إلهام
بابتسامة متشفية…..
“اه متستغربيش….مسافة ماانتي جيتي عثمان اتمسك من ايده اللي بتوجعه….رد كريمة لعصمته
من تاني عشان تتربي وسطهم…ساعتها جالي وركع تحت رجلي وطلبني للجواز…..”
اخرجت إلهام سجارة رفيعة من علبة سجائر فاخرة تحتفظ بها بحقيبتها الانيقة واشعلتها وهي
تتابع بصلف…
“ساعتها شرط عليه يكتبلي كل ما يملك باسمي..
طالما مش عايز يطلق كريمة اهو اضمن حقي وحق
عيالي اللي هيجوا منه….”
وكانها القت قذيفة فتاكة في أحشاء شهد
التي تصلب جسدها بأكمله مشتعلا….
“مرضاش…..خاف يكتبلي كل حاجة فاسيبه
بعدها..”
زفرت إلهام دخانها الرمادي للأعلى ليخرج متراقصا
امام عينا شهد القاتمة…..متابعة باسى زائف….
“وطالما شاكك في حبي ليه يبقا مكنش ينفع أكمل
وجودك بوظ كل حاجة خططت ليها وقتها…بس لما سبت عثمان واتجوزت مسعد اتاكدت ان وجودك
كان مكسب كبير ليا..”
اضافت إلهام وهي تشدد على الأحرف
بضراوة……
“بس تلف الدنيا وبعد سبعة وعشرين سنة تظهري تاني في حياتي بس عشان تاخدي مني كل حاجة
وترجعيني تاني لنقطة الصفر….”
أبتسمت شهد بسخرية مريرة….فقالت إلهام
بضغينة سوداء…
“خطفتي جوز اختي منها…واتجوزتيه بس عشان
تنتقمي مني وطلعيني من البيت وتبقي انتي الكل في الكل…..”
سالتها شهد بنظرات متبلدة….
“سيبك من ده دلوقتي… وقوليلي يزن ابن مسعد
ولا ابن عثمان ؟!….”
جحظت عينا إلهام بصدمة….
“اي اللي بتقولي ده انتي بتخرفي….”
اومات شهد بنظرة باردة وهي في أوج هدوءها
عندما استأنفت كلامها….
“مش عارفه اصلي مستغربة شوية انك بعد السنين
دي كلها مش معاكي غيره…كان ممكن تجيبي عيال اكتر تكوش على الثروة المهولة دي….اللي خايفه عليها اوي كده….”
“يزن جه بعد كذا عملية حقن مجهري…..”قالتها إلهام بوجها ممتقع ثم رمقتها بشراسة كـنمرة تدافع عن
صيدتها !!….
“انا عايزاكي تشيلي ابني من دماغك….ومدخلهوش
في قصة انتقامك دي….”
قالت شهد باقتضاب بارد…..
“مين قالك اني بفكر انتقم منك في إبنك…مش في
دماغي…بس اهتمامه ونظراته ليا غريبة عشان كده
سالتك هو ابن مين…..”
إبتسمت إلهام باحتقار….
“ولو فعلا كده هقوله يعني انه يبقا ابن عثمان…
اي التفكير ده….”
هتفت شهد بصلابة…..
“هو مش ابنه وانا متاكده لكن حبيت اتأكد أكتر…”
القت إلهام سجارتها أسفل حذاؤها ودعست
عليها ثم وقفت وجها لوجه امام شهد لتقول
بثقة….
“يزن ابن مسعد الصاوي….مفيش راجل لمسني
غيره…..ابوكي لو كان طال مني شعره مكنش طلق
امك عشان يتجوزني…. ”
اومات شهد براسها وهي تبصق في وجهها الكلمات بروحٍ باردة…..
“صح وده ذكاء منك….نرجع بقا لبداية الكلام انتي
قولتي اني سرقت جوز اختك…إزاي يعني انتي شيفاني زيك بريل على اي راجل متجوز…”
جزت إلهام على اسنانها وهي تمسك ذراع
شهد بغضب…..
“احترمي نفسك….انتي متفرقيش عني حاجة…انتي
كمان لفيتي على عاصم عشان يتجوزك طمع في
ماله..”
توهجت عينا شهد بومض متوحش وهي
تصفع بالكلمات…..
“ليه سحرتله زي ما سحرتي لعثمان الدسوقي..عشان
تلهفيه من مراته وعياله…انتي مش مكسوفه من نفسك دمرتي حياة عيلة بحالها عشان توصلي
للقرف اللي في دماغك… ”
سحبت ذراعها من بين يد إلهام وهي تضيف
بتقزز…..
“وجايه بعد دا كل تحاسبيني….وبتتهميني كمان اني سرقته من اختك…أختك اللي هي اصلا مطلقه منه من قبل حتى ما يقابلني…..”
صرخت إلهام كنمر جريح….
“كان هيرجعلها لولا انك ظهرتي في حياته…”
تخصرة شهد وهي تكيدها بالكلمات….
“طب مرجعلهاش ليه…اقولك انا عشان حبني وفضلني عليها….مش عشان هو استرخص زي ما بتقولي لا عشان أستنضف……”
ارتفعت وتيرة انفاس الهام بعصبية امام
عينا شهد المستفزتين….
فقالت إلهام بايجاز….
“تاخدي كام وتسبيه ياشهد…انا مستعدة ادفعلك المبلغ اللي تطلبيه…..”
ضحكت شهد باستخفاف…
“قديم اوي الفيلم ده…تاخدي كام !….مش عايزة
حاجة كفي نفسك….”
اخرجت الهام دفتر الشيكات ومسكت القلم
قائلة…..
“مليون تلاته…المبلغ اللي تطلبيه هحطه
قدامك.. ”
عقدت شهد ساعديها امام صدرها
بتململ…
“ريحي نفسك انا لا هبيع ولا هشتري….”
قالت الهام بتهديد
صريح…
“انتي كده بتلعبي بالنار….”
ارتفع حاجب شهد بشك…
“شكلك جاية لحد هنا عشان تهدديني…”
اومات الهام برأسها بجمود….
“ولو جدعه ابعدي عن نفسك الأذى و خدي قرشين واطلبي الطلاق منه….”
حلت شهد عقدة ساعديها متاففة بجزع…
“انا من رايي تاخدي بعضك وتمشي….الكلام ده
لا هيودي ولا هيجيب معايا….”
نظرت إلهام لها بكرهٍ شديد….
“مطلعتيش سهلة أبدًا ياشهد…..”
ضحكت شهد بتهكم مجيبة…..
“هو انتوا سبتوني انا واخواتي نعيش بساهل عشان
نبقا سهلين معاكم او مع غيركم…..”
برقة عينا إلهام بشرٍ…
“يعني ده اخر كلام عندك….”
اقتربت منها شهد خطوة واحده وقالت بالطف
ابتسامة لديها…..
“أول ما اطبع كروت الفرح هسلمك الكارت بنفسي..”
“للأسف ياعروسة مش هتلحقي…..”بملامح تنبأ بشر قالتها إلهام……
فقالت شهد بملامح مات التعبير عليها وبقى
الجمود يطوف فوقها…..
“هقولك الجملة اللي دايما بسمعها من حمزة
في المواقف اللي زي دي…العمر واحد والرب واحد…… وأعلى مافي خيلك اركبيه….”
رمقتها إلهام باشمئزاز وخرجت من الشرفة
بخطوات سريعة غاضبة….فقالت شهد
من خلفها ببرود…..
“ابقي زورينا بقا… اديكي عرفتي السكة…”
وقفت شهد تاخذ انفاسها بصعوبة وكانها عادت للتو
من معركة مميته….. نظرت للبعيد بملامح متبلدة ونظرات باردة….
لم تنكر انها خافت من تهديدها فهي قادرة على النتفيذ ايا كان مخططها ستقوم به بعد ان تضع
رزمة من المال في حوزة المنفذ……
نظرت للسماء لدقائق ثم تراجعت عن شعور الخوف بتدريج وهي تظن بالله الخير داعيه ان ينجيها من كيد الظالمين…….
وجدت من يعانق خصرها من الخلف طابع قبلة
طويلة على خدها… هامسًا بعاطفة جارفة…
“حبيبتي سرحانة في إيه….”
“اكيد فيك…..” خفق قلبها عائدا للحياة باقصى
سرعة وهي تبتسم برقة له مستديرة إليه
لتواجه عيناه ….
“اتأخرت كدا ليه….كل ده في السكة….”
داعب شعرها وشرد في جمالها وهو
يخبرها….
“فيه عطله على الطريق وقفت شوية على ما
المرور أدخل…..”
قالت شهد بحياء وهي تهرب من محور
عيناه…. “شوفت الشقة….”
هز راسه وهو يسالها باهتمام….
“يعني من برا كده…أول ما دخلت سألت عليكي
آلاء قالتلي انك هنا…وقفه ليه كده في حد من
العمال ضايقك….”
هزت راسها بنفي وهي تتحدث بثبات….
“لا…بس مرات عمك كانت هنا…..فوقفنا اتكلمنا هنا
شوية وبعدين مشيت….”
قطب عاصم حاجباه
باستغراب…
“ام يزن….اي اللي جابها….”
قالت بفطن… “جايه تشوف الشقة وتبركلنا…”
ضاقت عينا عاصم بشك وهو يتأملها
عن كثب…..
“شكلها قالتلك حاجة ضايقتك…مش كده باين عليكي..”
هزت شهد كتفيها مجيبة….
“محصلش بس باين انها مضايقه ومش حباني…
أكيد عشان أختها… ”
ثم بللت شفتيها وهي تنظر لعينا عاصم بعمق وكانها تحاول قراءة الاجابة قبل ان تلقي سؤالها…..
“عاصم هو انت ممكن ترجع لرفيدة تاني…..”
انكمشت ملامح عاصم باستهجان….
“اي السؤال الغبي ده…في واحده تسال جوزها انت
هترجع لطلقتك ولا لا…”
“خدني على قد عقلي وجاوبني….”
تاففت شهد بنفاذ صبر وصدرها يشتعل بالغضب والغيرة….فليس سهل عليها ان تكون زوجة لرجلا
سبق له الزواج من غيرها الأمر يزعحها بشدة…
ومع ذلك تحاول إلا تظهر بصورة المرأه الغيورة
الضعيفة امام مشاعرها ومن تحب !…
زم عاصم شفتيه مستهجنًا….
“اوقات بتبقا دماغك كبيرة وتوزن بلد… واوقات بتخيبي…..”
لمعة عينا شهد بالعنفوان فرفعت وجهها الابي..
ممتنعة…
“انا مبحبش الأسلوب ده في الكلام كان ممكن ترد
ببساطه على سؤالي…مش مستاهله كل الحمقه
دي…..”
زفر عاصم بنفاذ صبر انها لم تصنع من لوحة ثلج فقط بل راسها كالفولاذ الصلب يصعب إختراقه ولا يلين إلا اذا قبلها الآن وسحق شفتيها بقوة !!….
وللأسف لن يستطيع هنا…
“لا إله إلا الله…اي اللي هخليني ارجعلها يابنت
الناس وانتي على ذمتي ما كان من الأول…..”
بعسليتين متشككة سالته….
“يعني انت نسيتها….مبقتش فاكر لها اي حاجة..”
تحلى بالصبر قليلا وهو يجيبها….
“صفحة واتقفلت ياشهد….ومفيش حد في حياتي
وقلبي غيرك….هي إلهام قالتلك اي بظبط…”
أسبلت اهدابها وهي تقول مذعنة…
“خبطت شوية بالكلام بس انا وقفتها عند حدها…”
سالها باهتمام أكبر….. “كلام زي إيه يعني؟….”
هربت من السؤال بفطنة…..
“كلام خايب ملوش معنى….يعني تلقيح من تحت
لتحت…..”
مط عاصم شفتيه وهو ينظر إليها قليلا ثم قال
بعد لحظات من الصمت….
“انسي ياشهد الهام مش العقبة اللي هتبقا في حياتنا…..ولا رفضها هيأثر على حاجه بينا دي
حيالله مرات عمي….يعني قبولها من رفضها مش هيزدنا ولا هينقصنا…. ”
رات شهد الصدق مسطور في عيناه الحانية
في النظر إليها فبلعت ريقها وهي تراه يمسد
على وجنتها برفق قائلا بعاطفة جياشة امامها
تفقد اسلحتها وتقع جميع الاقنعة عن وجهها…
“اطمني ياشهد انا حاليا مش شايف ست غيرك..ولا
عايز من الدنيا غيرك….فارتاحي ياست الحُسن وطمني قلبك من ناحيتي….”
سحبها الى احضانه فوضعت راسها على صدره
القوي مغمضة عينيها بضعف وخوفًا من القادم….
فيبدو ان الحرب الشعواء ستبدأ مجددًا والماضي
المخبئ سيبدأ بالخروج من صندوقة الأسود !…
………………………………………………………….
وقفت في مطبخ المطعم بين الفتيات تعمل بهمة وبشغف عال كما دوما تفعل…. عندما تبدأ الطهي تنسى كل شيء إلا مقلاتها وبهارتها الزكية ، ووهج النيران عندما يبدأ بنضج الطعام امام عيناها….
كيف ستتوقف عن عملها وتغلق باب زرقها بيدها هل ستنسى حلمها وتنساق خلف الحب والزواج كالكثيرات فتقع في هوة الخذلان للمرة الثانية…..
لماذا تظن به السوء دومًا ؟!…
ربما لانها تخاف من روعة الحب معه ، تخشى ان تعتاد الأمر فتاخذ الصدمة الكبرى كما حدث
مع أمها
عنوة عنها تضع علاقتهما على المحك متوقعة السقوط في اي لحظة…..
لكنه يخيب ظنها بنظرة واحده من عيناه…فتجر اذيال الخيبة وهي سعيدة !….
وقفت خلود جوارها تسحبها من قوقعة الصمت بـ
“شهد…. بشير عايزك برا….في أوردر من الطلبات رجع.. بيقول ان صحبه رفض يستلمه لانه ناقص صنف….”
انعقد حاجباها بتساؤل..”ومين اللي نسى يحطه….”
ضحكت خلود مجيبة.. “تصوري انتي….”
ابتسمت شهد بصدمة… “معقولة….”
تنهدت خلود باستياء قائلة….
“دي تاني مرة تحصل منك ياعروسة..قولتلك خدي أجازة من دلوقتي عشان تفوقي كده وتركزي في حياتك الجاية بذمتك في عروسة قبل فرحها بكام يوم تيجي تشتغل وسط البصل والطبيخ….إيه ما بتزهقيش… ”
هزت شهد راسها بنفي وهي تقلب الطعام
بالمعلقة…..
“لو بزهق هدرس المجال دا ليه…وهشتغل فيه ليه بعد التخرج…..”
قالت خلود بفتور….
“حتى لو بتحبيه….أحيانًا الواحد بيفضل يحب
لحد ما يزهق……”
سالتها شهد بلؤم… “على كده زهقتي من بشير….”
“يالهوي هو انا اقدر دا عشرت عُمر…..”قالتها خلود
بعينين تلمع بالحب….
فتبسمت شهد بتفهم….
“اهو علاقتك ببشير كده عمله زي علاقتي بالمطبخ وشغلي فيه…..واخدين بعض عن حب وبقالنا سنين مع بعض زي المتجوزين بظبط…..”
لكزتها خلود بمناغشة…
“كده المعلم عاصم هيبدأ يغير من شغلك….”
مطت شهد شفتيها بسأم….
“هو بيغير فعلا مش لسه هيبدأ….سوي الاكل اللي على النار ده على ما اجي…..”
نزعت المريول عن خصرها وهي تنظر للفتيات
العاملات قائلة بأمر…..
“يلا يابنات شده حلكم كده…عندنا كذا اوردار مستعجل.. ”
خرجت شهد الى بشير الذي استقبلها بوجه مقلوب
قائلا بتذمر…..
“لما اروح مشوار بعيد زي دا ياست شهد…وفي
الاخر إرجع قفايه يقمر عيش والزبون ميرضاش يستلم الاوردر والاكل يرجع ويبرد كمان احاسب
مين انا بقا….”
قالت شهد بصوتٍ محتقن بالحرج…
“حسبني انا يابشير بصراحة انا اللي طلعت
الاوردر…. ونسيت احط الطاجن فيه..معلش
يابشير غصب عني…”
ترجع العبس عن وجه بشير بتدريج وتمالك
اعصابه بعد ان علم انها الفاعلة…فقال بحرج
يضاهيها….
“ولا يهمك ياست شهد… انا افتكرت واحده من البنات اللي جوا…متعتذريش دا انتي صاحبة
المكان وكلنا تحت أمرك وشاغلين عندك..”
انكمشت ملامح شهد بعدم رضا وقالت
باستنكار…..
“اي اللي بتقوله ده يابشير دا احنا عشرت سنين… وشغالين سوا مفيش حد شغال عند التاني…دخل الاوردر لحد من البنات يظبطه ويسخن الاكل من تاني…. وانا هكلم الزبون اعتذرله….الحمدلله انه
زبون قديم وعارف شغلنا كويس… ”
اوما بشير براسه ودلف الى الداخل فوقفت شهد خارج المطعم تجري اتصال بهذا الزبون وعيناها على الصاغة التي تفصلها عنها محل مغلق….
لم ياتي عاصم اليوم فضل العمل في ورشة البيت فهناك عدة طلبات يود ان ينتهي منها ويسلمها
للزبائن قبل ان يأخذ الإجازة……
انهت شهد المكالمة بعد جدال طال لمدة نصف ساعة مع زبون قديم لديهم ، ورغم ذلك لم يتوقف عن الثرثرة والتناقد برغم انها أول غلطة لهم لكنه لم
يكن رحيم أبدًا…
هكذآ هما الزبائن خصوصًا أصحاب الطبقة المخملية لا يوجد تهاون أبدًا في التعامل مع اي تقصير يتعرضا اليه ولو عن طريق الخطأ !…
لكنها بأسلوب سلسل لبق سيطرة على الموقف واغلقت بعد جدال اصابها بالصداع واستنزف
الكثير من قدرة تحملها أليوم…..
استدارت شهد تعود ادراجها حيث المطبخ فرأت احد الزبائن الجالس خلف أحد الطاولات وحيدًا يصرخ وهي يبصق الأكل من فمه….
توقفت شهد بصدمة غير مستوعبة بعد ما يحدث…
فكانت الخطوة الثانية صراخ الرجل قائلا بهلع امام
الزبائن والعاملات في المطعم….
“بطني بتتقطع انتوا حطين إيه في الأكل سم
اااااه…انتوا بتاكلونا ولا بتسممونا…..اااااااه بطني…حد يطلب ليا الاسعاف البوليس انا
هقفلكم المطعم ده حالا…”
تقدمت منه شهد وسط تجمهر الناس على صوته
وعويله قائلة بهدوء….
“اهدى يا أستاذ ملهوش لازمه اللي بتعملوا ده…المطعم بتاعنا معلهوش غبار احنا فاتحين
هنا بقالنا شهور والناس كلها بتحلف بنضافة
المكان والاكل فيه……”
تحدث الرجل بعصبية وهو يتألم…
“يعني انا بكدب بقولك بطني بتتقطع بموت…الاكل فيه حاجه….”
قالت شهد بغضب….
“مش معنى ان بطنك وجعاك يبقا من اكلنا….”
تقدم الرجل منها وهو ينوي
بطشها…..
“أمال منين من عند امي…..”
وقف بشير حائلا بينهما وهو يوجه حديثه
للرجل بحدة….
“انت هتضربها ولا إيه ما تقف معوج واتكلم عدل
ياجدع انت…”
صرخ الرجل مهللا والالم يفتك به…..
“اه انتوا عصابة بقا…مش عايزني اتكلم وقول…بطني
بتتقطع ياعالم ياهوو جبولي اسعاف دكتور….اطلبوا
البوليس ااااااااااااه……”
وقع الرجل أرضًا باعياء صارخًا من بطنه ولم يبدو عليه أبدًا انه يدعي ذلك فكان واضح انه يتلوى من شدة الوجع…
ما حدث بعدها كان كافلام الرسوم المتحركة خارج عن المنطق فقد اتت سيارة الاسعاف ومن بعدها بساعة اتت الشرطة وأخذت شهد باعتبارها صاحبة المكان والتي تديره
وقد أثبتت التحليلات بان الرجل تسمم فعلا في مطعمها….
وكان تحت هذا علامة استفهام كبرى ؟!…
رفعت خلود الهاتف قائلة بابتسامة واسعة…
“اللي طلبتيه حصل يامدام إلهام وبالملي اتنفذ…
فين بقا بقيت المبلغ اللي اتفقنا عليه….”
ضحكة إلهام على الناحية الأخرى قائلة بتشفي…
(اللي تطلبي ياخوخة….إحنا هيبقا في بينا شغل
كبير أوي…بما انك صاحبتها وبير اسرارها….)
قالت خلود بطمع……
“اللي تؤمري بيه يامدام…..طالما في الآخر هتراضيني…”
ضحكة إلهام بميوعة…..
(من الناحية دي اطمني قوي هراضيكي..)
انزلت خلود الهاتف وهي تتنهد بارتياح…ثم
تبرمت بعد ان وخزها ضميرها جراء ما فعلته
في صديقة عمرها…. فبررت الوضع بوهن…
“غصب عني ياشهد…. الحوجه مُرة يا اختي….”
قالوا أحد الحكماء : إحذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة ، فإن انقلب الصديق فهو أعلم بالمضرة !….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الحب أولا)

‫6 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى