روايات

رواية أولاد الجبالي الجزء الثالث الفصل الرابع عشر 14 بقلم شيماء سعيد

رواية أولاد الجبالي الجزء الثالث الفصل الرابع عشر 14 بقلم شيماء سعيد

رواية أولاد الجبالي الجزء الثالث الجزء الرابع عشر

رواية أولاد الجبالي الجزء الثالث البارت الرابع عشر

أولاد الجبالي الجزء الثالث
أولاد الجبالي الجزء الثالث

رواية أولاد الجبالي الجزء الثالث الحلقة الرابعة عشر

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله 🌺
هناك أشياء ليست للتجارب ….كبرياء الإنسان …كرامته ….عزة نفسه …كل من يحاول العبث بها سيأتيه رد لا يتمناه ….إحفظوا للناس كبرياء نفوسهم و لا تتلعبوا بمشاعرهم ، فلكل إنسان قيمة في هذه الحياة ….لا يريد لأي أحد أن ينتقص منها ….
………
ظن جاسر وحسنية أن الطارق الذى أتى إليهم هو أخيه الصغير جاد ، فاستشاط غضبا .
ثم أتجه لفتح الباب وهو يضرب بقدميه فى الأرض من الغضب ، وأدار مقبض الباب بيد مرتجفة من شدة الإنفعال ليهدر : أنت چيت تانى ليه يااااا ولكنه لم يكمل كلمته لإنه رأى ….؟
أمامه رجل ملثم ، فضيق عينيه جاسر مدهشا مردفا : أنت مين يا جدع أنت ؟
ليظهر من ورائه زرارة الذى يعلمه جيدا جاسر فقال بإندهاش : زرارة ، أنت تعرف الراجل ده ؟
زرارة بمكر : ايوه وأنت كمان تعرفه زين وهتعرف لما بس ندخل چوه ، بسرعة بس وسعلنا أكده وأجفل الباب ورانا .
تعجب جاسر ثم ألتفت الى حسنية مشيرا لها ، خشى چوه يا بت دلوك .
طالعت حسنية بطرف عينيها ذلك الملثم بإندهاش مردفة : يا ترى مين ده ؟
وعندما حدقها جاسر بغضب لوقوفها مكانها ، أسرعت للدخول .
ثم لم يجد جاسر سوى أن يفسح لهم المكان للدخول ، فولج الرجل الملثم الذى وزع نظراته فى كل أركان المنزل بحثا عن التى شغلت قلبه دون أن يراها .
ثم أتبعه زرارة ، حتى جلسا فى مندرة الضيوف .
دب القلق والتوتر فى قلب جاسر وهو ينظر إلى نظرة عين ذلك الملثم الحادة ، فحاول الإبتسام رغما عنه مردفا : مش بجينا لحالنا اهو ، تقدر تشيل الشال ده وتعرفنى أنت مين ؟
فأزال حمدى اللثام الذى على وجهه مبتسما بشر مرددا بصوت يشبه فحيح الأفعى : كيفك يا جاسر يا ابن الغالى حمدان الجبالى ؟
اتسعت عين جاسر من الصدمة ووقف مذهولا مرددا : حمدى !!
_ كيف ده ، أنت خرجت إزاى ، ولا تكونش ….
ليقاطعه حمدى بثبات مكملا كلمته : ايوه هى دى ، هربت .
واجعد إكده واهدى ومتخافش ، عشان نعرف تكلم عاد فى المفيد .
فجلس جاسر وصدره يعلو ويهبط من القلق ، ليتحدث زرارة :
_ إيه يا راچل معتزمش علينا حتى بكوباية شاى ، ده انت أبوك ابو الكرم .
جاسر بحرج : اه طبعا ، لا مؤاخذة يعنى ، المفاجأة خلتنى مش دارى بحالى .
وطبعا هنضيفكم واحنا فى الساعة لما يچلنا الريس حمدى بحاله .
ليقوم بالنداء على حسنية بعد ذلك : أنتِ يا بت ، الشاى للمعلمين بسرعة .
إستمعت حسنية لقوله فأجابت بصوت رخيم داعب قلب حمدى : من عينيه التنين ، حالا عيكون عنديكم .
فهمس حمدى لذاته : يا عينى على ده صوت ، يشبه صوت الكروان أكده .
ودخل جلبى كأنها عتجولى عحبك يا حمدى .
أمال شكلها إيه عاد المهلبية دى !!
ليرحب جاسر رغما عنه خوفا منه : يا مرحب يا معلم جاسر ، نورت الدار .
حمدى بمكر : نور بأهلها يا جاسر .
وطبعا زمانك عتسئل نفسيك أنا چى ليه ؟
أبتلع جاسر غصة فى حلقه مردفا : مچيتك على راسى يا معلم حمدى ، بس أكيد عايز أعرف ليه ؟
فتدخل زرارة والإبتسامة تعلو وجهه : عشان الشغل طبعا يا جاسر ، آمال عشان إيه !!
_ سيد الكل حمدى واد عمى ، عايز يعيد أمجاد منصور وحمدان الچبالى من جديد وعشان إكده چينا ، عشان نحط إيدينا فى إيد بعض ونكون إيد واحدة ونبتدى الشغل التجيل على مية بيضة .
_ ها إيه جولك يا چاسر ، ولا عچبك الشغل الجطاعى اللى أنت فيه ده
_ ولى چى منيه يدوبك ميساويش تعبك فيه .
فتراجع جاسر للوراء وأستند بظهره على مقعده ومسح بيده على شعره وأخذ يقلب حديث زرارة فى عقله ولكنه شعر بغصة تجتاح قلبه فغلب عليه التردد وظهر ذلك فى قوله : بس يا زرارة !!
ليجتاح الغضب وجهه حمدى ووقف منفعلا وصاح بقوله : بس أيه يا واد يا چاسر ، هو أنت ليك رأى جصادى ومش عايز تشتغل معايا ولا ايه ؟
وكانت حسنية من وراء الستار تستمع إلى كل كلمة كانت بينهم وتختلس النظر إليهم وخصوصا حمدى فحدثت ذاتها : الراچل ده شكله هيبة جوى ومالى مركزه وكلمته موزونة ، وواثق من نفسه عشان أكيد عنده خبرة وعينفعنا أكيد فى اللى چى .
_ ده غير شكله حليوة جوى ، وطول بعرض أكده ، ده جاسر جمبه مش باين ويا بختها مرته بيه.
أدى الرجالة ولا بلاش !
اللى تملى العين والجلب ، والست معاه تتهنى وتحس إنها ملكت الدنيا معاه .
_ ولما أدخل أجول كلمتى وأراضيه فى اللى عايزه ، عشان جاسر شكله عيطينها ومش فاهم مصلحته وعقله على قده ..
فحملت حسنية الشاى ودلفت للداخل ، تتغنج فى مشيتها ، تحدق بعينيها حمدى بنظرة إعجاب ،مرددة بإبتسامة هادئة: العوافى عليكم .
_ أهلا وسهلا نورتونا والله .
فسحب حمدى نفسا مطولا وهو يطالعها عن كثب من مخمص قدميها إلى رأسها ثم وجهها ذو البشرة البيضاء الفاتنة وعينيها شديدة السواد الواسعة ذات الاهداب الطويلة .
فاتسعت عينيه وفتح فمه ببلاهة ، ولاحظت حسنية نظراته إليها ، فزدادت من ميوعتها وتقدمت منه وانحنت بعض الشىء لتعطيه كوبه من الشاى وهى تنظر إلى عينيه مباشرةً مردفة : إتفضل يا سيد الناس ؟
طالعها حمدى بشغف ودقق النظر فى ملامحها لكى يحفرها فى ذاكرته جيدا ليتخيلها بعد ذلك وحدث نفسه : يا لوز أنتِ يا لوز .
_ غزال يا اخواتى ، لهطة جشطة ، عسل نحل حاچة أكده
_ وخسارة فعلا فى اللطع اللى اسمه جاسر ده .
وانا أحق بيها منيه .
ثم مد يده المرتجفة من إطالة النظر إليها ، فكاد الكوب أن يسقط منه ، فغمزته حسنية مستطردة بدلال : خلى بالك يا سيد الناس عشان الشاى سخن .
فتنهد حمدى بحرارة : مش قدى يا بت يا حسنية أنتِ .
‌‏لا أستطيع أن أصف ما أشعر به معك ، كل ما أستطيع قوله أنني أشعر بك هنا في رُوحي.
لاحظ جاسر نظرات حمدى لها ، فاندلعت الغيرة فى قلبه ووقف هادرا بقوله : ما تخلصى يا بت وتخشى چوه ، خلينى أعرف اتكلم مع الرچالة .
فاعتدلت حسنية واقفة ، وحدقت جاسر بغضب مردفة : حاضر يا جاسر ، بس كنت عايزة أجول حاچة.
_ سى حمدى راچل تمام وعنديه خبرة فى شغلنا ، وده يخلينا نعلى ونعلى وعشان إكده انا موافقة إننا نشتغل معاه وأظن أنت كمان معندكش مانع .
فابتسم حمدى بغرور وغمزها وهمس : عفارم عليكِ يا بت شكلك عتفهمى عن الطور اللى مچوزاه ده .
_ فصك جاسر على أسنانه بغيظ وقبض على يده بقوة ، لينفث غضبه مردفا : انا مش جولتلك خشى چوه يا بت وسبينا أنا اتكلم مع الرچالة وتوفقى ولا متوفقيش ده شىء ميخصكيش .
فحدقته بغضب مرددة بإنفعال : كيف ده !
_ مش مالنا كلنا وليه حق أتكلم فيه واتكلم ونص كمان .
فتقدم منها جاسر بعد أن شعر بغليان الدماء فى عروقه ورفع يده ليصفعها ، فوضعت حسنية يدها على وجهها بذعر ، وعندما هوى بيده ليصفعها وجد يد حمدى تمسكها بقوة .
فتألم جاسر وطالعه بغضب ، فحدقه حمدى بنظرة نارية وبصوت يشبه فحيح الأفعى قال : إياك تمد يدك عليها أنت فاهم .
_ وإلا عتشوف منى وش تانى خالص يا ابن حمدان .
_ وجول على نفسك يا رحمن يا رحيم .
فارتجفت جاسر وامتلكه الرعب من حمدى ، فتراجع ولاذ بالصمت .
فنظرت حسنية إلى حمدى بإمتنان ، ثم أشار حمدى إلى جاسر قائلا : ودلوك نقرء الفاتحة على شغلنا مع بعض يا جاسر .
_ الفاتحة عشان محدش منينا يخون التانى وتكون كلمتنا دلوك كلمة راچل واحد متتغيرش .
ففتح جاسر فمه ببلاهة ، فلكزته حسنية مردفة : ما تقرء يا جاسر .
والفاتحة حديث حق ، أرادوا بيه الباطل للأسف .
وعندما انتهوا باغته جاسر بقوله : بس دلوك فيه مشكلة عندى يا معلم حمدى ، قبل ما نتكلم فى الشغل .
طالعه حمدى بإنتباه مردفا : وهى إيه المشكلة دى ؟
_ بس بعون الله مفيش مشكلة عندى ملهاش حل .
فحدقته حسنية بإعجاب وبادلها النظرة محدثا نفسه : وأنتِ أطعم وأحلى مشكلة قابلتها فى حياتى وعتتحل قريب جوى .
زفر جاسر بضيق وقال : البضاعة اللى عندى مش عارف أصرفها دلوك ، عشان أنا كنت دسسها فى مخازن أخوى جابر لما كنت اشتغل معاه من غير ما يدرى ، لكن دلوك هو طردنى ومش خابر هعتب كيف هناك بعد اللى عمله .
_ وإكده شغلى هيوقف عقبال ما فكر كيف هطلع البضاعة من إهناك .
فضيق حمدان عينيه بتفكير ، ثم لاحت أمام عينيه فكرة تطيحه من أمامه بسهولة لينفرد بتلك الحسناء الذى أذهبت بعقله من أول نظرة .
فرفع حمدى كوب الشاى إلى فمه وأرتشف منه بتلذذ وأشار الى حسنية : الله على دى كوباية شاى ، تسلم الأيادي.
حسنية بدلال : تسلم يا سيد الرچالة .
فتلون وجه جاسر ولم يستطع تحمل نظرات حمدى وكلامه الى حسنية فهب واقفا مجددا ، وأمسك بذراع حسنية ودفعه بقوله : مالك أكده واقفة زى خيال المآتة عاد ، خشى إترزعى چوه .
طالعته حسنية بغضب : ما براحة عاد يا جاسر ، وماشى عتنيل أخش چوه ، وورينى عتصرف كيف مع الرچالة بمخك الضلم ده .
ثم خطت خطواتها للداخل ، وتبعها حمدى بنظراته ثم نظر إلى جاسر بسخط واستطرد : بص يا واد حمدان الجبالى .
_ إستعوض ربنا فى البضاعة دى ، وبلغ عن أخوك اللى عامل نفسه مستشيخ ده واكده تكون خدت بتارك منيه .
جاسر بغضب : واشتغل كيف تانى وانا معنديش سيولة تكفى وكنت منتظر أبيع البضاعة دى .
حمدى مشيرا إلى رقبته : أنا رقبتى سدادة ، متشلش هم عاد .
ده أنت ولد الغالى حمدان .
وحينها ابتسم جاسر وهدئت نفسه بعد أن غزى الطمع كيانه وأنساه أخيه الذى لم يرى منه غير كل خير .
ولم يفكر سوى فى نفسه وما سيعود عليه من مشاركة ذلك الشيطان حمدى .
********
تحدث جابر وبانة كثيرا واطمئنت بانة لوجوده بجانبها وطالعته بصمت وهو يرويها من لسانه العذب بكل كلمات الحب .
أحبك قالها حرفي
‏وردد قولها طرفي
‏وكم حاولت مجتهدا
‏أواري الشوق في جوفي
‏فتفضح أعيني حبي
‏وتبدي كل ما أخفي
‏أحبك قلتها ألفاً
‏وزاد القلب عن ألفي
‏ألم تسمع نداءاتي؟
‏ألا تحنو أيا لهفي!
‏ألا تغزوك أشواقي!
‏وقلبك يرتجي طيفي!
‏فهل تهدي فؤادك لي
‏لأسكنه بلا خوف؟💙
فحدثت نفسها بانة : ياااه يا چابر ، أنت لحالك أكده إتجمعت كل نعم ربنا فيك ،مش خابرة من غيرك كنت عملت إيه لحالى .
ومحدش عيتحملنى زييك ، حتى أمى عتغضب منى ،مش خابرة ليه !
_ عشان يعنى مش منافقة وأجول الحق وميهمنيش حد عاد .
لاحظ جابر نظراتها إليه المطولة ، التى تخرج قلوبا امتلئت بها الحجرة ، فأمسك يديها بلطف قائلا : ها يا جلبى ، مش عتجوليلى عاد مين عيضايقك وليه ؟
_ وأنتِ عملتى ايه عاد عشان يعملوا أكده ؟
اصطنعت بانة الحزن واستكانت قائلة : هو انا بردك أقدر اعمل حاچة تزعل حد منى ،ده انا مش بعرف أطلع من بوجى غير الكلمة الطيبة ، بس أجول ايه !
_ معيطمرش فى حد ابدا .
فوضع جابر يده على فمه ليخفى ضحكته حتى لا تغضب وهمس : أيون ،انتِ عتجوليلى ،ما أنا مچرب .
لاحظت بانة إبتسامته فصكت على أسنانها غيظا لتقوم غاضبة مردفة : أنت كمان زييهم عتضحك عليه وأنا اللى جولت أنت غير .
_ ماشى يا جابر ، خليك بجا لحالك وانا عنام عشان إبنك عيسهرنى طول الليل .
فأمسك جابر بيدها ورفعها لفمه لي..قبلها بحنو قائلا : لا أنا مجدرش على زعل الجميل عاد .
ثم جذب يدها وأجلسها على فخذه ، ثم قبل جبينها بحنو : مالك بس يا جلبى ، جوليلى إيه مزعلك طيب منيهم ؟
ذابت كل حصون بانة جراء معاملة جابر لها الحنونة ، فلم تستطع الصمود فطوقت عنقه واحض…نته هامسة : مفيش زعل طول ما أنا فى حاسه إنى فى جلبك وچمبك وروحى هى روحك يا حبيبى .
_ وعتنسينى العالم كله ، ومبجاش عايزة من الدنيا دى غيرك .
_ فابتسم باسم و عنا….قها بحب وإسترسل بعشق جارف : ياااه يا جلب جابر .
_ مجدرش أنا اتحمل الكلام الحلو ده كلاته .
_ أنا بحبك جوى يا عيون جابر .
ليحملها بعد ذلك بهدوء ، فضحكت بانة ودفنت رأسها فى ع نقه ثم وضعها برفق على الفراش .
وما كاد يجلس بجانبها حتى استمع الى طرق على الباب ، فعبس بوجهه قائلا بنفور : هو ده وجته بردك .
فأشاحت بانة بيدها مردفة : سيبك من اللى عيخبط كانك مش سمعه وتعالى ريح ، أنت تعبان .
فغمزها جابر هامسا بحب وهو يفترش التخت : على جوالك خلى اللى يخلط يهبط .
ولكنه اعتدل فجأة مرة أخرى عندما سمع صوت جليلة من الخارج : يا چابر بيه ، يا چابر بيه .
_ أخوك جاد تحت عايزك وعيبكى معرفش ليه
_ جطع جلبى والله يا كبدى .
فهمس جابر بفزع : اخوى جاد ، ثم صاح بقوله : انا چى حالا يا خالة ، إسبقينى أنتِ.
جليلة : حاضر يا بيه ، متعوجش بس عشان عيبكى يا حبة عينى .
جابر : لا جوليله انا نازل ، عحط بس الچلبية عليه .
فقام جابر ، ليرتدى جلبابه الصعيدى ، فتلوت بانة فى الفراش وضغطت على شفتيها بغيظ ثم اعتدلت وجلست بإنفعال مردفة من بين أسنانها : هو ده وقت أخوك يچى فيه أكده يا جابر !
_ وكمان من غير ما يكلمك الأول على التلفون .
_ ابجا علمه أصول الزيارة لما تنزل .
أوجعته جابر كلمات بانة وشعر بإنخفاض أنفاسه وسكون الدم فى أوردته وكأنه على مشارف الموت ، ثم التفت اليها وحدقها بحزن : ماشى يا بت الأصول ، معلش مهو جاد لساه عيل ، وكمان محلتهوش ولا أبو ولا أم تعلمه الأصول ، فمعلش المرة دى .
إرتبكبت بانة من نظرته تلك ووضعت يدها على فمها بندم. ، فها هى تخطىء مرة أخرى فى أحب الناس إليها .
لتحاول بعد ذلك الوقوف والسير إليه وهو يعدل من وضع جلبابه الذى إرتداه على نحو خاطىء من فزعه على أخيه الصغير .
اقتربت منه بانة وعندما حاولت لمس كتفه ، ابتعد جابر وكان لدغته عقربة .
فارتجفت بانة وضمت يدها مرة أخرى مردفة: جابر انا مش جصدى حاچة ، أنا بس عشان زعلت لما جومت من چمبى .
حرك جابر رأسه بإستياء ثم قال : ولا جصدك مفرجتش يا بت الناس .
_ انا نازل لأخوى أشوفه ماله وانعسى أنتِ براحتك ، متنظرنيش ، عشان لو طولت معاه .
فصكت بانة على أسنانها بغيظ ، ودعست بقدميها الأرض ، فلم يعيرها جابر إهتمام وخرج مسرعا لملاقاة جاد .
ثم نزل السلم سريعا وراه من بعيد قد أحمر وجهه من كثرة البكاء وأستمع إلى شهقاته التى فزعت قلبه ، فاقترب منه مردفا : جااااااد مالك يا حبيب اخوك , ليه عتبكى ؟
_ حوصل ايه ؟
فألقى جاد نفسه فى حضن أخيه ، فشدد جابر من احتضانه حتى يهدىء مردفا : بس إهدى يا حبيبي ، انت دلوك فى حضن اخوك ، ميجدرش حد يأذيك .
فهدىء جاد قليلا وابتعد عنه قائلا : أنا مش رايد أعيش تانى مع الحية حسنية وجاسر اخوى .
_ده غير إنه طردنى ، تصور يا اخوى طردنى من بيت ابوى وعشان مين مرته العقربة حسنية اللى ماشية على حل شعرها .
فوضع جابر يده على وجهه واستغفر : استغفر الله العظيم.
ولا حول ولا قوة الا بالله.
_ الله يهديك يا جاسر ، وياريته كان عمل بنصحتى لما جولتله بلاش البت دى ، واهو اللى كنت خايف منيه حوصل وكمان مش راچل وبدل ما يطلجها هيطردك .
فبكى جاد : ما هو مش خابر اللى هتعمله ، دى كمان أتبلت عليه ظلم إنى هتجسس عليها وهى عتغير خلجاتها ، وعشان كده ضربنى وطردنى .
_ واحلفلك بإيه يا خويا ،انى معلتش أكده ، ده انا تربيتك وبتحفظنى كتاب الله وعصلى معاك صلاة الجماعة .
فاحتضنه جابر مرة أخرى وتمتم بحزن : بس يا اخوى أهدى ومتحلفش ، انا مصدجك ، وليه كلام مع جاسر تانى .
جاد بفزع : عتجوله يرجعنى ، لا يا اخوى معيزش أرجع أرجوك وأشوف وش العقربة دى تانى .
_ ولو انت كمان مش عايزنى ، أنا عندى أبات فى الشارع ولا أرجع ليهم ..
فضم جابر وجنتى جابر بيده مردفا بحنو : عتجول ايه يا واد يا عبيط انت !
_ أنت اخوى ويساعك جلبى قبل بيتى ، بس للأسف دى مش بيتى عشان أستضيفك فيه .
جاد بصدمة :يعنى ايه !
عبيت فى الشارع .
جابر : لا يا حبيب أخوك ، انا عطلع أجيب خلجاتى وهنروح أنت وانت المصنع نبيت فيه .
لغاية ما نشوف شوجة صغيرة أكده على جدنا أنا وأنت نعيش فيها سوا .
فتهلل وجه جاد بقوله : ياريت يا اخوى ، وياريت تچيب غيث الصغير يعيش معانا ، عشان أنا عحبه جوى جوى .
فابتسم جابر بمرارة: وهو عيحبك جوى كمان يا جاد .
_ بس انت عارف إنه لساه صغير وعيحتاچ أمه ، لما يكبر شوى ناخده .
فتسائل جاد : هى أبلة بانة مش عتعيش معانا فى الشوجة دى ؟
فحرك جابر رأسه بقهر مردفا : بردك بانة هانم عترضى تسيب الجصر وتيچى تعيش فى شوجة .
_ على الله حكايتك يا جاد ، إحنا هنعيش لحالنا .
فابتسم جاد مردفا بخجل : متأخذنيش يا اخوى ، أكده صوح لحالنا أحسن ، عشان أبلة بانة دى ، دمها تجيل جوى وعتكلم من طرف مناخيرها .
_ وصراحة كان نفسى تچوز واحدة طيبة أكده ، كيف أمك أنت الله يرحمها .
فدمعت عين جابر حين تذكر والدته وحنوها عليه قبل أن يذهب بعقلها المرض .
ليستطرد بقوله : النصيب يا جاد ، مفيش منه مهروب .
ودلوك عسيبك ، هروح أجيب خلجاتى .
وأجعد إهنه بأدب عقبال ما أرچع .
جاد بابتسامة بريئة : حاضر يا اخوى .
******
عاد براء إلى القصر وحديث والدته يدور فى ذهنه عن إظهار اهتمامه بزاد حتى لا يفقدها من بين يديه .
فعزم الأمر تلك الليلة أن تكون ليلة مميزة يستعيد بها لحظاتهم السعيدة التى افتقدوها تلك الأيام نتيجة عنادها وتجاهلها هو .
فولج للقصر ، فوجد جاد الصغير فرحب به قائلا : اهلا يا ابو الشباب الصغير .
فضحك جاد : أهلا بحضرتك يا عمو .
براء : ربنا يحفظك يا حبيبى ، تأمر بأى حاچة قبل ما أطلع .
جاد بخجل : ربى يخليك ، أنا مستنى جابر إخوى .
براء : تمام يا حبيبى ، بعد إذنك .
ثم توجه للأعلى حيث غرفته مع زاد .
فأدار المقبض ، فشعرت زاد به ، فأدرات وجهها للجهة الأخرى على الفراش واصطنعت النوم .
وعندما رأها براء نائمة فزفر بضيق قائلا : يادى الليلة اللى مش فى بالى .
_ أعمل ايه دلوك ، أصحيها عشان نعيش شوية ، ولا أسبها وخلاص ونعمل بالمثل اللى بيجول نوم الظالم عبادة .
استمعت زاد لكلماته تلك فشعرت بغصة فى قلبها وحدثت نفسها بحزن : أنا ظالمة يا براء ، أكده ماشى وربى لأوريك .
استطرد براء : طيب عشوف أكده يمكن تحس على نفسها البعيدة بيه وتقوم لحالها ، لما تسمع صوت الجلبان اللى هعمله فى الأوضة دلوك .
ليتحرك نحو خزينة الملابس ، فيفتحها ويخرج منامته ثم أغلقها بقوة فأصدر صوتا عاليا .
فتجهم وجه زاد محدثة نفسها : يفجعك عفريت أحول يا بعيد .
ثم أخذ براء يدندن ويغنى بصوت عالى :
غلطة ندمان عليها و بقلك و اسمعيها قلبي مش ملك ايدك او لعبة بتلعبيها حسستك بالامان و اديتك الحنان و حجات كتير زمان مقدرتيش تفهميها قلبي.
فصكت زاد على أسنانها بغيظ محدثة نفسها : هو فين الحنان يا بتاع النسوان ، ده مشوفتش بربع جنيه حنان منيك .
اه لو تديني يا براء حبة دلع في رغيف ، كنت وكلتك الهنا كله .
بس متستهلهش عاد .
ليطالعها براء بطرف عينيه لعله يجدها إستيقظت على أثر صوته ، ولكنه وجدها مازالت نائمة ، فانفعل ودبدب بقدميه كالأطفال مردفا : نومها تقيل زى دمها .
_ خلاص أكده شكل الليلة ضاعت فشوش ، لما أدخل أبرد جتتى اللى جايدة نـ.ار دى وأتسبح .
ثم ولج المرحاض غاضبا .
لتعتدل زاد فور دخوله للمرحاض وعلى وجهها ابتسامة ماكرة مردفة : لما تخرچ بس يا براء عتلاقى أحلى مفاچاة تستاهلك يا بتاع النسوان.
يا ترى إيه المفاجأة اللى هتعملها زاد ؟
ويا ترى بانة هتخلى جابر يمشى بسهولة كده من القصر ؟
نختم بدعاء جميل ❤️
الدنيا بتتشقلب في لحظه ،أدعوا ربنا يديم علينا ستره ،ويكفينا شر المصائب وفواجع القدر..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أولاد الجبالي الجزء الثالث)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى