روايات

رواية أنا وزوجاتي الفصل العاشر 10 بقلم دعاء عبدالحميد

رواية أنا وزوجاتي الفصل العاشر 10 بقلم دعاء عبدالحميد

رواية أنا وزوجاتي الجزء العاشر

رواية أنا وزوجاتي البارت العاشر

رواية أنا وزوجاتي الحلقة العاشرة

“أنا وزوجاتي”
الحلقة العاشرة (أريدُ عناقًا)
_____________
“إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ”
إن لم تمنعك صلاتك من الفحشاء فإنك لم تُصلِّ، فلتعيد تفكيرك مرة أخرى وتحسن صلاتك.
_____________
في الخامسة مساء في منزل السيدة رواية كان الجميع يجهز حاله استعدادا لحفل الافتتاح، توجهت رواية إلى غرفة شوق فوجدتها تجلس على الفراش بملابس البيت، سألتها باندهاش:
-إيه يا شوق ملبستيش ليه؟
جاوبتها شوق بهدوء:
-عشان مش هروح.
-نعم؟ مش هتروحي ليه؟
-هروح بصفتي إيه؟
-قومي يا شوق الكل رايح ومفيش حد في البيت، قومي تعالي معانا.
فركت شوق يديها في بعضهما بإحراج وهي تقول:
-ما هو بصراحة كمان معنديش حاجة أروح بيها، مفيش غير اللي أنا جاية بيه ومش مناسب لحفلة كبيرة زي دي.
ابتسمت راوية بحنو وقالت:
-هي دي كل المشكلة؟ أنا هطلع أجيبلك حاجة من عندي تقضي بيها اليوم ومن بكرة ننزل نشتريلك شوية حاجات.
اعترضت شوق بلطف وقالت:
-لا لا ملوش لزوم التعب أنا هستناكم هنا وخلاص، وكمان هدومك بتبقى طويلة عليا.
-يا ستي ملكيش دعوة ادخلي بس الحمام ظبطي نفسك لحد ما أجيلك.
تركتها راوية حوالي خمس دقائق وعادت لها وهي تحمل على ذراعها ملابس أنيقة، وعندما وقفت أمامها قالت بابتسامة عذبة:
-دا بقا فستان يعلم ربنا أنه ما جه على جسمي ولا لبسته حتى، اشتريته وكنت مستعجلة فخدته ومشيت من غير ما أقيسه وأما جيت هنا حاولت ألبسه مدخلش فيا ههه، ومن ساعتها وهو عندي في الدولاب خدي قسيه وشوفيه كدا ولو مش عاجبك أشوفلك واحد تاني.
أمسكته شوق بانبهار وهي لا تصدق أن هناك ملابس بهذه الرقة والجمال، هتفت بسعادة يشوبها بعض الحزن:
-الله! فستان حلو أوي! بس يعني أنا هلبس اللي بيلمع دا؟
تحدثت راوية بجدية:
-وإيه يعني ما تلبسي أنتِ لسة صغيرة، وبعدين أنا جبته أسود عشان متقوليش جوزي مـيت وهلبس ألوان؟
أخذته منها شوق بامتنان وارتدته وللحق كانت غاية في الجمال، رأتها راوية فانبهرت بها وبجمالها وقالت:
-أنا بجد مش مصدقة نفسي، وكأنه اتصنع عشانك، حتى الطول بتاعه مخلي ليه ديل شيك، تعالي بقا ألفّلك الطرحة وأظبطك.
___________
كان يتجهز بفرحة وحماس، ارتدى قميصًا باللون البرتقالي الفاتح وبنطالًا أسود، دخلت والدته بوجه مبتهج وسعادة غير متناهية وهي تقول:
-أخيرا يا نن عيني عشت وشوفتك عريس يا ضنايا، ربنا يتم فرحتك على خير يا رب.
التفت لها صالح بابتسامة وهو يقول بسعادة:
-يا رب يا أمي يا رب، ادعيلي كتير أصل أنا مش مصدق خلاص أني هتجوز اللي اتمنيتها سنين.
-يا رب يا ضنايا يجبر خاطرك وينصرك ويرجعك سالم غانم مجبور الخاطر، بس لو كنت جيت معاك أشاركك اللحظة الحلوة دي وأشوف اللي خطفت قلب ابني واللي طيرت النوم من عينه طول الليل.
قبّل صالح جبين أمّه وهو يقول:
-يا رب يا أمي، بس إن شاء الله ليكِ عليا المرة الجاية هاخدك معايا تتعرفي عليهم، بس أنا النهاردة هقعد مع أبوها وأشوف طلباته إيه، وكمان لسة معرفش هيوافق ولا لأ لما يعرف ظروفي.
-لأ طبعا هيوافق هو حد يقدر يرفضك أنت يا نور عيني؟ هو ميعرفش أخلاقك وطيبة قلبك ولا إيه؟
ضحك صالح على لين قلبها وقال:
-والله أنتِ اللي طيبة يا أمي، هو في حد بيعترف بالأخلاق دلوقت، المهم قوليلي شكلي حلو.
-قمر يا نور عيني ربنا يحفظك من كل عين يا رب.
في نفس التوقيت كانت تتأهب لاستقباله ثم ألقت بفرشاة التجميل أمامها وهي تقول لأمها بحنق:
-يعني بابا قليل لما يخرج حفلات جاي النهاردة بالذات ويخرج وصالح زمانه على وصول؟
هدأتها والدتها التي تجلس على الفراش تتابعها وهي تقول:
-يا حبيبتي اهدي هو زمانه جاي وتلاقي الخروجة دي مهمة عشان كدا خرج.
أمسكت هاجر الهاتف لتتصل به للمرة الثانية عشر ولكن قاطعها رنين جرس الباب فذهبت مسرعة لتفتحه فأوقفتها أمها وهي تمسكها وتقول:
-يا بت اتقلي شوية، اصبري أنا هروح أفتح وأقدمله حاجة لحد ما باباكِ يجي.
جلست هاجر وهي تتأفف على تأخير والدها الذي يصمم على تعكير فرحتها، عادت الأم وسكبت له المشروب البارد ومعه أطباق الحلوى وكادت تدخل له فلحقتها هاجر وأخذت منها ما يُقدّم للضيافة وهي تقول:
-عنك يا ماما أنا هدخله.
دخلت هاجر بخطوات هادئة، وتضع وجهها في الأرض بخجل، أما هو بمجرد أن رآها هبّ واقفًا وأخذ منها ما تحمله، جلس مرة أخرى وجلست هي قبالته، نظر لها باشتياق ولهفة وقال:
-شكلك حلو أوي.
نظرت له بخجل ثم نظرت إلى الأرض مرة أخرى وهي تقول:
-أنت كمان شكلك حلو.
ابتسم وهو يعدل ملابسه وقال بإحراج:
-احم، اشتريته مخصوص عشان أجي بيه، قلت لازم أجيب حاجة جديدة تليق باليوم دا وعشان أشرفك قدام أهلك مع أنها مش أد المقام.
-لأ طبعا متقولش كدا، أنت في نظري أحسن واحد في الدنيا، بس كلفت نفسك أوي.
نظر للحلوى والورود الذي حاول ادّخار ثمنهم منذ أسبوعين بعد ما علم بموافقة والدها على مجيئه لخطبتها وقال:
-ولا كَلَفة ولا حاجة أنتِ تستاهلي أكتر من كدا.
قاطهم دخول والدها الذي فتح باب المنزل بالمفتاح لذا ما احتاج أن يطرق الجرس، قال والدها باستهزاء:
-والله عال عال، العريس قاعد مع بنتي ومعندوش صبر يستنى لحد ما آجي ويتكلم معايا، هو مش من الذوق بردو يا أستاذ لما يكون بيت مفيهوش راجل متدخلوش غير لما راجل البيت يكون موجود؟ ولا أنت متعرفش في الذوق؟
وقفت هاجر بجواره بسرعة وهمست في أذنه:
-خلاص بقا يا بابا عشان خاطري، ماما فتحتله الباب ودخّلِتُه وهو مكنش راضي يدخل غير لما حضرتك تيجي.
قام صالح وسلّم على والد هاجر وهو يعتذر ويقول:
-أنا آسف والله يا عمي حقك عليا أنا لسة داخل قبلك دلوقت.
أومأ أيمن بعدم رضا وجلس ثم أشار لصالح بالجلوس وبدأ معه الحديث قائلا:
– أنت بقا صالح.
جاوبه صالح بهدوء:
-أيوا يا عمي أنا.
نظر له أيمن من أعلى لأسفل باستحقار وهو يعقّب:
-إيه عمي دي. اسمي دكتور أيمن، المهم قولي بتشتغل إيه؟
حك صالح رأسه بإحراج وهو يقول بأسف:
-أنا يا عمي أقصد يا دكتور مش مستقر في شغلانة معينة، بشتغل اللي بقدر عليه وبإذن الله الفترة الجاية هضغط على نفسي أكتر عشان أعيّش بنتك في المستوى اللي هي عايشة فيه ومخليهاش ناقصة أي حاجة، وأنا بفضل الله كمان خريج كلية تجارة، أينعم مش عارف أشتغل بشهادتي بس هحاول أدي دروس خصوصية وأنت عارف بقا الدرس الخصوصي دلوقت بقا بكام، دا الدرس الواحد عامل بتاع ميتين تلتومية جنيه ههه.
تهكّم منه أيمن وهو يقول:
-وهي اللي معاك دي مسميها شهادة؟ بصراحة أنا مش بعترف غير بالطب والهندسة وأحيانا الصيدلة، غير كدا بشوف باقي الكليات ملهاش لازمة.
تنهد صالح بأسى وهو يقول:
-أهو النصيب بقا يا دكتور.
سأله أيمن بتكبر:
-وعلى كدا بقا عندك مكان حلو يناسب بنتي ولا هتسكّنها فين؟
-بص هو أنا بيتي على أدي ساكن فيه أنا ووالدتي لكن هاجر هأجرلها شقة عالنيل تليق بمقامها.
لوى أيمن فمه بسخرية وقال:
-وكمان هتعيش بنتي في بيت مش ملكها، بص يا ابني في مثل قديم بيقول “على قد لحافك مد رجليك”
أنا بنتي يلزمها دكتور زيها، ويعيشها في مستوى أعلى من اللي هي عايشة فيه مش أقل، درس خصوصي إيه اللي بتلتومية جنيه؟ أنت تروح تشوفلك واحدة من توبك وتسيب بنتي في حالها متكلمهاش تاني.
لم تتحمل هاجر أكثر من ذلك وقامت تتوسل لوالدها والدموع تملأ عينيها:
-عشان خاطري يا بابا، أنا مش عايزة دكتور ومش عايزة فيلا ولا قصر، أنا راضية بصالح وعايزاه يا بابا.
علا صوته وهو يوجّه حديثه لها:
-أنتِ مسمعش صوتك خالص، راحة تحبّي واحد مش من مقامك ولا مقامنا وتقولي عايزاه؟
استدار لصالح وهو يقول بانزعاج:
-اسمع يا جدع أنت، أنت تقطع علاقتك ببنتي وتسيبها تعيش حياتها مع الراجل اللي يسعدها، ولو عرفت أنك حاولت تكلمها ولا تقابلها أنا همحيك من على وش الدنيا، مش على آخر الزمن بنتي تتجوز واحد زيك.
شعر صالح بالإهانة وكأنها خنـاجر طعـنته في قلبه، فتمسك بآخر أمل وهو يقول راجيا:
-رغم إنك أهنتني في بيتك وأنا جاي طالب الحلال وغرضي شريف، بس أنا لسة مستعد أتجوز هاجر بنتك، وبطلب من حضرتك فرصة واحدة تقرر فيها هل هقدر أسعدها ولا لأ، وصدقني هتشوف بنفسك وأنا شايلها جوا عيني الاتنين ومش هحرمها من حاجة.
رد عليه أيمن بكل وقاحة قائلا:
-يا بجـاحتك يا أخي، إيه معندكش دم؟ بقولك مهما حصل مش هتتجوز بنتي ولو آخر راجل في الدنيا، ويلا اطلع من بيتي بدل ما أطلبلك البوليس.
دخلت والدة هاجر إلى الغرفة بعدما وصلها الشجار الحادث في الداخل بقلق وهي تحاول تهدئته وردعه عن فعلته:
-أيمن إيه اللي بتقوله دا؟ مينفعش كدا دا ضيفنا.
التفت لها بغضب هي الأخرى وهو يصيح:
-أنت هتعلميني أقول إيه ومقولش إيه؟ وبعدين ضيف مين اللي حتى مكلفش نفسه يجي ببدلة تليق بالمقام، جايلي بقميص وبنطلون هو رايح مدرسة؟
ردت زوجته بغضب مماثل وقد فقدت ثباتها:
-ومن امتا الهدوم والشكليات كانت مبدأ نحكم بيه عالناس، ما ياما ناس لابسة بِدل بس قلوبهم غافلة وميعرفوش حاجة عن الأدب والأخلاق.
توجه أيمن نحو الحلوى والورد وأخذهم بغضب ثم ذهب وألقاهم في يد صالح بقوة وهو يقول بانفعال شديد:
-أنا قلت اللي عندي، ومعنديش بنات للجواز ويلا من هنا قلتلك.
خرج صالح يجرّ خيبته وانكساره وحسرته على حبٍ ضاع بسبب جور أب يهتم بالمال والسلطات والمظاهر، بينما اقتربت هاجر من أبيها تعاتبه بحسرة:
-ليه يا بابا؟ ليه عملت فيه كدا وأهنته بالطريقة دي؟
رد عليها بصرامة قائلا:
-أنا عملت كدا عشان مصلحتك، وأنا أكتر واحد عارف مصلحتك فين.
صاحت بغضب وانفعال وهي تصرخ من شدة قهرها:
-أنا مصلحتي مع صالح ولا يمكن تكون مع غيره، وبردو مش هتجوز غيره.
صفعها أيمن بقوة على وجهها وهو يصيح بغضب هو الآخر:
-أنتِ بتعصي كلامي وبتردي عليا؟ امشي ادخلي جوا مش عايز أشوفك وشك.
احتضنتها أمها بحزن وربتت على ظهرها بينما نظرت إلى زوجها بغضب قبل أن تخرج ببنتها وهي تردد:
-حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل.
في نفس الوقت كان يمشي بتمهل وحزن يظهر جليا على تقاسيم وجهه، نظر مرة أخيرة إلى الخلف يتطلع إلى المنزل الذي يحوي حبيبته بين جدرانه، سمع صراخها فوقف وهو يضع يده على قلبه المتألم وهو لا يستطيع فعل شيء، سقطت دموعه رغما عنه فلم يكلف نفسه عناء إزالتها وتجفيفها، التفت يُكمل طريقه بقدمين لا يعلم إلى أين تقوداه، بعد حوالي عشرة دقائق وجد حاله قد وصل إلى سور حديدي يحيط بالنهر، هذا هو المكان الذي كان يشهد ضحكهما وحبهما وحزنهما أيضا، استند على السور الحديدي ونظر إلى الظلام والوحشة الذان يكسوان النهر، كان يشعر من قبل أن هذه الأجواء تصلح لأن تكون للعاشقين فقط، حيث الهدوء والراحة والبراح، أما الآن؟ يود فقط أن يلقي بنفسه داخل هذا النهر الموحش والمظلم تماما كوالد حبيبته، ألقى بالورود على سطع الماء بقوة وترك العنان لدموعه أن تأخذ طريقها إلى خديه، وبعد دقائق وجد من يمسكه من بنطاله وهو يطلب منه المساعدة، التفت فوجد أنه طفل صغير، أعطاه الحلوى ثم ربت على رأسه عندما رأى ابتسامته، مشى خطوات أخرى ثم وقف ينظر للماء ثانية، رغم برودة الجو إلا أنه يشعر بأن صدره يحترق، فتح أزرار القميص فلم يجدي ذلك شيئا في الحد من لهيب ناره، لذا خلع قميصه كاملا وألقى به هو الآخر عله يأنس بالورود التي ألقاها منذ قليل.
__________
وقفت سيارتان أمام معرض كبير مزين من الخارج بالأنوار، ويقف أمامه رجال ضخمة كل رجل يستقر في مكان خاص به ويرتدي ما يناسب هذا الموقف، كانت إحدى السيارتين تحوي بداخلها جلال وزوجته وابنته في الكرسي المجاور له بينما ركبت إيزيس في الكرسي الخلفي لهما، والأخرى بها رحيم وراوية أخته وأخيرًا شوق التي أتت بصعوبة، نزلوا جميعا ودخلوا المعرض الذي كان فارغا من الناس، فقد تعمدوا أن يأتوا مبكرا حتى يكونون في استقبال الزائرين، نظرت راوية إلى المكان بانبهار وهي تصلي وتسلم على الرسول وتدعوا لهما بالبركة في عملهما الجديد، ولم يقلّ الانبهار عند بسمة وإيزيس وشوق، ذهب كل من الواقفين إلى زاوية معينة يشاهد جمالها، بينما البسمة كانت تعلو وجه جلال ورحيم منذ دخلا هذا المكان، وقف رحيم بابتسامته يتطلع إلى فرحتهم وردود أفعالهم حتى وجدها تنزوي بنفسها في زاوية بعيدة بعض الشيء ثم وقفت تنظر لما خلف الزجاج بابتسامة وشرود، ذهب نحوها ثم وقف جوارها وهو يضع يديه في جيب بنطاله وقال بهدوء:
-شكله حلو.
التفتت له بتفاجؤ وفاقت من شرودها ثم أومأت برأسها في هدوء وعادت تنظر لما كانت تنظر عليه قبل أن يأتي، فسمعت سؤاله وهو يستفهم:
-ذوقك حلو، بس اشمعنا دا اللي لفت نظرك مع أنه مش أعلى حاجة هنا؟ في حاجات أعلى من دا وأحلى كتير.
تنهدت ثم جاوبته بنبرة يشوبها الحزن:
-مش دايما اللي بيلفت نظرنا الغالي، احنا ساعات بنشوف ناس في الحاجات اللي بنشوفها، ودا اللي بيخليلها تمن وقيمة حتى لو كانت مش أد كدا.
انتهت من كلامها ثم التفتت تنظر له ترى ردة فعله فوجدت عينيه يملؤهما الذهول ثم انفجر في الضحك بصوت عال ولكنه أدرك الموقف والمكان فكتم ضحكته بصعوبة قبل أن يقول:
-سوري يعني أنتِ شايفة ناس في الشوز دي؟
غضبت من فعلته فتركته وذهبت تقف في مكان آخر فذهب خلفها وهو يعتذر بندم:
-أنا آسف مش قصدي.
نظرت له بحنق ثم تركته وذهبت إلى غير مكان دون أن ترد عليه، فحرك وجهه يمينا ويسارا بقلة حيلة ثم ذهب خلفها وهو يقول:
-ما هو أنا مش هسيبك ولو روحتي فين كدا هاجي وراكي بردو فـ استني بدل ما احنا بنجري ورا بعض زي القط والفار كدا والناس هتاخد بالها.
ابتسمت على حديثه ثم محت ابتسامتها قبل أن تلتفت له وترسم على وجهها الحنق والجدية ببراعة وهي تقول:
-عايز إيه؟
أتتها إجابته واضحة وهو يقول:
-عايز أتكلم معاكِ.
سألته مجددا وهي تحاول كتم ابتسامتها:
-هتتكلم تقول إيه؟
-عايز أعرف أنتِ مين؟ وأختي عرفتك منين وقاعدة عندها ليه؟ عايز أعرف عنك حاجات كتير.
جاوبته بحزم إجابة غير مرضية له:
-والله أختك صاحبة واجب وعملته معايا ولو قالتلي دلوقت امشي من عندي مش هتشوفوا وشي تاني.
تركته وذهبت فجرى خلفها بنفاذ صبر وهو يقول:
-يا ست اصبري بقا عيب كدا مش هينفع أقعد أجري وراكي زي العيل الصغير، علفكرة أنا صاحب المكان دا يعني ليا مكانتي.
ابتسمت له وهي تضع كفيها على بعضهما وهي تقول بقلة حيلة:
-يا ابني سيبني في حالي عايز مني إيه؟
-بصي مش هسألك وأقولك قاعدة عندنا ليه، بس قوليلي الشوز فكرتك بمين؟
تنهدت بحزن وهي تتذكر وتسرد له ما في جعبتها من ذكريات:
-واحدة غالية عليا اشترته ليا في عيد ميلادي، بس غدر بينا الزمن وفرقنا.
سألها بتأثر:
-عايشة؟
أومأت بهدوء فسألها مرة أخرى:
-فين؟
أجابته بحزن:
-معرفش.
حاولت أن تخرج من هذا النوع من الحديث حتى لا يسأل أكثر فعبرت عن رأيها قائلة:
-المهم ألف مبروك المعرض، بصراحة حاجة جميلة أوي.
وضع يده في جيبه بنطاله مجددا ووقف على قدم وخفف الحمل على قدمه الأخرى وهو يقول:
-والله أنا اقترحت على أخويا يكون لينا شغل لوحدنا بعد ما عملنا فلوس نقدر نفتح بيها مشروع خاص بينا بعيدا عن شغلنا في الإمارات، كان نفسي أوي يكون معرض عربيات بس مفيش سيولة تفتح مشروع بالحجم والتكاليف دي، فقولنا نبدأها بحاجة خفيفة أحذية وشنط وكدا وبعدين نكبر المشروع أكثر وأكثر، واللي هيساعدنا على كدا أن احنا اللي بنصنع الشغل دا مش بنستورده.
انبهرت بما يقول وظهر ذلك على تعابير وجهها فقالت:
-ما شاء الله ربنا يزيد ويبارك.
ابتسم وهو يقول:
-بقالي فترة عايز أنزل مصر بس مكنتش أعرف أن مصر احلوّت كدا.
برّقت بعينيها تحذره ثم تركته وذهبت أما هو فوجد أخاه يخبره بأن أحد الزائرين يريد أن يسلّم عليه، فنظر لها وهو يهمس:
-لينا وقت تاني.
ابتسمت على حركاته الصبيانية التي تحولت إلى رجولة جادة عند معاملته مع الرجال.
______________
عاد آخر الليل إلى منزله وهو يصحب معه الخذلان والألم، دق على الباب بإرهاق وانكسار ففتحت له والدته التي غفت على الأريكة وهي تنتظره وبمجرد أن رأت هيئته صاحت بلهفة:
-يا حبيبي يا ضنايا إيه اللي عمل فيك كدا؟
لم يأتها الجواب ولكنه ارتمى في أحضانها ثم انفجر في البكاء، شددت من عناقه وهي تبكي على بكاءه وتسأله:
-طب رد عليا يا ابني طمن قلبي المحـروق عليك، أنا مستنياك من بدري، أبوها قالك إيه وفين هدومك؟
تحدث بوجع من بين دموعه:
-أرجوكِ ياما مش قادر أتكلم، سيبيني بس في حضنك كدا.
تحدثت والدته بقلب انفطر على ولدها:
-طب تعالى ادخل جوا مش هنقف على الباب كدا.
استجاب لكلامها ودخل غرفته بخُطى بطيئة متعبة فأسندته والدته ليتمدد على الفراش ويسند ظهره على الوسادة وصعدت بجانبه وأخذته في أحضانها تربت على ظهره وتهدهده ودموعها تزداد قهرا على فلذة كبدها، أما هو فأمسك هاتفه وقام بتشغيل أحد الألبومات الخالية من الموسيقى التي كانت بمثابة الملح الذي يوضع على الجرح، أغكض عينيه بشدة يحاول منع شلال دموعه من الهطول ولكن كيف؟ فقد كانت الكلمات مؤلمة للغاية وقائلها ينشدها قائلا:
تسمحيلي يامّا من وقتك شوية
أنسى جنبك حِمل شايله تقيل عليا
وزي عادتك تسمعيني
لو بكيت استحمليني
يامّا زادت قسوة الأيام عليا
يامّا زادت قسوة الأيام عليا
كل يوم بقا يشبه اليوم اللي عدّى
كلمتين مش مفهومين على دمعة شاردة
حتى لون الدنيا باهت
والمعاني في قلبي تاهت
خوفي لا تطوّل علينا الشدة ديّا
خوفي لا تطوّل علينا الشدة ديّا
مادرتيش يامّا اللي حاصل وأنتِ غايبة
حالنا مال بعدك خلاص الدنيا سايبة
شوفتي حتى ابن اللـئيمة
والله بان وبقاله قيمة
الجـبان لقى فرصة يتشطّر عليا
الجـبان لقى فرصة يتشطّر عليا

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أنا وزوجاتي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى