روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء الثالث والأربعون

رواية أغصان الزيتون البارت الثالث والأربعون

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة الثالثة والأربعون

“الحقيقة دائمًا تبعد عنك بمسافة خطوات صغيرة قد تكون أمامك تحديدًا؛ لكنك تختار ألا تراها.”
_____________________________________
طوال رحلتهم من المحافظة مطروح وحتى القاهرة كان الصمت مُخيمًا على الجميع، هي تنازلت تلك المرة وتركتهُ يفعل ما يحلو له، بعدما ضلل أجهزة الشرطة ببلاغ كاذب أدّعى فيه إنه تلقى تهديد يُعرض حياة زوجته وطفله للخطر؛ وبما إنه يحظى بالكثير من الصلات الوطيدة وعلى علاقة بذوى السلطة، كان إعداد ذلك وتنفيذه من أسهل ما يمكن. رافقتهم سيارة الشرطة إلى المطار حتى تأكدوا من صعودهم لمتن الطائرة، وما بعد ذلك تولاه هو.
ذهب “راغب” بسيارة “حمزة” نحو المطار، لإستقباله كما أراد “حمزة”، ومع خروجه من المطار تفاجأ بـ “سُلاف” ترافقه ومعها طفلهم، وحتى حارسها الشخصي أيضًا قد أتى معهم، مما أثار لديه فضول شديد حيال السبب وراء تجمعهم ذلك. أبعد “راغب” عيناه عنها شاعرًا بمقت شديد، وقد تجلّت تعابير الكراهيه على وجهه بوضوح. تسلطت أنظاره على “حمزة” بعدما أصبح أمامه مباشرة و :
– انت هتاخدهم في عربيتك!.
– آه.
تناول “حمزة” منه مفتاح سيارته و :
– أنا طالع عـ البيت عشان في مشكلة، انت هتروح ازاي؟.
تصنّع “راغب” عدم شغفه في معرفة ما هي المشكلة، بينما قلقه عليها يدفعه اندفاعًا للسؤال؛ لكنه كافح شعوره ذلك لئلا يلفت أي إنتباه :
– هتصرف.. وبالليل نبقى نتقابل.
ذلك الهدوء المريب جعله يشعر بأمرٍ ما، فـ التفت ليجدها قد استقرت بالخلف هي وطفلها، ولذلك بم تصدر أدنى صوت يزعجه. تغضن جبينهِ بإستهزاء والتفت برأسه ليسأل “راغب” :
– انت كنت سايب العربية مفتوحة؟.
– آه، ماانا واقف جمبها يعني متحركتش.
تأفف “حمزة” منزعجًا، واقترب منها وهو يهتف بـ :
– هو انا سواق الهانم وانا مش عارف!.
صفق “عِبيد” مؤخرة السيارة بعدما وضع فيها حقيبتهم، ثم انطلق نحو المقعد الأمامي وجلس عليه بجوار مقعد القيادة، متيقنًا من تأثير ذلك التصرف عليه ومدى فاعلية هذا على أعصابهِ التي كانت بالفعل مرتخية طوال الرحلة، والآن فقط بدأ يفقد ذلك الإرتخاء. ودّع “راغب” من أجل الإنصِراف، ثم ركب سيارتهِ وبدأ الإستعداد للقيادة. أغلق النوافذ كلها، ثم فتح مُكيف الهواء لأعلى قدر ممكن، متعمدًا بذلك إزعاجها وحكّ أنفها قليلًا، وكان لفعلهِ مؤثر سلبي عليها بالفعل، غير إنها لم ترغب في إظهار ذلك له، فـ تدخل “عِبيد” بديهيًا لكي لا يسمح له بفتح مجال للعراك معها، ونزع عنه سُترته السوداء وناولها إياها وعيناه تُشير نحو الصغير المستيقظ في عربتهِ الصغيرة، فـ أخذتها “سُلاف” وغطت بها “زين” تغطية محكمة كي لا يتأثر بالبرودة التي بدأت تُغلف السيارة. كُل ذلك و”حمزة” مراقبًا لما يحدث بصمتٍ حريص، گمن يركز في الدرس جيدًا لخوض إمتحانات نهاية العام، بعدما رسب في الإمتحان النصف نهائي، ولم يبقى له سوى فرصة واحدة.. فرصة واحدة للنجاة من الكارثة التي يعيشها.
***************************************
لم يهدأ “صلاح” ولم يرفّ له جفن، حتى توصل لابنته وعلم بالمكان الذي تمكث فيه، وبدون ضياع للوقت كان ينتقل للفندق مستعدًا لإصطحابها معه من جديد، ثم البحث في أمر مشكلتها المستعصية، والتي تغافل عن تواجدها من الأساس، وتعامل مع رجوعها لمصر بكل تراخي – غير مقصود – وعلى عكس طبيعتهِ فيما يخص ابنته تحديدًا. عاد “صلاح” لمنزلهم برفقتها، رغم كل الإصرار الذي واجهه منها في البداية لئلا تعود بصحبتهِ؛ لكنه لم يتركها أبدًا إلا وهي معه الآن. تعاملت “أسما” مع عودتها بكل حزم، وملامح وجهها الممتعضة كفيلة بالتعبير عمّا يجول بصدرها، أما عنها فقد احتفظت ببرودة التعابير وفتور الأعصاب، حينما واجهت سؤال والدتها فور عودتها :
– إزاي تعملي كده يا يسرا؟؟.. إزاي تحطينا في الموقف ده قدام جوزك؟؟.
لم تُجب، وحتى عيناها لم ترفعها نحو “أسما”، فـ تولّى “صلاح” محاسبتها بصوتٍ ثخين :
– إيه اللي خلاكي تنزلي مصر من ورا حاتم يا يسرا؟؟.. إيه اللي وصلك تهربي من جوزك!؟.
ظلّ صمتها مُطيلًا، فـ اندفع “صلاح” بإنفعالٍ مباغت :
– ردي عــلـيـــــا!!!.
كبحت مخاوفها أجمّع، وتحلّت بالشجاعة وهي تعلن رغبتها أمامهم :
– أنا عايزة أطلق.
برقت عينا “أسما” وهي تدنو منها ببطءٍ حسيس :
– بتـقـولـي إيــه!..
وصاح “صلاح” فيها بلا هوادة :
– طـلاق إيـه اللي بتكلمي عـنه يا بنت القُرشي!.. انتي اتــجـننتـي؟؟.
حاولت تبرير مطلبها الشرعي، وتبرئة نفسها من نظراتهم المُتهمة :
– انا مش بحبه، مش عايزاه ومش مرتاحة معاه ومبقتش قادرة أقاوم وانا شايفه خياناته ليا كل يوم والتاني بتزيد.
صُدمت “أسما” مع اعتراف “يسرا” لها بخيانة زوجها، واستنكرت عليه ذلك لا سيما أن زوجته هي ابنتها :
– بيخونك!.. انتي متأكدة؟.
لمعت عيناها ببريقٍ منطفئ، وكأنها تمنع الدموع من الوصول لجفناها بكل صمود :
– شوفت بعيني، ولما واجهته جاب الغلط فيا وإني أنا اللي مانعة نفسي عنه.
لم يتحمل “صلاح” صبرًا لأكثر من ذلك، وبدأت انفعالاته تأخذ شكل هجومي أكثر، فـ أطبق على ساعدها وهو يجتذبها بعنفٍ و :
– وانتي مانعة نفسك عنه ليه!!.
تخضبت وجنتيها بتحرجٍ من والدها، ونكّست رأسها وهي تجيب بخفوت :
– لأني مش عايزة.
ترك “صلاح” ساعدها وهو يصيح :
– شكلي دلعتك زيادة عن اللزوم يا يسرا، لدرجة إنك فكراني هقبل بحرية الرأي والتعبير في موضوع حساس زي ده!.. موضوع الطلاق ده تقفليه نهائيًا، ولما جوزك ييجي هتقعدي تسوي مشاكلك معاه عشان ترجعي أمريكا في الوقت اللي هو يحدده.
لم تتحمل “يسرا” أكثر من ذلك، وصرخت في وجه أبيها والدموع تنهمر من عينيها :
– مش هـرجـع، ولو مطلقنيش برضاه أنا هرفع عليه قضية خلع وهخليها فضيحة.
– أخــرســي خــالص!.
تطابقت صيحته مع صوت صفعة هوى بها على وجهها، في فعلٍ لأول مرة يصدر منه، مما جمدها في مكانها وألجم لسانها من هول صدمتها. تحديدًا كانت تلك اللحظة التي فتح فيها “عطا” باب المنزل بعد وصول “حمزة”، وحمل الحقيبة عن “عِبيد” ليصعد بها غرفة “سُلاف” بعدما أمرته هي بذلك :
– طلع الشنطة دي على أوضتي.
سارت هي من خلفهِ في الحين الذي دخل فيه “حمزة” مباشرة لغرفة الإستقبال الفسيحة، فـ شعرت بالريبة من ذلك، وكأن هناك ما ينتظره. وقفت على الدرج قليلًا، وكُلها آذان صاغية، تحاول سماع أي شئ يدل على ما يحدث؛ لكنها فشلت في ذلك، فـ تلوت شفتيها وتابعت صعود الدرج لكي تضع الصغير في مكانه، ومن ثم تتدبر الأمر.
– طلاق!.
ذُهل “حمزة” من تطور الأمر لهذه الدرجة، والأكثر إدهاشًا هي حالة شقيقتهِ البائسة التي لم يعتاد عليها، وهي متعلقة بأحضانهِ مختبئة من بطش والدها الذي هاج وماج ولم يهدأ أبدًا. أجلسها “حمزة” أولًا، وسألها في هدوء مستعار :
– فهميني يا يسرا.. حاتم عمل إيه وأنا هجيبلك حقك منه.
استهجن “صلاح” ذلك اللطف :
– حق إيه اللي بتكلم عنه يا حمزة!.. أختك اللي خلاص انفلت عيارها، وقال إيه.. مش عايزاه !.
ذمّ “حمزة” شفتيه قبل أن يهتف بـ :
– أنا عايز أسمع منها.
فتدخلت “أسما” غير راضية عما وصلت إليه ابنتها :
– هتسمع إيه يا حمزة!!.. أبوك عنده حق، أختك خلاص اتجننت وعايزة تفضحنا قدام حاتم وأبوه؛ لكن ده مش هيحصل يا يسرا.
نهضت “يسرا” و اندفعت نحو الخارج، بعدما تكالب عليها أقرب الناس إليها، وأحست بإنكسار ظهرها حرفيًا، وإنها وحيدة رغم كل المحيطين بها. صعدت غرفتها وأوصدت على نفسها، طالما إنها محاصرة ولن تستطيع الخروج من هنا بعد حكم “صلاح” بذلك. تابعت “سُلاف” ذلك بتركيز شديد، حتى تيقنت من وقوع أمرٍ ما، وقررت أن لا يمرّ اليوم إلا وهي على علم بمجريات ما حدث خلال اليومين السابقين، على ما يبدو أن فاتها حدث عظيم.
**************************************
لقد جمع معلومات لا بأس بها عن هذا المكان.. هذا المكان الذي يبدو عاديًا؛ ولكنه استشعر إنه يحمل بين طياتهِ رائحة الماضي العريق، والجذر الأصلي الذي يبحث عنه. نفخ “زيدان” بقايا التبغ العالق في صدره، ثم قذف بالسيجارة بعيدًا وهو يقترب من ذلك المكان، أطال النظر لتلك اليافطة وعقلهِ گالترس الدؤوب لا يتوقف عن التفكير، ثم قرأها بهمسٍ خافت بينه وبين نفسه :
– دار زيـِّان للأيتام!.. حلو الأسم والله.
ثم شقّ طريقهِ بإتجاه البوابة الرئيسية لبدء رحلة بحث طويلة، ستصل به في النهاية إلى حقيقة أصل “سُـلاف محفوظ السنّي”، وإلى جذورها الغير معروفة حـتى الآن……

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى