روايات

رواية أتون قلب الفصل الثالث 3 بقلم ندى ممدوح

رواية أتون قلب الفصل الثالث 3 بقلم ندى ممدوح

رواية أتون قلب الجزء الثالث

رواية أتون قلب البارت الثالث

أتون قلب
أتون قلب

رواية أتون قلب الحلقة الثالثة

3_الجنية
بقلبٍ مُترعٌ بكل أحزان العالم، وبوجعٍ جثيم يجثم على حنايا الفؤاد، جلس الحاج مهران، بجانب أخيه والد براءة، وكل شيء في عينيه بدا خاويًا، كأنما استحال وحيدًا من الحزن رغم كل من حوله من أهلٍ وأحباب.. لكن ما فائدة هؤلاء إذ لم يشعروا به؟! بما يعني وجودهم إذا لم يشاركوه ما هو فيه؛ فبدا غريبًا عن كل ما حوله، وبهية تسترق النظر إليه في شماتة، وهي تتصنع العطف والبكاء كلما وجه لها سؤال، أو تصادفت إلتقاء بصريهما.
خرجت براءة من غرفتها بعينين محمرتين من البكاء، لقد كان كأخيها الصغير..
تجلس معه إذا ملت الجلوس بمفردها..
تحكيه عمَّا تبغي من تخطيطات لعرسها.
وهكذا! مرة واحدة يصبح الولد فص ملحٍ وذاب!
بكت في أحضان عمها الذي احتواها بحنان شارد حزين ومسح على ظهرها بربتة حنونة، فلا تدرِ أيطبطب على قلبه أم عليها؟!
رن هاتفه فابتعدت عنه براءة، فألتقطه من جيبه في لهفة خبت عندما وجد المتصل هو معتز لا غير، فأبتئس وفاضت عيناه بالدمع وهو مطرق الرأس، وناول الهاتف لبراءة قائلًا:
_أجيبيه أنتِ، لا يمكنني أن احادثه بتلك الحالة البائسة، وحاولي ألا تظهري له شيئًا الولد في بلدٍ غريب وحيد فلا تحمليه ما لا طاقة له به.
فردت براءة على معتز في تردد، وهي تبتعد عنهم، قائلة بنبرة تطفح بالحزن الواصب في قلبها:
_معتز.
فؤاده المحب نبأه إن وتينه يُعاني بمفرده، وصوتها الذي تسلل بنبرة تقطر بالحزن قاسمًا لقلبه، كنجمٌ تناثرت شظاياه فلم يكد لكسره إصلاحًا، فاندفع يقول في لهفة:
__براءة، ما بكِ، هل حدث شيء لما تبكين؟ هل الجميع بخير؟
فجزت براءة على أسنانها، تحاول السيطرة على دموعها، وهي تجيبه في ثباتٍ واهي:
_لَا لَا، لا يوجد شيء! أنا بخير.
_لَا أصدقكِ.. قلبي يحدثني أنكِ لستِ بخير، وقلبي في ساكنته لا يخيب.. هل عمي بخير، امي، والدك، يوسف، جدتي الجميع بخير؟ لا تضمري عني شيئًا.
فردت عليه، بأول ما خطر في بالها:
_صدقًا لا شيء، فقط أفتقدُ أمي، أشتقتُ إليها جدًا يا معتز، البنت دون أم كالبيت بلا أعمدة.. بيتٍ واهٍ إن اصابته مسٌ من ريح تهدم.
وأعتصرت جفنيها لينهمر دمعها أنهارًا من مآقيها ازداد في غزارة مع صوته الرخيم ينبعث إلى مهجتها:
_وهذا البيت الواهي ما دام له ظهرٌ لا يميل، وتميمة تحميه من هبَّة الرياح الهوجاء العاصفة، فلما يخافُ من لمسة ريح محال ان تمسه وتهدمه.. لا تذري شيء يهدُ هذا البيت يا براءة فإني أحميه بروحي.
وتنهد مستطردًا في نبرة صارمة:
_هذه أول مرة تكذبين عليَّ، وأنا على يقين إن هذا ليس أساس حزنك يا براءة.. لذا سأغلق.
رفع مهران عيناه على دقة خفيضة على باب المنزل، اعقبها صوت صديقه ملقيًا السلام، فرحب به ودخل جالسًا إلى جواره، وهو يقول:
_ألا خبر يطمئن القلب على يوسف؟
نفى مهران برأسه، فتحمحم صديقه، واشار له برأسه قائلًا:
_تعالَ نقف قليلًا بالخارج.. اريدك في امرٍ ما ربما يفيدك.
هَم مهران أن يجيبه، عندما خرجت والدته من غرفة والده آثار الدموع تغرق وجهها، مرتدية الأسود، تنوح قائلة:
_صبرك الله يا ولدي.
فرشقت عبارتها في قلب مهران مثيرة أدمعه التي حبسها، وهو يقف قائلًا لصديقه:
_تعال لنخرج قليلًا.
خرجا من المنزل، وصديقه يقول بهمسٍ خفيض وهو يتلفت يمينًا ويسارًا:
_ثمة امرأة معها جنية قد تفيدك في إيجاد ابنك ومعرفة مكانه، أنتَ فقط إذهب إليها..
ازدرد مهران لعابه، وقال بشحوب:
_استعين بالجن؟
فرد صديقه مسرعًا:
_لا ضير في هذا، أما إنكَ تريد الموت كمدًا؟! ولكنها ستطلب مبلغًا من المال..
فقاطعه مهران في لهفة:
_لتأخذ عمري كله وأعرف مكانه.
المرء حين يُفج في وليده يفعل المستحيل، يكون متغيب لا يدرِ ما الذي يفعله، هكذا كان حال مهران وهو يوافق على الذهاب لتلك المراة.
في اليوم التالي، تأهب مهران ليذهب لتلك المرأة، عندما أوقفته أمه، قائلة وهي على أُهبة الأستعداد:
_أنتظر يا مهران، سأذهب معك يا بني.
فوافقها مهران بإيماءة بسيطة من رأسه، ومالت هي، تقول في أذنه:
_لما لا تسمع مني يا بني؟ هؤلاء القوم ليس بهم خير، ولن يخبروك بالحقيقة حتمًا فلماذا تذهب؟!
فقال مهران وهو يحثها على السير بجانبه:
_لا تخشي شيئًا يا حجة، لقد اخبرني من دلني عليها إن الجنية مسلمة..
فدمدمت أمه بكلمات غير مفهومة، استقبلتهما امرأة عادية جدًا بشوشة الوجه، قادتهما إلى غرفة جانبيه في منزلها، لا يحوى إلا فراش كبير، ومفرش باليًا على الأرض ولا شيء آخر..
جلست وجلسا مقابلها، ثم اخذت وشاح اسود اللون ألقته على وجهها، ثوانٍ وند عنها صوتٌ غريب، يبث الرعب في القلوب، أجفلت على إثره والدة مهران السيدة الكبيرة في السن وقد كاد قلبها ان يتوقف، وهي تصرخ في فزعٍ وتتشبث بذراع والدها الذي اتسعت عيناه، عندما خمد الصوت الرهيب، المخيف، ورفعت المرأة كفيها، مغمغمة بصوتٍ غليظ متغير عن صوت المرأة التي استقبلتهما :
_السلام عليكم.
فرد مهران السلام ممتقع الوجه، وظلت والدته جامدة تنظر للمرأة في خوف، أشارة المرأة إلى مهران، وغمغمت:
_تعال يا مهران ادنوا مني أنتَ ووالدتك.
فاقتربا منها عن كثبٍ، وكان مهران متحير كيف تراهما المرأة وهي تغطِ وجهها، لبثت المرأة مليًا، في صمتٍ دون ان تهمس بحرفٍ، وفجأة رفعت وجهها بحدة إلى والدته وهوت على وجهها بصفعة قوية، جعلت مهران ينتفض واقفًا في غضبٍ هائل لجمته المراة بصيحتها الهادرة:
_أهان عليكِ قلب ابنك؟! أهان على قلبكِ أن تذريه يدور أرجاء الأرضًا هائمًا على وجهه وأنتِ تعلمين ماذا حل بيوسف؟!
شحب وجه المرأة ولاذت بالصمت، لكن دموعها راحت تتساقط بندمٍ عظيم، بينما تمتم مهران مندهشًا:
_ماذا تقول تلك المخبولة يا أمي؟ أهذا صحيح اتعلمين ما الذي حل بأبني وأين هو؟
أجابته المرأة:
_لا تقل اين هو فأنت لن تره مرة أخرى إلا إذا ذهبت إليه، فابنك قد مات..
لو يمكن للكلمات أن تصف ما اصاب مهران وسهم الموت يخترق صدره يدميه.. والمرأة تتابع:
_لقد مات محروقًا أحرقته بهية زوجة أخيك.
ردد مهران في صدمة تُدمي القلوب، وتقرح العيون:
_احرقته؟! بهية احرقت ابني يوسف؟ يوسف مات.
وسقط.. سقط الحج مهران جاثيًا على ركبتيه، وزالت هيبته، وتلاشت قوته، وحل العجز على قلبه قبل بدنه، وطفقت الدموع من عينيه تترى بقلبٍ منفطر قد تناثرت شظاياه أسفل قدميه.
صمتٌ ثقيل رهيب خيم على المكان، فبدو كلوحة مرسومة من الصدمة والدموع، نزع مهران نفسه من صدمته، يقول بصوتٍ يفطر القلوب، وبقلبٍ لا يصدق:
_عما تهذين أيتها الساذجة ابن من هذا الذي مات محروقًا، ولكن لا تثريب عليكِ الخطأ هو خطئي في مجيئي لكِ، هيا يا امي دعينا نرحل.
أجابته المرأة بنبرات قوية:
_لا تثريب عليك انت معذور قلبك يحترق وما أقسى نيرانٌ القلب فهي مثل نارُ جهنم لا تنطفئ ولا تخبو، إن لم تصدقني .. فاسأل والدتك وستخبرك بكل شيء.
سقط مهران في يد مهران، وأخذ يرجو امه بصوتٍ يضني القلوب وهو يلتقط يديها يقبلهما:
_ أقبل يديكِ يا أمي قولي أن ما تقوله تلك المرأة كذب، ابني لم يمت يا أمي، يوسف سيعود لحضن أبيه، لماذا يحدث لي هذا ويموت ابناءي جميعًا بينما أنا حي؟
ضمت أمه رأسه إلى صدرها وانخرطت في بكاءٍ عميق ثم أخذت تقول :
_رأيتها كانت…
ذرفت مآقيها وانحبس الكلام بداخلها، ولم تقو على الأكمال للحظات، ثم أتبعت تقول بصوتٍ يضني الأفئدة:
_ كنتُ أقف في النافذة عندما رأيتها..
صمتت قليلًا وعادة تقول :
_رأيتها بعيناي وهي تشعل عود الثقاب وتلقيه على جسد يوسف ضاحكة ولا كأنها خائفة أو جِزعة، فخشيت أن أخبركم، خِفت عليكم، وكان قلبي ينقصم وأنا أراك تهيم على وجهك بحثًا عنه.
وخشيت بعد ذلك عليك وعلى معتز وعلى العائلة ان ينفلت رباطها، ويتشتت ناسُها، خِفت عليكم يا ولادي فسامح أمك يا مهران أعفو عن قلبي المكلوم يا بُني.
انصرفا من عند المرأة التي رفضت أخذ أي مالٍ قائلة:
_اذهب لا اريد شيئًا يكفي ما أنت فيه.
وشيعته بنظراتها قبل أن يند منها صوتٌ غريب يشبه الفحيح ثم زالت الوشاح عن رأسها، وبدا وجهها مجهد متعب..
أخذ مهران يسير بجانب أمه، كالهائم على وجههِ، لا يدرِ أي سبيلٌ يسلك..
أيهما يجد فيهما راحته..
أيهما يداوي قلبه..
صوت ابنه يتردد في أذنيه يجلد قلبه بسوطٍ من نار..
أحقًا لن يروي قلبه من ملامحه مجددًا؟!
أمات بالفعل أم كل ما يحياه مجرد حلمًا سيصحو منه فيجده بجانبه حيًا يرزق!
ما له احترق قلبه وبات رمادًا وقلبه هو يتلظى فما هو يحال إلا رماد او تخبو ناره..
ألن يلقي عليه نظرة وداع..
لن تشبع عيناه من ملامحه مجددًا.
لقد أكله الحزن في ثوانٍ وقد ظن إن الاحزان لا تؤوب.
يا ويح قلبه الذي تهدم..
عيناه فارغتين شاردتين باكيتين، نعم مهران كان يبكي وهو يسير في الطرقات متهدل الأكتاف، بظهرًا ثقيل كأنما حط عليه الدهر كل احماله دون أن يعبأ به.
و والدته تسير في صمتٍ حزين ترمقه بنظرات موجعة..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أتون قلب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!