روايات

رواية أتون قلب الفصل الرابع 4 بقلم ندى ممدوح

رواية أتون قلب الفصل الرابع 4 بقلم ندى ممدوح

رواية أتون قلب الجزء الرابع

رواية أتون قلب البارت الرابع

أتون قلب
أتون قلب

رواية أتون قلب الحلقة الرابعة

في ذات الوقت كان معتز قد علم من احد اصدقاءه أمس بما حصل وعن غياب يوسف، فاستقل اول قطار وعاد، دلف مناديًا بإسم عمه مهران، فخرجت له براءة، مندهشة وهي تسأل في جزع:
_معتز، ما الذي جاء بك؟
فألقي حقيبته من يده، وبنارٍ أضرمت في قلبه، هتف فيها بحدة:
_لماذا لم يخبرني أحد بإختفاء يوسف؟! أليس أخي أما تظنُوه ابن عم فقط ولا اهتم به؟
فانهمرت عينا براءة، وقالت:
_لا، لا ليس كما فهمت أقسم لك، عمي قال ألا أخبرك كلا تجزع وتأتي مسرعًا خوفًا من أن يصيبك شيء من لهفتك.
سألها بغلظة:
_أين هو الآن؟!
أجابته براءة مطرقة:
_لقد خرج مع جدتي.
_حسنٌ. منذُ متى وهو غائب؟
سألها في اهتمامٌ، فأحابته سريعًا:
_ثاني يومٍ من مغادرتك.
سألها:
_أين أمي؟
فهزت براءة رأسها، مع قولها:
_لا أعرف.
اومأ معتز لها، وقال وهو يفتح الباب:
_حسنٌ سأنتظر عمي بالخارج فقلبي منقبض مخافةً أن يكون قد حصل له شيء هو الآخر.
وقبل أن يعبر الباب، ألتفت قائلًا:
_هل أبلغتم عن أختفاءه؟
فردت براءة بهزة من رأسها:
_أجل، الشرطة لم تصل لأي شيء.
خرج معتز واقفًا امام المنزل، حتى إذا لمح عمه مقبلًا من بعيد، بعينين تذرفان، وبجسدٍ متهدل، اتسعت عيناه في هلع، ونبأه قلبه إن جائحة وقد حلت على البيت، بغمامة كئيبة تهطل عليهم بالأحزان شآبيب، فاندفع نحوه في ارتياع وصاح:
_عمي، عمي ما بكَ ما هذه الحالة، لماذا تبكي، هل علمت شيء عن يوسف.
فلم يذد سؤله لعمه إلا دمعًا غزير، وكاد أن يسقط من طوله، وسقط في يد معتز، وهو يلتقط عمه قائلًا بجزع:
_يا عماه تماسك تماسك.
وضمه إلى صدره في مؤازرة، وهَم بسؤال جدته عما اصاب عمه، لولا هتافها الصارخ :
_هذا هو من شارك بهية في إحراق يوسف، جابر نعم جابر يا مهران.
نفذت العبارة كالسهم المسموم في قلب معتز، فالتفت إلى الوراء، يناظر جابر ابن عم والدته آتيًا من بعيد فما إن تناهى له عبارة المرأة ، حتى انطلق يعدو ، واندفع معتز وراءه، وتقلصت المسافة بينهما، واستطاع معتز اللحاق به فقبض على كتفه وأسقطه أرضًا، وجثم على صدره، صارخًا:
_ماذا فعلت يا هذا ليوسف، قُل؟!
فصرخ جابر في رعب وهو مجهش في البكاء:
_لم افعل اي شيء أقسم لك لم افعل والدتك هي من احرقته حيًا، ليس لي ذنب فيما حدث.. لقد عمى الطمع على عينيها فتخلصت منه ليكون كل الورث لك.
لمَا بدت الدنيا كلها سواد في عينيه رغم إن الشمس تتكبد السماء؟!
ورث ماذا الذي يجعل إنسان يقتل؟! وهل كان منشغلًا بالورث؟! إنه حتى لم يخطر بباله يومًا أن يرزقه الله بأكثر مما يشبع بطنه..
كانت حياته عبارة عن حب لله ورسوله، وحفظ كتاب الله، ومعرفة صحابة نبيه، وحب براءة وسعادتها، ورضا والدته واعمامه عنه اللذان هم في مقام أبيه؟!
غامت الدنيا في عينيه ولم يشعر إلا وجابر يدفعه من فوفه ويعدو مبتعدًا، فارًا بنفسه، و وقف معتز وتصلبت عيناه على وجه أمه التي تهز رأسها وعينيها تستمطر الدمع، مغمغمة:
_إنه يكذب عليكَ يا معتز لا تصدقه، صدق أمك فقط.
لم يشعر معتز بقدوم أمه، وجدها فجأة أمام عينيه، التي كانتا تشعان بوجعٍ عظيم لا يمكن وصفه، ثم حادت نظراته إلى عمه مهران، الذي كان يتقدم من بهية بخطواتٍ ثقيلة كأن قدماه لا تحملانه، وأغروقت عيناه بالدموع، مع سؤال عمه لأمه الذي ذبحه بنصلٍ بارد، فبات قلبه يرفرف كالذبيح:
_لماذا؟! لماذا قتلتي طفلًا صغيرًا لم يدرِ من الدنيا شيئًا! ما الذي جناه! ألم يهتز لكِ جفنٍ وأنتِ تحرقيه؟! ألم يؤنبك ضميرك؟! أو يدخل في قلبكِ ذرةً من رحمة وشفقة، كيف هان عليكِ حرق طفلٍ بريء.
اتسعت عينا بهية حتى بلغتا الذروة، وتراجعت ببطء وهي تتفرس النظر في مهران كأنه ملك الموت، وسالت عبراتها في ألم، مما ألَم بها؛ كل شيء انهار على رأسها دُفعةٌ واحد، كل المصائب انسكبت، ليتها تدرِ بخلجات ابنها، لقد ظنت إن جريمتها لن يعلم بها أحد، لكن.. على حين غرة منها انقلب كل شيء عليها وفُضحت، والأدهى إن فلذة كبدها أدرك صنيعها، ليتها عملت حسابًا لمثل هذا اليوم وتلك اللحظة.
أغمضت عينيها في عنفٍ وهي تسمع نحيب مهران، فضمت أذنيها بكفيها كلا يخترق مسامعها، كان ينادي على ابنه كأنه يراه امامه ثم سقط على ركبتيه، وحضر ابو براءة فجأة وتوجست هي خيفة من ردة فعله وطاف بصرها على الجميع وأحست إنها نهايتها، لكن نظراتها ثُبتت على معتز وارتجف بدنها بقشعريرة مخيفة سرت فيه وهي تراه يتقدم منها بخطوات بطيئة..
وفجأة.. ارتفع صرير عجلات سيارة مسرعة، وشعر معتز فجأة بارتطام شديد في ظهره، وطار جسده عاليًا ثم سقط غارقًا في دماءه، وانطلقت صرخة تشق القلوب، وتزلزل الأرض باسمه صادرة من براءة، التي اندفعت إليه بكل حزن وجزع الدنيا وارتمت فوقه، تحاول إن تطمئن قلبها بإنه بخير فهزته، ففتح عينان مهزوزتان، مترقرقتان، واخذ يهمس بصوتٍ متهدج، وسبابته تمسح في رقة وحنان دموعها:
_لا بأس لما البكاء يا حبيبتي؟ لِما البكاء على راحل استراح من غدر الأحبة وألم الحياة؟! كنت أشعر بإن أجلي قريب.. قريب جدًا كلمح البصر فليّ يومين أشعر كأن حبي للنبي وصحابته يذداد كأنهم يطفون حولي، ينادوني، وأنا الآن ذاهب إليهم،لن أقول إلا كما قال بلال ابن رباح (غدًا نلقى الأحبة محمد وصحبه)، سأنتظرك في الفردوس فلقاؤنا هناك، وإجتماعنا هناك.
_والدي، ستكون بخير يا معتز تماسك يا حبيب قلبي، تماسك يا ولدي.
هتف بها عمه مهران بصوتٍ ملهوف، فألتفت له معتز برأسه وتركت كفه خد براءة، ليمسك بكف عمه، قائلًا في رجاء:
_أنا ذاهب إلى يوسف يا عمي لا تقلق سنكون بخير، وإذ السعادة لم تزورنا هنا ستزورنا هناك، سامح يا عمي لأجل خاطري سامح وأغفر ليغفر الله لنا، هل قلبك قد غفر ليّ.
بكى عمه وانتحب، وقال:
_وهل يحمل قلب الأب ضغينة تجاه ولده.
وتبسَّم معتز، بسمة كضوء الفجر أشرقت ملامحه، وتلألأت مقلتاه بسرورٍ عجيب وارتخت يداه وسكن جسده
كان قد فارق الحياة..
وغابت روحه..
وخبى بريق كل شيء من عينيه الخاليتين إلا من الموت..
وخمدت أنفاسه، وانطلقت صرخة براءة كأنها حممٌ تفجرت من قلبها المنفطر
لم تفقده لقد فقدت قلبها..
فقدت عمرًا بأكمله..
فقدت محراب حبها..
ونور قلبها..
وضمة رأسه إلى صدرها، ثم راحت تُمطر وجهه بوابل من القبلات وقد استنار وجهه كأنه قطعة قمر.
وظلَّت براءة تطلق صرخاتٍ انشق لها قلبها، لم تكن تدرِ كيف تبوح بما تجيش بها صدرها ولا خلجات نفسها فكانت صرخاتها هي بوحٍ عما سُجن بين قضبان قلبها.
وسقط رأس مهران على صدر معتز بدمعٍ صامت، وضم والد براءة ابنته إليه في صدمة لم يستوعبها، بينما صرخت جدته وهي تولول قائله:
_آه يا معتز، آه يا حبَّة القلب وزينة الشباب، كنت كقطرة الماء يا بني تحيي دائمًا…
وفي صدمة اتسعت لها عينان بهية سقطتت على الأرض، تهز برأسها كالمجنونة، وبصرها لا يحيد عن جسد وحيدها، وتدمدم قائلة:
_مات! معتز مات؟ ابني مات؟! أبسببي مات؟ هل جاء الأنتقام فيه؟!
ثم اطلقت ضحكة طويلة جدًا كمن مسه مس من جن وأخذت تصرخ وهي تهرع إليه تحرك في جسده كي يصحو، ينظر لها، يحادثها، يسامحها لكن لا كان قد فات الأوان.
كان مهران جالس على سجادة الصلاة بعدما ادى فرضه، يقرأ من كتاب معتز الذي يضم بين جنباته قصص الصحابة، غائبًا معهم، ينفعل ويبكي ويضحك، وقد كان الكتاب سلواه عن احزانه، ما له كاد يغرق في الأحزان، ألم يفقد الرسول كل اولاده اللهم إلا السيدة فاطمة، فأتخذ من الرسول قدوة في الصبر، واستكان إلى قرب الله وقد أكل الندم والذنب قلبه على ذهابه إلى تلك الجنية.
القبور بيوت يعتقدون إنها بيوت الموتى فقط، ونسوا إنها أيضًا بيوت قلوب، فثمة أفئدة تُدفن مع أحبتها، توقفت براءة أمام قبر معتز بقلبٍ ضائعٍ مرتحل؛ مرتحلٍ في كل مكانٍ بهِ ذكرى جميلة ضمتها فيها عينا معتز، أو احتوتها فيه ذراعيه، أو دافع عنها فيها، وصوته لا يُفارق أذنيها، إن الذكريات حياة المرء بعد الفراق؛ وهي لولا الذكريات لفقدت روحها كما فقدت قلبها.
الآن أصبح الحبيب ميت فراقه صدعٍ لن يرأب، حاولت أن تفه بأي حرفٍ لكنها لم تقو فأُرسل دمعها ليتكلم،
وبعد محاولاتٍ همهمت بكلماتٍ خرجت بدموعِ قلبها:
_كيف حالك يا معتز؟ أوحشت قلبي يا حبيبي! أخبرتني يومًا إن دمع عيني دموعًا في قلبك من دم، وإن عيناي هما مأوك الذي لا تريده مشبعًا بالدموع، الآن يا معتز لا ترقأ لعيناي دمعة، حضر أجلك، فحضرت أحزاني يا معتز، لم يبق ليّ بعدك أيها الحبيب إلا ذكرياتٌ أقتات عليها لأحيا، لم يبق ليّ إلا الشوق إلى لقاؤك.
سَكَتت قليلٌ من الوقت، سكبت خلالها عبراتٍ غزيرة، ثم قالت:
_والدتك يا معتز تم أدخالها مصحة نفسية لقد فقدت عقلها لأنها لم تستحمل رحيلك، ولم تستوعبه، وقد سُجن جابر أخذو جزاءهم يا معتز، لا، لم يأخذوه بعد فإنه ينتظرهم جزاءٌ ادهى وامر.. ينتظرهم عذاب جهنم.
ورفعت كفها تلامس تراب القبر بحنينٍ فاض في قلبها، قبل أن تتنهد وتقف لتودعه، وتذهب إلى إلى أبيها الذي يقف في انتظارها.
تمت الحمدُ لله.

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أتون قلب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!