روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل الثالث والستون 63 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل الثالث والستون 63 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء الثالث والستون

رواية أغصان الزيتون البارت الثالث والستون

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة الثالثة والستون

||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل الثالث والستون :-
الجُـزء الثـاني
“وكأن الحقيقة طيرًا حبيسًا يخشى أن يفتح له القفص، فـ أول من تهاجم تهاجم وجهه.”
_____________________________________
كان يركض گمن يسابق الزمن، وكأن عقارب الساعة أكبر عدو عليه في تلك اللحظة، كلما دقت كلما أسرع، وكلما مرت كلما أحس بالخسارة تقترب منه. وقف “حمزة” أمام بابه، باب أقرب الأقربين، والذي زُرع الشك في أغواره اليوم ضده. يحس شعورًا يطبق على أنفاسهِ، خشيةً أن يرى ما لأ يُحمد عقباه، وأن يعيش ما هو أسوأ من شكوكه. لحظات كافية للسيطرة على أنفاسه الغير منتظمة، قرع بعدها الجرس بإلحاحٍ غير مسبوق، حتى انفتح له الباب ومن خلفهِ ظهر “راغب” بقميصهِ المفتوح، وشعرهِ المشعث، ووجههِ الذي غلب عليه الخمول. ذُهل “راغب” مع رؤيته، ومع هذا دعاه للدخول ألا يثير شكوكه :
– تعالى ياحمزة أدخل، يعني مقولتش إنك جاي!
دلف “حمزة” وعيناه تُمشط المكان كله :
– كنت قريب منك قولت اعدي عليك.
أغلق “راغب” باب الشُقة وهو يسير من خلفه :
– لو عرفتني كنت عملت حسابك على الأقل.
قطب “حمزة” جبينه وهو يلتفت إليه متسائلًا بفضول :
– عملت حسابي في إيه؟
انبعجت شفتي “راغب” بإبتسامة عريضة، ثم غمز له مشيرًا للداخل :
– ليلة من الليالي إياها.
– راغــب!!.. انت روحـت فين وسيبتني؟
صوت أنثوي متغنج، استمع إليه “حمزة” آتيًا من الداخل، ليُخرس به كل صوت يصيح بداخله ويدفعه لإقتحام كل ركن وزاوية، بحثًا عن المتسببة في كل تلك الشكوك، والتي أتى خصيصًا من أجل أن يثبت صدقها. وضع “حمزة” شكوكه جانبًا دون أن يكذبها نهائيًا، وتعامل مع الوضع الحالي بشكل طبيعي محاولًا عدم إثارة أي شك لدى “راغب”، يعقبه حرص شديد منه :
– مش عايز، أنا عرفت واحدة قفلتني من الصنف كله ولا طايق أبص لجنس ست تاني.
ضحك “راغب” مُبديًا شماتتهِ، وهو يضبط قميصه المفتوح ويغلق الأزازر الوسطية فيه :
– لو كنت سمعت الكلام ده من ٥ شهور عمري ما كنت صدقته أبدًا.
مسح “حمزة” على رأسه قبل أن يفرك مؤخرة عنقهِ بشئ من العنف، مقررًا الإنسحاب من هنا دون الإنتظار دقيقة واحدة :
– طب أنا همشي وكلمني بعدين عشان عايزك.
مشى “راغب” من خلفه محاولًا إقناعه بالجلوس قليلًا :
– ياعم انت جيت في إيه وماشي في إيه؟.. ما تقعد شويه.
– بعدين يا راغب، بعدين.
فتح الباب وصفقه من خلفه، فـ صعدت ابتسامة عريضة منتصرة على محياه، بعدما تخلص من بذرة الشك التي ظنها – مجرد نبتة – يُسهل القضاء عليها، وليس لديه العلم بحقيقة تأكد “حمزة” من وجود شئ يجمع بينهما.
—عودة بالوقت للسابق—
هذه المرة الأولى التي يتحرك فيها “حمزة” بدون سيارته، فكان الأمر مريبًا مثيرًا للشك بالنسبة لـ “راغب” الذي يعلم جيدًا كدى تعلق “حمزة” بسيارته وعدم تحركه دونها، حتى إنه قام بإلغاء سفره ذات مرة لعطلٍ تافه في سيارته. تناقلت خطواته نحو النافذة المواربة، واختلس النظر عبرها بحرص شديد، حتى رآه يعطي مفاتيحه لـ “زيدان” ويعطيه الأوامر، كانت تلك مثل صدمة كبيرة لـ “راغب” الذي لم يحسب يومًا حساب للحظة گهذه، لحظة أن يغمم الشك على “حمزة”، ويدفعه ذلك لمحاولة الهجوم عليه، فلم يكن عليه سوى اتخاذ كافة التدابير الوقائية اللازمة، التي ستمنع “حمزة” من كشف أمره تحت أي ظرف كان. استخدم هاتفه للإتصال بـ “سُلاف”، وهو يبتعد عن النافذة بخطوات بدت متوترة إلى حدٍ ما، حتى آتاه صوتها :
– إحنا عندنا مشكلة.
—عودة للوقت الحالي—
برح “حمزة” بناية “راغب” التي يقطن بها، والدماء تكاد تنفجر من وجهه من شدة عصبيته، وما أن لمح “زيدان” واقفًا بإنتظاره، حتى اندفع نحوه وهدر فيه :
– غـــبـي، مـين قـالك إن اللي طـلعت دي تبـقى هي! ؟.
توتر “زيدان” وهو يرى نصب عينيه حالة وجهه المحمر والمتعرق، وأجاب متشككًا في جوابه :
– أنا شوفتها بعيني آ….
فـ هدر “حمزة” في وجهه بصياحٍ :
– بس أخـرس خـالص واخـفى من وشـي.
كان گالصاروخ الذي انطلق في سرعة البرق من أمامه، غير متحمل عودته من ذلك الطريق خاسرًا، كأن شكوكه ثقيلة على قلبه أكثر من اللازم، بعدما سعت عواطفه لتبرئة “راغب” وتبرئتها هي أولًا، شقيقته التي لم يتحمل تحميلها تلك الشائبة المُشينة. بينما ظل رجله واقفًا يؤنب في نفسهِ ويعاتبها، بعدما اختلط عليه الأمر وتشبّه بها، فوقع في خطأ فادح قد يفسد عليه مذاق الإنتصار بكافة مهامه التي أنجزها، إن سقط من عيني “حمزة” بعد أن وصل لهذه المكانة.
***************************************
– اكتفيتي ولا عايزة تاني؟
كان سؤاله الموجه إليها صريحًا مباشرًا، دون الحاجه لتدليسه أو المراوغة في طرحه، فقد انكشف كل شئ ووصلت الأمور لنقطة يُصعب فيها السيطرة عليها. ظنّها ستنكر، ستبدأ هي بالمماطلة؛ لكنه تفاجأ بها جسورة قوية، تعترف بسرقتهِ دون أن تواري شيئًا، بل أن وجهها حمل مزيجًا من تعابير الفخر والتباهي :
– لسه كتير، اللي انت خدته مني ميتعوضش بتمن.
– لأ يتعوض.
كأنه أنى بعرض جديد ومغري، لذلك قرر أن يكون الأمر بين كلاهما وفي طيّ الكتمان، سحب رسغها معه كي يبتعدن عن “عِبيد”، فوجده گالحائل يصده وينتزع منه ذراعها وهو يهتف مزمجرًا :
– خير يا باشا؟. قول الكلمتين اللي في زورك هنا.
رمقه “صلاح” بعدوانية بينّة، ودفع يدهِ وهو يصيح بـ :
– الخدامين ميكلموش لما الأسياد يتكلموا ياشاطر.
فـ تدخلت “سُلاف” بحزمٍ قطع عليه طريقه :
– ألزم ألفاظك وانت بتتكلم مع الراجل بتاعي يا حمايا، مش مجبرة أفكرك إني برد الغلط بغلط أضعافه.
لم يقوَ “صلاح” على تحمل المزيد من الهدوء المزيف، بينما يراها بكل هذا التبجح المقيت والمثير لأعصابه التالفة، فـ صرخ في وجهها صائحًا، والعروق تتنافر من وجهه تكاد تنفجر :
– خـدتـي ١٠٠ مـليـون جـنيه يا بنـت الـ ××××× ، عايزة إيـــه تــانـي؟
فـ واجهت صراخه بصوتها المرتفع وهي تهدده صراحةً :
– أنا هـرجـعـك شـحـات يا صـلاح زي ما كـنت بالظـبط، مش كده وبس، أنا هخليك تلف حوالين نفسك، متعرفش الضربة جاية من يمينك ولا من شمالك، هقضي عليك وده عـهد عـليا.
انفلت منه زمام السيطرة على أعصابه، وهاجمها منتويًا إصابتها بأذى بدني :
– هــقـتلك قـبل ما تـفكري تعـملـيها، هــقـتلك يا سُـــلاف.
ابتعدت “سُلاف” بينما كان “عِبيد” يُقيد أطراف “صلاح” متصديًا له :
– مش جديد عليك يا صلاح، ماانت عملتها قـبل كـده.
أشار “عِبيد” برأسه للحرس فـ أقبل عليه أثنين منهم ركضًا، حينما كان “صلاح” يدفعه بأقصى قواه، وهو يتوعدها وعيدًا صادقًا :
– يبقى انتي اللي اخترتي الحرب، بس افـتكري إنـي جيتلك قـبل ما تجيلي بتعيطي بدل الدموع دم.
حاوطه رجالها من كل اتجاه، حتى أصبح بداخل حلقة منهم، فـ أطاح بيداه كل من حاصروه ودفعهم دفعًا، وأسرع يغادر وعلى لسانه كل الألفاظ النابية التي يلقيها بها، ولم يتوقف عن إطلاق التهديدات المتوعدة من صميم صدرهِ المحترق أثر فعلتها، وهي تراه هكذا گأنه ثلج يُطفئ سعيرها المُضرم، ومن عيناها تتقافز نظرات الشماتة گالراقصات على الجليد، وأنهت فقرتها المنتصرة بضحكة ساخرة قبل أن تهتف :
– ولسه، لو صلاح مماتش بحسرته مبقاش أنا سُلاف زيـِّان.
***************************************
وضع الخادم عليه غطاءهِ ذا الفراء الناعم المريح، ثم نظر لكلاهما وهو يردف :
– أي أوامر تاني.
أشار له “صادق” كي يخرج ويتركهما سويًا :
– لأ، أطلع انت.
انسحب الخادم بهدوء شديد وأغلق بابهم، فـ رفع “حاتم” نظراته نحو والده، كي يرى نفس تلك النظرة الصارمة اللوامة، فـ تأفف منزعجًا وهو يهتف بعنادٍ شديد :
– ريح نفسك، مش هطلقها يعني مش هطلقها، أنا لازم أزلها الأول، أكسر عضمها وأجيب مناخيرها هي وأهلها الأرض.
شبك “صادق” يداه خلف ظهره متأملًا حالته العاجزة تلك، ثم أردف بصوتهِ المتراخي :
– أوعى تفتكرني هعدي اللي اتعمل فيك من غير حساب، لكن ده شئ وطلاقك للبت دي شئ تاني.. أنا مش هسيب أسمك يتلطخ في الجرايد وعلى مواقع أخبار المشاهير لما دعوة الخلع تجيلك يا أفندي، أسمع كلامي ونفذ في الحال.
لم تغير كلمات “صادق” أيًا من نوايا “حاتم” التي انتواها لزوجته انتقامًا منها، بل أن الحقد داخله كان يتضاعف وهو ينهش فيه نهشًا، ليدفعه إلى ارتكاب ما هو أكثر من الجنون :
– مش هيحصل.
طرقات على الباب أعقبها سماح “صادق” بالدخول، وقد تبين على وجهه ملامح بداية الغضب :
– أدخل.
انفتح الباب وظهرت من خلفهِ “ميان” تستأذن للدخول :
– مساء الخير يا uncle.
تحولت تعابير ثلاثمائة وستون درجة وأكثر، واتسعت عيناه بتحفزٍ شديد وهو يراها تُقبل عليهم حاملة بيدها باقة الزهور الملونة :
– تعالي يا ميان، بقالي شويه مستنيكي يا بنتي.
ابتسمت على مضض وهي تهتف :
– لو كنت أتأخرت sorry.
انبعجت شفتي “صادق” بإبتسامة عريضة وهو يتناول باقة الزهور منها :
– مفيش داعي للإعتذار أبدًا، كفاية إنك هنا قدامي.. فين شاكر أمال؟.
– تحت يا uncle.
وزع “صادق” نظراته بينهم مقررًا الإنسحاب :
– طيب هشوفه وأرجعلكم فورًا.
حاول “حاتم” أن يضغط على نفسه قليلًا ليعتدل في جلسته، فـ هاجمته آلام شديدة القوة، ضربت ساقه المصابة ليصرخ بعدها :
– آآآه.
توترت “ميان” فجأة، وتأملت حاله بنظراتٍ مشفقة :
– خليك مكانك يا حاتم.
رؤية تلك النظرة كالنار في الهشيم، أحرقت ضلوعه وصدره بالكامل، وتمكن الغيظ من تعابيره وهو يسألها :
– إيه رأيك في حبيب القلب اللي كنتي زعلانه عليه!.
حتى هذه اللحظة كانت تدافع بإستماتة عنه، حتى بعد كل ما عايشته بسببه :
– مين قالك إن هو اللي عمل كده؟.. يمكن حرامية ولا بلطجية.
فـ انفعل عليها دون قصدٍ أو تعمد :
– هما فعلًا بلطجية، بس تبعه هو، أنا وديني ما هسيبهاله.
كانت قوية وهي تجيب عليه بتلك النبرة المتشددة :
– لأ هتسيبهاله، وهتطلق يسرا كمان وكل واحد يشوف حياته، عشان محدش يستاهل يعيش كل ده يا حاتم.
ابتسامة ساخرة لوّحت طرف مبسمهِ :
– جيبتي الثقة دي منين؟ كأني قولتلك إني هعملك اللي انتي عايزاه.
جلست على الأريكة المقابلة له، وهي تردف بثقة شديدة، تناقض تمامًا ذلك الشك المرتبك ببواطنها :
– أنا عارفه إنك مش هترفض، ولكل حاجه تمن يا حاتم.
برقت عيناه بلمعةٍ متحمسة، وسألها عن الثمن الباهظ الذي سيتلقاه مقابل تنفيذ ما أرادت :
– وإيه هو التمن يا ميان؟.
كانت جمّ ثقيلة على لسانها، كأن حيوان مفترس يحوم من حولها فأصاب كل أطرافها وحواسها بالرجفة المباغتة، گنسمة هواء سقيع هبّت في أوج البرودة. ازدردت ريقها بتردد شديد، وأخفضت عيناها حتى لا ترى نظراته اللاهثة إليها :
– أنا موافقة.. موافقة نكون مع بعض بشرط تطلق يسرا، وأكون أنا لوحدي في حياتك.
لو كان متعافيًا لقفز من فرط الحماسة، لـ لمس الحوائط والأسقف مش شدة السعادة، لكنه بقى مجبرًا على كتمان شعور السعادة العارمة بين أضلعهِ، بينما عيناه تفضح أمره بالكامل.
*************************************
كان التوقيت قد تجاوز منتصف الليل، ومازالت حرارته مرتفعة بدون أن تبرد لحظة، رغم كل محاولاتها الساعية للسيطرة على ذلك التوهج المقلق. دخلت “أم على” حاملة بمكعبات الثلج في صحن كبير، وبينهم قطع القطن لإستكمال عمل الكمادات كما أوصى الطبيب، لترى حالة “سُلاف” المتوترة وعلى ملامحها القلق طاغيًا وهي تردف :
– مش عايزة تنزل خالص ياأم علي!.. أنا لازم أروح بيه المستشفى.
حاولت أن تهدئها قليلًا وتشرح لها أن كل ذلك قد يكون طبيعيًا في حالات عدوى البرد لدى الأطفال :
– متقلقيش الكمادات هتنزلها.. هو بس بيحتاج صبر.
انتفضت “سُلاف” وهي تحمله بين أحضانها، بينما صراخه الباكي لم يهدأ أبدًا، كأنه يمزع في ضلوعها :
– لأ مش هصبر أكتر من كده، ده احنا لينا ساعة بنعمل كمادات.
دلف “عِبيد” إليها حاملًا دواء مخفض للحرارة عساه يأتي بنفعهِ :
– أنا جيبتله خافض حرارة من الصيدلية.
رفضت “سُلاف” أن تعطيه أي دواء دون استشارة الطبيب رفضًا قاطعًا :
– لأ، مقدرش أديه حاجه ممكن يتحسس منها، أنزل جهز العربية يا عِبيد إحنا هنطلع على المستشفى على طول.
أومأ” عِبيد” رأسه وهو يخرج هرعًا، بينما بدأت “سُلاف” تضبط للصغير ملابسه :
– هاتي بطانية صغيرة غير دي ياأم علي عشان اتبلت من الكمادات.
– حاضر.
وخرجت هي الأخرى، فـ نزعت “سُلاف” عنه ملابسه لتغييرها بأخرى جافة، بحركات سريعة متعجلة لإنهاء نوبة البكاء الشديد التي دخل فيها “زين”، وإذ بها تراه أمامها، يدخل الغرفة بغتة وهو يسأل :
– في إيه العياط ده كله؟.
تضاعفت ربكتها، خاصة وإنها ما زالت ملتهية في تلبيس الرضيع، فلم تُجب عليه أو تفيده بالرد مستمرة فيما تفعله، حتى تعثرت في تلبيسه بمفردها وهو في حالة البكاء الشديد تلك. تأفف “حمزة” مضجرًا، وأقبل عليها ليأخذه من بين يديها، فـ صرخت في وجهه وهي تتشبث به مُعلنة ملكيتها الكاملة له :
– أوعى سيب ابني.
فـ هدر فيها منفعلًا وهو يأخذه منها عنوة :
– انتي عبيطة ولا في حاجه في دماغك!.. أفرضي دراعه اتخلع وانتي مسكاه كده.
ألصقه في صدره وهو ينتزع الثياب النظيفة الجافة من يدها، وعيناه تضرب شررًا حامية نحوها :
– شكلك مبتعرفيش تعملي حاجه خالص.
وضع الصغير على بطنه ومسح على ظهرهِ بلطف، وسحب بنطاله بإحترافية وكأنه معتادًا على الأمر متدربًا عليه، وبدأ في تلبيسه بعدما أعاده على ظهره، وهي تراقبه بتوجسٍ قلق، ومازال اضطرابها مسيطرًا عليها بالكامل. انتهى من تلبيسه ورفعه من جديد نحو حضنه محتفظًا به، ثم سألها بحدة :
– بطانيته فين؟.
نظرت “سُلاف” من حولها بتوتر، حتى دلفت “أم علي” ممسكة بالبطانية، فهرعت “سُلاف” نحوها وخطفتها من يدها لتعود إليه من جديد، متعمدة أن تسترد “زين” من يده بتلك الحجة :
– هاته.
فـ تفاجئت به يسحب البطانية الصغيرة منها ليغطيه بها قائلًا :
– طالما مش عارفه تتصرفي مروحتيش مستشفى ليه؟؟ ولا مستنية الواد تجيله حُمة.
اتسعت عيناها بقلق متضاعف، وقد تمكن الخوف من أوصالها :
– حُمة ؟.. ده ملحقتش آ…
تركها متجهًا نحو الباب، فـ استوقفته وهي تصيح :
– انت واخده و رايح فين؟.. عِبيد بيجهز العربية وانا هاخده دلوقتي للمستشفى.
فـ تشكلت تعابير صارمة على وجهه، وهو يردف بإصرار شديد :
– أنا اللي هاخده ، لو عايزة تيجي معانا تعالي، مش عايزة خليكي هنا لوحدك.
وخطى نحو الباب متعجلًا، فركضت من خلفه عاجزة عن التصدي له وسط حالة “زين” المقلقة والغير مستقرة، حتى خرج كلاهما من الباب فوجدا “عِبيد” أمامهم، يحاول ترجمة ما يراه الآن من مشهد مريب، حتى آتاه الأمر :
– خليك هنا أنا هاخد الولد للمستشفى.
فـ نظر نحو “سُلاف” التي عدّلت الأمر عليه :
– أنا هركب مع حمزة وانت تعالى ورايا يا عِبيد.
تفهم “عِبيد” ماهية المأزق الذي وضعهم فيه “حمزة”، ولم يُرد أن يصنع معضلة الآن والوضع كله متوتر، فـ أصغى إليها وتركهم يركبون سيارة “حمزة”، وما أن استقر “حمزة” في السيارة وأغلق أبوابها حتى سمح لها بحملهِ حتى تسنح له الفرصة كي يقود السيارة :
– حطي الحزام وامسكيه كويس.
رمشت عيناها بقلق وهي تسأل عن سبب تأكيده ذلك :
– ليه؟.
فـ نظر نحوها وهو يعقب ساخرًا :
– يمكن هسوق بسرعة عشان نروح المستشفى مثلًا!.
لحظات من بداية القيادة وبدأت السرعة تظهر، حتى إنه كاد يطير بهم طيرًا على الأسفلت، سعيًا في الوصول بأقصى سرعة.
**************************************
لم يكن دخول الطوارئ عسيرًا طويلًا، حيث تركها تدخل برفقته حتى ينهى إجراءات تسجيل البيانات، وحينئذٍ أحس بوجوب اتخاذ تلك الخطوة الآن، كأن الحقيقة التي تلقاها لم تكن كافية، فـ أراد أن يخرس الشيطان الذي يتجول في عقله.
أخذ “حمزة” هويته بعد تسجيل البيانات، ثم سأل بترقبٍ :
– عايز اعمل تحليل DNA ضروري، يطبع في قد إيه؟.
فأجابه موظف الإستقبال :
– من ٧ أيام لـ ١٠.
سحب شهيقًا لصدره وكتمه لحظات، ثم أردف بـ :
– طب انا عايز نعمله، بس الإجراءات هتتم في سرية تامة.
*********************************

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى