روايات

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الثامن 8 بقلم عائشة حسين

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الثامن 8 بقلم عائشة حسين

رواية ملاذ قلبي سكن الجزء الثامن

رواية ملاذ قلبي سكن البارت الثامن

ملاذ قلبي سكن
ملاذ قلبي سكن

رواية ملاذ قلبي سكن الحلقة الثامنة

امرأة فقدت الأمان لا تسألها عن الحب
لا تسأل عن رغبتها في الاستمرار
الأمان شعور لا يُقارن،
لذلك .. نحن لا نبحث عن من يحبنا
بقدر ما نبحث عن من لا يؤذينا 🌹
منقول
**********
دخلا للمطبخ، وقف مستندًا على الحائط يزفر بضيق من إجبارها له، والإنفراد بتلك الغاضبة الآن.. نظر لما حوله نظرة تقييمة للوضع قبل أن يوجّه سؤاله لها في برود (هنبدأ منين.؟ وورد كانت بتعمله إزاي.؟ بالماكينة ولا الكيس ولا إيه.؟) تجاهلت حديثه كأنها لم تسمعه وتابعت العمل دون أن تلتفت إليه ولو مرة واحدة
زفر بغيظ قبل أن يبارزها بنفس البرود والتجاهل وجلس ممسكًا بهاتفه ينقر فوقه باهتمام بينما هي ترمقه بطرف عينيها في حنق لا تجرؤ لا على الحديث ولا الحنث بقسمها له.
حين جاءه صوت الأخرى الصاخب فتح مُكبر الصوت ووضع الهاتف فوق الطاولة واقترب للمساعدة وإنجاز العمل،
(أهلا بالهربان دايما، وسايبنا نخبط راسنا ف الحيط)
ابتسم مهادنًا يتملقها بصبر (جلبك أبيض يا كبيررة.. لأجل خاطر ورد..)
أشهر بوجه غضبها كارتًا يعرف تأثيره، لتتنهد هند متراجعة عن لومه وتقريعه (هي الي مصبراني عليك والله..) ثم صمتت لتفاجئه بضحكة صاخبة َوسؤال (يكنش هتتجوز عندك وبتشتغلنا يا حموزتي)
لم ترق المحادثة للأخرى زمت شفتيها في نفور وإنزعاج واضح منفعلة بغيظ من تلك التي تدلله بكل أريحية وتعوّد..
هتف مستنكرًا ما تقوله (يوم ما أتجوز أتجوز من هنا.؟ بعدين ما إنتِ عارفه أنا توبت خلاص)
ما باله يقولها بترفّع، لماذا لا يتزوج من هنا.؟
وما معنى التوبة.؟ ماذا يقصد هذا الأحمق.؟
عادت هند للجدية متسائلة (طيب هتتأخر.؟)
قال بإستياء واضح (أتمنى لا)
تثاءبت قائلة (طيب يلا عايزه أنام.. متنساش تجبلي من عندك الي قولتلك عليه)
ابتسم قائلًا (يلا سلام مش هنسى أكيد)
(سلام)
أغلق الإتصال وعاد يسأل التي تعمل منشغلة عمن حولها أو هكذا تدّعي رغم أنه يعرف أنها شديدة الفضول.. لن ينكر اشتياقه لها ولثرثرتها اللانهائية وبهجتها حينما تعرف عنه شيئًا، التفت إليها يطلب بجفاء مُفتعل (روحي ناحية الفرن وأنا هشكّل.؟ )
فعلت كما طلب، خطت ناحية الفرن بطاعة وصمت.. ليعاود السؤال متأففًا ربما تلين وينتهي هذا العبث (هو إيه الكمية دي أصلًا.. هتوزعوها ع البلد.؟ )
صمتت بصبر وإصرار، تستمع ولا تنطق، بل تتجاهل، ليستدير ويقف خلفها زاعقًا بغيظ (ماتردي..؟ لسانك فين..؟)
رمقته بنظرة باردة وهي تعاود النظر للفرن غير عابئة به، مما جعله يفقد الأمل فيها ويعاود العمل بصمت ٍويأس بعد أن نقر فوق الهاتف لتصدع أغنية عاليًا..
سخرت داخلها منه(هو إنت من بتوع كاظم)
عَمِلَ بجدٍ حتى يُنهي الأمر سريعًا، يعطيها ظهره صارفًا تفكيره عنها بعدما حاول معها ورفضت، هل يقبّل رأسها لترضى..؟ فلتفعل ورد ما تشاء لن يتنازل أكثر.
بينما كانت هي مغتاطة بشدة لا تطيق خصامه وهما الآن سويًا حيث يمكنها الثرثرة معه كثيرًا كعادتها وإخباره بالعديد الذي يشغلها ولا تبوح به لأحد لكن معه يمكنها أن تفعل وكلها ثقة من أنه سيستمع بصبر ويحاورها باهتمام.. لكن كبريائها يمنعها من فعل ذلك بعد كلماته وأفعاله..
أنهى جزءًا كبيرًا ثم جلس ليستريح، شاعرًا بالإرهاق والتعب.. أراح رأسه فوق الطاولة الصغيرة وأغمض عينيه بوهن حقيقي
رمقته بنظرة مشفقة،وقلبها لا يطاوعها على تركه هكذا.. استسلمت لسلطانه وتقدمت مُتخلية عن عنادها مُطلقةً صراح كلماتها (ممكن تروح تنام عادي وأنا هكمّل)
تفاجىء بحديثها المرتبك، فتح عينيه يطالعها بنظرة غامضة قبل أن يهمس بتعب (لا إنتِ ممكن تروحي تنامي)
قالت موضّحة (أنا متعودة ع السهر وكمان نمت في النهار كتير)
غمغم وهو مغلق العينين يمنع ابتسامته أن تقفز انتصارًا وبهجة (لااا..)
حال بينهما الصمت لوقتٍ طويل،
لا يدري فيه أن النوم قد سحبه إلا حينما خرجت مُفتشة حولها في بهو المنزل عن غطاء يمكنها أن تُدثره وتقي به جسده المُنهك برد الليل و دون اللجوء لحجرة ورد حتى لا توبخه وتوقظه معاقبةً.. وجدت معطفًا خاصًا به فسحبته متسللة عائدة للمطبخ ووضعته فوق جسده بحنو ليفاجئها بهمسه الملبّد بالنوم(شكرًا)
صمتت في إنعزال،تتابع ما تفعله بجهد.. متعجبة من تلك الليلة وما يحدث لها.
همس بإسمها في رقة طاغية، فاستدارت مُلبية، دقاتها تتواثب في اضطراب غير مُصدقة أن فعلها (سكينة..)
عاندت سمّعِها، كذبت أذنها التي سمعت،وشككت ربما يحلم أو أن أمنيتها تتلاعب بها، فاستدارت للعمل لكنه فاجأها بقوله التالي وتفهمه لحالتها (أيوة سمعتي صح…..)
ازدردت ريقها الذي والتفتت له تتأمله، مازال واضعًا رأسه فوق ذراعيه المضمومتين فوق الطاولة.. قال بنبرة دافئة كأنما دثرها بمعطفًا قد صنعه من حنانه الوفير (أنا آسف مجصدش أزعلك ولا أجصد الي سمعتيه حجك عليا، بالعكس أنا وحشني زنّك جدًا يا سكينة وافتقدتك أكتر…)
بهتت ملامحها وارتجفت من عمق نبرته وصدق إعترافه لها، حارت في أمرها لا تُصدق.. لكنها وجدت نفسها منساقة له بحنين، قلبها رضيّ وغفر دون قيود ولم تستطع السيطرة عليه فقالت بتوتر ودون قيود من عِناد وكِبر (وأنا كمان آسفة على الي عملته)
سرى بينهما الصمت،سكتت الألسنة وأخلت الساحات لمشاعر كثيرة مختلطة ومتشابكة .
انتفض بعدها متمطئًا، يتثاءب بكسل وهو يسألها (عملتي إيه ف البسكوت.؟)
قالت بإنهاك بعد أن أفرجت عن كلماتها وصفحت عنه قابلةً إعتذاره وكلماته التي مازالت محتفظة بها في عقلها وفي حنايا القلب (اهو بشتغل)
قال بأسف حقيقي لأجلها (معلش اتعطلتي يا سكينة بجول روحي ذاكري شوية وأنا هكمّل)
أجابته مستمتعة بالحوار معه وعودته من أرض الخصام والعناد (لا عادي فدا مرت خالي ورد)
قال بإبتسامة ودودة وحنان يتفجر من نظراته التي تحيطها (يلا شكّلي شوية وهجف أنا جدام الفرن)
أمسكت بالمكينة متحمسة، قائلة (هعمل كله ورد أو أي حاجه غير الجلوب )
أومأ برأسه في رضا وموافقة لتبدأ في التبديل والصُنع.. فشلت مرة وأخرى وهو يراقبها بصبر لا يتقدم لمساعدتها تاركًا لها تحاول.
حين نجحت قفزت صارخة بضحكة طفولية (بص يا حمزاوي طلعت جميلة)
تأثر من عودتها لتدليله مرة أخرى، لم يدر أنه افتقده إلا حينما عادت تنطقه مرةً أخرى فشعر بمدى شوقه إليها وإلى حديثها العفوي المُحبب المملوء بعاطفتها الصادقة، فابتسم منتشيًا
أكّد وهو يطالع ما صنعته بحماس، مغازلًا لها (حلوة يا سكينة بس مش أحلى منك)
ارتبكت من كلماته التي خرجت من فمه مُدللة بنظراته صاخبة المشاعر التي وجّهها لها الآن.
لمعت عيناه بمشاغبة وهو يقترب منها يطلب (بجولك)
أجابت بإبتسامة دون أن تلتفت خجلًا منه (جول يا حمزاوي)
أملى عليها خطته ليتفقا وتهز رأسها بالموافقة متحمسة سعيدة بتلك المغامرة، تغوص نظراتها ببئر عينيه ترتوي منه بعدما افتقدته طوال تلك الفترة الماضية..
غادر وهي خلفه، دخلا الحجرة وامتثلا أمام ورد التي تفحصتهما بدقة بعدما خفضت كتابها..
بادر قائلًا بضيق وهو يقف أمامها تجاوره الأخرى بملامح جادة في عزمٍ وتصميم بعدما اتخذا قرارهما وجاءا إليها معلنين الثورة والتمرد (خلاص يا ورد)
انتبهت لمجيئهما بلهفة وهي تبادلهما النظر والترقب، تحاول أن تعرف ما وصلا إليه (ها اتصافيتوا)
بادرت سكينة بالإجابة وهي ترفع ذقنها في كبرياء بينما ترمق حمزة بطرف عينيها في نفور مصطنع (لا ومتحاوليش إحنا اتفجنا إن كل واحد فحاله)
ضيّقت ورد عينيها وتابعت بصبر قبل أن تسألهما، بغضب مكتوم ونظرات مشتعلة (بجا كِده.؟)
هز رأسيهما بترتيب واتفاق وهما ينظران لبعضيهما نظرة تأكيدية قبل أن يشيحا برأسيهما في إعتراض واستياء مصطنع
همس حمزة للأخرى من بين أسنانه بخفوت ساخر حتى لا تسمعه ورد (حطّت يدها ع الشبشب أو الجزمة، بتختار إيه تضرب به ، استعدي علشان ضربتها مبتخيبش)
قالت هازئة بخفوت ونظراتها تتجول حول كف ورد التي تمسك بالخف البيتي (إنت مجرب بجا يا دكتور..؟ )
أكد بسخرية ونظراته تتابع كف ورد (اجفي وجربي إنتِ كمان، خلاص أنا حسبت الزاوية والاتجاه مع نفسك بجا )
وحينما رفعت ورد ذراعها موجّهة الضربة لهما قفز حمزة مبتعدًا ليصطدم الحذاء بوجه سكينة التي لم تصدق قوله..وتأكدت حين التصق الخف بوجهها وصافح ملامحها بقسوة
تأوهت بألم بينما ضحك حمزة ضحكة قصيرة جذبت انتباه الأخرى ليقول (جولتلك إلحجي نفسك)
انجذبت لضحكته القصيرة التي مزقها ولم تكتمل، ابتسمت رغمًا عنها قبل أن تقول غير مُصدقة (اتفاجئت فكرتك بتهزر)
صاحت ورد وذراعها يرتفع بحذاء أخر كان من نصيب كتف حمزة الذي لم ينتبه لها وانشغل بحديثه مع سكينة (بتشتغلوني يا حمزة)
تأوه هو الآخر ممسكًا بكتفه في ألم، بينما ضحكت سكينة تشفيًا فيه كما فعل.
لاحظ حمزة قطرات الدماء فانتفض من جلسته، واتّجه ناحيتها مفتشًا في وجهها بقلق، فتقهقرت بخجل من اقترابه منها لهذا الحد
قال باستياء وهو يقترب من جديد (وريني يابت)
اكتشف جرحٌ صغير بجبهتها حين تأمل وجهها بعناية، فعاتب والدته وهو يُجلس الأخرى (عاجبك كِده هي ناقصة.. دي كلها إصابات)
أبعدته سكينة عنها بخجل وهي تهتف بنبرة محايدة (عادي مفيش حاجه)
قالت ورد بإستهانة وهي تراقبهما بإهتمام (عالجها يا دكتور مش كله بسببك)
غادر؛ ليحضر قطنة وضمادة طبية صغيرة.. ثم عاد يهتف بأسف (مسكين الي هياخدك والله وشك بجا كله علامات)
رفعت ورد حاجبها قائلة بخبث (ايه مسكنه بجا..؟ بكره يقدر العلامات دي علامة علامة وَجرح جرح ويكونله مع كل جرح ذكرى )
همست له بخجل وإرتباك (مرت خالي جصدها إيه.؟) أجابها بسخرية ونظراته لا تبرح جبهتها (لا دي فقرة الغاز متركزيش علشان متتعبيش)
همست له بإنبهار مُخرجة ما كتمته نتيجة خصامها له (مرت خالي طلعت جميلة جوي يا حمزاوي)
ابتسم يبادلها همسها سعيدًا بعودتها لطبيعتها معه (ما أنا عارف.. وبعدين هي قالت عنك كِده برضو)
سألت بعدم تصديق لاهية عن نظرات ورد وابتسامتها الرائقة (بجد…)
هز رأسه بتأكيد فطلبت وهي تمط شفتيها، مندفعةً بلهفةٍ واشتياق(حمزاوي عايزه أحكيلك حاجات كتير)
وقف قليلًا ينظر لعينيها بحنين؛ ليبتسم بعدها ويشجعها محتويًا مشاعرها البريئة بحنان كما عودها (احكي أدينا جاعدين اهو)
عارضت بحياء وإرتباك وهي تخفض نظراتها (لا هبجا أكتبلك أو لما نكون لوحدنا)
انتبها على هتاف ورد الماكر (بتضحكوا عليا يا حمزة..؟ )
تأكد من لصق الضمادة قبل أن يبتعد ويغادر ليجاور والدته مبتسمًا يُراضيها (جلبك أبيض يا أم حمزة)
قالت تستشف منهما ما يدور خلف ظهرها بعد تلك الهمسات الخفية (هتناموا..؟)
قالا في نفسٍ واحد (لا هنجعد)
نظرا لبعضيهما في توتر لتبتسم ورد وهي تسألهما (خلّصتوا الي طلبته.؟)
أكّد حمزة بهزة رأس (أيوة)
أمسكت سكينة بكتابها ومن فوقه هاتفها مدّعية الإنشغال والمذاكرة.. ليفعل هو مثلها ويفتح حاسوبه بعدما جلس على طرف الأريكة بالقرب منها، كتبت هي بلهفة
(وحشتني يا حمزاوي افتقدت الكلام معاك جوي) لم يتجاهل ما حدث وسألها ليفهم
(عملتي البلوك ليه..؟)
قالت مُصارحةً له دون خجل
(مكنتش عايزه اتعود عليك أكتر من كِده)
تعجب من صراحتها التي أربكته وشتت أفكاره، لتكتب اعتذارها الثاني
(أنا آسفة يا حمزاوي ينفع نبجا أصحاب.؟)
ابتسم لجمال قلبها ورقته وعفوية مشاعرها ونقائها (هفكر يا بنت المجانين)
تأففت وهي تكتب في ضجر منه
(إنت رخم يا حمزاوي)
قال ببساطة (عادي)
سألته بإهتمام غير لاهية ولا متناسية حزنه الواضح بنظراته
(جولي بجا مالك.؟ راجع مش زي كل مرة)ابتسم تقديرًا لاهتمامها به
(مفيش حاجه)
بادلها اهتمامها بآخر
(جوليلي إنتِ يا حلوة أخبارك ايه.؟)
قالت مُفصحةً له
(مفيش جديد بس سعد بجا بيجرفني كتير وأنا خايفه ألبس فيه والله)
شاكسها بغلظة(تستاهلي)
عاتبته برقة وحنو
(أهون عليك اترمي الرمية دي يا حمزاوي)
كتب يغيظها (آه) ثم تابع مُشفقًا عليها
(هطلع ونامي كفاية سهر، تعبتي مع ورد)
قالت متلهفة لا تريد ترك الحديث معه
(مش مهم المهم اتصالحنا ف الآخر، خليك شوية نتكلم)
رفض موضحًا (لا عايز أسافر أسيوط)
عرضت عليه (ما تاخدني معاك)
فكّر قليلًا ثم كتب
(أممم لو ينفع هاخدك بس مش هينفع.؟ وبعدين ممكن نتأخر و نجعد يوم كامل)
(تصبحي على خير)
تنهدت وهي تكتب (وأنت بخير يا حمزاوي)
نهض حمزة من جوارهما قائلًا (يلا بجا هروح أنام)
رمقتهما ورد بنظرة فطنة وهي توجّه لهما كلماتها الكاشفة لما يحدث ويدور بينهما (خلصتوا كلام جولتوا كل حاجه وخلاص؟)
نظرا لبعضيهما في ريبة وزعر لإنكشافهما، ضحكت ورد ساخرة منهما (مش عليا أنا، فاكريني عبيطة إياك)
اندفع حمزة للخارج وهو يقول (حاشالله دا إحنا الي عُبط..)
أشارت ورد لسكينة التي تلوّنت بالحمرة، ونظراتها نظراتها تتابع حمزة (تعالي نامي كفاية عليكي كِده)
أغلقت خلفه باب الحجرة بعدما ودّعته بنظراتها وامتثلت بعدها لطلب ورد، جاورتها مقتسمة معها الفِراش بسعادة.
********
في اليوم التالي مساءً
جلست ورد بينهن يتطلعن إليها بحب غُزل بإنبهارهن خاصة تلك الصغيرة التي تجاورها وتلتصق بها في محبة وتقدير، لا تخفي عاطفتها ولا تتصنعها بل تغدقها بعفوية
هتفت بمشاكسة (أوصفيلنا خالي واحكيلنا عنه.. وإزاي اتجابلتوا)
حركت ورد رأسها مستكشفة ملامح الصغيرة قبل أن تقول لها بعاطفة حارة (بصي لحمزة..)
اهتزت ابتسامة سكينة وتواثبت دقاتها متذكرة له؛ لتضحك راضية مؤكدة (سبحان من صوّر حمزة نسخة من أبوه فكل حاجه)
اقتحم هو جلستهم يعلن عن وجوده بحمحمة وتحيّة (السلام عليكم)
رد الجميع السلام بترحاب، تابعته سكينة بنظراتها حتى جلس مُقابلًا لها، يجاور مودة التي أخفضت نظراتها في أدب وخوف من أن تفضح تعلقها به وخجلها منه..
قال ممازحًا الصغيرة وهو يرميها بنظرة عابثة (متحكيلهاش ياورد هتاكل دماغك)
ضحكت راضية مؤكدة قوله بينما صمتت مودة بإبتسامة رقيقة و حياء (معاك حق يا ولدي دي ربنا ينجينا لو حطّت فمخها حاجه)
توعدته بنظراتها التي قست، لكنه قابلها بأخرى مستهينة ساخرة.. مال حمزة يسأل مودة عن أحوالها (إزيك يا مودة عاملة إيه.؟ وأخبار دراستك.؟)
همست سعيدة لمبادرته والحديث معها (الحمدلله بخير يا دكتور) سألها بحنان (محتاجة أي خدمة.؟)
قالت ممتنة له (تسلم ربنا يخليك يا دكتور)
تجاذب معها أطراف الحديث (جبتلك جزء من كتب خالك يارب يعجبوكي)
رفعت له نظراتها متفاجئة بعدم نسيانه واهتمامه بها (بجد.؟ شكرًا يا دكتور)
مالت تمسك بكتاب كان يجاورها، أعطته له قائلة (دِه آخر كتاب) تناوله منها مبتسمًا فتحه فوقعت نظراته فوق ورقة قديمة صفراء مهترئة مكتوب عليها اسمًا (سكن)
ردده بحيرة لتوضّح مودة (أنا لجيتها في الكتاب وسيبتها)
تساءلت ورد وهي ترمقهما بنظراتها الثاقبة (مكتوب فيها إيه الورجة يا حمزة.؟)
ابتسم حمزة بحنين وهو يتفحص الورقة والشخبطات والكلمات المتفرقة المحيطة بالاسم، وقال بشجن (دِه خط أبويا يا ورد.. ورجة من الي كان بيحطهم بين الصفحات)
اقتسمت معه شجنه وهي تسأله بنظرات لامعة (مكتوب إيه.؟)
قال بتردد مندهشًا والاسم يتردد داخله قبل أن يلفظه لسانه (سكن)
سارعت راضية بالهتاف بعدما استمعت للاسم (عبدالحكيم كان نفسه يسمي مودة سكن)
تعلقت نظرات حمزة بورد التي اضطرب داخلها وتذكرت هي أيضًا رغبة زوجها في تسميته، لكنها تجاهلت سؤال حمزة الذي قرأته في سطور عينيه.
أعاد الورقة للكتاب قائلًا بإعجاب واضح (اسم حلو) لكنه سرعان ما هتف (بس مودة أحلى)
ابتسمت مودة تضم شفتيها في خجل، ليوجّه حديثه للأخرى الصامتة على غير عادتها (اهو أرحم من سكّينة)
رفعت حاجبها مؤيدًا مع قولها الممتعض (إذا كان عاجبك)اعترضت ورد بمحبة (وماله اسم سكينة يا حمزة.؟ هو إنت ناجص سكينة الكبيرة.؟)
خجلت راضية متذكرة موقف والدتها المُشين من حمزة ووالدته، وكسرها خاطرهما بعدم الخروج والترحيب بوجدهما.
لمعت عينا سكينة بالأسف مستنكرة موقف جدتها برغم حبها لها لكنها لم تتغاضى لها عن فعلتها تلك واستنكرتها بشدة حتى أنها اصطدمت معها أكثر من مرة لأجل حمزة..
انسحب حمزة من تلك الجلسة بعد أن رن هاتفه.. لتزيح راضية أتربة الحزن وتهمس بخجل رغم سنوات عمرها (لسه بتخيطي يا ورد.؟)
قالت ورد (قليل يا راضية..؟ معدش في صحة)
هتفت سكينة منبهرة بما تسمع (مرت خالي ورد بتخيط.؟)
أكدت والدتها بإعجاب (أيوة كانت بتخيط كل هدومها.. ثم همست بحياء (فاكرة بدلة الرجص يا ورد)
ضحكت ورد بإنطلاق قائلة (لسه فاكرة..؟)
قصّت راضية بصوت خفيض لم يغادره الخجل
(خيطتيها..و لما جولتلك ليه..؟ وهتلبسي كيف الغوازي.؟
جولتيلي علشانه أعمل أي حاجه وعلشان ميبصش بره، وعينه متشوفش غيري دايما )
قفزت سكينة تسأل (بتعرفي ترجصي يا مرت خالي) أكدت راضية (محدش يعرف يرجص زي مرت خالك) صرفتها ورد قائلة (جومي اعملي لحمزة ولينا حاجه نشربها) نهضت موافقة لكنها حذرتهم بحدة (متحكوش حاجه من غيري) أكدت ورد بحنو امتزج برقتها (ماشي بس يلا) اتجهت للمطبخ لكن قبل أن تبدأ راسلته (تشرب إيه يا حمزاوي)
ابتسم لرسالتها وكتب (اعمليلي كوباية من دمك..) كتبت بضجر (سخيف)
خيّرته بصبر، رغبةً في إرضائه
(نسكافية.. قهوة.. سحلب.. كاكاو..)
كتب (القهوة مبحبهاش غير من يد ورد. فمفيش مشكلة ممكن نسكافية يا حلوة.. وتعالي اجعدي معايا شوية عايزك )
كتبت بحماس وسعادة حقيقية (حاضر)
بعد قليل وزعت المشروب عليهن ثم أخذت كوبه وخرجت تبحث عنه فوجدته فوق آريكة مجاورة للمنزل ينتظرها، منحته نصيبه فتبسّم شاكرًا وأشار لها (اجعدي يلا)
سعدت لأجل اهتمامه ولهفته بوجودها.. (أخبار المذاكرة إيه.؟)
أجابت وهي ترتشف من كوبها
(تمام ماشي الحال، عايزني فايه يا حمزة.؟)
رفع كوبه لشفتيه مستعدًا للإرتشاف وهو يخبرها بمكر (وحشتيني وافتقدتك )
اندفع ما بفمها متناثرًا من وقع المفاجآة وتأثير كلماته.. راقبها بدهشة عظيمة محملقًا فيها.. لترفع نظراتها إليه مرتبكة فيقول (مالك يا فصيلة.؟)
ارتشف من كوبه قليلًا قبل أن يبصق ما ارتشفه ممتعضًا يوبخها (إيه حاطه كيلو سكر)
مازالت ضائعة لم تتمالك نفسها من بعثرة كلماته التي أفقدتها هوية المشاعر، ترمقه بنظرات مضطربة مهزورة، انتشلها مقرًّا (مبحبش الحلو يا سكينة ماليش فيه.. أخري لو هحطّ سكر يبجا معلقة)
التقطت أنفاسها وأجابت (أبجا اعمله لنفسك)
قالتها ونهضت بكوبها زاهدةً الجلوس معه، بعد ماقاله، ظنت أنه لو تعامل معها بنفس البساطة لسعدت لكنها اللحظة أدركت
كلمة واحدة منه بتلك البساطة والنبرة كفيلة بإرباكها عام كامل.
دخلت يشيعها بنظراته المتعجبة مغمغمًا (مجنونة باينلها)
صفعها سؤال والدتها الحزين (مجوزتيش حمزة ليه يا ورد.؟ سبتيه ليه)
قالت ورد بنبرة حزينة مشفقة على عمته من الخبر (حمزة اتجوز)
فغرت سكينة فمها غير مصدقة، متصلبة مكانها لا تقدر على الحركة حتى لا توقف اعتراف ورد بدخولها ولا إلهائها بمجيئها عن التكملة.. شهقت راضية (اتجوز متى.؟ ومن غير ما نعرف)
شعرت ورد بالشفقة عليها لكنها تابعت وهي ترى شحوب وجه مودة (كل حاجه جات بسرعة)
تساءلت راضية ودموعها تهبط في أسف وحزن (فينها ياورد، مجبتوهاش ليه.؟)
شردت ورد بحزن غامض قبل أن تنظر لعيني راضية قائلة (ماتت يوم صبحيتها يا حبيبتي الله يرحمها)
سقط الكوب من كف سكينة مُحدثًا جلبه عظيمة وجذب الانتباه إليها..
بينما توقفت أنفاس مودة غير مصدقة ما قيل…
انهمرت دموع راضية وانطلق بكائها يشق الصمت في آسف وحزن وهي تغمغم من بين شهقاتها الملتاعة المشفقة (يا حبيبي يا ولدي..)تطلّعت إليها ورد مفكرة مقدرة صدمتها، فراضية ذات قلبٍ طيب رقيق كأفئدة الطير، خاصة حينما يتعلق الأمر بعبد الحكيم وحمزة.. رغم حزنها لعدم معرفتها لكن ما سيطر عليها اللحظة هو جزعها لكسر فرحته وصدمته القوية.. شعرت بنصل بارد يشق قلبها شقًا حينما تخيلت ما عاناه وحدث له وتحمله وحده.
هدأتها ورد بحنان (خلاص يا راضية مش هيفيد ادعيله يهديه ويصبره خمس سنين جافل جلبه ومراضيش )قالتها ووجهت نظراتها لسكينه التي استرخى جسدها وهبطت تلملم الكوب المكسور بعدما استعادت وعيها وإدراكها مفكرة فيما قيل وسمعته إذا الحزن المسافر بعيني هذا الصموت لم يكن سببه هينًا ولا عاديًا بل صدمة وفقد لم يتخطاه حتى الآن…
تضاربت المشاعر على وجوههن، وساد صمت خانق، مودة مازالت لم تفق من صدمتها، أما سكينة فدموعها لا تتوقف كما والدتها ونظراتها مثبتتة على باب المنزل بأسف،راضية تمسكت بحداد على أمر مضى لكن هذه هي راضية.
غمغمت ورد بإبتسامة حزينة شاردة (تعالى شوف الي بتبكيك دي ياحمزاوي يمكن تفهم)
***************’
في اليوم التالي
هتفت عاليا قائلة وهي تترقب وقع المفاجآة عليهم جميعًا (تعرفوا إن حمزة كان متجوز.؟)
تطلّع إليها الجميع في صدمة، لتبادر نفيسة بالسؤال (عرفتي منين.؟)
قالت وهي تعبث بهاتفها في استهانة (البت سكينة جات امبارح وبتجول ورد قالتلهم.؟)
تساءلت الجدة بإهتمام (وراحت فين مرته دي.؟)قالت عاليا بأسف ظاهري (سكينة بتجول إنها ماتت يوم صباحيتها)
صرخت نفيسة (يا ساتر يارب الشر بره وبعيد)مصمت الجدة قائلة (شوم زي أمه.. من يوم ما اتجوزت ولدي وخدته منينا وهي شوم عليه.؟)
امتعضت نفيسة ضائقة بالخبر، متشائمة منه تحمد الله أنها لم تسمع لعمها فيما يتعلق بزواج عاليا بحمزة.. فوق كونه أرمل فهو شؤم على من سيتزوجها…
قالت نفيسة ساخرة نفسها تمتليء بالسعادة والتشفي (دا مين الي هيرضى يجوزه بته تاني .؟ الواحد يخاف منه لياكلها زي الجديمة)
قررت عاليا منذ سمعت الخبر أن تصرف ذهنها عن التفكير في هذا الأمر، ماذا يعيبها لتتزوج أرملًا وتصبح زوجة ثانية، غير أن صدرها انقبض وشعرت بالنفور منه فور معرفة الأمر، لذا قررت أنه لا يصلح لها ولا تصلح له.. وليبقى ما أحسّت به تجاهه مجرد قصة عابرة كغيرها وإعجابًا سيندثر مع الأيام.
*******
تحرك مغادرًا لمنزله، يزفر بضيق مع كل خطوة يتقدمها..اليوم سأله جده عن حقيقة زواجه فأجاب، لتتدخل نفيسة المترقبة وتسخر منه، وتنعته بأبشع الألفاظ، ترميه بنظرات نافرة كأنه وبالًا، أخبرته أن من تموت عروسه في يومًا كهذا شؤمًا ولا يحق له الإرتباط بثانيةً ولن ترضى به أخرى فمن تلك التي ستأمن على نفسها معه..؟
ليتها ورد ما أخبرتهم ولا أطلعتهم على حقيقة الأمر لينال هو في النهاية أسوأ شعور في العالم، أحسّ بخطواتها خلفه
فهتف وهو يقف مكانه بصلابة، يسألها ونظراته الحزينة تتتوزع فيما حوله (جايه ورايا ليه يا سكينة.؟)
شهقة خافتة عبرت حدود شفتيها من إدراكه لها، قبل أن تهتف بكبرياء (عادي مروحه مش جاية وراك)
ابتسم بغموض قبل أن تحيد قدماه ويتركها مُتجهًا من ناحية أخرى.. زفرت في غضب من فعلته قبل أن تُسرع الخطى خلفه وتلحق به مناديةً (حمزة استنى)
توقف مكانه متسائلًا وهو يستدير (نعم..)
ثبتت نظراتها الغائمة بالمشاعر فوق وجهه قائلة (متزعلش ياحمزة)
عاتبها بحنو وهو يمرر نظراته فوق ملامحها المتأثرة (كل ما هيجولولي حاجه تزعّل هتجي ورايا تجري.؟)
جعدت أنفها قائلة وكتفها يهتز بإستهانة (عادي جبر الخواطر عبادة)
صمت قليلًا مطرق الرأس بتفكير، قبل أن يمرر لها وجعه في نظرات هزت دقاتها، ثم هتف بإبتسامة ساخرة (هما مكدبوش ياسكينة أنا فعلا نحس وشوم ووشي مكانش حلو على مرتي وماتت).
قالها بغصة وجع مريرة، جعلتها تضم شفتيها بألم عاجزة عن وصفه، تستنكر بغضب (متجولش على نفسك كِده يا حمزة الأعمار بيد الله هو إنت موتها.؟ )
لمعت عينيها بحفنة دموع تجمعت منددة بالسقوط وهدم الحواجز، نظر إليها بقوة مندهشًا من عاطفتها وتوجعها لهذا الحد من كلمات (لا أنا نحس وعادي يا سكينة خليهم يجولوا)
ضاق صدرها واكتوت بنيران حسرته، تهدلت خيوط الدمع وهي تشيح هربًا من نظراته تستجمع كلماتها قبل أن تقول بينما تمسح دموعها (لا مش نحس.. ربنا يرحمها ويصبر جلبك)
سألها بمزاح مشفقًا عليها وعلى قلبها الرقيق (المفروض أنا الي أزعل، إنتِ بتبكي ليه يا زفته؟)
همست بصدق ونظراتها تضمه في حنو (الكلام العفش بيوجع ياحمزة ومبتحمّلوش).
لم يكن هذا ما جعلها تبكي، لكن اندفاعها وحكيها لابنة خالها اللعينة في لحظة حزن وانهيار منها بعدما عرفت هو ما يجعلها تبكي الآن متمنية لو تعتذر له عن فعلتها الحمقاء التي جلبت له الحزن، وتطلب المغفرة منه على إفشائها سره ليصبح مضغة تلوكها الأفواه، ومجال سخرية لآخرين يكرهونه
لكن مهلا لن تترك ابنة خالها هكذا، ستؤدبها على فعلتها..
همست بها داخلها بثقة وتحدي، وهي ترفع نظراتها إليه باعتذار صامت مغلّف بالندم ربما لم يفهمه لكنه نفض تأثره بتلك اللحظات وسألها (رايحه فين دلوك.؟ بيتكم ولا بيت جدتك.؟)
شردت قليلًا مُفكرة قبل أن تحسم أمرها (هروح لمرت خالي ورد)
سارا جنبًا إلى جنب متذكرًا والدته التي لو علمت، لن تمرر الأمر بسهولة وإن مررته ستحزن حزنًا عظيمًا،رجاها حمزة برفق(متجوليش لورد يا سكينة)
أكّدت بعاطفة شديدة تعده وعدًا صادقًا (متخافش مجدرش أضايجها)
طرقا الباب بعدما وصلا، لمحتهما ورد فتهللت ونهضت تستقبلهما بفرحة غامرة (اهلا…)
تقدمت سكينة وضمتها بمودة لا تكف عن إظهارها ثم جلست مجاورةً لها تسألها عن حالها (ازيك يا مرت خالي ورد.؟)
بادلتها ورد مودتها وعاطفتها الصادقة وهي تنظر لعينيها بدقة كما تعودت (الحمدلله.. إنتوا جايين مع بعض من فين؟؟)
رفعت نظراتها لولدها الصامت، الواقف يتابع بإبتسامة كعادته، أجابتها سكينة وهي تمط شفتيها بإستياء (من عند الضالين)
قطبت ورد أول الأمر مستفهمة، ليوضح حمزة وهو يجاورهما (قصدها بيت جدها)
ضحكت ورد قائلة (ماشي ضالين ضالين بس شكلكم مش مطمني..؟ )رمت سهام نظراتها بوجهه حائرة مرتبكة تستمد قوتها من الوعد الذي قطعته، منحها ما تريد عبر نظراته فاستعادت توازنها قائلة بإحباط امتزج بسخريتها (عادي اتخانجنا في الطريج وولدك جلي يا زنانة، وأنا بسامح آه بس علشان خاطرك )
رماها بنظرة جانبية وتعبير غامض محتفظًا بصمته، منصتًا دون حديث، فقالت ورد (خاطري شراه غالي.. ليه الغالي.، صُح ياحمزة..؟ )
قال وهو يقف و يتوجّه لحجرته متعبًا (حمزة عايز ينام.. كملي مع سكينة الألغاز اهو تنشغل بيها وتبطّل تتنطط حوليا)
اتسعت عينيها بصدمة من كلماته، قبل أن تتلون وجنتيها بالخجل وهي تهتف بضجر (أنا..؟ طيب سامعة.؟ )
سحبته والدته من معصمه وأعادته ليجلس بينما هو يطلق زفرة حادة قائلًا (ها…..؟)
حذرتهما ورد بلهجة حادة مدّعية (بجولكم إيه.؟ أنا راسي وجعاني ومتحملش عمايلكم دي والمناكفة دي.. جوم ياحمزة سخن الأكل )
نهضت قائلة (أسيبكم أنا)
أمسكت بها ورد قائلة (رايحه فين على المطبخ سخني معاه واجعدي اتغدي)
تعللت معتذرة (معلش اتغديت همشي)
لكزته ورد ليتحدث لكنه كشف أمرها (ها..؟هي مش عايزه أأكلها بايدي يعني ولا إيه ..؟)
تضرجت وجنتاها بالحمرة من كلماته وغمزات ورد اللائمة وتأففها من أفعاله..فاعتذرت منهما بخفوت واستأذنت هاربة مما يحدث.
***
في اليوم التالي
دخلت من باب المنزل لتصطدم بجسده فارتدت للخلف مرتعدة تحاول التماسك.. بينما هو ركض غير عابئ بها شياطينه تتقافز وغضبه يستعر..
دخلت متسائلة مشغولة بأمره متحيرة فيما أصابه (خير يا مرت خالي مال حمزة.؟)
ضمت ورد الشال حول كتفيها بصمت ثقيل، لترفع سكينة هاتفها وتكتب له (مالك يا حمزة ومال مرت خالي زعلانه كِده.؟)
أجابها بإقتضاب (اسأليها)
تركت سكينة الهاتف واقتربت تضم ورد من كتفيها قائلة بحنو (مالك بس.؟ حمزة مزعلك ليه.؟ ومزعلة حمزاوي ليه.؟)
نظرت ورد لعينين الصغيرة اللامعة وعاطفتها الوفيرة التي تندفع كالسيل وتغرقهما بها على الدوام دون طلب
ثم همست بغضب (حمزة عزم أخت مرته وأخواتها على الافتتااح بتاعه)
صمتت سكينة مفكرة بإضطراب وضيق احتل صدرها وطمس أمانها (طيب وايه المشكلة.؟)
قالت ورد بحدة وغضب (لا مشكلة أنا مش موافجة، ولا هو أخد رأيي واستأذني)
ابتسمت سكينة تهادنها وتحاول معها لأجل خاطره (معاكي حج كان لازم ياخد رأيك ويستأذنك، بس يمكن اتحرج منهم وعزمهم)
أشاحت ورد ضائقة، الصغيرة لا تفهم ولا تعي ما يحدث وهي لا يمكنها البوح أكثر وإيضاح دوافع حمزة ورغبته في عزيمتها، مزقت سكينة الصمت بتوسلها الحار (حمزة زعلان جوي وافجي وخليه يفرح طالما دِه هيريحه ويفرحه)
رمقتها ورد بنظرة طويلة غامضة قبل أن تُطلق حكمها النهائي (أنا موافجة يا سكينة بس تروحي معاهم)
اتسعت عينا سكينة بدهشة، تحاول استيعاب طلبها، سألت بإرتباك (أنا..؟ ليه..؟)
أجابتها ورد بثبات ومكر (هو كِده.. شرطي علشان أوافج وأرضيه)
فكرت سكينة وهي تفرك كفيها بتوتر لتقول بأسف (بس أنا مش فاضية)
نظرت ورد إليها نظرة ثاقبة قبل أن تقول بخبث (سكينة جولتلك يا تروحي معاه.. يا مش هوافج ولا هرضى بجيتهم)
ترددت سكينة (بس، بس عمار ومودة)
ابتسمت نظرات ورد المحيطة بالصغيرة، موقنة بموافقتها فهي لن يروقها حزن حمزة ولن تهدأ حتى تنزعه من صدره وتسعده قدر استطاعتها. (متشليش هم حاجه أنا هتصرف)
قالتها ورد بثقة وحزم، فهزت رأسها بالموافقة مبتسمة بإرتباك شاردة الذهن.
بعد دقائق كانت تجاوره في جلسته أمام المنزل مبتهجة، تحاول إرضائه (مالك يا حمزاوي زعلان ليه.؟)
نفخ قائلًا مشيحًا برأسه عنها (مفيش متضايج شوية)
حاورته بمشاغبة (جولي يمكن أفيدك)
احتفظ بصمته وابتعاده بأفكاره عنها (مفيش متشغليش بالك) تركت جلستها بجانبه ووقفت أمامه تستحوذ على انتباهه قائلة بغرور (عندي استعداد اقنعلك خالتي ورد بالي مش موافجه عليه.؟ بس عندي شرط)
ضيّق نظراته فوق وجهها يستشف ما يدور برأسها قبل أن يأذن لها (جولي)
هتفت بحماس مصطنع رغم رفضها الفكرة وعدم حماسها للذهاب لكنها مرغمة، مقيدةً بوعدها الذي قطعته لورد ولأجل خاطره هو (أروح معاكم)
فكر قليلًا متحيرًا لا يعنيه أمر ذهابها من عدمه، لكن إن كان رضى والدته متوقف على ذلك لما لا فليوافق، قال ببرود ولا مبالاة (عادي حتى من غير حاجه مفيش مانع تروحي يا سكينة)
نبرته الباردة منحتها حزنًا، وفضاء عينيه الرحب كان ضيقًا أصابها بالاختناق فأشاحت ملتقطة أنفاسها تهمس بإبتسامة كاذبة وهي تعده (تمام يا دكتور وأنا عندي وعدي)
رمقها بنظرة خاوية شاكًا في قدرتها على إقناع والدته ونيل رضاها لكن ما الضرر فليجاريها..
في الصباح كانت ورد تعلن موافقتها التي اختزلتها في ابتسامة سعيدة ودعوة راضية عنه قبل خروجه من المنزل وسفره الطويل.. أخبرته قائلة (اشكر سكينة ياحمزة لولاها مكنتش هوافج)
سألها بعتب رقيق (سكينة أغلى مني عندك.؟) قالت مصححة بمكر (أغلى من الي عايز تجيبها)
عدّل من ملابسه، لترمقه بنظرة متفاخرة متألقة بالرضا وهي تغمغم ببعض آيات من القرآن قبل أن توصيه (خلي بالك من عيال عمتك)
هز رأسه بتأكيد متفهمًا، ليتقدم ناحيتها محتويًا باطن كفها في قبلة رقيقة ناعمة، بينما هي ربتت فوق رأسه بحنان داعية الله أن يريحه ويرضى عنه ويرضيه..
غادر وتركها في حفظ الله ورعايته ومن بعده سكينة التي لا تنقطع عنها حينما يغادر هو، ولا تتركها وحدها دقيقة بل تقيم معها وتراعيها حتى يعود.. ممتن هو لتلك السكينة وعظم ما تفعله معهما وحبها الذي تمنحه دون حساب، لكنه يخشى عليها من عفويتها تلك واندفاع مشاعرها، من تباسطها الشديد مع من حولها مما قد يجعلها صيدًا سهل.
تنهد بضيق قبل أن يرفع سماعات أذنه مقررًا الإتصال بحسن وترتيب بعض الأمور.
*******
يوم الافتتاح
ذهبت هي وأخيها وخطيبته بينما امتنعت مودة لأنها لا تحب الزحام ولا تفضله،وهي لولا عهدها ووعدها لورد ما تحملت السفر مع عمار وخطيبته وأخيها..ولا هذا الجفاء ولا تلك الرقة التي تثير غثيانها والتي تتعمد خطيبة أخيها الحديث بها.. مال فمها بمصمصة وهي تراها تبتسم برقة وتهمس له بين الحين والآخر.
تطلعت لنافذة القطار بصمت تلهي نفسها وتهرب بأفكارها بعيدًا عنهما، لم يكن وعدها لورد هو ما جعلها ترافقهم، بل رغبتها أيضًا في رؤيته الليلة سعيدًا، يحقق جزءًا من أحلامه والتعرف عليه عن قرب وسط أُناس يحبهم وأصدقاء يثق بهم.. ربما يمكنها ذلك من معرفة الكثير عنه مما يبخل به عليهم فدائمًا ما كان نفسه معهم في قالب واحد لا هو بالقريب ولا البعيد..
وصلوا للمكان المقصود بعدما أرسل لهم حمزة موقعه،
انبهرت حين رأت المكان،وأكثر ما كان يعجبها هو بهيئته الجذابة ووسامته التي لا يختلف عليها أحد، وابتسامته الرائعة التي تختلف عن تلك التي تراها دائمًا.
كان سعيدًا منطلقًا عكس ما تعرفه، مشاغبًا مع البعض
ضحكاته تنطلق بعفوية محببة وابتسامته توزّع بسخاء..
خاصة لتلك التي تتحرك معه وتبادله الحديث والهمس والسعادة.. سلّم عليها سلامًا عابرًا كغيرها، جلست حول طاولة أنيقة مع أخيها وخطيبته اللذان غادرا بعد دقائق وبقيت هي لتراسل ورد.. التي طلبت منها أن تصورّه لها وتُطلعها على خبايا الأمور وتصف لها ما يحدث.
حكت هي بعفوية شديدة ووصفت ما يحدث حولها وصوّرته وهو يقف مع تلك الفتاة التي تستحوذ على اهتمامه كله..
امتقع وجه ورد، واشتعل فتيل غضبها مما يحدث وخشيته، طلبت من سكينة أن تتحرك وتتعامل معه بطبيعتها لكنها أبت في كبرياء وبقيت مكانها تتابع بوخزة ألم وشعور بالإختناق يسيطر عليها لا تعرف له سببًا ، نادمة على مجيئها من الأساس..
مر الوقت وهي وحدها على حالها صامتة، سماء عينيها ملبدة بالدموع التي تخضع لكبريائها ولا تهبط. العالم يدور والصخب يعلو وينخفض.. حتى هدأ المكان..
هاتفت عمار لتجده قد ذهب بخطيبته بعدما أوكل أمرها لحمزة.. تنصّل من مسئوليتها ورحل بخطيبته لينفردا .. وظلت هي تنتظر مجيء حمزة وحينما تأخر هاتفته لتجد هاتفه مغلق.. عقارب الساعة تتحرك بسرعة مخيفة قبضت قلبها.. وحمزة مازال غائبًا والجميع ممن حولها يُطالها بنظرات غريبة
صُعقت حين وجدت نفسها وحيدة هنا وسط غرباء..
نهضت من مكانها متوترة تتطلع حولها علها تلمحه آتيًا لكن هيهات بدأ الليل في إسدال ستائره وخفت الصخب وفرد الهدوء أجنحته..
فوقفت أمام المطعم تتلفت حولها بإستغاثة، صدرها يعلو يهبط بإنفعال جنوني سحق ثباتها ومقاومتها لتنفجر دموعها غزيرة رعبًا مما يحدث وحزنًا يقبض القلب على ما فعلاه بها.. لامت نفسها بحرقة على مجيئها.
أمسكت بهاتفها نقرت فوقه ليأتيها صوت ورد الدافىء الحنون فيزيد حزنها، شهقاتها تعالت بجنون مما سبب الزعر لورد التي انتفضت بتساؤل (سكينة مالكِ يا حبيبتي)
لم تتمالك نفسها ولا خلع رداء انهيارها.. استمرت تنتحب بفزع فكادت ورد تجن من فرط ترقبها وخوفها، لتهدأ قليلًا وتحكي لها بنبرة مزقها الألم (حمزة فين.؟ عمار مشي وسابني لحمزة هو يوصلني..وحمزة برن عليه مبيردش يا مرت خالي والوجت اتأخر وأنا مش عارفه اتصرّف ولا أروح فين)
اتسعت عينا ورد بصدمة مما تقول، وفعلة ولدها المُشينة من وجهة نظرها، أغلقت دون كلمة وحاولت الاتصال به لكنه لا يُجيب، فقررت أن وجهتها ستكون هي،ومن غيرها زهرة ومن غيرها سيكون معها الآن.. أجابت الفتاة على الفور بنبرة متفائلة (الوو ازيك يا خالتي)
لم تمنحها ورد الفرصة صرخت بها (اديني حمزة)
مدّت زهرة كفها المهتز بالهاتف تاركه سؤاله المستفهم مُعلّق بعينيه.. تناوله وأجاب (الووووو)
سألته والدته بغضب وانفعال شديد لم يحدث وجربه من قبل (فين سكينة يا حمزة.؟)
صمت يستوعب السؤال المفاجيء، ليجيبها بإرتباك (ها.. مش عارف)
صرخت به في حدّة (مش عمار طلب منك تجيبها معاك.؟ نسيتها يا حمزة..؟ سبتها لوحدها وطلعت مع زهرة) كانت والدته مُحقة فيما تقول وتأويلها.. ضرب جبهته لاعنًا ذاكرته التي ورّطته في هذا المأزق.. لكن ماذا عن سكينة.؟ كيف هو حالها الآن وهي وحيدة ضائعة تبحث عنهما منذ ساعتين وأكثر..
عادت ورد لصراخها المنفعل (ها ما ترد يا ابن بطني.؟ دي الأمانة يا حمزة.؟ سيبت الي ليك وجريت ورا الي ميخصكش.. اخس على تربيتك يا واد عبد الحكيم..؟)
حاول تهدأتها والتوضيح لكنه مبرراته واهية سقطت ولسانه انعقد بأسف.. نهض منتفضًا (راجعلها ياورد متجلجيش)
حذرته بحزم (هتروح وتجيبها مهما تجول سكينة ومهما يحصل منها يا حمزة متتكلمش، قسمًا بالله لو عرفت إنك مسيتها بأي كلمة ولا زعلتها هيكونلي معاك تصرف تاني)
أنهت الاتصال وجلست تضرب فوق فخذيها منددة بفعلته المشينة (بجا كِده يا حمزة.؟ دي راحت علشان ترضيك.. مش كفاية إنك مسألتش فيها هناك تروح تسيبها فبلد غريبة اخس عليك يا حمزة اخس)
دون أن يتفوه أرسل زهرة وأخوتها لمحطة القطار واطمئن لرحيلهم ثم عاد لها،لكن بماذا سيبرر لها فعلته .؟ ورد لها كل الحق فيما تفعل وستفعل.؟ كيف سيواجه الأخرى.؟ وأي عذر ستتقبله وماذا إن علم عمار.؟
ضرب المقود لاعنًا وهو يتسابق مع الزمن ليصل إليها في أقرب وقت..
وقف أمام المطعم، ليجدها جالسةً أمامه منكمشة تطالع ما حولها بزعر وخوف، ورهبة.. نظراتها مشتتةً ضائعة.. ترجل مندفعًا ناحيتها جلس أمامها هامسًا بحنان (أنا آسف والله…)
رفعت نظراتها المهزوزة تطالعه بصمت، رغم فرحتها أنه عاد ونجاتها من خوفها وغربتها إلا أنها لن تستطيع مسامحته.. فقط وجدت نفسها تهمس وهي تمسح دموعها (عايزه أمشي يا دكتور)
ذبحته نبرتها الكسيرة، أمسك بكفها يسحبها لكنها نفضت كفه بغضب ونهضت وحدها، صعدت السيارة وجلست بالخلف ولم ينطق هو.. صعد وأدار مُحركها في صمت،و من حين لأخر كان يطمئن عليها عبر مرآة السيارة.. ثلاث ساعات قضاهم في الطريق صامتًا حزينًا، قبل إن يصلا طلبت منه والدته عبر اتصال هاتفي (تجيبها عندي.. وتمشي يا حمزة)
أطاع دون جدال مستعدًا لعقابها (حاضر)
ترجلت سكينة من السيارة وقد اكتفت بكاءً، اتجهت ناحية منزلهم لكن ورد سبقتها وقيّدت ذراعها وجذبتها لأحضانها قائلة بحنو (هتبيتي معايا)
حاولت سكينة الإعتراض ونبرتها المتهدجة تنبأهما بإنهيار وشيك (خليني أروّح..)
رفضت ورد بحسم وهي تضمها (لا… هو الي هيمشي)
استسلمت سكينة لذراعي ورد الحانيتين، بعدما صرفت ولدها بإشارة مقتضبة غير راغبة في الحديث معه
وأدخلتها ثم ضمتها رابتةً فوق ظهرها، كأنها إشارة منها لتُخرج سكينة كل ألمها وحزنها وتلقي به فوق أكتاف ورد، بكت بحرقة شديدة دون كلمات وبماذا تفيد الكلمات هل تصف شعورها الآن.؟وخيبتها فيه.؟ خذلانها منه.؟ أم خوفها أن يكون غادرها وتركها كما عمار.؟
انهيارها كان أبلغ من حروف، هدأتها ورد قائلة (خلاص متزعليش حجك عليا أنا)
قالت سكينة بإنفعال وطفولية (متجوليليش أكلمه تاني)
ابتسمت ورد قائلة بصبر (مش هجولك.؟ لو مكانش يطلع عينه علشان يراضيكي متكلمهوش هو يستاهل)
هتفت سكينة وهي تمسح دموعها (لا مش عايزه لا يراضيني ولا أي حاجه)
ربتت ورد على كتفها بحنو وهي تسألها (أكلتي.؟)
قالت بصدق (تعبانة عايزه أنام مش هاكل)
أشارت لها ورد وهي تسحبها خلفها من كفها (تعالي نامي وارتاحي وبعدين نتكلم)
خلعت سكينة حذائها وحررت خصلاتها الطويلة ثم انكمشت متدثرة فوق الفِراش..قرأت رسائله لكنها تجاهلته وبارزت فعلته بالصمت واللامبالاة، تقرأ ولا ترد.. حتى نامت بعد إرهاق شديد.
********
تجاهلت رسائله واتصالاته الكثيرة المتتابعة، خرجت لدروسها رغم حزنها وشرودها… لم يكن الأمر على قلبها هينًا.. ولا تعرف السبب.. أنهت حصصها
تركت صديقتيها مكتفيةً من الثرثرة الفارغة، في طريق عودتها شهقت بعنف وهي تجد من يسحبها من ذراعها لداخل شارع جانبي ضيّق، دافعًا لها بإتجاه الحائط، كفه كممت فمها علي الفور حتى تستوعب وجوده وتهدأ، ونظراته ترسل لها الوعيد قبل كلماته بأن لا تتهور، ابتسم قائلًا (هرفع إيدي ومتتكلميش)
رفع كفه عن فمها لتقول متفاجئة به، محملقة فيه تحاول استيعاب وجوده الآن وفعلته (أنت)

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ملاذ قلبي سكن)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى