روايات

رواية قلوب حائرة الفصل التاسع والستون 69 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة الفصل التاسع والستون 69 بقلم روز أمين

رواية قلوب حائرة البارت التاسع والستون

رواية قلوب حائرة الجزء التاسع والستون

قلوب حائرة 2
قلوب حائرة 2

رواية قلوب حائرة الحلقة التاسعة والستون

🦋 الفصل الثامن والعشرون. 🦋
أُمَّاهُ،لم يأتي يوماً بِمُخَيَّلَتِي أنَّكِ سَتَرْحَلِينَ بَاكِراً وتَتْرُكِينِي أشْكِي مُرَّ فُقدانِكِ المؤلمِ،لكِنِّي غَفِلْتُ أنًَكِ جميلةً،ونَسِيتُ أنَّ الأشياءَ الجميلةَ دائماً تستعجلُ الرحيلَ .
خواطر أيسل المغربي
بقلمي روز آمين
في الثُلث الأخير المتبقي من الليل بذاك اليوم الحزين
وبالتحديد أمام المخزن الخاص بشركة طارق المغربي،تم تحميل أخر صندوق بعربة البضائع التي تم إرسالها من قِبل رجال لمار،كانوا يتحركون بأريحية تامة بعدما أبلغهم الحارس بأن الكاميرات الخاصة بالمخزن متوقفة عن العمل مُنذُ أكثر من خمسة أيام وأنه قد أبلغ رأيسهُ بهذا وقد أخبرهُ الرجل أنهُ أبلغ المهندس المسؤول ووعدهُ أنه سيرسل إليه أحد العمال لدخولها إلي الخدمة مرةً أخري في اسرع وقت،ولكن يبدوا أنه غفل عن الأمر
بعد مدة تحركت السيارة مُحملة بالبضائع التي وصلت اليوم عن طريق الميناء التُجاري بعدما وضعوا بضاعة بديلة لها داخل المخازن
تحركت العربة تحت المراقبة الشديدة من قِبل كارم بذاته لتفادي أية أخطاء قد تحدث وتُفشل عملية المراقبة،وصلت العربة إلي أحد الأماكن المتطرفة نوعاً ما والتي تبتعد عن زحام المدينة ببعض الكيلو مترات لعدم إثارة الشكوك بهم،خرج الرجال وبدأوا في تنزيل البضائع من العربة وإدخالها إلي المخزن،تم وضع الهدف تحت المُراقبة الشديدة لحين البَت في أمرهم
داخل المخزن،وقف الرجال المسؤلون عن الحماية والتأمين وشرعوا في فتح الصناديق وإخراج ما بداخلها تحت حبور أحدهم الذي تهلل وجههُ وتحدث وهو مُمسك بأجزاءٍ لأسلحة نارية وأخري مواد تساعد في تصنيع بعض أنواع القنابل شديدة الإنفجار:
-الناس دي لو كانت قعدت عُمرها كله تجمع أجزاء الأسلحة اللي قدامنا دي ما كانتش هتوصل للأعداد دي كلها
عقب علي حديثهُ أخر بموافقة:
-ده كلام مظبوط،البضاعة تكفي لخمسين عملية تفجيرية من اللي بيعملوهم الجماعات دي علي الأقل،ده غير مواد تصنيع القنابل
واستطرد وهو يُقلب أحد العبوات وينظر للكتابة المدونة عليها:
-دي مواد تفجيرية شديدة ونادرة وغالية جداً
ضحك الثالث وتحدث بنبرة ساخرة:
-والله إبن المغربي ده صعبان عليا،هيلاقيها منين ولا منين،مراته اللي إندبحت إمبارح ولا دخول أكبر صفقة سلاح ومواد تفجيرية عن طريق شركة أخوه
واستطرد ضاحكاً عندما تذكر تلك الشُحنة التي إستبدلوها بأخري معبأة بأكياس من بودرة الهيروين المُجْرم دولياً واخذوا شحنتهم المحملة بالذخيرة المهربة:
-واللي هينهي علي وجودهم خالص هي بودرة الهيروين اللي حطناها في الأجهزة اللي المفروض أخوه إستوردها النهاردة ومتسجل دخولها بإسمه في دفاتر المينا
ضحك الأخر وتحدث شامتاً:
-أدفع نص عُمري وأشوف وش ياسين المغربي لما البوليس يطب عليهم في المدافن وهو بيدفن مراته وياخد أخوه ويتفضحوا قدام الناس كلها
هتف آخر متعجباً حديثهُ الشامت:
-اللي يشوف كُرهك للراجل ده يفتكر إنه قاتل لك قتيل يا جدع
أجابه بضيق:
-ده لو قاتل لي قتيل كان يبقي أهون عندي من وقف الحال اللي إحنا فيه ده بسببه
واستطرد شارحاً بإيضاح:
-ده أنا ليا تلات سنين مادخلش جيبي قرشين علي بعض بسبب رجالته اللي مطوق بيهم إسكندرية كلها،والداخلية بقت مفتحه عنيها وحاكمة البلد في قبضتها بسبب تقاريره الزفت اللي بيوديها لها هو ورجالته
هز الرجُل رأسهُ ونطق بموافقة:
-عندك حق يا جدع،ده لولا جماعة داعش دول وصلوا لنا ومدونا بالفلوس والرجالة اللي بتخطط لهم كان زمانا مُتنا من الجوع
تحدث أحدهم بنبرة جادة متحاشياً حديثهم الساخر:
-أبو فراس هيوصل كمان ساعتين من العريش هو ورجالته وهيجي المخزن علشان ياخد معاه البضاعة،عندهم عملية كبيرة قُريب ولازم يستعدوا لها من الوقت
والبضاعة دي كُلها هينقلها إزاي للعريش؟ هكذا سألهُ أحدهم،فتحدث الرجل بردٍ قاطع:
-لحد هنا وما يخصناش يا رجالة،إحنا اللي إطلب مننا نفذناه واللي بعد كدة شغلهم هما بقي
هتف أحدهم متسائلاً باستفسار قلق:
-طب وباقي فلوسنا يا كريم،هنضمنها إزاي بعد ما الناس دي تاخد حاجتها؟
عقب علي حديثهُ متعجباً:
-هي أول مرة نشتغل معاهم ولا إيه يا عاطف؟
واسترسل مؤكداً:
-الناس دي محتاجة لقلبنا الجامد أكتر ما أحنا محتاجين لفلوسهم الكتير
واسترسل مُطماناً إياهم:
-يعني عُمرهم ما هيفكروا يغدروا بينا علشان من غيرنا مستحيل يقدروا يتحركوا في شبر واحد فيكي يا إسكندرية
وافقهُ الجميع الرأي واستمرا في تفقد الصناديق وفرزها
❈-❈-❈
دقت الساعة الثامنة صباحاً بتوقيت ألمانيا،كان يغفو بجانب صغيرتهُ بعدما خارت قواه واستسلم واقعاً صريع النوم بجانبها بعدما أُجهد عقلهُ وأُنهك جسدهُ من شدة التفكير فيما حدث وجعل من كيانهُ مُتزلزلاً،إستمع إلي إهتزاز هاتفهُ الموضوع تحت وسادتهُ فمد يدهُ وسحبهُ ثم نظر بشاشتهِ وجدهُ أحد رجال جهاز المخابرات المتواجد بدولة ألمانيا،بسط ذراعهُ باتجاه الكومود وقام بوضع الهاتف فوقهُ ثم حول بصرهِ ونظر علي تلك الغافية فوق وسادتها،دقق النظر فوق ملامحها المتألمة وتألم لعدم سلامها النفسي الظاهر من إنقباض ملامحها وأثار دموعها الجافة التي جعلت من جلد وجنتيها مشدوداً،حيثُ قضت ليلتها بصراخاتها الموجعة التي تُطلقها بين الحين والآخر جراء كوابيسها التي باتت تهاجمها طيلة الليل
تكرر رنين هاتفهُ مرةً أُخري لنفس إسم رجُل المخابرات فاضطر مُجبراً علي الإجابة وبمجرد أن ضغط زِر المكالمة وتحدث بنعم حتي إنتفضت تلك الحزينة وقامت فزعة تتلفت حولها بنظرات عيناها المرتعبة،فتحدث سريعاً وهو يُمسك بكف يدها بمؤازرة وتحدث بعيناي حانية لتهدأة روعها:
-إهدي يا بابا،أنا جنبك
نظرت إليه وبلحظة تذكرت ما حدث،كَمّ تمنت أن تفيق من غفوتها وتتحرك إلي الأسفل لتجد والدتها تجلس فوق مقعدها المُفضل المُطل علي الحديقة ككُل يوم وهي تتناول قهوة الصباح وتنتظر نزول إبنتها من الأعلي لتتناولا إفطارهما معاً قبل أن تذهب الاخري إلي جامعتها،فقد غيرت ليالي من عادة غفوتها لوقت الظهيرة ويرجع ذلك إلي تعليمات ياسين الصارمة لها لحثها علي مباشرة إبنتها والإشراف بنفسها والتأكُد من خروجها الأمن من المنزل بصُحبة إيهاب ورِجاله
كَمّ تمنت أن تستيقظ فتجد جُل ما حدث بالأمس ما هو إلا مجرد كابوساً مهولاً وانتهي بمجرد صحوتها وتعود لحياتها الوردية من جديد،ولكن متي الدنيا أعطتنا ما تمنيناهُ بسهولة دون وجع
نظرت لأبيها وتكونت دموعها من جديد وبدون مقدمات إنهمرت فوق وجنتيها عندما تذكرت حقيقة وضعها المُر،سحبها ياسين وضمها لأحضانه واردف قائلاً باستسماح للرجل:
-أنا أسف جداً،كمل حضرتك أنا سامعك
تحدث الرجُل عبر الهاتف متفهماً الوضع بعدما إستمع لصرخات صغيرتهُ المفاجأة قبل قليل:
-ولا يهمك يا سيادة العميد
واسترسل ليُعلمهُ:
-كنت حابب أبلغ حضرتك إن تشريح جثة الهانم إنتهي ومسؤول السفارة خلص كُل الإجراءات اللازمة
واسترسل بإبانة:
-إحنا في طريقنا للمطار مع النَعش والسفارة خصصت لجنابك طيارة خاصة،هتقوم بعد ساعتين بالظبط
واسترسل بإيضاح تحت تألم ونزف قلب ياسين:
-لحد ما سيادتك تجهز إنتَ وبنت سعادتك وتحصلونا علي المطار،هنكون خلصنا كُل التجهيزات والإجراءات الخاصة بوضع الجثة في الطيارة
بنبرة إنهزامية عقب قائلاً بموافقة:
-مسافة السكة ونكون عندك
تحدث المسؤول بنبرة مُترددة:
-ياسين باشا،كُنت حابب أبلغ حضرتك حاجة مهمة بخصوص تشريح جثة الهانم
إبتلع لُعابهُ عندما شعر بتلبُك الرجُل وطلب من الله الستر فيما هو أتْ وهمس بنبرة مُرتقبة:
-أنا سامعك
تحدث الرجُل لعلمهِ أهمية ذاك الموضوع لأية رجُل في ظروف ياسين وملابسات مقتل زوجته:
-التقرير الأولي للتشريح أثبت إن مفيش مخلوق لمس مرات سعادتك
واسترسل بإيضاح:
-أنا سألت الدكتور علشان عارف أهمية الموضوع عند سعادتك،وباقي نتائج التقرير هتظهر خلال إسبوع بالكتير
نزلت كلمات ذاك المسؤول علي قلبهِ الحزينِ كسيلٍ جارفٍ إجتاح أرضاً أصابها التشقُق من شدةِ جفافِها فأشبعتها وأروت عطشها الشديد،تحدث شاكراً بنبرةٍ خافتة:
-متشكر يا عصام بيه،مُتشكر أوي
أغلق مع المسؤول وبقلبٍ يإنُ وجعاً علي فقيدتهُ برغم إرتياحهُ الشديد لما علم،لكن سيظلُ وجع رحيلها وبتلك الطريقةِ البشعة حاضراً بذهنهِ ولم يغب مهما مر من العُمر،نظر لصغيرته الباكية وتحدث بنبرة خافتة:
-يلا يا حبيبتي علشان نتحرك للمطار
أردفت بعيناي دامعة مُترجية:
-بابي،أنا عاوزة أشوف مامي
نزلت كلماتها ودموعها علي روحهِ فاحرقتها واوجعتها بقوة،بصعوبة تماسك وتحدث إليها شارحاً:
-مش هينفع يا سيلا،ماما إتكفنت والنعش بتاعها في طريقه للمطار،وإحنا لازم نتحرك حالاً علشان هنركب معاها نفس الطيارة
هتفت مترجية بكلمات تُبكي الجماد:
-علشان خاطري خليني أشوفها لأخر مرة،أنا عاوزة أبوسها واحضنها وبس
نظر لها متأثراً فخانتهُ دموعهُ وانهمرت لأجلها فاسترسلت الفتاة بعدما أمسكت كفاه بترجي:
-وحياتي توافق يا بابي،خليني اشوفها للمرة الأخيرة
أفلت كفاه من بين راحتيها وبسط ذراعيه مقترباً من وجنتيها وبدأ بتجفيف دموعها واردف بإبانة زائفة:
-مش هينفع يا قلبي،إجراءات المطار صعبة ومش هيسمحولنا نقرب من التابوت
واسترسل متهرباً وهو يجفف دموعهُ:
-وأساساً علي مانغير هدومنا ونتحرك علي المطار هيكون الصندوق إتشحن في الطيارة ومش هينفع نفتحه
بكت الفتاة بحرقة ويأس فأخذها بأحضانة وبات يُربت فوق ظهرها بحِنو،ثم أوقفها وحثها علي تغيير ملابسها،دخلت الحمام واغلقت بابهُ عليها فخرج هو إلي الشُرفة وطلب رقماً وانتظر الرد،تحدث بنبرة جادة وملامح وجه كاشرة:
-عابد،عاوزك تتصرف بأي طريقة وتجيب لي كاميرات الأوتيل اللي حصلت فيه الحادثه
واسترسل بنبرة جادة:
-عاوز تفريغ كامل للكاميرات الخارجية للأوتيل وكاميرات المدخل وكاميرات الأسانسير والممر اللي فيه ال Suite اللي الهانم دخلت فيه
بملامح قاسية استطرد بإبانة:
-عاوز أشوف ملامح كل شخص إتقابلت عليه الهانم،من أول سواق العربية اللي وصلها للأوتيل لحد أخر شخص خرج من ال Suite
ولو إنه صعب لأن الشرطة الألمانية مش هتسمح لنا بده،بس هحاول يا سيادة العميد…جُملة هادئة نطقها ذاك الضابط المخابراتي المقيم بألمانيا مما تسبب في إستشاطة ياسين الذي تحدث بنبرة صارمة:
-مش مشكلتي يا عابد،إتصرف،أنا مليش دعوة بحججك دي كُلها
واسترسل بنبرة شديدة الصرامة:
-يومين هغيبهم في مصر وهرجع لك تكون جهزت لي كل اللي طلبته
وبنبرة حادة هتف:
-مفهوم كلامي يا عابد؟
وافقهُ عابد مضطراً لعدم إغضاب ذاك الحانق أكثر من ذلك
أبدلت الفتاة ثيابها وتحرك ياسين بجانبها تاركين المنزل تحت دموعها وتركها للمكان الذي شهد علي أخر لقاء جمعها بالحبيبة أمها،استقلا السيارة بصُحبة إيهاب ورجاله وبعض الحراسة التابعة لجهاز المخابرات المصري
وبعد حوالي الساعتان كانت تتحرك بجانب والدها المحتضنها برعاية واحتواء في طريقهما إلي صعود سُلم الطائرة،صعدت بجانبهِ علي متن الطائرة وما أن رأت نعش والدتها موضوع في مقصورة الرُكاب حتي هرولت إليه وخرت راكعةً علي ركبتيها، ثم ألقت بحالها فوق النعش وبدأت بالبكاء الحار وتحدثت والندم يتأكل من قلبها:
-سامحيني يا مامي،أرجوكِ سامحيني،كان لازم أمنعك بأي طريقة
تحرك ياسين وجلس بجانبها وقام بإحتضانها وبدأ ينظر علي النعش وتحدث بألم:
-نامي وإرتاحي في قبرك يا ليالي
ونظر في اللاشئ بعيناي حادة مخيفة لمن ينظر بداخلهما،وبفحيحٍ كالأفعي تحدث وهو يضغط علي نواجذه بشدة:
-وقسماً باللي خلق الكون وسواه،لكل واحد شارك في دمك يتحاسب ومش أي حساب،ده أنا هخليهم يتمنوا الموت من اللي هيشفوه وبرضوا مش هيطولوه
إنتبهت الفتاة علي حديث والدها فنظرت إليه وأردفت من بين دموعها:
-بابي،فيه حاجة إنتَ لازم تعرفها
حول بصرهِ إليها بتدقيق منتظراً تكملة حديثها فاسترسلت بإبانة:
-اليوم اللي مامي وعدت فيه الست اللي إسمها خديجة الراوي إنها هتحضر معاهم السهرة،أنا وقتها إعترضت وقولت لمامي إن تفكيرها غلط وإنها لازم تسمع كلام حضرتك وتلتزم بالتعليمات،مامي زعلت قوي مني وطلعت أوضتها
واسترسلت شارحة:
-بعد شوية إتضايقت من نفسي وروحت لمامي أوضتها علشان أعتذر لها عن إسلوبي السخيف معاها
وقبل ما أفتح الباب سمعتها بتكلم طنط لمار وتقولها دي خطة هبلة قوي يا لمار،وإيهاب لو اكتشفها وياسين عِرف مش بعيد يطلقني
واستطردت بنبرة خجلة:
-ما أعرفش ليه وقفت وسمعت باقي الحديث،مع إني عمري ما كُنت فضولية ولا كان طبعي إني أتصنت علي حد
واسترسلت مفسرة:
-جايز عملت كدة لأني كُنت خايفة علي مامي
كملي يا سيلا،سمعتي إيه تاني…نطقها بعيناي متلهفة لمعرفة المزيد فاكملت الفتاة:
-بعدها لقيت مامي بتقول لها إنها مكسوفة تطلب من خديجة تساعدها في الخروج من البيت،وبعدها قالت لها إنها هتكنسل الموضوع وتعتذر لخديجة لأنها خايفة إن حضرتك تعرف وتزعل منها،بس لمار فضلت تقنعها وطبعاً مامي إقتنعت
واسترسلت بإيضاح:
-أنا طبعاً ما أعرفش لمار كانت بتقولها إيه،بس كُنت بستنتج الكلام من ردود مامي عليها
واستطردت بإبانة:
-قفلت معاها وشكرتها واللي فهمته من كلامها إن مامي معاها خط غير اللي متسجل بإسمها وكلنا نعرفه،وكمان لمار معاها خط،بعدها مامي اتصلت بخديجة وطلبت مساعدتها وهي اللي بعتت لها الراجل بتاع العربية
وتحدثت متذكرة:
-اللي قدرت استنتجه من مكالمة مامي مع لمار والست اللي إسمها خديجة،إن فيه طلب مشترك الاتنين أصروا علي طلبه من مامي،وهو إن لازم تاخدني معاها السهرة دي
كان يستمع إلي صغيرته وكل ذرة من جسده تنتفض غضباً،ود لو يجمع جميعهم ويسحق عظامهم علي ما أقترفوه بذنب تلك التي لا تُبصر الأمور بدهاء والتي إنخدعت بمنتهي السذاجة وجعلت من حالها كـ دُمية ساخرة تتحركُ بيُسرٍ بين أياديهم ويقومون بتوجيهها كما يُريدون بمنتهي اليُسر
وما أشعل النار بصدرهِ وجعلهُ ككُتلةِ جمراً مُلتهبةٍ هو تأكُد شكهُ الذي أصبح يقيناً بعدما إستمع لحديث صغيرتهُ وتأكد بأن هؤلاء الحُقراء كانوا يبيتون النية بأن يجعلوا إنتقامهم أشد قسوةً عن طريق فلذة كبده
“نعم”كان يتيقن من وجود علاقة بين لمار وهؤلاء الخوارج المغيبين لكنهُ لم يأتي بمخيلتهُ أن تصل دنائتها حد إرسال زوجتهُ إلي الذبح بيدها
كان مظهرهُ يدعوا للذعر بهيئته المُخيفة تلك،إبتلعت الفتاة لعابها وتساءلت بنبرة مُرتبكة:
-بابي،هو أنتَ زعلان مني؟
هز رأسهْ نافياً فاسترسلت بعيناي متوسلة وشهقات متعالية:
-طب ممكن علشان خاطري تسامح مامي؟
أومأ لها بنعم ثم أخذ نفساً عميقاً ليُخرج بهِ كم النار الشاعلة بداخلهُ
❈-❈-❈
داخل منزل عز المغربي
كانت نساء العائلة تجتمعن بالداخل ينتظرن بدموعهن وصول نعش تلك التي قُتلت غدراً ببلاد الغُربة،أما بحديقة المنزل يجلسُ عز المغربي حول طاولةٍ مستديرة ويجاورهُ عبدالرحمن وولدهُ وليد وحسن المغربي وطارق وشقيقاي ثريا علي وفريد
دلفت ثُريا من البوابة الحديدية تتقدم مُني وهدي عاملات منزلها وكلاً منهما تحمل صَنية فوق رأسها محملة بأنواعاً من طعام الإفطار،سارت حتي وصلت لمجلسهم وتحدثت وهي تُشير إلي كِلتاهما:
-نزلوا يا بنات الصواني هنا وروحوا هاتوا باقي الأكل ودخلوه جوة عند الستات
إستمعتا الفتاتان الحديث وانزلتا ما تحملاه ثم تحركتا بالفعل إلي الخارج،نظرت ثُريا إلي الجميع وتحدثت بصوتٍ خافت وملامح وجه مُتأثرة وأثاراً فوق وجنتيها لدموع جافة:
-يلا يا جماعة إفطروا علشان تجهزوا قبل ما تطلعوا المقابر
أشار عز بيده وتحدث إلي الجميع:
-كلوا إنتوا بالهنا والشفا
مش هينفع اللي بتعمله ده يا سيادة اللوا،لازم تاكل علشان تُصلب طولك وتقدر تقف مع ياسين في اللي هو فيه…جُملة نطقتها وهي تقوم بتجهيز شطيرة من الخبز والجُبن وتناولهُ إياها بعيناي متوسلة واسترسلت:
-كل السندوتش ده يسندك
أردف فريد وهو يحث إبن عمهُ علي تناول الشطيرة من شقيقته:
-خد من أم رائف السندوتش وكله علشان القهوة اللي عمال تشربها من الصبح دي غلط علي صحتك يا عز
تنهد بأسي وبسط ذراعه وتناول منها الشطيرة وبدأ بتناولها بفقدان شهية،فتحدثت هي إلي طارق الجالس بتأثر وألم يعتصر قلبهُ علي شقيقهُ وصغاره وعلي إبنة خاله الشابة التي فقدت حياتها غدراً:
-مد إيدك وكل أي حاجة يا طارق
مش قادر أحط أي حاجة في بُقي يا عمتي،حقيقي مش قادر…نطقها بنبرة باهتة فتحدثت من جديد:
-ما ينفعش يا طارق،إنتوا طالعين المدافن وبعدها هتقفوا في العزا اليوم بطوله ويومكم هيبقي طويل يا ابني
تحدث عبدالرحمن بنبرة رحيمة:
-إدخلي إنتِ إرتاحي جوة يا ثُريا وأنا هأكله هو وعز
أومأت له ودلفت فتحدث عز إلي طارق بإهتمام:
-إبن أخوك فين يا طارق؟
أجابهُ بهدوء:
-في أوضته فوق مع عمته شيرين ومليكة ومروان
تنهد بقلبٍ مُحملاً بثقل الهموم من ما هو آت
أما بحديقة منزل رائف
كانت تجلس مقابلة بمقعد حبيبها ودموعها تنهمر بشدة وعدم التصديق سيد موقفها،تحدث بنبرة متأثرة:
-بطلي عياط بقي يا سارة،عيونك ورمت من كُتر العياط يا قلبي
مش قادرة أصدق اللي حصل يا رؤوف،معقولة طنط ليالي ماتت وخلاص مش هنشوفها تاني؟نطقتها بعدم إستيعاب واسترسلت بنبرة متألمة:
-طب وسيلا وحمزة،إزاي هيقدروا يكملوا حياتهم من غيرها؟
واستطردت وهي تهز رأسها باستكار:
-اللي حصل لمامتهم صعب،صعب قوي يا رؤوف
تنهد بأسي ثم عقب علي حديثها شارحاً:
-أكيد اللي حصل صعب ومش هيقدروا يتخطوه بسهولة،الله يكون في عونهم
واستطرد بإشادة:
-لكن ما تنسيش إن عندهم أب ذكي وحنين واكيد هيقدر يحتوي حزنهم لحد ما يعدوا الفترة الصعبة دي
❈-❈-❈
عودة إلي منزل عز،في مشهد يقبض الأنفُس حيث جلوس النساء بثيابهن بلونها شديد السواد وبكائهن ونحيبهن الذي تقشعر لهُ الأبدان،تجلس منال فوق الأريكة وتلقي برأسها للخلف ودموعها الصادقة تنهمرُ بغزارة من عيناها وجفونها المنتفخة من شدة تأثرها بالبكاء،تجاورها ثُريا التي تحدثت بنبرة هادئة وهي تُربت علي كف يدها ودموعها عالقة بعيناها:
-هوني علي نفسك يا منال،إنتِ ما بطلتيش عياط من إمبارح وكدة غلط علي صحتك
واستطردت بيقين:
-إدعي لها بالرحمة،نحتسبها عند الله من الشهداء بإذن الله
بكت منال بقلبٍ يحترق علي إبنة شقيقها التي كانت تتخذها كأبنة لها،عقبت إبتسام علي حديث ثُريا بموافقة:
-أبلة ثُريا عندها حق،حاولي تهدي شوية علشان الصُداع اللي ماسكك من إمبارح
أما قسمت التي تحدثت بإعتراض ودموع ساخنة حزناً علي إبنتها لكنهُ الطبع الغلاب:
-يا ناس حرام عليكم،مستكترين علي السِت تحزن علي مرات إبنها اللي راحت غدر وفادت غيرها بعُمرها؟
كادت إبتسام أن تعقب علي حديثها فنظرت إليها ثُريا في إشارة بعيناها حثتها من خلالها علي الصمت وبالفعل لبت،دلفت من البوابة سلمي صديقة مليكة التي علمت بالخبر بعدما انتشر وأتت لتأدية واجب العزاء،قدمت العزاء إلي جميع الموجودات ثم جلست ووجهت سؤالها إلي سُهير مستفسرة:
-هي مليكة فين يا طنط؟
بنبرة حادة وملامح وجه كاشرة هتفت قسمة متهكمة:
-مليكة فوق يا حبيبتي،الهانم إحتلت البيت من ساعة ما عرفت بخير موت بنتي وطالعة نازلة فيه من إمبارح وكأنه خلاص بقي بيتها،مش قادرة تصبر لحد ما المسكينة تندفن في تُربتها
واسترسلت بنبرة ساخطة:
-مش فاضل غير إنها تروح تلم حاجتها وتيجي ترصها في جناح بنتي علشان تمحي ذكراها خالص من البيت
إلي هُنا ولم تستطع سُهير أن تتمالك حالها وتحدثت بدفاع شرس عن إبنتها:
-بنتي مش خبيثة علشان تفكر بالشر ده يا قسمة هانم،مليكة لا جاية تاخد مكان حد ولا عُمر ده كان تفكيرها،مليكة بنت أصول ومتربية صح والعيبة ما تطلعش منها،والأصول بتقول إن عيلة جوزها في أزمة ولازم تقف معاهم ومع الولد المسكين اللي مبطلش عياط من إمبارح
واسترسلت بنبرة حادة لتظهر لها كَمّ تقصيرها:
-حفيدك الي ماشفتيهوش ولا حتي سألتي عليه من ساعة اللي حصل لأمه
رمقتاها قسمة وداليدا فاستطردت بتوضيح:
-وبعدين جناح إيه يا حبيبتي اللي بنتي هتحط عينها عليه وتيجي تسكن فيه؟
بتأييد عقبت راقية بهتافِ مرتفع:
-قولي لها يا سُهير يا أختي،بالعقل كدة إيه اللي يخلي مليكة تسيب بيت ولادها اللي يرمح فيه الخيل وتيجي تعيش هنا في حتة أوضة
واستطردت بصفاقة:
-طب بلاش دي،بقي فيه حد عاقل يسيب سِت كُمل زي ثُريا وييجي يعيش مع منال؟
ثم نظرت إلي منال واسترسلت أسفة:
-لامؤاخذة يا منال يا اختي،الحق ما يزعلش،آه
لم تستمع منال لمهاترتها تلك ويرجع ذلك لحزنها العميق وتفكيرها بتلك التي ذُبحت وأيضاً لقلقها علي نجلها وصغيرتهُ،أردفت ثُريا لتحث الجميع علي الإلتزام بالصمت منعاً لخلق المشاكل وإثارتها:
-خلاص يا جماعة،ملوش لازمة الكلام ده
هتفت سُهير عالياً بإعتراض:
-وهو يعني كلام الست قسمة اللي عمالة تلقحه علي بنتي من إمبارح قدام كل ستات العيلة،هو اللي ليه لازمة يا أم رائف؟
صمتت ثُريا لصحة حديثها،وهتفت داليدا بدفاع عن والدتها بنبرة شرسة:
-حضرتك مستكترة علي ماما إنها تعبر عن وجعها علي بنتها بكلمتين؟
رفعت سُهير أحد حاجبيها وتحدثت باستنكار:
-وهي لما تهين بنتي في الطلعة والنازلة يبقي كدة بتعبر عن حزنها يا داليدا؟
لوت راقية فاهها يميناً ويساراً وهمست لزوجة فريد صلاح التي تجاورها الجلوس:
-شوفي يا اختي البت وامها،قال بتقول لك وجعها،دي الولية ما نزلتش دمعتين علي بعضيهم علي بنتها
واسترسلت بإبانة ساخرة لكرهها الشديد لشخصية قسمة وتعاليها:
-طبعاً،تلاقيها خايفة تتفضح قدامنا،بالك إنتِ قسمة دي لو عيطت،الدهانات اللي علي وشها دي كلها هتسيح والألوان هتدخل علي بعضها،وساعتها أراهنك لو عرفتي تفرقي بينها وبين عزت البواب
وضعت المرأة كفها فوق فاهها لتكظم ضحكتها التي حضرت عنوةً عنها بعد حديث تلك المرأة الساخرة التي لم تكتفي بهذا القدر وكادت أن تُكمل لولا يُسرا التي تحدثت قائلة بتعقل وهدوء:
-خلاص يا جماعة بالله عليكم تسكتوا،كفاية اللي إحنا فيه،كُلنا موجوعين من إمبارح علي ليالي ومش مستوعبين اللي حصل لها،فلو سمحتوا نلتزم الهدوء إكراماً لروحها الطيبة،ليالي ماتستحقش إننا نقلب العزا بتاعها لحرب ومناوشات ونفرج علينا الناس
لوت راقية فاهها وتحدثت بنبرة تنظيرية:
-الحمدلله إن اللي موجودين كلهم ستات العيلة ومحدش غريب وسطينا،كنا إتفضحنا قدامهم وبقينا لبانة في بُق اللي يسوي واللي ما يسواش
إلتزم الجميع الصمت وبعد قليل صعدت سُهير بجانب سلمي لرؤية مليكة وشيرين وتقديم واجب العزاء إلي حمزة المتألم لفراق والدته والذي لم يغادر غرفتهُ مُنذُ علمهِ بالخبر،كانت شيرين تحتضن الفتي وتربت علي ظهرهُ بحِنو في محاولة منها للتخفيف عنه من تأثير الصدمة،أردفت سلمي بنبرة خافتة إلي شيرين:
-البقاء لله يا مدام شيرين
أجابتها بنبرة حزينة باكية:
-لا إله إلاّ الله،الدوام لله وحده
إقتربت سُهير من الفتي ثم وضعت كفها ومسحت به علي شعر رأسه وسألته بنبرة حنون:
-عامل إيه يا حبيبي؟
الحمدلله يا تيتا…نطقها بصوتٍ مبحوح نتج عن كثرة بكائهُ الذي لم ينقطع مُنذُ الأمس حينما عَلم بالخبر المشؤوم
ربتت مليكة علي كف الفتي وتحدثت:
-قوم يا حبيبي خد شاور وغير هدومك علشان تجهز وتتحرك مع جدك واعمامك
واسترسلت بإبانة:
-هدومك جوة في الحمام
أومأ لها وبالفعل تحرك لداخل الحمام وتحدثت شيرين بعدم استيعاب:
-أنا لحد الوقت مش مصدقة الخبر،معقولة ليالي يحصل فيها كدة،طب ليه وعلشان إيه يأذوا بني أدمة بريئة بالشكل البشع ده
عقبت مليكة بدموعها الحارة وهي تتذكر مشهد ليالي من وصف ثُريا لها والذي اخبرها بهِ عز:
-حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم،دول لا يمكن يكونوا بشر أو بيعرفوا ربنا،إزاي جالهم قلب يعملوا فيها كدة
هي أتوفت إزاي يا مليكة؟هكذا تسائلت سلمي فأجابتها شيرين بنبرة حادة وملامح وجه غاضبة:
-دبحوها اللي ما يعرفوش ربنا
شهقة عالية خرجت من سلمي التي وضعت كفها فوق فمها واتسعت عيناها بذهول،وقفت شيرين وتحدثت إلي مليكة:
-خلي بالك من حمزة لما يخرج يا مليكة وما تسبيهوش لوحده
واستطردت وهي تستعد للمغادرة:
-وأنا هروح أجهز نفسي علشان المفروض نتحرك علي المقابر بعد نص ساعة
أومأت لها فتحدثت سُهير بعد إنسحاب شيرين للخارج:
-روحي بيتك إرتاحي وخلي بالك من ولادك كويس
لا طبعاً يا ماما،أنا لازم احضر الدفنة علشان ياسين والأولاد،وعلية ومني وسارة هيقعدوا مع الأولاد…جُملة نطقها بإصرار فتحدثت سُهير من جديد بريبة:
-يا بنتي إسمعي الكلام،إنتِ موقفك حساس قدام الناس،ما تنسيش إنك ضرتها والناس ما بترحمش،مش هتسلمي من كلامهم ونظراتهم اللي زي الرصاص؟
أردفت سلمي باستياء:
-طنط عندها حق يا مليكة،ده كفاية الست اللي إسمها قسمة وكلامها اللي زي السِم
ماينفعش يا سلمي،ياسين مصدوم من اللي حصل واكيد مش كويس،ده غير أيسل والرُعب اللي شافته وهي هناك لوحدها يا حبيبتي،وحمزة
واسترسلت بدموعها التي نزلت تجري علي وجنتيها تأثراً:
-ده غير إني موجوعة قوي من اللي حصل مع ليالي وعقلي مش قادر يستوعبه،ليالي عمرها ما تعمدت تأذيني وكانت كويسة وطيبة وعفوية،وأقل تقدير مني ليها إني أحضر دفنتها وأدعي لها بالرحمة والمغفرة
تنهدت سُهير وتحدثت باستسلام:
-خلاص يا حبيبتي روحي،بس هنقف بعيد أنا وإنتِ علشان ما تحتكيش بحد ولا تسمحي لحد يتكلم عنك
وافقتها الرأي وبعد قليل خرج الفتي وتحرك بجانب مليكة إلي الأسفل وتأهب الجميع وباتوا في وضع الإستعداد ترقباً للتحرُك قاصدين المقابر لإستقبال جُثمان فقيدتهم
صعد عُمر إلي غُرفته لأخذ مفتاح سيارتهُ وبعض متعلقاته إستعداداً للذهاب إلي المقابر،وجد لمار تجلس القرفصاء فوق تختها وتهز جسدها بتوتر شديد لاحظهُ عُمر الذي تحدث مستغرباً جلوسها هُنا:
-إنتِ إيه اللي مقعدك هنا وسايبة ماما والناس تحت؟
تنهدت بأسي مُفتعل وتحدثت بتأثُر أجادت رسمهُ فوق ملامحها:
-مش قادرة اتحمل منظر طنط وحُزنها يا موري
واسترسلت بدموعٍ زائفة بصعوبة إستدعتها:
-ده غير إني مصدومة ومش قادرة أستوعب بشاعة قتل ليالي
أخذ نفساً عميقاً ثم تحرك إليها وجذبها لتسكُن أحضانهُ وقام بوضع قُبلة رقيقة بجانب شِفتها وتحدث بمؤازرة:
-أنا عارف إنك رقيقة وإن اللي بيحصل ده فوق إحتمال روحك البريئة،بس لازم تقفي مع ماَماَ وتثبتي لباباَ إني إختارت صح
تنفست عالياً وهزت رأسها بموافقة فتحدث وهو يلامس وجنتها:
-طب يلا يا قلبي علشان هنتحرك علي المقابر
واسترسل شارحاً:
-ياسين هيتحرك من المطار علي المقابر علي طول لأننا هنصلي صلاة الجنازة علي ليالي هناك،فلازم نروح قبله علشان نكون في إستقباله
ضيقت عيناها مستغربة وسألته بنبرة متعجبة:
-هو انتوا مش هتصلوا عليها هنا في مسجد المغربي؟!
أجابها معللاً:
-مش هينفع لأن فيه مسؤلين مهمين في البلد مستنيه ياسين في المقابر علشان يشاركوا في الجنازة،واكيد مش هينفع ييجوا هنا وبعدين يتحركوا علي المقابر،فالباشا قرر إن الصلاة تكون في المقابر وقال إن صلاة المقابر سُنة علي الرسول
واستطرد بعُجالة وهو يحثها علي التحرك:
-يلا بسرعة جهزي نفسك
إرتبك داخلها ولعنت بسريرتها ذاك الغبي الذي سيُفسد خطتها في الهروب من براثن قبضة رجال عز المغربي،وذلك بعدما هاتفها شخصاً مُنذُ الصباح وتحدث بنبرة جادة غامضة وأخبرها أن ثوبها الأسود التي شرعت في شرائهُ عبر موقع دار الأزياء خاصتهم بات جاهزاً وفي طريقهُ إلي التسليم عبر عامل التوصيل،واخبرها أيضاً أنهُ من المحتمل أن يكون الثوب واسعاً وذلك لعدم دقتها في إرسال التفاصيل الكاملة،وطلب منها عند حدوث ذلك يمكنها زيارة موقعنا علي أرض الواقع وسيقوم المصمم بظبط المقاس جيداً،فهمت مغزي إيصال الرسالة وشعرت بافراجة
تحدثت بنبرة خافتة مع رسمها الحُزن فوق ملامحها المتأثرة:
-مش هينفع أروح معاكم المقابر يا عُمر،مش هقدر أشوف لي لي وهما بيحطوها في قبرها ويرموا عليها التُراب
وضعت كفاها وخبأت بهما وجهها وتحدثت وهي تهز رأسها باستنكار مفتعل:
-مش هقدر مش هقدر
سحبها وأدخلها من جديد لأحضانه وتحدث مُهدءاً إياها بحِنو:
-خلاص يا حبيبتي خليكِ براحتك
وتحرك إلي الأسفل تاركاً إياها تأخذ أنفاسها وتستعد للفرار
تحرك سرباً من السيارات الفخمة المملوكة لعائلة المغربي وخرجت من الحي متجهة إلي المقابر الخاصة بالعائلة،بعد قليل كان الجميع يقفون في خشوعٍ تام لقدسية المكان،الرجال ينتظرون بقلوبٍ أسفة ويتقدمهم بالصف الأول اللواء عز المغربي ويجاورهُ لفيفاً من قامات جهازي المخابرات والشرطة وعلي رأسهم رئيس الجهاز بذاته الذي حضر لمؤازرة ياسين في محنته،والنساء تُبكِين بقلوبٍ نازفة علي تلك الشابة التي لاقت حتفها غدراً،تأهب الجميع حين وجدوا سيارتان خاصتان تقترب من وقوفهم تتبعهم سيارة تكريم الإنسان وتوصيلهُ لمثواهُ الأخير
وما أن توقفت السيارة ترجل منها ياسين من الباب الخلفي تاركاً إبنتهُ التي تجاورهُ الجلوس والتي أسرع إليها جميع نساء العائلة لمؤازرتها في فاجعتها
تحرك ذاك المتألم بعجالة متغاضياً جميع الحضور حتي وصل إلي السيارة التي تنقل جُثمان زوجتهُ،فُتح الباب بواسطة العاملون وما أن شرع ليمد يدهُ إستعداداً لحملها حتي وجد عشرات الأيادي الممدودة لمعاونته في حمل النعش،نظر أمامهُ وجد صغيرهُ الباكي وهو ينظر إلي الصندق والمرارة تملؤء حَلقه،وضع كفهُ حول عُنقه بمؤازرة ونظر داخل عيناه ليمدهُ بالقوة وطالبهُ بعيناه بالتحلي بالصبر والصمود،فهم الفتي رسالة والدهُ وهمَ بحمل النعش بمساعدة والدهُ وعمومته وجدهُ أحمد العشري الذي يتألم بشدة علي مقتل إبنته الشابة وبتلك الوحشية،تحرك الجميع حاملين النعش وتوجهوا به إلي مكان القبر
وما أن تحرك الرجال بالنعش حتي إنهرن جميع النسوة وتعالت أصوات شهقاتهِن الصادرة رُغماً عنهُن جراء بكائهُن الصادق وذلك لقدسية الموت ورهبتهُ لدي الجميع وحُزناً علي تلك الشابة
كانت تقف بجوار والدتها،تُبكي بمرارة وينتفص جسدها أثر شهقاتها المرتفعة وهي تشاهد ذاك المشهد المُهيب،عقلها لم يستوعب بعد،هل حقاً تلك الجميلة أصبحت جثة هامدة ترقد داخل صندوقاً محمولة علي الأعناق وباتت لا حول ولاقوة لها،رددت داخلها بيقين…كُلنا راحلون وسبحان من له الدوام
إنتفض قلبها عندما رأت حبيبها يحمل نعش تلك التي غُدرت ويُقابلهُ نجلهُ المُحطم ودموعه الساخنة وهي تجري فوق وجنتيه قُهراً علي والدتهُ التي لم يحالفهُ الحظ لرؤياها قبل رحيلها، وُضع النعش وأصطف الجميع إستعداداً لصلاة الجنازة بخشوعٍ تام،
وبعد الإنتهاء من الصلاة تم وضع الجثمان إلي مسواه الأخير وما أن رأت أيسل الرجال وهم يغلقون القبر علي والدتها حتي إنهارت وبدأت بإطلاق صرخاتها الموجعة التي أدمت قلوب الجميع،هرول إلي إبنته وجذبها من داخل أحضان شيرين وداليدا اللتان تحاولتا التخفيف عن الصغيرة لكنها بالنهاية إنهارت وضلت تصرخ منادية بإسم والدتها
بعد قليل هدأت الفتاة وتحرك عز إلي ولدهُ واحتضنهُ بشدة وبات يُربت علي ظهره بمؤازرة وتحدث بنبرة حزينة:
-شد حيلك يا ابني،الله يرحمها ويجعل مئواها الجنة
أومأ لأبيه وتحدث بنبرة خافتة تدل علي فقدانهِ لقدرته:
-يارب،يارب
تحرك بجانب والده ليُلقي التحية علي رؤسائه ويتقبل مواساتهم،وذلك بعدما أحتضن عز حفيدتهُ وقبل جبينها بألم
أما مليكة فتحركت بجانب والدتها إلي الفتاة وتحدثت بدموعٍ مُنهمرة لم تستطع توقيفها:
-البقاء لله يا أيسل،قلبي عندك يا حبيبتي
كانت تبكي بإنهيار وعدم استيعاب للموقف داخل أحضان داليدا،وما أن إستمعت إلي صوت مليكة حتي شعرت بناراً شاعلة تقتحمُ جسدها بالكامل وبسرعة البرق حولت بصرها إليها ورمقتها بمقتٍ واحتقار ثم حولت بصرها للجهة الأخري متجاهلة وقوفها تماماً،مما جعل جميع النسوة الحاضرون يتهامزون ويتلامزون فيما بينهم وهن ينظرن علي مليكة وهذا ما جعلها تشعر بالأسف والخجل وشعور بالمرارة ملأ جوفها
بكت بمرارة مما إستشاط داجل سُهير وجعلها تُسندها وتحدثت وهي تتأهب للإنسحاب إلي الخلف:
-البقاء لله يا بنتي،ربنا يصبر قلبك ويُربط عليه
نطقت سُهير كلماتها سريعاً وانسحبت بإبنتها وتحدثت بنبرة لائمة:
-أنا نبهتك وقُلت لك ما تجيش علشان ما تحطيش نفسك في موقف بايخ،بس إنتِ ما سمعتيش الكلام وعندتي معايا وأدي النتيجة
كانت دموعها الحارة أبلغ رد منها علي ملامة والدتها وأيضاً تأثُراً لما حدث
❈-❈-❈
بنفس التوقيت داخل المخزن الخاص بالرجال التابعين للمنظمة،وقف الرجل يتطلع هو ورجاله بانبهار إلي الكَم الهائل من الاسلحة والمواد التفجيرية وتحدث بحبُور ظهر بَيِنّ فوق ملامحهُ القاسية:
-سَلمت أيامينكم يا إخوان،والله لتنالون شأناً عظيماً عِند الله ولتحصلون علي أعلي الدرچاتِ بالچنة بمشاركتكم المباركة لرِفعة راية الإسلام
نظر لهُ أحدهم وتحدث بنبرة ساخرة ليقينهُ التام أن ما يفعلوهُ جميعاً الله ورسولهُ منهُ براء:
-الجنة دي بقي أترك أمرها لربنا وإدينا إحنا اللي يخصنا وينفعنا في الدُنيا يا شيخ
ضيق الرجل عيناه غير مستوعباً فاسترسل الرجل وهو يِشير بأصابعه:
-الفلوس يا مولانا،الفلووووس
أخي الكريم،أتُفضل المادةُ اللعينة علي دخول الچنة ومچاورة الصالحين؟…هكذا نطقها بخباثة فهتف الرجل مُكرراً ما تفوه به مُنذُ القليل:
-ما قولنا الجنة دي بتاعة ربنا وهو اللي ليه الحق يدخل مين ويخرج مين
واسترسل بنبرة صارمة وملامح جادة:
-إحنا عاوزين فلوسنا يا شيخ الله يكرمك
تنهد الرجُل وتحدث بنفاقٍ:
-هداك الله يا رچُل وارشدك للصواب
ثم استرسل وهو يتحدث بنبرة جادة إلي أحد رجاله:
-يا عاصم،إجلب الحقيبةِ السوداء من السيارة وسلمها للرچال
السمع والطاعة أيها الأمير…هكذا عقب ذاك التابع وتحرك إلي الخارج وأتي بالحقيبة وسلمها للرجل الذي شرع في فتحها ونظر بداخلها علي النقود وتحدث بعدم رضا:
-بس ده مش المبلغ اللي إتفقنا عليه يا شيخ
أجابهُ بنبرة هادئة:
-هذا ما استطعنا جمعهُ الأن يا رچُل،ستحصل علي كامل المبلغ المتفق عليه خلال يومان فقط
سألهُ أحدهم بنبرة تشكيكية:
-وإحنا إيه اللي يضمن لنا إنك مش هتاخد البضاعة وتخلع وتاكل علينا حق عرقنا في العملية
نطق أحد العناصر التكفيرية قائلاً بنبرة صارمة:
-تأدب في حديثك يا رچُل ولا تنسي أنكَ تُخاطب الأمير
أشار من يطلقون عليه إسم الأمير إلي رجلهُ ليحثهُ علي الصمت وتحدث بإبتسامة خفيفة لا تُعبر عن الغضب الذي سكنهُ من إتهام ذاك الشاب له والتشكيك بذمتهْ:
-أتركهُ يا أباَ إسحاق،من الواضح انهُ يجهل مع من يتعامل ويتحدث
واسترسل مطمئناً إياه:
-إطمأن اخي الكريم،نقودكم ستصلكم بالوقت الذي ذكرتهُ،ولا تنسي أن كِلانا شريكان ولا يمكن لطرفٍ منا أن يخلف وعدهُ للأخر كي يضل التعاون مستمراً بيننا
وافقهُ الجميع الرأي لمنطقية حديثهُ وانهم بالفعل دائرة شر لن تكتمل إلا بوجود كلاهما،وبدأ الرجال بإخراج الصناديق وتحميلها بالشاحنة العملاقة واستقل الرجل سيارتهُ الخاصة مع أحد رجالة فتحدث الشاب مودعاً إياه:
-توصل بالسلامة يا شيخ
شكرهُ فسألهُ الرجُل مستفهماً:
-إلا قولي يا شيخ،إنتَ إزاي ماشي بالبلاوي دي كلها ومش قلقان لتتمسك بيها
فال الله ولا فالك يا اخي…نطقها بملامح عابسة ثم استرسل بإبانة:
-كل ما كان يبثُ القلق بداخلي هو إستيقاظ ياسين المغربي ورجالهُ،وهذا الأمر قد حُل بإزهاق روح زوجتهُ المتبرچة وانشغال ذاك الذنديق في قضية ذبحُها وانشغال ايضاً رجال الداخلية في التجهيز وحماية جنازة تلك الزوجة
واسترسل بايضاح:
-جميعهم الأن مجتمعون بالمقابر ليشدوا من أزر شريكهم بالكُفر،رچال الداخلية ورجال المخابرات وهذا هو الوقت المناسب لإتمام تلك المهمات وإنجازها،نخرج من الأسكندرية بسلام ولنا أعواننا من ساكني الصحراء ودارسيها والذين سيساعدنا أن نعبُر الطُرقات حتي نصل إلي العريش منتصرينَ بإذن الله
رفع الرجل حاجبهُ وتحدث بإشادة:
-دي الخطة مرسومة بالملي،تخطيط شياطين مفيش كلام
وما دخل الشياطين في الجهاد في سبيل الله يا رچُل؟إتقي الله فيما يخرچ من فمك…هكذا نطقها بحِنقٍ قبل أن ينطلق بالسيارة متجهاً إلي العريش
أما الرجل فضحك ساخراً وتحدث متهكماً:
-سبيل الله ولا سبيل الشيطان يا أعوان الشيطان
❈-❈-❈
عودة إلي المقابر
إقترب حمزة علي شقيقتهُ الباكية وما أن رأتهُ حتي خرجت من أحضان ثُريا الحنون وألقت بحالها داخل أحضان شقيقها وتحدثت من ببن شهقاتها بانهيارٍ تام:
-مامي خلاص ماتت يا حمزة،مابقتش موجودة معانا خلاص،قتلوها المجرمين
ربت علي ظهر شقيقتهُ وشدد من ضمتهِ لها وبات يبكي بإنهيار
بعدما تلقي واجب العزاء من الجميع وبدأ البعض في الرحيل،وقف يتلفت بعيناه باحثاً عنها،وجدها تقف بجانب والدتها مبتعدتان عن الجمع،نظرت عليه بعيناها الباكية فتحرك في طريقهُ إليها بقلبٍ حزين مُتألم،وقف أمامها ونظر لداخل عيناها فتحدثت وهي تتلمس ذراعهُ بحنان:
-البقاء لله يا باسين
لا إله إلا الله…نطقها بانكسار فتحدثت سُهير بمؤازرة:
-شيد حيلك يا ابني
اومأ لها وشكرها فانسحبت سُهير تاركة لهما المجال للتحدث فاردف بنبرة حنون:
-إيه اللي جابك وإنتِ تعبانة كدة يا مليكة
جيت علشان أشوفك وأطمن عليك إنتَ وأيسل…هكذا أجابته واسترسلت متسائلة بعيناي متألمة:
-إنتَ كويس؟
هز رأسهُ وتحدث بنبرة إنهزامية:
-لا يا مليكة،أنا مش كويس
تنهدت بأسي لأجله فاسترسل بإعلام:
-أنا أسف علشان مكنتش برد علي تليفونك
واستطرد بإيضاح:
-سيلا كانت جنبي ومكنش ينفع أكلمك قدامها،وأصلاً مكنتش برد علي أي حد
اومأت بعيناها وتحدثت بتفهُم:
-ولا يهمك يا حبيبي،أنا مش زعلانة منك،أنا زعلانة وقلقانة عليك وعلي الأولاد
هتعدي،إن شاء الله هتعدي…هكذا تحدث ثم استرسل وهو يحثها علي الذهاب إلي المنزل:
-يلا علشان تروحي مع شريف
واستطرد وهو ينظر إلي ملامحها الذابلة:
-شكلك تعبان ولازم ترتاحي علشان صحتك وصحة البنت ماتتأثرش
اردفت بتساؤل:
-طب وإنتَ مش هتروح علشان تنام شوية؟
أجابها بإبانة:
-أنا هقعد شوية مع حمزة وسيلا علشان ندعي لليالي
أومأت بتفهُم،تمنت لو أن بإستطاعتها لضمتهُ لداخل أحضانها وربتت علي قلبه الحزين لتُزيل ولو القليل من ألام روحهُ المُبرحة،وأثناء حديثهما هتفت داليدا بنبرة حقودة وهي ترمقهما بنظرات إحتقارية ومقتٍ:
-مش قادر يمسك نفسه شوية وميجريش عليها زي المراهق،للدرجة دي مش فارق معاه مراته اللي إتقتلت بسببه وبسبب شغله الزفت
واستطردت بنبرة غاضبة إستمع لها حمزة وأيسل التي نظرت عليهما بمقت:
-طب حتي لو مكنش بيحبها ومش فارق معاه موتها علي الأقل يحترم شكلها قدام الناس،دي لسة مقفول عليها قبرها من دقايق،الناس يقولوا عليها إيه؟
هتفت قسمة بدموع حارقة:
-الله يرحمك يا حبيبتي،أديكي سبتي لهم الدنيا كُلها ومشيتي علشان يرتاحوا ويعيشوا براحتهم
واسترسلت بنبرة محترقة:
-بس أنا مش مسامحة أي حد جه عليكِ،ربنا ينتقم من كل حد أذاكي وكان السبب في موتك،إن شاء الله يبقي مصيرهم كلهم نفس مصيرك وأسوء
أما راقية التي إستمعت لحديثهما لجلوسها وحيدة بالقُرب منهما،حيث ذهبت ثُريا ونجلتيها وشيرين وباقي النساء لتقُمن بقراءة الفاتحة والدُعاء لغاليهم الفقيد ووالدهُ وجميع راحلون أل المغربي ولم يتبقي سوي تلك الراقية،حيثُ قررت الجلوس علي المقعد لتريح ساقيها المتعبتان
أما منال فقد إنهارت واخذها طارق وچيچي واجلساها بالسيارة وعاد طارق للوقوف بجوار شقيقهُ في حين ضلت چيچي بجانبها لتهدأتها
هتفت راقية بنبرة حادة:
-جري إيه يا ولية إنتِ،إنتِ قاعدة تدعي علي الراجل ومراته عيني عينك كدة قدامي ومن غير خشي؟
أما انتِ ولية قادرة وبجحة بصحيح
بتقولي إيه يا بيئة إنتِ…جُملة تهكمية نطقتها داليدا وهي تنظر بإشمئزاز إلي تلك الراقية التي هتفت رادحة باستنكار:
-بيئة،هي مين دي يا بِت يا ملزقة اللي بيئة؟
ومالك بتبصي لي بقرف كده ليه؟
لتكوني فاكرة نفسك سِت بجد؟
فعلاً فلاحة…نطقتها داليدا بإشمئزاز فهتفت راقية بنبرة حادة:
-أجدع ناس يا عنيا،عايشين في خيرنا وعزنا وعمرنا ما مدينا إيدنا لأي حد
تحدثت قسمة بنبرة حادة وهي ترمقها بسخط:
-جري إيه يا سِت إنتِ،هو حد كان جه جنبك ولا وجه لك كلام ؟
هتفت قائلة:
-هو انتِ عاوزة تدعي علي الراجل ومراته وأسكت لك ولا إيه يا عنيا؟
أشارت بسبابتها إليها وتحدثت:
-إنتِ كنتي سمعتيني ذكرت أسم حد بعينه علشان تتدخلي؟
أردفت راقية بذكاء:
-وهو انتِ شيفاني غبية علشان ما أفهمش إنتِ بتلقحي علي مين؟
شششش،أنا اللي غلطانة علشان واقفة أتناقش مع واحدة بيئة زيك…هكذا تحدثت قسمة وهي ترمق راقية باشمئزاز وتقليل من شأنها فهتفت راقية بنبرة حادة وحديث لا يرتقي:
-هش هش،بتهشي نموسة ولا إيه يا ولية،إوعي تكوني فاكرة نفسك زايدة عني،لا يا عنيا فوقي،ده انتِ لولا البلاوي اللي ملطخاها في خلقتك دي والشد والنفخ كان زمان اللي يشوفك جنبي يفتكرك أمي
إكفهرت ملامح داليدا وقسمة وزفر الصغيران من تصرفات الجميع السيئة،تحرك ياسين سريعاً إلي مصدر صوتهم الذي بدأ يعلو تاركاً مليكة لحالها وتحدث مستفهماً:
-فيه إيه؟
هتفت قسمة بنبرة حادة وهي ترمق راقية بغضب:
-تعالي إبعد الست الجاهلة دي عني،بلا قلة قيمة
كاد الموضوع أن يتوسع لولا حضور ثُريا ويُسرا وأبتسام اللواتي اغلقن الموضوع وأخذن راقية وتحركن عائدين جميعاً إلي المنزل للإستعداد لإستقبال المعزيين
أحتضن ياسين صغيراه وجلس يتوسطهما يشاطرهما حزنهما علي والدتهما وحزنهُ أيضاً
سأل الفتي والدهُ بدموعهُ الحارقة:
-كان نفسي أشوفها قوي يا بابا،هتوحشني
قالها بتألم فاحتضنهُ ياسين وتحدث وهو يربط فوق ظهرهُ بمؤازرة:
-إدعي لها يا حمزة،إدعي لماما يا حبيبي
وأمسك بكتاب الله وبدأ بتلاوة أياتهْ لاجل روحها الطاهرة
وضعت الفتاة كفها فوق قبر غاليتها وأمسكت بين يداها حفنة من التُراب وحدثت حالها وهي تبكي بمرارة:
-أمي،حبيبتي وفقيدة روحي،يا من برحيلكِ جعلتي القلبَ ينزفُ بلا توقُفِ،لقد هُدم الكيانُ برحيلكِ غاليتي،لما استعجلتي الرحيلُ جميلتي،لقد خلفتِ برحيلك الأحزان والألام
واسترسلت لائمة:
-ألم تتعهدي لي بأنكِ لن تتركيني وستظلي بجانبي،لما نقضتي بوعدكِ أماه،كيف رحلتي ومازال لدينا قصصاً لم تُكتمل بعد
واسترسلت بذهول:
-أحقاً لم يعد بإستطاعتي أن أراكِ مجدداً؟
وحُضنكِ،ألم يعد مسموحاً لي الإرتماء داخلهُ والتدلُل عليكِ،أااااهٍ غالية قلبي
لا أخفيكِ سراً حبيبتي،برغم عدم رعايتكُ الكاملة لي ولاخي،إلا أنني كُنت دوماً أراكِ بعيني أماً رائعة بين الأمهات،بل كُنتُ أراكِ أفضلهُن علي الإطلاق
أماهُ،لم يأتي يوماً بمخيلتي أنكِ سترحلين باكراً وتتركيني أشكي مُر فقدانكِ المؤلم،لكني غفلتً أنك جميلةً،ونسيت أن الأشياء الجميلة دائماً تستعجلُ الرحيل
واسترسلت بدموعها:
-وداعاً غاليتي وإلي أن نلتقي
❈-❈-❈
بنفس التوقيت داخل منزل اللواء عز المغربي
إستغلت لمار خلو المنزل من الجميع حتي من العاملات اللواتي نظفن المنزل سريعاً ودلفن لداخل المطبخ لتحضير اللازم من طعام وتنظيف الأواني التي كّن يُقدمن من خلالها القهوة للمعزيات وتجهيزها لتقديمها مرةً أخري

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب حائرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى