روايات

رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه الفصل الحادي عشر 11 بقلم نعمة حسن

موقع كتابك في سطور

رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه الفصل الحادي عشر 11 بقلم نعمة حسن

رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه الجزء الحادي عشر

رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه البارت الحادي عشر

عشرون رساله قبل الوقوع في الخطينه
عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه

رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطينه الحلقة الحادية عشر

_ التقرير الطبي أثبت إن االمتهـم بيعاني من اضطراب نفسي وهيتم إيداعه في مصح نفسي تلت شهور..
أدار ريـاض وجههُ جانبًا بعد إن إنفلتت منه ضحكةً ساخره مقتضبه وهو يقول بصوت خفيض ولكنهُ تعمد أن يصل إلي مسامعهم: كنت عارف..
و أخرج علبة سجائرهُ منشغلًا بها وهو يخرج منها سيجارةٍ بتأني ولا زال يستمع إلي ما يقوله الضابط الذي أصابهُ الحنق من تصرّفهُ: طبعا حضراتكوا عارفين ان مش كل جاني مجرم ، ومش كل جريمه تستوجب العقاب.. وفي جرايم النيابه بتقضي فيها بحكم الاعدام لكن المتهم بيخرج منها من غير ما يقعد في الحبس ٢٤ ساعه حتي!
تفوه الآخر بعصبيه بالغه وهو يقول: بس ده مش عدل.. ده غير انه ابتزها وهددها وأذاها نفسيًا ده خطفها وعذبها وكان ممكن يموتها لو مكنتش لحقتها!!.. طيب لو كان لا قدر الله قتلها وقتها بردو هتقولوا مريض نفسي وهتسقط العقوبه من عليه.. صحيح؟!
_ بشمهندس رياض أسلوبك لو سمحت!!.. التقرير الطبي موجود ولو حضرتك شاكك في تزويره ممكن جداا تتأكد من صحته أو تطعن فيه…. ثم إن حضرتك مش ولي أمرها علشان تتكلم في حاجه تخصها..
إحتدم النقاش بينهما ليتدخل “مهدي” فورّا وهو يقول: يعني اللي هيتم دلوقتي ايه يا حضرة الظابط..
تحدث رامز بهدوء وقال: اتفضل يا أستاذ مهدي ده تقرير النيابه العامه ، كمان المقدم حازم المسيري بلغني بيه
بدأ مهدي بقراءة التقرير ثم قال : مكتوب في التقرير ان المتهم بيعاني من اضطراب حاد في الشخصيه ، وان حالته المرضيه كان يتعين اتباع بروتوكول علاجي منذ سنوات وللأسف لم يتم علاجه في المؤسسات العلاجية الخاصه بذلك ؛ لتقضي محكمة جنايات القاهرة بانعدام مسئولية المتهم و امتناع عقابه و إيداعه بإحدي المصحات النفسيه.
فرغ من قراءة التقرير ثم نظر إلي آصـال بقلة حيله وقال: لله الأمر من قبل ومن بعد..
نهض ريـاض مصافحًا الضابط رامز بإقتضاب ثم إنصرف خارج المكتب ليلحق بهِ كلًا من آصال ووالدها..
ركبوا السيارةِ جميعًا و كلهم قد آثروا الصمت إلي أن تحدث رياض قائلًا: ناوي على إيه يا أستاذ مهدي ؟
تحدث الآخر قائلاً: هعمل ايه يبني.. نصيبه و نصيبنا كده.. ربنا يشفيه..
لم يَرُقهُ ما إستمع إليه فقال بضيق: طيب وآصال.. حقها فين!
_ وعند الله تجتمع الخصوم يبني، هنقول ايه بس؛
تنهد رياض بيأس و إمتنع عن الحديث ، إنه لموقف هزلي حقًا أثار حفيظتهُ وجعلهُ يغلي و يزبد..
رنّ هاتفهُ فأجابهُ قائلا: أيوة يا معتز.. لا خلاص جايبن اهو.. سلام.
بعد دقائق توقف أمام منزل آصال ليترجل منها مصافحًا مهدي و آصال قبل أن يقول والدها: احنا بنتعبك معانا يا بشمهندس معلش.
_لا يا أستاذ مهدي تعبكوا راحه ولا يهمك..
=طيب انفضل معانا..
_معلش خليها وقت تاني.. عن اذنك.
ركب رياض سيارتهُ منطلقًا بهاا بسرعه في طريقهِ إلي منزلهُ..
……….
_بطلي فرك بقاا يا زهره زهقتيني، انتي مش سمعتيه بنفسك وهو بيقول انه خلاص جاي!
تفوه معتز حانقًا لتنظر إليه الأخري بحنقٍ مماثل وهي تقول: منا زهقت منك.. وزهقت من الالعاب ومن الايباد.. وزهقت من البيت.. وزهقـ….
قاطعها ممسكًا برسغها بقوة طفيفه وهو يقول: بقوللك ايه.. انتي مش قاعده مع أسامه منير.. بطلي زن بقا كلتي دماغي..
_طيب غنيلي..
زفر حانقًا ثم تنحنح طويلًا وقال: اغنيلك حاضر، ماهو انا البيبي سيتر بتاعتك.. اغنيلك ايه؟
_اي حاجه حلوه..
=طيب اسمعي دي.. اهم اغنيه في طفولتي دي خدي بالك..
_انجز.
نظر إليها بنزق وقال: أنجز؟!.. نفس غتاتة أبوكي.
وصدح صوتهُ مغنيًا وهو يشير و يلوح بيده بعشوائية مفرطه : حطيت أنا م المانيكير، علي خدي شويه كتير ، ومسحته ومفيش فايده، بالمنديل والبشكير..
رآها تصم أذناها بيديها فتوقف عن الغناء وقال وهو يضربها بخفه بواسطة الوساده : انتي بتكتمي ودانك !..طب والله ما هغني تاني..
قهقهت عاليًا وهي تقول:صوتك مقرف.. وبعدين انت بتغنيلي ايه يا معزوزي، انتوا ليه كلكوا مش عايزين تقتنعوا اني بقيت كبيره..
دلف والدها مستمعًا إلي حديثهم العابث فركضت نحوه وإحتضنته ليمنحها إبتسامةً حانيه ثم جلس وأجلسها فوق قدميه وهو يقول: بتتخانقوا علي إيه؟
بادر معتز بالحديث قائلًا: بنتك با سيدي.. قالتلي غنيلي ولما غنيتلها بتقولي صوتك مقرف..
نظر إليها رياض بعتاب حاني وقال: ميصحش كده يا زهره..
أمسكت بوجهه بكفيها الصغيرين وقبّلتهُ وهي تقول بإبتسامه: أنا آسفه يا بابا..
قاطعها معتز حيث صاح منفعلًا: انتي بتعتذري لابوكي ليه.. المفروض تعتذري لي أنا..
نظر إليه رياض ليدرك مقصده علي الفور فقال : قصدي باباكي..
ونظر إلي رياض بإبتسامةٍ سمجه وقال: حلو كده؟
_وبعدين يا بابي بيغنيلي اغاني أطفال.. هو أنا طفله!
قالتها بضيقٍ بيّن ليقول والدها: لا يا روحي طبعا..سيبك منه.
ليقول معتز ساخرًا: ما تغني انتي يا ست سيلين ديون طالما مش عاجبك صوتي..
أومأت بحماس وهي تنظر إلي والدها الذي شجعها بعيناه لتبتسم هي إليه وقد أدمعت عيناها وهي تقول:
Don’t go tonight
Stay here one more time
Remind me what it’s like, oh
And let’s fall in love one more time
I need you now by my side
It tears me up when you turn me down
I’m begging please, just stick around
I’m sorry, don’t leave me, I want you here with
I know that your love is gone
I can’t breathe, I’m so weak, I know this isn’t easy
أصابت قلبهُ غصةً وقد أدرك فداحة ما إرتكب من خطأ تجاهها ، شاركها الغناء وهو يقول بصوتٍ وقور مرتجف:
Don’t tell me that your love is gone
That your love is gone
I’m sorry, don’t leave me, I want you here with me
I know that your love is gone
I can’t breathe, I’m so weak, I know this isn’t easy
Don’t tell me that your love is gone
That your love is gone
توقفت كلماتهُ عندما إحتضنته ليضمها إليه بحنان وقد حفرت كلماتها بداخلهُ إحساسًا بالذنب لن ينساهُ أبدًا..
إنتزعهم من شرودهم ذاك الذي راح يتمتم ساخرًا: التعليم الحكومي مش اوي بردو..
نهض واقفًا وهو يقول: طيب يا ولاد.. اقولكوا بقا تصبحوا علي خير.. انا طالع انام..
نظرت إليه زهره بإستفهام بينما قال رياض: انت عازم نفسك علي مبيت هنا ولا إيه؟
قال معتز متثائبًا وهو يصعد للأعلي : اصل الوقت إتأخر وأنا كسلان بصراحه.. فقلت بقا نبات كلنا هنا أسره مع بعضينا..
لوّحت لهُ زهره وهي تقول: بون وي يا معزوزي..
_وانتي بالصحه والسلامه.
ألقاها بعدم إهتمام ودلف إلي غرفة رياض صافقًا الباب خلفهُ بقوة..
نظر رياض إلي زهره وقال مبتسمًا: هاا يا حبيبتي ، شوفتي الهدوم اللي جبتهالك.. عجبوكي؟
أومأت بفتور فضيّق بين حاجبيه بتعجب وقال: ايه هما مش حلوين ولا إيه؟
تنهدت هي وقالت: بالعكس، حلوين جدا يا بابا، بس مش ستايلي..
زمّ شفتيه متعجبًا وقال بإستفهام: مش ستايلك؟!!
أومأت هي بتوكيد ثم قالت: أيوة، أنا بحب اللبس المقفول مش بحب الشميزات والكاچوال الاوبن.. بحب الالوان الغامقه مش بحب الاورانچ والبينك والابيض.. انت مش عاارف انا بحب ايه ومش بحب ايه يا بابا..
حك ذقنهُ بتفكير وقد أدرك للتو أنهُ لم يَعُد أمام تلك الطفله صاحبة الست سنوات ، إن طفلتهُ قد كبرت وعليه أن يتقهم ذلك جيدًا.
حمحم بإحباط وهو يقول: معلش يا بابا أنا آسف.. إنشغلت عنك وقصرت في حقك كتير جداا ، بس وعد مني من النهارده هتشوفي بابا تاني خاالص.. إتفقنا؟
أجابتهُ بضمةٍ عفويه جعلتهُ يتناسي كل ما مرّ به من آلام و خيبات فإحتضنها مربتًا أعلي رأسها وقال: يلا يا روحي عشان تنامي.. تصبحي علي خير.
ذهبت إلي غرفتها بينما توجه هو إلي غرفتهُ و فور أن فَتَح الباب و دخل الغرفه حتي إعتدل معتز علي الفراش متكئًا علي إحدى مرفقيه وهو يقول بنبره أنثويه مغناجه يُجيد إلقاءها: إتأخرت ليه يا حبيبي؟ ينفع كده أفضل مستنياك كل الوقت ده؟
ضيّق الآخر عيناه بإحتقار وقال: ولااااا.. لو مبطلتش حركاتك النص كم دي قسما بالله لاطردك..
ضحك معتز عاليًا وقال بجديه: تعالي تعالي.. في موضوع مُلِح عايزك فيه..
تقدم منهُ رياض وجلس إلي جوارهُ قائلاً وهو يُشعل سيجارةٍ حتي يطيب لهُ الحديث: إممم؟
_أنا حاسس كده إني بقيت مش طبيعي..
ألقاها معتز بيأس فنظر إليهِ رياض سريعًا بإنتباه وقال: مش طبيعي إزاي يعني ؟
_مش عارف.. أنا حاسس ومش حاسس كده.. اللي هو حاسس من علي بعيد يعني..
=حاسس ومش حاسس و حاسس من علي بعيد ازاي مش فاهم.. ما تتكلم زي خلق ربنا..
تحدث معتز بفوضويه : حاسس كده إني تايه، مشدود، مخطوف، متاخد كده وحاسس بحاجات غريبه..
أوقفهُ رياض بإشارةٍ من يده وهو يقول ببساطه: يبقا بتحب..
هز الآخر رأسه مستفهمًا فأجابهُ رياض : بتحب.. الحب بيخلي الواحد متلخبط.. تايه.. حاسس انه مش فاهم ولا مدرك للإحساس اللي جواه ولا عارف يفسره.. لو محسيتش إنك متلخبط و حالك متشقلب يبقا مبتحبش..
قوّس معتز حاجبيه بيأس وقال: اومال أبقا إيه؟!
_إعجااب.. إنبهار.. إنسجام لحظي.. المسميات كتير.. إلا الحب!
و سحب نفسًا طويلًا من السيجاره وأضاف : وقت ما تحب يا معتز مش هتعرف إنك بتحب..
=ازاي؟! اومال إمتا هعرف إن أنا بحب؟؟
_لما تلاقي نفسك بتسأل سؤال واحد ‘ إيه اللي أنا بعمله ده’ ساعتها بس هتلاقي الإجابه للسؤال ده هي إن إنت بتحب..
إلتزم الآخر الصمت يفكر فيما أخبرهُ بهٍ صديقهِ فقال رياض: مقولتليش بقا.. مين؟
_لا ملوش لزوم بقا، لما أتأكد من العبط اللي أنا بحس بيه ده اذا كان حب ولا لأ أبقا أقوللك.. تصبح على خير.
_تصبح علي خير إيه، هو إنت هتنام جمبي؟
=لأ طبعا مش هنام جمبك.. أنا نمت خلاص.
غط في النوم سريعًا بينما ظل الآخر يُشعل سيجارةٍ تلو الأخرى وهو شاردٌ يفكر فيما هو آت.
…..
_كش ملك يا حلوو..
قالها ” المهـدي” وهو يصفق بيديه بحماسةٍ شبابيه دائمًا ما تحضُرهُ وهو برفقة صديق عمرهِ ” متولي” الذي إبتسم قائلًا: أيوة كده يا راجل خلي العيشه تحلو والدنيا يبقا لها طعم من جديد..
واستطرد قائلاً: عارف يا مهدي.. الفتره اللي غبتها في المستشفي أنا كنت ملازم البيت.. لا بنزل القهوة ولا حتي الشغل.. يدوب أنزل أصلي الفرض في الجامع وأطلع تاني أقفل علي نفسي وأقعد.. الدنيا ملهاش طعم من غيرك يا اخويا..
إبتسم “مهدي” بود و ضع يده علي كتف متولي و ربت فوقها بإمتنان وقال: ربنا يبارك في عمرك يا متولي.. مش عارف لولاك إنت وأحمد كانت آصال هتعمل ايه لوحدها..
_آصال يا حبيبتي كانت تايهه ، أحمد طبعا كان لازم يكون معاها طول الوقت.. كفايه أنا مكنتش بقدر أروح المستشفي وأكون جمبها .. روحت أول يوم انت تعبت فيه وحسيت إن روحي إتسحبت مني.. مكنتش قادر أكون في نفس المكان اللي انت فيه ومنتكلمش و منهزرش زي العاده.. كنت حاسس إني مقسوم نصين و نصي التاني بين أربع حيطان وممنوع إني أشوفه.. يااااه.. ربنا ما يعيدها أيام .
تمتم مهدي متمنيًا: يااارب.. مش عشاني أنا..عشان آصال.. هي بتتبهدل وبتتغلب من غيري.. علي الأقل لما أجوزها وأطمن عليها أبقا أموت وأنا مرتاح..
_بعد الشر عليك يا مهدي.. الا هووو..
إبتلع كلماته ففهم مهدي مقصده فقال: تقصد تميم؟
أومأ متولي موافقًا وقال: مفيش أخبار عنه؟
تنهد مهدي وقال: لسه راجعين من عند الظابط من قيمة ساعه.. التقرير الطبي أثبت إنه عنده إضطراب نفسي.. هيعالجوه في مصحه نفسيه..
قلّب متولي كفيّه بعدم تصديق وهو يقول: أنا مش قادر أصدق.. ده أنا لما آصال يومها كلمتني وقالتلي أنا بكيت.. تميم!! إزاااي.. ده أخوها وصاحب عمرها.. ده لحمها و دمها يعمل فيها كده ازاي؟! يومها أحمد سمعني وأنا بتكلم مع آصال وسمع كلامها .. اقسملك بالله أحمد إبني ما نام في ليلته.. بقاا يبكي بذهول ويقول تميم؟! ده روحه فيها.. إزاي يأذيها بالشكل ده!!
تنهد مهدي طويلًا وقال: أنا لحد دلوقتي مش مستوعب.. آصال تحسها بقت مكسوره.. بقت ضعيفه وحاسه بكسرة النفس.. تشوفها قويه وبتحاول تبين انها متأرتش بس من الليل لليل تدخل اوضتها وتقفل علي نفسها وتفضل تبكي.
_معلش يا مهدي.. ربنا يكون في عونها اللي حست بيه واللي حصل لها مش قليل.. مع الأيام هتنسي وهتبقا زي الفل.
أومأ برأسهِ مؤيدًا وقال: إن شاء الله.. الله كريم.
إستمعا في الحال إلي صوت آذان الفجر يصدح عاليًا يشق سكون الليل بأعذب الأصوات فقال متولي مبتسمًا: يلا بينا نصلي الفجر ونطلع ننام..
لينهضا سويا متجهين إلي المسجد ليقيما فرضهما ثم عاد كلًا منهما إلى منزله ليخلد إلي النوم براحه و طمأنينه
…….
إنتفضت آصال عندما إستمعت إلي صوت المنبه و الذي عيّرتهُ في تمام الثامنه..
ظلت تتلفت حولها بشرود إلي أن دق والدها باب الغرفه وهو يقول: آصااال.. يلا يا بابا الفطار جاهز..
مسحت علي وجهها بتعب وهي تنفض ذلك الكابوس من رأسها ثم نهضت من فراشها سريعًا و إتجهت إلي المغسل لتبدأ عاداتها اليوميه كما كل صباح.
جلست إلي جوار والدها تتناول طعام الإفطار بشرود لينتبه هو إليها فقال: مالك يا آصال؟
هزت رأسها بشرود وقالت: مفيش يا بابا..
_مفيش ازاي بقا؟! هو انا مش عارفك ولا إيه؟! مزاجك مش اللي هو ليه؟!
تنهدت بثقل وأجابته في إقتضاب: كابوس.. كابوس مش راضي يسيبني وكل يوم بيخنق فيا بزياده.
إمتنع عن الطعام بدوره وقال بضيق: معلش يا بنتي ربنا يهون.. بكره الأيام هتعدي و هتنسي كل اللي حصل وهتقولي يااااه.. معقول أنا تجاوزت وأقدر أتخطي كل ده!!
نظرت إليه بإبتسامه مهزومه وقالت: تفتكر يا بابا؟
أومأ بقوة مؤكدًا وقال: طبعاااا.. وبكره تقولي بابا قال.
أومأت بموافقه ونهضت واقفه فقال: مش هتكملي فطارك؟
_الحمد لله شبعت.. هروح أنا بقا.. عايز حاجه؟
= عايز سلامتك يا حبيبتي.. في حفظ الله.
…..
دلفت إلي مكتبها وهي تشعر بالإحباط ، لم تصاحبها تلك الهمه التي رافقتها منذ ان إلتحقت بالعمل في ذلك المكان..
لأول مره تشعر بأن لا طاقة لها بالعمل ، وضعت رأسها بين كفيها و زفرت بتعب وقد أخذ منها الحزن كل مأخذٍ..
أحست بأن الأرض قد ضاقت عليها بما رحبت فـ علي الفور سحبت إحدي الأوراق و أمسكت بالقلم و بدأت تخط بها ما يجيش به صدرها..
رن هاتف مكتبها فإنتفضت بفزع ثم أجابت : أيوة يا مستر معتز..
ليواتيها صوتهُ الرخيم إذ قال: أنا رياض يا آصال.
إرتبكت قليلا وهي تقول بتلعثم: سوري يا مستر رياض ، متوقعتش إن حضرتك اللي بتتكلم..
_ معتز بيخلص كذا حاجه بخصوص المناقصه الجايه وأنا هستلم مكانه كل الملفات النهارده.. لو سمحتي تراجعي الملفات اللي عندك سريعا وتكون عندي في ظرف نص ساعه بالكتير.. مع السلامه.
قُطع الإتصال فراحت تعمل بعجالةٍ عابثه وكأنها تركض وراء الريح ثم ما لبثت أن إنتهت من مراجعة الملفات وتصنيفها كلٌ علي حده حتي جمعت كل الأوراق الموجودة على سطح المكتب و وضعتها بداخل ذلك المجلد وإصطحبتهُ إلي مكتب رياض..
طرقت الباب بتوتر و تأهب فأذن لها بالدخول علي الفور…
_ادخلي يا آصـال..
دلفت إلي الداخل فأشار لها دون النظر إليها وهو يتابع ما بيده وقد بدا عليه الإنهماك فقال : حطي الملفات وبعد إذنك خدي دول إعملي من كل ملف نسختين و هاتيهملي..
أومأت بصمت وإلتقطت الملفات من علي مكتبه وإنصرفت بهدوء..
إمتدت يداه ليلتقط تلك الأوراق التي أحضرتها له ، فتح المجلد و بدأ بمراجعة و إمضاء الأوراق بتأني إلي أن إستوقفته إحدي الأوراق لِما دُوِن بها..
” كبرت كثيرًا تلك الأيــام!
تساويتُ مع خيباتي و تصالحتُ تمامًا مع شعوري بالهزيمه و الخذلان .
لم تَعُد لدي رغبه في محافل ضوءٍ أو أصدقاء جدد .
كبرتُ كما يكبرون ؛ و لذا كان لزامًا عليّ أن أعتذر لنفسي عن كل الذين ظننتهم قناديل تضئ قلبي وما كانوا إلا عتمةً أهلكتني و سلبت قليل الضوء من حولي.
أتمني أن أحظي ذات يومًا بمن يعيد النور إلي فؤادي و يُربت بيداه العاشقةِ علي دمعي و يُخبرني بأنه سيمضي.”
إنتهي من قراءة الرسالة الخاصة بها فتح خزنتهُ و وضعها بها بعنايه إلي جانب أوراقه المهمه ثم أغلقها ثانيةً وعاد يطالع أوراقه من جديد..
من فينةٍ إلي أخري يوخزه عقله وهو يعنفه لينتبه إلي الأوراق المهمه بين يديه ليدرك أنه لم يكن سوي شاردًا بها و بكلماتها التي إستقرت في قاع قلبهِ..
……..
فرغت من عملها للتو و همّت بالخروج من المكتب كي تتجه إلي مكتب رياض وتقوم بتسليمه الأوراق التي طلب منها نسخها لتقفز إلي بالها فجأة تلك الورقه التي خطت كلماتها العابثه الهزليه _من وجهة نظرها_ بها.
ظلت تبحث عنها يمينًا ويسارً دون جدوي لتتلقي إتصالًا من مكتب رياض فأجابت بلهفه: أيوة يا مستر رياض؟
_أيوة يا آصال خلصتي اللي طلبته منك؟
=أيوه.. ثواني وأكون عند حضرتك..
ذهبت إلي مكابهُ سريعًا ، طرقت الباب ودلفت بعد سماع إذنهُ لها بالدخول وتقدمت بهروله خفيفه ثم وضعت الملفات علي مكتبه وقالت: اتفضل حضرتك.. دي الاوراق الأصلية ودي النسخ اللي حضرتك طلبتها..
أومأ موافقًا وقال وهو ينظر إليها بثبات: شكرًا يا آصال
أشاحت ببصرها بعيدًا تبتعد عنهُ بناظريها ليفاجئها حيث قال: اقعدي يا آصال.
نظرت إليه بتعجب صامت فقال مكررًا وهو يفرك بيدهُ عيناه بتعب: اقعدي عايز أتكلم معاكي شويه..
إمتثلت لطلبهِ وجلست فتساءل بلطف وقال: في حاجه مضايقاكي؟
أجفل قلبها وقالت بصوتٍ خفيض: لا حضرتك مفيش حاجه..
وضع من بين يديه الأوراق و قلمهِ ووضع ساعدَ فوق الآخر وهو ينظر إليها ويقول بإهتمام : مش مفروض تخبي علي فكره.. إنتي المفروض تواجهي.. إنتي قويه مش ضعيفه.. إنتي تخطيتي اللي غيرك مقدرش يتخطاه .. واجهتي اللي محدش عرف ولا كان عنده إستعداد يواجهه.. إنتي مغلطتيش ولا إستسلمتي وضيعتي نفسك.. إنتي فضلتي الموت علي إن حد يمس شرفك أو كرامتك.. إنتي مفيش زيك يا آصال.
إهتز قلبها و سالت دمعاتها رغمًا عنها ، لقد ضغطت كلماتهُ علي جروحها و حزنها و ألمها و جعلتها تنزف من جديد.
نهض من خلف مكتبه وإستدار ليجلس علي المقعد المقابل لها و إستكمل ما بدأهُ وقال: أكيد إتعذبتي وأكيد حسيتي بالقهر والخيانه والغدر من أقرب الناس ليكي .. وأكيد ده لوحدك كفايه إنه يحطمك ويخليكي مطفيه ومكسوره….
نظرت إليه وهي لا زالت تسكب من فيض عيناها أكوابًا فإمتدت يداهُ بزيل دمعاتها بإبتسامةٍ حانيه وهو يستأنف حديثه و يقول : لكن متقلقيش.. كله هيعدي!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى