روايات

رواية ظننتك قلبي الفصل الرابع 4 بقلم قوت القلوب

موقع كتابك في سطور

رواية ظننتك قلبي الفصل الرابع 4 بقلم قوت القلوب

رواية ظننتك قلبي الجزء الرابع

رواية ظننتك قلبي البارت الرابع

ظننتك قلبي
ظننتك قلبي

رواية ظننتك قلبي الحلقة الرابعة

«السراب…»
نعم أنا طفلة ، مهما إصطنعت القوة فبداخلي طفلة تفتقر للحنان والأمان ، من يتحمل عنادي وأخطائي ، يا ليتني نضجت كما أظن ، يا ليتني بأحضان أمى …
برودة قارصة وأمطار رعدية تتجلى بأصواتها التى ترجف القلوب ، أضواء البرق المتلاحقة التى تغزو النفس وتدب الفزع بها ، الجميع يلتزم البيوت يتمتعون بدفئه وأمانه إلا تلك العنيدة التى أصرت على البقاء…
لمن الغلبة الآن ؟؟ ماذا إستفادت من عنادها لتبقى بمفردها بتلك الأجواء تواجه العاصفة وحدها وقد حل المساء ، قوية القلب لكن نقطة ضعفها هي خوفها من ضوء البرق وصوت الرعد الذى كلما ضرب السماء إرتعشت ساقيها بهلع وهى تتلمس مكان جافًا تحتمى به …
لملمت “عهد” سترتها السميكة بأيدى مرتجفة ففوق الجبال المشهد مختلف ، تشعر بأنها قريبة من أهوال تلك العاصفة بطريقة لم تكن تحسبُ لها الحساب ، لقد ظنت أن الأمر لا يتعدى موجة باردة وبعض الأمطار كما هي معتادة ..
لكن الوضع هنا مختلف ، مفزع لنفسها الهشة التى تقحمها بما لا يناسبها بعنادِها ورأسها اليابس ، ها هي كالعادة وحيدة خائفة لا يدرى عنها أحد ، تمتمت تحدث نفسها …
_ أعمل إيه دلوقتِ ، أنا مكنتش عارفة إن المطر هنا صعب أوى كدة ، طب أرجع … لأ طبعًا .. مينفعش أرجع … وحتى لو كنت عايزة أرجع … حرجع إزاى …؟؟؟
خطأ آخر تقترفة بعنادها وتشبثها بالأمور ، لكنها الآن يجب أن تفكر بصورة مختلفة ، لن تبقى تلوم على نفسها كالضعفاء ، عليها البحث عن مكان آمن حتى تستطيع العودة …
________________________________
بيت النجار …
رغم أن المساء قد أوشك بالفعل وأخذت “زكيه” تترقب عودة “شجن” بتوجس حتى لا تلاقى ما لاقته بالصباح إنتظرت “زكيه” بالشرفة ترافقها إبنتها الصغرى “نغم” التى كانت تتطلع بالمارة هنا وهناك تبحث عن وجه واحد فقط بين الوجوه لكنها كالعادة تبحث عن السراب …
بالشقة السفلية كانت “صباح” تعد لوجبة المساء برفقة إبنتها “راوية” التى تساعدها بتملل تتمنى لو تخلص من تلك الحياة الرتيبة التى تتكرر يومًا بعد يوم …
_ أنا طالعه البلكونة أشم شوية هوا …
رمقتها أمها بجانب عينها وهى تزم شفتيها بسخرية ، لا تدرى هل هي تتشمت بها أم تتحسر على حالها …
_ أقعدي أقعدي ، محدش بيتخطب من وقفة البلكونات …!!!
كزت “راوية” على أسنانها بغيظ ..
_ وهو كل حاجة فى الدنيا إني أجيب عريس …. مخنوقة … عايزة أشم الهوا … أووف …!!!
إستدارت تلك الممتلئة تجاه إبنتها الساخطة ..
_ أيوة كل حاجة فى الدنيا إنك تجيبي عريس .. وحفضل أقولهالك يا بنت “صباح” … لازمن تتجوزي قبل المخفية إللي فوق هي وأختها … غير كدة حتفضلي مكروهه طول العمر … هم إللي موقفين حالك … هم إللي بيطفشوا منك العرسان …
تشحن النفوس بمجرد كلمات لو ندرك كم لها من أثر يقبع بالنفس وقدرة على تغيير الرؤية بأعيننا ، مجرد كلمات جعلت “راوية” تشعر بالغيظ من بنات عمها دون داعى لتُقْبض ملامحها بعبوس تتمنى الخلاص منهن حتى تجد فرصتها بالحياة …
أشارت لها “صباح” لمساعدتها ..
_ قطعي البصل ده خلينا نخلص ..
إلتفت “راوية” بحنق تقطع البصل وهي تغمغم بسخط من حظها العثر فحتى الراحة والسكون لا تحصل عليهم بخلاف بقية الفتيات …
_ هم ينبسطوا ويريحوا وأنا أقطع البصل ، دى عيشة تخنق ..
ثم إنتبهت “راوية” لتهتف محذرة أمها …
_ طب على الله بعد كل ده ولما نخلص العشا نلاقي الست “حنين” هانم جايه تاكل على الجاهز زي كل يوم …
مصمصت “صباح” شفتيها فهي رغم عدم تقبلها لزوجة إبنها إلا أنه الوحيد الذى يساعدها بمساعيها وتنفيذ رغباتها بعكس “مأمون” لتهتف مدافعة عن ولدها البكر …
_ تيجي متجيش مالكيش فيه … المهم أخوكِ “فريد” يكون مبسوط ..
مالت “راوية” فمها بإمتعاض هامسة بسخط ..
_ طبعًا مبسوط .. طول ما هي واكله عقله وبتدلع عليه حيبقي مبسوط .. بنت (السيد خلف) عارفة تمشيه مظبوط .. لعبتها صح …
تسائلت أمها بإستنكار لعدم إستيضاح ما تقوله …
_ بتبرطمي بتقولي إيه يا بت …؟!!!
عادت “راوية” لتقطيع البصل …
_ ولا حاجة ، أديني بقطع البصل أهو …
بالدور الأرضي تلك الشقة التى كانت ملك الجد (محمود النجار) والتى آلت لـ”فريد” بعد وفاة الجد والجدة ، تلك الشقة التى تزوج بها منذ تسع سنوات …
خلال تلك التسع سنوات لم تتقبل “حنين السيد خلف” إبنة صاحب البقالة هذه الشقة الرطبة عفنة الرائحة ، وحتى مع تجديدها للإبن “فريد” إلا أنها مازالت تتمتع بتلك الرائحة العطبة فهي ضيقة للغاية محدودة التهوية ، هي أساس بيت النجار والتى بُنى عليها بقية هذا البيت العتيق ..
رغم مجاورة شقتهم لشقة أخرى مغلقة بهذا الطابق إلا أنه لم يُسمح لهم سوى بتلك الشقة فقط ليسكنوا بها وبقيت تلك الشقة مغلقة كمثيلتها بالدور الثاني بمقابل شقة “زكيه” ، فكان من المفترض أن يقطن بها “مأمون” الذى فضل أن يستأجر شقة خارج البيت بعد العديد من المشاكل بين زوجة أخيه وبين زوجته …
خللت “حنين” أظافرها الطويلة والتى تهتم بعنايتها بشكل ملحوظ بخصلات شعرها ترفعه للأعلى بعشوائية قبل أن تتخذ جلستها بالمقعد العربي إلى جوار زوجها “فريد” ، وبطريقتها التى تفتقر لليونة خاصة معه بدأت تُملي عليه ما يجب عليه فِعله بالفترة القادمة فهي تعشق فرض السيطرة والقوة ..
لم يكن “فريد” الرجل ضعيف الشخصية التى ينتظر أن ينساق خلف توجيهات زوجته بل كان شخصية هوائيه ذو تفكير سطحي لا يتمتع بالطموح إطلاقًا يتمنى فقط قضاء اليوم بيومه دون إشغال فِكره بما سيحدث بالمستقبل ..
ترك “فريد” عناء هذا التفكير لزوجته “حنين” والتى لا تنفك من التفكير بكل التفاصيل التى تخص هذا المستقبل الذى لا يكترث له سواء المستقبل القريب أو المستقبل البعيد ..
مد “فريد” يده يحمل كوبًا من الشاي يُقدمه نحو زوجته وهي تقلب أفكارها جيدًا قبل أن تبدأ حديثها الذى ينتظره …
_ ها … وصلتي لحاجة ؟!!
نطقها كالطفل الذى ينتظر التعليمات من أمه لإرشاده للتصرف الأمثل ..
إرتشفت “حنين” القليل من مشروبها أولًا قبل أن تجيبه ..
_ فلوس أبوك وأمك دى مينفعش تفضل كدة … لو “راويه” ولا “مأمون” وصلوا لها مش حنقدر ناخد حاجة !! أختك دى سهونه قاعدة مكوشة على تفكير أمك وأبوك .. دى يتفات لها بلاد ، وأخوك “مأمون” عامل فيها المتعلم الناصح إللي بيفهم فى كل حاجة وواكل عقل أبوك ..
_صح كلامك … مظبوط … طب والعمل يا “نونه” ..؟!!
زمت “حنين” شفتيها بتقزز قبل أن ترمقه بطرف عينيها لسطحيته وقلة تفكيره قبل أن تستطرد حديثها ..
_ ما أنا عارفة طبعًا إن كلامي مظبوط ..
(ثم إلتفت بكامل جسدها لتصوب وجهها بالكامل تجاه “فريد” تبث سُمها بأفكاره) .. إنت إبنهم الكبير .. يبقي لازم شغل محل العطارة يبقى تحت إيدك إنت ، مش “مأمون” ..!!! إنت لازم تقنع أبوك بكدة ، هو ليه حاطط أخوك إللي أصغر منك على الحِجر وهو إللي ماسك الشغل والتوريد والفلوس والحسابات وإنت حا يالله بترتب لهم المخزن والعمال ويرمي لك الفتافيت فى الآخر ..!!! ده حتى الشقة مرضيش ناخدها ونوسع علينا بدل الكتمة إللي إحنا فيها ما هي مقفولة من ساعة ما مرات أخوك ما حكمت تسكن بره بيت العيلة …
_ صح يا “نونه” معاكِ حق … ده إستخسر فينا الشقة وهو إللي ماسك الإستيراد كله وحسابات المحل والتجار ..
وضعت كوبها فوق الصينية وهي تأشر بكفها إعتراضًا على هذا الحال …
_ بس ، يبقى لازم تروح لأبوك بكره وتقول له الكلام ده كله ، إنت مش صنايعي فى المحل ، إنت إبن صاحب المحل والكبير كمان … يعني المفروض تبقى مكانه وتعرف كل صغيرة وكبيرة هناك …
أومئ بالإيجاب وهو يرفع حاجبيه كمن إلتقط مهمة اليوم والتى عليه تنفيذها ..
_ صح يا “نونه” … ده إللي لازم يتعمل ، أنا حروح له المحل وأقوله كل الكلام ده …
________________________________
شقة المستشار خالد دويدار ..
أخذت الدكتورة “منار” تقلب بجهازها اللوحي تريح قلب هذا المترقب من بعيد منذ أن إتخذت هذا القرار بإنهاء مشوارها الطبي بهذا الإعتزال الذى وجب وقته ..
_ خلاص أهو يا “خالد” الإعلان نزل ، شوف كدة …
بأعين متفحصة لكل التفاصيل كما إعتاد بعمله تمامًا فحياته المهنية كقاضي ومستشار بمحكمة الإستئناف قبل أن يصدر بحكم يحاسب به قبل صاحبه ، أخذ يتمعن بكل ما كتبته زوجته بهذا الإعلان الذى وضعته بأحد الصفحات الشهيرة المتخصصة بهذا المجال لعرض عيادتها الخاصة للإيجار ..
_ أممم … أظن كدة تمام ، كدة أحسن … عشان ترتاحي كمان ..
_ وإنت كمان ترتاح ، وأهو نقعد بقى نتسلي مع بعض ..
كالماء والهواء هما معًا مختلفان بتفاصيلهما لكن لا يمكن الإستغناء عنهما ، يحتاجان دومًا لبعضهم البعض دون أن يدري كل منهما لم يحتاج الآخر ..
بسمة لطيفة إعتلت ثغر “منار” بإيمائة إيجاب بينما قابلتها بسمة رضا من هذا القوي الذى يدرك تمامًا أن سببًا كبيرًا من قرارها هذا هو فقط لإرضائه ..
إنها سُنة الحياة أن يقدم كل منهما دورًا بارزًا في المجتمع من حولهم ثم يتحصلون على الراحة المناسبة وترك الفرصة لحديثي العهد بإستكمال مسيرتهم وإتخاذ أماكنهم لتدور الحياة بأدوارها فمن يبقي على حاله إلى الأبد …
رغم الصمت الذى يحل على جلستهم إلا أن هناك نوع من الإنسجام لقضاء سهرتهم بمشاهدة فيلم تليفزيوني من نوعهم المفضل بهدوء وسكينه …
________________________________
ليل طويل قاسٍ للغاية مر على تلك المرتجفة وسط العاصفة التى إشتدت مع مرور ساعات الليل الأولى خاصة وهي لا تفضل هذا الإحساس البارد الذى يحيط بها فهي دومًا تعشق فصل الصيف وتخشي بقوة من الشتاء وبرودته وأيامه الممطرة بشكل ملحوظ …
تجنبت “عهد” تلك الأضواء الكاشفه إثر ضربات البرق المخيف بداخل نفسها بالجلوس تحت شجرة كبيرة تتلحف بسترتها المبللة تحاول البحث عبر جهازها اللوحي عن طريق يمكنها سلوكه لكن الظلام حال دون ذلك لتنتظر بزوغ الفجر لتتحرك باحثة عن مخرج …
حل الفجر البعيد القريب لتستقيم “عهد” تتلفت حولها لتقيم الوضع أولاً قبل إتخاذ قرارها بأى إتجاه ستتحرك …
تلك الأمطار الغزيرة سببت سيل جارف قطع العديد من الطرق التى كان يجب عليها أن تسلكها فقد كشرت الطبيعة عن أنيابها وعلقت هي بالمنتصف …
إتخذت الطريق لداخل الغابة تحتمي بالأشجار من تساقط الأمطار برغم وضعها لغطاء الرأس الحاجب للمطر فوق رأسها ..
تهدجت أنفاسها الباردة وهي تضغط بجفنيها لتزيد من قدرتها على الرؤية بشكل أوضح تتأكد مما تراه عيونها ، كم تخشى أن يكون ما تراه هو مجرد سراب واهي بعقلها فقط ..
بحرص شديد لخطواتها بتلك التربة الزلقة حتى لا تسقط أرضًا تحركت “عهد” نحو الأمام تجاه هذا الكوخ الذى يقف بمنتصف الغابة كما لو أنه ظهر من العدم ..
كوخ خشبي يحمى من الخلف بجبل عالٍ يظهر إليها كملاذ آمن من تلك العاصفة حتى لو كان خاويًا ..
وصلت تجاه الكوخ تحتمي بسقيفته العريضة التى تمتد أمامه وهي تلتف بقوة بملابسها المبللة وإرتجافها الشديد ، لم تهتم بالنظر للكوخ بقدر إهتمامها بالدخول إليه لكن عليها طرق الباب أولاً للتأكد فربما يكون عامرًا بسكانه …
سكون تام يقطعه صوت المطر بعد إنتظارها لبضعة دقائق بعد دقاتها الخشنة فوق الباب الخشبي للكوخ ، ليفتح الباب بتروي لتسلط “عهد” عيناها تجاه تلك الشقراء النحيلة جميلة الملامح بتفحص شديد ، ككشف هيئة تقوم به لتقييمها لما تملكه من حُسن ووجه رقيق ملائكي الطلة ..
لم تكن سوى فتاة بالعقد الثالث من عُمرها متوسطة الطول بل تميل للقصر شقراء طبيعية ذات أعين ملونه وفم وردي جذاب ، إنها حقًا أنثي كم يجب أن تكون ، زادت أنوثتها بإقتران هيئتها بنبرة صوت عذبة للغاية وهي تناظرها بتساؤل بالألمانية التى لم تستطع “عهد” إدراك مقصدها فهي لا تتحدث الألمانية لتجيبها “عهد” بالإنجليزية …
_ عفوًا ، لا أتحدث تلك اللغة …
لتعيد الشقراء تساؤلها بالإنجليزية ..
– هل يمكنني مساعدتك …؟!؟
فاهت “عهد” بها للحظات فكم هي ناعمة رقيقة لا تشبهها بالمرة ، نفضت تلك الأفكار عن رأسها لتنتبه لما هو أهم فعليها قضاء مصلحتها التى أتت من أجلها ، رسمت بسمة باهته غير معتادة على محياها فيجب أن تظهر بمظهر ودود لطيف لتحظى بغايتها بالبقاء معها ، ثم أكسبت تلك البسمة بنظرات مترجية مصطنعة لتبعث الإطمئنان لها ..
_ لقد علقت بالغابة فبعد هبوب العاصفة قطع السيل الطرق ولم أستطع العودة للمدينة فهل يمكنني البقاء هنا حتي تنتهي العاصفة ….؟!!
مدت الشقراء رأسها لخارج الباب تناظر السماء الملبدة بالغيوم والأمطار الغزيرة ، والتى يبدو أنها تدرك للتو أن هناك عاصفة ما وسوء حال للطقس ..
مالت “عهد” بفمها بسخرية من من رد فعلها المتسم بالغباء قائله بداخلها ..
_( مفيش حلاوة كاملة ، أهي طلعت غبية )
عادت لبسمتها المتكلفة لثغرها مرة أخرى حين هتفت الفتاة قائلة ..
_ اوووه ، حقًا إن العاصفة شديدة للغاية …
غمغمت “عهد” بسخط رغم إبتسامتها الثابتة فوق شفتيها …
_( وحياة أمك ، أمال أنا بقول إيه !!!)
عقصت الشقراء أنفها بدون فهم لما قالته “عهد” ثم أشارت نحو الداخل تدعوها للتقدم ..
_ تفضلي ، مرحبًا بكِ ..
أومأت “عهد” بخفة وهي تدلف نحو الداخل قبل أن تغلق الشقراء باب الكوخ من خلفها …
وقفت “عهد” تستقيم بجزعها للأعلى تلتمس الدفء فالكوخ دافئ للغاية فعلى ما يبدو أن أصحابه يستخدمون التدفئة بأرجائه كافة ، شعور ممتع بعد إرتجاف كاد يصل لداخل عظامها ، بلحظة تبدلت فكرتها التى كانت تحملها بمخيلتها عن الأكواخ ، فقد ظنت أن الأكواخ ما هي إلا شقة بسيطة من الخشب أو ما شابه يلقون به بعض الأثاث البالي لقضاء أيام قلائل به كنوع من التغيير لروتين حياة إعتادوا عليه قبل عودتهم لحياة المدينة الصاخبة ..
لكن هذا الكوخ كان مميز للغاية ، بل إنه مبهر مصمم بطريقة هندسية جميلة يتمتع بذوق رفيع إستثنائي أيضًا ، كان كتحفة فنية بكل تفاصيله حتى هذا السلم الداخلي المصنوع من طبقات متتالية من جذوع الأشجار ذو حافة ديكورية مصممة بعناية …
كوخ ثري جميل حقًا ، معزول بتدفئة بشكل لافت للنظر يجعل من يقطن به لا يشعر ببرودة الطقس من خارجه ، بل إن الحياة بأكملها بداخله معزولة تمامًا عن خارجه …
إلتمست “عهد” العذر لتلك (الغبية) كما أطلقت عليها بعدم إدراكها لما يحدث بالخارج وهبوب تلك العاصفة القوية فهي تعيش بعالم منفصل تمامًا …
قطع تأملاتها صوت الشقراء الناعم من جانبها لتنتبه “عهد” إليها …
_ أنا “كاتينا” ، مرحبًا بكِ …
أعادت “عهد” تلك البسمة المتكلفة خاصتها وهي تجيبها بتقبل ..
_ “عهد” ، إسمي “عهد” …
_مرحبًا ، “أهد” …
رفعت “عهد” جانب أنفها بإستنكار لطريقة نطق إسمها بتلك الطريقة المتغنجة التى لا تعتاد عليها لتعيد التوضيح بالعربية ساخرة …
_ “أهد” !!!! إسمي “عهد” يا أختي مش “أهد” جَتِك هَدْه …
رمشت الفتاة بأهدابها القصيرة بدون فهم لمقصدها خاصة وهي تتحدث تلك اللغة التى لا تعرفها محاولة إدراك ما تتفوه به حين أشارت إليها “عهد” ألا تكترث لها …
_ لا عليكِ ، لا عليكِ ..
أومأت “كاتينا” بخفة وهي تدعوها للجلوس والإستمتاع بالتدفئة …
_ إجلسي ، تفضلي “أهد” …
غمغمت “عهد” بتذمر بنبرة منخفضة للغاية ..
_ يا دي “أهد” إللي مش حنخلص منها ، شكلها حتبقي مرار …
جلست “عهد” فوق أريكة جلدية حمراء اللون مميزة للغاية ومريحة أيضًا بذات الوقت …
________________________________
يموج الصباح بإشراقة شمس دافئة بفصل الشتاء أيضًا بهذه المدينة ليبدأ يوم جديد خاصة لتلك الأسرة الصغيرة التى بدأت حياتها منذ عدة شهور لا أكثر ببيت المستشار “خالد دويدار” ، خاصة بالشقة العلوية للإبن البكر “عيسى” وزوجته المتوهجة “غدير” صاحبة أجمل ضحكة بهذا البيت …
إرتدي “عيسى” حُلته السوداء المنمقة وهو يتطلع بإنعكاس صورته بالمرآة لكن الفارق اليوم هو إستيقاظ “غدير” بنشاط وحيوية على غير العادة فهي محبة للنوم وإستغراقها به …
وقفت من خلفه تهتف به وهي تضحك بضحكتها المعهودة التى تتميز بها يهتز لها جسدها اللين بشقاوة لتجبر مشاهدها على الإبتسام أيضًا رغمًا عنه ، تلك المتوهجة التى دبت الحياة بداخل “عيسى” ليقع أسيرها دون مقاومة ..
_ مينفعش تمشي سادة كدة …!!!
إستدار تجاهها وهو يقضب حاجباه دون فهم برغم ضمه لشفتيه بقوة حتى لا تنفرج بتلك الإبتسامة التى كادت تنقلب لضحكة قوية من مظهرها السعيد وفمها المفتوح بإبتسامة تنبع من كل جوارحها وليست من شفتيها فقط ليعقب بتساؤل …
_ هو إيه إللي سادة ؟؟!!! ده وصف يا “غدير” ؟!!
نطقها ببعض السخرية برغم محبته لطريقتها العفوية المرحة بشكل غير معقول ، توسعت حدقتيها عن آخرهما وهي تفغر فاها قائله ..
_ لابس لي بدلة سوداء ، وقميص إسود ، وكرفته سوداء ، وشنطة سوداء ، وشراب إسود ، وجزمة سوداء ، إييييه .. قلم حبر رايح المحكمة !!! مالك سادة كدة ؟!! لازم تحط تاتش حلو كدة ، عايز لبيسة للقلم ..
أنهت عبارتها لتتعالى ضحكتها هي أولًا بقهقهة قبل حتى أن يضحك “عيسى” الذى بدوره أُجبر على مشاركتها ضحكتها ، فلا شك إنها قادرة على خلق تلك الضحكة على وجهه ليردف ببسمة منفرجة ..
_ والمفروض أحط لبيسة شكلها إيه يا ست الفنانة ؟!!
لم يتوقف مزاحها عند هذا الحد بل أطلقت كلماتها الساخرة قبل أن تنفجر قهقهتها الصاخبة وهي تخرج راكضة إلى خارج الغرفة …
_ حط طحينة …….
ركضت كطفلة سعيدة نحو الخارج فهي تدرك أنها بذلك تثير روح الإنتقام المازحة لديه متوقعة أن يلحقها مستنكرًا لكنه لا يقوى على الإنفعال والغضب وهي تسخر منه بطريقتها المبهجة وروحها الشقية الخفيفة …
_ إنتِ بتقولي إيه …!!! تعالي هنا …..
رغم مراوغتها له إلا أنها فاشلة تمامًا بالهرب لتقع بين براثن يديه التى أمسكت بها دون عناء ، إنتقام لابُد منه إلا أنه فور أن قبض عليها بين يديه وإستكانت حركتها أمامه كالعصفور الذى وقع بالشباك وبدأت أنفاسها اللاهثة بالهدوء بعض الشئ تبدلت تلك الروح الطفولية وتجلت الأنثى الشقية بعيناها الواسعتان ..
تلك النظرات الولهة من عيناها التى أطلقت سهامها بقلبه المنتفض ، قلبه الخائن الذى أصبح ملك لها ، تقلبه بين يديها كما تشاء ، هو من ظن أن قلبه ملكه وحده يتحكم به حتى أطلت تلك الشقية بحياته لتقلبها رأسًا على عقب …
لحظة من إلتقاط الأنفاس كانت نتيجة لدفعته الخفيفة من يداه التى تحيط بها تجاه صدره لتستكين بداخله مغمضة عيناها لوهلة قبل أن يقبّل رأسها هامسًا بعشق متيم ..
_ بحبك يا شعنونة ، كفاية بقى حتأخر على المحكمة ، خدي بالك من نفسك ، ومن بابا وماما …
رفعت رأسها للأعلى ليظهر فرق طولهم الواضح تنظر نحوه بعيون تمتلئ بتلك العاطفة التى سلبت قلبه تلك القصيرة ثم همست بهدوء ..
_ في عنيا يا “سيسو”(عيسى) … حطمن عليهم الأول قبل ما أروح عن “مودة” أختي ..
_ تمام … خدى بالك من نفسك وإركبي تاكسي بلاش زحمة ومواصلات .. لولا ظروف “مودة” مكنتش رضيت تروحي لها كل يوم والتاني كدة …
– معلش يا “سيسو” … ما إنت عارف إنها عايشه لوحدها ..
– أنا المهم عندى إنتِ .. خدى بالك من نفسك ومتتأخريش عشان بخاف عليكِ …
رمشت بعيناها الباسمتان لتومئ بالإيجاب وكيف ترفض حنان وإهتمام قلب قلبها “عيسى” ..
– حاضر يا روحي … مش حتأخر عشانك .. متقلقش عليا …
بمحبة قبل جبهتها مغمضًا عيناه براحة وإستكانة مودعًا إياها فلو ترك العنان لنفسه لن يتركها ولن يغادر ولن يعمل مطلقًا سيبقى فقط أسير تلك الـ”غدير” …
أثار بأصابعه خصلات شعرها المموج الثاثرة وهو يتحرك بخطوات متعجلة نحو الخارج حتى لا يتأخر عن موعده ، لكن تلك الإبتسامة التى رسمتها “غدير” فوق ثغره لم تتلاشى بسهولة فهي أحلى بداية لهذا الصباح ، لكنه حاول بقدر المستطاع العودة لشخصيته الجادة الهادئة المقتضبة التى يتصف بها فمجال عمله لا يصح به المزاح …
________________________________
سويسرا .. الكوخ …
شعور الدفء ممتع ومريح بشكل تعشقه “عهد” ، بعد إرهاق ليلة طويلة شعرت بالراحة أخيرًا خاصة فوق تلك الأريكة المريحة ، وإحتسائها لهذا المشروب من الكاكاو الساخن الذى أحضرته لها “كاتينا” منذ قليل بعد أن مرت عدة ساعات على تواجدها هنا …
فتحت عيناها المغمضتان بإستمتاع لهذا الهدوء على صوت “كاتينا” وهي تعلي من صوتها الناعم مناديةً بإسم غريب فيبدو أنها ليست بمفردها بهذا الكوخ …
_ “ماوصي” …”ماوصي” … لدينا زائر …
قوست “عهد” شفتيها للأسفل بإمتعاض متعجبه من هذا الإسم فهل تقصد به إنسان من بنى آدم ، أم إنه ربما إسم كلبُها كما يحدث بالأفلام ، لتنتظر بترقب ما هو هذا الـ”ماوصي” …
سمعت بعد قليل وقع خطوات بأعلى درجات السلم لترفع “عهد” عيناها بذات الإتجاه بفضول لمعرفة شكل هذا الكائن الذى قامت “كاتينا” بندائه …
بخطوات رزينة تقدم شاب طويل القامة ذو هيئة رياضية يتمتع بعيون ظاهرة حادة ذات لون أسود قاتم لها بريق واضح متقد الذكاء والغموض أيضًا ، شاب جاد متجهم يتحرك بصوبهم دون أى إهتمام بوجود غريبة معهم ، لم يكن أبيض البشرة كـ “كاتينا” بل كان يتحلى ببعض السمرة الجذابة لاقت بكثرة مع حِدة عيناه التى توحي بالذكاء والشراسة بذات الوقت ..
دون التفوه بكلمة شعرت “عهد” بأن هذا الـ”ماوصي” يتمتع بشخصية صلبة قوية لم تعهدها بأحد من قبل فهيئته توحي بذلك ..
وجهه المستطيل ولحيته الخفيفة النابته والمحددة بشكل أكسبه جاذبية تطيح بالقلوب كان لهما وقع خاص بتحديد طبع هذا الشاب بفراستها بقراءة الوجوه وتحديد الشخصيات ، لكن أكثر ما لفت نظرها هو نظرته الحادة والجادة أيضًا ..
بعد أن توقف أعلى الدرجات لبعض اللحظات طالع “عهد” بنظرة إستنكار واضحة لوجود فتاة غريبة بينهم ، تلك النظرات المتفحصة المتعجبة لوجودها ، لم يكن وجهه المرحب كـ “كاتينا” لكنه لم يكن الرافضً أيضًا …
لحظات من الصمت قضاها ثلاثتهم بترقب لهبوط “ماوصي” درجات السلم بهدوء وثقل سبب بنفس “عهد” بعض الإرتباك والقلق رغم صمته حتى الآن ..
شعور لم تختبره من قبل ، لم تشعر بأن هناك من هو يؤثر بها بأى شكل من الأشكال ، لم يسبب حضور أى شخص لها بالإضطراب من قبل ، بل إنها لم تهتم يومًا بوجود أحدٍ قُربها على الإطلاق ، بل إنها تشعر بالنفور إلى قربهم …
نفور كادت تجزم بأن بها شئ خاطئ لهذا النفور المستمر حتى كادت تصدق أنها باردة المشاعر قاسية القلب “متوحشة” مثلما يطلق عليها الجميع ، لا تنجذب مطلقًا للجنس الآخر ، فماذا حدث لها اليوم لتشعر بأنها مضطربة ضعيفة ضئيلة للغاية بحضور حاد العينان هذا …
حبست أنفاسها للحظات لتعود مرغمة نفسها على الثبات النفسي الذى تتحلى به فمن يكون هذا ليبعثر ثباتها القوى ، إنه مجرد “ماوصي” رجل أجنبي ربما زوج تلك الفتاة أو أخيها أو صديقها ، لا تدري بعد ؟!!
لم يُسقط عيناه المتفحصة لتلك الكتلة السوداء التى تجلس فوق أريكته المحببة بإستغراب وهو يدنو منهم بخطوات ثابتة حتى توقف إلى جانب “كاتينا” متحدثًا إليها بصوت أجش ذو بحة رائعة أطاحت بثباتها الواهي ودب الإضطراب بداخلها مرة أخرى فنبرة صوته قوية مميزة للغاية …
_ صباح الخير عزيزتي ، ماذا حدث ..؟!!
لم يوجه لها أى حديث مطلقًا بل أشاح عيناه عنها محدثًا الشقراء كما كما لو كانت فراغ أمامه فبعد تحديقه تجاهها لفترة تحدث مع “كاتينا” دون تكلف لعناء إنتباهه بوجودها .
رفعت “عهد” عيناها بإندهاش فهل جميع قاطني هذا الكوخ مغيبين إلى هذا الحد ، فهو أيضًا لا يدرك شئ عن هبوب العاصفة ويظن أنه مازال بالصباح بالرغم من أن الساعة تخطت الثالثة ..
أجابته “كاتينا” وهي تلتف بكتفيها بدلال فاهت له “عهد” بنفسها ما بال هذا الرجل ..
_ صباح الخير عزيزي ، لقد هبت عاصفة ، وستبقى تلك الفتاة معنا لبعض الوقت ، أرأيت ما حدث ، لقد قطعت الطرق بسبب غزارة الأمطار …
إستدار “ماوصي” تجاه “عهد” وقد علت ملامح الرفض والغضب على ملامحه مستنكرًا بقائها بأى صورة ليهتف بحدة وبدون لباقة ليُسمع “عهد” رفضه الصريح الذى أثار حنقها بعجرفته ..
_ بالطبع لا … كيف تسمحين لأى غريب بالبقاء معنا يا “كاتينا” ؟!!
بنظرات لطيفة بريئة للغاية تطلعت “كاتينا” بـ”عهد” أولاً ثم نظرت تجاه “ماوصي” تترجاه بوداعه ..
_ ألا ترى كيف هي مسكينة تشعر بالبرد من شدة المطر …!!!!
مال “ماوصي” بأذن “كاتينا” يهمس بصوت لم يظن أنه يصل لمسامع “عهد” ..
_ ألا يمكن أن تكون سارقة أو قاتلة متسلسلة .. ألم أقص عليكِ العديد من تلك الحوادث التى أسمع عنها …!!!!
لوت “عهد” فمها بإمتعاض وهي تعقب بسخرية على أفكاره بالعربية ظنًا منها أن لا أحد منهم يفهمها …
_ ولازمته إيه قطع الأرزاق ده ، ما تنجزوا بقى …!!!
إستدار “ماوصي” برأسه تجاهها بصدمة وهو يطالعها بأعين متسعه حتى كادت مقلتيه تحرقانه من شدة إندهاشه لتظهر لمعة بريق عيناه الحادة التى أربكتها دون النطق بكلمة واحدة ليفاجئها بصدمته وهو يسألها بالعربية ..
_ إنتِ مصرية …؟!!!!!!!
صدمة جعلتها تشهق بقوة فلم تظن لوهلة أنه يفهم اللغة العربية ويدرك أنها مصرية ..
_ إنت مصري …؟!!
إعتدل “ماوصي” وهو يحدق بها بشكل متفحص يحاول إدراك بفطنته ماهية تلك الفتاة التى تقف قبالة متفكرًا لوهلة ثم أردف بسخرية وعدم تقبل …
_ أهلًا … وسهلًا …!!!!
رفض مستهجن أثار نفورها لتناظره بإمتعاض لتستعيد شخصيتها الرافضة أيضًا لتجيبه ساخرة ..
_ ولما إنت مصري عامل فيها أجنبي ليه … ولاااا هم إللي بيقعدوا هنا لازم يبقوا أجانب بس ؟!
طريقتها اللاذعة أثارت نقطة لم تثيرها غيرها من قبل ، لم تتحدث بتلك العدائية أليس من المفترض أن تكون ودودة لطيفة لطلبها البقاء معهم ، تطلع مرة أخرى لهيئتها الرجالية وملابسها الثقيلة السوداء التى بالكاد تظهر إستدارة وجهها فقط ثم زم فمه بلا مبالاة بينما أخفى الفضول الذى إعتراه تجاه تلك الغريبة ليردف بتعالي دون إهتمام كما لو كانت تشحذ منه ..
_ لا عادى ، أقعدي …
قالها كمن يحسن إليها بفتات الخبز لترفع حاجبها الأيمن عاقدة أنفها بضيق من طريقته التى يبدو أنها لن تريحها بفترة بقائها هنا ..
نظر نحو رد فعلها بجانب عيناه وهو يميل ليحمل كوب من الكاكاو كمن لا يكترث بها ليسألها دون النظر نحوها مباشرة ..
_ وإسمك إيه بقى ؟!!!
رغم أنها ليست مضطرة لإجابته أو لتكون ودودة إلا أنها وجدتها من قلة الذوق عدم إجابتها لسؤاله لتردف برسمية …
_ “عهد” … “عهد مسعود” …
رفع من قامته الطويلة وهو ينظر مباشرة بعسليتاها كمن يخترقها بنظراته النافذه وهو يكمل تعارفه بها قائلاً بصوته الأجش …
_ ” معتصم دويدار ” …
فور نطقه بإسمه رفعت أنفها بتقزز وهي تردف بإستهجان وتهكم …
_ “معتصم” !!!!!!! … أمال إيه “ماوصي” ده ..؟!!
أراح ذراعه الطويل فوق كتف “كاتينا” يجيبها ببعض الغرور باللغة الإنجليزية حتى تتفهم “كاتينا” حديثه …
_ عزيزتي “كاتينا” تحب مناداتي بـ”ماوصي” ، لكن إسمي هو “معتصم” … ألديك إعتراض ..؟!!
قالها بنديه كما لو أنها تتصارع معه وليست ضيفه بالكوخ الخاص به ، لا يدرى لم أثارت تلك الفتاة بداخله هذا الشعور ، أخرجت من داخله تحدى لطريقتها الخشنة اللاذعة …
إبتسمت “كاتينا” بنعومة لتفهمها بم يتحدثون بعد أن وقفت لبعض الوقت لا تدرك ما تحدثوا به بالعربية منذ قليل …
زوجان آخران سيسببان لها التقزز بدلالهم المغثي للنفس لتشمئز متمتمة بصوت ملحوظ نوعًا …
_ وربنا إفتكرتها بتنادي على الكلب بتاعها من ساعة ما قالت ..( حاولت تقليد دلال “كاتينا” بصوتها الرفيع ) …”ماوصي” …
أهدل “معتصم” يده عن كتف “كاتينا” بعصبية من سخريتها منه فكم هي صاحبة ردود لاذعة وقحة لا تتناسب ووضعها كضيفة ببيتهم للحظة هتف بها بحدة جعلتها تخشاه بقوة فله هيبة لا تدري من أين إكتسبها …
_ إحترمي نفسك وصوني لسانك ، ده إيه الدبش إللي بتنطقيه ده ..!!! متنسيش إن إنتِ في بيتي …!!!!
لملمت شفاهها بإضطراب فقد أخطأت حقًا بتطاولها المبالغ فيه خاصة وهي ضيفة ببيته لتومئ بخفة وتفهم دون أن تنطق بكلمة ، إنه الوحيد الذى إستطاع لجم كباح كلماتها المتراشقة كالحجارة لكن نظراتها الشرسة نحوه لها رأى آخر ، نظرات قابلها بأقوى وأعنف منها فلم تتواجد بعد من تهزمه وتقدر عليه …
صراع نظرات حادة وتحدى بينهم ، نظرات صامته لم يشوبها سوى “كاتينا” التى شعرت بهذا الصدام الذى لا سبب له ،و لوقف تلك الحِدة الغير مبررة بين كلاهما تدخلت “كاتينا” قائله ..
_ إتبعيني يا “آهد” لتبدلي تلك الملابس المبتلة بأخرى جافة …
سارت “كاتينا” أولاً ثم لحقتها “عهد” للدور العلوي لتبدل ملابسها وهي تؤنب نفسها بهذا الذى شغل فضولها بطريقته المميزة التي لم يصل إليها غيره من قبل لكنه متعجرف حاد فكيف يجرؤ على مجابهتها وكبح كلماتها اللاذعة بقوته الشرسة التى رأتها منه منذ قليل …
________________________________
شقة المستشار خالد دويدار …
بذلك العمر فإن المحبة تعني السكون ، أن يرافق روحان بعضهما البعض حتى ولو لم يتخلل جلستهم أحاديث عديدة مشوقة كالسابق …
كأصابع اليد الواحدة يحفظون بعضهم البعض كظهر اليد لا يكل ولا يمل كلاهما من بعضهما البعض ، زوجان شابا على المحبة والهدوء ، جلست “منار” تتابع أحد البرامج التليفزيونية بتملل بينما أخذ “خالد” يقرأ أحد كتبه فى هدوء …
قطع هذا الصمت دقات مبتهجة بباب شقتهم سرعان ما رَسمت بسمة على ثغريهما فهم يدركان تمامًا صاحبة تلك الدقات الشقية …
نهضت “منار” لفتح الباب فمساعدتها السيدة “أم مجدي” لم تأتي اليوم أيضًا …
بقفزة خفيفة طلت “غدير” بإبتسامتها ذات الأسنان المميزة وقد إنفرجت شفتاها عن آخرهما بروح مرحة …
_ مساء الحلويات على عيون الحلوين …
_ مساء الخير يا “دورا” ، تعالي إدخلي …
هزت كتفها بشقاوة وهي تتخطى “منار” مؤكدة ..
_ طبعًا داخله ، فين سيادة المستشار ، مش سامعه له صوت …
قالتها وهي تدلف تجاه غرفة المعيشة حيث يجلس “خالد” وهو يتطلع خلف نظارته الطبية لتلك الكتلة من الحيوية التى أهلت عليهم للتو يرحب بها …
_ إزيك يا “غدير” ؟!! تعالي أنا هنا …
جلست “غدير” تطالع إسم الكتاب وهى تمط شفتيها تتصنع الغباء …
_ والله يا عمو إنت تاعب نفسك بكتب القانون دي … مفيش مرة قصة ولا رواية ولا حتى مجلة … مبعرفش أقرا الكتب المكلكعة دى خالص !!
نحى “خالد” كتابه جانبًا وهو يشرح بتلذذ فؤائد كتب القانون خاصته وهو ما أرادت “غدير” الوصول إليه فمتعه هذا الرجل كانت تكمن بعمله الذى يفتقر إليه بالوقت الحالي …
_ كتب القانون دى متعة فى حد ذاتها … بتفتح آفاق فى العقل مش مجرد كلمات مكتوبه ولا حفظ مرسل وخلاص …
تركته “غدير” يصف ويستمتع بتلك اللحظة بالحديث عما يستهويه وقد غرس به لسنوات عمله الطويلة قبل أن تقطع “منار” حديث “خالد” بسؤالها العفوي …
_ إنتِ جايه لنا مخصوص ولا رايحة مشوار .. ؟!!
وسعت “غدير” مقلتيها وهى تتشدق بحاجبيها بشقاوة …
_ رايحه أتغدى مع “مودة” أختى … بقالي كتير مروحتش ..
إرتسمت بسمة لطيفة على ثغر “منار” ما بين مستحسنة ومشفقة بنفس الوقت ، فكم تشفق على حال أختها اليتيمة التى تعيش بمفردها بعد زواج “غدير” لتجدها فرصة جيدة بدعوتها هي أيضًا ليوم الغد ..
_ طب كويس أوى … أهو برضة تأكدي عليها إنها لازم بكرة تيجي تتغدى معانا فى عزومة الجمعة دى …
تلك المرة إبتسمت “غدير” بهدوء إمتنانًا لتلك السيدة التى إحتلت بقلبها مكانة كبيرة خلفته أمها بفراغ بعد رحيلها لتردف بهدوء …
_ إن شاء الله حاضر … حأكد عليها …
نهضت بعجالة حتى تلحق بأختها والعودة قبل موعد عودة “عيسى” ..
_ أنا يلا بيا بقى يا دوب ألحق الغلبانة دى وأرجع قبل ما “عيسى” يرجع من المكتب …
قبلتهم بقُبلة بالهواء وهى تأشر بكفها ملوحة تودعهم …
_ سلام يا قطاقيط … بلاش شقاوة لحد ما أرجع … ماشي …
كريح خفيفة بنسيم عابر تركتهم “غدير” كما أتت تمامًا سريعة ولطيفة …
تعلقت بها عينا “منار” وهى تردف بإرتياح وبتمنى أيضًا …
_ جميلة “غدير” … ربنا يرزق “معتصم” هو كمان ببنت الحلال إللي زيها وزي “نيرة” خطيبة “رؤوف” وأطمن عليه هو كمان …
بضحكة متهكمة قصيرة أجابها زوجها ..
_ إبنك “معتصم” ولا بتعجبه أى واحدة فى الدنيا … محدش مالي عينه … معندوش غير دماغه وشغله وبس ..
جلست “منار” وهي تزم شفتيها بإيمائه موافقة حديث زوجها …
_ صدقت والله … أنا غلبت أدور له على عروسة تدخل دماغه ومفيش ولا واحدة عجباه .. حنقول إيه … دماغه ناشفه زي أبوة …
رفع “خالد” حاجبه مستنكرًا ببعض المزاح …
_ وماله أبوة بس .. حتقلبي عليا ليه …!!!
إبتسمت “منار” معقبة ..
_ مبيعجبكش أي حاجة ..
_ بس لما إخترت .. إخترت صح …ولا تنكري .. ؟!!
قالها بنوع من الغزل المتوارى لتشعر “منار” بالسعادة والفخر بكلماته ..
_ فى دي عندك حق …
________________________________
سويسرا ، الكوخ ..
لم تنبهر عيون “عهد” بالغرف كثيرًا فقد إعتادت على جمال التصميم لهذا الكوخ ، وقفت بداخل غرفة صغيرة تتطلع بإزدراء لتلك القطع الخلابة من الملابس ذات الألوان الزاهية التى تضعها “كاتينا” أمامها لتختار ما يناسبها بينهم ..
أغلب تلك الملابس كانت قصيرة ناعمة بشكل لا يتوافق معها على الإطلاق ، أخذت تتطلع بإشمئزاز دون الإقتناع بإحداهم لكن عليها الإختيار بدلاً من ملابسها المبللة ..
بعد فترة من التمعن سحبت “عهد” كنزة صوفية رمادية واسعة وبنطال من الجينز الأسود كـ لون وسطي لما إعتادت عليه ..
مظهر تلك القطع على “عهد” وطولها الممشوق إختلف تمامًا عن هيئته على “كاتينا” القصيرة لكنها كانت تشعر بالضيق لمجرد تبدل ذوق ملبسها ، فهل يمكن أن يعتاد المرء أمر يظنه لن يؤثر به ليصبح هو المسيطر عليه بتلك الصورة ..
كانت لو أنها فتاة أخرى غير التى إعتادت عليها حتى ملامحها باللون الرمادي شعرت بأنها مختلفة …
خلعت غطاء رأسها لتترك شعرها يتنفس لبعض الوقت قبل أن تلملمه للأعلى مرة أخرى لكن بعشوائية قليلاً فهي لم تجد ما تمشط به شعرها …
ألقت نظرة طفيفة على جهازها اللوحي عبر شبكة الإنترنت التى ضعفت للغاية بفعل العاصفة حتى أنها بالكاد ألقت نظرة خاطفة على برامجها المخصصة حين عادت “كاتينا” تدعوها برقتها ..
_ هيا لتنضمي لنا لنتناول وجبة ساخنة سويًا ، لابد أنكِ جائعة …
كم هي لطيفة بشكل مبالغ به شئ لم تعتاده “عهد” بحياتها القاسية ، رغم صعوبة الأمر رسمت “عهد” إبتسامة على ثغرها بشكل مزيف فهي حادة جافة دائمًا ..
تبعتها “عهد” للأسفل لتقع عيناها على هذا الغامض بلقائهم الثاني والذى بدوره رفع حادتيه تجاهها متبينًا ملامحها الجميلة التى كانت تخفيها خلف ملابسها الكثيرة السوداء منذ قليل …
نظرات ثابتة إخترقت صدرها أولاً ليصاب قلبها بإرتجاف لم تعهده من قبل ، إضطراب غير طبيعي بحضور هذا الـ”معتصم” يجعلها متوتره بشكل ضايقها بدرجة كبيرة …
أعدل من وضع رأسه وهو مازال مثبتًا عيناه البراقتان نحوها وهي تتقدم نحوه بشموخ وقوة أثارت إنتباهه بشكل ملحوظ ….

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظننتك قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى