روايات

رواية أشلاء القلوب الفصل الخامس عشر 15 بقلم ندى محمود

موقع كتابك في سطور

رواية أشلاء القلوب الفصل الخامس عشر 15 بقلم ندى محمود

رواية أشلاء القلوب الجزء الخامس عشر

رواية أشلاء القلوب البارت الخامس عشر

أشلاء القلوب
أشلاء القلوب

رواية أشلاء القلوب الحلقة الخامسة عشر

لفت نظره تلك البطاقة التي أتي من أجلها فيلتقطها وأذا به تُلجم الدهشة لسانه وتعقده حين رأى الاسم كالأتي ( زمردة عزت محمد الصاوي ) عاد يمعن النظر في صورة البطاقة يتأكد إذا كانت هي بالفعل أو لا ، فتزداد دهشته حين يرى صورتها ، وقف يتأمل الاسم في ذهول وعقله يدور حول نفسه فى حلقة دائرية قائلًا ” لا ، لا يمكن أن تكون تلك الفتاة ابنة عمي عزت ، كيف تكون ابنة عزت الصاوي ؟! ، وهل الجميع يعرف هذا ماعدا أنا ! ” أدرك الآن سبب العبرات التي رأها في مقلتيها حين القمها بلفظه حجرًا ” مين أنتي أصلًا علشان نهتم بيكي ! ” .. حينها رأي الألم يتجسد بجميع أشكاله في عيناها البنيتين التي تلومه على ماقاله وهو يجهل كل شئ وبالأخص من هي ، أدرك أيضًا سبب ذهابها مع مروان الأمس ، عابه ضميره قليلًا على ما الفظه لسانه في حقها بدون وعي ، ولكن كيف لهم أن يخفوا شئ كهذا عنه لطوال سنوات مرت طويلة . وضع تلك البطاقة في جيب بنطاله واندفع إلى خارج المنزل .
***
فتح الباب وتقدمت هي أولًا بالدخول وتبعها هو وأغلق الباب خلفه ، تسمرت بأرضها فجأة ووضعت كفها على يسارها وأستنشقت الهواء بصعوبة وتزفره بسرعة ، وقف يحدجها ويتابعها بقلق بسيط الذي سرعان ماتحول إلى هلع حين استندت بيدها على ذراعه وساءت حالتها ، شحب لون وجهها وهي ترتجف وتعافر في التقاط بعض الأكسجين لرئتيها .. حاوطها بذراعيه من كتفيها هاتفًا بفزع ظاهر في نبرة صوته :
_ ملاك مالك ، ردى عليا !
أسعفت الكلمات كالذى يلفظ آخر حروفه قبل خروج روحه بانتفاضة شديدة :
_ ما..يه يا أُسيد مايه
بذراع حاوط كتفيها والآخر قبض على كفها الأيسر يساندها للوصول إلى الأريكة وأجلسها عليها ، ثُم أسرع في خطاه أشبه بالركض نحو المطبخ ليجلب كوب ماء بارد لها كما طلبت ، وعاد لها مهرولًا يناولها إياه ، رأى يدها المرتجفة وهي تمدها لجذب كوب الماء بالتهاف ؛ فلم يتردد لثانية ومد هو بيده كوب الماء إلى فمها يرويها بحذر ، وعندما اكتفت أبعدت الكوب عن فمها ورجعت برأسها للخلف تتنفس الهواء بأرتياح بسيط ورجفتها تعتريها مازالت ، أسند الكوب بجوراه وهتف بنبرة حانية قلقة :
_ أخدك ونروح للدكتور تاني ياملاك لو لسا تعبانة ؟
هزت رأسها بالنفي القاطع وتنظر له بنعومة وابتسامة ضعيفة فترى الفزع وانخطاف لون وجهه يحتل مركزه ، ونظرته الدافئة يصوبها نحوها كالضوء الخافت من عينيه فتمتمت ببحة بسيطة :
_ لا ، بقيت كويسة الحمدلله متقلقش
_ طيب قومي يلا روحي الاوضة ارتاحي
اعتدلت في جلستها بحرص وتمتمت بضعف وهي تنتفض :
_ مش قادرة أوقف على رجلي أساسًا يا أُسيد استني أما أقدر أخد نفسي كويس وارتاح أكتر أبقى أقوم
هب واقفًا وانحنى فيحملها على ذراعيه بخفة ورشاقة ، فتشبتت برقبته من الفزع وطالعته بوجنتين متوردتين حين وجدته يقول بمزاحه المحبب لقلبها :
_ مش كده أفضل ولا أيه ؟ ، احنا لسا هنستنى أما تاخدي نفسك وترتاحي
دفنت وجهها بين ثنايا صدره تبتسم باستحياء لا تجرؤ على وضع عيناها بعينه الثاقبة الزرقاء ، كل يوم تزداد عشقًا له أكثر لن يهدأ إلا عندما تذهب وتعترف بعشقها له بدون مقدمات ، نعم تبذل قصاري جهدها في التعامل معه كأنها صديق لها ولكن عيناها تنحرف عن القوانين وتفضح كل شئ عزمت على إخفائه . وجدته يسير بها نحو غرفته فقالت بريبة :
_ أُسيد أنت موديني أوضتك ليه ، وديني أوضتي !
رمقها بطرف عينه مبتسمًا بحنان فى شئ من اللؤم ، حين رأى ملامح وجهها المتساءلة والخجلة وهي تطالعه بفضول تحسه على الأجابة فلبى طلبها الخفي وقال بعد أن أفترت شفتاه عن ابتسامة ساحرة :
_ ماهي دي أوضتك ياملاك ، مكان ما أنا قاعد أنتي تقعدي ، أنا معنديش حاجة اسمها أنام في أوضة وأنت تنام في أوضة ، حتى لو كان جوازنا وعلاقتنا عادية ومفيش أي حاجة مابينا ده ميمنعش إنك تنامي في نفس المكان اللي أنا نايم فيه
أتسعت حدقتيها بدهشة وتورد خداها يكاد ينجبي منه الدم ، تراقص قلبها فرحًا لرغبته في قربها منه وأن تكون بجوراه طوال الليل ، لعلها تكون بداية لشئ يتمناه قلبها بشدة وهو قلبه ! ، لهيب الرغبة الأبدية يشتعل داخلها وعيناها تبتسمان له بحبٌ . تحرك ووضعها على الفراش بحرص ثُم أردف بصوت لين بجدية تامة:
_ أجيبلك حاجة تاكليها ياملاك أو عصير علشان تتحسني أكتر ؟
رأها وهي تهز نافية برقة لتتلاقي الأعين في لحظة عابرة مرت كسلحفاة تسير ، عيناه التي تبتسم لها بدفء ونعومة لا تستطيع مقاومتها ، كأنها تحتضنها ، ماهذا الرجل الذي بليت به يا الله ! ، أصبحت تعشق كُل تفصيلة صغيرة به : عيناه ، نبرته ، ابتسامته ، ضحكته ، حنانه . أن ظلت تعُد كل تفصيلة به لن تنتهي للصباح ، ولكن برغم هذا ففضلت الإبتعاد عنه فلا تأمن ماذا سيحدث فيما بعد ربما ينفصلا بالفعل ، تعلم وأنها إن أبتعدت عنه وفصلت بينهم بلاد لن تستطيع انتزاع حبه من بين أعشاش قلبها ، ولكن سيكفيها شرف المحاولة .. رفعت نظرها له وهتفت بصلابة :
_ مش عايزة آكل يا أُسيد عايزة أرجع أوضتي لو سمحت وأنام هناك
زفر زفيرًا مزمجرًا ثُم أجاب ثائرًا وكأن قلبه بدأ يأبى ابتعداها عنه بأي طريقة إن كانت ، يريدها أن تكون معه دائمًا وبجوراه يتأملها حين يشاء يشعر بوجودها وأنفاسها معه .. أصبح الأمر أكثر خطورة من ذي قبل وهو أكثر من يلاحظ هذا ولكن لا يكترث لعقله الذي يحاول إفساد كل لحظة حلوة :
_ أوضتك معايا هنا ياملاك مش هناك ، ثُم إنك تعبانة وممكن تتعبي في أي وقت والأفضل إنك تكوني جمبي
يتخذ من مرضها حجة لرغبته في قربها منه ، من يخدع ياترىَ هل يحاول خداع نفسه التي هي أكثر من يعلم بهذا ، يخشى أن تمر الأيام ويزداد ذلك الشعور بداخله فيضعف ويخضع لها تمامًا ، زاد انفعالها حين قالت متضايقة :
_ مش هتعب يا أُسيد وحتى لو تعبت أنا مش قاعدة في بلد تانية أقلها حاجة هنده عليك أو أجيلك وأصحيك
استطرد بغضب في أعين ملتهبة :
_ أنا مبحبش النقاش والجدال الكتير ، سمعتي اللي قولته وخلص الموضوع خلاص أقل حاجة تقدرى تقوليها هي حاضر !
أشاحت بوجهها للجهة الأخرى فى خنق فبدأ هو بتبديل ملابسه وأتجه إلى الحمام توضأ وصلى فرض العشاء وطلب منها القيام لتصلي فرضها فنهضت وتوضأت ثم شاركته الصلاة وفور انتهائهما وقفت وعادت إلى الفراش تسحب الغطاء إلى أعلى كتفيها ، دقائق وأنضم لها عبرت عن انزعاجها من طريقته التسلطية بأن توليه ظهرهها ؛ فسمعت تأففه بخنق جراء ماتفعله الآن ثُم أغمض عيناه واستسلم للنوم وهي فعلت كذلك ….
***
ارتفع ضوء شمس الصباح الدافئة في السماء ومعه فتحت عيناها ببطء لتقابل وجهه أمامها يصدر شهيقًا محمل بثاني أكسيد الكربون ويعود لاستنشاق الأكسجين النقي ، تأملت محياه بعشق لدقائق طويلة ، أصدر علقها إشارة ليدها بأن تمدها وتلمس لحيته الكثيفة وتخلل يداها بين خصلات شعره السوداء ، ترددت كليًا وأصبحت تمد يدها وتكاد تلمسه فتتراجع فورًا ؛ خوفًا من أن يستيقظ فجأة فتقع في مأزق ، ظلت تمد يدها وتتراجع هكذا حوالي خمس مرات حتى حسمت أمرها وليحدث مايحدث أن فاق ، بدأت بدايةٍ من لحيته تتحسها بنعومة وخفة كي لا توقظه ، صعدت بلمساتها لشعره تمرر أصابعها عليه وتخللها بين خصلاته .. رأت بؤبؤي عيناه يتحركا يمينًا ويسارًا من أسفل جفن عيناه يعطي الإشارة لها باستيقاظه ، همت بأن تبتعد عنه ولكن كان الهاتف أسرع منها حيثُ أصدر رنينه المرتفع فينتفض جسدها معه بفزع ومعه أفتح عيناه دفعة واحدة وكأن ذلك الصوت أصابه بالزعر وأقلق منامه أكثر من لمستها .. وأتسعت مقلتيه حين رأى وجهها يكاد يكون فوق وجهه وأنفاسها تلفح صفحة وجهه ، دق قلبها بشدة وفقدت حاسة النطق عندما أحست بصوتها لا يخرج من حلقها ، ووجهها أصفرّ بشدة ، ابتعلت ريقها العلقم بصعوبة ، نظرته المستفهمة والمندهشة من وضعها أوشكت على فقدها لوعيها ، ران الصمت بينهم لثوانٍ معدودة ، حاولت إنقاذ الموقف فتجيبه بصوت مبحوح يكاد لا يسمع جاهدت في إخراجه طبيعيًا :
_ تـ… لفونـ..ك كان بيرن وأنا كـ..نت هجيبه وأصحيك
لاحت ابتسامة ماكرة على جانب ثغره ، تحاول خداع رجل داهية لديه خبرة بكل شئ حتى بأمور النساء وإن كان لا يبدو على سيمه هذا ، فهمت من نظرته وابتسامته أن أمرها انفضح أمام ذلك الخبيث وتأكدت ظنونها عندما سمعته يقول بنبرة لئيمة تحمل بداخلها معاني جمة :
_ هو التلفون على وشي ولا أيه !؟
أزداد وضعها سوءًا وتسارعت أنفاسها فتشير بيد أشبه بيد مرتجفة نحو المنضدة الموجودة يجوار الفراش وموضوع عليها الهاتف وقالت بتلعثم :
_ أ..نا كنت همد إيدي وأجيبه
وجدت أن الأمر هكذا لن يجدي نفعًا فأتخذت طريقًا مغايرًا وهو الانفعال وإظهار إنزعاجها من إتهامه ووقاحته :
_ وبعدين أنت بتبص كدا ليه ، أنا غلطانة أصلًا ، أنت دايمًا بتتهمني بحجات زي دي
أوقعت نفسها في الوحل وكأن الفريسة ذهبت لصائدها بنفسها تقول له التهمني ، أظهرت سذاجتها بقولها هذا ليقول هو بنبرة أكثر خبثًا بعد أن بدأ يكون الحوار مسلي ومثير :
_ أتهمك ! ، بس أنا متهمتكيش بحاجة أنا بسألك بكل حسن نية ، بس واضح إنك كشفتي نفسك بنفسك بما إنك بنقولي إتهام فأنتي قصدك إتهام أيه بقى ؟
كيف ستنجو من ذلك الماكر اللئيم الذى يتقن أوقاع فرسيته فى شباكه بكل مهارة ، ولكن هي من وضعت نفسها فى ذلك الموقف ! .. هبت واقفة على قدميها من الفراش لتجيب بزمجرة :
_ على فكرة بقي أنت قليل الأدب وتفكيرك زيك ، أنا معرفش أنت قصدك أيه وبتفكر في أيه بس أنا غلطانة أني كنت عايزة اجبلك التلفون !
قالت جملتها الأخير وهمت بأن تفر بنفسها إلى الخارج ولكنه وثب من الفراش برشاقة جسدية وقبض على ذراعها متمتمًا بضحك :
_ مش لايق عليكي الكدب ياملاك ؛ لأن ملاك اللي أنا اعرفها مبتعرفش تكدب وده اللي شايفه قدامي !
ازاحت يده عن ذراعها ببطء وهى تشعر بقلبها يكاد ييتوقف عن العمل من التوتر ولم تمكث لثانية أخررى حيث ركضت إلى الخارج كالعصفور الذي تحرر من قفص صاحبه ! ، فضحك هو بخفة على حالها الذي كطفل صغير ارتكب خطأ ومن فرط خوفه يخشي حتى الاعتراف به …
***
كانت تقف أمام نافذة غرفتها تتابع المارة في الشارع بشرود ، فإذا بها تسمع صوت طرق الباب فتلتفت بجسدها ناحية الباب وتسمح للطارق بالدخول . ظهر من خلف الباب مروان الذي طالعها مبتسمًا ثُم دخل ودفع الباب دفعة بسيطة لتهئ لها أنه مغلق ، ثم أقترب منها وتمتم بتعجب :
_ أيه يازمردة أنتي قاعدة في الأوضة أغلب الوقت ليه اطلعي واتحركي ده بيتك !
ابتسمت بصفاء قائلة برقة :
_ عادي يامروان أنا من النوع اللي مش باخد على المكان بسرعة وكمان خايفة أن طنط أحلام تتدايق أو حاجة وأنا لسا برضوا مخدتش عليها
قهقه ببساطة ليجيبها بمزاح :
_ طنط أحلام هي اللي مصدعاني من أمبارح بليل وبتقولي روح شوف أختك قاعدة في الأوضة ليه ، يعني محدش مدايق يازمردة
تنفست الصعداء بسعادة داخلية ثم هتفت بتساءل :
_ هو أنتوا قاعدين في القاهرة هنا ليه ومش قاعدين في بيت جدي في البلد اللي أعرفه إنكم كنتوا قاعدين هناك ؟
أقترب منها ومرر يده على ذراعها نزولًا وصعودًا بحنو قائلًا في إيجاز :
_ ده موضوع كبير هقولك عليه لما أرجع بليل المهم دلوقتي اطلعي يلا ؛ لأن أمي مستنياكي بره علشان تفطري معاها لأني مستعجل وهفطر برا .. بلاش الكسوف ده يازمردة ياقلبي مفيش حد غريب في البيت خدي راحتك واطلعي وادخلي
شعرت بالراحة والحب لأخيها الذى يهتم لأمرها ويعاملها بحنان لو كانت تعرف أن الأمور ستكون بهذه السهولة لم تتردد ثانية في إخبارهم الحقيقة منذ زمن طويل ، فخرج صوتها الصادق والرقيق :
_ حاضر
***
ساعات مرت وكان كل من أسمى وليلى يجلسون في الحديقة يتحدثون عن مشكلات العائلة فإذا بسيارة أسيد ترتص أمامهم في مكانها المخصص ، ترجل منها وسار نحوهم نسيت أسمى كيف يكون العتاب والخصام عند رؤية أخيها الذي لم تراه منذ أيام طويلة ؛ فركضت نحوه وأرتمت داخل أحضانه وهي تقول بأشتياق :
_ أُسيد وحشتنا أوي والله
لم يصمد أمام حبيبته الصغيرة فرفع رأسها يحيط وجهها بين كفيها ويقرص وجنتها بخفة في صوت ناعم ومحب :
_ وأنتي أكتر ياروح أُسيد
ثم ابتعد وأتجه نحو والدته التي تجلس تحدق به مبتسمة بأشتياق لا يختلف عن شقيقته ، فقبض على كفها ورفعه إلى شفتيه يقبل ظاهره بنظرة دافئة ثم يقول بصدق :
_ وحشتيني ياست الكل !
قررت الإظهار عن تزمرها وغضبها منه قائلة :
_ مهو باين إني وحشتك وأنت ماخد الهانم ورايح تقعد فى شقتك معاها وسايب أختك وأمك !
جلس بجوراها وهو يزفر بضيق واضح ولكنه فضّل التعامل برقة أكثر مغمغمًا :
_ أسيبكم أيه بس ياست الكل ، هو أنا كنت هقدر أبعد عنكم لولا إني عارف أن مراد قاعد ، وقعاد ملاك معاكم مش هينفع خالص علشان كدا أخدتها وروحنا قعدنا فى شقتي ومش هينفع أوديها الشقة وأسيبها وحدها وأجي هنا
ابتسمت أسمى بسخرية وعقدت ذراعيها أمام صدرها رامقة إياه بغيظ لتجيب بنفس النظرة :
_ أه متقدرش تسيبها وحدها لكن تسيبنا احنا !
حدجها بنظرة مخيفة وهو يهتف بانفعال بسبب نظرتها ولهجتها الخارجة عن نطاق الأدب معه :
_ أسمى اتكلمي كويس أيه الطريقة دي ، أنتي نسيتي نفسك علشان أنا ساكتلك مش كفاية عملتي مشكلة للسما لما قولتي لجدي وأنا عارف إن مفيش غيرك اللي قاله ، جدي وعمي أنا كنت هقولهم بموضوع الجواز ده بطريقتي بحيث أنها متحصلش مشكلة
صاحت به بعدم أهتمام لأخيها الكبير في أنحطاط ونبرة متغطرسة أثارت بها جنونه :
_ أه أسمى دلوقتي طلعت وحشة لكن الهانم اللي جيت واتجوزتها واحنا منعرفش كانت قاعدة فين ولا مع مين والله أعلم ضحكت على كام راجل اللي هو أنت منهم أنت أيه عرفك كانت عايشة أزاى مش يمكن كنت بتقضي كل ليلة مع راجل شكل وأقنعتك أنت وريان أنها البنت الشريفة المظلومة والبريئة
وكأنها ألقت الكبريت المشتعل على البنزين في مكان ممتلئ بأنبوبات الغاز فتشعل نيرانه وتُفجّر كل أعصايره سامحة لعاصفة مدمرة جامحة من غضبه للأنطلاق أو أشبه بوحش هائج فُتح له القفص فانطلق يدمر كل شئ وكان أول مايقابله في طريقه هي . هب واقفًا ونزلت صفعة قوية على وجنتها انتهى بها كل الكلام المسموح ليصيح بها بصوت جهوري أوقع الرعب في قلبها :
_ شكلك عايزة تتعلمي أزاى تردي عليا باحترام ، كنتي مستنية مني القلم ده يا جزمة علشان تتعدلي وتحترمي نفسك ويارب أسمع إنك عملتي مشكلة تاني مع ملاك فاهمة ، هتتحميلها غصب عنك والكلام اللي قولتيه ده لو سمعته تاني يا أسمى أقسم بالله لتشوفي حاجة أنيل من القلم ده ، القلم ده تحذير ليكي بس مش أكتر علشان بعد كده تعرفي تتكلمي مع أخوكي الكبير أزاى .. غوري من وشي يلا !!
تطلعت له بأعين دامعة ومنكسرة تلك هي أول مرة يرفع يده عليها وسرعان ما استدارت وركضت إلى الداخل ومنه إلى غرفتها هبت ليلي واقفة بغضب جم نتيجة للصفعة التي تلقتها ابنتها من أخيها وصاحت بابنها قائلة :
_ ماشي فهمنا أنها غلطت فى اللي قالته بس ازاى تمد إيدك عليها هااا ، بتمد إيدك على أختك يا أُسيد بسبب ست الحسن دي !
وصل إلى زروة غضبه حيث أحمرت عيناه وبرزت عروق رقبته صائحًا :
_ أه ولو كانت نطقت بكلمة زيادة كنت هديها قلم تاني علشان تحترم نفسها بعد كدا ، ملاك مراتي يا أمي والكلام ده قولته قبل كدا اللي هيقول كلمة في حقها كأنه بيقولها في حقي أنا ، دايمًا بتضطروني إني اتعصب كدا بسبب عمايلكم اللي عاملة زي العيال دي ، البنت معملتش حاجة ليكم وأنتي وبنتك حاطينها في دماغكم تعرفي أنكم خلتوني أندم إني جيت أساسًا
لم يسمح لها بأن تجيب عليه حيث اندفع هائجًا نحو سيارته فتتأفف بضيق وحزن دفين قائلة بصوت باكي :
_ ربنا يهديك يابني أنت وأخوك ، أنا تعبت معاكم والله
***
تسير أمام محلات الملابس تشاهد أحدث صيحات الملابس باستمتاع وتارة تجد شيئًا يعجبها فتشهق بإعجاب وتقول ساشتريه وتتراجع فورًا فصاح بها منفعلًا :
_ ماتخلصي ياسارة في أيه ليكي ساعتين شغالة تلفي
صاحت بانفعال مماثل له :
_ هو مش أنت اللي أتصلت بيا وقولتلي فينك ياسارة أنتي مش البيت ليه وقولتلك أني بشتري حجات وراجعة قولتلي طيب أنا هعدي عليكي وأخدك في طريقي ، يبقى متتعصبش عليا وتستحمل يا أما تمشي
باشر بأن يجذبها من خصلات شعرها يفض شحنة غضبه به فأكمل بخفوت محذر وهو بضغط على أسنانه :
_ وطي صوتك ياسارة احسلك احنا في الشارع ولمي لسانك الطويل ده
استشاطت غيظًا لتهتف بعناد :
_ لا خوفت أنا من نظرتك دي ، مراد بلاش تستفزني أنت قاعد فوق راسي من ساعة ماجيت ، أقولك على حاجة أمشي ، أنا أساسًا كلها كام يوم وهمشي لما ريان يرجع البلد أهدى بقى
ازدادت نظرته أشتعالًا حين قال بغيظ من تلك العنيدة :
_ طيب همشي يلا اطلعي قدامي علشان تمشي معايا واوصلك البيت ، ومش هعيد الكلمة تاني اطلعي يلا
أوشكت بالانقضاض عليه وغرز أسنانها في رقبته على تحكمه بها وأثارة غضبها ، ولكنها ابتسمت بداخلها لعودتهم كما كانوا يتشاجرون على أتفه الأسباب وعادت علاقتهم التي أشبه بعلاقة القط والفأر لا يتفقون على شئ ، ولكنها لا تنكر شعورها بالسعادة لإهتمامه بها ، رأت عيناه تحسها على السير معه بتحذير فسارت على مضض وهي تقول بأغتياظ وكأن ثورتها لن تهدأ بعد :
_ ماشي يامراد وحياة أمي لأوريك في العربية ، علشان أنت بني أدم غتت وممكت تحصلك حاجة لو مغتتش عليا ونرفزتني .. ياغتت يابارد أنت أيه اللي جابك أصلًا !!!
برغم ماقالته وأنها تلقبه بتلك الألقاب الأشبه بتشائم ولكن طريقتها فى الحديث أرغمته على الضحك بخفة فيقول من بين ضحكاته :
_ والله أنا اللي هوريكي هلى لسانك الطويل ده
ابتسمت الأخيرة عنوة عندما رأت ضحكته المحببة لقلبها وسارت معه نحو السيارة وهي تعطيه وجه غاضب بعكس مابداخلها ……
***
قضت النهار كله وهي تفكر بتلك الصور التي تجمعه مع امرأة لا تعرفها حتى ارتفع ضوء القمر فى الأرجاء وجلست على فراشها تقلب في الصور بغيظ وقد تأججت نيران الغيرة بداخلها بدون دخل منها ، شملت تلك الصور جميع الأوضاع الرومانسية التي من الممكن أن يعيشها أي حبيبان .. هل لا يستطيع أن يحبها بسبب تلك المرأة هل هناك من يحبها بالفعل ويقضي أوقاته معها ، فرفضت تلك الفكرة من عقلها فورًا فهو يعرف كل أمور دينه وذو أخلاق لا تجرؤ على إنكارها يكاد يكون رجل متدين أي أنه لا يفعل هذا ، فخالطتها فكرة أخرى وهي هل هو متزوج من أخرى ولا يخبرها . أوشكت أن تجن وهي تحدق بتلك الصور تحاول تفسيرها والأفكار تتناطح فى عقلها ، ولكن تلك الأفكار سكتت حين وجدت الباب يفتح معبرًا عن مجيئه لم تتحرك من موضعها وانتظرته حتى دخل الغُرفة وألقى تحية السلام عليها فردت عليه بامتعاض . نزع سترته عنه وبدأ بنزع حذائه ومن ثُم فك أزرار قميصه العلوية فإذا بها تستوقفه بأحد الصور ترفعها في وجهه وتهتف بضجر :
_ من دي يا أُسيد ؟!
حدق بالصورة وقد هاجت شجونه من جديد حين رأى زوجته وحبيبته بعد أن بدأت تهدأ الثورة التي تعصف بين ضلوعه ، أحيتها من جديد برؤيته لتلك الصورة .. وقد برعت في إختيار أقرب الصور أحب لقلبه ، التقطها من يدها وتحسسها بأصابعه يتذكر ذلك اليوم الذي قضوه في أحد البلاد الأجنبية حين ذهب لعمل واصطحبها معه فالتقطوا الكثير من الصور التي تجمعهم مع بعض ، أقترب وأخذ بقية الصور يقلب بينهم بشجن وحزن عاد نزيف قلبه من جديد . تحدقه بإغتياظ وغيرة ظاهرة بالأخص عندما رأت نظرته العاشقة لتلك المرأة التي في الصور ، فرفع نظره لها وهتف بتساءل في هدوء :
_ لقيتي الصور دي فين ياملاك ؟!!
قالت في شئ من الخنق وهي ترمقه غيظًا :
_ كانت في الدولاب تحت الهدوم والغريبة إني لقيت هدوم وحدة كمان ، مش ناوي تقول مين دي وكانت بتعمل أيه هنا !
جلس على الفراش بجوراها وتمتم وهو يثبت نظره على الصورة التي في يده قائلًا بأسى يفضي ألمه لها وهو على يقين أنها ستتفنن في التخفيف عنه :
_ دي مراتي اتوفت من ست شهور ، كانت حامل ووقت الولادة اتوفت ونزل الطفل ميت الدكتور قالها إن الحمل خطر عليها وأنا طلبت منها أنها تنزله علشان سلامتها بس رفضت وقالتلي وقتها يعني أنت خايف عليا من الولادة ومش خايف عليا من عملية إجهاد الطفل ، قضينا خمس سنين ياملاك بنجري على الدكاترة وسافرنا برا علشان الحمل ولما حصل الدكتور قالها أنه خطر عليها ودخلت الولادة ولا شوفتها هي ولا ابني ، اتحرمت من الأتنين ، أحيانًا بقول ياريتها سمعت كلامي ونزلته لأن اللي مكنتش أقدر على فراقه فعلًا هي ، كان عندي استعداد أعيش حياتي كلها من غير عيال ياملاك بس متحرمش منها ، بس برجع واستغفر ربي وأقول ده عمر ومفيش حاجة ليها ذنب في موتها وأقول ” تعددت الأسباب والموت واحد ” يعني الطفل ده ماهو إلا سبب ، بس بجد فراقها كان صعب جدًا ومازال حبي ليها لا يتقدر بتمن
غامت العبرات بعينها إشفاقًا على حالته ، تعلم جيدًا شعور الفقدان فهي تغزت عليه منذ صغرها فقدت كل أحبائها ، والآن هي تشعر بألمه لفقدانه لزوجته وابنه الذى لطالما كان ينتظره منذ خمس سنوات كما يقول ، لم تعرف ماذا تفعل لكي تهدأ من ألمه فكرت في معانقته ولكنها لا تجرؤ على فعل هذا ، ولكن استجمعت شجاعتها حين رأت نظرته لها وكأنه يطلب منها أن تفعل مايجول بخاطرها ، رأت نظرة الاحتياج في عينه يحتاج لوجودها بجوراه كما يفعل حين تكون في وضع صعب مثله ، فقدت شجاعتها مُجددًا واكتفت بقولها الحاني والمتأثر :
_ حاسة بيك لأني جربت الأحساس ده كتير ، بس أنا واثقة إنها في مكان أجمل من هنا بكتير ، وصدقني ربنا هيعوضك يا أُسيد عنها وعن أبنك أنا لو كنت أعرف الموضوع وأعرف إنك هتتدايق كدا وهتزعل بالشكل ده مكنتش وريتك الصور أساسًا ، أنا أسفة !
رأى فى عيناها نظرة الدفء والحب والمزيج من التردد والرغبة في معانقته ولكنها لا تملك الشجاعة ، تحدثت العيون ” وكأنه يقول لا تتأسفي فقط ضمينى فأنا فى أمس الحاجة لذلك ” وفقدت قدرتها في الصمود أمامه وقررت أن تفعل ولو القليل من أجله ، تسد ولو جزء صغير من حنانه معها ، لو كانت هي بذلك الوضع كان لم يتردد هو في معانقتها فكان سيضمها بالطبع ويحاول التخفيف عنه ، لبت رغبته ورغبتها واقتربت منه وضمته لصدرها تمرر يدها على شعرها وتخلل أصابعها بين خصلاته ، أغمض عينه براحة وتلذذ لا يعرف لماذا أرادها أن تفعل هذا ولكن ما يعرفه جيدًا أن قلبه يتعلق بتلك الملاك يومًا بعد يوم ، ولهذا السبب أراد ضمها له لربما تخفف عن شجونه الثائرة بضمها له . كانت في الصباح تسرق اللحظات للاقتراب منه ولمس شعره ولحيته والآن هو بين يديها برغبته ، هو من دعاها لهذا ، دعاها أن تلبي طلبه في أن يكون بين يديها للحظات تخفف عن ألمه فيها ، دعاها في أن يشعر بحبها له الذى يشك به ، في أن يشعر بملمس يدها الرقيقة على شعره .. نعم بدأت تتحول تلك المكانة الذي أخبرها بها لتأخذ حقها في قلبه ، بدأت تأخذ طريقها للجزء الذي من تدخله يلقب بحبيبته ، جزء أن شغله أحد لا يستطيع القلب التخلي عنه أو العيش بدونه ، وهذا الجزء يختلف عن أي جزء أخر حيث يغلقه بألف قفل أن استطاعت أحدهم كسر بعض الأقفال لن تتمكن من كسرهم كلهم والدخول ، ولكن هناك ملاك هو بين يديه الآن امتلك مفاتيح نصف الأقفال والنصف الآخر يستمر في فتحه بسحر يده التي لا يقف أمامها أي شئ صامدًا ، مثله الآن بدأ ينهار من لمستها الساحرة تدريجيًا ، شعور جميل يراوده الآن وهو بين ذراعيها لا يريده أن ينتهي .
***
أستيقظا في الصباح على صوت طرق الباب فتح عينه بتكاسل أما هي فهمت بالنهوض لتفتح ولكن سمعت صوته الصارم يقول :
_ خليكي أنا هقوم أشوف مين
أمتثلت لأمره وجلست مكانها فهنض هو وأغلق الباب خلفه احتسابًا لأي شخص لا يريدها أن تراه مثل ريان ، وبالفعل كان الطارق ريان حيث فتح له وقال له الآخر منفعلًا :
_ أزاي تخبي عني موضوع زمردة يا أُسيد أنت ومراد !
_ شكلك عرفت ، أدخل طيب وأنا هفهمك
دخل وجلس على أحد المقاعد يقول بغضب :
_ فهمني يلا لأحسن أنا شايط من ساعة ماعرفت !
جلس بجوراه وفرك عينه بإرهاق ليجيبه بهدوء :
_ زمردة هي اللي كانت رافضة أي حد غيري يعرف ياريان ومقدرتش أكسر رغبتها ومراد عرف لما سمعني في مرة بتكلم معاها وكنت متعصب منها في حاجة وبتعاند فيها فقولتلها إنك بنت عمي ووقتها عرف يعني أنا مقولتش لحد
صاح به بزمجرة أكثر :
_ برضوا كان لازم تقولي يا أُسيد وأكيد ملاك كانت تعرف برضوا صح ؟
اماء برأسه في إيجاب ثم يجيبه يضيق بسيط ببعض المرح :
_ ماخلاص بقى ياعمنا اديك عرفت وخلاص
نقل نظره في المنزل وهتف بنظرة مشتاقة :
_ أمال ملاك فين ؟!
أجابه بمضض وهو يتعمد ارتفاع نبرة صوته كي تسمعه وتفهم مايريدها فهمه :
_ ملاك نايمة !
بالفعل فهمت تحذيره الغير مباشر لها يحذرها بعدم الخروج ولكنها تريد رؤيته وإن تعتذر منه ، دائمًا يضعها فى مثل هذه المواقف ، أن خرجت فتتلقي نصيبها من ثورانه وأن بقيت ستكون الأمور على مايرام ، ولكنها لا تعرف متى ستسمح لها الفرصة برؤية ريان مجددًا فحسمت أمرها وقررت الخروج وليحدث مايحدث بعد ذلك …….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أشلاء القلوب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى